هل كان التعذيب في السجون بعلم عبد الناصر؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


هل كان التعذيب في السجون بعلم عبد الناصر؟

من كلام الشيخ القرضاوي

الرئيس جمال عبد الناصر

اعتذر بعض الناس عن عبد الناصر، وقالوا: إنه لم يكن يعلم بما يجري داخل السجون الحربية وغيرها من مآسٍ وأهوال، ونقول: إنه راعٍ، ومسؤول عن رعيته، ونحن هنا ننشد قول الشاعر العربي:

إذا كنت لا تدري، فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم!

ولو لم يكن حمزة البسيوني يعلم علم اليقين أن ظهره مسنود من عبد الناصر وقادة الثورة، ما أقدم على ما أقدم عليه من مذابح وفظائع بقلب جسور، ولسان عقور، ولو لم يعلموا فيه هذه الضراوة وهذه الوحشية، ما وضعوه في هذا الموضع، ولا كلفوه هذه المهمة.

ومن المعروف من سيرة عبد الناصر: أنه كانت ترفع إليه تقارير وافية عن سياسة مصر في جوانبها المختلفة، وأنه كان يقرأ هذه التقارير. حتى إن السادات بعد لم يكن يقرأ هذه التقارير، قائلا: إنها هي التي قتلت عبد الناصر!

ولهذا لا يتصور أن تحدث هذه الوقائع الهائلة داخل السجون الحربية، ويخر الناس فيها صرعى من التعذيب، ولا ينقل أحد إلى عبد الناصر بعض ما يجري في ملكه. وطبيعة هذا النظام أنه لا يأمن لأحد قط، ولهذا كان بعضهم يشك في بعض، وبعضهم يتجسس على بعض، فكيف يزعم زاعم أن عبد الناصر كان في غيبة أو غفلة عن الوقائع الهائلة التي تقع في السجن الحربي؟

ومن الناس من قال: إن ما حدث من تعذيب للإخوان ولغيرهم في السجن الحربي وغيره، لم يكن بإذن عبد الناصر، ولا بعلمه. إنما هو بفعل مراكز القوى التي أصبحت لها القدرة على أن تفعل ما تريد وإن لم يأتها أمر من عبد الناصر.

وأقول هنا: إن مراكز القوى -التي تحدثوا عنها بعد ذلك- لم تكن قد تكونت بعد، إنما كان تكوينها بعد ذلك بسنوات. أما في سنة 1954 فقد كان عبد الناصر هو المسيطر، وهو الطاغوت الأكبر، ولا سيما بعد انقضاضه على محمد نجيب.

ولقد حكى الثقات أنهم رأوا عبد الناصر وهو يشهد التعذيب بعيني رأسه، ويتلذذ به، كأنما يشاهد فيلما سينمائيا للتسلية والترفيه!

يقول الرائد المجاهد الصادق معروف الحضري: أشهد الله أن جمال عبد الناصر كان يحضر شخصيا إلى السجن الحربي، وكذلك جمال سالم، وعلي صبري، ليتلذذوا بالتعذيب الذي يقع على الإخوان.[2]

ويقول المستشار علي جريشة: إنه شاهد الطاغوت (ناصر) ونائبه (عامر) يشهدان صور التعذيب في غرفة حمزة البسيوني[3].

على أن القرآن الكريم يحمّل فرعون وهامان وجنودهما المسؤولية جميعا، كما قال تعالى: "إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ" (القصص: 8) ففرعون يحمل التبعة بما يصدر من أوامر، وما يولي من مناصب، وهامان بما ينفذ من تعليمات الفرعون، والجنود بما يباشرون من الإيذاء والمظالم.

وقال تعالى: "فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنْصَرُونَ" (القصص: 40-41)

فإذا كان جنود فرعون يتحملون المسؤولية؛ فكيف بفرعون نفسه؟

وقد حكوا أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه عندما أُخذ إلى السجن، ونزل به من الأذى ما نزل في فتنة خلق القرآن الشهيرة في تاريخنا، سأله سجانه يوما عن الأحاديث التي وردت في أعوان الظلمة: أهي صحيحة؟

قال له: نعم هي صحيحة.

قال السجان: فهل تراني من أعوان الظلمة؟

قال الإمام: لا، لست من أعوان الظلمة. أعوان الظلمة من يخيط له ثوبه، ومن يطهو له طعامه… إلخ. أما أنت فمن الظلمة أنفسهم!!

وقد سألني كثيرون عن رأيي في عبد الناصر، وتقويمي لشخصه، ومبادئه التي عرفت باسم (الناصرية) ومرحلة حكمه؛ فإن الناس قد ذهبوا فيه مذاهب شتى: ما بين مقدس له، ومتهم له بالعمالة والخيانة والردة.. حتى قال نزار قباني في رثائه له: "قتلناك يا آخر الأنبياء"، وأنا أحتفظ برأيي الآن، لأقوله بصراحة عند الوصول إلى أحداث سنة 1970م، وفيها مات عبد الناصر، وهناك سأقول كلمتي فيه، إن شاء الله. وأرجو أن يوفقني الله لقولة الحق بين المقدسين والمتهمين.

الحكم بالإعدام على سبعة من قادة الإخوان

يقول عبد المعز عبد الستار: في 4 ديسمبر -يوم وصولي إلى السجن الحربي- أصدرت محكمة الشعب أول أحكامها ضد الذين اشتركوا في محاولة القتل ورؤساء كل من الجهاز السري والجمعية العلنية؛ فحكم على سبعة من أعضاء مكتب الإرشاد كلهم من مستشاري الهضيبي بالسجن مدى الحياة مع الأشغال الشاقة، وهم: كمال خليفة، ومحمد خميس حميدة، وأحمد عبد العزيز عطية، وحسين كمال الدين، ومنير الدلة، وحامد أبوالنصر، وصالح أبو رقيق، كما حكم على عضوين آخرين من أعضاء المكتب بالسجن خمسة عشر عاما، وهما: عمر التلمساني، وأحمد شريت. وبرئت ساحة ثلاثة أعضاء من المكتب كلهم من أصدقاء الحكومة وهم: عبدالرحمن البنا، وعبد المعز عبد الستار، والبهي الخولي. وحكم بالإعدام بالشنق على سبعة من أعضاء الجمعية وهم: حسن الهضيبي، ومحمود عبد اللطيف، وهنداوي دوير، وإبراهيم الطيب، ويوسف طلعت، والشيخ محمد فرغلي، وعبدالقادر عودة، ثم خفف مجلس الثورة الحكم على الهضيبي إلى السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة؛ بحجة أنه ربما وقع تحت تأثير من حوله، وهو رأي يعززه "ضعف صحته وكبر سنه". ورفضت الحكومة التماسًا لعبد القادر عودة بإعادة النظر في القضية.

وفي اليوم التاسع من ديسمبر بعد وصولي إلى السجن بخمسة أيام، شعرنا داخل السجن بجو غير عادي، وكان هناك قلق وهلع لدى قيادة السجن: أن يحدث شيء من المعتقلين، ولذا شددوا القبضة أكثر من أي يوم مضى، ولم نعلم نحن ما السر وراء هذا؟ ثم علمنا أنه في هذا اليوم قُدم إلى حبل المشنقة كبار إخواننا الذين حُكم عليهم بالإعدام، ما عدا المرشد.

وفي ذلك يقول ميتشل: (وفي 9 ديسمبر نُفذت أحكام الإعدام في جو من الذهول وعدم التصديق ساد مصر، وعلى الرغم من احتجاجات العالم العربي. وقد سجل عدد من الذين حضروا الشنق كلمات المتهمين. كان عبد اللطيف ودوير يتلوان آيات من القرآن، وقد عراهما خوف شديد، وصاح الطيب مغاضبا: "لقد كانت المحاكمة مهزلة؛ إذ كان أعداؤنا قضاتنا"! أما طلعت فقد طلب في هدوء الصفح من الشيخ فرغلي الذي أحس بأنه قد خانه، ثم أضاف "عسى أن يغفر لي ولأولئك الذين أساءوا إلي". أما فرغلي فقد ظهرت عليه السكينة ولم يزد على قوله: "إني مستعد للموت وإني أرحب بلقاء الله"، وختم عودة حياته منتعشا مرفوع الرأس قائلا: "الحمد لله الذي جعلني شهيدا، ألا فليجعل دمي لعنة على رجال الثورة".[4]

ويقول د. مصطفى السباعي

قوبلت أخبار الإعدام في مصر بذهول وسكون مروع، وكانت الحكومة قد أخذت احتياطها، فعززت دوريات الجيش والحاميات العسكرية حول المدينة. أما خارج البلاد فقد قامت مظاهرات احتجاج في الأردن وسورية وباكستان، وفي دمشق وقف مصطفى السباعي بعد الصلاة على الشهداء مطالبا الجمهور أن يعاهدوه على "الانتقام للشهداء" وقد استجابوا له، وعادت العلاقات مرة أخرى بين سوريا ومصر إلى حد القطيعة.

سارت الأحداث مائعة بعد تنفيذ الإعدام، وعهد بأعمال محكمة الثورة إلى 3 محاكم فرعية يرأسها ضباط أقل رتبة، حتى إذا أغلقت المحاكم أبوابها في أوائل فبراير كان حوالي ألف من الإخوان قد قدموا إلى المحاكمة. وبلغ مجموع من حكم عليهم بالإعدام 15 خفف عنهم الحكم جميعا باستثناء الأولين، وحكم بالبراءة أو بالعقوبة مع إيقاف التنفيذ على أكثر من نصف من قدم إلى المحاكمة، كما قدم غالبية أعضاء الهيئة التأسيسية إلى المحاكمة، ولكنهم إما برئوا أو حكم عليهم بإيقاف التنفيذ، وبقي عدد لا حصر له من الإخوان الذين لم يقدموا إلى محاكمة أو الذين برئوا بعد محاكمتهم في السجون على مدى الشهور.

وجدير بالملاحظة أن من بين جميع الإخوان الذين قدموا للمحاكمة لم يكن هناك إلا 29 من القوات المسلحة، غالبهم من جنود الصف، وأن الأحكام الخفيفة نسبيا التي صدرت على معظمهم ومحاكمتهم فعلا أمام محاكم قانونية، توحي في منطوق هذا الموقف أن جريمتهم الكبرى كانت جمعهم بين عضوية الجمعية وخدمة الدولة، وأعظم من ذلك أهمية هو نتيجة محاكمتهم؛ إذ كان وجود "خلايا" في الجيش تقوم بتدبير أعمال مخربة كان ضمن الوسائل الرئيسية التي جعلت الحكومة منها محل جدل مع الهضيبي الذي دأب على نفي هذا الزعم.

على أنه صدرت أحكام لها وزن آخر على ضابطين ظلا هاربين من العدالة؛ إذ حكم على كل من أبي المكارم عبد الحي، وعبد المنعم عبد الرؤوف غيابيا بالإعدام رميا بالرصاص.[5]