الحرب النفسية على الإخوان.. محطات وإشارات
إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين
- بقلم/ السعيد العبادى
مقدمة
عانت جماعة الإخوان المسلمين كثيراً من ما يسميه البعض الحرب النفسية والتي غالباً تهدف لتغيير أفكار أو معتقدات الشخص أو المجموعة المستهدفة ويدخل في إطار هذه الحرب النفسية التشويه الإعلامي وحملات التخوين والارتباط بالخارج والتي استهدفت جماعة الإخوان بانتظام وخاصة مع زيادة حدة المواجهة بين الإخوان والنظام الحاكم منذ ثورة يوليو 1952 وربما يكشف عن بداية هذه الحرب الوثيقة التي نشرها الشيخ محمد الغزالي في كتابه "قذائف الحق" والتي تكشف عن اجتماع بقيادة رئيس المخابرات العامة المصرية لوضع إستراتيجية لمواجهة ومحاربة فكر الإخوان وتنوعت الحرب النفسية ضد الإخوان من الهجوم الإعلامي وعمليات غسيل المخ وتلفيق القضايا لتشويه صورة الإخوان .
قال الإمام الشهيد حسن البنا:
العقبات فى طريقنا: أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقى منهم خصومه شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيرًا من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات، وفى هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات. أما الآن فلا زلتم مجهولين، ولا زلتم تمهدون للدعوة، وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد. سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة فى طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم فى سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم.
وسيتذرع الغاصبون بكل طرق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون فى ذلك بالحكومات الضعيفة والأيدى الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان. وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة، وأن يظهروها للناس فى أبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم، ومعتدين بأموالهم ونفوذهم: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾[التوبة: 32]. وستدخلون بذلك -ولا شك- فى دور التجربة والامتحان، فتسجنون وتعتقلون، وتنقلون وتشردون، وتصادر مصالحكم، وتعطل أعمالكم، وتفتش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾[العنكبوت: 2]. ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ.......... فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾[الصف: 10-14] فهل أنتم مصرون على أن تكونوا أنصار الله؟ ..(1)
هذه كلمات للإمام البنا من رسالة بين الأمس واليوم رسم فيها البنا منهاج الإخوان المسلمين ووضع فيها الأطر الحقيقة الواضحة للجماعة والتي كانت نبراساً واضحاً وبالفعل تحققت تلك التحذيرات وواجهت جماعة الإخوان المسلمين الأمرًيِن على مدار تاريخها سواء في العهد الملكي أو كانت المواجهة الأشد في عهد عبد الناصر ولكن بالرغم من هذا كله استطاعت دعوة الإخوان أن تنتشر في عموم قرى ومدن مصر فضلاً عن خارج مصر.
لذا سنتعرض من خلال هذا البحث بعض أنواع الحرب النفسية والتشويه التي قامت به الحكومات المتعاقبة ضد الإخوان المسلمين .
مفهوم الحرب النفسية
تعرف الحرب النفسية بأنها الاستعمال المخطط للدعاية ومختلف الأساليب النفسية للتأثير على آراء ومشاعر وسلوكيات العدو , بطريقة تسهل الوصول للأهداف .
أو ..
استخدام وسائل التخاطب الحديث بغرض الوصول إلى الجماهير المستهدفة لكي يتم إقناعهم بقبول معتقدات و أفكار معينة.
باختصار:
الحرب النفسية هي تهدف إلى تقوية الروح المعنوية لأفراد الأمة، و تحطيم الروح المعنوية للعدو.
تأثير الحرب النفسية
ينبع التأثير الأكبر للحرب النفسية من خلال تحطيم معنويات الخصم وجعله يدخل المعركة وهو موقن بالهزيمة فيها حتى لو كان هو الطرف الأقوى , لأنه يشعر بالضعف في داخله كرد فعل للدعاية التي تهاجم معنوياته وتشكك في قدراته وتبرز الطرف الآخر بصورة أقوى كثيرا مما هو في الواقع .
والهدف هو:
بث اليأس، و الاستسلام في نفوس العدو.تضخيم أخطاء العدو و ذلك لإحداث نوع من فقد الثقة بين الشعب و قيادته إضعاف الجبهة الداخلية للعدو، و إحداث الثغرات بها، و تشكيك الجماهير في قدرة قيادتها السياسية، و التشكيك بالقوة المسلحة.العمل على تفتيت الوحدة بين الأفراد و القوات المسلحة حتى لا يثقوا ببعضهم.
الدعاية (propaganda)
تعتبر الدعاية هي الأداة الرئيسية للحرب النفسية , وقد لعب دورا كبيرا جدا في تاريخ الحروب النفسية ونذكر كمثال أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر وان خط بارليف من المستحيل تحطيمه والذي نجحت الدعاية الصهيونية في الترويج له بشكل كبير بعد حرب 1967 من اجل هزم العرب معنويا وقتل أي أمل لهم في نصر قريب , ووقتها تخيل الناس أن الاسرائليين من كوكب آخر ومن المستحيل هزيمتهم ولكن كل هذا تحطم بعد ان فطن العرب للخدعة الكبرى وتغاضوا عن كل هذا الهراء ونجحوا في تحطيم هذه الأسطورة.
أنواع الحرب النفسية
1. الحرب النفسية الإستراتيجية
تصمم لتحقيق أهداف عامة شاملة بعيدة المدى، و تتسق مع الخطط الإستراتيجية العامة للحرب، و هي تتميز بالشمول و الامتداد من حيث الزمان و المكان، و قد تستغرق وقتاً طويلا، عشرات السنين أو حتى مئات السنين، كما أن بُعدها المكاني قد يشمل المناطق المجاورة للهدف و أحياناً القارة كلها أو حتى الكرة الأرضية و ذلك حتى يتحقق الهدف، ثم تستمر بعد النصر لكي يتم تثبيت دعائمه.
أهداف الحرب النفسية الإستراتيجية:
- تثبيت خطط الدولة السياسية الخاصة بالحروب و شرح أهدافها و أغراضها.
- تأكيد العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدولة على العدو.
- خفض الروح المعنوية بين العدو و أفراده.
- بث روح الكراهية داخل دولة العدو و بخاصة العناصر المضطهدة.
- إظهار التأييد الأدبي للعناصر الصديقة في إقليم العدو.
- تقديم المعاونة اللازمة لعمليات الدعاية التكتيكية.
- الظروف التي تسهل نجاح الحرب النفسية الإستراتيجية:
- الهزائم العسكرية التي يعانيها العدو.
- النقص في الحاجات الأساسية ، و المعدات الحربية للعدو.
- التضخيم النقدي الخطير لدى العدو.
- التعب، و إفتقار الثقة في القادة.
- نقص المواد الخام للازمة لاقتصاديات العدو.
- مظالم الحكم و عدم العدالة في ادارة دولة العدو
القيود على الحرب النفسية الإستراتيجية:
- من الصعب تقدير نتائج عمليات هذه الحرب لأنها طويلة الأمد، و قد يتعذر لمس النتائج لعدم توفر المعلومات الكافية في معظم الظروف.
- قد تقابل هذه الإجراءات، إجراءات أخرى مضادة في أرض العدو ، إذ أن العدو قد يلجأ إلى فرض عقوبات على أفراده العسكريين أو المدنيين في حال استمعوا على وسائل إعلام الخصم. مثل اعتماد إسرائيل في حربها على العرب و خاصة الفلسطينيين الحرب النفسية الإستراتيجية التي ما زالت منذ عشرات السنين.
2. الحرب النفسية التكتيكية
هي حرب الصدام المباشر مع العدو و الالتحام به وجهاً لوجه سواء بالحرب السياسية أو الاقتصادية أو المعنوية أو العسكرية ، و يستخدم في ذلك منشورات توزع بواسطة المدفعية و الطيران و مكبرات الصوت و الإذاعة اللاسلكية و الصحف و الكتيبات و المجلات التي تلقى من الطائرات.
أهداف الحرب النفسية التكتيكية:
- تثبيط معنويات العدو و كفاءته القتالية.
- تسهيل احتلال مدن العدو عن طريق توزيع الإنذارات
- معاونة الحرب النفسية الإستراتيجية بالحصول على معلومات أدق حول نقاط ضعف العدو
- تقديم المعلومات و التوجيهات اللازمة للعناصر الصديقة التي تعمل داخل منطقة العدو
- حث العدو على أن ينظر الى أسباب الحرب بنفس النظرة التي ينظرها الى أسباب حربه، و بذلك يضعف الحماس في قتاله
الظروف المساعدة في نجاح الحرب التكتيكية:
- الهزائم المتكررة للعدو، و الخسائر الفادحة التي يُصاب بها.
- موقف العدو العسكري المزعزع
مدارس الحرب النفسية الإعلامية
1. مدرسة الفكر الإعلامي البرجوازى
ويمثلها الإعلام الغربي , وتهدف هذه المدرسة الى تصدير فكرة عن الغرب بأنه الخلاص لكل من يريد النجاة من التخلف والظلم والفقر , وكل ما دون الغرب يقف في اخر طابور الحضارة والتقدم …!
2. مدرسة الفكر الإعلامي التبعى
وتتمثل هذه المدرسة في إعلام الدول النامية والذي يقدم ما يمليه الغرب عليه من افكار وتصورات يريد الغرب أن يوصلها لهذه الشعوب النامية بطريق غير مباشر كى يهزموا هذه الشعوب معنويا وقتل الأمل بين أبنائها
3. مدرسة الفكر الإعلامي المتلاعب
وتتمثل هذه المدرسة في الإعلام الانتهازي الغير هادف الذي يصدر أفكار تافهة للشباب لقتل الهمم ونشر الرذيلة والجهل في المجتمع , وترك المواضيع الهامة والحيوية والتركيز على تفاهات الأمور.
مشاهير الحرب النفسية
1. جوبلز
انه الدكتور/ جوزيف جوبلز , مدير الدعاية السياسية للحكم النازي ابان حكم هتلر في الحرب العالمية الثانية .
إن جوبلز قد قام بعمل لا يقل خطورة عن غزو القوات الألمانية لأوروبا إلا وهو ترويج الفكر النازى للشعب الالمانى وجعلهم يؤمنون به إيمانا مطلقا وكان هذا هو سر علو كعب ألمانيا في السنوات الأولى للحرب , انه نجح في ترسيخ شعار ( ألمانيا فوق الجميع ) داخل وجدان كل المانى من الطفل الصغير الى الشيخ العجوز , انه قد أعطاهم الإحساس بالقوة و علو الجنس الارى على باقي أجناس الأرض بفضل خطبه الرنانة وكلامه الذى لعب بمشاعر الملايين , وهذا ما جعل ايضا اعداء المانيا يرتعدون خوفا من اى شئ يمس المانيا بصلة …..!
2. الاسكندر الأكبر
يعتبر الإسكندر الأكبر من أقدم من استخدموا الحرب النفسية وقد استخدمها في حروبه كثيرا.
حيث كان من اساليبه صنع عدد كبير جداً من الدروع والخوذات الضخمة وكان يتركها خلفه في أى مكان يعبره بجيشه , ليجدها عدوه ويعتقد أن جيش الاسكندر به عمالقة من الرجال فيرتعد العو رعباً قبل أن يلتقي بجيش الإسكندر ويمتنع عن ملاحقته …!
3. جنكيز خان
كان من عادة القائد المغولي جنكيز خان أن يبعث أمام جيشه بمن ينشر وسط البلد المستهدفة كلاماً يدل على أعداد المغوليين الكبيرة وأفعالهم الوحشية من أجل بث الرعب في النفوس ..! كما أنه كان يقوم بخداع جيش عدوه , فيجعلهم يعتقدون أن جيشه أكبر من الواقع عن طريق مجموعة مدربة من الفرسان الذين كانوا يتحركون من مكان لأخر بسرعة كبيرة .
4. الولايات المتحدة الأمريكية
كثيرا ما استخدمت الولايات المتحدة الحرب النفسية في تحدياتها الدولية , فقد استخدمتها في حروبها مع بنما وفيتنام , وتجلت هذه الحرب النفسية أثناء حرب الخليج … حيث استخدمت إحدى الوحدات الصغيرة للقوات الأمريكية مكبرات الصوت والتي أخذت تطلق أصوات الهليكوبتر والدبابات من خلا شرائط مسجلة من اجل إيحاء الجيش العراقي بأن إمكانيات الوحدة اكبر بكثير من حقيقة الأمر …!
كما قامت قوات التحالف في هذه الحرب بإسقاط 29 مليون منشور على جميع وحدات الجيش العراقي , يقوم بعضها بتهديد الجيش العراقي وتتوعده في حالة عدم الاستسلام وبعضها الآخر يذكر الجنود العراقيون بالأهل الذين ينتظرون عودتهم …!
إن الحرب النفسية هي حرب أفكار تهدف للحصول على عقول الرجال وإذلال إرادتهم , وهى أيضا حرب أعصاب , وحرب سياسة , وحرب دعاية ….
- هي حرب كلمات وإشاعات , وهى حرب تزلزل العقول وتغير السلوك.
- الحرب النفسية هي استخدام علم النفس لتحقيق النصر .
- كيف تتوغل في أعماق خصمك وتهز ثقته بنفسه .
- كيف تقدم نفسك وقدراتك بأفضل صورة ممكنة كي تنال من خصمك قبل بدء المعركة .
- كيف تبث روح الحماسة في الجماهير وتقنعهم بأفكار تجعلهم يخرجون كل طاقاتهم من أجل تنفيذها كما حدث مع التجربة الألمانية.
المصدر: مدونة الرأي الفلسطيني
الحرب النفسية مفهوم وأهداف ومهام وأساليب للواء محمد جمال الدين محفوظ
يضيف اللواء محمد جمال الدين محفوظ خبير الاستراتيجية العسكرية الاسلامية تفاصيل أكثر حول مفهوم الحرب النفسية فيقول في مقاله الحرب النفسية بمجلة الوعي الإسلامي العدد 228:
المعروف أن إرادة القتال والمقاومة والصمود، وأن الحماسة والإيجابية في العمل وروح الإبداع والابتكار، وأن الهزيمة والاستسلام واليأس والسلبية هي كلها "حالات عقلية" تنشأ في عقل الإنسان تحت ظروف معينة فتولـد لديه الدوافع النفسية التي تدفعه إلى السلوك الذي يعبر عن تلك الحالات.
وفي مجال الصراع بين الأمم أو بين الجيوش، فإن كل جانب يحرص على أن ينشئ في خصمه "الحالة العقلية" التي تحقق له أهدافه والانتصار عليه. وهنا يأتي دور "الحرب النفسية" أو "الدعاية" التي يجمع الخبراء على أنها أقوى أسلحة الصراع أثرا في تحقيق النصر بسرعة وبأقل الخسائر في الأرواح والمعدات:
"فالحرب بالسلاح" تستطيع أن تدمر القوات والمعدات، و "الحرب الاقتصادية" تحرم الخصم من المواد الحيوية، أما "الحرب النفسية " فهي تستطيع ما هو أخطر وأعمق أثرا، إنها تجرده من أثمن ما لديه وهو "إرادته القتالية"، فهي تستهدف في المقاتل أو المواطن عقله وتفكيره وقلبه وعواطفه لكي تحطم روحه المعنوية وتقوده إلى الهزيمة، وهذا ما دعا القائد الألماني روميل إلى القول بأن « القائد الناجح هو الذي يسيطر عل عقول أعدائه قبل أبدانهم »، ودعا تشرتشل إلى أن يقول: « كثيرا ما غيرت الحرب النفسية وجه التاريخ! ».. وقد بلغ من تأثير الحرب النفسية أن كثيرا من الأمم - كما يروي التاريخ- استسلمت لأعدائها قبل أن تطلق جيوشها طلقة واحدة!!
ومن أعظم الدروس التي تستخلص من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إدارته للصراع مع الأعداء أن "استخدام العامل النفسي في الصراع ضرورة حيوية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية"، فمن بين ثماني وعشرين غزوة قادها عليه الصلاة والسلام بنفسه، نجد تسع عشرة غزوة حققت أهدافها بلا قتال، إذ فر الأعداء تحسبا لنتائج مواجهة قوة المسلمين.
وقد قرر الرسول القائد صلى الله عليه وسلم أن "الجهاد باللسان" كالجهاد بالنفس والمال فقال لحسان بن ثابت وكان من شعراء الإسلام: « يا حسان اهج المشركين اهجهم فإن جبريل معك، إذا حارب أصحابي بالسلاح فحارب أنت باللسان" رواه البخاري ومسلم وأحمد.
وليس ذلك فحسب بل إنه عليه الصلاة والسلام يقرر أن الحرب النفسية أشد وأسرع أثرا من حرب السلاح فقد روى أن عبد الله بن رواحة كان يلقي شعرا في هجاء الأعداء في المسجد فاستنكر منه ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلا: بين يدي رسول الله وفي حرم الله تقول الشعر؟ ! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « خل عنه يا عمر، فلهي -يعني القصيدة -أسرع فيهم من نضح النبل » وفي رواية « خل عنه يا عمر، فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل » رواه الترمذي والنسائي.
الحرب النفسية في صراعنا الحضاري
وليس من شك في أن الأمة الإسلامية تواجه اليوم حربا حضارية، تستهدف تدمير قواها وفرض التبعية عليها، ومنعها من القيام بالنهضة الحضارية التي ترجوها، واستعادة مكانتها اللائقة بها، وإذا كانت الحرب بالسلاح والغزو العسكري والغارات الخاطفة، هي التي تلفت النظر وتستأثر بالاهتمام والانتباه، لما يصاحبها من قعقعة وضجيج على الصعيدين المحلي والعالمي، إلا أنه لا ينبغي مطلقا أن تغفل الأمة عن الدعاية والحرب النفسية أو تقلل من شأنها، لأن القتال له نهاية يوما ما، أما الحرب النفسية فليس لها نهاية، بل هي مستمرة ودائمة في السلم والحرب على حد سواء.
وأستطيع أن أقول إن الإنسان في هذا العصر "يتنفس" الدعاية كما يتنفس الهواء، لكنه في تنفسه للهواء يأخذ ما ينفعه "الأوكسجين ويلفظ ما يضره "ثاني أكسيد الكربون" أما في تنفسه للدعاية والحرب النفسية، فهو لا يستطيع في أغلب الأحوال أن يفعل مثل ذلك، وهو معرض للإصابة "بالعلة النفسية"، التي قد تدمر فيه الإرادة والإيجابية وقوته المعنوية..
ولكي ندرك حجم هذا الخطر علينا أن نتفهم ماهية الحرب النفسية وأهدافها ووسائلها:
مفهوم الحرب النفسية وأهدافها
تعرف الحرب النفسية بأنها « هي الاستخدام المخطط للدعاية أو ما ينتمي إليها من الإجراءات الموجهة إلى الدول المعادية أو المحايدة أو الصديقة، بهدف التأثير على عواطف وأفكار وسلوك شعوب هذه الدول بما يحقق للدولة -التي توجهها- أهدافها ».
ويلاحظ من هذا التعريف ما يلي:
1 - أن الحرب النفسية لا توجه فقط إلى الدول المعادية أولا تنحصر فقط في نطاق الصراع بين الدول المتحاربة أو المتنافسة، بل هي تشمل أيضا الدول الصديقة والدول المحايدة، ولعل هذا هو ما جعل الخبراء يفضلون لفظ "الدعاية" بدلا من "الحرب النفسية" وكل دولة من دول العالم هي في حقيقتها جماع لتلك الأوصاف الثلاثة "معادية ومحايدة وصديقة" فذلك هو الأمر الغالب في العلاقات الدولية، فالدولة غالبا ما يكون لها أصدقاء وأعداء ودول تقف موقف الحياد في مواجهة بعض قضاياها.
2 - وأن "أهداف" الدعاية تختلف باختلاف "وضع" الدولة التي توجه إليها في العلاقات الدولية:
• فإذا كانت الدولة معادية، كان الهدف تحطيم الروح المعنوية والإرادة القتالية وتوجيهها نحو الهزيمة.
• وإذا كانت الدولة محايدة، كان الهدف توجيهها نحو الانحياز للدولة الموجهة أو التعاطف مع قضيتها، أو على الأقل إبقاءها في وضع الحياد ومنعها من الانحياز إلى الجانب الآخر.
• وإذا كانت الدولة صديقة، كان الهدف توجيهها نحو تدعيم أواصر الصداقة مع الدولة الموجهة ونحو المزيد من التعاون لتحقيق أهدافها.
مهام الحرب النفسية
وإذا ما حصرنا البحث في مجال الصراع بين الدول، لأنه هو المجال الذي ينبغي أن نتدبره بكل الوعي والفطنة في هذا العصر، فنستطيع أن نقول إن الخبراء الذين يخططون لحملات الحرب النفسية لتدمير الروح المعنوية وتحطيم الإرادة القتالية، يسعون إلى تحقيق هذا الهدف من خلال المهام الرئيسية التالية:
1 - التشكيك في سلامة وعدالة الهدف أو القضية.
2 - زعزعة الثقة في القوة "من كافة عناصرها" والثقة في إحراز النصر، وإقناع الجانب الآخر بأنه لا جدوى من الحرب أو الاستمرار في القتال أو المقاومة.
3 - بث الفرقة والشقاق بين الصفوف والجماعات.
4 - التفريق بين الجانب الآخر وحلفائه ودفعهم إلى التخلي عن نصرته.
5 - تحييد القوى الأخرى التي قد يلجأ إليها الجانب الآخر للتحالف معها أو لمناصرته.
الصور والأساليب
وثمة عدة صور وأساليب تستخدم لتحقيق تلك المهام نذكر منها ما يلي:
1 - الكلمة المسموعة أو المقروءة التي من شأنها التأثير على العقول والعواطف والسلوك، وهو مجال تتعدد فيه الأشكال والوسائل كالكتاب والصحيفة والمجلة والمنشور واللافتة والإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح.. الخ.
2 - الشائعات، وهي أخبار مشكوك في صحتها، ويتعذر التحقق من أصلها، وتتعلق بموضوعات لها أهمية لدى الموجهة إليهم، ويؤدي تصديقهم لها أو نشرهم لها "وهذا هو ما يحدث غالبا" إلى إضعاف الروح المعنوية.
3 - التهديد بواسطة القوة " تحريك الأساطيل - إجراء المناورات الحربية بالقرب من الحدود - تصريحات القادة - إعلان التعبئة الجزئية.. الخ ".
4 - الخداع عن طريق الحيل والإيهام.
5 - بث الذعر والتخويف والضغط النفسي.
6 - الإغراء والتضليل والوعد لاستدراج الجانب الآخر لتغيير موقفه.
ألوان الحرب النفسية
ومن المفيد أن نعرف أن جهد الحرب النفسية أو الدعاية يوجه في ثلاثة ألوان جرى العرف على تسميتها بحسب مصدرها بالأسماء التالية:
الدعاية البيضاء:
وهي نشاط الدعاية العلني والصريح، الذي يحمل اسم الدولة التي توجهه مثل: الإذاعة ووكالات الأنباء والتصريحات الرسمية، ولذلك تسمى أحيانا بالدعاية الصريحة أو الرسمية.
الدعاية الرمادية:وهى الدعاية الواضحة المصدر، ولكنها تخفي اتجاهاتها ونواياها وأهدافها، أي التي تعمل وتدعو إلى ما تريد بطريق غير مباشر، كالكتاب الذي يحتوى على قصة أو رواية عادية، لكنه يدعو - بين السطور -وبطريق غير مباشر إلى اعتناق مذهب سياسي معين أو التعاطف معه.
الدعاية السوداء:
وهي الدعاية التي لا تكشف عن مصدرها مطلقاً، فهي عملية سرية تماماً، ومن أمثلتها الصحف والإذاعات والمنشورات السرية والخطابات التي ترسل إلى المسئولين غفلا من التوقيع أو بإسم أشخاص أو منظمات وهمية أو سرية.
الرمادية أخطر الألوان:
وبالمقارنة بين تلك الألوان الثلاثة للدعاية، يتضح لنا أن الدعاية الرمادية هي أخطرها على الإطلاق: فالإنسان بقليل من الوعي والفطنة، يستطيع أن يكشف بسرعة ما وراء الدعاية البيضاء والسوداء، أما الدعاية الرمادية فهو يتجرعها قبل أن يكتشف أهدافها، ويتعرض لتأثيرها دون أن يشعر، لأنها "تتسلل" إلى عقله ووجدانه مستترة وراء شيء ظاهري لا غبار عليه.. أي أنه "يتناول السم في العسل".. والمعروف أن حملات الدعاية تضم عادة الألوان الثلاثة، ولا تكتفي بلون واحد منها، لكننا لا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن الدعاية الرمادية تحظى بالنسبة الأكبر، وأنها هي الأكثر استعمالا والأوسع انتشارا، وذلك تأكيدا لكونها أقوى أثرا ..(2)
الإنجليز وبداية الحرب النفسية ضد الإخوان
كان الاحتلال الإنجليزى أول من بدأ فى ممارسة الحرب النفسية ضد الإخوان وذلك عبر الممارسات العديدة سواء بتلفيق القضايا أو حرب الاغراءات والمساومات .
فبعد عقد المؤتمر العام الخامس للإخوان المسلمين عام 1939م ظهرت قوة الإخوان كأكبر جمعية إسلامية منظمة في مصر، وعندما قامت الحرب العالمية الثانية كان موقف بريطانيا وحلفائها في بداية الحرب ضعيفًا أمام دول المحور؛ فأعلنت بريطانيا أنها تحارب من أجل الديمقراطية ضد النازية والفاشية والديكتاتورية؛ ولذلك فقد أغرت الكثير من الزعماء السياسيين في مختلف الدول بوسائل شتى من أجل تأييد الحلفاء ضد المحور، وقد حرصت في تلك الفترة على كسب الإخوان بأي وسيلة أو تحجيمهم واضطهادهم حتى لا يستطيعوا تحريك الشعب ضدهم، خاصة أنه كان هناك تعاطف مع المحور للتخلص من الاستعمار؛ فتمت عدة محاولات لاختراق الإخوان وشرائهم بالمال، ولكنها باءت جميعها بالفشل؛ فتحولوا إلى لغة التهديد والاضطهاد؛ واستخدموا أساليب جديدة لتشويه الدعوة وصرف الناس عنها، لكن تلك الوسائل فشلت، وإن استمر المستعمر وأذنابه في استخدامها حتى وقتنا الحاضر.
تلفيق أول قضية ومحاكمة للإخوان
استمرارًا لمسلسل اضطهاد الإخوان المسلمين في فترة الحرب العالمية الثانية وبالتحديد عام 1942م، والذي يعد من الأعوام المؤثرة في تاريخ الدعوة؛ لما فيه من مضايقات شديدة للدعوة،ففي تلك الفترة قام الإنجليز بإنشاء مؤسسات في مظهرها ثقافية لتعليم اللغة الإنجليزية ونشر الثقافة البريطانية، ولكنها في حقيقتها تقوم باستقطاب الوطنيين ذوى النشاط في المجتمع بواسطة عملائهم من المصريين وذلك بتحقيق مخططاتهم في إحكام السيطرة على المجتمع، وكانت هذه المؤسسات هي "المجالس البريطانية" التي قاموا بنشرها في كافة أنحاء القطر المصري، وقد قام "المجلس البريطاني" بطنطا عن طريق أحد عملائه بتلفيق قضية خطيرة ضد الإخوان المسلمين باتهام أخوين من خيرة أفراد الإخوان هما محمد عبد السلام فهمي وكان مهندسًا في مصلحة الطرق والكباري بطنطا، ثم سافر بعد ذلك إلى إنجلترا وحصل على الدكتوراه وعمل أستاذًا بكلية الهندسة بأسيوط، ثم عميدًا لها، ثم وكيلاً لجامعة الأزهر. وجمال الدين فكيه وكان موظفًا ببلدية طنطا، وكانت التهمة الموجهة لهما "أنهما يعدان جيشًا للترحيب بمقدم الألمان، وأنها يحدثان بلبلة في الأفكار، ويعدان عناصر معادية للحلفاء ..(3)، وأن هذين الأخوين هما الوسيطان بين الإمام البنا ومجموعة أفراد عرضت على الأستاذ البنا شخصيًّا أنواعًا من السلاح والعتاد الألماني، وقد سر الإمام البنا بذلك ورحب بالحصول على هذه الأسلحة، وجعل من هذين الأخوين الوسطاء في هذه الصفقة، وقد اعترف الأفراد المقبوض عليهم من غير الإخوان بذلك ..(4)
وبناء على ذلك تم القبض على الأخوينمحمد عبد السلام فهمي وجمال الدين فكيه، ولما كانت البلاد في حالة حرب مع الأعداء فقد طالبت النيابة بإعدامهما، وسميت هذه القضية بالجناية العسكرية العليا 883 لسنة 1942م قسم الجمرك، واستمر حبس الأخوين ثمانية أشهر ونصف على ذمة القضية بسجن الحضرة بالإسكندرية.
وقدمت القضية أمام محكمة الجنايات العسكرية العليا باب الخلق، وقد اهتم الإمام البنا اهتمامًا شديدًا بهذه القضية، التي إذا تهاون فيها الإخوان وثبتت التهمة عليهما -مع كذب المدعي- فسيؤدى الأمر إلى حل الجماعة ومحاكمة أعضائها جميعًا أمام القضاء العسكري، أو على الأقل فستفتح بابًا أمام الإنجليز من تلفيق التهم والادعاءات على من يريدون من الإخوان في أى وقت شاءوا بصورة قانونية. وكان من شدة اهتمام الإمام البنا بها -كما ذكر الأستاذ محمود عبد الحليم- أنه كان يواظب على الحضور الدائم لجلسات القضية، كما أنه كلف مجموعة من الإخوان بحضور الجلسات وكتابة كل ما يحدث في الجلسة، ويتم إعداد مذكرة كاملة عما حدث بالجلسة وعلى ضوئها يكتب الإمام البنا ملاحظات يقدمها لهيئة الدفاع لتستعين بها في إعداد دفاعها. وقد اختير لهذه القضية مجموعة من خيرة المحامين من الإخوان ومن غيرهم؛ ومن هؤلاء الأساتذة: محمد على علوبة باشا، وعبد الرحمن البيلي بك، ومحمد فريد أبو شادي بك، وعمر التلمساني، وعلي منصور، ومع أن الإمام البنا ترك لهم تحديد أتعابهم، لكنهم رفضوا أن يتقاضوا أتعابًا وتطوعوا مشكورين. ورغبة في إتمام دعم هيئة الدفاع تاقت نفس الإمام البنا إلى محام كان يعد في ذلك الوقت الحجة التي يرجع إليها في معضلات القانون سواء إليه بصفته الشخصية أو من خلال مؤلفاته، وكان يومئذ عميدًا لكلية الحقوق وهو الدكتور علي بدوي بك والذي وافق أن يتولى الدفاع عن الإخوان في تلك القضية والتي كان فيها الكثير مما يثير، سواء في شهادة الشهود المملاة عليهم أو في مهاجمة الدفاع لهؤلاء الشهود لإظهار بطلان شهادتهم أو في مرافعة النيابة، وما كالته للإخوان من تهم الخيانة العظمى وما طالبت به من تطبيق مواد الإعدام، وقد استمات الدفاع في المرافعة، والذى كان على يقين من أنه يدافع عن النبت الطاهر النقي الذي يؤمل فيه إنقاذ البلد على يديه الطاهرتين، والذى تضافرت جهود كل ذوى السلطة من داخل البلاد وخارجها على القضاء عليه قبل أن يكبر ويغلظ ويستوى على سوقه، لكن قضاء مصر الشامخ أثبت أنه فوق كل هذه السفاسف وأن يد العبث والإفساد لم تصل إليه بعد، وأن قدسيته ما زالت هي حمى هذا البلد، فبعد مراجعة المدعى ثانية وتهديده بالمواجهة مع المدعى عليه كذب نفسه وتراجع في اعترافه، وذكر أن ذلك لم يحدث، وبعد انتهاء المرافعات أعلنت المحكمة رفع الجلسة للمداولة لإصدار الأحكام، واستمرت المداولة نحو الساعة كانت من أشد الساعات طولاً على الإخوان وخاصة الأستاذ المرشد؛ لما ستتمخض عنه هذه الساعة من كلمات معدودة ينطق بها رئيس المحكمة تقرر مصير هذه الدعوة، وانتهت المداولة وخرجت هيئة المحكمة وكانت مكونة من خمسة أعضاء برئاسة المستشار فؤاد بك أنور، وعضوية المستشارين محمد توفيق إبراهيم بك، وزكى أبو الخير الأبوتجى بك، ومعهم اثنان من العسكريين، ونطق رئيس المحكمة بالأحكام وفي صدرها براءة الأخوين جمال الدين فكيه، ومحمد عبد السلام فهتف جميع الحضور "يحيا العدل". ..(5)
وبذلك برأ القضاء ساحة الإخوان من تهمة الخيانة العظمى، وأضاع على الإنجليز فرصة اتخاذ القانون والقضاء مطية له ووسيلة للقضاء على هذه الدعوة، وأخرت حل هذه الجماعة ست سنوات، وأسدل الستار على هذه القضية، إلا أن الحكومة استخدمتها في حل الجماعة عام 1948م كما سنوضح ذلك بعد.
إنشاء جمعية "إخوان الحرية" لمحاربة الإخوان
حين يئس الإنجليز من احتواء الإمام البنا وجماعته سواء بالشدة أو الإغراء -وذلك في أثناء الحرب العالمية الثانية- فكر الإنجليز في حل جماعة الإخوان المسلمين، وطالبوا حسين سري باشا بذلك، وكانت المرة الأولى التي يطالب فيها الإنجليز بهذا الطلب؛ فقد حدث أن أراد الإخوان عمل احتفال في السيدة زينب بالقاهرة فأعدوا لذلك سرادقًا كبيرًا حضره كثير من الإخوان عام 1941م الأمر الذي أزعج السفارة البريطانية في وقت كان الإنجليز يعانون من الهزائم المتوالية أمام الألمان، فقدمت السفارة البريطانية احتجاجًا لدولة سرى باشا لتهاونه في السماح للإخوان بمزاولة نشاطهم العدائي للإنجليز وتهديدهم لسلامة الإمبراطورية البريطانية، وطلبت منه حل هذه الجمعية، ولكن سرى باشا رفض ذلك -حيث إن الأمر لا يستدعي- فاضطرت السفارة أن تنشئ جمعية "إخوان الحرية" لمناهضة الإخوان ..(6)
وكما ذكرت جريدة الجمهور المصري قائلة: إنه في بداية الحرب كانت بريطانيا في طريقها إلى الزوال، إلا أن البريطانيين مع ذلك كانوا يتشبثون بأوهى خيوط الأمل، وكانوا يحاولون جاهدين أن يستميلوا إليهم شعوب الشرق الأوسط الذي كان بالنسبة لهم ميدان صراع يائس ضد الطليان والألمان، وكانت مصر كلها تغلي حقدًا على الإنجليز. في هذه الأثناء بحثت المخابرات البريطانية عن وسيلة تجذب إليها الناس وتضرب بها جمعية الإخوان المسلمين ومرشدها حسن البنا، فأخذ الجاسوس فاىيفكر حتى وصل إلى الطريقة التي يستميل بها السذج وذوى النيات الحسنة من المصريين؛ وهى التفكير في تأليف جمعية مصرية الاسم والمظهر، وبريطانية في كل ما عدا ذلك، وقد بحث فاى عن اسم للجماعة الجديدة، فلم يجد أحلى وقعًا على الأسماع في مصر من كلمة "إخوان" التي تسمى بها جماعة الإخوان المسلمين، ففكر فاى قليلا ثم ذهب إلى السفير البريطاني اللورد كيلرن وأخبره أنه اختار اسم الجماعة البريطانية الجديدة "إخوان الحرية" ...(7)
واهتز كرسى اللورد كيلرن، ثم قال للمستر فاى: لكن إخوان الحرية ينقصها واحد شيخ، وانحنى فاى للديكتاتور العملاق وفهم أنه يريد شيخًا للجماعة لينافس به الإمام الشهيد حسن البنا، فقال له فاى: إنه موجود يا سيدي، وكان الشيخ الذى وجده المستر فاى هو الشيخ الزواوى ..(8)
ولقد تأسست هذه الجمعية بمصر في عام 1942م، وسرعان ما فتحت لها فروعًا في العراق وعدن، وكانت رئيسة هذه الجمعية على النطاق العالمي والتى أسست نظامها مس فريا إستارك، أما مستر فاى فكان المراقب العام لإخوان الحرية بمصر ..(9)
وأصدرت نشرة أسبوعية خاصة بها في 24 جمادى الأولى 1361هـ 9 يونيو 1942م، واستمرت هذه النشرة مع هذه الجمعية حتى عام 1951م وكان رئيس تحرير هذه النشرة شفيق رمزى، واتخذت الجمعية مقرا لها في بيت السنارى بشارع الكومى بالسيدة زينب ..(10)
أهداف الجمعية:
يعد الهدف الرئيسي للجمعية التي أنشئت من أجله هو تضليل الناس بقصد إبعادهم عن الإخوان المسلمين؛ وذلك بنشر الأكاذيب والادعاءات ضدهم كي يوقفوا زحفهم ويعطلوا سيرهم ..(11)، ويصدوهم عن السبيل؛ وذلك باستخدام نفس الاسم وإضافة الحرية إليه، خاصة أن إنجلترا في ذلك الوقت كانت تزعم أنها دخلت الحرب من أجل الديمقراطية وضد الديكتاتورية، وقد أعلنت مرارًا وتكرارًا عن هذه الغاية في نشرتها التي كانت تأخذ اسمها، وكانت هناك أهداف أخرى لتحقيق هذا الهدف الذي يرمى إلى القضاء على الإخوان، ومن هذه الأهداف:
1- أن تكون هذه الجمعية عينًا للإنجليز على جميع الهيئات والأحزاب والمصالح الحكومية؛ ليعرفوا كيف تسير الأمور في مصر، وإعداد تقارير عنها ورفعها للمسئولين في السفارة البريطانية ..(12)
2- نشر القيم الفاسدة والإباحية بالمجتمع، وذلك عن طريق المال والنساء؛ حيث كانت الجمعية تعقد المحاضرات والندوات عن الإخاء والمساواة والحرية التي طالما طالب بها الشعب، فكانت هذه المحاضرات تلاقى هوى في نفوس الشباب. وفي خلال هذه المحاضرات تقدم المشروبات المرطبة صيفًا والساخنة شتاءً مع بعض الحلوى الفاخرة، ثم تترك حرية الاختلاط بين الشباب والفتيات، ويبدأ هذا الاختلاط بشيء ظاهره التمسك بالآداب والأخلاق، ثم يتدرج مع نداء الحرية إلى حفلات راقصة تقدم فيها الخمور وتعزف الموسيقى المثيرة، وترتكب فيها الآثام ولا يكتفون بذلك بل يكلفون الشبان تمشيًا مع الحرية لاصطحاب أخواتهم حتى يصلن إلى الحضيض الذى انحطوا إليه ..(13)
3- التشكيك في العقيدة والشريعة الإسلامية؛ فقد كان المحاضرون يركزون على أن الحرية تقتضى أن يدع الإنسان عقيدته جانبًا حتى لا تكون هناك عوائق تعوق سبل الإخوة بين الناس من مختلف الأديان، وكانت هذه الأفكار تؤثر في قطاع أصبح مثخنًا بالجراح صريع شهوته ..(14)
4- إقناع الشباب أن بريطانيا هي جنة الله في الأرض، وأنها رمز الخير والحب الذى تريد تحقيقه لكافة البشرية، وأن أهداف المصريين والإنجليز ومثلهم العليا تتطابق رغم التناقض في أسلوب التطبيق، وأن بريطانيا هي بلد الديمقراطية والحرية والعدل، ويجب الإدانة لها بالولاء والطاعة ..(15)
واستطاعت الجمعية من خلال العمل الدءوب للقائمين عليها من المخابرات والجواسيس أن تنتشر في كافة أنحاء القطر المصري وبعض الدول العربية، وإمعانًا في محاربة الإخوان المسلمين فقد استخدمت نفس أسلوب الإخوان بإنشاء مكاتب لها على غرار الشُّعب في المدن والقرى والنجوع، وكانت تنشر أسماء أعضائها في هذه الفروع بنشرتها؛ كما في العدد 186 وما بعده؛ حتى وصل عدد المخدوعين بهذه الجمعية والمقيدين في دفاترها 50 ألف مصري غير مدركين حقيقة الأغراض التي يعمل لها زعماء هذه الجمعية ومشايخها ومثقفيها ..(16)
وحاول مسئولو هذه الجمعية توثيق علاقتهم ببعض الإخوان لرفع تقارير دقيقة عن سير الجماعة، وقد وصل الأمر أن أحد الوجهاء الذي يتقرب إليه الإخوان وعينوه فيما يسمى مكتب الإرشاد الإقليمي ويدعى محمد درار أصبح على صلة وثيقة بإخوان الحرية، وطالبته الجمعية برفع تقارير حول شعبته، وكتب بالفعل تقريرًا، إلا أن هذا التقرير وقع في يد أحد الإخوان المكلفين بمتابعة أنشطة الجمعية وأن يكونوا أعضاء بها، وقد أحضر هذا الأخ التقرير للمهندس محمد حلمي عبد المجيد الذي رفعه لفضيلة المرشد العام، وبعد الإطلاع على التقرير طلب الإمام ألا يشعر ذاك العضو أنه اكتشف، أو يشعر بأي تغيير في المعاملة من الإخوان، وقال: دعوه يكتب ما يشاء. وكان الإخوان يضعون تحت يده كل ما يريدون نقله للإنجليز عن الجماعة، ولما أصبح الإخوان في غير حاجة إليه ألغى المرشد المكتب الاستشاري الإقليمي الذي كان فيه هذا العضو سكرتيرًا ..(17)
الإخوان يفضحون مخططات الجمعية
لم يقف الإخوان مكتوفي الأيدي أمام هذه الحملة الشرسة التي تستهدف الإسلام قَبْل الإخوان بدافع من المخابرات البريطانية؛ لتعزيز موقف بريطانيا وتهدئة الأجواء الملتهبة واستمالة المصريين نحو بريطانيا؛ فقد قام الإخوان باختراق هذه الجمعية وفضح أساليبها وأنشطتها للرأي العام، وليعلم الإنجليز أنهم لن يستطيعوا أن يقفوا في وجه هذه الدعوة التى تستمد قوتها من عون الله وتوفيقه وتسير في دربها على نهج الله وهدى رسوله ويحملها رجال مخلصون على استعداد للتضحية في سبيلها بالنفس والمال والولد، لا يبغون سوى مرضاة الله ورفعة دعوتهم، ولذا فقد فشلت هذه الوسيلة كما فشل قبلها وبعدها مئات الوسائل التي حاولت القضاء على هذه الدعوة؛ فحين ظهرت هذه الجمعية فهم الإخوان أنهم المقصودون بها لتكون معول هدم لما يبنيه الإخوان، وأنها سلاح ضدهم أقوى من أسلحة الهجوم والمواجهة، وأنها تحتاج إلى تخطيط دقيق لمقاومتها وإحباط خطتها، وكانت خطتهم لمقاومتها تقوم على اختراق هذه الجمعية من خلال إيفاد مجموعة من الإخوان إلى مقر هذه الجمعية وجمع كافة المعلومات عنها من قادة وأفراد وتمويل وأنشطة ومخططات، ثم إيفاد مجموعة أخرى للاشتراك في نشاطات هذه الجمعية والتظاهر بالتجاوب مع القائمين بهذه الأنشطة مع الاحتفاظ بأنفسهم من التلوث بحجج مختلفة، ثم بعد معرفة كافة المعلومات حول هذه الجمعية أوفد الإخوان مجموعة من الإخوة أقوياء الحجة واسعي الثقافة إلى الاجتماعات العامة في الجمعية؛ للرد على الشبهات التي تثيرها بموضوعية وتوضيح الحقائق للمخدوعين، كما قام طلبة الإخوان في الجامعة والمدارس بحملات توعية للشباب ضد الغزو الفكري الإنجليزي، وقام بنفس الأمر كافة أقسام وشعب الجماعة كلٌّ في قطاعه وبين جمهوره؛ حتى استطاعت الجماعة أن تقلل من خطورة هذه الجمعية ..(18)
وسائل أخرى لتشويه الإخوان
لم يتوقف الإنجليز في كيدهم للدعوة على الوسائل السابقة ولكنهم استخدموا وسائل أخرى، كان منها ما يسمى بحرب المنشورات وإظهار الإخوان بمظهر المتزمتين الجامدين الذين يعيشون بعقلية القرون الوسطى؛ فقد ملئوا الشوارع بمنشورات يعلنون فيها دروسًا ومحاضرات، الغرض منها صرف الناس عن محاضرات المركز العام. ومن هذه المحاضرات التي ألصقوها زورًا وادعوا أن المركز العام للإخوان سيقوم بتقديمها محاضرة في آداب الاستنجاء وطريقة إخراج الغائط يلقيها المرشد العام، وكانت المحاضرة الثانية (فيما يجب وما لا يجب على المرأة الحائض حينما يكون زوجها عاجزًا عن مباشرتها) يلقيها أحمد السكرى، أما المحاضرة الثالثة في الأقوال المرضية في الصلاة على الحضرة النبوية يلقيها السكرتير العام، وهكذا كانت المنشورات تعلن هذا الكذب في وقت كانت البلاد فيه في أشد الحاجة لعقول تفكر لها في قضاياها المصيرية؛ إذ أن هذه القضايا لا يمكن أن تكون هي القضايا التي تستأثر الهم العام للدعوة ..(19)
لكن بفضل الله ثم بوعى الإخوان سريعًا ما كشف زيف هذا الأسلوب وظهرت سذاجته بعد وقت قصير ووضح الغاية منه. وكان الإنجليز قد سبق لهم أن استخدموا أسلوب تشويه الفكرة الإسلامية أكثر من مرة في محاولة قصرها على الأمور التعبدية دون غيرها، وإظهار الصوفية أنهم أفضل المسلمين عبادة وأكملهم إيمانًا، ولقد أرسلوا أحد المستشرقين إلى مصر -وقد ادعى الإسلام- وكان أستاذ تاريخ وقام بزيارة كلية التجارة لوجود أعداد كبيرة بها وهى تقع في حى المنيرة وسط المدينة، وسمى نفسه "خالد"، وأعلن أنه جاء إلى القاهرة لأنها العاصمة الإسلامية الكبرى ليسعد باللقاء والحديث مع رجال الجامعة من الأساتذة والطلاب. واستطاع أن يجذب بعض الطلاب والأساتذة إليه، ونتيجة لنشاطه نظمت له الكلية محاضرات يلقيها على الطلبة، وكانت محاضراته تدور حول كيفية اقتناعه بالدين الإسلامي، ثم بعد ذلك سرعان ما يتطرق لأمور العقيدة والشريعة، وفي أثناء شرحه للفكرة الإسلامية كان يحاول أن يقصر الإسلام في النواحي العبادية والتصوفية، إلا أن شباب الإخوان في الكلية تصدوا له في ذلك الوقت، واستطاعوا أن يكشفوا زيف مكره؛ وذلك بتوجيه الأسئلة المنظمة له عن موقف الإسلام من الدولة والجهاد والقومية وغيرها من القضايا العصرية، إلا أنه كان يراوغ في الإجابة حتى سألوه: لو قامت حرب بين المسلمين وبريطانيا مع من تكون؟ فعندها شعر بالخناق يضيق حول رقبته فنطق مكرهًا بعد محاولات عدة للهروب من السؤال قائلا: إنه سيكون مع بريطانيا، فانفض الجمع الحاشد مرة واحدة من حوله وخابت وسيلته.
تلفيق القضايا للإخوان فى فترة الملكية
يذكر مهندس محمد الصروي في كتابه "الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م)" نوع آخر من أنواع الحرب النفسية والتي مارسها نظام عبد الناصر والأنظمة المتعاقبة ضد الإخوان وهى تلفيق القضايا ضد رموز وكوادر الحركة فيذكر م الصروى أن حكومة إبراهيم عبد الهادي قامت بتلفيق ست قضايا لجماعة الإخوان المسلمين (عام 1949م) .. هذا بخلاف التعذيب البشع الذي تعرض له الإخوان لأول مرة في تاريخهم في معتقل سجن الاستئناف الذي يقع في قلب القاهرة، وهو من أسوأ المعتقلات التي عاش فيها الإخوان المسلمين قبل الثورة، وهذه القضايا هي:
- 1- قضية القاضي أحمد الخازندار.
- 2- قضية اغتيال النقراشي باشا.
- 3- قضية محاولة نسف محكمة الاستئناف.
- 4- قضية السيارة الجيب.
- 5- قضية حامد جودة (رئيس مجلس النواب).
- 6- قضية الأوكار.
وهذه القضايا جميعاً تمت بخطة واحدة، وهيأتها ظروف مشتركة، حتى كأنها تمت في ساعة واحدة، وعلى رأس هذه الظروف.
قصة الخازندار
كان القاضي أحمد الخازندار بك قد صار حكماً قاسياً على اثنين من طلبة الثانوي من الإخوان المسلمين وهما حسين محمد عبد السميع، ومحمود نفيس حمدي.. هذان الطالبان اتهما بإلقاء قنبلة على نادي الضباط الإنجليز بالقاهرة في ليلة عيد الميلاد عام 1947م، ورغم عدم ثبوت التهمة عليهما إلا أنه حكم على كل منهما بثلاث سنوات سجناً وغرامة مائة جنيه، فاهتزت الأوساط الإخوانية لهذا النبأ.
وفي نفس الوقت حكم القاضي أحمد الخازندار بك في جريمة بشعة مروعة وقعت في الإسكندرية وهزت أرجاء البلاد وسميت بقضية (سفاح الإسكندرية) وهو السفاح (حسن قناوي).. كان يستدرج ضحاياه ويمارس معهم الشذوذ ثم يقتل الضحية.. وقد تكرر هذا منه عدة مرات. وما دار في جلسات المحاكمة من شرح لهذه الجرائم يزكم الأنوف، ويؤذي المشاعر ورغم ثبوت الجرائم كان الحكم مخففاً جداً وصادماً لمشاعر المصريين، فلقد حكم عليه بسبع سنوات فقط لدرجة أن هذا السفاح تلقي هذا الحكم بالابتسام والسرور. وهنا اندفع صديقان من أصدقاء شباب الإخوان المسجونين ظلماً وعدواناً من محكمة أحمد الخازندار بك .. وأطلقا النار على هذا القاضي .. بدافع شخصي منهما وليس بتوجيه من أحد، وحكمت عليهما المحكمة بالأشغال الشاقة المؤبدة.
مقتل النقراشي
قام عبد المجيد أحمد حسن الطالب بكلية الطب البيطري، باغتيال النقراشي.. ورغم أن هذا السلوك فردي، إلا أنه تم اتهام أربعة آخرين بالتحريض وتسعة عشر بالاتفاق الجنائي.. والخمسة الأوائل هم:
1- عبد المجيد أحمد حسن – طالب طب بيطري – 22 سنة.
2- السيد فايز عبد المطلب – مهندس ومقاول مباني – 29 سنة.
3- محمد مالك يوسف – موظف بمطار القاهرة.
4- عاطف عطية حلمي – طالب بكلية الطب - 25 سنة.
5- سيد سابق – شيخ أزهري – 24 سنة.
أما التسعة عشرة الآخرون فهم:
6- أحمد عادل كمال – موظف بالبنك الأهلي – 23 سنة.
7- طاهر عماد الدين – مهندس – 30 سنة.
8- إبراهيم محمود علي – ترزي بسجن مصر – 30 سنة.
9- مصطفى كمال عبد المجيد أيوب – ميكانيكي – 26 سنة.
10- مصطفى مشهور مشهور – 27 سنة – المرشد الخامس للإخوان المسلمين.
11- محمود السيد الصباغ – مهندس الأرصاد الجوية – 28 سنة.
12- أحمد زكي حسين – مدرس ابتدائي – 25 سنة.
13- أحمد محمد حسنين – مراقب حسابات بشركة المعادن- (عضو مكتب الإرشاد فيما بعد).
14- محمد فرغلي النخيلي – تاجر معادن – 29 سنة.
15- عبد الرحمن السندي – موظف بوزارة الزراعة – 32 سنة.
16- محمد حسني أحمد عبد الباقي – (عضو مكتب الإرشاد لحوالي أربعين عاماً).
17- أحمد قدري البهي – مهندس طيران – 21 سنة.
18- محمد بكر سلمان – نساج بشركة النيل للمنسوجات – 26 سنة.
19- أسعد السيد أحمد – ميكانيكي – 26 سنة – (صاحب مكتبة فيما بعد).
20- محمد سعد الدين السنانيري – مقاول نقل – 28 سنة.
21- علي محمد حسين – قومسيونجي – 27 سنة.
22- سعد محمد جبر – مهندس لاسلكي.
23- الشيخ محمد محمد فرغلي – واعظ الإسماعيلية – 42 سنة (عضو مكتب الإرشاد.. شنقة عبد الناصر عام 1954م).
24- محمد إبراهيم سويلم – فلاح – 22 سنة.
وأُعدم المتهم أول عبد المجيد أحمد حسن وصدر ضد الباقين أحكام مختلفة.
قضية نسف محكمة الاستئناف
وقعت هذه المحاولة في إطار المناخ الاستفزازي، والمتهم فيها الأخ شفيق إبراهيم أنس (22سنة) الذي ضاق صدره، ونفد صبره لما كان يجري بين جدران هذه المحكمة من تزييف وتلفيق وإكراه.. ثم تعذيب بشع داخل جدران المحكمة على مرأى ومسمع من القضاة آنذاك.. ولكن أحداً لم يصب والحمد لله وفشلت المحاولة.. ورغم ذلك حُكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة.
قضية السيارة الجيب
تم ضبط هذه السيارة في 21/11/1948م في دائرة قسم الوايلي بالقاهرة وبها أوراق كثيرة ومضبوطات.. وقدم فيها 32 فرداً من جماعة الإخوان المسلمين إلى المحاكمة،معظمهم ذكر اسمه في قضية مقتل النقراشي والذين تحملوا جميع القضايا في تلك الفترة العصيبة في أول محنة جماعية للجماعة.
أما الآخرون الذين أدرجت أسماؤهم معهم في قضية السيارة الجيب فهم:
1- أحمد متولي حجازي – تاجر راديو – 29 سنة.
2- د. أحمد الملط – طبيب – 32 سنة (فيما بعد صار نائب المرشد العام الثالث ونائب المرشد الرابع).
3- جمال الدين فوزي – موظف بالبريد – 39 سنة – (شاعر الإخوان).
4- محمود حلمي فرغلي – موظف بالداخلية – 27 سنة.
5- محمد أحمد علي – موظف بالأشغال – 25 سنة.
6- عبد الرحمن عثمان – طالب حقوق – 22 سنة.
7- السيد إسماعيل شلبي – تاجر – 44 سنة.
8- صلاح الدين عبد المتعال – طالب ثانوي – 18 سنة (فيما بعد أصبح أستاذاً بمركز البحوث الجنائية).
9- جمال الدين الشامي – مهندس ري – 26 سنة.
10- جلال الدين ياسين – موظف وطالب تجارة – 24 سنة.
11- محمد الطاهر حجازي – طالب بالزراعة – 24 سنة.
12- عبد العزيز البقلي – ترزي – 24 سنة.
13- كمال القزاز – نجار – 27 سنة.
14- علي حسنين الحريري – قومسيونجي – 27 سنة.
15- محمد إبراهيم سويلم – فلاح بالإسماعيلية – 22 سنة.
16- سليمان مصطفى عيسى – فلاح بالإسماعيلية – 22 سنة.
قضية حامد جودة
وقع الحادث في 6/5/1949م بعد اغتيال المرشد العام حسن البنا بثلاثة شهور وتكهرب الجو في مصر كلها، وحلت الجماعة واعتقل الآلاف من القيادات والعاملين في الإخوان. .ولم يعد هناك خارج السجون سوى شباب ليس بينهم رابط قوي، ولا خبير مجرب في ظل مناخ استفزازي وشيوع قضية العسكري الأسود في عصر إبراهيم عبد الهادي خليفة النقراشي في رئاسة الوزارة ورئاسة حزب السعديين آنذاك. ومرت سيارة حامد جودة رئيس مجلس النواب وظنوا أنها سيارة إبراهيم عبد الهادي، فألقى أحد الشباب قنبلة، ولكنها لم تصب أحداً بسوء، وأخطأت الهدف، ونجا حامد جودة الذي كان في السيارة، وتم اتهام عشرة من الإخوان هم:
1- مصطفى كمال عبد المجيد – ميكانيكي.
2- محمد نجيب جويفل – طالب.
3- عبد الفتاح ثروت – أرصاد جوية.
4- فتحي محمد علام – طالب.
5- سمير جلال شهبندر.
6- مصطفى محمد السيد.
7- عبد الكريم محمد السيد – عامل.
8- محمد شحاته عبد الجواد – مطبعجي.
9- سعيد جلال شهبندر – طالب.
10- علي صديق السيد فراج – محام.
- تم ضم هذه القضية مع القضية التي بعدها وتسمى قضية الأوكار.
قضية الأوكار
تم اتهام خمسين فرداً من جماعة الإخوان المسلمين – الخطرين في نظر الحكومة – في هذه القضية باتهامات مختلفة.. وقبضوا عليهم في منازلهم في كل من روض الفرج – شارع شبرا – شارع السندوبي – روض الفرج – الجيزة. وسموا هذه المنازل أوكار للإخوان المسلمين.. ومن هؤلاء الخمسين أفلت ثلاثة منهم وتمكنوا من الهرب إلى ليبيا وهم (يوسف علي يوسف، عز الدين إبراهيم، ومحمد جلال سعدة) أما محمود يونس الشربيني فقبضوا عليه في الإسكندرية بعد اختفائه شهراً بها ولم يتمكن من الذهاب إلى ليبيا.
وأثناء القبض عليه قتلت الحكومة الأخ الشهيد أحمد شرف الدين بمنزله بروض الفرج .. ولم يحاسبها أحد!!
وهؤلاء الخمسون المتهمون منهم العشرة السابق ذركهم في قضية حامد جودة، أما الأربعون الباقون فقد ذكرهم الأستاذ محمود عبد الحليم في كتابه "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ" جـ2 ص 163.
مشاهد من التعذيب والحرب النفسية في تلك الفترة
ذاق الإخوان في عهد إبراهيم عبدالهادي باشا رئيس الوزراء من التعذيب والتنكيل ما تشيب من هوله الولدان على مدى قرابة عامين ونصف العام.
ولقد أفاض الأخ محمود عبد الحليم في الجزء الثاني من كتابه "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ") في شرح صنوف التعذيب التي تعرض لها الإخوان في تلك الفترة، وننقل هنا مقتطفات منها:
في جلسة 29/8/1949م طلب المتهم محمد مالك من رئيس المحكمة السماح له بالكلام فقال: إنه اعتقل في الإسكندرية، جاءوا به موثق اليدين والرجلين إلى المحافظة، فقال له الأستاذ عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية " أنا عمار عدو الإخوان " ثم أمر رجال البوليس بتعذيبه. فانهالوا عليه بالضرب المبرح – ولما جيء به إلى القاهرة اجتمع عليه ضباط القلم السياسي ورفعوا رجليه بعد ربطهما، وانهالوا عليه ضرباً في كل جسده، وكانوا يدوسون على وجهه بأحذيتهم، ثم شفعوا ذلك بلفحات من الكرابيج، وكان يغمى عليه، ويود ألا يخرج من إغمائه حتى لا يشعر بهذا العذاب.
وخيروه بين رواية عبد المجيد وبين التعذيب، وأعدوا له حجرة تعذيب... ولما أدركوا أنه لم يعد يستطيع المشي أجبروه على أن يجري، ولما لم يستطيع الوقوف أرغموه أن يقف ساعات، وكان يترك بالأسابيع دون أن يغتسل أو يبدل ملابسه.
وهنا وقفت والدة مالك وفي يدها رباط شاش وقالت إن جسد ابنها كان كله جروح، فأسكتها رئيس المحكمة.
وكان مالك يروي بتأثر وحنق، ويقول إنه عاجز عن تصور ما كان يعانيه من العذاب حتى تلفت أعصابه، وكان يضرب بالحديد لعله ينطق، وكان البوليس يوجه إليه كلمات مقذعة خبيثة، واستعانوا بصغار إخوته ليرغموه على الاعتراف.
فسأله الرئيس: ولماذا لم تخطر النيابة وقد حقق معك أكثر من مرة؟
مالك: بلّغت إسماعيل بك رئيس النيابة بلا جدوى، كما بلّغت محمد عبد السلام بك.
محمد عبد السلام: عندما بلغني المتهم أحلته على الكشف الطبي.
دكتور عزيز فهمي: لقد عذب أيضاً بعد الكشف الطبي.
وقال مالك إنه لم ينج من التعذيب حتى في الشوارع أثناء ذهابه للتحقيق.
وفي نفس الجلسة قال المتهم محمد نايل أمام المحكمة إنه كان يُضرب على قفاه من ضباط القلم السياسي وهو جالس في الغرفة المجاورة للمحقق، وأنه أُخذ بحجة التحقيق معه في النيابة واقتيد إلى قسم عابدين، حيث هدده رجال القلم السياسي بتشريح جسمه إذا لم يعترف.
وقال إنه بعد أن نال ضرباً مبرحاً أخذ مكبلاً إلى غرفة الحكمدار، فوجد فيها إبراهيم عبد الهادي باشا، فدهش لوجوده.. ويظهر أن رئيس الوزراء لاحظ تلك النظرة فقال له: " بتبص لي كده ليه ؟ أنت عندك حاجة يا واد؟" ثم أمر بإخراجه حيث ضرب بالفلقة.
وقال المتهم إن لديه شاهداً على هذا التعذيب وهو أمان الله خان.
الرئيس: من ملوك أفغانستان؟
نايل: فعلاً من الأسرة المالكة الأفغانية، وكانت له قضية يعرفها القلم السياسي.
صمت مخجل:
وقال إن هناك أشياء أخرى يخجل من ذكرها أمام الناس.
وفي الجلسة التالية المنعقدة يوم 3/9/1949 بدأ الحديث الدكتور عزيز فهمي المحامي فقال: إن هذه المحكمة تفضلت في الجلسة السابقة بالاستماع إلى أقوال المتهمين مالك ونايل، وقد اتضح من هذه الأقوال أن بعض المتهمين كان هدفاً للتعذيب لحملهم على الإفضاء باعترافات معينة. وقد رأت المحكمة آثار هذا التعذيب على أجسامهم، ووصف الرئيس هذه الآثار بأنها لا تزول مع الزمن – واستطرد الدكتور عزيز فقال: ولم يكن التعذيب جسمانياً فحسب، بل كان البعض هدفاً لجرائم من نوع آخر يمس أعراض المتهمين وأعراض أخواتهم وأمهاتهم وزوجاتهم، كما أشار إلى ذلك كل من مالك ونايل وأمسكا اللسان عنها استحياء.
ثم طلب الدكتور عزيز من المحكمة أن تسمع أقوال المتهمين فيما وقع عليهم من اعتداءات تمس الأعراض وتحقيقها لمحاكمة مرتكبيها طبقاً للقانون.
ودارت مناقشة بين الدكتور عزيز في ذلك وبين رئيس المحكمة رفض في نهايتها رئيس المحكمه طلبه بالتحقيق في التعذيب.
وفي خلال جلسة 3/9 هذه استمعت المحكمة إلى ثلاثة من المتهمين في قضايا السيارة الجيب – بناء على رأي رئيس المحكمة – كشهود في هذه القضية، ومن هؤلاء الشهود عبد الفتاح ثروت الذي قرر أنه راصد جوي.. وما إن سألته المحكمة عن آثار التعذيب في قدميه.. حتى قال إنه ارتكب معه أعمال منافية للآداب.
الرئيس: بس.. بس.
الدكتور عزيز: نريد أن نسمع الشاهد.
واستأنف الشاهد كلامه فقال: إنه كان يُعذب بالضرب في سجن الأجانب والمحافظة، وكان يجبرونه في حجرة التعذيب على الوقوف في الصباح إلى المساء حتى لا ينام. كما قبضوا على أقاربهم ونكلوا بهم. أصبحت محطماً:
واستطرد يقول: لا يمكن أن أصور الآلام التي قاسيتها.. لقد كنت في عملي الحكومي نشيطاً، أما الآن فقد تحطمت أعصابي، وأصبحت فريسة للنوبات والاضطرابات، ولم يقدم لي طبيب السجن شيئاً.. وأنا أتناول أدوية من الخارج.
تعذيب أمام النائب العام:
وقال: لقد كان البوليس السياسي يحضرون التحقيق ويهدونني بالتعذيب، وذلك أمام سعادة محمود منصور باشا النائب العام السابق، وقد شكوت له فقال لي: " لا تتعب نفسك بالشكوى فنحن نعرف والحكومة تعرف وسوف نشرحك ".
وأمام إبراهيم عبد الهادي!!
واستأنف يقول: وقاموا بضربي يوماً ثلاث مرات في المحافظة ومرة في النيابة، وأخذوني لإبراهيم عبد الهادي باشا فقال لي " تكلم أحسن لك علشان تطلع كما طلع غيرك " – وقال الشاهد: إنه لانهيار أعصابه وقع على الأوراق لا يدري ما فيها.
وأجاب الشاهد على سؤال لغانم بك المحامي بأنه دخل على إبراهيم عبد الهادي باشا وملابسه ملوثة بالدماء فقال له: " يا ولد أنت عارف حتتكلم إزاي ولازم تقول كل حاجة " ثم أُخرج بعدها إلى غرفة التعذيب. وقال إنهم كانوا يفصحون له بأنهم يعرفون كل شيء عن عائلته، فقالوا له إن أخته مريضة بالسكر وإنهم شردوا والده.. وقال إن البوليس طلب منه أن يذكر كلاماً عن مالك وأن يتهمه بالاشتراك في الحادث.
وأجاب على سؤال آخر لغنام بك بأنه قابل إبراهيم عبد الهادي باشا ثلاث سنوات مرات. وكان البوليس يهمس في أذنه قبل المقابلة أن الباشا في يده كل شيء وكان الباشا يلح عليه أن يتكلم. ثم قال الأستاذ علي منصور: والدليل على ذلك أيضاً أنه قد توفي بين أيدي الجلادين أحد الشقيقين أحمد عبد النبي أو محمد عبد النبي، وذلك بدار محافظة الإسكندرية حيث تولت الإدارة دفنه في مكان مجهول ثم أخطرت أهله.
واستطرد يقول: هذه حقائق مقتطفة من كثير مما ثبت لدي ولا أستطيع بيانه خوفاً على مراكز من يعرفني بها. وفي هذه الكفاية أضعه أمام الضمائر الحية لحضرات المستشارين والضباط العظام لتقديرها. التعذيب في قضية السيارة الجيب
قال إنه استأجر فيلا الزيتون، ولم تكن الأجهزة التي بها هي لمحطة إذاعة كما أذيع، وإنما هي أدوات لمشروع تجاري خاص بتسجيل الاسطوانات وقال إنه اعتدى عليه بالضرب حتى منتصف الليل على يد الصاغين (الرائدين) توفيق السعيد وعبد المجيد العشري ، والجاويش مصطفى التركي الذي كان يضربه بالحذاء على وجهه.
قرر أن كل ما نُسب إليه في التحقيقات هو من إملاء اللواء طلعت بك بعد تعذيبه- وقال: علقوني في شباك القسم زي الذبيحة، ولما صرخت شووني بالسجائر المولعة. وجاء إبراهيم عبد الهادي باشا فاستغيث به ولكنه لم يعبأ بي، وأشار علي ضابط ضخم معه لمواصلة تعذيبي قائلاً: شرحوه. كما أنهم لم يسمحوا لي بالنوم أبداً. وقد حاصرني ضابطان كانا يبادران بصفعي كلما همت عيني بالنوم، وجعلوني أوقع على أوراق وأنا كالجثة الهامدة، وقد استغيث بحضرة المحقق محمد عبد السلام بك فلم يعبأ بي وتخلى عني.
ولما كانت حالته لا تمكنه من أداء الشهادة واقفا، فقد سمحت له المحكمة بالجلوس على مقعد. وقد قرر أنه لم يعترف بأي شيء في التحقيق وأن التعذيب جعله فاقد الشعور.
وروى بصوت مرتعش ضعيف صنوف التعذيب فقال: إن اللواء طلعت بك هدده بالتشريح إذا لم يعترف قائلاً: إن البلد في أحكام عسكرية. ثم قال: وأخذوني إلى غرفة الضابطين العشري وفاروق كمال وجردوني من ملابسي ونزلوا في ضربي من تسعة مساء إلى أربعة صباحاً.
ولقد قسموا أنفسهم أربع مجموعات، كل مجموعة من 12 عسكري وضابط، ووضعوا رجلي في الفلكة حتى أن الفلكة انكسرت، ثم استعملوا كرابيج الهجانة.. ولما أفقت من إغمائي قالي لي طلعت بك: هذه هي الجولة الأولى والبقية تأتي.
وأخذوني إلى إبراهيم عبد الهادي باشا فقال لي: أنا عندي أمر إني أموتك.. ثم أمر بموالاة تعذيبي، وكان التعذيب على أربع درجات: بالضرب بالعصى والكرابيج ثم الكي بالنيران، وأحضروا (سيخ حديدي محمي) ولكن الضابط محمود طلعت طلب من الضباط أن يكفوا عني قائلاً: ده صاحبي وسعترف بكل شيء.. ثم نمت على الأسفلت فكانوا يطرقون الباب حتى يهرب النوم من عيني. وما كانوا في حاجة إلى ذلك، لأنني لم أكن أستطيع الرقاد على أي جزء من جسمي المشوي كله.
اعتداء منكر: ثم طالبوني بالاعتراف وهددوني إن لم أفعل أن يعتدوا علي اعتداءَ منكرا.. وفعلاً تقدم واحد يريد الاعتداء علي.. فقلت له: أنا أعرف أنني لا أستطيع مقاومتك. وأنت يمكنك أن تفعل معي هذه الجريمة. ويمكنك أن تنجو من عقاب القانون.. ولكني أريد أن أقول لك قبل أن تبدأ: إن الله لن يترك هذه الجريمة بلا حساب.. فابتعد عني. واستمر تعذيبي. وتلفت أعصابي.. وكنت لما أذهب إلى إسماعيل عوض رئيس النيابة وأشكو له يضرب الجرس ويأتي الحرس فيقول لهم: هاتوه لي أخرس خالص.
وجاءني إبراهيم عبد الهادي باشا أربع مرات وقال لي أنا أبهدلك وأبهدل أهلك، وأنا الحاكم العسكري.
وبعد سؤاله في المحكمة ارتجف بدنه وحملق في الهواء، وأصيب بنوبة إغمائية وجعل يرسل شهيقاً عصبياً مؤلماً، أبكى معظم الحاضرين في القاعة.. فحملوه إلى خارج قاعدة المحكمة.
- في 6/11/1949م أثبت الطبيب أن أحد المتهمين نُزعت أظافره.
- فقد المتهم الرابع (فتحي محمد علام) سمعه نتيجة التعذيب.
- وأفاد المتهم يوسف عبد المعطي أن ثلاثة من رجال البوليس السياسي أقاموا في مسكنه مع أمه وأخته.
– بعد اعتقاله واعتقال والده – وقد أرسلت أخته برقية إلى النائب العام تطالب بإخراج البوليس من الشقة، ولكن عهد الإرهاب لم يستجب.
- رفض النائب العام(!!) محمود منصور باشا إثبات إصابات تعذيب المتهم محمد نايل الطالب بكلية الهندسة ..(20)
- للمزيد طالع الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م) ،بقلم المهندس / محمد الصروي ص43
حملات التشويه والحرب النفسية بعد ثورة 1952م
تعتبر فترة ثورة 23 يوليو من أكثر الفترات التي واجهت فيها الجماعة حملات التشويه وخاصة مع بداية الصدام بين الجماعة وقيادات الثورة والتي تواصلت حدتها مروراً بالأزمات العديدة التي مرت بها الجماعة خلال الحقبة الناصرية وتنوعت تلك الوسائل من الهجوم الشرس بحملات التشويه وتلفيق القضايا حتى مرحلة حجب السم الإخوان تماما والتي عبر عنها الحاج محمود أبو رية (رحمه الله) بقوله كنا في فترة عبد الناصر نتمنى أن يٌذكر اسم الإخوان في وسائل الإعلام حتى لو بالهجوم علينا.هذا بالطبع غير التعذيب وسياسة القتل الممنهجة التي اعتمدها نظام ناصر للقضاء على الإخوان ويبدو اعتماد نظام ناصر على وضع آلية وسياسة وقائية من خلال الوثيقة التي تم نشرها في بعض الكتب التي تناولت العلاقة بين الإخوان وناصر مثل قذائف الحق للشيخ محمد الغزالي أو كتاب محمد الصروي "الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م)" وكتاب "الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965م" لأحمد عبد المجيد وغيرها العديد من الكتب والمذكرات التي تناولت تلك الحقبة الزمنية من تاريخ العلاقة بين الإخوان وعبد الناصر.
وثيقة رجال الثورة بخصوص مكافحة جماعة الإخوان المسلمين
تقرير اللجنة المؤلفة برياسة السيد "زكريا محيي الدين" رئيس الوزراء في حينه، بشأن القضاء على تفكير الإخوان، بناء على أوامر السيد الرئيس بتشكيل لجنة عليا، لدراسة واستعراض الوسائل التي استعملت، والنتائج التي تم التوصل إليها، بخصوص مكافحة جماعة الإخوان المسلمين المنحلة، ولوضع برنامج لأفضل الطرق التي يجب استعمالها في مكافحة الإخوان بالمخابرات، والمباحث العامة، لبلوغ هدفين :
- أ ـ غسل مخ الإخوان من أفكارهم .
- ب ـ منع عدوى أفكارهم من الانتقال إلى غيرهم .
اجتمعت اللجنة المشكلة من :
- 1 ـ سيادة رئيس مجلس الوزراء
- 2 ـ السيد / قائد المخابرات العامة
- 3 ـ السيد / قائد المباحث الجنائية العسكرية
- 4 ـ السيد / مدير المباحث العامة
- 5 ـ السيد / مدير مكتب السيد المشير عبد الحكيم عامر
وذلك في مبنى المخابرات العامة بكوبري القبة، وعقدت عشرة اجتماعات متتالية وبعد دراسة كل التقارير والبيانات والإحصائيات السابقة، أمكن تلخيص المعلومات المجتمعة في الآتي :
- 1 ـ تبين أن تدريس التاريخ الإسلامي في المدارس للنشء بحالته القديمة يربط السياسة بالدين في لا شعور كثير من التلاميذ منذ الصغر ويتتابع ظهور معتنقي الأفكار الإخوانية .
- 2 ـ صعوبة واستحالة التمييز بين أصحاب الميول والنزعات الدينية وبين معتنقي الأفكار الإخوانية، وسهولة وفجائية تحول الفئة الأولى إلى الفئة الثانية بتطرف أكبر .
- 3 ـ غالبية أفراد الإخوان عاش على وهم الطهارة، ولم يمارس الحياة الجماعية الحديثة، ويمكن اعتبارهم من هذه الناحية " خام " .
- 4 ـ غالبيتهم ذوو طاقة فكرية وقدرة تحمل ومثابرة كبيرة على العمل، وقد أدى ذلك إلى اطراد دائم وملموس في تفوقهم في المجالات العلمية والعملية التي يعيشون فيها وفي مستواهم الفكري والعلمي والاجتماعي بالنسبة لأندادهم رغم أن جزءاً غير بسيط من وقتهم موجه لنشاطهم الخاص بدعوتهم المشئومة .
- 5 ـ هناك انعكاسات إيجابية سريعة تظهر عند تحرك كل منهم للعمل في المحيط الذي يقتنع .
- 6 ـ تداخلهم في بعض، ودوام اتصالهم الفردي ببعض وتزاورهم، والتعارف بين بعضهم البعض يؤدى إلى ثقة كل منهم في الآخر ثقة كبيرة .
- 7 ـ هناك توافق روحي، وتقارب فكرى وسلوكي يجمع بينهم في كل مكان حتى ولو لم تكن هناك صلة بينهم .
- 8 ـ رغم كل المحاولات التي بذلت منذ عام 1936 لإفهام العامة والخاصة بأنهم يتسترون وراء الدين لبلوغ أهداف سياسية إلا أن احتكاكهم الفردي بالشعب يؤدى إلى محو هذه الفكرة عنهم، رغم أنها بقيت بالنسبة لبعض زعمائهم .
- 9 ـ تزعمهم حرب العصابات سنة 1948 والقتال سنة 1951 رسب في أفكار بعض الناس صورهم كأصحاب بطولات وطنية عملية، وليست دعائية فقط، بالإضافة إلى أن الأطماع الإسرائيلية والاستعمارية والشيوعية في المنطقة لا تخفي أغراضها في القضاء عليهم .
- 10 ـ نفورهم من كل من يعادى فكرتهم جعلهم لا يرتبطون بأي سياسة خارجية سواء كانت عربية أو شيوعية أو استعمارية، وهذا يوحى لمن ينظر في ماضيهم أنهم ليسوا عملاء .
وبناء على ذلك رأت اللجنة أن الأسلوب الجديد في المكافحة يجب أن يشمل أساساً بندين متداخلين وهما :
- أ ـ محو فكرة ارتباط الدين الإسلامي بالسياسة .
- ب ـ إبادة تدريجية مادية ومعنوية وفكرية للجيل القائم فصلاً من معتنقي الفكرة .
ويمكن تلخيص أسس الأسلوب الواجب استخدامه لبلوغ هذين الهدفين في الآتي :
أولاً : سياسة وقائية عامة :
- 1 ـ تغيير مناهج تدريس التاريخ الإسلامي والدين في المدارس وربطها بالمعتقدات الاشتراكية كأوضاع اجتماعية واقتصادية وليست سياسية . مع إبراز مفاسد الخلافة خاصة زمن العثمانيين وأن تقدم الغرب السريع إنما كان عقب هزيمة الكنيسة وإقصائها عن السياسة .
- 2 ـ التحري الدقيق عن رسائل وكتب ونشرات ومقالات الإخوان المسلمين في كل مكان ثم مصادرتها وإعدامها .
- 3 ـ يحرم بتاتاً قبول ذوى الإخوان وأقربائهم حتى الدرجة الثالثة في القرابة من الانخراط في السلك العسكري أو البوليس أو السياسة، مع سرعة عزلة الموجودين من هؤلاء الأقرباء من هذه الأماكن أو نقلهم إلى الأماكن الأخرى في حالة ثبوت ولائهم .
- 4 ـ مضاعفة الجهود المبذولة في سياسة العمل الدائم على إفقاد الثقة بينهم وتحطيم وحدتهم بشتى الوسائل، وخاصة عن طريق إكراه البعض على كتابة تقارير عن زملائهم بخطهم، ثم مواجهة الآخر بما معها مع العمل، على منع كل من الطرفين من لقاء الآخر أطول فترة ممكنة لنزيد هوة انعدام الثقة بينهم .
- 5 ـ بعد دراسة عميقة لموضوع المتدينين من غير الإخوان، وهم الذين يمثلون " الاحتياطي " لهم وجد أن هناك حتمية طبيعية عملية لالتقاء الصنفين في المدى الطويل، ووجد أنه من الأفضل أن يبدأ بتوحيد معاملتهم بمعاملة الإخوان قبل أن يفاجئونا كالعادة باتحادهم معهم علينا ،ومع افتراض احتمال كبير لوجود أبرياء منهم إلا أن التضحية بهم خير من التضحية بالثورة في يوم ما على أيديهم .
ولصعوبة واستحالة التمييز بين الإخوان والمبتدئين بوجه عام فلا بد من وضع الجميع ضمن فئة واحدة ومراعاة ما يلي:
- أ ـ تضييق فرص الظهور والعمل أمام المتدينين عموماً في المجالات العلمية والعملية .
- ب ـ محاسبتهم بشدة وباستمرار على أي لقاء فردى أو زيارات أو اجتماعات تحدث بينهم .
- جـ ـ عزل المتدينين عموماً عن أي تنظيم أو اتحاد شعبي أو حكومي أو اجتماعي أو طلابي أو عمالي أو إعلامي.
- د ـ التوقف عن السياسة السابقة في السماح لأي متدين بالسفر للخارج للدراسة أو العمل حيث فشلت هذه السياسة في تطوير معتقداتهم وسلوكهم، وعدد بسيط جداً منهم هو الذي تجاوب مع الحياة الأوربية في البلاد التي سافروا إليها . أما غالبيتهم فإن من هبط منهم في مكان بدأ ينظم فيه الاتصالات والصلوات الجماعية أو المحاضرات لنشر أفكاره .
- هـ ـ التوقف عن سياسة استعمال المتدينين في حرب الشيوعيين واستعمال الشيوعيين في حربهم بغرض القضاء على الفئتين، حيث ثبت تفوق المتدينين في هذا المجال، ولذلك يجب أن نعطى الفرص للشيوعيين لحربهم وحرب أفكارهم ومعتقداتهم، مع حرمان المتدينين من الأماكن الإعلامية .
- و ـ تشويش الفكرة الشائعة عن الإخوان في حرب فلسطين والقتال وتكرار النشر بالتلميح والتصريح عن اتصال الإنجليز بالهضيبي، وقيادة الإخوان، حتى يمكن غرس فكرة أنهم عملاء للاستعمار في أذهان الجميع .
- ز ـ الاستمرار في سياسة محاولة الإيقاع بين الإخوان المقيمين في الخارج وبين الحكومات العربية المختلفة وخاصة في الدول الرجعية الإسلامية المرتبطة بالغرب، وذلك بأن يروج عنهم في تلك الدول أنهم عناصر مخربة ومعادية لهم وأنهم يضرون بمصلحتها، وبهذا تسهل محاصرتهم في الخارج أيضاً .
ثانياً : استئصال السرطان الموجود الآن:
- وبالنسبة للإخوان الذين اعتقلوا أو سجنوا في أى عهد من العهود يعتبرون جميعاً قد تمكنت منهم الفكرة كما يتمكن السرطان في الجسم ولا يرجى شفاؤه، ولذا تجرى عملية استئصالهم كالآتي :
المرحلة الأولى :
- إدخالهم في سلسلة متصلة من المتاعب تبدأ بالاستيلاء أو وضع الحراسة على أموالهم وممتلكاتهم، ويتبع ذلك اعتقالهم وأثناء الاعتقال تستعمل معهم أشد أنواع الإهانة والعنف والتعذيب على مستوى فردى ودوري حتى يصيب الدور الجميع ثم يعاد وهكذا .
- وفي نفس الوقت لا يتوقف التكدير على المستوى الجماعي بل يكون ملازماً للتأديب الفردي .
وهذه المرحلة إذا نفذت بدقة ستؤدى إلى :
- بالنسبة للمعتقلين:اهتزاز الأفكار في عقولهم وانتشار الاضطرابات العصبية والنفسية والعاهات والأمراض بينهم.
- بالنسبة لنسائهم: سواء كن زوجات أو أخوات أو بنات فسوف يتحررن ويتمردن لغياب عائلهن، وحاجتهن المادية قد تؤدى لانزلاقهن .
- بالنسبة للأولاد: تضطر العائلات لغياب العائل ولحاجتها المادية إلى توقيف الأبناء عن الدراسة وتوجيههم للحرف والمهن، وبذلك يخلو جيل الموجهين المتعلم القادم ممن في نفوسهم أى حقد أو أثر من آثار أفكار آبائهم .
المرحلة الثانية :
- إعدام كل من ينظر إليه بينهم كداعية، ومن تظهر عليه الصلابة سواء داخل السجون أو المعتقلات أو بالمحاكمات، ثم الإفراج عنهم بحيث يكون الإفراج عنهم على دفعات، مع عمل الدعاية اللازمة لكي تنتشر أنباء العفو عنهم ليكون ذلك سلاحاً يمكن استعماله ضدهم من جديد في حالة الرغبة في إعادة اعتقالهم .
وإذا أحسن تنفيذ هذه المرحلة مع المرحلة السابقة فستكون النتائج كما يلي :
- 1 ـ يخرج المعفو عنه إلى الحياة فإن كان طالباً فقد تأخر عن أقرانه، ويمكن أن يفصل من دراسته ويحرم من متابعة تعليمه .
- 2 ـ إن كان موظفاً أو عاملاً فقد تقدم زملاؤه وترقوا وهو قابع مكانه .
- 3 ـ إن كان تاجراً فقد أفلست تجارته، ويمكن أن يحرم من مزاولة تجارته .
- 4 ـ إن كان مزارعاً فلن يجد أرضاً يزرعها حيث وقعت تحت الحراسة أو صدر قرار استيلاء عليها .
وسوف تشترك الفئات المعفو عنها جميعها في الآتي:
- 1 ـ الضعف الجسماني والصحي، والسعي المستمر خلف العلاج والشعور المستمر بالضعف المانع من أية مقاومة .
- 2 ـ الشعور العميق بالنكبات التي جرتها عليهم دعوة الإخوان وكراهية الفكرة والنقمة عليها .
- 3 ـ انعدام ثقة كل منهم في الآخر، وهى نقطة لها أهميتها في انعزالهم عن المجتمع وانطوائهم على أنفسهم .
- 4 ـ خروجهم بعائلاتهم من مستوى اجتماعي أعلى إلى مستوى اجتماعي أدنى نتيجة لعوامل الإفقار التي أحاطت بهم .
- 5 ـ تمرد نسائهم وثورتهن على تقاليدهم، وفي هذا إذلال فكرى ومعنوي لكون النساء في بيوتهن يخالف سلوكهن أفكارهم، ونظراً للضعف الجسماني والمادي لا يمكنهم الاعتراض .
- 6 ـ كثرة الديون عليهم نتيجة لتوقف إيراداتهم واستمرار مصروفات عائلاتهم .
النتائج الإيجابية لهذه السياسة هي :
- 1 ـ الضباط والجنود الذين يقومون بتنفيذ هذه السياسة سواء من الجيش أو البوليس سيعتبرون فئة جديدة ارتبط مصيرها بمصير هذا الحكم القائم حيث يستشعرون عقب التنفيذ أنهم ( أى الضباط والجنود ) في حاجة إلى نظام الحكم القائم ليحميه من أي عمل انتقامي قد يقوم به الإخوان للثأر .
- 2 ـ إثارة الرعب في نفس كل من تسول له نفسه القيام بمعارضة فكرية للحكم القائم .
- 3 ـ وجود الشعور الدائم بأن المخابرات تشعر بكل صغيرة وكبيرة وأن المعارضين لن يستتروا وسيكون مصيرهم أسوأ مصير .
- 4 ـ محول فكرة ارتباط السياسة بالدين الإسلامي .
انتهى ويعرض على السيد الرئيس جمال عبد الناصر
إمضاء
السيد / رئيس مجلس الوزراء
السيد / قائد المخابرات
السيد / قائد المباحث الجنائية العسكرية
السيد / مدير المباحث العامة
السيد / شمس بدران
أوافق على اقتراحات اللجنة
الملامح العامة للخطة التي انتهجها عبد الناصر للقضاء على الإخوان جسدياً وفكرياً
- مارس نظام عبد الناصر سياسة ممنهجة للقضاء على الإخوان جسديا وفكريا ومنح عبد الناصر السلطات الكاملة لمدير مخابراته صلاح نصر لتنفيذ تلك الخطة ووضع صلاح نصر خطته للقضاء على الإخوان على شقين الشق الأول عمليات غسيل المخ لأفراد الجماعة لإعادتهم إلى طبيعتهم الأولى ،ووضع صلاح نصر الشق الثاني من تعامله مع الإخوان في القسوة والعنف والإرهاب .
ومن أجل هذا تم تنفيذ الأتي:
- 1- عقد الندوات وإلقاء المحاضرات والمناقشات لأفراد الجماعة واستخدام متخصصين في ذلك...
- 2- التعذيب بكافة صوره وأشكاله من ضرب بالعصي والكرابيج واستخدام أسلاك الكهرباء في التعذيب ، والإلقاء بالإخوان في غرف مليئة بالماء تمنعهم من النوم ، بل ووصل الأمر إلى حد التعذيب باستخدام الكلاب !!
- 3-رمي الإخوان في السجون والمعتقلات والتنكيل بهم لتحقيق لانهيار النفسي والجسماني فيتم إخضاعهم وتشكيلهم.
- 4-إتباع وسائل الحرمان من جميع حقوق المعتقلين السياسيين والتي أقلها رؤية أسرهم.
وكانت أوامر صلاح نصر لإدارة السجن التعامل مع الإخوان بكافة الطرق الوحشية وتتمثل في:
- 1- حرمان من العلاج .
- 2- حرمان من تطبيق لائحة السجون لقد كان يسمح لكل مسجون قضي في الجبل 24 شهرا أن يصنع في ورش اليمان وحين اشتكى بعض الإخوان الذين قضوا أكثر من 24 شهرا أجابت إدارة اليمان أن ذلك من اختصاص المباحث وجاء رد المباحث في خطاب رسمي بتحريم ذلك لإجراء بالنسبة للإخوان المسلمين حتى ولو قضوا أقضى مدة قانونية وهي 36 شهرا وكان هذا يعني أن عمل الإخوان في الجبل وحمل الأحجار لا ينتهي باللائحة أو قوانين .
- 3- وفي الجبل غضت الإدارة الطرف عن أربعة آلاف مسجون كانوا يعملون .. ووجهت كل الرقابة والمتابعة ووسائل الاستفزاز إلى الإخوان المسلمين المائة والثمانين.. كان الضابط عبد الله رشدي يصر على استلام المقطوعية كاملة بنفسه وذلك بأوامر مباشرة من صلاح نصر لتكدير الإخوان وإذا كان هناك عجز في مقطوعيتهم كان الجلد بالسياط ووصل عدد الإخوان في التأديب إلى خمسة وخمسين .!!
- 4- وفي فبراير سنة 1956 دبرت عناصر من إدارة اليمان حادث للاعتداء على الإخوان وكان أبرزهم عبد العال سلومة، وعبد اللطيف رشدي.. جردوا الإخوان من حاجياتهم المسموح بها قانونا.. وصادروا أطعمتهم حتى الأحذية والصابون .
- 5- اضطلع الضابط عبد العال سلومة بأوامر من صلاح نصر بدور رئيس في التدبير للمذبحة... وفي كل سجن التقى فيه هذا الضابط بالإخوان المسلمين لم يتورع لحظة من إلحاق الأذى بهم والكيد لهم.. وفي رمضان كان التفتيش يتوقف في اليمان إلا في دور 3 حيث كانت زنازين الإخوان كان سلومة يقوم بذلك مرة أو مرتين في الأسبوع ، وكان هذا الضابط المتعجرف يقول للإخوان المسلمين "إنني سأجعل من زنازينكم بركا للدماء !!"
- 6- وقبل المذبحة بيومين أمر العميد الأحمق سيد والي والذي وضعة صلاح نصر مأمورا قبل المذبحة بفترة وجيزة بإخراج جميع مرضى الإخوان من الملاحظة الطبية وخروجهم إلى العمل في الجبل وحاول الأطباء مناقشته في الأمر ولكن دون جدوى .
- 7- وبلغ إجرام هذه الفئة من الضباط إلى حد أن احدهم صرح وهو الضابط عبد الله ماهر أنه سيحرق الإخوان بالجاز!!
- 8- ما يقرب من الأعوام الثلاثة قضاها الإخوان في اليمان في هذا الجو من العنت والعذاب ومع ذلك تحملوا وفوتوا الفرصة تلو الفرصة على الجناة حتى عبر أحد ضباط اليمان على ذلك بقوله: "إن أشد ما يغيظنا منكم هو ذلك السبب السلبي !!"
ومما يدل على شذوذ صلاح نصر في تعامله مع الإخوان أنه كان يقوم بتكريم وترقية كل من يقوم بتنفيذ التعذيب الجسدي والنفسي ضد الإخوان داخل السجون والمعتقلات ومن الأمثلة على ذلك ما فعلة مع صفوت الروبي الذي قام بترقيته لا لشيء إلا لتفننه في تعذيب الإخوان داخل السجون بأمر من صلاح نصر.
كما أن صلاح نصر قام باختراع أنظمة تدل على وحشيته في تعامله مع الإخوان حيث أنه اتخذ إجراءات معهم لم يتخذها مع أي فصيل سياسي أخر من هذه الإجراءات القبض على النساء وتعذيبهم بأشد وسائل التعذيب البدني والنفسي لإجبارهم على الاعتراف بما لم يفعلوا ولتأكيد ما نسبه صلاح نصر لذويهم من اتهامات ..(22)
نماذج للحرب النفسية ضد الإخوان في عهد عبد الناصر
مع اشتداد المواجهة بين الإخوان وضباط الثورة أو بالأدق مجموعة جمال عبد الناصر دشنت حكومة عبد الناصر حملة إعلامية مركزة لتشويه صورة الإخوان وهو ما يكشف عنها د/ ريشتارد ميتشل في كتابه (الإخوان المسلمين ... دراسة أكاديمية) فيقول:
- ومنذ ذلك الوقت استخدمت الحكومة منهجًا مزدوجًا للهجوم، فمن ناحية أطلقت العنان لحملة صحيفة مكثفة ومستمرة ضد الهضيبي وضد سياستهم. ومن ناحية ثانية، شددت إجراءات الأمن وفرضت رقابة أكثر صرامة، ومستفزة أحيانًا، على ذلك القدر الضئيل الذي بقي من نشاط الجماعة. وربطت الحملة الصحيفة بين عدد من العناصر لا رابط بينها في الغالب، بل والمتعارضة أحيانًا، أولهما: المعاهدة السرية بين الهضيبي والبريطانيين والتي كانت النقطة الأساسية التي ما لبثت أن أضيف إليها تفاصيل كثيرة تضمنت قبوله (شروطًا للجلاء) منها مبدأ الدفاع المشترك مع العرب، والخبراء العسكريين والتحالف مع الإنجليز بعد الجلاء. مع التنويه الخاص إلى منها مبدأ الدفاع المشترك مع العرب، والخبراء العسكريين والتحالف مع الإنجليز بعد الجلاء، مع التنويه الخاص إلى سرية تلك المفاوضات.وثانيها علاقته مع الملك المخلوع والفئات الحاكمة السابقة (الهلالي وماهر النقراشي) التي عولجت بتفصيل شديد، وبالتأكيد على زياراته للقصر وتعاونه مع العهد البائد، وعجزه عن تحديهم في الوقت الذي تحدي فيه ثورة أبناء الأمة والشعب. وثالثًا: انسجام سياسته مع سياسات الإمبرياليين والصهاينة وخدمتها لأهدافهم على حساب مصر، ورابعًا: انضمامه للشيوعيين في محاولة التنسيق والربط بين (قوات التخريب)، وهكذا تمت بالفعل إعادة أحياء النزاعات القديمة وعلى نحو مفصل، بحيث تأكد بذلك كله- مضافًا إليه كل الأشياء الأخرى التي قيلت- المغزي المطلوب وهو أن الهضيبي وجهازه السري قد انحرفوا عن مبادئ الجماعة.
وفضلا عن ذلك كان للحملة وجهان آخران:
- 1- تضمنت افتتاحيات الصحف والمجلات الرسمية، ردودا وتفنيدات للمنشورات السرية التي ملأت الشوارع، دون أن تنشر نصوصها أو تشير إلى مضمونها على نحو دقيق أو كامل.
- 2- كانت الصحف تنشر أعمدة يومية تقريبًا تتضمن رسائل زعم أن بعض الإخوان بعثوا بها للحكومة يستنكرون موقف الهضيبي بوجه خاص أو الجماعة بوجه عام في مناهضة مجلس قيادة الثورة، وتلك وسيلة تقليدية في مصر لهز الثقة في الخصم السياسي أو للتمهيد جماهيريًا لتبني اتجاه معين أو مناهضته.
وكان الغرض المتوخي من نشر هذه الأنباء هنا وهناك في الصحف والمجلات هو تبرير إيقاف نشاط الجماعة، وفي 28 أغسطس نشرت الصحف بحروف بارزة تقارير صادرة عن وزارة الداخلية حول (الاعتداءات على البوليس والشعب) من جبان الإخوان المسلمين بعد انتهاء صلاة الجمعة في مسجدهم بالروضة، ومضى التقرير يقول أنه بعد خطبة قصد منها إثارة الشغب، ترك الإخوان المسجد وتهجموا على البوليس وجمهور المتفرجين من المارة، أما ما حدث بالفعل فكان مختلفًا إلى حد ما، فالخطبة كانت في الواقع مناشدة أخرى من قائد طلابي قديم صديق لعبد الناصر من أجل العمل على استبعاده الهدوء وإطلاق الحريات، وقد تضمنت الخطبة ما يناسب المقام من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وانتهي اللقاء وبدأت جموع المصلين في التفرق في اللحظة التي بدأت فيها محاولة مستفزة من قوة عسكرية يقودها البوليس (وصلت أثناء الصلاة وأحاطت بالجامع) لاعتقال الخطيب مما أثار ثائرة الحشد وبرر استخدام العنف، بما في ذلك رصاص البنادق، للسيطرة على الموقف.
وفي العاشر من سبتمبر أوردت الأنباء حادثًا مشابها بمسجد الإخوان بطنطا، (اعتداء الإخوان المسلمين على المواطنين)، معركة في المسجد استخدم أمام المسجد خلالها السكين في الهجوم على خصومه، وفي اليوم التالي أنكرت الحكومة في الصحف واقعة تدخل الحرس الوطني الذي ترعاه الحكومة والذي لم يشر له رسميًا على الإطلاق (والذي وصلت أخباره إلى القاهرة بعد ساعات قليلة من المعركة) مما أوحي لعديد من المراقبين بأنه حادث مدبر آخر، وبعد هذا الحادث اتخذت الحكومة لإجراءات اللازمة لغرض رقابة أكثر صرامة على المساجد من خلال وزارة الأوقاف.
وبعد نشوب معركة بين الإخوان المسلمين والبوليس المحلي بلدة ميت غمر، وقيام مظاهرة صغيرة في إحدى مباريات الكرة وبعد الهجوم الذي شنه الحرس الوطني على إحدى عيادات الإخوان في السويس وتحطيمها، إلى جانب أحداث المساجد، ثم اعتقال عدد محدود من الإخوان، وفي أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر حدثت عملية تطهير داخل قوات البوليس، وانتشرت قصة في ذلك الوقت تتحدث عن اعتقال فصيلة من جنود البوليس وضابطها قبل أنه عثر معهم، عندما أوقفوا وهم في طريقهم إلى عملهم- على منشورات وكتيبات للجماعة لتوزيعها، كما أعتقل واحد من الإخوان أيضًا بسبب تعديه على أحد ضباط الجيش في الشارع، وأعتقل عدد آخر من الإخوان بتهمة إخفاء أسلحة، واعتقل أيضًا هؤلاء الإخوان الذين أشتبه في دخولهم في (جبهة وطنية) مع الشيوعيين.
وفي يونيو أعلنت الجريدة الشيوعية السرية (رأي الشعب) وقد نشرت تنديد استنكارها العلني للإخوان بعد مسيرة الجماعة في مارس، أن مقاومة الثورة تقودها قوتان رئيسيتان هما الحزب الشيوعي وجماعة الإخوان المسلمين، وأوصي نفس المقال بوجوب بذل جهد مشترك من أجل (إسقاط حكومة جمال عبد الناصر) .وجدد العرض مرة أخرى في يوليو، وقبل بعض الإخوان اليد التي امتدت للتعاون، وخلال يوليو وأغسطس وضعوا معا خطة مظاهرة مشتركة ومسيرة احتجاج إلى قلب العاصمة، والتي كان عليها أن تثير انتفاضة شعبية تسقط عبد الناصر، تبدأ من مسجد الإخوان بعد أداء صلاة الجمعة وامتلأت الخطة برموز وإشارات عدة لاستخدمها في التعرف على أعضاء المؤامرة أثناء تجمعهم في المسجد والمنطقة المحيطة به على أن الخطة لم يكتب لها النجاح لأسباب مختلفة أهمها التنبيه الذي وجه في اللحظة الأخيرة من الداخل، ومن كبار المسئولين في الجماعة إلى حماقة التحالف مع الشيوعيين وإلى استحالة ذلك من الوجهة الأيديولوجية بالنسبة للإخوان، ولم يتجسد هذا التعاون المحدود عمليا ألا في الاتفاق الذي تم على تعاون كل من الطرفين في توزيع منشورات الآخر، وفي أثناء هذا النشاط ثم ضبط بعض الإخوان واعتقالهم، ولم يعرف من بين الشخصيات الهامة التي ارتبطت بهذا الاتصال سوى سيد قطب رئيس قسم نشر الدعوة والمشرف على تحرير صحيفة الجماعة ومؤلف معظم المنشورات السرية، وقد أصبح سيد قطب- بعد ذلك- المتحدث الرئيسي باسم الجماعة بعد حلها الأخير عام 43 وآخر شهدائها عام 1966.
وبلغت الأمور في القاهرة ذروة درامية مع إعلان مجلس قيادة الثورة في 23 سبتمبر، تجريد ستة من المصريين من جنسيتهم بدعوي تشويههم لسمعة بلادهم في الخارج وإضرارهم بعلاقاتها مع جيرانها العرب، وكانت التهمة المواجهة إليهم (خيانة الوطن). وهؤلاء الستة- وكانوا جميعا خارج البلاد- هم سعيد رمضان وعبد الحكيم عابدين وسعد الدين الوليلي ومحمد نجيب جويفل وكامل إسماعيل الشريف (وكلهم من الإخوان المسلمين)، ومحمود أبو الفتح أحد الوفديين البارزين وأحد أفراد العائلة التي كانت تملك الجريدة الوفدية (المصري) والذي عرف عنه تحالفه مع الإخوان المسلمين وكان الإخوان الخمسة وقتئذ في سوريا يحضرون مؤتمرًا عقد بدمشق وقد حملوا مسئولية تلك المنشورات التي صدرت عن المؤتمر باسم الجماعات الموجودة في العراق والأردن والسودان، مدافعة عن قضية الإخوان ضد حكومة مصر، وتشديد حملة الصحافة السورية المناهضة لمجلس قيادة الثورة، وكذلك حملوا مسئولية تسرب الأنباء التي يذيعها راديو إسرائيل حول النزاع في مصر، وتوترت العلاقات بين مصر وسوريا بسبب موضوع النشاط المستمر للإخوان في سوريا، وبسب مصير هؤلاء الإخوان الذين جردوا من الجنسية، ونجم عن هذا التوتر هجوم عنيف على سوريا في الصحف المصرية- استعدت بطبيعة الحال زيارة عجالة قام بها رئيس الوزراء السوري ورئيس هيئة الأكارن، وكذبت الحكومة الإشاعات التي راجت حول منح سوريا حق اللجوء السياسي لهؤلاء الإخوان، ألا أن أنباء راديو إسرائيل في 13 أكتوبر أوردت هذا النبأ الذي تأكدت صحته خلال يوم واحد في الإذاعة المصرية المحدودة الانتشار، وبعد هذه التجربة فرضت الحكومة رقابة مشددة على سفر الإخوان المشتبة فيهم، وهي خطوة تزامنت مع تلك الهجرة المحدودة إلى الكويت والبحرين والسعودية وسوريا...(23)
أسلوب غسيل المخ في عهد عبد الناصر
- تعتبر عملية غسيل المخ من أهم وسائل القضاء على الأفكار وتغيير المعتقدات تقوم بها مخابرات الدول والأجهزة القمعية بصورة كبيرة لمحاربة المعارضة السياسية والقضاء عليها واشتهر هذا الأسلوب بصورة كبيرة إبان الحرب الباردة ، عملية غسيل المخ وان كانت قديمة , فان أسسها العلمية لم تتضح إلا في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين حيث بدأت الخطوة الأولى على مخ الحيوانات في معمل العالم الروسي الشهير بافلوف (1849-1936).
- وتعتبر الحرب الكورية (1950-1953) من أشهر الحروب التي أستعمل فيها غسيل الدماغ, حيث قد وقع الكثير من الجنود الأمريكيون في أسر الشيوعيين الصينيين, وقام هؤلاء الجنود بالاعتراف بأنهم اعتنقوا الشيوعية ولقد فسرت هذه الاعترافات بأنها كانت نتيجة وقوعهم تخت تأثير غسيل الدماغ, وتقول دائرة المعارف الأمريكية (إن الفنيات التي استخدمت في غسيل الدماغ اختلفت من جماعة إلى أخرى ولكن الاتجاه الأساسي كان واحدا فقد كان التحكم في البيئة الاجتماعية والبدنية للضحية يتم لتدمير أي فكر معاد للشيوعية واستبداله بالإيمان بالفكر الشيوعي.
- ولقد أورد إدوارد هنتر Edward Hunter في كتاب Brain-Washing: The Story of the Men Who Defied رواية رجل أمريكي تعرض للأسر لدي الشيوعيين فقال ما يلي : (إن لعبة القط والفأر التي يلعبها الشيوعيون بعقل رجل ما وصفت بدقة بواسطة الكابتن (زاك دين) وهو من القوات الجوية الأمريكية, وكان قبل ذلك يعمل مهندسا للبترول في ولاية أوكلاهوما وعندما سألته عما حدث قال : أن الشيوعيون يضغطون عليك حتى نقطة الموت ثم ينقذونك ثم يعاودون الضغط عليك حتى ترى باب الموت, وعندما تكون على وشك دخوله فأنهم يشدوك بعيدا, ربما لا يصدق ما سأقصه عليك, ولكن بعد أن يكرروا ذلك الأسلوب عدة مرات فأنك تشعر بالعرفان لهم لإنقاذهم حياتك, وتنسى أنهم كانوا هم الأفراد الذين كانوا على وشك أن يقتلوك, وكل ما تحسه إنهم هو الذين أنقذوك وتكون مستعدا أن تفعل كل شيء يريدونه.
غسيل المخ : Brain washing
- غسيل المخ Brain washing مصطلح شائع بين الناس ينطقون به في مناسبات عديدة فعندما يتحول الإنسان في رأيه ويدافع عن الرأي الأخر يقولون له " إنت لازم تغسل مخك " فالمفهوم يكثر تداوله بين الأفراد عندما يتنافسون على المراكز أو المناصب الوظيفية أو السياسية . هل يمكن بالفعل أن تقوم بغسيل المخ ؟ وما هو على وجه التحديد ؟ وما هي أساليب تحقيقه ؟ .
وتلك العملية تقوم أساسا على مظهرين محوريين هما :
- 1- الحصول على الاعترافات الخاصة بالجرائم التي حدثت .
- 2- إعادة التعليم لزرع الأفكار الجديدة . واستمرت تلك الأساليب على جانب من السرية حتى أصبحت علما يدرس حتى يمكن الاستفادة منه وتطويعه لخدمة المجتمع الإنساني .
فالمصطفى صلى الله عليه وسلم قد استخدم أساليب نفسية مع الكفار الذين يقعون في الأسر حتى يحصل منهم على معلومات عن العدو فكل مجتمع يريد أن يستخدم العلم في سبيل تحقيق النصر .
وحيث أن تلك العملية معقدة ومتعددة الجوانب فهي في مركز العديد من العلوم : علم النفس , علوم المخ والأعصاب , علم الاجتماع , علم الجريمة , علوم الشرطة . وقد تطورت المعرفة العلمية بحيث أن الإنسان يمكن أن يخضع لممارسة عملية غسيل المخ بدون ضغوط وبدون أذى ويتم ذلك عن طريق :
- 1- الغمر الاجتماعي للفرد خصوصا في مرحلة المراهقة لذلك فإن المكاتب الثقافية للدول المختلفة تحاول بكل إصرار أن تغزو المخ العربي من خلال ترغيب الشباب في ثقافتهم وتقديم المنح المجانية للمتفوقين في الثانوية العامة حتى يتم مسح أفكارهم التي جاءوا بها وإبدالها بفكرهم وإن كان تعديل الاتجاهات والأفكار يقابل مقاومة عالية كلما تقدم الفرد في العمر إلا أن جميع الأفراد لديهم القابلية بدرجات مختلفة لترك فكرة محددة وقبول فكرة جديدة .
- 2- عن طريق وسائل الإعلام والإيحاء النفسي أثناء عملية الاسترخاء فتكرار تقديم إعلان عن نوع معين من الملابس أو الأدوات أو السلع يجعل الفرد يترك فكرته عن القديم ليبدأ في شراء ما يعلن عنه بطريقة جذابة .
- 3- استخدام الإقناع عن طريق دراسة مسبقة للأفكار والاتجاهات والقيم التي يدين بها الفرد وعلى أساسها يتم وضع برامج منظمة تهاجم تلك الأفكار بأسلوب منظم .
تعريف غسيل المخ :
- تعرف عملية إخضاع الأفراد عن عمد لأساليب القسوة النفسية أو الجسمية بهدف تغيير أفكارهم أو اتجاهاتهم أو أفعالهم بغسيل المخ . وهو يختلف تماما عن تحقيق نفس الأهداف من خلال إعادة التعليم والإقناع والغمر الاجتماعي .
- كما أن زراعة الأفكار والاتجاهات يمكن أن تحدث من خلال ما يعرف بوسائل التثقيب التي شاعت في الدول الشيوعية لفترات طويلة ليفاجئنا العصر الحالي بقنبلة انهيار العالم الشيوعي ( دائرة معارف ليكسكون جزء 3 ) .
- وقد أدى تطور وتحسين الأساليب الفنية فى علم النفس والنيورفسيولوجيا الى وضع برامج متقدمة لعملية غسيل المخ لتحقيق هدف المسح الكلى الشامل Totalism أسلوب الحياة , الأفكار والمشاعر , العقائد والاتجاه السياسي ....الخ.
أساليب غسيل المخ
- اختلفت أساليب إخضاع الأفراد عن عمد لتغير أفكارهم فهناك فنيات تقوم على الأدوية المخدرة لتؤثر على المخ وتجعل الفرد في حالة دوخة أو إعياء نفسي يبدأ بعده الحديث في موضوعات لا يريد التحدث عنها في حالة اليقظة وأخرى تستخدم أساليب تعتمد على إجهاد الجسم كما توجد فنيات أخرى تعتمد على الحرمان الحسي Sensory Deprivation ويمكن أن نقدم الأفكار الأساسية لتلك الطريقة فيما يلي :
أولاً: استخدام الأساليب الكيميائية
- وتعرف المواد المستخدمة بأدوية الحقيقة Truth Drugs ومن أمثلة الأدوية ما يعرف بإسم ثيوبنتون الصوديوم Sodium Thiopentane وتأثيرها ليس كما نتوقعه فهي تجعل الأفراد في حالة دوخة ما بين النوم واليقظة وتشبه في تأثيرها الكحولات . أما عن الأثر الفسيولوجي فهو ببساطة شديدة يؤدى إلى إخماد نقاط الحراسة في المخ والتي تجعل الإنسان دائما فى حالة الوعي واليقظة والتي تقع فى ساق المخ والتكوينات الشبكية حيث ينقطع التنشيط عن القشرة المخية .
- وفى تجارب أخرى أمكن التنبؤ بوجود مواد كيميائية تعمل على تحويل وجهة الفرد الحالم لتجعله قاتلا وقد سمعنا كثيرا عن حالات الإجرام التي ظهرت بسبب تعاطى الهيروين وخلافه إلا أن مادة الكارباكول Carbachol أو الأتروبين إذا ما أدخلت إلى المخ فإنها تمثل مفتاح أكيد لمناطق المخ وفى أوقات الحروب تستخدم بطريقة الخداع في عبوات تشبه الإيروسول ما يعرف بمواد الهلوسة تجعل العدو في حالة ارتباك شديد مع ظهور سلوكيات الهوس , كما أن هناك أساليب إجرامية تستخدم غازات خطرة تغمر الجهاز العصبي بمادة الإسيتيل كولين acetyl coline فيموت الفرد مباشرة بطريقة تشبه الخنق .
- إلا أن البحث العلمي يثبت أن غسيل المخ بالطرق الكيميائية لا يصلح مع جميع الأفراد .
ثانيا: الحرمان الحسي
- أجرت جامعة ماك جيل مونتريال Montreal’s Mcgill university فى عام 1951 عدة تجارب على المتطوعين لعمليات العزل والحرمان الحسي وفى تلك التجارب يعزل الفرد وحيدا فى غرف مظلمة معزولة صوتيا مع ارتداء قفازات في اليد وموانع للسمع على الأذن وليس عجيبا أن نسمع عن الحرمان الحسي فلقد مارسه منذ أزمنة عديدة وتمارسه الآن مجموعات التصوف واليوجا حيث يقومان بعمليات تدريب على الاعتكاف عن لذات العالم ومصادر الإحساس لإخضاع المخ على التركيز والإيحاء .
- وكما أوضحنا سابقا فإن الحرمان الحسي يؤثر على التكوينات الشبكية ومن ثم يتحكم في درجة الوعي فيؤدى إلى فقدان الشعور وتفكك وحدات عمل المخ وبالتالي التفكير فيصل الفرد إلى حالة التفكير غير المترابط (أحمد عكاشة 1975) وتندرج عمليات الحرمان الحسي طبقا لاختلاف المعامل والأسس النظرية.
ويمكن أن تتنوع أساليب الحرمان الحسي بحيث تشمل :
- أ- حرمان المؤثر .
- ب- نقص الإحساس
- ج- العزل الإدراكي
- د- العزل الاجتماعي
ويمكن تلخيص الآثار النفسية للحرمان الحسي فيما يلي :
- 1- تغيرات وجدانية سلبية تبدأ بالنشوة والاسترخاء .
- 2- بعد فترة من الزمن , ليست طويلة , يشعر الفرد بصعوبة فى تركيز التفكير والتوجه المنطقي .
- 3- السرحان .
- 4- تناوب النوم مع اليقظة بصورة غير منتظمة .
- 5- الإثارة العصبية .
- 6- الملل والرتابة والشعور بالضيق يؤدى إلى إحساس الفرد بالاكتئاب وبزيادة جرعة الحرمان يدخل الفرد في أطوار الهذيان وشعوره بأن جسمه غريب عنه . عندئذ تحدث الهلاوس البصرية والسمعية والحسية . وبالطبع فإن تلك الأعراض تزول بعد انتهاء التجربة . وعموما فإن قابلية الشخص للإيحاء وتكوين بناء الشخصية لديه يلعب دورا هاما في سرعة ظهور أو عدم ظهور تلك الأعراض .
التغيرات الفسيولوجية للحرمان الحسي:
- 1- يؤدى الحرمان الحسي إلى إغلاق نشاط التكوينات الشبكية التي تعمل أساسا مع استقبال المعلومات الحسية ومن ثم تحدث اضطرابات في الإدراك والانتباه كأن يشعر الفرد بأنه يستقبل أصوات من أناس آخرين أو يرى وهجة من الضوء لا أساس لها من الصحة . كما يؤثر الحرمان الحسى على وظائف الانتباه والدافعية لدى الفرد . ( س . م . س . ألين CMC.Allen, وآخرون, سنة 1984) .
- 2- أثبت بيرجر سنة 1929 أن ظهور إيقاع ألفا alpha Rhythm يرتبط بالاسترخاء والهدوء في وجود مثيرات الحياة العادية ويظهر واضحا عند إغلاق العين , ولكن إذا استمر ذلك الهدوء فى عدم وجود معلومات حسية – أي في حالة الحرمان الحسي – فإن ذبذبات ألفا تأخذ فى البطء ويزداد نسبة ظهور ذبذبات دلتا وثيتا وهى تشير الى حالة إخماد المخ .
- 3- تنخفض قيمة استجابة الجلد الجلفانية كلما زادت فترة الحرمان الحسي .
- 4- تحدث تغيرات واضحة في بعض هرمونات الدم حيث ترتفع نسبة النور أدرينالين في الدم .
- 5- ينخفض وزن الجسم بشكل ملحوظ كلما زادت فترة الحرمان الحسي . وعموما فإن قدرات الإنسان على تحمل الحرمان الحسي تختلف من فرد لأخر فالبعض يهرب من بداية التجربة أما البعض الأخر يتحمل . وقد لوحظ أيضا حدوث اضطراب مؤقت في الوظائف المرتبطة بالتعلم والاستدلال المنطقي .
الإيحاء والحرمان الحسي:
- الإيحاء ظاهرة نفسية عصبية فسيولوجية لابد وأن يمر بها كل إنسان فجميع الأفراد لديهم قابلية للإيحاء بدرجات مختلفة , وارتفاع القابلية للإيحاء ظاهرة ليست سوية حيث تنتشر الإشاعات بسرعة وعمق في المجتمعات التي ترتفع لدى أفرادها القابلية للإيحاء , وأكثر الناس عرضة للإيحاء هم الذين يعانون من أمراض عصبية ونفسية كما أن مدمنين الكحولات والسموم البيضاء ترتفع قابليتهم للإيحاء بدرجة عالية . ويمكن إذا كان الهدف تغير أفكار واتجاهات الفرد عن عمد فإن الحرمان الحسي بدرجات محسوبة يسهل عملية الإيحاء بالأفكار الجديدة ولذلك فهي تصلح في العلاج النفسي لبعض الحالات الشديدة الخاصة بالوسوسة الشديدة والحرمان الحسي هنا عامل مساعد وليس هو الأساس في العلاج . ما هو الإيحاء ؟
- يعرف الإيحاء على أنه تأثيرات نفسانية متنوعة لإنسان على أخر , فهو تأثير منظم على أسس علمية للعلاج النفسي وإذا كانت الكلمات مثيرات شرطية ترتبط بأفعال الفرد وأفكاره فإن الإيحاء يقوم على استخدام كلمات انفعالية تخترق بناء الفرد الانفعالي ومن ثم يتم تكوين اشتراطات جديدة ولكنها معقدة ويؤدى ذلك إلى تعديل البؤرة الإستثارية في القشرة المخية المرتبطة بسلوك أو فكرة معينة .
عمليات غسيل المخ بقيادة صلاح نصر
أما عملية غسل المخ وهى احد الوسائل التي اعتمد عليها عبد الناصر في حربه ضد الإخوان وأوكل المهمة لمدير مخابراته صلاح نصر وقام صلاح نصر بالعديد من الإجراءات منها:
- كتب صلاح نصر مدير مخابرات عبد الناصر مؤلفاً من جزأين عن الحرب النفسية.. فيه بحث طويل عن غسيل المخ في العالم كله عبر التاريخ.. وأغلب الظن أن كبار أساتذة علم النفس في مصر شاركوا في كتابته. بل لعلهم هم الذين كتبوه له.. ولا عجب في ذلك فكل مخابرات العالم عندها جيش جرار من حملة الدكتوراه في العلوم النفسية والاجتماعية.. مهمتهم العبث بعقول وأمخاخ الذين يعارضون النظام.. وكثير من معارضي الحكومات فقد عقله أثناء اعتقاله بعمليات غسيل المخ هذه ، ولقد كان من الوسائل البدائية والناجحة لهذا إيداع المعارضين في مستشفيات الأمراض العقلية، كما حدث مع أحد منفذي ثورة يوليو الشيوعي العقيد يوسف صديق ، وكثيرون غيره لا يعلمهم إلا الله، أودعوهم مستشفى الأمراض العقلية آنذاك.
تولى ضابط كبير اسمه عقيل مظهر مهمة الإشراف على برنامج غسيل المخ للإخوان ، وصمم برنامجاً لمحاضرات الإخوان في غسيل المخ لمناقشة كل القضايا الفكرية عند الإخوان واختار لها أساتذة من الجامعات وبعضاً من رجال الدين في مصر ومن هؤلاء:
- 1- الشيخ محمد فتح الله بدران أستاذ علم مقارنة الأديان بالأزهر الشريف وعم العقيد شمس بدران.
- 2- الشيخ محمد عبد الرحمن بيصار وذلك قبل أن يصير شيخاً للأزهر فلقد كان أستاذاً في الشريعة بالأزهر.
- 3- الأستاذ الدكتور أحمد زكي شلبي – أستاذ التاريخ بكلية دار العلوم.
- 4- الشيخ عبد اللطيف السبكي عضو هيئة كبار العلماء.
- 5- عبد الغني سعيد وكيل وزارة الشئون الاجتماعية ومحاضر اشتراكي.
- 6- الدكتور محمد أحمد وصفي أستاذ بكلية الطب البيطري.
ليس الموضوع موضوع محاضرات فقط .. ولكن العملية عبارة عن برنامج متكامل العناصر، ومناخ متناسق مع الهدف من المحاضرات.. ولقد طبق هذا البرنامج علينا كاملاً وبدقة.. ولكنه رغم ذلك فشل.. كيف؟ .. هذا فضل الله وحده علينا.
يقول صلاح نصر في الفصل الثاني من الجزء الثاني لكتابه "الحرب النفسية" بعنوان "اصطلاح جديد.. غسيل المخ":
- " تختلف الأساليب المتبعة في تقويم الفكر تبعاً للظروف وتبعاً للجماعة التي تكون هدفاً للبحث، لكن الأصول الأساسية واحدة متماثلة في كل الحالات فهي تهدف إلى السيطرة على جميع الظروف المحيطة بالحياة الاجتماعية والجسمانية للفرد أو للجماعات، لإثبات أن الأفكار الفردية غير صحيحة ويجب أن تتغير.. كما تهدف إلى تنمية الطاعة والإخلاص لعقيدة معينة، فللسيطرة على بيئة الشخص الاجتماعية تبذل كل محاولة لتحطيم ولائه لأي فرد أو جماعة خارجة. ويصحب هذا أن يوضح للشخص أن اتجاهاته وطوابع تفكيره غير صحيحة ويجب تغييرها، كما يجب أن يعطي ولاءه الكامل لعقيدة معينة، ويخضع لها دون تردد، وعلى سبيل المثال استخدمت الأساليب التالية في السجون السياسية المختلفة:
1- عزل الشخص عن الحياة العامة
- وذلك بأن يزج بالفرد في زنزانة ذات أبواب حديدية وفي داخل أسوار حديدية بعيداً عن كل معارفه القدامى، وعن مصادر المعلومات وصور الحياة العادية، وهو في هذه الحالة يصبح نهباً للتعليقات والتحذيرات المفزعة، وتغشى عقله غيوم تحجب ما يدور خارج سور زنزانته، ولم يختلف التكنيك الذي يستخدم اليوم عن ذلك الذي استخدم أيام محاكم التفتيش، أو الذي استخدمه النازيون مع أسراهم في معسكرات الاعتقال، ولقد كان يتم ترك الأسير لمدة طويلة دون أن توجه له أية اتهامات، ودون السماح بتسرب أي أخبار إليه عن أسرته أو عن العالم الخارجي، فيشعر الفرد بأنه أصبح وحيداً في هذا العالم ولا يوجد بجواره من يعاونه في محنته، ويشجع على ذلك أن أخلص أصدقائه وأحبائه لا تواتيهم الجرأة ليسألوا عن مكانه أو يشيروا إلى أنهم على معرفة به خشية التعرض للاعتقال والاستجواب، ومن ثم يتم عزله.
- وبعد فترة من القلق المستمر، وبتطبيق بعض الأساليب الأخرى التي سنذكرها بعد ذلك يبدأ الاستجواب، ومن المحتمل أن يتحطم الإنسان تلقائياً، وبدرجة ملموسة نتيجة القلق والتفكير الطويل فيما يعترف به، ويصبح في حالة بؤس وتعاسة.
- وغالباً ما يناله الضعف والوهن نتيجة هذه الآلام الطويلة وما يصاحبها من ضغط فسيولوجي، بحيث يصبح عقله ملبداً بالغيوم فلا يستطيع أن يميز بين أي شيء، ويهبط إلى قرارة نفسه أي إيحاء يُقدم إليه بواسطة الأخبار أو الحيلة.. " .
2- الضغط الجسماني
- وهذا يتفاوت من الحرمان من الطعام ومن النوم إلى التصفيد بالأغلال كعقوبة لعدم التعاون مع المستجوب، والهدف من هذا كله هو الوصول بالفرد إلى درجة من الإعياء والانهيار بحيث يكون عقله قابلاً لتقبل أي توجيه من المستوجب.
- والواقع أن الجوع يلعب دوراً أساسياً في الحياة العادية دون أحوال بيولوجية معينة منها الغذاء اللازم لبناء خلايا الجسم وتجديدها.
- والتغذية السليمة هنا ليست بكمية الغذاء الذي تمتلئ به المعدة فإننا نعرف أن الجسم يحتاج إلى نسبة معينة من المواد العضوية والفيتامينات التي تمكنه من تأدية وظيفته، والواجبات الغذائية غير المتوازنة تخلق نوعاً من الجوع.
- فالعبرة هنا ليست بالبطون المنتفخة ذات البنية الضعيفة والذهن المشتت ولكن التغذية الجيدة هي التي تعمل على توازن الوجبات التي تعطى للجسم طاقته اللازمة.
- ولقد استخدم التجويع بهذا المعنى كعنصر من عناصر عملية غسيل المخ إذ كان يعطي للسجين ما يكفيه من أطعمة تمكنه من الاستمرار على قيد الحياة وليس بالكمية التي يتطلبها الجسم لجعل ذهنه يؤدي وظائفه بدرجة كافية، وكانت الأطعمة التي تقدم له تعدل بين فترة وأخرى لتحقيق الهدف المطلوب، إذ كانت نسب الطعام توضع تبعاً لصفات المقاومة التي يتصف بها الفرد، فكلما ازدادت مقاومته تعمد المستجوبون تجويعه.
- إن الجوع يجعل الإنسان يسير نحو حتفه بمحض إرادته، بل قد يدفعه إذا وصل إلى درجة مفزعة إلى أن يتخلى عن معتقداته وقيمه، خاصة إذا عاون ذلك ظروف مضنية أخرى، والإجهاد لا يقل تأثيراً على الإنسان عن الجوع، بل قد يبرزه، إذا أن الجسم يحتاج لعدد معين من الساعات للراحة والنوم، وقد يظل بعض الناس في فترة من الفترات دون نوم لمدة يوم كامل، وظل الكثيرون على قيد الحياة بقسط لا يذكر من النوم، إلا أن الاستمرار في ذلك من شأنه أن يقضي على صفاء الذهن ويؤدي بأقوى الأشخاص إلى الجنون والانتحار، لأن الإنسان يصل في النهاية إلى درجة من الانهيار وتشويش ملكته العقلية وفقدانه كل إحساس.
- ويستغل المستجوبون في السجون السياسية هذا كله مهيئين بيئة يصبح فيها النوم شبه مستحيل، إذ يوقظون الفرد في ساعة غير عادية أو يجبرونه على الاستيقاظ كلما نام، أو يوقظ في غلظة وخشونة، ثم يستجوب لفترة قصيرة ويعاد ثانية لزنزانته، والهدف من ذلك كله هو إجهاد المتهم أو الأسير حتى يصل في النهاية إلى درجة من الانهيار تمكن المستجوب من الإيحاء إليه بما يريد.
3- التهديدات وأعمال العنف
- يتخذ هذا الأسلوب شكلين متناقضين، فإما أن يكون مباشراً كاستخدام العنف والضرب والركل حتى الموت، وربط السجين بشدة من أسفل بحيث لا يستطيع حراكاً ثم يوضع حجر ثقيل فوقه ويترك هكذا لمدة طويلة إلى غير ذلك من الوسائل غير الإنسانية.
- وأما التهديد والعنف بشكل غير مباشر، فمثلاً قد يتحدث المستجوب مع السجين بمنطق هادئ بينما يجعله يكتشف عن طريق آخر أن صديقه الذي لم يتعاون قد ضرب أو أعدم، وكانت لهذه الطريقة وسائل كثيرة فمثلاً: قد يعامل الفرد معاملة ودية طيبة ويتكرم المستجوب فيعطيه لفافة تبغ، وفي أثناء الحديث يسمع هذا الفرد زميله في الغرفة المجاورة يصرخ من الألم لرفضه الإجابة عن نفس الأسئلة الموجهة إليه، أو أن يوضع عدد من الأسرى في زنزانة واحدة وعندما يعود أحد الزملاء مخضباً بدمائه كقطعة من اللحم أو تعاد ملابسه في لفافة صغيرة يكون هذا كافياً للآخرين كصورة من التهديد غير المباشر. ومن الأساليب الوحشية التي تستخدم في مثل تلك الحالات وضع الفرد في غرفة على شكل إناء كبير ثم يوثق داخل الإناء بحيث لا يستطيع التحرك ويصب الماء بعد ذلك ببطء داخل الإناء حتى يصل مستوى الماء إلى طرف أنفه.
- على أن الشخص الذي تقام عليه هذه التجربة وتكررت لفترات طويلة قد تصل إلى الشهر لا يستطيع في كل مرة أن يعرف عند أي مستوى سيصل الماء؛ فتارة يقف المستوى عند عينه وأحياناً يصل إليه فمه مما يجعله يصارع بشده لإبقاء رأسه خارج مستوى الماء.
- ومن هذه الأساليب نفسها مثل مأخوذ من الحرب العالمية الثانية، إذ يجرد أسير الحرب من ملابسه ويوضع في العراء في طقس درجة حرارته تحت الصفر ثم يدلي بقدميه في حوض كبير ممتلئ بالماء سرعان ما يتجمد أو يوضع الأسير في أحد الأركان ويستجوب في أثناء تساقط قطرات من الماء فوق رأسه كل دقيقة ويستمر ذلك لساعات طويلة.
4 – الإذلال والضغوط
- تعتمد هذه الوسيلة على إتباع كل نظم السجن التي تتطلب الخضوع التام مع الإذلال في الأسلوب.. تناول الطعام والنوم والاغتسال وما إلى ذلك طبقاً لنظم محددة، مع عدم القيام بأي عمل دون الحصول على إذن من الحارس، وإحناء الرأس وإبقاء الأعين موجهة إلى الأرض أثناء التحدث إلى الحراس، كما تستخدم ضغوط أخرى مثل الاستجواب لمدد طويلة، ومثل عقد اجتماعات يحاول فيها الأفراد الأقل الذين تقدموا في عمليات التقويم حث الأفراد الأقل تقدماً باستخدام عدة وسائل مختلفة، كالتمسك والمداهنة والإزعاج والمضايقة أو محاولة إذلالهم وسبهم.
5- الدروس الجماعية
- واستخدمت الدروس الجماعية اليومية في الصين، حيث كانت تدرس العقيدة الجديدة بواسطة قراءات ومحاضرات تتبعها أسئلة ليثبت كل فرد هضمه للدراسات التي يتلقاها؛ على أن يتبع هذا بمناقشات يطلب فيها كل فرد أن يوضح كيف يستنبط الأهداف من مقدمات الدراسات الشيوعية، وكيف يمكن تطبيقها هو لنفسه، ويعتبر النقد المتبادل جزءاً مهماً من المناقشات التي تجري بين أفراد الجماعة". انتهى كلام صلاح نصر في كتابه حرب الكلمة والمعتقد.
أما تطبيق الخطة علينا فقد تم كاملاً بالصورة التالية:
- التعذيب بصوره المختلفة التي تم شرحها في الفصول السابقة.
- الحرمان من الطعام والتجويع المستمر لعدة شهور.
- الحرمان من النوم بالليل.. وذلك بإذاعة أغاني أم كلثوم طوال الليل بصوت مرتفع حتى نُحرم من النوم.. ومن يستيقظ لا يستطيع قيام الليل بسبب تشويش الإذاعة الشديد علينا.. حتى كدنا نحفظ أغاني أم كلثوم كلها.
- الإجهاد الشديد بالجري طوابير طوال النهار من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساء حتى أن كل واحد منا فقد حوالي خمسة وعشرين كيلو جراماً وصرنا في منتهى الرشاقة من كثرة الجري وقلة الطعام.
- الوقوف أحياناً تحت الشمس الحارقة حتى أن الأخ الشاعر المرهف الحس الدكتور عبد الرحمن بارود سقط من طوله فجأة بسبب ضربة الشمس والدوار الشديد.
- التنكيل الشديد والتعذيب الرهيب مرة كل أسبوع بأحد الإخوان ، وأذكر منهم الإخوة محمد بدير زينة ، والأخ محمد سالم (إسكندرية) والمهندس محمد عبد الفتاح رزق شريف ، والأخ محمد رحمي وغيرهم كثير.
- الحبس الانفرادي لبعض الإخوان أمثال: السيد نزيلي ، وأحمد عبد المجيد ، وعبد المجيد الشاذلي ، والدكتور عبد الفتاح الجندي.
- إطلاق الإشاعات بموت بعض الإخوان مثل: إشاعة موت الأستاذ المرشد حسن الهضيبي.. وإشاعة موت عبد المجيد الشاذلي أثناء محاضرات غسيل المخ.. ولقد صلينا صلاة الغائب على روح الشهيد الحي عبد المجيد الشاذلي الذي عاد إلينا بعد خطفه من السجن الكبير وإيداعه بعيداً عنا في سجن آخر من مباني السجون الحربية.
- كانت تحية أول رمضان من الجلاد صفوت الروبي لنا أن استدعى المهندس محمد عبد الفتاح رزق شريف (56 سنة آنذاك) وقام صفوت الروبي بركله ركلة شديدة أوقعته على الأرض وهو صائم هزيل الجسم ضعيف البنية كبير السن.
- من وسائل التعذيب سماع صراخ الآخرين بين يدي الجلادين من جلوسه على الأرض ووجهه إلى الحائط من التاسعة صباحاً حتى الحادية عشرة مساء، كما حدث لمجموعة صلاح العطار ، وسيد الحسيني ، وإسماعيل الهضيبي.. ومن معهم، طيلة أربعة أشهر دونما استجواب إلا نادراً مما حطم أعصابهم تحطيماً.
- رمي الإخوان محمد بدير زينة ومحمد إبراهيم سالم في حوض مياه عمق متر ونصف (الفسقية) وضربهم بالسياط على هذا الحال.
- الحرمان من الاتصال بالأهل خارج السجن ومنع الكتب والجرائد والمجلات، حتى المصحف الشريف منعوه عنا لفترات طويلة.
- وضع بعض الكيماويات التي تسبب الإسهال في الطعام ثم الجري في طوابير تحت ضغط الحاجة إلى دورة المياه بسبب الإسهال.. وكان عذاباً مهيناً.. فقد لا يستطيع الواحد أن يحافظ على تماسكه فينساب الإسهال من ملابسه.
- الشرب من "القصرية" المصنوعة من الكاوتش فكان الماء يحمل رائحة البول والبراز والكاوتش..!!
- استعمال اليد كمقشة لكنس السجن باليد مع الجلوس القرفصاء..
في ظل هذه الظروف بدأت محاضرات التوعية وغسيل المخ، وكانت توصية الإخوان بتفويت الموقف.. ولكن ما حدث لم يكن على هوى الحكومة.. ويأبى الله إلا أن يقوم بعض الإخوة بإقامة الحجة على هؤلاء المشايخ المحاضرين منهم:
- د. عبد الستار فتح الله سعيد ، سأل د. محمد فتح الله بدران سؤالاً مباشراً عن حكم الإسلام في الحاكم الذي يحكم ويشرع من دون الله مخالفاً بذلك أمر الله بأن يحل الحرام ويحرم الحلال!! فلما انتهت المحاضرة بدأ التعذيب بعد عودتنا إلى الزنزانة بخمس دقائق، فنزلنا إلى فناء السجن الحربي وبدأ التعذيب بالجري السريع داخل حوش السجن ساعات طويلة تعذيباً للشيوخ والشباب.. والغريب أن صاحب السؤال وهو الشيخ عبد الستار فتح الله سعيد أخذته سنة من النوم فنام في دقائق معدودة سكينة من الله داخل الزنزانة ولم يمسسه سوء التعذيب حفظاً من الله وآية لنا أن صاحب كلمة الحق محفوظ مصون بمشيئة الله في أحلك الظروف بمشيئة الله عز وجل.
- د. عبد الفتاح الجندي أخصائي الأمراض الجلدية، ناقش الدكتور محمد أحمد وصفي مناقشة علمية حرة ولكنه أحرج الدكتور المحاضر، فأخذوه وضربوه ستين سوطاً على رجليه ثم أودعوه في سجن آخر انفرادي، وظللنا قرابة الشهرين لا نعرف عنه شيئاً ونظن أنه قد مات.. حتى عاد إلينا.
- استدعى د. محمد فتح الله بدران الأخ عبد المجيد الشاذلي وناقشه ولكن عبد المجيد كان أقوى حجة منه وأحرج الأستاذ المحاضر، فكان أن عذبوه بالكرباج وأودعوه في زنزانة وأشاعوا قتله كما ذكرت آنفا، وبكينا عليه كثيراً وصلى بعضنا علية صلاة الغائب واحتسبناه مع الشهداء.
- آخر المناقشات وأصعبها كانت مع مجدي عبد العزيز متولي أحد قادة التنظيم.. الذي قال للدكتور محمد فتح الله بدران إن الإسلام نظام شامل للحياة ثم قرأ قول الله عز وجل: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].
- فرد الشيخ المحاضر: الله يقول للنبي محمد: يا محمد قل، فالخطاب موجه للرسول وليس للمسلمين !! فرد عليه الأخ مجدي عبد العزيز: إن الله سبحانه وتعالى يقول: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فهل هذا الخطاب للنبي (ص) وحده؟!
- فبهت الشيخ وألغى المحاضرة وتوعدنا بالنقاش في اليوم التالي، وحددوا بعض الأسماء لمناقشتها ومنهم فيما أذكر المهندس المرحوم محمد أحمد عبد الرحمن (مهندس مناجم) الذي ظل يصلي طوال الليل طالباً من الله أن يثبته في مواجهته مع د. محمد فتح الله بدران ، وكان ذلك يوم 4 يونيو وليلة 5 يونيو التي قضت على آمال عبد الناصر وجلاديه وزبانيته.. وكانت معجزة من الله العلي القدير.
وهكذا أحبط الله كيد صلاح نصر في عملية غسل المخ.. (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر: 61]...(24)
كما يضيف جابر رزق في كتابه (مذابح الإخوان في سجون ناصر) فصلاً جديداً من التعذيب النفسي والجسدي فيقول:
- أما أسلوب التهديد والعنف . . والضرب والركل حتى الموت فهذا هو الطابع المميز للسجن الحربي . . كان الواحد منا يتعرض للضرب والركل في كل وقت . . وأذكر أن العسكري زغلول ضربني بقبضة يده في فمي فأسقط سنتي الأمامية . . وبقيت معلقة في فمي حتى خرجت من السجن . . ومرة أخرى راني الحارس عدلي وكانت يده كالمطرحة وجدني بعد عمل النظافة أخرج من دورة المياه فأمسك بي ولطمني على وجهي لطمات لا أنساها لقسوتها . . وفي أحد طوابير الصباح وكنت قد أخذت تصريحا من طبيب السجن أن أعفى من طابور الجري السريع لمرض رجلي اليمنى . . ولكن صف الضابط نجم مشهور سألني هل معي تصريح الطبيب فلما لم يجدن معي , أمر العسكري " سمبو " يضربني ثمانية صفعات على وجهي ونفذ سمبو بيده التي كالرحى وأعطاني ما أمره به نجم مشهور . . ولا ينسى الإخوان صورة محمد عبد العزيز عطية الذي أصبح عاجزا من الحركة من آثار التعذيب وكم من أذن خرقت . . وأصبع كسرت . . ورأس شجت وجسد مزقته السياط ! !
- أما بخصوص تمزيق الملابس فقد سبق أن قلت أن أول ما كان يفعله الزبانية أثناء التحقيق هو تمزيق ما على الأخ من ثياب حتى يقف عاريا إلا ما يستر عورته . . وأذكر أن السيد نزيلي بقى عاريا لعدة أيام حتى أحضروا له " أفرول " أحد العساكر ومن أساليب العنف أيضا " الزنزانة 9 " وكانوا يسمونها " الثلاجة " كانت أرضيتها منخفضة عن بقية الزنازين وعتبتها عالية ما يقرب من نصف متر كانت تملأ ماء ويأتي بالضحية معصوب العينين ويلقى فيها . . كانوا يجلسونه على مقعدته ويربطون يديه ويبقى هكذا أياما وليالي طويلة حتى يكاد يتجمد ويقف على باب الزنزانة حارس يسبه ويلعنه بين الحين والحين حتى لا يدعه ينام . . وكان من رواد هذه الثلاجة الأستاذ معروف الحضري أحد أبطال حرب فلسطين وبطل من أبطال الفالوجا وواحد من الذين قاموا بانقلاب 23 يوليو . . وأيضا كان الأستاذ مصطفى راغب أحد مجموعة رشاد مهنا . . وأحد رجال انقلاب يوليو . . ممن دخلوا الثلاجة وبقوا فيها حتى انهارت قواهم تماما ! !
- أما أسلوب الإذلال والضغوط فقد كان نظام السجن الحربي محققا لذلك تماما . . ولا زلت أذكر صرخات العسكري " محمد مراد " وهو صعيدي من بني سويف كان إذا نظر إليه الأخ وهو يتحدث إليه يصرخ فيه ويقول أنظر بعينيك إلى الأرض يا مسجون ! !
- وكان الحرس لا يسمح لأي أحد أن يفعل أي شيء إلا بإذن من الحرس . . وأذكر أني مرة أوصلت قرصين من الأسبرين من زنزانة إلى زنزانة أخرى وأنا في طريقي إلى الطابور ولمحني العسكري محمد مراد فأعطاني نصيبي من الصفعات . .
- وكان محمد مراد هذا يعاقب بعض الإخوان لأي سبب من الأسباب يجعلهم يضعون أيديهم خلف ظهورهم ثم يضعون جبهتهم على الأرض كالذين يسجدون ولا يستطيع أحد أن يعترض وإلا فالويل للجميع . . وقد صرح لنا الحراس أنهم يأخذون محاضرات ليتعلموا أسلوب معاملتنا . . وكانوا يقولون لنا إن الواحد منكم لا دية له . . شمس بيه قال لنا هذا ! !
- وأذكر صورة من صور إذلالنا . . كان هنا أحد الحراس اسمه الروبي . . وهو شاب طويل أمي . . يعمل حاليا خادم مسجد جلس على كرسي بالقرب من حوض الفسقية ورأي المستشار الدكتور علي جريشة وأمره أن يجمع أعواد " الكرات " المتناثرة حول الروبي الذي جلس ووضع رجلا على رجل وجلس المستشار على جريشة وأخذ يجمع أعواد الكرات من تحت أقدام الروبي ! !
- وكان من صور الإذلال والضغط النفسي على الإخوان ترك شعورهم حتى تطول لحاهم وشواربهم ثم يحلقون لهم شعور رءوسهم ويتركون لحاهم طويلة . . مما يكون مجالا للضحك بين بعضنا ! !
- في يوم جمعة حضر إلى السجن الحربي " عقيل مظهر " وأحضروا له كرسيا جلس عليه بالقرب من بوابة السجن . . وصعد الحراس إلى الأدوار وفتحوا أبواب الزنازين وأطلقوا صفارة النزول فأسرعنا إلى السلالم ننزل . . وصففنا صفوفا عدة . . ووقف صفوت الروبي وكأنه قائد يستعرض جنوده . . ثم أمرنا بالجلوس . . وربما كان مع عقيل مظهر أشخاصا وانطلقنا منصرفين إلى الزنازين فإذا بصفوت الروبي جلاد السجن الحربي يصرخ مرة ثانية ليرى عقيل مظهر دقة النظام : ثابت . . وتجمدنا كل في مكانه بلا حركة . . ثم صرخ للمرة الثالثة : انصراف . . وانصرفنا إلى داخل الزنازين وأغلقوا الأبواب علينا ! !
- كان حضور عقيل مظهر السجن الحربي بداية الدروس الجماعية . . فاشتروا مكبرات صوت . . وكل ما يلزم لإلقاء محاضرات علينا في قاعة ميس الضباط . . وبدأت طائفة من رجال الأزهر تحضر إلى السجن لتلقى علينا محاضرات أمثال محمد بن فتح الله بدران . . والشيخ السبكي عضو هيئة كبار العلماء . . وعبد المغني سعيد ويحيي درويش والدكتور محمد بيصار وكيل الأزهر . . وجاءت هذه الدروس الجماعية رحمة من الله فقد ساءت حالتنا الصحية وأنهكت قوانا تماما وأصبحنا كالأشباح والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى يجعل مع كل عسر يسرا فقد سبقت فترة الدروس الجماعية فترة طويلة كان أغلب الإخوان قد حفظوا كثيرا من القرءان وتحدثوا حول كثير من أمور العقيدة ولقد جرت مناقشات كثيرة بين الإخوان بعضهم وبعض أو بين الإنسان ونفسه حول صحة ما هو عليه . . لأن محنة الحربي ضراوتها جعلت الإنسان يعيد التفكير فيما يعتقد وأنا عن نفسي لقد أتيحت لي فرصة أن أراجع نفسي في كل مبادئ العقيدة الإسلامية . .
- أريد أن أقول أن الدروس الجماعية والتي بدأت في شبه محاضرات داخل ميس الضباط . . نجلس نحن على الأرض أمام المحاضر وبجانبه حمزة البسيوني وصفوت الروبي . . ويحيط بالعنبر الحراس مسلحون وكانت الموضوعات التي يتناولها المحاضرون عن الإسلام وكان كل همهم هو أقناعنا بأن الإسلام ليس نظام حكم حتى أن أحد العلماء الكبار الذين يتولون اليوم منصبا كبيرا في أعلى هيئة إسلامية عندما سئل عن تطبيق حد السرقة قال : كيف نطبق حد السرقة ونصنع من مجتمعنا مجتمعا مشوها . . وتكلم عن أن في الإسلام . . كفاية . . وعدل " وهو الشعار التي كانت ترفعه الدولة تصف به الاشتراكية بأنها كفاية وعدل . . وأراد أن يستشهد بالقرءان عن " الكفاية " فقال ( أليس الله بكاف عبده ) ؟ !
- لقد كانوا يريدون تضليلنا . . ولكنهم على العكس زادونا ثقة بأنفسنا وأحسسنا أنهم أقزام منافقون عبيد للسلطة الغاشمة ! !
- وبعد فترة من المحاضرات طلبوا من أن نسأل . . ولم نخف وسألنا علماء السوء هؤلاء أسئلة كان قصدنا منها إحراجهم وخزيهم وكثيرا ما سبب ذلك لنا الكثير من المتاعب . . وأذكر أننا " كدرنا " بسبب سؤال سأله المهندس محمد الصروي . . الذي " كربجوه " أمام الطابور . . وكان من بين المواقف الشجاعة التي لا يمكن أن تنسى . . موقف المهندس الكيميائي عبد المجيد يوسف الشاذلي من الإسكندرية وقف الشاذلي أمام حمزة البسيوني ليتكلم عن أنواع الحكومات فعرف الحكومة الراشدة التي تتحاكم إلى شريعة الله وتلتزم بها وتلزم الناس بها . . والحكومة الجائرة وهي التي تقر بالتحاكم إلى شريعة الله وتتخذها مصدرها للتشريع ولكنها لا تلتزم في التطبيق في بعض الأحكام . . أما الحكومة الكافرة فهي التي فضلت شريعة غير الله على شريعة الله وأعطت حق التشريع لبشر من البشر ! !
- لم ينس حمزة البسيوني ذلك لعبد المجيد الشاذلي ففي يوم من الأيام وفي عودتنا من المحاضرة في المساء إلى السجن الكبير اختفى عبد المجيد الشاذلي ولم يعد معنا إلى زنزانته . . ولم نعرف مصيره إلا بعد عدة أيام . .بل عدة أسابيع . . فعرفنا أنه عزل في سجن رقم 3 في زنزانة واحدة وهدد بالقتل وسووم . . طالت الدروس الجماعية وضاقت بها نفوسنا ولكنها كانت فرصة لنرتاح من طوابير التعذيب التي كانت تستمر طول النهار . . وجاء شهر يونيو 1967 وكان قد فشل كل الذين أتوا بهم ليحاضروننا في المهمة التي جاءوا من أجلها فانقطعوا كلهم إلا واحدا هو محمد بن فتح الله بدران وقيل أنه قريب لشمس بدران وحقيقة كان رجلا ألعبانا بالألفاظ وعلى قدر كبير من التصنع والتفيقه . . وكان ذا دلال على حمزة البسيوني واستمر الشيخ بدران في محاضراته حتى إذا كان آخر شهر مايو سنة 1967 قال لنا انه سيجري لنا امتحانا يوم الاثنين 5 يونيو 1967 . . يوم الهزيمة التي قسمت ظهر عبد الناصر وزلزلت سلطانه كان الشيخ بدران يقول بعد الامتحان سنقسمكم إلى فئات الأوائل منكم فئة " أ " ثم فئة " ب" ثم فئة " ج " وستعطي المميزات كلها للفئة " أ " . . ولم يعد يخيفنا الامتحان وطبعا كنا مصممين على أن نكون " ج " – لأن " جهنم الدجال " هي جنة الله ! !..(25)
نموذج آخر من حرب الإشاعات ضد الإخوان
- يقول الحاج فرج النجار في إطار حديثه عن هروبه من نظام عبد الناصر: "البوليس قام بعمل شائعات في بلدنا أنه يجب عليَّ تسليم نفسي حتى لا يؤذوا أهلي، بل إنهم أجبروا أسرتي على أن يتحولوا للمسيحية وذهبوا فعلاً للكنيسة، لكن الحمد لله لم يتنصروا، كانت محاولة للضغط النفسي عليَّ حتى أسلم نفسي فقط، ولكني فكرت أنني لو سلمت نفسي سيقبض على أفراد كثيرين معي، فقارنت الأمر وقلت أن أضحي بأهلي خير من أن أضحي بكل مَن كانوا معي في تلك المحافظات، فقررت ألا أسلم نفسي، كذلك قررت ألا أعود للبيت أو القرية مرةً أخرى ولا أقابل أصدقائي ولا أبي ولا أمي ولا أخوتي طالما أنا مختفٍ؛ لأن البوليس أكيد سيكون مراقب المكان، ولسنوات طويلة لم أر أحدًا، حتى إن والدي مات بعد بداية الهروب بـ15 سنة ولم أستطع حضور جنازته، وكان أمرًا مؤثرًا جدًّا عليَّ لأني كنت أحبه كثيرًا".
التمهيد لقضية تنظيم 1965 بتشويه صورة الإخوان
قبل الإعلان عن القبض على تنظيم 1965 كانت هناك مؤشرات أو خطوات دعائية للتمهيد لهذا الحدث الكبير فيقول أحمد عبد المجيد : مع شهر إبريل عام 1965 بدأت دلائل تنذر بالخطر ، وتنبئ بأن الحكومة تدبر أمرًا ما للإخوان ، وبدأ هذا الأمر مع توالي المعلومات ، ويتأكد يومًا بعد يوم ونذكر من الدلائل ما يلي:
- 1 - بعد ظهور كتاب المعالم بدأت أجهزة المباحث تنشط خوفًا من وجود تجمع علي هذه الأفكار التي وردت فيه ، أو الخوف من أن يحدث تجمع علي ذلك خاصة مع ورود فقرات منه تدعو لذلك صراحة . وبدأ فعلاً رجال المباحث يستدعون بعض الإخوان في مناطق مختلفة ، يناقشونهم ويستفسرون منهم ، وكثيرًا ما كان محور المناقشة هو كتاب المعالم وما به من أفكار ... إلخ .
- 2 – كانت توجد في هذه الفترة قضية جواسيس فرنسيين ، ونشرت الصحف علي لسان أحدهم : " يوجد نشاط للإخوان في مصر ولكن لا يمكن فهمه أو تحديده " .
- 3 – وزعت في بعض دور الصحف والتلفزيون منشورات تهاجم الحكومة تحمل طابع ولهجة الإخوان ومع علمنا بأن الإخوان براء من ذلك ، إلا أننا أرجعنا الأمر لاحتمالين :
- أ – أن يكون الشيوعيون هم أصحاب هذه المنشورات ، ويريدون بها الوقيعة بين الحكومة والإخوان .
- ب- أن تكون المباحث وراء ذلك لتكون مبررًا لاعتقال الإخوان بافتعال هذا السبب ، وإن كانوا لا يعدمون تلفيق هذا السبب أو غيره أو بدون سبب إطلاقًا كحادث المنشية الذي يتأكد يومًا بعد يوم تدبيره ، وما أعقبه من أحداث عام 1954 .
- 4 – زار شواين لاي وزراء الصين مصر في ذلك العام ، وأشبع أن الإخوان وضعوا عبوة ناسفة في طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي لنسف موكبه مع عبد الناصر وكان هذا الاتهام باطلاً ولا أساس له من الصحة ، ليكون الدافع ما ظهر في البند السابق .
- 5 – نشرت صحيفة روزا ليوسف وقتها أن الإخوان يستعدون لانتخاب مرشد جديد لهم ومرشد لهذا المنصب ثلاثة أشخاص هم :
- منير الدلة .
- صالح عشماوي .
- [[[مصطفي الملا]] .
- وكنا علي يقين من كذب هذا الخبر ، أولاً لوجود المرشد والإخوان لا يرضون بغيره بديلاً ، وثانيًا : كيف يتم الانتخاب في مثل هذه الظروف ، وثالثًا : أن الاسم الثالث وهمي لا حقيقة له . وأخيرًا : من غير المعقول أن تنشر مجلة مصرية خبرًا كهذا دون إيحاء من السلطة .
- 6 –نشرت إحدى المجلات الأمريكية عن كتاب "جاهلية القرن العشرين" للأستاذ محمد قطب ، وكتاب "معالم في الطريق" للأستاذ سيد قطب ، وكتبت المجلة تحذر من الكاتبين والكتابين وتصفهما بالتعصب .
- 7 – نشرت إحدى المجلات اللبنانية أنه اجتمع سفراء الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط الأربعة عشر سفيرًا لبحث موضوع "عبد الناصر" وطلب أربعة منهم الإطاحة بعبد الناصر واستبداله لهبوط شعبيته ، وممكن عمل بعض الإصلاحات مع مجيء الوضع الجديد للسلطة .
أما الثمانية الآخرون فقد طالبوا الإبقاء عليه لأنه لازال الشخصية المرموقة علي مستوي العالم العربي ويتفهم دوره جيدًا في اللعبة ، ورفعت الدراسة من السفراء للإدارة الأمريكية ، فأخذت بالرأي الثاني وهو الإبقاء عليه في السلطة وطالبت الإدارة الأمريكية عبد الناصر سرعة اتخاذ خطوات نحو الصلح مع إسرائيل فأجابهم بأن أجهزة الاستخبارات عنده تقول إن الظروف النفسية للناس لا تتقبل هذا الأمر الآن ، والسبب الثاني والعقبة في ذلك الإخوان المسلمون – انتهي كلام المجلة ..(26)
محنة (1954-1965) نماذج من المعاملة
- فتح السجن الحربي أفواه العذاب على الإخوان بغير حساب. كثيرون لقوا ربهم شهداء تحت العذاب. قتلوا صبرا. كثيرون قتلوا ضربا بالكرباج أو نقعا في الماء المثلج والملح في زمهرير الشتاء. يوسف طلعت نفخ بمنفاخ كهربائي لإطارات السيارات حتى صار بطنه كالبالون. إبراهيم الطيب فسخ مفصل كوعه بثنية عكس الاتجاه على ركبة محمود عبد الجواد الجاويش المدلل لحمزة البسيوني, فكان ذراعه مدلى وقد استطال كثيرا بسبب انفصال عظام الساعد عن عظمة العضد, الشيخ محمد فرغلي مكثت أياما أراه في طوابير العذاب ويشتبه علىّ دون أن أعرفه فقد تغير شكله وتضاءل حجمه... الخ.
- وأتى سفاح السجن حمزة البسيوني إلى الأستاذ حسن الهضيبي أمام الألوف المعذبة تحت حراسة السلاح وقال له" حسن, هؤلاء يعذبون بسببك!" وطلب إليه أن يلقى فيهم كلمة. لم نسمع بماذا أجاب ولكننا رأيناه يهز رأسه سلبا فعلمنا أنه رفض. فتركه وأخرج الدكتور توفيق الشاوي أمام الصفوف وقال له " شاوى. اخطب فيهم كما كنت تخطب بالخارج". ولم يكن الدكتور توفيق الشاوي خطيبا بالخارج, ومازلت أذكر ما قال الدكتور توفيق الشاوي يومذاك. كان مضمونه أن كل من هنا من المعذبين واحد من اثنين, إما محسن قما يلقاه الآن من العذاب بلاء من الله له ثوابه, أو مسيء فهذا كفارة له. وكأنه يذكر الإخوان بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم. بما مهناه عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير, إن أصابه خير شكر فكا ن خيرا لهو إن أصابه شر صبر فكان خيرا له. وكان توفيق الشاوي من أشد الناس جاذبية عند حمزة البسيوني لعنه الله.
- أمر حمزة أن يكون الدكتور توفيق الشاوي وحده هو الذي يغسل قراوانات وأواني الطعام لجميع سجن 4وكان بوسط فناء ذلك السجن مغسلة طويلة من الخرسانة تمر فوقها ماسورة 14 حنفية. وتكوم كم كبير من القراوانات على المغسلة ووقف الدكتور توفيق الشاوي يغسلها وجاءت توسكا الكلبة المحظية عند حمزة, كانت من أشد كلاب السجن شراسة, وانطلقت مسرعة نحو قدم الدكتور توفيق الشاوي فقبض قدمه, وضبطه حمزة ففتل شاربه وقال له" شاوى أنت تخاف من الكلبة أن تنجسك؟ أنت الذي تنجسها! يا محمود (لمحمود عبد الجواد جاويشه المفضل) أضربه مائتى كرباج!" وقد كان. كان ينطق" كرباج" بالباء الشديدة CORRPG.
- ذهب حمزة في إجازة إلى بلدته ولقيه أبوه فأوصاه" يا حمزة لا تقصر رقبتنا عندك ناس هم أسياد الناس. الحاج حامد الطحان رجل صالح ومن أعيان البلد, كثيرون يعيشون من خيره.. الخ" فطمأنه حمزة. وما إن عاد حتى دخل السجن الكبير منتفخا وأمر مناديه فنادى" أين حامد الطحان؟" وجاء إليه الحاج حامد.
- " أبى يوصيني عليك. هل أنا ممن تجدى عندهم الوساطات ؟! تعال يا محمود (عبد الجواد) اضربه مائتى كرباج". وقد كان.
- كنا نخرج من الزنازين في الصباح الباكر ونصف طوابير تخرج من السجن الكبير ومن سجن 4 ومن كل السجون الحربية فنصطف في الفناء الكبير الذي يتوسط تلك السجون ومكاتب التحقيق. كانت تحيط بذلك الفناء بعض المباني مثل المطبخ والمخازن وورش الترزية وما شاكل ذلك فاتخذوا من أسطحها منصات وضعوا فوقها المدافع الرشاشة من البرن والفيكرز ووضعوا حولها أكياس الرمل! فكانت حولنا من جميع الاتجاهات تصوب إلينا. وكانت أيضا مكبرات صوت موضوعة فوق تلك الأسطح إلينا.
وكان عندهم تسجيل يذيعونه باستمرار كلما انتهى إلى آخره أعادوه من أوله هو أغنية غنتها أم كلثوم في حفل لضباط الجيش بمناسبة حادث المنشية. تقول أم كلثوم:
ياجمال يا مثال الوطنية
- أجمل أعيادنا المصرية
بنجاتك يوم المنشية
- ردّوا علىّ
فيرد ضباط الجيش البواسل عليها:
يا جمال يا مثال الوطنية
- أجمل أعيادنا المصرية
بنجاتك يوم المنشية .. (ويكررونها)
- ويأمر حمزة أن نرد عليها نحن أيضا ويأتي من خلفنا متلصصا هو وجنوده يتنصتون عند بعضنا ليسمعوا هل يردد أو لا يردد الأغنية. كانوا من حين لآخر يضبطون بعضنا بتهمة أنه لا يرد أو أنه كان يقول أوسخ أعيادنا بدلا من أجمل أعيادنا أو ما شاكل ذلك فيجعلونهم عبرة ضربا بالكرابيج أمام الطابور.
- قبل ضيافتي على السجن الحربي كنت أحسب الكرباج أداة ضرب تؤلم وحسب, ولكن بعد أن عاينته على جسمي وأجسام إخواني رايته يقطع اللحم ويترك أثرا يبقى من 1954 حتى 1988 ما بعدها.
- كان ينزل على الرأس فيشق جلدها الدم فتتضلع وتتورم, ثم يتقيح الجرح ويمتلئ صديدا ويعوده الكرباج فيتفجر دما أحمر وقيحا أبيض...(27)
حملة التشويه والكذب في تنظيم 1965 (نموذج جريدة الأهرام)
مع إعلان القبض على تنظيم 1965 تم تدشين حملة إعلامية ضخمة لتشويه صورة الجماعة ولم يكن الإعلام وحده هو اللاعب في الميدان بل وكانت المحكمة والدفاع جزء من حملة التشويه وهو ما نشرت الأهرام تفاصيل بعض تلك الجلسات المهزلة التي سخرت جميعها لتشويه صورة الإخوان والمتهمين وسنعرض هنا نماذج بسيطة لتلك المهازل والتي اهتمت بها جريدة الأهرام وجعلت أخبار هذه القضايا في صدر صفحاتها لتشويه صورة الإخوان .
ولن نأتي بهذه المقتطفات من معلوماتنا الخاصة التي تسربت إلينا عبر السجن الكبير المسمى الجمهورية العربية المتحدة بل نأخذها مما كتبته أبواق الدعاية الناصرية مثبتين المصدر الذي أخذناها منه تاركين للناس أن يحكموا بأنفسهم ويتبينوا الحقيقة الأليمة التي باتت بلادنا تعيشها:

- 1- أن رئيس نيابة أمن الدولة ووكلاءه لم يفتؤوا يلقبون الشهيد سيد قطب ألقاب سخرية واستهزاء مثل القطب الأغر والقطب الألمع وزعيم الإجرام وركزوا على وصف الشهيد محمد يوسف هواش بألقاب محترف الإجرام وخليفة الإجرام والمجرم المتعطش للدماء ووصفوا الإخوان جميعا بأنهم عصابة الإرهاب والحواريون ومن شاء فليقرأ أية صحيفة مصرية تناولت الإخوان المسلمين ببحث جاء في الأهرام بتاريخ 11/4/1966 في غرض ما دار في الجلسة الثانية لمحاكمة الشهيد سيد قطب والتي القي فيها صلاح نصار رئيس نيابة امن الدولة بقية مرافعته الافتتاحية ما يلي :
- "رئيس النيابة :ولقد سألنا المتهم عن رأيه في سعيد رمضان فقال :"إعفونى من الإجابة عن السؤال ده "وهذا حقه قانونا ولكن كنا عايزين نعرف رأيه في سعيد رمضان إيه هو فقال أنه لا يستطيع ان يتكلم عنه لأن له فيه رأيا معينا .
- برضه سالناه عن رأيه في محي الدين هلال رفض ..خاف ..لأنه جبان ."
- وتابعت الأهرام عرضها فقالت :"وهنا لاحظ رئيس المحكمة أن سيد قطب يتمتم في قفص الاتهام ويهمس بشيء الى المتهم يوسف هواش الجالس بجواره والذي كان نائبا لرئيس التنظيم السري فالتفت اليه الفريق أول الدجوى رئيس المحكمة وقال:"ايه ..فيه حاجة ..ما هي علنية ؟الجلسة علنية ."
- وانتبه الحاضرون الذين لم يكونوا رأوا سيد قطب .. واستطرد رئيس المحكمة موجها كلامه إلى المتهم: ما هو أنا شايفك بتكلم اللي جنبك ومن حركات بقك فمك بتقول انه ما حصلش ..اشمعنى دلوقت..علشان الجلسة علنية وخايف الكلام ده يوصل لسعيد رمضان واللي في الخارج ..علشان الصحافة بتكتب ..تبقى أنت يعنى ..زى ما قال مشيرا إلى رئيس النيابة خايف ثم التفت إلى رئيس النيابة قائلا :أتفضل ..
- صلاح نصار: سيد قطب يخشى أن يدلى برأيه وإذا كان مش جبان يتكلم دلوقتى في الجلسة ..يقول رأيه في سعيد رمضان ..."
- أي استدلال هذا وأي منطق ؟؟
- إن المدعى العسكري يقول سيد قطب جبان لأنه استخدم حقه القانوني في رفض الإجابة على سؤال معين ويقول أيضا أن سيد قطب يخشى أن يدلى برأيه في سعيد رمضان لأن الجلسة علنية ألم يقل صلاح نصار انه رفض الإجابة على السؤال أثناء التحقيق السري فكيف يزعم أن رفض الشهيد سيد قطب الإجابة على هذا السؤال كان سببه أن الجلسة علنية؟؟
- 2- وناهيك عن هذه العلنية في محكمة لم يسمع بحضورها إلا خمسين من المباحث ورجال المخابرات فقد وصفت الأهرام قاعة المحكمة في عددها الصادر بتاريخ10/4/1966 فقالت:
- "في الساعة الثامنة صباحا بدأ جمهور القاعة الذين يحملون تذاكر المحاكمة يفدون إلى مبنى مجلس قيادة الثورة وعندما وصل الرقم إلى 50 منع الدخول باستثناء المحامين والصحفيين ..ذلك أن القفص اتسع للأربعين متهما وحارسين فقط..وضاقت القاعة حتى أن وكلاء النيابة الذين حققوا قضايا الإرهاب والتآمر جلسوا على مقاعد في آخر القاعة مع عدد من المحامين ضاق بهم الصفين الأولين المخصصين لهم " أهذه هي العلنية التي يتحدث عنها صلاح نصار ومحمد فؤاد الدجوى؟..
- حقا انها العلنية المثلى خاصة بعد أن منعت الصحافة الأجنبية من الدخول بعد أن اتهم الشهيد سيد قطب الدولة الناصرية بتعذيب المعتقلين من جنود الحركة الإسلامية يومها انفجر الدجوى رئيس المحكمة في وجه الشهيد سيد قطب قائلا :
- هذه أكاذيب وسموم من صنع تنظيمكم " وقد روت ذلك فى حينه جميع وكالات الأنباء العالمية ومن شاء فليرجع الى أية صحيفة أجنبية صادرة بتاريخ 13/4/1966 .
- 3- ولو شئنا أن نحصى كل المهازل لعيينا ولكننا نأخذ مثلا آخر ونرى كيف يمنع المتهم من الكلام والإدلاء بكلمة واحدة في الرد إلى ما ينسب إليه فمن الأهرام 13/4/1966 نقتطف "رئيس المحكمة أنت قلت إيه عن المجتمع الحاضر .. أوعى تقول لنا معالم في الطريق كله أصوات محاميه .استراحة .
- الرئيس: أنت تعبت
- سيد قطب: أصلى مصاب بذبحة صدرية.
- الرئيس: يعنى ما تتحملش ربع ساعة كمان.
- سيد قطب: أستحمل.
- الرئيس: طيب ..استراحة.
وتابعت الأهرام تقول ..
- "كانت الساعة الثانية عشرة ظهرا حيث رفعت الجلسة ثم عادت إلى الانعقاد بعد ربع ساعة كاملة حيث استؤنفت المناقشة الرئيس يا سيد قطب أنت لك أقوال عن نظام الحكم القائم قلت انه نظام إيه ؟
- أنت قلت إن نظام الحكم القائم نظام جاهلي .حصل ؟
- سيد قطب: معنى جاهلي ......
- الرئيس يقاطع سيد قطب ويمنعه من إتمام كلامه قائلا معلش أنا هاقولك ..قرر أعضاء التنظيم أنك أفهمتهم أنهم هم الأمة المؤمنة وسط مجتمع جاهلي ..ولا تربطهم بالدولة ولا بالمجتمع ولا بنظام الحكم القائم أي نظام ..وأنهم فى حالة حرب مع الدولة ..وعمليات القتل والتخريب لا ضير منها ولا عقاب عليها بل بالعكس فيها مثوبة وإحنا هنا نقف عند عبارة وإنهم في حالة حرب مع الدولة .
- يعنى مفهوم هذا انك وضعت في يدك عنصر المبادأة الأمر بيدك تحدد زمانه ومكانه وخطته مش يعنى إذا وقع علينا اعتداء لأ نحن في حالة حرب .
- "سيد قطب: أجاوب ؟؟
- الرئيس يقاطع المتهم ويمنعه من الكلام مرة ثانية كما تقول الأهرام معليش ..خاتمة العبارة "وبالعكس فيها مثوبة "دى الحقنة المثيرة الحقنة المهيجة ..التي تثير الجراثيم المترنحة وتخليها تجرى وتتحرك وتبان في التحليل الكلام ده حصل ؟ٍ سيد قطب هذا القول لم أقله ..
- وهنا استرسل رئيس المحكمة الوقور في فاصل طويل من الافتراءات والاستهزاءات والشتائم لم يسمح فيها للشهيد سيد قطب أن يقول كلمة واحدة في الدفاع عن نفسه أو إيضاح آرائه وكشف الحقيقة وتبيان الحق من الباطل ونحن لا نرى لإعادة ما قاله رئيس المحكمة من سفه الكلم اذ لا نظن القارئ بحاجة إلى إضاعة وقته في قراءة ذلك ومن شاء أن يعرف ما قاله رئيس المحكمة فليرجع إلى الأهرام ولكننا نورد كلمات رئيس المحكمة التي تلت فاصل السفاهة والافتراءات :
- "رئيس المحكمة شوف بقى موضع الثقة الكبيرة قوى وقررت حميدة قطب الشقيقة والواسطة في أقوالها في صفحة 2846 طبعا أن أهداف التنظيم هي إسقاط الحكم الحاضر "وتابعت الأهرام عرضها فقالت :
- "وهنا حاول سيد قطب مقاطعة رئيس المحكمة فقال له : "أتفضل محلك " ومنعه من الكلام مرة ثالثة وينادى الرئيس محمد يوسف هواش.
- سيد قطب: دقيقة واحدة
- الرئيس أتفضل مكانك ومنعه الرئيس من الكلام للمرة الرابعة ..والأخيرة
ولنقتطف مثلا آخر من نفس العدد من الأهرام 13/4/1966:
- رئيس المحكمة: والهدف ؟
- سيد قطب: تخريج أكبر عدد من الشباب المثقف غير أن النشاط ممنوع قانونا ولذلك يجب أن يبقى سرا فلما أحس بالخطر من أنه سيكشف واكتشافه معناه أن يحدث كما حدث سنة 54 الرئيس الكلام ده غير صحيح ..دى السموم اللي بتنفثها في الشباب ..ده واحد من دول الشباب اتهمك بالانحراف قال من يوم ما جه .جاء .سيد قطب انحرفنا
- سيد قطب: ده غير صحيح
مهازل الدفاع من واقع (الأهرام)
لم تقتصر المهازل والمساخ فى المحكمة العجيبة على ما قاله رئيس المحكمة ورئيس النيابة ووكلاؤها ولو اقتصرت عليهم لكان الأمر مقبولا إلى حد ولكن الدفاع الذي فرضته الحكومة على المتهمين أبى الا أن يشارك فى مسابقة المهازل فأدلى بدلوه فيها وصال وجال وحاز قصب السبق ومرضاة "الزعيم الأسمر " فمن المعروف بداهة أن من حق أي متهم أن يدافع عن نفسه وأن يختار محاميه بحرية كاملة غير أن حكومة البكباشى جمال عبد الناصر حرمت من قذفت بهم في غياهب السجون من جنود الحركة الإسلامية من هذا الحق الطبيعي ورفضت أن تسمح لأي منهم باختيار محاميه ومنعت المحامين السودانيين والمغربيين الذين قدموا إلى القاهرة للدفاع عن الإخوان من الاتصال بموكليهم بل أمرتهم بمغادرة البلاد فورا دون إبداء أي سبب لذلك ومن المعروف أنه يحق لأي محام عربي حسب قرارات مؤتمر المحامين العرب الترافع أمام أية محكمة عربية وكان وفد المحامين المصريين أرسلت تعتذر عن عدم إمكانها الوفاء بوعدها "لظروف خاصة "
ومضت المحكمة المزعومة في دورها فتولت انتداب محامين "للدفاع "عن الإخوان فماذا قال هؤلاء ؟
ولنأخذ بعض الأمثلة على ذلك :
- 1- نشرت الأهرام بتاريخ 1/ 5/ 1966 خبرا صغيرا بعنوان كبير هو "مرافعات الدفاع كلها تتهم سيد قطب بالتغرير "
- 2- جاء في خبر صغير عن مرافعات الدفاع نشرته الأهرام بتاريخ 2/5/66 أن المحامى عبده مراد قال في مرافعته عن الأخ المتهم كمال سالم ما يلي : "انه لم يكن يعلم أن هذه الجماعة من الإخوان المسلمين وقد فعل ما فعل تحت تأثير استغلال الدين ومعالم في الطريق وقال المحامى أن سيد قطب يقلب الأوضاع ويضلل الأفهام "
- أى دفاع هذا واية خدمة للعدالة :
- حقا إنها عدالة فريدة من نوعها فى التاريخ يتفق فيها الادعاء والدفاع على أحكام الاتهام وتضييق الحبل على أعناق المتهمين.
- 3- ترافع المحامى الدكتور على الرجال المنتدب "للدفاع "عن الأخت الممتحنة حميدة قطب فقال حسبما جاء في الأهرام بتاريخ 17/5/1966
- "أن حميدة قطب كانت موصلة بين من يتحدثون بالرمز والكتابة ولكنها لا تفهم تردد كالببغاء خذوها في حدود ما فهمته حتى العلم وعدم البلاغ هل تبلغ ضد شقيقها ؟وأضافت الصحيفة أن المحامى المذكور قد طالب ببراءة المتهمة.
- 4- جاء في الأهرام بتاريخ 20/7/66 خبر يعرض مرافعات الدفاع في القضية المتهم فيها الأستاذ حسن الهضيبى المرشد العام للإخوان المسلمين وولداه إسماعيل ومحمد المأمون وقد وضعت الأهرام للخبر المذكور عنوانا كبيرا هو " الدفاع عن الهضيبى يقول:
سيد قطب كاذب يصنع الإشاعات ليصبح له مركز وشخصية " وقد جاء في هذا الخبر ما يلي:
- "ثم ترافع حسين أبو زيد المحامى عن المرشد السابق حسن الهضيبي فقال انه لم يكن يعرف شيئا عن عمليات الاغتيال والتخريب وقال أنه لم يكن يعرف شيئا عن عمليات الاغتيال والتخريب وقال أنه عند محاكمته السابقة سنة 1954 شهد ضده 8 أشخاص منهم سيد قطب وهذه الشهادة تجعله فى حكم المخلوع من صفته كمرشد للإخوان.
- المحامى: هذا كذب من رجل كاذب شهد ضد الهضيبي فهو ينسب إليه قولا ليحصل على منصب المرشد انه صانع الإشاعات طابخ المنشورات يريد أن يجعل لنفسه شخصية ومركزا على حساب لا شك أن الأستاذ حسين أبو زيد عبقري كبير يفوق في مقدرته كثيرا من زملائه المحامين الذين دافعوا عن الإخوان المسلمين ولعل هذا هو السبب الذي جعل محكمة أمن الدولة العليا تنتدبه للدفاع عن الأستاذ المرشد حسن الهضيبي ولقد تجلت عبقرية هذا المحامى الفذ في الطريقة العبقرية التي لجأ إليها محاولا نزع صفة "المرشد العام " عن الأستاذ الهضيبي وكأنها جريمة أن يحتل الأستاذ الهضيبى المنصب القيادي الأول في الحركة الإسلامية في مصر.
- فالمحامى "المدافع "عنه يلتمس الأسباب والوسائل لتجريده من هذا المنصب ولم يجد من حجة سوى ما ادعاه من شهادة ثمانية أشخاص ضد الأستاذ الهضيبى ولكن عبقرية حسين ابو زيج خانته فان الأستاذ الهضيبى الذي أفنى عن حريته البصر أن الأستاذ المرشد لم يفت فى عضده ولم يوهن من عزيمته أن يرى كافة أفراد أسرته رجالا ونساءاً وأطفالاً يلقون في ظلام السجون الناصرية ويصلون العذاب ألوانا لأنهم آمنوا بالله وحده ورفضوا السجود للقزم المتآله جمال عبد الناصر وهو كذلك لا يأبه لسفاهة سفيه يحاول أن ينفى عنه مسئولياته الكبار كقائد اعلى للحركة الإسلامية بحجة "الدفاع "عنه و الذود".
- ثم ألم يفترى هذا المحامى الكذب ؟
- إن سيد قطب لم يشهد ضد الأستاذ المرشد وحاشى له أن يفعل فهو يعلم فضل الأستاذ الهضيبى وسبقه وإيمانه وجهاده.
ولنأخذ مثلا آخر من كلام الدفاع ورد خلال مناقشة رئيس المحكمة للأخ الشهيد محمد أحمد عبد الرحمن 24 سنة ننقله عن الأهرام 18 /4/66 :
- "رئيس المحكمة أنت وأنت تعمل في سيناء بعيدا عن القاهرة أم كان شعور نفسي خاص من اتصالك بالجماعة ؟
- الرئيس: قلت في أقوالك "انى آسف "؟
- محمد عبد الرحمن: لم أقل ذلك إنما قلت انى آسف لما حدث.
- الرئيس: معلهش أنا باقلك اللى قلته قبل كده ..وبعدين ابقى اعمل قمع ..بطل..أمامهم دلوقتى ..انت قلت "انى آسف واعلن ندمى على ما حدث وأعلن توبتى "؟
- محمد عبد الرحمن: لا يا افندم وكيل النيابة هو اللي كتب هذه العبارة .
- الرئيس: ليه .. بيتشفع لك ؟
- "محمد عبد الرحمن: أقسم بشرفى لم أقل هذه العبارة.
- الرئيس: المحامى بتاعك بيقولك يبقى كتر خيره اتفضل.
- وهذا مثل فريد من قوة "الدفاع "وحريته فى الكلام وابلائه فى دفع التهم التى "فبركتها "المخابرات الناصرية أما ترى كيف يستبسل "الدفاع" فى الذود عن حرية المتهمين حتى أن المحامى يشكر وكيل النيابة على كلمة اضافها الاخير على لسان المتهم ان المحامى البليغ وهو يقول هذه الكلمة الخطيرة ..
- "لو وكيل النيابة اللى قالها يبقى كتر خيره " يرتكب جريمتين خطيرتين فى حق المتهم وفى حق العدالة فهو يخون المتهم ..
- جاء في الأهرام 25/4/66 أن المحامى أحمد مختار قطب الذي اختارته المحكمة للدفاع عن سيد قطب كي يكون من اسمه شبهة بأنه قريب له وما هو بقريب بل هو عميل قديم من عملاء المخابرات ويشهد بذلك الأستاذ مرعى الذي دربه في مكتبه فكان جزاءه أن تجسس عليه لحساب المباحث قال هذا العميل في مرافعته "أنا أعتقد ان هؤلاء المتهمين أولى بالرعاية والعطف ..
- واعتقد أن المجني عليه في القضية هو رئيس الجمهورية وبعض المسؤولين ولا شك أن قلب الرئيس كبير "
جاء فى الأهرام 26/4 66 ما يلى :
- 1- "بدأ طلعت عبد العظيم المحامى مرافعته عن المتهم الثاني هواش بحمد الله على ان السلطات قبضت على المتهمين قبل أن يتورطوا في مأساة "
- 2- ويرافع صفي الدين سالم عن المتهم الثالث على عبده عشماوي فقال انه ينفرد بوضع خاص ذلك الوضع الذي دفعه لأن يمثل أمامكم ويقول أنه مذنب وقال المحامى أن المتهم ارشد العدالة وارشد أجهزة الأمن عن كل شيء وكفر عن جريمته "
ونقتطف من الأهرام 27/4/66 هذا المثال الفريد :
- "استأنفت الدائرة الأولى في محكمة أمن الدولة العليا برئاسة الفريق أول الدجوي الاستماع إلى مرافعات عن المتهمين في قضية قيادة التنظيم السري لحزب الإخوان المسلمين.
- "وفور بداية الجلسة فى العاشرة والنصف صباحا بدا الأستاذ عبد الرؤوف على المحامى مرافعته عن المتهم صبري عرفه الكومي قائلا :
- لا شك أن الكثير من أفكار جماعة الإخوان المسلمين تمثل نوعا من ألوان التخلف عن مجاراة العصر والمناداة بتلك الآراء يجذبنا إلى الماضي ويعذر علينا الخطو إلى الأمام ودعوة تلك الجماعة مجردة عن البريق الديني الذي يستر حقيقة مضمونها دعوة تؤكد قدرية وحتمية الفوارق بين الطبقات فعلى سطح المجتمع تطفو طبقة الدسم تنعم بكل خيره وتشقى طبقات الشعب العاملة بالعوز والضنك انتظارا للثواب جزاء على صبرها ومكافأة لها على إذعانها واستسلامها وإعادة إحياء تلك الجماعة أيام التحول الذي يجرى فى مصر لنقل الطبقات الكادحة إلى مستوى انسانى لائق لا تغيب دلالته على أحد اذ المقصود به وقف الزحف والتطور باسم الدين والدين براء من كل شعار ينسب اليه بالزيف ليكون راية لجبهة التخلف والحق الذي يجب ان يقال وانتم قائلوها فى حكمكم ان تلك الرؤوس أحوج ما تكوت الى توعية عقلية وتبصير منهجى وتنوير عقائدي حتى تزول تلك الغشاوة عن البصائر والعقول فتدرك الحق وسيلته والهدف السليم والسبيل اليه "
- ونحن لا نعلق بشىء على هذا الكلام وانما نؤكد للقارىء أن الذي قال هذا الكلام ان كان قاله فى المحكمة هو محامى "الدفاع " عن الإخوان المسلمين ولسنا ندرى ماذا ترك هذا المحامى المدافع للادعاء ثم نقتطف من نفس العدد من الأهرام 27/4/66 :
- "ثم ترافع الاستاذ عبد الرؤوف على أيضا عن المتهم صلاح عبد الحق فقال :
- انه ضحية اصطادوه وهو يصلى فى المسجد لقد غرر به كما غرر بغيره انهم انضموا وهم لايدركون ما اخفاه عنهم من تسموا بالمسلمين غرر بهم وسلطت عليهم أمور أكثر من إدراكهم دون فهم للغايات البعيدة فاذا اخطأوا فردوهم الى الصف ليخط في مسيرتنا الكبرى لقد غرر الشيخ عبد الفتاح إسماعيل بموكلى فى سن يبغى توجيها "
- "ترافع أبو ألفى حمدي "مدافعا " عن الأخ مجدي عبد العزيز فقل : انه ضحية تصيدوه ليفعل شيئا ضد طبيعته وروحه إنني أناشد المحكمة مراعاة ذلك كله مراعاة سنه وشبابه ومستقبله "
- كان المحامى شوكت التوني قد صال وجال أيام محاكمة حسين توفيق وذهل الناس بجرأته وشجاعته ولكن كان له فى قضايا الإخوان موقف آخر ..موقف مخالف .. موقف متخاذل ..ونحن نتسائل لماذا ؟
- لماذا كان شوكت التوني شجاعاً وهو يدافع عن حسين توفيق وجبن عندما كان يدافع عن الإخوان المسلمين ؟؟
قالت الأهرام بتاريخ 28/4/66 ما يلى :
- "ثم بدا شوكت التوني المحامى مرافعته عن مجدي عبد العزيز بمناقشة لكتاب سيد قطب معالم فى الطريق فقال انه يتحدث عن الجاهلية واني أؤكد له أنه لا جاهلية بعد محمد والإسلام بخير وأصبح ينتشر الآن في كل أنحاء العالم والاشتراكية قبس من الإسلام أما هؤلاء الشباب فإني أقول لهم "لقد تاه بكم الطريق " ....
- لكن القيادة كان قصدها استغلالهم ولذلك كانت جلساتهم سرية وأشاعوا أن الحكومة ستعتقلهم فخاف الشبان"
كتبت الأهرام بتاريخ 29/4/66 مرافعات شوكت التونى عن عدد من الأخوة المتهمين ونحن نقتطف من الأهرام ما قاله هذا المحامى "مدافعا ": عن سعد الدين الشريف :
- "انضم إلى الجماعة على اعتبار انها جماعة مسلمة تسعى لبناء الفرد المسلم ثم فوجئ بعلي عشماوي يحمل الى منزله خمس حقائب أسلحة ويقول له : إحنا خلاص قررنا الاصطدام مع الحكومة "
- هل ثمة دليل أبلغ من هذا يقدمه الدفاع على ثبوت ارتكاب الجرائم المفتراة ؟وقال المحامى نفسه مدافعا عن محمد البحيري :
- "انه مثل الآخرين انضم إلى الجماعة باعتبارها جماعة دينية لا تنظيما مسلحا ثم كان أن أدى بعض الأفعال تحت تأثير زملائه ..
- ولذلك فان ما قام به كان خارجا على إرادته وقد انجرف في هذا التيار وانحرف واستغلوا فيه الناحية الدينية ولذلك ندم على ما ارتكب "
ومن الجدير بالذكر أن شوكت التونى هذا قد "دافع عن عديد من الأخوة ولم يجد إلا أن يعيد الكلام نفسه في قالب جديد ينضم للركب "المدافع " من المحامين العباقرة في أداء هذه المهزلة المبكية ثم نقتطف من آخر جلسات مرافعات "الدفاع " في قضية القيادة ما ورد في الأهرام بتاريخ 3/5/66 :
- "وعلى اثر افتتاح الجلسة ترافع المحامى صلاح السهلي عن المتهمين محمد عبد المعطى وكمال عبد العزيز وطلب التفرقة بين المتهمين لأنهم يؤلفون فئتين إحداهما مضللة والأخرى راحت ضحية التضليل والدفاع يشعر بحرج لمجرد تفكير بعض المتهمين باغتيال الرئيس الذي تحوطه عناية الله ورعايته وفى الأوراق ما يقطع أن فكرة الاغتيال كانت حيلة لفتح الخزائن في السعودية وفخا لتصيد الملك فيصل وإنني أهيب بالمشرع الذي كان يعاقب بالإعدام أو بالأشغال الشاقة كل من حاول الاعتداء على الملك أو الملكة أو ولى العهد أخيب بالمشرع أن يضع نصا لحماية الرئيس فهو أولى بالحماية فالرئيس جمال الذي اجمع الشعب على اختياره ليس ملكا لنفسه بل ملك الشعب.
- وبعد أن أشار المحامى إلى كيفية اصطياد المتهمين باسم الدين والزج بهم في خضم الجماعة الإرهابية والتدريب على المصارعة والأسلحة للصدام الحتمي بالحكومة قال إن المتهمين أعلنا ندمهما ويلتمسان أن تتاح لهما الفرصة لمواصلة أبحاثهما والسير في ركب الثورة "
- وفى نفس العدد قالت الأهرام : " ثم ترافع المحامى حسنين عبد الرحمن عن المتهم محمد المأمون يحيى فقال ان واجب الدفاع لا يقف عند حد البحث عن أدلة البراءة ولا عند حد البحث عن مواطن التخفيف أملا بالرأفة ولكن يجسد أيضا لإبراز الحقائق الفكرية التي تحرر عقول هؤلاء الشباب من إثم تفكيرهم الخاطئ أملا بالصعود بهم إلى أحضان الفكر السليم" ..(28)
الحملة الإعلامية والصحفي الأوحد
وعندما تجمعت لدى عبد الناصر الصورة الكاملة أعلن عن ما أسماه مؤامرة الإخوان أثناء وجود في موسكو وبعد أن وصل إلى القاهرة يوم 6 سبتمبر كلف صحفيه الأوحد محمد حسين هيكل رئيس تحرير الأهرام أن يبدأ الحملة لبث الكراهية.. كراهية الشعب للإخوان المسلمين..
وفى 7 سبتمبر انفرد الأهرام بنشر أول معلومات عن المؤامرة المزعومة وصدر الأهرام في ذلك اليوم وكانت عناوينه الرئيسية كالآتي:
- أول التفاصيل عن مؤامرة الإخوان المسلمين الأخيرة.
- كشف تنظيم سرى إرهابي والقبض على كل خلاياه وضبط كميات ضخمة من الأسلحة والمفرقعات.
- عمليات اغتيال واسعة النطاق كان يجرى تدبيرها إلى جانب خطط لنسف بعض المصانع والقناطر ومحطات الكهرباء ومطار القاهرة ومحطة الإذاعة.
- خطة لإلقاء قنابل حارقة في عدد من دور السينما والمسارح وفى بعض الشوارع.
- مقاومة مسلحة للبوليس حينما ذهبت قوة منه لضبط مخزن أسلحة في قرية كرادسة في محافظة الجيزة.
- الوثائق تؤكد أنه هناك تمويل خارجي وراء التنظيم الإرهابي الجديد يصرف عليه من سعة ويؤمن وصول السلاح له.
- الإرهابي الجديد يصرف عليه من سعة ويؤمن وصول السلاح له.
كانت تلك العناوين.. أما تفاصيل الخبر الذي نشرته فكان:
- سمحت سلطات التحقيق لأول مرة أمس بنشر معلومات عن القضية الخطيرة التي اكتشف خلالها تنظيم جديد سرى لجماعة الإخوان المسلمين, وكانت سلطات التحقيق تضع حظرا للنشر لكفالة سلامته وبالفعل فإنه بعد تسرب بعض الأنباء عن القضية تمكن احد المتهمين فيها, وهو مساعد طيار بشركة الطيران العربية اسمه يحيى حسين من الفرار عندما كان مع هيئة قيادة إحدى طائرات الشركة في الخرطوم وذلك منذ ما يقرب من أسبوعين.
- ويمكن استنادا إلى حجم التحقيق وتشعبه, وإلى كثرة الأدلة وتعددها أن يقال أن هذه القضية سوف تكون من أخطر القضايا الإرهابية.
وقد بدت عدة مظاهر في هذه القضية تلفت النظر وتستوقف الاهتمام:
- 1- أن التنظيم الإرهابي الذي تم ضبطه كانت وراءه مصادر تمويل تنفق عليه عن سعة, كما أن هذه المصادر كانت إلى جانب المال توفر له مقادير ضخمة من الأسلحة والذخائر كما أنها كانت تتولى توصيلها إليه في داخل الجمهورية العربية المتحدة بطرق متعددة.
- 2- أن هذا التنظيم الإرهابي رسم خططه للعمل داخل الجمهورية العربية المتحدة يقصد تدمير وبدون أي مفهوم سياسي أو اجتماعي, وبغير مراعاة لمن سوف يقع عليه الضرر ومن الذي سيخسر في النهاية إذا نجحت أية خطة من الخطط التي رسمها.
- 3- أن هذا التنظيم الإرهابي اعتمد أساسا في تجميع صفوفه على الجو الديمقراطي الذي تأكد برفع الأحكام العرفية – وكل ما كانت تتبعه من إجراءات, فقد استغل هذا التنظيم صدور العفو عن البعض الذين كانوا معتقلين من جماعة الإخوان المسلمين, فأعاد تجنيدهم وضم إليهم عناصر أخرى.
وقد بدءوا أول خيط في هذه القضية الخطيرة بتكشف منذ ما يقرب من ثلاثة شهور, وذلك بملاحظة خطة حركة غير عادية لتهريب وتخزين الأسلحة في القاهرة وفى عدد من القرى.
وفى ذلك الوقت شكلت هيئة خاصة نتابعة هذا الخيط الخطير ولم يكن التقدير أن تتكشف العملية عن الحقائق المذهلة التي تكشفت عنها, وعندما تم القبض على بعض الذين تأكد أن في حوزتهم أسلحة ومفرقعات, في بدء استجوابهم راحت خلايا التنظيم السري تظهر واحدة بعد واحدة لتكشف عن شبكة واسعة وضعت خططا تكاد لا تصدق للوهلة الأولى لغرابتها وبعدها عن التصور.
كانت هناك خطط واسعة للقيام باغتيالات لعدد كبير من القادة والمسئولين.
وكانت هناك خطط للقيام بنسف بعض المنشآت الكبيرة منها بعض المصانع والقناطر ومحطات الكهرباء ومطار القاهرة ومحطة الإذاعة ومبنى التليفونات.
وكانت هناك خطط لإلقاء بعض القنابل الحارقة في عدد من دور السينما والمسارح وفى بعض الشوارع.
وحدث أثناء التحقيق أن سئل أحد المتهمين:
- على من سيقع الضرر من نسف هذه المنشآت.. ومن هذه القنابل الحارقة في دور السينما والمسارح والشوارع؟
- وجاء الرد بأن الهدف كان إحداث أكبر كمية من الفوضى والذعر وأن هذا قد يؤدى إلى سقوط النظام.
- وماذا كان سيحدث عندما يسقط النظام؟
- وكان الرد: يقوم مجتمع الإسلام
وسكت المتهم حين قال له المحقق: هل يمكن أن يقوم مجتمع الإسلام بنسف المصانع والقناطر ومحطات الكهرباء والمطارات وإلقاء القنابل الحارقة في دور السينما والمسارح والشوارع وبالقتل وسفك الدماء
كان هذا جانبا مما نشره الأهرام.. وقد تكشف مدى الإدعاء الذي كان يحيويه ذلك حتى في خلال المحاكمات.. كما كان ما نشره الأهرام من أن التحقيقات أجريت لا يمثل الحقيقة.. فقد ثبت عند بدء المحاكمات وتداول ملفات القضية أن النيابة العامة وهى السلطة الوحيدة التي لها حق التحقيق لم تخطر بأي شيء إلا يوم 3 أكتوبر سنة 1965 أي بعد أن نشر الأهرام ما أسماه تحقيقات بحوالي شهر. وفى اليوم التالي مباشرة يوم الأربعاء 8 سبتمبر نشر الأهرام مجموعة أخرى من أكاذيب تلك التحقيقات تحت عناوين بغرض الصفحة الأولى وهى ما تسمى بمانشيتات.. وكانت 4 عناوين كبيرة هي:
- تحقيق كامل عن التنظيم الإرهابي
- هدف خطط الاغتيال والنسف والتخريب كانت تتجه في النهاية إلى الاستيلاء على السلطة.
- عدد الذين سوف سيقدمون إلى المحاكمة في قضية الإرهاب يصل إلى 400 شخص.
- الفلسفة المجنونة التي تجمع من حولها التنظيم والوسائل التي تم بها تجنيد الأفراد.
أما التفاصيل التي نشرها"الأهرام" فكانت بالنص:
- علم مندوب " الأهرام".. ولم يذكر اسم المندوب وأن كل كان من في مصر بل والعالم العربي يعرف أن هذا المندوب هو الصحفي الأوحد لذلك العهد محمد حسين هيكل.. وكان ما علمه المندوب أن عدد أفراد التنظيم السري الإرهابي الجديد للإخوان المسلمين الذين قبض عليهم وسوف يقدمون إلى المحاكمة يقترب عددهم من أربعمائة فرد وكانت الخطط التي تم ضبط الوثائق المثبتة لها والأسلحة والمفرقعات التي أدت لتنفيذها ترسم صورة مروعة.
- عدة خطط بديلة لاغتيال الرئيس جمال عبد الناصر, واحدة أثناء الموكب الرسمي في القاهرة, أو في الإسكندرية في احتفالات يوليو, وواحدة لنسف القطار يستقله, وواحدة معدة للتنفيذ في شارع خليفة المأمون وفى الطريق إلى بيته بمنشية البكري.
- وكانت هذه الخطط تعد أيضا لاغتيال المشير عبد الحكيم عامر ونواب رئيس الجمهورية وعدد آخر من المسئولين.
- كان التخطيط الإرهابي بعد عمليات الاغتيال يفترض تمكن التنظيم الإرهابي من الاستيلاء على الحكم وكانت هناك بعد مجموعة الاغتيالات موجهة إلى ثلاث اتجاهات:
- نسف القناطر الخيرية وبعض محطات الكهرباء ونقط تقاطع السكك الحديدية ومطار القاهرة ومحطة الإذاعة ومبنى التليفونات وبعض مراكز البوليس والمباحث العامة بقصد إحداث شلل عام في جميع المرافق.
- اغتيال عدد كبير من قادة الجيش وذلك حتى لا يقدر الجيش على التحرك لإقرار الأمن.
- نسف عدد من دور السينما والمسارح والمطاعم وإلقاء عدد من القنابل الحارقة في الشوارع وذلك حتى يلزم جميع الناس بيوتهم ذعرا ومن ثم يصبح الجو مفتوحا لاستيلاء التنظيم على سلطة الدولة.
- بعد ذلك يتقدم التنظيم إلى الحكم بغير مراجعة..
- ومما يثير الدهشة أن التنظيم الإرهابي استطاع تجنيد عدد من خريجي كليات الجامعات, ثلاثة منهم من كلية الهندسة تولى التنظيم عن طريقهم دراسة محطات الكهرباء لمعرفة أحسن مكان لوضع شحنات التدمير ليكون عطلها كاملا.
- كذلك فإن بعض الكيماويين ممن تم تجنيدهم استطاعوا تجهيز عبوات كثيرة من مادة نتوجلسرين المتفجرة وكذلك من كوكتيل مولوتوف الحارق. بل إن واحدا منهم جاء بتركيب مادة ناسفة شديدة الانفجار وهو نترات الامنيوم واستطاع إعداد كميات منها.
- واستطاع التنظيم الإرهابي إقناع احد الحدادين بصنع مئات الخناجر ذات الحدين للتنظيم على أساس أنها لجمعية الكشافة.
- وهذه الأسلحة كلها فضلا عن الكميات الضخمة من المدافع الرشاشة والمسدسات والقنابل اليدوية المتفجرة والحارقة وقوالب الجليجانيت الناسفة. ثم سرد الأهرام من باب الإثارة أن أفراد التنظيم أعدوا كشفاً لاغتيال أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ونجاة وشادية.
وعندما بدأت المحاكمات.. وطبقا للوثائق ومحاضر النيابة عن الأسلحة المضبوطة لدى كل أفراد التنظيم والتى كانوا يستخدمونها للتدريب استعدادا لرد أي اعتداء يقع عليهم.. فإن تلك الأسلحة لم تكن سوى خمس مدافع رشاشة و6 مسدسات ومجموعة من زجاجات مولوتوف.. وهى التى قال الصحفى الأوحد تلميحا أنه وراء التمويل الضخم للتنظيم وتبين من خلال المحاكمات أن التمويل لم يكن سوى 4 آلاف جنيه دفعها أعضاء الجماعة الذين هربوا من بطش الحاكم إلى السعودية ووجدوا أن من حق إخوانهم المحبوسين في سجون مصر عليهم أن يقدموا لهم المعونات ..(29)
من وسائل الحرب النفسية ضد الإخوان (اعتقال النساء)
كان من أقذر وسائل الحرب النفسية التى انتهجها نظام عبد الناصر ضد الإخوان المسلمين هى اعتقال النساء وكان يهدف بهذه الخطوة الغريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية هى نشر روح الخوف والرعب تجاه الإخوان المسلمين لمنع نشر أفكارهم وممارسة الضغط النفسى على المعتقلين وكانت التهم الموجهه للنساء المعتقلات هى مساعدة أسر المعتقلين.
فحينما أعلن جمال عبد الناصر في موسكو !!! عن اكتشاف تنظيم للإخوان في 30/8/1965م.. أصدر قراراً باعتقال كل من سبق اعتقاله منذ بدء اعتقالات الإخوان في عام 1942م.. وتراوحت أعداد المعتقلين بين ثلاثة وأربعة وثلاثين ألفاً.. وامتلأت جميع السجون والمعتقلات وتخشيبات الأقسام ونقط البوليس بشباب وشيوخ الإخوان المسلمين.. ولم تكتفى حكومة الثورة بذلك بل أنشأت الحكومة معتقلاً للسيدات والبنات.. وألقت القبض على خمسة وخمسين امرأة من زوجات وأمهات وأخوات وبنات الإخوان المسلمين، وألقت بهم بلا رحمة ولا شفقة في معتقل سجن النساء بالقناطر..
وبالطبع اعتقال النساء من أكثر وسائل الحرب النفسية قذارة وخسة وخاصة في ظل مجتمعاتنا الإسلامية والعربية التي تعطى للمرأة وضع خاص فكانت هذه الخطوة من أشد الخطوات التي قامت بها حكومة عبد الناصر للفتت في عضد الإخوان وتفكيك الصف ومحاولة زعزعته ولكن كان قدر الله غير ذلك فثبت الصف وتجاوز المحنة .

وأشهر المعتقلات في السجن الحربي هن:
- زينب الغزالي الجبيلي (مدينة نصر – القاهرة).
- حميدة قطب (حلوان).
- الحاجة أم أحمد (فاطمة عبيد – القاهرة).
- حرم الحاج عباس السيسي (أم مجدي – الإسكندرية).
- حرم الأستاذ السيد نزيلي (كرداسة – جيزة).
- علية الهضيبي (بنت فضيلة المرشد الثاني – الجيزة).
- غادة عمار (حرم الطيار يحيى حسين – مدينة نصر – القاهرة).
- حرم الدكتور مرسي مصطفى مرسي (إمبابة).
- بنات الشيخ محمد عبد المقصود العزب (المنصورة).
- زوجة الأخ يوسف القرش (المنصورة – سنفا).
- زوجة الشهيد محمد عواد (الشرقية).
- زوجة الأستاذ أحمد عادل كمال (القاهرة).
أما أشهر المعتقلات بسجن النساء بالقناطر فتم اعتقال كل من:
- السيدة/ نعيمة خطاب (70 سنة): حرم المرشد الثاني حسن الهضيبي، وهذه مكثت في المعتقل في سجن القناطر حوالي ستة شهور، ثم تم ترحيلها إلى السجن الحربي والتحقيق معها في المساعدات التي كانت تقدم لعائلات الإخوان المسجونين (منذ عام 54). وكان عمرها عند الاعتقال حوالي سبعين عاماً.. ورغم ذلك لم يرحموا سنها ولا صحتها، وعاشت في معتقل سجن النساء بالقناطر فترات عصيبة.
- السيدة/ بهية إسماعيل الهضيبي (70 سنة): أخت المرشد الثاني حسن الهضيبي، وكانت سيدة كبيرة في السن جداً، ولم يكن لها أي نشاط، ولكن اعتقالها كان نكاية في شقيقها المرشد الثاني.. ولقد كان الإخوان ينادونها باسم "عمتي بهية" كأنها عمتهم جميعاً احتراماً وتقديراً لها.. وقبضوا عليها من الحقل حيث كانت تساعد زوجها في أعمال الحقل قريتها عرب جهينة – مركز شبين القناطر – قليوبية.
- خالدة الهضيبي (40 سنة): بنت المرشد الثاني حسن الهضيبي وزوجة الأخ المهندس أحمد ثابت.
نشاط سيدات عائلة الهضيبي
- تركز نشاط سيدات عائلة الهضيبي في رعاية عائلات الإخوان الذين سُجنوا في قضايا (1954 – 1955م) وكفالتهن مادياً، وأشرفت السيدة حرم فضيلة المرشد على إنشاء (مشغل) تعمل فيه الأخوات لصناعة الملابس الجاهزة وخصوصاً فساتين الأطفال وبيع هذه الفساتين والصرف من ثمنها على عائلات المسجونين.
- والنشاط الآخر هو النشاط التجاري، ويتمثل في شراء ملابس بأسعار الجملة من شارع الأزهر وبيعها، وتتولى الأخوات الشابة عملية البيع بالقطاعي، ثم يتم إنفاق الربح على بيوت المعتقلين والمسجونين.
- شارك المرشد السادس (المستشار محمد المأمون الهضيبي) في نشاط جمع التبرعات لأسر الإخوان المسجونين، وحوكم في هذا الشأن وحُكم عليه بالسجن لمدة سنة، اعتقل بعدها خمس سنوات أخرى. وقد اعترف بالواقعة باعتبارها شرفاً وليس تهمة، ولعله كان يريد إرسال رسالة إلى الإخوان أن بيت المرشد الثاني يعيش رجاله ونساؤه ظروف إخوانهم المسجونين.
- وقد قام شمس بدران بإحضار السيدة/ نعيمة خطاب حرم المرشد الثاني والتحقيق معها، وتمت مواجهتها بابنها المستشار الذي قال لأمه: لا داعي لإنكار أي شيء في مسائل التمويل المالي والكفالة المادية لأسر المسجونين فهذا شرف.. ولبثت في السجن الحربي فترة ثم أفرجوا عنها.
ونواصل سرد قصة المعتقلات من السيدات:
- السيدة/ آمال العشماوي (45 سنة): زوجة الأستاذ منير الدلة عضو مكتب الإرشاد، وشقيقة الأخ حسن العشماوي. وكانت تشارك عائلات الهضيبي في جمع التبرعات.
- السيدة/ فاطمة عبد الهادي (37سنة): زوجة الشهيد محمد يوسف هواش، وكانت تلقي دروساً دينية للأخوات في السجن بصورة منتظمة وتعمل على رفع معنوايتهم.. ولا عجب في ذلك من زوجة شهيد.. وتلميذة الشهيد (حسن البنا) وهي تتمتع بروح إيمانية عالية جداً.. مع حماسة منقطع النظير للإسلام.. ولقد زرتها (2004م) وقد تخطت السبعين بكثير، ورغم ذلك لم يفتر حماسها أبداً.
لقد اعتقلوها لمزيد من الضغوط على زوجها الشهيد محمد يوسف هواش وتركت ابنتها سمية (11 سنة). وابنها أحمد (10 سنوات) وحدهما في المنزل.. لكن يقينها أن الله سيرعاهما لم يتزعزع أبداً، وكانت تعيش مطمئنة إلى كنف الله عز وجل. ولبثت في سجن النساء ستة أشهر ثم أفرجوا عنها ثم استدعوها لزيارة زوجها قبل إعدامه باثنتي عشرة ساعة للضغط عليه وحثه على كتابة اعتذار لجمال عبد الناصر حتى يتم تخفيف حكم الإعدام عليه، ولكنه رفض وأبى، فقاموا بضربه على وجهه ضرباً مبرحاً ولكنه ثبت على موقفه. وجلس مع زوجته وأولاده، ووجهه متورم من شدة الضرب، ثم تم تنفيذ حكم الإعدام عليه في فجر اليوم التالي.. وظلت في هذه الزيارة تشد أزره، وتقوي عزمه على الصبر حتى ينال الشهادة وهي تعلم أن الشهيد يشفع في سبعين من أهله.. فهنيئاً لها وله، ولقد حصل ولدها على الدكتوراه في الجراحة من لندن، وحصلت ابنتها على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة القاهرة.
سيدات فوق السبعين عاماً (بخلاف عائلة الهضيبي):
- والدة الأخ أحمد عيد (مصر الجديدة): وهي من إخوان العشرات، أمضى عشر سنوات في السجن ثم اعتقل بعدها ست سنوات أخرى.. حتى عام 1971م.
سيدات فوق الستين عاماً:
- السيدة عالية السيد حسن (65 سنة): والدة الأخ جودة شعبان. اعتقلت لأن أحد الضباط حضر لاعتقال زوجة ابنها جودة شعبان بعد اعتقال ولدها الذي كان خارجاً لتوه من 10 سنوات سجن (54 – 64) واعتقل ثانية، ولما حضروا لاعتقال زوجته ناقشت الضابط عن سبب اعتقال السيدة زينب السيد حسن زوجة ابنها وهي أم لأولاد صغار (نادية 14 سنة، علية 11 سنة) فضلاً عن رضيع عمره أربعين يوماً (ياسر جودة شعبان). وهذه الزوجة الشابة (زوجة ابنها) لا تزال في فترة النفاس بعد الولادة، فقام الضابط بالقبض عليها لمجرد هذا الحوال!!.. أي والله ثم اقتادها – وهي السيدة العجوز – إلى قسم السيدة زينب حيث تم ترحيلها بعد ذلك إلى معتقل النساء في سجن النساء بالقناطر. ولبثت هناك ستة أشهر كاملة. وبهذا صار المعتقلون من عائلة المجاهد جودة شعبان أربعة هم:
- 1- جودة شعبان (35 سنة – العباسية)
- 2- والدته عالية السيد حسن (65 سنة)
- 3- زوجته زينب السيد حسانين (30 سنة).
- 4- طفله الرضيع ياسر (40 يوماً).
- وتم القبض على السيدتين في الثانية بعد منتصف الليل بصورة مفزعة ومرعبة.
- ومن المعتقلات فوق الستين عاماً أيضاً، والدة الأخ محمد عبد الرؤوف كامل وكان عمرها حوالي (60 عاماً) آنذاك.. وابنها من إخوان العشرات (من بني سويف).
- السيدة والدة الأخ إسماعيل عبد العليم.. وهو من إخوان العشرات.. وكان عمر والدته لحظه الاعتقال (65 عاماً) أمضى ولدها في السجن عشر سنوات (54 – 64)، وخرج لمدة عشر شهور، ثم اعتقل ثانية لمدة ست سنوات. وقبضوا على والدته الكبيرة في السن (65 عاماً) لأنها كانت تزور ولدها في السجن وتحمل الأمتعة لباقي المسجونين من الإخوان الذين لا عائل لهم.
- السيدة أم وجدي... ولها ولد آخر اسمه حلمي.. ولم أستطيع الوصول على تفاصيل أكثر من اسم ولديها حيث تنادى بهما... ولعلها من أخوات الإسكندرية.
- والدة الأخ المجاهد اللواء كمال عبد الرازق: وكان عمرها فوق الستين وقت اعتقالها.
سيدات فوق الخمسين عاماً:
- الأخت/ سنيه الوشاحي (55 سنة – من طنطا). زوجة الأخ الوشاحي من إخوان العشرات من طنطا.
- والدة الدكتور عبد الفتاح شوقي: وكيل نقابة الأطباء حالياً (2005م) وعمرها آنذاك (55سنة) وهي أم لأحد شهداء مذبحة طره (1975م) وهو الأخ الشهيد (سعد شوقي) من إخوان إمبابة.
- السيدة/ رئيفة شاكر (55 سنة): أخت الأخ اللواء/ صلاح شادي، وهو من كبار قيادات الإخوان ورئيس تنظيم الإخوان المسلمين – 1954م.
- الحاجة/ أم عناني (50سنة): والدة الأخ محمود العناني من إخوان العشرات في الجيزة (بين السرايات(.
زوجات إخوان العشرات: وهم الذين أمضوا عشر سنوات في السجن ثم اعتقلوا ست سنوات واعتقلت زوجاتهم أيضاً لمزيد من التنكيل:
- السيدة/ زينب السيد حسانين (30 سنة).
- حرم الأخ جودة شعبان من إخوان العشرات.
- زوجة الأخ/ الطوخي محمد طه (عمرها 35 سنة) وهو رئيس تنظيم إخوان العشرات عام (1965م). أمضى 10 سنوات سجناً، ثم اعتقل 6 سنوات.
- زوجة الأخ سعد عمار (45 عاماً): وزوجها من إخوان العشرات أيضاً وهو (جزار) من إخوان منطقة طره والمعادي.
- زوجة الأخ طه أبو ليل (حلوان) واسمها الحاجة (تحية) وزوجها أيضاً من إخوان العشرات.
- زوجة الأخ علي معروف (العباسية)، وزوجها كذلك من إخوان العشرات.
وهذه كانت لها مأساة خاصة فقد كان لها ستة أولاد صغار تركتهم جميعاً وحدهم بلا أهل ولا عائل، ولا تدري عنهم شيئاً لمدة ستة شهور.
زوجات المعتقلين:
- زوجة الأخ علي محمد بحيري (35 سنة).. وكان يعمل كمساري ترام (شبرا) ومعها ابنها (40 يوماً) وهو غير الأخ المهندس محمد أحمد البحيري (تنظيم 65).
- أمينة الجوهري (40 عاماً) حرم المرحوم الحاج محمود الجوهري، وكان مسئولاً عن قسم الأخوات في الإخوان المسلمين، وهذه اقتادوها إلى السجن الحربي للتحقيق معها في نشاط قسم الأخوات.. ثم عادت إلى معتقل سجن النساء بالقناطر.
- زوجة الأخ سعد عفيفي (30 سنة – من إخوان طره).
- والدة الأخوين ماجد وطاهر سالم – وهي ناظرة مدرسة (من السنطة غربية) اعتقل ولدها الأول ماجد وعمره (19 سنة) (أصغر معتقل وأصغر خريج آداب قسم إنجليزي)، وحُوكم ابنها الأكبر طاهر سالم (21 عاماً) (طالب بهندسة أسيوط، حُكم عليه بالسجن 15 عاماً).
- زوجة الأخ المعتقل علي البدري واسمها أنعام شاكر وكان عمرها آنذاك (32 عاماً).. وهذه وضعت مولودها "أحمد" في السجن وسجلت شهادة ميلاده على أنه من مواليد سجن النساء.. وهذه طامة كبرى بالنسبة لمستقبل الطفل.. وبذلوا جهوداً مضنية في تغيير شهادة الميلاد.. والغريب أنها كانت حاملاً في الشهر السابع يوم اعتقالها ولم يرحموها.. ولما بدأت علامات الولادة.. لم يرحموها، ووضعت في السجن بعد شهرين من اعتقالها.. واستمرت في المعتقل مع وليدها بعد ذلك أربعة أشهر كاملة.. ولم يكن عليها !! ولا على زوجها أي اتهام أو أي شبهة أن زوجها من الإخوان المسلمين.. ولما حضرتها آلام الولادة بالليل تم استدعاء مأمور السجن، الذي قام بنقلها إلى مستشفى السجن واستدعاء طبيب السجن، ووضعت مولودها، وبعد الولادة أعطوها فقط أربعة أقراص أسبرين.. ثم أعيدت إلى العنبر.. وليس معها ملابس لوليدها، ولا طعام خاص بها.. ولا طعام خاص بالمولود ولا أي رعاية صحية على الإطلاق طيلة الأربعة أشهر التالية لولادتها.. في وحشية لم يعرفها التاريخ.. ذلك لأنهم حينما أعطوها أربعة أقراص أسبرين بعد الولادة ألقتهم في وجوه العساكر وقالت لهم يلعن أبو (دواكم) فقاموا بحملة تأديب لها ولجميع المعتقلات الخمس والخمسين.
- زوجة الأستاذ رشاد عبد العزيز، واسمها الحاجة قدرية شرف.. وكان زوجها قبل عام (1954م) مسئول الأخوات في محافظة الإسكندرية .. لكنه نُقل إلى القاهرة بحكم وظيفته الحكومية واستقر في القاهرة.. وكان عمر الحاجة قدرية شرف آنذاك أربعين عاماً.
- مفيدة البكري، مسئولة أخوات بين السرايات.
- هناك إحدى الأخوات وتسمى (صفية) شقيقة أحد المعتقلين واسمه (عبد المنعم) ولم أستطيع أن أحصل على باقي الاسم، وكان عمرها آنذاك ثلاثين عاماً.
- زوجة الأخ المعتقل محمود نفيس واسمها (أسماء محمود) وعمرها آنذاك (30عاماً).
اعتقال البنات الأبكار:
في وحشية لا مثيل لها تم القبض على ثلاث بنات:
- الأخت (نجاة عوض) شقيقة المجاهد محمد فريد عوض وهو من الإخوان الثابتين الذي أمضى في السجن 15 عاماً، ولم يداهن الحكومة، واعتقل سنتين بعد ذلك ثم أخرج منه في أغسطس 1971م.
- الأخت (سميرة) وهذه جرت وراء أخيها لحظة اعتقاله في الإسكندرية وتتبعت القطار الذي ركبه مكبلاً بالأغلال، وحاولت أن تعطيه سندوتشات ليأكلها في الطريق، ففاجأها المجرمون بالقبض عليها واعتقالها واصطحابها معهم في القطار، وأودعوها سجن النساء ستة أشهر كاملة.. ولم أستطيع معرفة اسم أخيها.
- الأخت زينب الكاشف (من أخوات الإسكندرية) وكان لها نشاط ملحوظ في جمع التبرعات لعائلات الإخوان المسجونين، وكان عمرها آنذاك واحداً وعشرين عاماً، ولبثت في المعتقل ستة أشهر بسبب هذا النشاط الإنساني، ثم خرجت من المعتقل في أوائل عام 1966م.. وقد لبثت دون زواج حتى خرج من المعتقل الأخ الشاعر والزجال الكبير سعد سرور، وتزوجها في عام 1972م ولبثت معه حتى لقي ربه شهيداً في التسعينات من القرن العشرين ..(30)
نموذج آخر من نماذج الحرب النفسية (التجنيد)
كان معتقلي الإخوان بعد خروجهم من المعتقل يواجهون مشاكل عديدة سواء عملهم الذي قد فصلوا منه أو مشكلة التجنيد التي كانت تواجهه الشباب المعتقل ويقص المهندس محمد الصروي حكايته مع مشكلة التجنيد فيقول:
- بعد استلام العمل بأيام طلبت مني الشركة موقفي من التجنيد، فقلت لهم: نحن معافون من التجنيد سياسياً. وكنت أظن أنني سأحصل على شهادة المعافاة من الخدمة العسكرية بسهولة.. إلا أن الله أراد لي امتحاناً آخر.
- ذهبت إلى مكتب التجنيد بالجيزة ومعي بطاقة التجنيد، وبالبحث في الدفتر وجدت مكتوباً فيه " هارب من التجنيد، ومطلوب القبض عليه " ولماذا ذهبت حرروا محضراً بذلك، وتم اقتيادي إلى قسم أول الجيزة مقبوضاً عليَّ لتسليمي إلى الجيش للمحاكمة العسكرية.. وذهبت إلى الموظف المختص، وشرحت له الموقف دون جدوى.. فكان الردّ كالآتي: يتم القبض عليك، وتودع في زنزانة في سجون الجيش لحين صدور قرار بحرمانك من شرف (!!) الخدمة العسكرية.. وسوف تستغرق هذه الإجراءات ما بين ثمانية أشهر وسنة كاملة.. فما الحل؟ .. قمت بعدة اتصالات، وكان الجواب: الهروب من منطقة التجنيد لحين إصدار هذا القرار.. لكن العسكري الذي كان يقتادني أخذ مني البطاقة الشخصية.. فخرجت إلى الشارع مسرعاً لا ألوي على شيء بدون بطاقة شخصية.. فتم الإبلاغ عني أنني هارب من شرف التجنيد.. وتلك قضية ثانية.. وعبثاً لم أفلح في إفهام أي شخص أنني فوق الثلاثين من عمري.. ومعزول سياسي وليس لي خدمة في الجيش كجميع زملائي.. لكن هيهات.. وفي اليوم التالي عدت إلى المصنع، وشرحت لهم القضية فأمهلوني فترة ثلاثة أشهر لتسوية تلك الأوضاع المعقدة.. لكني فقدت بطاقتي الشخصية، ولا أستطيع السير ليلاً متأخراً فلو سألني أحد عنها سوف تكون مشلكة، ويقبض عليّ هارباً من شرف التجنيد !!.. وتطوع أهل الخير من أصدقاء العائلة لمتابعة هذه (الفزورة) في مقابل إعطاء أبنائهم دروساً في الرياضة (جبر – هندسة – حساب مثلثات والكيمياء.. وتم لهم ما أرادوا، وقاموا بالسعي والمتابعة حتى تم استخراج شهادة الإعفاء من الخدمة العسكرية أسوة بجميع زملائي من الإخوان المسلمين. فكان امتحاناً عابراً وسريعاً.. إن السجن قدرٌ على كثير من العباد.. وليس بسبب الإخوان وحدهم ندخل السجون!
مضايقات ما بعد الإفراج
المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤقتة أو المؤبدة.. أمثالنا.. هناك توابع لتلك الأحكام كتوابع الزلازل.. فهناك حكم آخر يسمى " المراقبة لمدة خمس سنوات " .. وهذا معناه:
- عدم مغادرة المنزل من الغروب (المغرب) حتى شروق شمس اليوم التالي.. لمدة خمس سنوات.
- عدم المبيت إطلاقاً في غير المسكن المدون في البطاقة.
- يستلم كل مسجون مُفرج عنه، بطاقة متابعة يقوم بختمها كل أسبوع من قسم الشرطة التابع له.. فيذهب في الخامسة مساءً إلى القسم، وينتظر حتى يحضر سعادة ضابط المباحث الجنائية بالقسم للتوقيع له على البطاقة بالحضور أسبوعياً. وقد كنا ننتظر سعادة الضابط أحياناً حتى الحادية عشر مساءً.
- لا يمكنه السفر من مدينة أخرى إلا بإذن كتابي من رئيس مباحث قسم الشرطة التابع له.. ويتم إبلاغ قسم الشرطة (أو المركز) الذي سيسافر إليه لكي يتم المرور عليه، والتمام على أنه بالمنزل (مسجون) من الغروب إلى الشروق.
- طبعاً لابد من دفع إكرامية لمن يقوم بالمرور والتمام عليك بالمنزل.. مع مشاكل ضجيجة، والتشهير عند الجيران كلما جاء للتمام عليّ.
- في حالة المخالفة لهذه التعليمات يحاكم محاكمة عسكرية عقوبتها شهر سجناً في التخضيبة (ملحوظة: اليوم في التخشيبة يساوي شهراً في السجون العادية).. ويحكم عليه بما يسمى (مصاريف).. أي يقوم برش السجن بالمياه، والتنظيف والكنس للمكاتب داخل القسم!! وقديماً كان يضاف إلى ذلك تنظيف اصطبل خيل الحكومة داخل القسم.
- في حالة تكرار المخالفة للمرة الثالثة يلغي قرار العفو ويعود إلى السجن لقضاء باقي العقوبة!! ولقد ظللنا تحت هذا التوتر حتى قام الرئيس أنور السادات بإصدار قرار جمهوري بإلغاء حكم المراقبة.. ومن محاسن الصدف أن الإلغاء تم يوم عقد قراني على عروسي.. فكان فالاً حسناً جداً.
- من المضحكات المبكيات في موضوع حكم المراقبة.. أنه صدر في المصنع قرار بتعييني مهندس (وردية).. أي لابد من دخولي نظام الورديات.. صباحي.. مسائي.. وليلي.. فأحضرت بطاقة حكم المراقبة، وأطلعت عليها مدير الإنتاج بالمصنع، فارتعدت فرائصه وألغى قرار دخولي الورديات في الحال.. مع كثير من الأسى والشفقة على ظروفي ..(31)
أسلوب المساومات
كان من سياسات نظام عبد الناصر وكأي نظام ديكتاتوى كان يتبع نظام العصا والجزرة فكان بين الحين والآخر يطرح مساومات رخيصة لتفكيك الصف وإضعاف الروح النفسية ويبدو هذا بوضوح من قضية التوقيعات الشهيرة كما تعرض الحاجة زينب الغزالي في كتابها (أيام من حياتى) نموذج من المساومات الرخيصة التي انتهجها رجال عبد الناصر فتقول:
- أخذ رجال المباحث والمخابرات الناصرية يطلبون مقابلتي ويعرضون عروضا لإعادة المركز العام للسيدات المسلمات . وكانت هذه العروض تكلفني أن أشترى الدنيا بالآخرة . وعلى سبيل المثال عرضوا على إعادة إصدار مجلة السيدات المسلمات باسمي كرئيسة للتحرير وصاحبة الامتياز مقابل 300 جنيه شهريا، على أن لا يكون لي شأن بما يكتب في المجلة . وكان جوابي : مستحيل أن تصدر مجلة السيدات المسلمات من مكاتب المخابرات لتنشر علمانية عبد الناصر فأنا لم أعتد إلا أن أكون مسئولة مسئولية فعلية . كذلك عرضوا على إعادة المركز العام وصرف إعانة قدرها عشرون ألف جنيه سنويا، على أن يكون من مؤسسات الاتحاد الاشتراكي . . وكانت إجابتي: إن شاء الله ، لن يكون عملنا إلا للإسلام. إن الذين يتكسبون بالإسلام لا يستطيعون خدمته ، وكان هذا الرد يغضبهم . ولكنهم يحاولون إغرائي المرة بعد المرة . وكنت أتعجب من الطريقة ومن إصرارهم على هذه المحاولات الفاشلة، ولكنني اكتشفت بعد ذلك وعرفت لماذا هم حريصون على مخادعتي ..(32)
كما تتناول الغزالى نموذج آخر من المساومة في موضع آخر من الكتاب تحت عنوان (وجاء ليل المساومة والعذاب) فتقول:
- وعند صلاة العشاء فتح باب الزنزانة ودخل الشرير صفوت الروبي ومعه جندي آخر وأخذاني إلى المكتب الذي سبق أن دخلته مرتين من قبل ذلك . وجدت رجلا يجلس على المكتب ، ألقيت عليه السلام فلم يرد . وأخذت نظراته الوحشية تتفرسني وهو يقول : أنت زينب الغزالي؟ قلت : نعم . أشار إلى مقعد أمامه لأجلس عليه ثم قال : إذن أنت زينب الغزالي ! ! لماذا أسأت إلى نفسك إلى هذا الحد؟ أكل هذا لأجل الإخوان المسلمين ؟ كل واحد منهم يحاول تخليص نفسه . وهم جميعا يرمونك أنت في البئر وحدك . أنت صعبانة علينا. أنا ألفيت على نفسي أن أنتشلك من البئر. وسأتفاهم معك على بعض الأمور. تذهبين بعدها إلى البيت . ليس هذا فقط . أنا أقول لك باسم جمال عبد الناصر : إن تم التفاهم وعقلت فسيصدر الرئيس قرارا بإعادة المركز العام للسيدات المسلمات وسيرجع لك مجلتك ، وسيعطيك إعانة للمجلة ألفي جنيه شهريا وسيصرف لك مبلغا كبيرا للجمعية ويعيدها أحسن مما كانت . إن تفاهمت معي سأرسل في إحضار ملابسك وبعد ساعة سنقابل جمال عبد الناصر . . أنتى صعبانة علينا و الإخوان الذين أوقعوك في داهية . ربنا يسامحهم . الريس قلبه كبير !. . كان يتكلم وأنا صامتة لا أجيب . . فقال : ما تردى يا ست زينب ؟ والله الريس ناوي يقيل حكمت أبو زيد ويجيبك مكانها. نحن نريد أن تتعاوني معنا . افتحي قلبك وقولي كل شئ وستعرفين أنني أخوك وأحب لك الخير . وناس طيبون كثيرون في الخارج أيضا يحبونك ويتوسطون من أجلك . وقد قلبوا الدنيا لأجلك . قلت : أنا لا أريد أن كون وزيرة، ولم يجل بخاطري هذا الأمر في يوم من الأيام ، أما جماعة السيدات والمجلة كذلك . . فقد فوضت أمري فيهما لله ، وليس من الضروري للمسلمين أن يعملوا تحت راية مجلة أو جماعة فهم يعملون تحت راية لا إله إلا الله . قال : إذن فلم كنتم ترتبون لإعادة الإخوان المسلمين ؟ يا ست زينب ؟ قلت : نحن مختلفون في فهم كل شئ . أنا مثلا أعتقد أن جماعة السيدات التي أسستها لم تحل . و عبد الناصر يتوهم أنه حلها باستيلائه على أموالها ودورها وممتلكاتها . فالمسلمون تعقد راياتهم بيد الله ، وما يعقده الله لا يحله البشر. وجماعة الإخوان مثل جماعة السيدات المسلمات لم تحل أيضا . ودعوة الله ماضية في طريقها وكلمة الحق قائمة. وسيفنى عبد الناصر ودولته وتبقى كلمة الله . وعندما تنقضي آجالنا ونلقى الله ، سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . !ن دين الله قائم ، ولا تزال طائفة من أمة الإسلام قائمة على الحق مدافعة عن دين الله ، مجاهدة في سبيل الله ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك . وأدعو الله تبارك وتعالى أن نكون من الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، مبينين للأمة طريقها إلى الله تعالى . . هؤلاء الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم المجددون لأمر الإسلام ..(33)
وتضيف الغزالى في موضع آخر فتقول تحت عنوان( مساومة أخيرة):
- اخترقت العربة الطريق إلى بيتي ، ولكن غيرت طريقها فجأة ، ووجدت نفسي أمام مبنى المباحث العامة . ودخلت حجرة أغلقوا على بابها من الساعة الثانية عشرة ظهرا إلى التاسعة مساء حتى أخذوني إلى مكتب به ضابطان ، أخذا يسألان أسئلة تدور حول الإسلام وهل أنت ستقومين بزيارة الإخوان بعد ذلك ؟!
- كنت مشغولة بابنتي حميدة فقلت لهما: ليس من العدل أن أخرج – وأنا المحكوم عليها بالمؤبد – وتبقى ابنتي وحيدة . إنكم تريدون فتنة ولكن الله لن يحقق لكم ما تدبرون . قال : اهدئي يا حاجة. قلت : إنكم تكيدون كيدا والله من ورائكم محيط ، والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون . قال : يا حاجة دي أوامر من فوق لا نقدر على أن نخرج حد وليس لنا كلام .
- ثم أخذوني إلى مكتب أحمد رشدي الذي كان يستخدم سياطه ونفسه المريضة ليكيد رجالاً ربط الله على قلوبهم برباط الإيمان ولكن هيهات . . هيهات . ولما دخلت عنده طلب منى الجلوس على مقعد أمامه وقدم لي التهنئة بالخروج . ثم دار بيني وبينه حديث كان عبارة عن جملة أوامر وجهها لي كان ملخصها أن لا أمارس النشاط الإسلامي، وأن لا أتزاور بيني وبين إخواني ومعارفي في الله ، ولا تعاون بيننا ولا تواد، وأن أتردد على مكتبه بين الحين والحين .
- فقلت له لما فرغ من حديثه : الكلام الذي وجهته إلى أرفضه جملة وتفصيلا، بل أرفض قرار الأمر بالخروج وبلغ المسئولين بذلك وأطلب عودتي فورا إلى سجن القناطر. أنهى أحمد رشدي الحديث ، وابتسم قائلا : "على أي حال فيه كثير من الإخوان تفاهموا معي على ذلك " فقاطعته قائلة : والله لا أعلم عن الإخوان إلا خيرا وأما ما تقوله أنت بالنسبة لبعض الإخوان فلا أستطيع أن أبدى رأيا . . لا أصدق صدوره منهم . إن الإخوان المسلمين ورثة حق يعملون له ليل نهار حتى يأتي الله بنصره أو يهلكوا دونه .
- ودق جرس التليفون وأجاب أحمد رشدي قائلا : دعه يكلمني. ثم قال : أهلا وسهلا يا أستاذ عبد المنعم أتفضل . نحن محتاجون إليك .. ووضع سماعة التليفون ثم قال لي أحمد رشدي : الأستاذ عبد المنعم الغزالي جاى هنا. وبعد قليل حضر شقيقي عبد المنعم وسلم على وهو يبكى . قال له أحمد رشدي : أنا أريد أن تحكم بيني وبين الحاجة لأننا مختلفان . فأجاب شقيقي : الحاجة اكبر منى وأنا شقيقها الأصغر، وليس من عادتي أن أناقشها في شيء. أضف إلى ذلك - لو سمحت لي- أنها تمتاز بقوة منطقها وصحة حجتها فقال أحمد رشدي : طيب يا حاجة مبروك بس ملكيش دعوة بعمل تنظيمات مسلحة للإخوان . قلت : التنظيمات السرية أنتم الذين تلفقون قصصها وتخرجون تمثيلياتها .
- إن قيام الدولة الإسلامية واجب على المسلمين وعدتهم في ذلك الدعوة إلى الله تعالى كما دعا رسوله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام . وهذه رسالة كل مسلم سواء كان من الإخوان أو غيرهم .
ثم انصرفت مع شقيقي إلى بيتي وكان ذلك في الساعة الثالثة صباحا في اليوم العاشر من أغسطس سنة 1971 ..(34)
كما يشير الأستاذ أحمد عبد المجيد في كتابه (الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965م) الى عرض بعض المساومات على الشهيد سيد قطب (رحمه الله) فيقول:
- بعد الإفراج عن الأستاذ سيد قطب عام 1964 ، أرسل الرئيس العراقي عبد السلام عارف سفيره بالقاهرة إلي الأستاذ سيد مهنئًا ، وعرض عليه الانتقال إلي العراق والعمل كمستشار للرئيس عبد السلام عارف ، فاعتذر للسفير ، وقال بلغ الرئيس عبد السلام شكري ، وأن صحتي لا تناسب جو العراق وأنا أريد جوًا جافًا مثل جو حلوان . ولا نجزم القول بأن ذلك يدخل في باب المساومات ، نحسب أن الرجل كان مخلصًا في ذلك مع الشهيد سيد. ولكننا ندخل ما نقوله بعد ذلك في باب المساومات مثل :
- 1 – بعد خروج الأستاذ سيد من السجن ، طالبته الضرائب بمبلغ 40.000جم كضرائب مستحقة عليه ، وبعدها بفترة ذهب إليه أحد كبار رجال المباحث وعرض عليه العمل كوكيل وزارة مع إعفائه من الضرائب المستحقة عليه فاعتذر له عن قبول ذلك ، مع اعتبار أن هذا المبلغ وقتها كبير جدًا .
- 2 – بعد فترة أخري حضر إليه ثلاثة من رجال المباحث ، أذكر منهم أحمد رشدي وبعد دردشة من هنا وهناك ، وسؤاله هل الفيلا التي يسكنها ملك أم إيجار ؟ ، فلما أجاب بأنها إيجار ، أبدوا دهشتهم قائلين : كيف يكون شخص مثلك لا يملك مثل هذه الفيلا وغيرها ؟ ، ثم بدءوا يعرضون عليه أمر الكتابة في الصحف قائلين :
- " هل يعجبك سيطرة الشيوعيين علي الصحف ؟ ، لماذا لا تخترق هذا المجال لتقليل سيطرة الشيوعيين ؟ " فقال لهم : " ومن الذي يعينهم في هذه الأماكن أنا أم أنتم ؟ " ثم قال لهم ساخرًا : " ومَنْ مِنْ رؤساء تحرير الصحف يجرؤ علي نشر مقال لي ؟ " فقالوا : " اكتب أي مقال وأعطه لنا ونحن نتولى نشره ، بل ولك أن تحدد الجريدة التي تريدها " فقال لهم بإصرار : " أنا لا أقبل أن أنشر شيئًا باسمي في هذه الصحف وأنا لا أرضي أن ينشر لي بإذن المباحث ، وأنا لا أعتذر فقط بل أرفض كذلك " وانتهت المقابلة .
- 3 – بعد فترة أخري زاره ثلاثة آخرون ، أحدهم عالم لبناني كبير وآخر مصري يعمل في المؤتمر الذي كان يرأسه أنور السادات في ذلك الوقت ، والثالث عراقي . ولقد عرضوا فكرة إنشاء مجلة إسلامية يتولي رئاسة تحريرها ، وقد اعتذر لهم كذلك وقال لنا بعدها : إن اللبناني طيب وحسن النية ، والمصري مكلف يؤدي مهمة ، أما العراقي فهو رجل مخابرات مدرب ، يعرف متى يتكلم ومتى يصمت ، وعقب علي ذلك بأنهم يريدون تلويث اسمه بالعمل معهم ، وهم حريصون دائمًا علي تلويث الراية ، راية الإخوان ، بمحاولة استدراجهم للعمل معهم والمشاركة في نشاطاتهم وأنظمتهم حتى يلوثوهم وبالتالي يفقدونهم أي بريق أو تأثير لهم عند الناس ..(35)
كما يذكر الأستاذ أحمد عادل كمال في كتابه (النقط فوق الحروف) عرض مساومة آخر فيقول:
- من المناسب أن أذكر حوارا حدث مع شمس بدران في مكتبه بالسجن الحربي قبل أن ننتقل إلى معتقل أبى زعبل. استدعاني وكان معه سعد عبد الكريم وعصمت مصطفى والجنزورى. أدخلت وكان ينظر في ملف كبير فأغلقه بحركة مسرحية وهو يرفع بصره نحوى ويقول" نحن نغلق ملفك عندنا, ولن تقدم إلى المحكمة. ولكننا ننظر فى أمركم جميعا لنضع قرارا بشأن كل منكم. يمكننا الإفراج عنك وعودتك إلى عملك وتتقلد من المناصب ما تشاء! ويمكننا أن نبقيك فى المعتقل بقاء مفتوحا. هل تدرى معنى الاعتقال المفتوح؟ قلت:" الله ورسوله أعلم". قال " هناك من تقرر اعتقاله خمس سنوات أو عشرا أو خمس عشرة وهناك أيضا اعتقال مدى الحياة وهو الاعتقال المفتوح".
- قلت:" فهمت".
- قال: فماذا تختار؟".
- قلت طبعا اختار أن يفرج عنى وأعود إلى بيتي وعملي.
- قال: لقد قلت إنك فهمت وطبعا تفهم ثمن ذلك. المطلوب التجاوب التام.
- قلت: لى ماض فى الإخوان ولن تصفوا نفوسكم أبدا من هذه الناحية بعد كل ما فعلتم, ولذلك فأفضل تجاوب فى هذا الشأن أن أكون رب أسرة فى بيتى وصاحب وظيفة اخدمها بإخلاص فى عملى وليس أى نشاط آخر وأحسب أن هذا يرضيكم.
- قال: لا . أنت تفهم جيدا معنى التجاوب الذى نطلبه.( يقصد أن أعمل لحسابهم وفى ذلك أقصى درجات الخطورة على الناس الذين ينظرون عادة للخارج من المعتقل على أنه ساخط على السلطة فيطلقون ألسنتهم بما يجيش به أنفسهم هؤلاء مطلوب أن أوقع بهم وأبلغ عنهم).
- قلت: سيادة العقيد أفهم الذى تعنيه لقد فكرت واخترت ما قلت لك.
- قال: إذن الاعتقال مدى الحياة: وسوف يأتى عليك اليوم الذى تدرك فيه انك لم تندم على شىء ندمك على موقفك هذا. والآن تستطيع أن تعود إلى زنزانتك.
- وأضاف سعد عبد الكريم" لن تخرج إلا إلى قبرك"
- ولم أندم والحمد لله. وكان مدى الحياة الذى ذكر هو مدى حياة عهدهم وحياتهم فى السلطة. ودارت الأيام ووجدنا شمس بدران متهما ومسجونا ثم هاربا إلى الخارج فى خوف دائم أن تمتد إليه يد انتقام فى أى لحظة, وهو فى هذا محق, فليس مثله من يعرف كم أوقع من مظالم على أبرياء وكم أزهق من أرواح المسلمين وسفك من دمائهم, الأمر الذى يجعله يعيش ما بقى من حياته جبانا خائفا يحسب كل صيحة عليه وكل ظل شبحاً ..(36)
شبهة الإتصال بالإنجليز (الفزاعة الدائمة)
كان من وسائل الحرب النفسية التى انتهجتها الأنظمة المتعاقبة منذ نشأة الجماعة وهى الاتصال بجهات أجنبية وكانت هذه الشبهة أحد أهم الفزاعات التى استخدمها عبد الناصر ومن بعده بالرغم من النفى المتكرر للإخوان بخصوص هذه الاتصالات ‘ فكانت هذه التهمة أحد النقاط الذى بدأ بها عبد الناصر هجومه على الإخوان المسلمين فبالرغم من علمه التام والكامل باجراء مباحثات بين الإخوان والإنجليز بخصوص الجلاء إلا أنه سرعان مانفى ذلك واستخدمه في حربه ضد الإخوان.
فيقول الاستاذ إبراهيم قاعود في كتابه (الإخوان المسلمون في دائرة الحقيقة الغائبة):
- ويبدو أن عبد الناصر كان يتمنى أن ينفض شمل الإخوان فى الخلاف الذى وقع خلال عام 1953 ولكن الإخوان استطاعوا أن يتفادوا امتداد تأثيرات الخلاف الى الخارج واستطاعوا توحيد صفوفهم ونبذ العناصر الخارجة فألقى عبد الناصر بورقة أخرى فى سبيل خطواته للتخلص من الإخوان المسلمين وكانت الورقة الجديدة التى ألقاها عبد الناصر هى أن تحوم الشبهات حول الإخوان باتصالات لهم مع الإنجليز وإجرائهم مفاوضات سرية من وراء ظهر الحكومة ويقول الأستاذ صالح أبو رقيق فى مجلة الدعوة تحت عنوان الحقيقة الكاملة فيما يدور عن الإخوان المسلمين والأسلحة والإنجليز " والحقيقة التى أشهد الله عليها وألقاه بها أن المرحوم الأستاذ حسن العشماوى لم يقابل المستر كروزول " الوزير المفوض البريطانى فى مصر فى ذلك الحين " لا فى فى بيته ولا فى غير بيته .. أولا : يدعون أن الزيارة المزعومة قد حدثت فى العاشر من الليل ولم يقل لنا متى بدأت ؟ والحقيقة التى تبطل كذب القوم ان الأستاذ حسن العشماوى كان معتقلا فى السجن الحربى مع الكثيرين من إخوانه بأمر من صديقه جمال عبد الناصر .
- والحقيقة أنه كانت هناك أتصالات بين الحكومة والإخوان من ناحية والإنجليز من ناحية أخرى بخصوص الجلاء عن البلاد .. وكانت كل هذه المحادثات بالطبع تصل عبد الناصر أولا بأول وذلك بحضور كمال الدين حسين وعندما استشعر جمال عبد الناصر أن الثمرة فى سبيلها الى النضوج أراد إخراج الإخوان المسلمين من الصورة فافتعل حادث جامعة القاهرة واتخذه ذريعة لاعتقال مجموعة كبيرة من الإخوان المسلمين وكنا ضمن المعتقلين فى السجن الحربى فى أول يناير 1954 وأصدر بيانا يتهم الإخوان المسلمين بالاتصال بالإنجليز كان لقلب نظام الحكم وقلنا يا للعجب ! .. حسبنا الله ونعم الوكيل أما مسألة الأسلحة فقد أصدرت الحكومة بينا تتهمنا بمؤامرة وباتصلات كاذبة وبحيازة أسلحة للتآمر فى عزبة حسن العشماوي مع أنها أسلحة عبد الناصر نقلناها بطلب منه من مكاتب الثكنات لرفع الحرج عنه ووضعناها فى عزبة حسن العشماوى بعلم وبرأى منه " .
- ورد الأستاذ حسن التهامى على هذه الوقائع فى شهادة للتاريخ فيما نشر فى المقال بشأن اتصال بعض قيادات الإخوان المسلمين بالسفارة البريطانية فى القاهرة وذلك عام 1954 فإنه وإن كانت أمور عديدة مثل هذه الأمور فى ذلك الوقت لم تكن من مسئوليتى المباشرة أثناء عملى مع عبد الناصر فى تلك السنوات كما لم يشأ عبد الناصر منى أن أتدخل فى سياسته الداخلية بشأن الإخوان المسلمين بالذات ولعلمة بالنظرة الإيمانية الهادفة التى آليت على نفسى منذ زمن بعيد ـ قبل الثورة وبعدها ـ أن أنتهجها خطا أساسيا فى فكرى ومعاملاتى " .
- إلا أنه أمام ما نشرته المجلة ـ روزاليوسف فى عددها 2601 فى باب حوار الأسبوع تحت عنوان " هذه الحقيقة " صفحة 41 والتوجيه الصريح أن أدلى بفكرى إزاء ما نشرته المجلة فلا يسعنى إلا أن أقول بأننى سمعت عبد الناصر شخصيا يتحدث فى مبنى قيادة الثورة فى الجزيرة عن اتصال بعض الإخوان المسلمين وأن مجموعة قيادية ومن بينهم السيد حسن عشماوي ـ الذى كان كثير التردد على عبد الناصر وكان الكثير يعرفون عن صلتهما ولقاءاتهما المتكررة وقد حضرت اليه المجموعة القيادية لتخبره بأن البريطانيين يسعون للإتصال بالإخوان للتفاهم عن أوضاع داخلية أساسها كما سمعت من حديث عبد الناصر دخول الإخوان المسلمين فى محاولة للإمساك بالحكم وأن عبد الناصر قد صرح لهم بإجراء هذه الاتصالات وإبلاغه بما يتم وإحاطته علما بمخطط الإنجليز الذين يهدفون اليه وحسب علمى وما كان يعرفه كثيرون ممن حول عبد الناصر وأبلغ الإخوان عبد الناصر بنتائج هذا الإتصال ...
- وهكذا شهد شاهد من أهلها بأن الاتصالات لم تكن تجرى فى الخفاء ومن وراء ظهر نظام عبد الناصر وإنما كان يعلم بكل ما يجرى ولكنه تنكر لذلك مدعيا وملمحا باتصال الإخوان مع جهات أجنبية ..(37)
تمثيلية المنشية (التراجيديا السوداء)

كانت حادثة المنشية ومازالت أهم الأحداث الأكثر تأثيراً في تاريخ مصر فكانت من أهم محطات المواجهة بين الإخوان وعبد الناصر .
يوم السادس والعشرين من أكتوبر عام 1954 يوم لا بد أن نقف عنده طويلا ففى هذا اليوم كان قد مر على قيام الحركة 27 شهرا وعلى علاقتهم بالإخوان المسلمين وعلى تأييد الإخوان ـ أقوى الهيئات والجماعات شعبية فى مصر فى ذلك الوقت ..ولقد جاء فصل الختام الذى لم يكن مسكا سريعا كما توقع الإخوان وسندع الأحداث كشريط مصور تمر أمامأذهاننا وعيوننا لعلنا نفهم أبعاد تلك الأحداث التى جرت فى ساحة ميدان المنشية بالإسكندرية فى السادس والعشرين من أكتوبر 1954 .
فى مساء ذلك اليوم توجه جمال عبد الناصر ـ وكان رئيسا للوزراء فى ذلك الوقت ليلقى خطابا أمام جمهور كبير من المواطنين فى ساحة الميدان ليعلن اكتمال الكفاح باتفاقية الجلاء ووقعها مع الإنجليز قبل أسبوع من الحادث .. ولم تمض ثلاث دقائق حتى انطلقت رصاصات من مسدس يحمله شاب من وسط الجماهير .. ويبدو أن الرصاصات طاشت وكانت ثمانى رصاصات ـ كما اتضح هذا خلال التحقيق ـ والغريب أن جمال عبد الناصر أستأنف الحديث غير آبه بالحادث وصاح فى الجماهير : فليبق كل منكم فى مكانه .. أيها الرجال فليبق كل منكمم فى مكانه .. دمى فداء لكم .. حياتى لكم .. دمى منكم ولكم .. دمى فداء لكم .. أنا لست جبانا .. أنا أقبل الموت من أجل حريتكم .. من أجل عزتكم .. أنا جمال عبد الناصر لا أخشى الموت .. أنا جمال عبد الناصر أتكلم بعد أن حاول المغرضون الاعتداء على وعلى حياتى . . إن حياتى فداء لكم .. دمى فداء لكم .. أيها الرجال أيها الرجال .. أيها الأحرار ..ان جمال عبد الناصر ملك لمصر كلها .. وها هو جمال عبد الناصر يتكلم أنا لست جبانا أنا أستقبل الموت سعيدا من أجل حريتكم .. ومن أجل عزتكم ومن أجل كرامتكم واستمر يقول .. أيها الناس ، أيها الأحرار وحتى لو قتلونى فقد وضعت فى نفوسكم العزة فليقتلونى الآن فقد غرست فى ضمير الأمة الحرية والكرامة والعزة من أجل مصر حرية مصر .. سأعيش من أجل مصر وفى سبيل مصر سأموت .. " .
هذا ما أوردته الصحف اليومية فى اليوم التالى حول وقائع هذا الحادث وتحدثت الصحف عن وقائع ما جرى بين عبد الناصر ورفاقه قالت : وزاد فى كهربة الموقف أنه كان فى جيب جاكته جمال الأعلى قلمه الحبر وهو قلم أحمر وفى أثناء جذب جمال وتخلصه من أيدى زملائه انفتح صمام القلم الأحمر وسقط الحبر الأحمر على صدر جمال وظن من حوله أنه جرح وأن هذا دمه وعندما انتهى جمال عبد الناصر من كلمته أقبل زملاؤة عليه يبحثون عن مكان الجرح فقال لهم : إن الذى جرح قلمى الأحمر .
والشىء الغريب أن الصحف اليومية خرجت صباح اليوم التالى دون ذكر شىء عن سلاح الجريمة الذى استخدمه هذا الشاب باستثناء جريدة الاهرام التى قالت : إنه عثر فى المكان الذى يقف فيه الجانى على أربعة أظرف عيار 26 ملليمترا وأنها تختلف عن طلقات المسدس الذى ضبط مع المتهم إذ أن المسدس الذى عثر عليه مع المتهم من نوع " المشط " الذى لا يلفظ إلا ظرف الفارغة .. ثم اختفى ذكر سلاح الجريمة من جميع الصحف المصرية وكأنه " فص ملح وذاب " ونمضى مع رحلة المسدس المختفى ونقرأ هذه القصة اللطيفة !! والتى نشرتها الصحف أيضا حيث نشرت صورة عامل يدعى " خديوى آدم " عامل بناء حضر من الإسكندرية ليحضر الى جمال عبد الناصر المسدس الذى استخدمه المتهم فى جريمته وقالت الصحف * إن عامل البناء كان ضمن الموجودين فى السرادق وسقط على الارض مع الذين سقطوا عقب إطلاق الرصاص وجاءت سقطته على المسدس " وكان لا يزال ساخنا فعرف أنه المسدس المستخدم فى الجريمة وقرر أن يسلمه بنفسه للرئيس عبد الناصر .
ولما لم يكن معه نقود ليستقل وسيلة مواصلات الى القاهرة التى عاد اليها الرئيس فى اليوم التالى للجريمة فإن هذا العامل قرر أن يسافر الى العاصمة سيرا على الأقدام .. وبالفعل بدأ رحلته فجر الأربعاء 27 أكتوبر مستخدما قضبان السكة الحديد دليلا له فى المجىء الى القاهرة التى وصلها يوم الاثنين أول نوفمبر وفى خلال الطريق وبسبب أفلاسه الشديد فإنه إضطر لبيع قفطانه ليشترى بثمنه " سندوتشا " يأكله وفور وصوله الى القاهرة أتجه الى مقر قيادة الثورة وطلب مقابلة الرئيس عبد الناصر بعد أن كشف للحرس عن المسدس الذى يحمله وبالفعل استقبله عبد الناصر وعندما عرف حكايته وأنه من الأقصر تأثر وعانقه وقال له " يعيش أبناء الأقصر " وأعطاه مكافأة 100 جنيه !!
وذكرت الصحف ـ فيما يتعلق بالطرف الثانى من أركان الجريمة ـ أن الشعب قبض على الجانى وفى يده المسدس ـ هذا ما ذكرته الصحف في اليوم التالى ـ كما قبض الشعب على الجناه الذين كانوا معه والجانى أسمه محمود عبد اللطيف وهو سمكرى من امبابة ومن الإخوان المسلمين وتولت النيابة التحقيق مع المتهم فى السجن الحربى بمعسكر مصطفى كامل وجاءت التحقيقات تقول : إنه يبلغ من العمر 30 سنة ومتزوج من عشر سنوات وله ثلاثة أولاد وعضو فى الإخوان المسلمين منذ 16 سنه وكما ذكرت الصحف فى اليوم التالى للحادث أن المجرم ضبط متلبسا بإطلاق الرصاص فقد هجم عليه العسكرى إبراهيم حسن الحالاتى وهو من بوليس باب شرقى وكان يبعد عن المتهم بأربعة أمتار وفى ا لتحقيق الذى أجرى مع المتهم اعترف أنه اطلق النار ولكنه فى بادى الأمر قال : إنه أطلقه على سبيل الابتهاج باعتبار أنه محارب قديم فى فلسطين ثم عاد واعترف بأنه كان يريد اغتيال جمال عبد الناصر وأنه سبق أن حاول منذ عشرة أيام اغتيال جمال عبد الناصر فى القاهرة أثناء خطابه فى مؤتمر الموظفين بميدان الجمهورية ولكنه لم يستطع تنفيذ محاولته لأنه منع من الدخول ووقف على مسافة بعيدة من مكان الرئيس مما دعاه لتأجيل مؤامرته لفرصة ثانية وعندما سئل من الذى حرضك على هذه المحاولات ؟ قال : إن الجهاز السرى لجماعة الإخوان المسلمين دربه على إحكام إصابة الهدف فى أرض فضاء بمدينة الأوقاف بجهة إمبابة منذ أكثر من شهرين وأنه تسلم من هنداوي دوير رئيس فرع الجهاز السرى بمنطقة امبابة المسدس الذى استخدمه فى ارتكابه الحادث وكانت محاولة الاغتيال قد جرت مساء الثلاثاء 26 أكتوبر وخلال نفس الليلة تم القبض على ما يقرب من 18 الف شخص ( على حد قول جمال عبد الناصر فى أحدى خطاباته اللاحقة ) وذكر أحد الرسميين أن العدد وصل الى 24 ألف شخص خلال ليلة واحدة كما تم ضبط كميات كبيرة من الاسلحة من مختلف الأماكن وبعد أربعة أيام أعلن الصاغ صلاح سالم وزير الإرشاد القومى أن هنداوي دوير المحامى اعترف بمعلومات خطيرة عن الخطة التى وضعها الجهازالسرى لجماعة الإخوان لمحاربة الحكومة وكان محمود عبد اللطيف قد اعترف بأن هنداوى سلمه السلاح لقتل الرئيس وأن قتل عبد الناصر كان بمثابه إشارة يتبعها تنفيذ مخطط لاغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة وقتل 160 ضابطا أو خطفهم .
وبعد يومين من هذا التصريح أعلن تشكيل محكمة أطلق عليها اسم " محكمة الشعب " للنظر فى الأفعال التى تعتبر خيانه للوطن أو ضد سلامته فى الداخل والخارج وشكلت برياسة قائد الجناح جمال سالم وعضوية القائمقام أنور السادات والبكباشى حسين الشافعي وشكل مكتب ادعاء برياسة البكباشى زكريا محي الدين كماأعلن تشكيل ثلاث دوائر جديدة لمحكمة الشعب الى جانب الدائرة الرئيسية التى يرأسها جمال سالم وذلك للنظر فى القضايا العديدة التى كشفت لتحقيقات الواسعة والتى أدت الى اعتقال المئات واعترافهم ـ كما ذكرت الصحف ـ بسلسلة من المؤامرات الايجابية الخطيرة.
لقد أردنا بهذا العرض السريع لوقائع الحادث أن نرويها كما جاءت حرفيا بالصحف اليومية دون إضافة أو تعديل وقبل ان ننتقل الى ما وقع من أحداث المحاكمات التى جرت بعد ذلك لا بد أن نتوقف قليلا عند هذه الوقائع ونضعها تحت مجهر البحث التحليلى الهادىء لما سماه صلاح سالم وزير الارشاد القومى بأبعاد المؤامرة الكبرى وما حفلت به الصحف المصرية .
إن الظروف التى سبقت الحادث لا بد ان تعكس نوعا من الاستنتاج يمكن أن نستشف منه شيئا فقد اهتزت شعبية جمال عبد الناصر بسبب الخلافات داخل مجلس قيادة الثورة وازدياد حدة الخلاف بينه وبين الرئيس محمد نجيب وازدياد شعبية الأخير خاصة بعد انتهاء أزمة مارس 1954 .
ولنسمع شهادة حسن التهامي فى " شهادة للتاريخ عن حادث المنشية * يقول " . وقد شد انتباهنا أن خبيرا ـ امريكى الجنسية ـ فى الدعاية والآعلام ومن اشهر خبراء العالم وقتها فى الدعاية كان قد حضر الى مصر وكان من مقترحاته غير العادية والتى لم تتمش مع مفهومنا وقت اقتراحها هو " اختلاق محاولة لاطلاق الرصاص على عبد الناصر ونجاته منها فإن هذا الحادث بمنطق العاطفة والشعور الشعبى لتأهيله للحكم الجماهيرى العاطفى أكثر من أية حملة دعائية منظمة توصله الى القيادة الشعبية فى أقرب الطرق العاطفية .
بالنسبة لنا كان مرادفه هذا الحادث لهذه الفكرة وحدوثها بعد الاقتراح بشهور قليلة جدا مثار دهشة كنا قد فسرنا ها وقتها " توادر أفكار عجيب ومصادفة " .
وكان حسن التهامي يرد بهذه الشهادة على دعوة الاستاذ صالح أبو رقيق فى عدد سابق من هذه المجلة فى باب حوار الأسبوع تحت عنوان " رسالة " صالح أبو رقيق " قال فيها : " .. كما أن هناك شاهدا أحسبه أمينا وأتعشم أن تقوى الله التى تنزل على قلبه الآن تدعو الى أن يجلى الحقيقة فى هذا الحادث " حادث المنشية المشئوم " ويظهر الحق لعباد الله وهى شهادة أطالبه بها أمام ا لله فى الدنيا وبين يديه فى الآخرة هو السيد حسن التهامى يقول فقط من أطلق الثمان رصاصات فى الهواء الطلق ؟ "
ويقول الأستاذ عمر التلمساني .. " لقد سمعنا فى تلك الفترة أن جمال عبد الناصر استدعى أحد الخبراء الأمريكيين فى ا لدعاية لوضع خطة يكسب بها تأييد الجماهير وأشار عليه بفكرة اختلاق حادث إطلاق رصاص وهمى أما بالنسبة للمتهم وهو محمود عبد اللطيف " فقد غرر به واستخدم كطعم فى هذه التمثيلية الواضحة التى كان هدفها التخلص من جميع معارضى جمال عبد الناصر سواء الإخوان أو محمد نجيب وقد تحقق له ما خطط ورتب له وكان يبيت النية له منذ زمن والإخوان يعلمون مسيقا بما ينويه عبد الناصر " .
أما شهادة السيد حسين الشافعي عضو مجلس قيادة الثورة فى روزاليوسف * فيقول فيها : الحقائق التى رآها الناس تثبت أن الإخوان المسلمين قد أطلقوا الرصاص على عبد الناصر !! ولو كان المرحوم حسن البنا موجودا عند قيام الثورة لرحب بها وتم تعاون وثيق بين الثورة والإخوان ولكن قيادة الإخوان ـ فى ذلك الوقت ـ كانت لها رواية مختلفة لهذا لتعاون كان تصورهم أن الجيش قام بما عليه عندما أزاح الملك وانهم الوريث الشرعى للحكم " .
ونعود لأحداث تلك الأمسية من ذلك اليوم ـ 26 أكتوبر 1954 ـ ونطرح على بساط البحث هذا التضارب فى الوقائع ـ والتى طبقا لنصوص القانون أن الشبهات تفسر لصالح المتهم ـ والمتهم هنا هم جماعة الإخوان المسلمين .
لقد تضاربت روايات الصحف حول المسدس أو سلاح الجريمة الذى استخدم فى محاولة الاغتيال فقالت صحيفة : إن الشعب قبض على الجانى وفى يده المسدس . كما قبض الشعب على الجناة الذين كانوا معه بينما قالت صحف أخرى : إن المجرم ضبط متلبسا بإطلاق الرصاص فقد هجم عليه العسكرى إبراهيم حسن الحالاتى وهو من بوليس باب شرق وكان يبعد عن المتهم بأربعة أمتار .
اختفاء ذكر وجود المسدس فى الصحف المصرية فى الأيام التالية للحادث قال حسن العشماوي فى مذكراته بروز اليوسف: مع الصباح علمنا أن الذى أطلق النار هو محمود عبد اللطيف وأنه اعترف بأن محرضه هو هنداوى دوير المحامى بامبابة ـ وانا أعرف محمود عبد اللطيف منذ معركة قناة السويس عام 1951 وأعلم أنه انضم الى الجهازالسرى أيضا وأعرف مهارته فى إصابة الهدف بالمسدس على نحو غير طبيعى .. ويضيف حسن عشماوى كان يوسف طلعت رئيس الجهاز السرى يؤمن بأن حادث المنشية حادث مفتعل لم يحدث لم يحدث على هذا ا لنحو وإن قام بجانب من أدواره أشخاص فى الجهاز السرى وكان يستمد إيمانه هذا ـ كما تصورت ـ من أنه لم يكلف أحدا بالاقدام عليه وأن ا لمرحوم إبراهيم الطيب الذى يليه فى الرياسه لم يأمر به أيضا .. أيضا المسافة بين مطلق النار وموقف عبد الناصر والميل الشديد فى الاتجاه ووقوف المجنى عليه وراء حاجز وذهاب محاولة القتل وحده دون شريك يسنده بمسدس أو قنبلة ثم عدم اصابة الهدف من شخص يعرف مقدرته الفائقة ز وكان يوسف يتساءل دائما عن تفسير لأن يرسل هنداوي دوير شخصا واحدا وهو يستطيع أن يرسل من عنده عشرة أشخاص .. ولأن يرسل مسدسا واحدا بدلا من عدة مسدسات وعدة قنابل .. وقد سمعت بعد ذلك من موظف عاين مكان الحادث رسميا أن ا لحائط المواجه لإطلاق النار ليس به أثر للرصاص وأنه يعتقد أن المسدس الذى سمعت طلقاته كان محشوا بالبارود فقط دون الرصاص.
التوافق الزمنى الغريب بين إطلاق الرصاص وانسكاب القلم الحبر الاحمر على صدر جمال عبد الناصر وما أداه من إلهاب مشاعر الناس الذين رأوا اللون الاحمر على صدر جمال عبد الناصر .. وإصرار عبد الناصر علىالكلام وأنه لم يمت ـ أى انه كان واعيا تماما بما يجرى ولم يتأثر بحالة الزعر الجماعى التى أصابت الجميع فى ساحة ميدان المنشية وربما كان جمال عبد الناصر هو الوحيد الذى كان يعى ماذا يفعل .
أليس غريبا فى مثل هذه الظروف أن تجرى الأمور بعد الحادث بشكل مرتب ودقيق رغم أن هذه المحاولة تشكل حالة من الاضطراب فى كل أجهزة الدولة وقيادة الثورة ولقد قبض على الآلاف من الإخوان وصلوا فى التقديرات ما بين 18 و 24 ألف من الإخوان فى نفس الليلة !! أما تلك القصة المحبوكة والعاطفية عن ذلك العامل الذى جاء على فلنكات "السكة الحديد من الإسكندرية للقاهرة فقد قصد بها كسب المزيد من التعاطف مع عبد الناصر وقصد بها أن يذهب مواطن لعبد الناصر نفسه وليس لأحد أقسام البوليس حتى لا يقال إنه مدفوع من اجهزة الأمن لتدبير موضوع تسليم المسدس وهى قصة من تأليف البوليس على حد قول حسن العشماوي فى مذكراته .
ثم ألم تذكر الصحف اليومية أن المسدس الذى ضبط مع الجانى ظهر بعد ذلك أنه ليس من عيار الرصاص المضبوط حيث ضبط معه مسدس من نوع " المشط " وهو نوع لا يلفظ إلا الأظرف الفارغة !!
ثم هناك واقعة الرداء الواقى من الرصاص والذى يرتديه عبد الناصر فقد قال حسن التهامى فى شهادة للتاريخ .. أما بالنسبة لحادث إطلاق الرصاص على عبد الناصر فى ساحة المنشية بالإسكندرية فلم أكن معه أثناء إلقاء هذه الخطبة كما لم أصحبه فى العديد من مثل تلك المناسبات الخطابية وزياراته للمحافظات وعلمت بنبأ إطلاق الرصاص على عبد الناصر وقد كان من بين إجراءات تأمين عبد الناصر وقتها محاولة إقناعه بارتداء قميص واق من الرصاص يرتديه على صدره وكانالقميص قد ورد فعلا من أمريكا قبل الحادث ببضعة اسابيع وكان مودعا عنده فى بيته بمنشية البكرى وأرسلناه إليه فى نفس الليلة فوصله فى الصباح الباكر اعتقادا منا بأن فشل النحاولة الأولى قد يعقبه تكرار لمحاولة طالما هو مازال بالإسكندرية وعندما رآه فى الصباح وكان معه العديد من الزملاء يهنئونه على نجاته ضحك كعادته وقال “ كل شىء انتهى “ ! يقصد أن المحاولة انتهت ولا داعى للقميص “ .
ولكن هناك شاهد آخر يكذب أقوال حسن التهامي بخصوص القميص الواقى من الرصاص ـ فى مجلة الدعوة ـ كتب شوكت التونى المحامى قائلا : قام الانقلاب العسكرى عام 1952 بحجة إصلاح الفاسد من نظام الحكم وإذ بنا نرى منذ يوليو سنة 1953 الى أن انقشعت كل هذه الغمة تسلطا على كل ما هو جميل بدءوا يريقون دم العمال ليخيفوا العمال ـ نسفوا النظام الحزبى ـ نسفوا الدستور ... ثم ابتدءوا بمذبحة الإخوان المسلمين سنة 1954 . هناك جريمة كانت معدة اعدادا .. وهى جريمة واقعة المنشية كانت معدة أعدادا لكى يطاح بالإخوان المسلمين .. وحين أقول ذلك لا أقوله خيالا ولكن بالواقع فقد حدث أن وكلت وترافعت عن العقيد “ عبد الرحمن مخيون “ وكان مديرا لمكتب عبد الناصر سنة 1961 واتهم بتدبير انقلاب فإذا به يقول لى فى السجن الحربى : أنا الذى أعددت القميص الواقى لعبد الناصر وألبسته له فى مبنى البورصة فى الإسكندرية ( قبل الحفل الذى أطلق فيه الرصاص على عبد الناصر ولما تأخر القميص فى الوصول ربع ساعة تأخر الحفل ربع ساعة عن موعده وهكذا جاءت الرصاصة المزعومة فى قلب عبد الناصر فلماذا لم يمت ؟ لأنها كانت مدبرة ـ قميص واق تنشين مضبوط فلا يموت عبد الناصر !!
ان تمثيلية المنشية قد أحسن أداؤها من جمال عبد الناصر ومن حوله بعد أن وصل ترمومتر علاقته بالشعب الى درجة الصفر قبل هذاالحادث المرسوم وما جرى بعد ذلك من حملات شنها عبد الناصر على الإخوان واستغلاله لنقابات العمال التى كانت الحكومة تسيطر عليها سيطرة كاملة وأثار هذه الحملات فى تضليل أبناء الشعب المصرى لدرجة أوصلتهم لاضرام النيران فى المركز العام للإخوان المسلمين والمقار المختلفة فى شتى أنحاء البلاد ..(38)
اعتراف عبد الناصر بتشويه صورة الإخوان
يكشف الأستاذ محمد حامد أبو النصر في كتابه حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمون وعبد الناصر عن حوار بينه وبين عبد الناصر يكشف فيه كذب أحد حملات التشويه التى شنتها الحكومة ووسائل إعلامها ضد الإخوان فيقول:
- ونحن في طريقنا إلي السيارة التي كانت في انتظار الضابط عبد الناصر ، والضابط صلاح سالم أمام المنزل ، طلب إلي الضابط عبد الناصر أن أبلغ تحياته وتهنئته إلي الأخ الأستاذ حسن العشماوي المحامي ، ورجاءه في زيارته فهو مشتاق إليه ، ويرغب في رؤيته فقلت له : أليس هذا هو حسن العشماوي الذي خبأت أسلحتك وذخيرتك في عزبة والده ثم نشرت عنه في الصحف أن هذه الأسلحة ملكه ليستخدمها الإخوان ضد الحركة .. فضحك وقال : إنني عملت له دعاية تساوي اثنين مليون جنيه ..(39)
المراجع
1- مجموعة الرسائل – رسالة المؤتمر الخامس.
2- مجلة الوعي الإسلامي العدد 228
3- محمود عبد الحليم: (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) – جـ1 – صـ216.
4- جريدة المباحث القضائية – السنة السابعة – العدد 54 – صـ8 – 2ربيع الأول 1370هـ / 12 ديسمبر 1950م.
5- محمود عبد الحليم: (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) – جـ1 – صـ219.
6- جريدة روز اليوسف – السنة 23 – العدد 1035 – صـ14 – 4 جمادى الآخرة 1367هـ / 13 أبريل 1948م.
7- فان فاي: أحد المستشرقين الذين أجادوا اللغة العربية، وعمل محاضرًا بكلية التجارة جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، ثم انتقل إلى قسم النشر بالسفارة البريطانية، وكان المراقب العام لجمعية إخوان الحرية بمصر، وكان عضوًا بالمخابرات البريطانية بمصر.
8- جريدة الجمهور المصري – العدد 57 – صـ3 – 8 جمادى الأولى 1371هـ / 4 فبراير 1952م.
9- نشرة إخوان الحرية – العدد 103 – صـ6 – 30 جمادى الأولى 1363هـ / 23 مايو 1944م.
10- نشرة إخوان الحرية – العدد 191 – صـ1 – 1 ربيع الآخر 1365 هـ / 5 مارس 1944م.
11- عباس السيسى: (فى قافلة الإخوان المسلمين) – جـ1 – صـ68.
12- محمد حلمى عبد المجيد: (مختارات إسلامية) – الكتاب 128 – صـ96 – دار الطباعة والنشر الإسلامية – القاهرة – 2003م.
13- محمود عبد الحليم: (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) – جـ1 – صـ357، 358.
14- المرجع السابق
15- نشرة إخوان الحرية – العدد 103 – صـ7 – 30 جمادى الأولى 1363هـ / 23 مايو 1944م.
16- جريدة الجمهور المصري، المصدر السابق.
17- محمد حلمى عبد المجيد: (مختارات إسلامية) – الكتاب 128 – صـ96.
18- محمود عبد الحليم: (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) – جـ1 – صـ360، 361.
19- عبد الحكيم عابدين: (مذكرات غير منشورة).
20- الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م) ،محمد الصروي ص43
21- الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965م ،أحمد عبدالمجيد ص 409
22- بحث بعنوان: ضباط الثورة وصور من تعذيب الإخوان..(صلاح نصر)، إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين ،بقلم:أحمد سلامة.
23- كتاب: الإخوان المسلمون ،ريتشارد ميتشل، دراسة أكاديمية ص 154.
24- كتاب: الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م) ،محمد الصروي ص 129.
25- كتاب: مذابح الإخوان في سجون ناصر ،جابر رزق (نسخة الكترونية).
26- كتاب: الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965م ،أحمد عبد المجيد ص 97.
27- كتاب: النقط فوق الحروف ،أحمد عادل كمال (نسخة الكترونية) على إخوان ويكي.
28- لماذا أعدم سيد قطب وإخوانه (نسخة الكترونية) على إخوان ويكي.
29- كتاب الموتى يتكلمون ،سامي جوهر (نسخة الكترونية) منشور على إخوان ويكي.
30- الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م): ،محمد الصروي ص 209.
31- نفس المصدر السابق ص 228.
32- زينب الغزالي: أيام من حياتي ص19.
33- نفس المصدر السابق ص81.
34- نفس المصدر السابق ص239.
35- الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965م ،أحمد عبد المجيد ص94.
36- النقط فوق الحروف ،أحمد عادل كمال (نسخة الكترونية) منشور على إخوان ويكي.
37- الإخوان المسلمون في دائرة الحقيقة الغائبة ،إبراهيم قاعود ص53.
38- نفس المصدر السابق ص 60.
39- حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمون وعبد الناصر ، محمد حامد أبو النصر (نسخة الكترونية) منشور على إخوان ويكي