شخصية جمال عبد الناصر فى رأى السادات
إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين
بقلم/ أشرف عيد
مقدمة
ترجع أهمية دراسة الجوانب السلوكية والأخلاقية للشخصيات السياسية فى التعرف على تأثير تلك الجوانب فى اتخاذ القرار السياسى، وإنعكاس تلك الأخلاق على أسلوب إدارة الدولة ، فلاشك أن الانفعال والغضب السريع وحب الذات والاعتزاز بالرأى أو الشعور بانعدام الثقة بالناس أو الغرور والإعجاب بالنفس وحب الزعامة كل هذه الأخلاق إذا وجد بعضها فى رئيس أى دولة قبل أن يتولى أمرا فلاشك أنها تؤثر فى أسلوب إدارته فى الحكم ، ولا يمكن بحال أن يتخلى عنها جملة واحدة مما يؤدى إلى اتخاذ قرارات سريعة غير مدروسة تتسم بالانفعالية والتهور تؤثر عواقبها على استقرار الدولة .ومن هنا ينبغى أن تكون شخصية الرؤساء متزنة تضع الأمور فى موضعا الصحيح ،وإذا كانت ثقة الرئيس بنفسه أكثر من الأمر الطبيعي، فإنها تدفعه إلى الدكتاتورية ،....... وهكذا. ومن هناء وقبل أن نتعرف على شخصية جمال عبد الناصر رئيس جمهورية مصر العربية ( 1954ـ1970) من خلال كتاب السادات البحث عن الذات يجب علينا أن نلقى بعض الضوء على : السادات وكتابه البحث عن الذات ، وجمال عبد الناصر فى سطور ، وعلاقة السادات بجمال عبد الناصر .
أولا : السادات وكتابه البحث عن الذات
- محمد أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية (١٩٧٠ – ١٩٨١) . ولد في ٢٥ ديسمبر ١٩١٨، في قرية ميت أبو الكوم، مركز تلا ، محافظة المنوفية ، لأسرة مكونة من ١٣ أخ وأخت, والتحق بكتاب القرية ثم انتقل إلى مدرسة الأقباط الابتدائية بطوخ دلكا ، وحصل منها على الابتدائية .
- انتقل مع أسرته إلى القاهرة عام ١٩٢٥ بعد عودة أبيه من السودان ، فقد كان والد السادات يعمل كاتبا بالمستشفى العسكري بالسودان. التحق سنة ١٩٣٦ بالكلية الحربية .
- وتخرج منها سنة ١٩٣٨ وألحق بسلاح المشاة بالإسكندرية، وفى العام نفسه (١٩٣٨) نقل إلى منقباد ، وهناك التقى بالرئيس جمال عبد الناصر، وانتقل فى أول أكتوبر عام ١٩٣٩ لسلاح الإشارة ، و قبض عليه بسبب اتصالاته بالألمان وصدر في عام ١٩٤٢ الأمر بالاستغناء عن خدمات السادات .
- اعتقل السادات بعد خلع الرتبة العسكرية عنه ثم هرب من المعتقل عام ١٩٤٤ . أثناء فترة هروبه عمل السادات تباعا على عربه لوري، كما عمل تباعا ينقل الأحجار من المراكب النيلية لاستخدامها في الرصف . وظل مختبئا حتى عام ١٩٤٥، حيث سقطت الأحكام العرفية ، وبذلك انتهى اعتقاله حسب القانون .
- عام ١٩٤٦ اتهم السادات في قضيه مقتل أمين عثمان، الذي كان يعد صديقا للانجليز ومساندا قويا لبقائهم في مصر، وبعد قضاء ٣١ شهرا بالسجن حكم عليه بالبراءة , ثم التحق بعد ذلك بالعمل الصحفي، حيث عمل بجريدة المصور ، كما مارس بعض الأعمال الحرة .
- وفى عام ١٩٥٠ عاد إلى القوات المسلحة , وانضم إلى حركة الضباط الأحرار ثانية، شارك السادات فى ثورة يوليو ١٩٥٢ وألقي بيانها، بالإذاعة .
مناصبه:
خلال الفترة ١٩٥٣ – ١٩٧٠ تولى أنور السادات العديد من المناصب :
- عام 1949 فى هذا العام انفصل عن زوجته الأولى و تقدم لخطبة السيدة جيهان صفوت رؤف وما بين الخطبة واتمام زواجه سنة 1949 عمل السادات بالاعمال الحرة مع صديقه حسن عزت.
- عام 1950 عاد السادات إلى عمله بالجيش بمساعدة زميله القديم الدكتور يوسف رشاد الطبيب الخاص بالملك فاروق.
- عام 1951 تكونت الهيئة التأسيسية للتنظيم السري في الجيش والذي عرف فيما بعد بتنظيم الضباط الأحرار فانضم السادات إليها ، وتطورت الأحداث في مصر بسرعة فائقة بين عامي 1951 - 1952 ، فألفت حكومة الوفد ( يناير 1950 - يناير 1952 ) معاهدة 1936 بعدها اندلع حريق القاهرة الشهير في يناير 1952 و أقال الملك وزارة النحاس الأخيرة.
- عام 1952 وفى ربيع هذا العام أعدت قيادة تنظيم الضباط الأحرار للثورة ، وفى 21 يوليو أرسل جمال عبد الناصر إلى أنور السادات فى مقر وحدته بالعريش يطلب إليه الحضور إلى القاهرة للمساهمة فى ثورة الجيش على الملك والإنجليز.
- قامت الثورة و أذاع أنور السادات بصوته بيان الثورة ،بعدها أسند الي السادات مهمة حمل وثيقة التنازل عن العرش إلى الملك فاروق.
- عام 1953 في هذا العام أنشأ مجلس قيادة الثورة جريدة الجمهورية وأسند إلي السادات مهمة رئاسة تحرير هذه الجريدة.
- عام 1957 انتخب عضوا بمجلس الامة عن دائرة تلا ولمدة ثلاث دورات.
- عام 1960 انتخب رئيسا لمجلس الأمة من 21-7-1960 إلي 27-9-1961، ورئيسا للأمة للفترة الثانية من 29-3-1964 إلى 12-11-1968.
- ١٩٦٩- ١٩٧٠ عين السادات نائبا لرئيس الجمهورية . عام ١٩٧٠ تولى السادات رئاسة مصر خلفا للرئيس جمال عبد الناصر .
- انتهى حكم السادات باغتياله أثناء الاحتفال بذكرى حرب ٦ أكتوبر عام ١٩٨١،ومن أبرز إنجازاته : أنه بطل نصر العاشر من رمضان 1373هـ/ السادس من أكتوبر ١٩٧٣.وأعاد الأحزاب السياسية لمصر عام ٩٧٦ بعد , فقام بتأسيس الحزب الوطني الديمقراطي .
أما حياته الاجتماعية:
فقد تزوج السادات مرتين.... المرة الأولى كانت من السيدة إقبال ماضي وأنجب منها ثلاث بنات هم : رقية, راوية, كاميليا ، وطلقها ١٩٤٩، وفى العام نفسه تزوج من السيدة جيهان رءوف صفوت (أطلق عليها بعد ذلك جيهان السادات ) ، وأنجب منها 3 بنات وولد، وهم: لبنى و نهى و جيهان و جمال.
وللسادات مؤلفات ، هى:
- ١٩٥٣م : القاعدة الشعبية
- ١٩٥٤م : صفحات مجهولة
- ١٩٥٧م : أسرار الثورة المصرية
- ١٩٦١م : قصة الثورة كاملة
- ١٩٦٣م : نحو بعث جديد
- ١٩٦٤م : معنى الاتحاد القومى
- ١٩٦٥م : يا ولدى هذا عمك جمال
- ١٩٧٠م : ٣٠ شهرا فى السجن
- ١٩٧٨م : البحث عن الذات
كتاب (البحث عن الذات):
الكتاب فى سطور : يعتبر كتاب (البحث عن الذات) سيرة ذاتية ، تناول فيه السادات حياته بداية من مولده فى قرية (ميت أبو المكرم بمحافظة المنوفية)، ويصف القرية المصرية وصفا دقيقا ،ثم يتحدث عن تعليمه والمدارس التى التحق بها ثم التحاقه بالحربية سنة 1936 وتخرجه منها سنة 1938 ثم نشاطه السياسى من أجل تحرير مصر بداية من اتصاله بالألمان أعداء الإنجليز والتى دفع ثمنها فقد عمله بالحربية واعتقاله ثم تخطيطه لقتل أمين عثمان لموالاته للانجليز وخيانته للقضية الوطنية ، وما نتج عن ذلك من القبض عليه على ذمة قضية قتل أمين عثمان سنة 1946 ، وظل فى السجن سنتين ونصف ثم اشترك فى تنظيم الضباط الأحرار وقيام الثورة ، وشاهد عن قرب الأحداث التى أعقبت الثورة والخلافات التى وقعت بينهم .
ويقع الكتاب فى عشرة فصول ووثائق ، وفى 362صفحة.
أما الفصول التى تناول فيها شخصية جمال عبد الناصر ، فقد جاءت فى أربعة فصول ، وهى :
الفصل الرابع : العمل من أجل الثورة .
الفصل الخامس :الثوار يحكمون .
الفصل السادس : عجز القوة (مصر فى حكم عبد الناصر من يوليو إلى 67) .
الفصل السابع: فترة انتقالية (الكفاح من أجل البقاء).وقد كتبه السادات بعد وفاة عبد الناصر وتوليه رئاسة الجمهورية بثمانى سنوات ، وقد استطاع أن يفكر فى الأحداث ويعيد تحليلها واقفا على نقاط القوة والضعف التى جعلها نصب عينه فى حكمه .
ترجع أهمية الكتاب إلى:
1ـ تسليطه الضوء على فترة مهمة فى تاريخ مصر بداية من نشأته حتى أواخر رئاسته، وما يهمنا منها فى موضوعنا ما يتعلق بشخصية الرئيس جمال عبد الناصر.
2ـ أن مؤلف الكتاب أحد الذين صنعوا الأحداث ، وهو خير من يرويها موضحا نشأة الحدث وأسبابه ونتائجه ونظرته لها ، وتحليله للأحداث السياسية .
3ـ أن الكتاب بصفة عامة يتسم بالموضوعية إلى حدٍ كبيرٍ ، فلا تعنى صداقته لجمال عبد الناصر وحبه له من نقده أو غيره ، وإبراز الأخطاء التى وجدت أثناء حكم عبد الناصر ، ورؤيته لها .
4ـ أن رأى السادات فى شخصية جمال عبد الناصر له أهمية كبيرة بسبب قربه من الأحداث ومشاركته فيها وعلاقته بجمال عبد الناصر ومدى حبه له .ولعلك عندما تقرأ الكتاب تعيد النظر فى بيت الشاعر:
عين الرضا عن كل عيب كليلة
- وعين السخط تبدى المساوئا
فالسادات لم يفرط ـ لقربه وحبه لعبد الناصر ـ فى تمجيده ، بل انتقده بموضوعية ؛ لأن من يقرأ الكتاب يفهم شخصية السادات الذى أحب مصر أكثر من حبه لعبدالناصر الذى سمى أحد أبنائه على اسمه ، بل إنه أحب مصر أكثر من حبه لأولاده ، وقد دفعه ذلك الحب إلى أن يتعرض لفقد عمله فى الحربية واعتقاله ثم سجنه ، ومحنا كثيرة تعرض لها بسبب حبه لمصر .
5ـ الكتاب يوضح شخصية السادات وأثرها فيما بعد فى الأحداث التى صنعها فى فترة رئاسته ، ويستطيع من خلال قراءته للكتاب معرفة بشخصية السادات، وتفسير الأزمة التى حدثت فى مصر قبيل اغتياله .
إن المحن التى تعرض لها السادات جعلته يحرص على التخلص منها فى فترة حكمه ، فتجده كثيرا يتحدث عن كرامة الإنسان المصرى وتصفية مراكز القوى ، ومصر التى ظلت فى كيان السادات فوق الجميع ومصلحتها أحب إليه من أغلى شىء فى الحياة .
وإن كان الكثير لا يتفقون مع سياسته فى الفترة الأخيرة من حكمه ، ويرون أنه أخطأ فيها ، وما كان يجب عليه أن يفعل كذا وكذا ...وأخطأ فى ....فكل ذلك أمر طبيعى أن يخطىء ويصيب ، ، فإنه قد انطلق من حبه لمصر من منطلق وطنى ، وكان يعتقد اعتقادا جازما بأن ما يفعله يصب فى مصلحة مصر التى ملكت حياته .
ثانياً: جمال عبد الناصر رئيس جمهورية مصر العربية (1954ـ 1970)
- هو جمال عبد الناصر حسين سلطان على عبد النبي ، ولد بالإسكندرية فى 15 يناير 1918 ، انتقل أبوه من قريته بني مر بمحافظة أسيوط ؛ ليعمل وكيلا لمكتب بريد باكوس بالإسكندرية . التحق بالكلية الحربية ، وتخرج منها عام (1357هـ / 1938) ثم التحق بالكتيبة الثالثة بنادق، وتم نقل إلى "منقباد" بأسيوط ؛ حيث التقى بأنور السادات وزكريا محيي الدين.
- وفي سنة (1358هـ / 1939) تم نقله إلى الإسكندرية، وهناك تعرف على عبد الحكيم عامر ، وفي عام 1942 تم نقله إلى معسكر العلمين، ثم نُقل إلى السودان ومعه عامر . وعندما عاد من السودان تم تعيينه مدرسا بالكلية الحربية، والتحق بكلية أركان الحرب.وفي 29 يونيو 1944 تزوج جمال عبد الناصر من تحية محمد كاظم ، وأنجب ابنتيه هدى ومنى وثلاثة أبناء هم خالد وعبد الحكيم وعبد الحميد.
- اشترك فى حرب فلسطين 1948، وكان ضمن المحاصرين وفرقته فى الفالوجا أكثر من أربعة أشهر، عاد بعد أن رأى بعينه الموت يحصد أرواح جنوده وزملائه، وقاتلوا بفدائية نادرة وبطولة فريدة ؛ حتى تم رفع الحصار في جمادى الآخرة 1368 هـ / مارس 1949.
- اشترك مع زملائه الضباط الأحرار في ثورة 23 يوليو 1952 ، تولى رئيسا للجمهورية في (17 ربيع الأول 1374 هـ / 14 نوفمبر 1954).
- واستطاع أن يعقد اتفاقية مع بريطانيا لجلاء قواتها عن مصر وذلك في 19 أكتوبر 1954، وذلك بعد أن اتفقت مصر وبريطانيا على أن يتم منح السودان الاستقلال.
- قام بتأميم قناة السويس سنة 1956، وكان من أثر ذلك العدوان الثلاثى على مصر من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل ، وتوغلت إسرائيل داخل سيناء ، وكان من شروط الانسحاب إعطاء إسرائيل حرية الملاحة فى خليج العقبة .
- في العام 1958 أقام وحدة مع سوريا، وسميت بالجمهورية العربية المتحدة، إلا أن هذه الوحدة لم تدم طويلاً، حيث حدث انقلاب في سوريا في سبتمبر من سنة 1961 أدى إلى إعلان الانفصال .
- كما ساند عبد الناصر الثورة العسكرية في اليمن بسنة 1962 حيث أرسل عبد الناصر نحو 70 ألف جندي مصري إلى اليمن لمقاومة النظام الملكي ، ولم يعودوا إلى مصر إلا بعد هزيمة مصر فى 1967، ففى 5 يونيو 1967 قصف سلاح الطيران الإسرائيلي جميع المطارات العسكرية لدول الطوق واستطاع تدمير سلاح الطيران المصري على الأرض ، وقتل آلاف من الجنود المصريين في انسحاب الجيش غير المخطط له من سيناء والذي أصدره قائد الجيش عبد الحكيم عامر ، مما أدى إلى سقوط شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان في يد إسرائيل في غضون ستة أيام.
- ي عام 1968 خرجت مظاهرات في الجامعات المصرية تطالب بمحاسبة المسئولين عن النكسة. وتوفى في 28 سبتمبر 1970 عن عمر 52 عاما بعد 18 عاماً قضاها في رئاسة مصر، ليتولى الحكم من بعده نائبه محمد أنور السادات.
ثالثاً: جمال عبد الناصر وسماته الشخصية في رأي السادات
يعتبر السادات من أكثر المحيطين بعبد الناصر ملازمة وحبا له ، ولم يحدث بينهما أى صدام مثلما حدث مع غيره ، وقد شاهد السادات كثيرا من الأحداث والمواقف التى تضيف معلومات جديدة تساعدنا فى فهم تاريخ مصر فى عهد عبد الناصر نقتصر منها على الجانب الأخلاقى والنفسى والصحى ، وأثره فى قرارات عبد الناصر السياسة التى أشار إليها السادات فى كثير من المواقف ..
جمال عبد الناصر انطوائي
بدأت علاقة السادات بعبد الناصر وعمره تسعة عشر عاما فى مرحلة الشباب ، وقد تميزت شخصية عبد الناصر فى هذه الفترة كما يوضح السادات بالجدية فى الأمر ، لا يميل إلى الضحك ، منطويا ، معتزا بنفسه. يقول السادات عن شخصية عبد الناصر خلال فترة وجودهما فى منقباد "وكان انطباعى عنه أنه شاب جاد لا يميل إلى المزاح مثل غيره من الزملاء ولا يقبل أن يضاحكه أى إنسان ؛ لأنه كان يرى هذا مساسا بكرامته مما جعل أغلب الزملاء يبتعدون عنه، بل ويتحاشون الكلام معه حتى لا يسىء فهمهم ..كان ينصت إلى مناقشاتنا باهتمام ، ولكنه لا يتكلم إلا فى القليل النادر ، وقد توسمت فيه الجدية لأول وهلة ، وكنت تواقا إلى التعرف عليه ..ولكنه كان من الواضح أنه يقيم بينه وبين غيره حاجزا من الصعب اجتيازه .. فقد كان منطويا على نفسه بشكل يلفت النظر ، ولذلك فإن ما قام بيننا ـ فى تلك المرحلة ـ لم يخرج من نطاق الاحترام المتبادل ، ولكن عن بعد(4)
ويقول د . أكرم عثمان عن الانطواء: ويعتبر الانطواء من أهم المشكلات التي يعاني منها المراهق ، والتي تظهره بأنه منعزل عن أصدقائه ورفاقه ، خجول ضعيف الاتصال بالآخرين ، لا يشعر بالارتياح الداخلي ، فهو يعاني من ضعف في التوافق النفسي والاجتماعي ، ويفتقر إلى الشعور بالانتماء والانضمام للجماعة ، ومن صفات الانطوائي:
يتأمل ذاته ، يتسم بالحساسية الزائدة ، يحب العزلة والانفراد بنفسه ، يكبت انفعالاته ومشاعره ، يشعر بالذنب ، يصعب عليه تكوين صداقات ، يبتعد عن مخالطة الآخرين مخافة الاستهزاء والسخرية به ، ضميره حي ، ينشغل بآلام الآخرين وهمومهم ، يخضع لرغبات الآخرين وسلطتهم ، مخلص في صداقته المحدودة ، يصادق الأصغر منه ، أو ممن يتشابه معهم في تصرفاته وسلوكه ، ضعيف الثقة بالنفس .
ولعل من أثر الانطواء و الشك الذيْن لازما عبد الناصر فى حياته أنه كان لا يصادق أحدا ، يقول السادات : فلم يكن من السهل على عبد الناصر أن ينشىء علاقة صداقة بمعنى الكلمة مع أى إنسان وهو المتشكك دائما ـالحذر ـ الملىء بالمرارة ..العصبى المزاج . لا أقصد بهذا تجريد عبد الناصر فى اختياره لى من عامل الوفاء ولكننى أضيف إلى هذا عاملا آخر وهو الذكاء
الشك فى كل من حوله حتى أقرب الناس إليه إلى أن يثبت العكس
يقول السادات : لم أكن قد عرفت بعد كل جوانب شخصية عبد الناصر .. فقد كان حبى له يحجب الحقيقة عن عينى ، ثم إنه من المعتاد أن نحكم على غيرنا بما جبلنا عليه من طبائع وخصال ..أنا مثلا أثق فى كل إنسان إلى أن يثبت العكس ، أما عبد الناصر فقد اكتشفت فيما بعد أنه يشك فى كل إنسان وفى كل شىء إلى أن يثبت العكس ،وفى ظروف حياتنا المعقدة هذه قليلا ما يثبت العكس . أنا أكتب هذا الكلام الآن بعد تجارب سنوات وسنوات ،أما فى تلك المرحلة المبكرة فلم يكن من السهل على أن أتقبل أو أتصور أن يشك جمال فىّ وأنا الوحيد الذى لم يدخل معه معركة أويطلب شيئا لنفسه.
وقد استطاع السادات تحليل شخصية جمال عبد الناصر ، ولعل فهم تلك الجوانب فى شخصيته توضح لنا جانبا من سياسة عبد الناصر ، ولعلنا نسترشد بتفسير الطب النفسى للشك كى نحاول فهم شخصية عبد الناصر وأثرها فى الحكم .
أما عن أثر الشك فى حياة الإنسان ، يقول د . فائق الزغاري - استشاري الطب النفسي فى موقع : (الصحة ) حول الشك المرضي - هوس التشكك Doubting mania:
الشك من الناحية اللغوية يعني الارتياب حول صدق وأمانة الآخرين, والشك من الظواهر الشائعة بين الناس, وإن كان الكثير لا يفصحون عنها. ويمكن تقسيم الشك إلى ثلاث أنواع:
الأول : الشك العادي المقبول: كل شخص يحتاج إلى درجه بسيطة من الشك لحمايته من الوقوع في بعض الأخطاء والتأكد والتيقن من الأمور قبل الإقدام عليها خاصة إذا كانت مبنية على خبرات سابقه أو توقعات اكتسبت من خبرات الآخرين. وكما قال ديكارت الفيلسوف الفرنسي"أنا اشك إذا أنا أفكر, أنا أفكر إذا أنا موجود" فالشك في هذه الحالة هو لحظه مؤقتة ننتقل بعدها للحقيقة أو نتوصل إليها.
الثاني: الشك الملازم لشخصية الإنسان: ويكون سمة من السمات الشخصية : الشخص الذي يتصف بهذه السمة يجد صعوبة كبيرة في التواصل الاجتماعي مع الناس حتى أقرب الناس إليه في كثير من الحالات. وتتسم الشخصية الارتيابية (الشكاكة) بالعلامات التالية:
1ـ الشك بدون دليل مقنع بأن الآخرين يستغلونه أو يريدون له الأذى أو يخدعونه.
2ـ شكوك مسيطرة في ولاء أو إمكانية الثقة بالأصدقاء والزملاء.
3ـ التردد كثيرا في إطلاع الآخرين على أسراره خوفا من أن تستغل يوما ما ضده بشكل أو بآخر.
4ـ تفسير الأحداث بأنه يقصد منها شيئا أو أن ورائها نوايا خبيثة.
5ـ الحقد المستديم وعدم القدرة على الصفح والغفران.
6ـ يرى في أي شيء يحدث من حوله تعديا عليه أو إساءة له.
7ـ إن هذا التوجه في التفكير والانفعالات والسلوك يشمل جميع نواحي الحياة وكل الناس دون استثناء .
الثالث: الشك المرضي: وفيه يعاني الفرد من أوهام اضطهادية يعتقد من خلالها أن الآخرين يريدون إيذاءه وان هناك مكائد ومؤامرات تحاك ضده , وهذا الشك لا ينمو مع المرء منذ صغره ولا يشمل جميع الناس وجميع جوانب الحياة بل يركز على فكرة معينة تصل إلى درجه الاعتقاد الجازم, وهذه الفكرة أو الاعتقاد يسيطر على المريض إلى درجة إنها تصبح شغله الشاغل ويصبح همه دعمها بالأدلة وجمع البراهين ، ورغم عدم وجود دليل كافي على هذا الاعتقاد فانه لا يمكن لأي شخص إقناع المريض بأن هذا الاعتقاد غير صائب ، وعادة ما يقوم المريض بالتصرف بناء على اعتقاده الخاطئ .
ومن خلال معرفة أنواع الشك السابقة يتضح أن الشك الأول طبيعي للإنسان السوي ، وأن النوع الثانى والثالث مرضى يترتب عليه آثار سلبية للإنسان ،و تكون تصرفات مرضية تحتاج للعلاج .
أثر الشك على قرارات عبد الناصر:
1ـ انشغاله بأمنه الشخصي فوق كل شىء :
يتناول السادات أثر الشك عند جما ل عبد الناصر ، فيقول عنه :" فقد كان بطبعه كثير الشك ..ولذلك انشغل بأمنه عن الرؤية البعيدة وعن أهم وأثمن ما فى الوجود وهو الإنسان ..وليت الأمر توقف عند هذا الحد..ففى غمرة شكوكه وانشغاله بأمنه تحددت آفاق الإنسان المصرى وأبعاده ..وهكذا حدثت فى مصر للأسف أخطاء جسيمة ضد أخطر وأهم ما كان يجب أن نحرص عليه .. وهو آدمية الإنسان وإنسانيته ..".
2ـ اعتبار نقد الحكم ثورة ضده ، وتنكيله بالإخوان المسلمين سنة 1965 م لأوهام الشك عنده:
وقد بلغ الشك بعبد الناصر إلى اعتبار كل من ينتقد الحكم يعد لثورة ضده ، وراح ضحية ذلك التصور الخاطىء آلاف من الإخوان المسلمين ، يقول السادات عن اتهام الإخوان سنة 1965 بعمل تنظيم لقلب نظام الحكم والتخلص من عبد الناصر :" ولكن كان من الطبيعي بعد فشل الوحدة مع سوريا أن يتكلم الناس ، وأن يتناول بعضهم نظام الحكم بالنقد .... تماما كما حدث بعد سنة 1965بالنسبة للإخوان المسلمين الذين هُيىء للسلطة الحاكمة فى ذات الوقت بأنهم يتآمرون ليقوموا بالثورة المضادة ، وقد ذهب ضحية هذا التصور الكثير ممن يحصون بالألوف ،وصدرت ضد الكثير منهم أحكاما وظل الجميع فى المعتقلات والسجون إلى أن صفيت أنا العملية كلها ، فأغلقت المعتقلات كلها مباشرة ".
وفى موضع آخر يقول السادات : وكالعادة فقد كان عبد الناصر يعتبر أن أى احتجاج أو اعتراض أو نقد أو حتى محاولة لتقصى الحقائق و مناقشتها أو مجرد التنفيس عما بالصدور ثورة مضادة ..ولابد من إجراءات لمواجهتها .. ولذلك فإنه بعد عملية الإخوان كان لابد فى نظره من إجراء مضاد.
ترى بعد هذا دليل على جناية عبد الناصر ضد الإخوان وشعب مصر ؟!
لقد دفعت الشكوك عبد الناصر إلى اختلاق محاولة الإخوان لاغتياله سنة 1954 و1965 و جسامة الجرائم التى ارتكبها ضد الإخوان ، خاصة أن السادات كان أحد أعضاء محكمة الشعب التى حاكمت الإخوان سنة 1954 الذى يوضح غياب سلطة القانون فى عهد عبد الناصر.
فبأى قانون تم محاكمة الأخوان سنة 1954 و1965، خاصة أن السادات عضو محكمة الشعب يقر بعدم وجود قانون فى فترة حكم عبد الناصر، حيث يقول: عن المحامين الذين يترافعون عنه سنة 1946 فى قضية قتل أمين عثمان :" فقد كان الذين يترافعون عنا من أكبر محامى مصر ..وكان الواحد يتقاضى عن القضية الواحدة آلاف الجنيهات ،ولكن للأسف لم يكن هذا حالهم فى العشرين سنة الأولى للثورة بعد أن عطلت سيادة القانون ، فلم يصبح هناك أى مجال للمحاماة أو القضاء..وأفلس الكثير من المحامين أو كادوا."
ومن خلال ما ذكره السادات نستطيع فهم إقدام عبد الناصر على اعتقال الآلاف من الإخوان سواء فى 1954 و1965 لأسباب:-
الأول: الشك الذى سيطر على عبد الناصر ، جعله يفقد الثقة فيمن حوله ، وكما يقول أستاتذة الطب النفسى أن من سمات الشخص الشاك : أنه يرى في أي شيء يحدث من حوله تعديا عليه أو إساءة له.و الشك بدون دليل مقنع بأن الآخرين يستغلونه أو يريدون له الأذى أو يخدعونه. و شكوك مسيطرة في ولاء أو إمكانية الثقة بالأصدقاء والزملاء.
فإذا كان عبد الناصر يشك فى كل من حوله حتى أعز أصدقائه السادات كان يشك فيه ، يقول السادات : فقد اكتشفت فيما بعد أنه يشك فى كل إنسان وفى كل شىء إلى أن يثبت العكس.... فلم يكن من السهل على أن أتقبل أو أتصور أن يشك جمال فىّ وأنا الوحيد الذى لم يدخل معه معركة أو يطلب شيئا لنفسه.
إن عبد الناصر فقد الثقة فى كل من حوله، حتى أعز أصدقائه السادات ، فكيف يحسن الظن بالإخوان المسلمين خصومه فى الرأى ؟! إضافة إلى أنه كان عنيفا فى خصومته، يقول السادات : وكان عبد الناصر عنيفا فى خصوماته لا يعرف لها حدا.
ومن هنا فإن أى مخالفة فى الرأى يشك عبد الناصر فيها أنها ثورة ضده إلى أن يثبت العكس ، بعد أن يكون ذهب ضحية تلك الشكوك الآلاف من الإخوان المسلمين فى المعتقلات والسجون فى دولة غاب فيها سلطة القانون على حد تعبير السادات .
الثانى: أن عبد الناصر كان يصغى إلى آراء المحيطين به ، وكانوا كثيري الحقد عليه . يقول السادات : فقد كان عبد الناصر يؤمن بالتقارير ويميل بطبعه إلى الإصغاء للقيل والقال.
وفى موضع آخر يوضح أن المحيطين به ليسوا شرفاء فى نصحهم ، ويدركون نفسية عبد الناصر فيلبون رغباته النفسية ، يقول : ولكن هكذا كان عبد الناصر .. تختلط عليه الأمور ويفقد البصيرة وخاصة ؛ لأنه كان يتأثر جدا بتحليلات المحيطين به والذين لم يكونوا شرفاء فى تقديم النصح له ، فقد كان كل همهم أن يضخموا ذات عبد الناصر حتى تبقى لهم مناصبهم ونفوذهم.
الثالث : أن حالة البلاد كان يرثى لها سنة 1965، فيبدو أنه أحب أن يشغل الرأى العام بموضوع آخر حتى لا يلتفتون إلى سوء الأحوال فى البلاد ، يقول السادات: فى سنة 1965 كانت حالة البلاد الداخلية قد وصلت إلى مرحلة يرثى لها .
ولعل من يقرأ تلك المعلومات التى يقدمها السادات عن شخصية عبد الناصر لا يحتاج إلى تقديم الأدلة التى تبرىء الإخوان من محاولة اغتيال عبد الناصر ، فكلام السادات ـ خصم الإخوان كما أوضحنا ـ أكبر دليل على جناية عبدالناصر فى حق الإخوان وشعب مصر .
عدم استطاعته تكوين صداقات
يقول السادات :فلم يكن من السهل على عبد الناصر أن ينشىء علاقة صداقة بمعنى الكلمة مع أى إنسان وهو المتشكك دائما ـ الحذر ـ الملىء بالمرارة ..العصبى المزاج . لا أقصد بهذا تجريد عبد الناصر فى اختياره لى من عامل الوفاء ولكننى أضيف إلى هذا عاملا آخر وهو الذكاء.
شخصية عبد الناصر غامضة حتى عن أقرب الناس منه
يقول السادات : " ففى الثمانى عشرة سنة التى لازمته فيها : كانت هناك أوقات لا أستطيع فيها أن أفهمه أو أن أقر بعض تصرفاته ومع ذلك كانت مشاعرى نحوه هى نفس المشاعر الحب والحب وحده ..وقد تساءل البعض فى حيرة كيف قضيت هذه الفترة الطويلة مع عبد الناصر من غير أن يقع بيننا ما وقع بينه وبين بقية زملاءه مثلما تساءل صحفى أجنبى فى لندن قائلا إما إننى لا أساوى شيئا على الإطلاق ، وإما أنى كنت خبيثا غاية الخبث بحيث تحاشيت الصراع معه : وبقيت أنا الرجل الوحيد من رجال الثورة الذى لم يمسه سوء ، بل العكس عندما فارق عبد الناصر الحياة كنت أنا نائب رئيس الجمهورية الوحيد .. وإن دل هذا التساؤل الساذج على شىء ، فإنما يدل على جهل أصحابه بطبيعتى فلا أنا كنت عديم الثقة أثناء حياة عبد الناصر ولا كنت خبيثا فى حياتى قط ..كل ما الأمر أنى وعبد الناصر تصادقنا ونحن فى سن التاسعة عشرة ثم جاءت الثورة وأصبح هو رئيسا لجمهورية مصر .. فقلت فى نفسى أهلا وسهلا ..صديقى الذى أثق فيه قد صار رئيس جمهورية ، وهذا شىء يسعدنى ونفس الإحساس شعرت به عندما أصبح عبد الناصر زعيما للأمة العربية وبنى حوله هالة كبيرة ..أحيانا كنا نختلف وتحدث بيننا جفوة قد تستمر شهرين أو أكثر يرجع السبب فيها ربما إلى اختلافنا فى الرأى أو إلى دس بعض من لهم تأثير عليه ممن حوله ، فقد كان عبد الناصر يؤمن بالتقارير ويميل بطبعه إلى الإصغاء للقيل والقال ولكن أيا كان الأمر فلم يحدث مرة واحدة أن وضعت نفسى موضع الدفاع ، فليس فمن طبعى أن أفعل هذا بالنسبة لعبد الناصر أو لغيره من الناس . طبعا كانت تنتهى الجفوة مهما طالت عندما يتصل بى تليفونيا ويسأل أين كنت طوال هذه الأيام ولماذا لم أتصل به ؟وكنت أجيب بأنه كان لابد مشغولا ، ولذلك فضلت أن أتركه لمشغولياته ..ثم نلتقى وكأن شيئا لم يكن.
ديكتاتورية عبد الناصر
يقول السادات : فى سنة 1965 كانت حالة البلاد الداخلية قد وصلت إلى مرحلة يرثى لها فعلى صبرى كرئيس للوزراء لا يتخذ قرارا فى أى شىء ..لأنه بطبعه كان يخشى المسئولية وربما وقع اختيار عبد الناصر عليه لذلك...فعبد الناصر بطبيعته الديكتاتورية كان يطلب من رئيس وزرائه أن يكون مجرد مدير مكتب ينفذ أوامره وحسب ... وهكذا كان علي صبري .
عبد الناصر مليء بالتناقضات ،كثير الانفعال ،عنيفاً فى خصوماته لا يعرف لها حداً
فلم يكن من السهل أن تزول الغشاوة عن عينى عبد الناصر وداخله مليء بتناقضات لا يعلمها إلا الله .. يحتم على واجبى كصديق ألا أكشفها أو أفصح عنها، ولكنها كانت موجودة .. عبد الناصر مات دون أن يستمتع بحياته كما يستمتع الآخرون ، فقد قضاها كلها بين انفعال وانفعال .. القلق يأكله أكلا فقد كان يفترض الشك فى كل إنسان مسبقا ..وكانت النتيجة الطبيعة لكل هذا أن خلف عبد الناصر وراءه تركة رهيبة من الحقد سواء بين زملائه أقرب الناس إليه أو داخل البلد نفسها بجميع طبقاتها.
والتناقض بين القول والفعل من الصفات السيئة التى نهانا الله عنها فى سورة الصف بقوله تعالى " ياأيها الذين آمنوا لمَ تقولون مالا تفعلون ".وفضلا عن الناحية الشرعية ،فإن فالتناقض بين القول والفعل يفقد الإنسان شخصيته أمام الآخرين ، أما إذا كان رئيس الدولة يتصف بالتناقض فى تصرفاته ، فإن شعبه يفقد الثقة فيه ، إن كان يدرك ذلك من رئيسه .
ويقدم السادات موقفا يدل على ذلك ، فيقول السادات عن حالة مصر الخارجية سنة 1966 : أما من الناحية الخارجية فقد كنا فى حالة مواجه كاملة مع أمريكا وكان عبد الناصر عنيفا فى خصوماته لا يعرف لها حدا فاندفع فى هذه الخصومة إلى نقطة اللاعودة معتمدا على مساندة السوفيت له ، ولكن حدث فى هذه الأثناء أن وجهت الحكومة الأمريكية الدعوة إلىّ لزيارة أمريكا بصفتى رئيسا لمجلس الأمة رغبة منهم فى أن يحققوا شيئا من الهدنة أو التقارب ..رحب عبد الناصر بالفكرة وبدأ يشعر أنه أخطأ فى حق الأمريكان أكثر من اللازم عندما وجه الكلام إلى أمريكا فى إحدى خطبه قائلا :"فلتشرب من البحر الأبيض ، وإذا كان هذا لا يكفيها فهناك البحر الأحمر .."فقبلت الدعوة وسافرت مع زوجتى إلى أمريكا ......ولكن فى عشاء رسمى أقامه هاريمان أكبر مستشارى الرئيس الأمريكى فاجأتنى صحفية أمريكية بسؤال لم يكن يخطر على بالى ...قالت وفى يدها إحدى الصحف : ما رأيك فى هذا التصريح ؟ قلت :أى تصريح ؟ فقرأت من الصحيفة التى معها تصريحا لعبد الناصر يهاجم فيه أمريكا بأعنف الألفاظ ، قلت لها وقد وجمت : ليس عندى أى تعليق ..وتساءلت فى نفسى لماذا يفعل عبد الناصر ما فعله بعد أن اتفقنا على أن نبذل مجهودا لتحسين العلاقات ، وبعد تشجيعه لى على إتمام الزيارة ؟إذا كان هذا قصده فلماذا وافق على الزيارة أصلا ..؟أمور غريبة لا يمكن فهمها أو تبريرها .
تخبط عبد الناصر فى سياسته مع أمريكا بعد بناء على رأى المحيطين به 1956 .يشير السادات إلى دور أمريكا فى إنهاء العدوان الثلاثى على مصر ثم أراد الإتحاد السوفيتي أن يجمل صورته فأنذر الدول الثلاثة بالانسحاب ،وبعد أن انتهى العدوان فإذا بعبد الناصر يشيد بالإنذار الروسى ويتجاهل القرار الأمريكى الذى أنهى المعركة ،وليس إنذار الإتحاد السوفيتي ،وكان يجب عليه أن يستغل هذا الموقف فى توطيد العلاقة بين مصر وأمريكا ثم يعلق على ذلك بقوله :
ولكن هكذا كان عبد الناصر .. تختلط عليه الأمور ويفقد البصيرة وخاصة لأنه كان يتأثر جدا بتحليلات المحيطين به والذين لو يكونوا شرفاء فى تقديم النصح له ، فقد كان كل همهم أن يضخموا ذات عبد الناصر حتى تبقى لهم مناصبهم ونفوذهم .
والانفعال له أثره السيىء على الصحة وتصرفات الفرد وعلاقته الاجتماعية ، وخاصة إذا كان فى موقع المسئولية فإن القلق والغضب والانفعال يؤثر فيها بدرجة كبيرة ، ولعل السادات قد استطاع بمهارة تحليل شخصية جمال عبد الناصر ، ويتفق ما توصل إليه مع التحليل النفسى للقلق والغضب والانفعال .
يشير علماء النفس إلى الأعراض التى ذكرها السادات بأن الغضب وسرعة الانفعال يتصدر قائمة العوامل المسببة للاضطرابات النفسية والتشوش الذهني وإهدار طاقات الناس النفسية والبدنية ، وهو أيضاً من أهم أسباب اختلال التوافق واللياقة النفسية والاجتماعية , وهناك حقيقة لا تقبل الجدل تقول لا ينال العلا من كان طبعه الغضب ، فالغضب لا يفرز إلا الضغينة والحقد ، ويتفق معظم علماء النفس على أن الغضب ضرورة لحماية النفس من عدوان العالم الخارجي ، ولكن عندما يصبح الفرد سهل الاستثارة يغضب لأتفه الأسباب وتزداد حدة انفعالاته لفترات طويلة فانه سوف يعانى من أعراض التوتر المستمر والقلق المزمن وضعف التركيز والإعياء الذهني و البدني وفقد الرغبة فى الاستمتاع بالحياة ، مع بعض الأعراض الاكتئابيه .
والغضب يصيب الفرد بمرض أو أكثر من تلك المجموعة المسماة بالأمراض النفس- جسمية مثل قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية والقولون العصبي والصداع العصبي المزمن .. الخ , ويعبر البعض عن ذلك بأن الغضب إذا لم يخرج فسوف يستقر فى أحشائك .
والقلق : هو حالة نفسية وفسيولوجية تتركب من تتضافر عناصر إدراكية، وجسدية، وسلوكية. لخلق شعور غير سار يرتبط عادة بعدم الارتياح، والخوف، أو التردد.
ويعتبر القلق رد فعل طبيعي للضغط. وهو قد يساعد أي شخص للتعامل مع الأوضاع الصعبة، وعندما يصبح القلق مفرطا، فإنه قد يندرج تحت تصنيف اضطرابات القلق.
يمكن أن يكون القلق مصحوبا لآثار جسدية مثل خفقان القلب، التعب، الغثيان، ألم في الصدر، ضيق في التنفس، آلام في المعدة، أو الصداع. جسديا، وبستعد جسد الكائن الحي للتعامل مع هذا التهديد. يزيد ضغط الدم ومعدل ضربات القلب ويزيد التعرق، يزيد تدفق الدم إلى مجموعات العضلات الرئيسية، وتثبط وظائف النظام الهضمي والمناعة.يمكن أن تشمل العلامات الخارجية القلق الجلد شاحب، والعرق والارتعاش، واتساع حدقة العين. وقد يواجه أيضا الشخص الذي يعاني من القلق الإحساس بالفزع أو الذعر .
من آثار الانفعال والقلق لعبد الناصر على المجتمع المصرى :
يوضح السادات أثر تركة الحقد التى خلفها عبد الناصر وهى لاشك من الآثار الجانبية للقلق والتوتر والانفعال الذى سيطر على عبد الناصر ، يقول: ففى الثمانية عشر عاما السابقة على رئاستى للجمهورية حاولوا أن يجعلوا من مصر مجتمع حقد وقوة فقط ، ولكن التجربة فشلت 100% لأنها لا تتلاءم مع تكويننا أو طبعنا ..وليت الأمر اقتصر على هذا .. فأقبح ما واجهته لم يكن الوضع الاقتصادى المنهار ولا العسكرى المهين ..بل جبل الحقد الذى نشأ عن محاولة بناء مجتمع القوة ...ففى هذه المجتمعات كما قلت تنعدم قيم الإنسانية و مع إنعدامها يصبح الشغل الشاغل الوحيد لكل فرد فى المجتمع أن ينال أكبر قسط من النجاح الخارجى ( الكسب أو الجاه والقوة المادية ) بحق أو بدون حق ومهما كلفه هذا من ثمن ولو كان القضاء على الآخرين .
وفى موضع آخر يقول : بانتهاء الخمسينات ودخول الستينيات بدأت الثورة فترة المعاناة والآلام والهزائم والنكسات والأخطاء البشعة من جانبا ..وكما أقول دائما ـ كم كانت ـ ثورة 23 يوليو عملاقة فى انجازاتها فى الخمسينيات فإنها كانت عملاقة فى أخطائها فى الستينيات . الشىء المضىء الوحيد فى سنة 60 كان إتمام كهرباء خزان أسوان القديمة ثم التفجير الأول لبدأ السد العالى بحضور الملك محمد الخامس ملك المغرب الله يرحمه ..فيما عدا ذلك بدأت الصراعات تطفو على السطح فيما بين أعضاءها ما كان يسمى بمجلس الثورة ويجب أن أقرر هنا أنى إلى هذه اللحظة لا أستطيع أن أدرك لماذا كان عبد الناصر يترك كمية رهيبة من الأحقاد . أما بالنسبة لى فلم يكن هذا حالى فى يوم ما فلا أذكر أنى حقدت يوما على عبد الناصر رغم أن بعض تصرفاته معى كان يمكن لغيرى أن يفسرها تفسيرا سيئا ......أما بالنسبة للآخرين فأنا أرى كلا منهم كان ، بل وما يزال يحمل فى نفسه كمية هائلة من الحقد على عبد الناصر حتى عبد الحكيم عامر صديق العمر الوحيد لعبد الناصر انتهت علاقته بعبد الناصر فى أواخر أيام حياته إلى عملية حقد رهيبة .المهم بدأنا الستينيات بأحقاد تطفو على السطح .
الإعتزاز بالنفس وحب الزعامة
يذكر السادات: أن عبد الناصر اتخذ قرارا جريئا سنة 1957 بتمصير الاقتصاد المصرى ، تلا ذلك تصفية ديون القناة لمستحقيها ، فدفعناها على أقساط ، وأفرجت إنجلترا عن 400 مليون جنيه استرلينى صادرتهم عقب تأميم القناة ويوضح تخبط سياسة عبد الناصر بقوله :
كان يجب أن تكون هذه مرحلة انطلاق فالأرصدة متوفرة وكذلك الاحتياطى كان كل شىء فى الواقع معدا لكى نخطط ونبدأ بناء أنفسنا من الداخل بناء ضخما يعوض عل مصر مافاتها فى سنوات التخلف والإحتلال .. ولكن للأسف لم يتم شىء من هذا فقد كان عبد الناصر مشغولا بالخرافة التى أصبح اسمه مقترنا بها ..خرافة كبيرة جدا فى مصر والعالم العربى ، فهو البطل الذى حقق النصر على امبرطوريتين كبيرتين "بريطانيا وفرنسا "فبعد أن أغفل عبد الناصر الدور الحقيقى الذى لعبه ايزنهاور فى هذا المجال مما حول الهزيمة إلى نصر سياسى أصبح كما يبدو أول المصدقين لأنه انتصر .. لا للحقيقة وهى الهزيمة العسكرية .
وفى موضع أخر يوضح: أن المحيطين به ليسوا شرفاء فى نصحهم ، ويدركون نفسية عبد الناصر فيلبون رغباته النفسية ، يقول : ولكن هكذا كان عبد الناصر ..تختلط عليه الأمور ويفقد البصيرة وخاصة ؛ لأنه كان يتأثر جدا بتحليلات المحيطين به والذين لم يكونوا شرفاء فى تقديم النصح له ، فقد كان كل همهم أن يضخموا ذات عبد الناصر حتى تبقى لهم مناصبهم ونفوذهم.
إغلاق عبدالناصر مضيق تيران سبب حرب 1967 حفاظاً على زعامته للأمة العربية
يقول السادات : إن الكثير من إخواننا العرب يعايرون مصر بأنها تركت مضايق تيران مفتوحة حتى أن عامر وهو فى زيارة تضايق من المزايدات العربية بالنسبة لمضايق تيران فأرسل برقية يطلب فيها إغلاق المضايق .. على أى الأحوال جمعنا عبد الناصر على هيئة لجنة تنفيذية عليا فى أواخر مايو سنة 1967 .....وقال لنا إن حشودنا فى سيناء تجعل الحرب محتملة 50% أما إذا أقفلنا المضايق فالحرب مؤكدة 100%.. ثم التفت إلى عامر وقال له : هل القوات المسلحة جاهزة يا عبد الحكيم ؟
فوضع عامر يده على رقبته وقال : برقبتى يا ريس كل شىء على أتم استعداد .. كنا نعلم أن تسليحنا كامل دون شك ... ولذلك عندما سألنا عبد الناصر عن رأينا فوافقنا بالإجماع على إغلاق المضايق ما عدا صدقي سليمان رئيس الوزراء فى ذلك الوقت ... لم يعر عبد الناصر اعتراض صدقي سليمان أى اهتمام ، فقد كان ميالاً إلى إغلاق المضايق حتى يوقف مزايدات العرب عليه وحتى يحتفظ بمكانته الكبيرة فى الأمة العربية وبهذا أصدرت الأوامر بإغلاق مضايق تيران وسحب قوات الطوارىء الدولية . وقد صنع عبد الناصر من كل هذا دراما عنيفة الوقع فى حين كان السوفيت لا يكفون عن التنبيه بأن توقيت الأحداث أسرع مما يجب ولكن عبد الناصر كان مصرا على اندافاعه وإنزال الستار على هذه الدراما الصاخبة بالمؤتمر الصحفى الذى عقده على مستوى عالمى وكان قمة فى التحدى والعنف.
أثر الصراع بين عبدالناصر وعبدالحكيم عامر على مصر
كان عبدالحكيم عامر من المقربين لعبد الناصر جمعت بينهما صداقة فترة من الزمن كان كلاهما لا يكاد يفارق الآخر حتى بلغ الأمر بعبد الناصر كما يقول السادات : كان عبد الناصر كعادته يناصر عامر ظالما أو مظلوما لكن العلاقة بينهما فى أوائل الستينيات ازدادت جفاء ،ويوضح السادات ذلك بقوله :
بانتهاء الخمسينات ودخول الستينيات بدأت الثورة فترة المعاناة والآلام والهزائم والنكسات والأخطاء البشعة من جانبا ..وكما أقول دائما ـ كم كانت ـ ثورة 23 يوليو عملاقة فى انجازاتها فى الخمسينيات فإنها كانت عملاقة فى أخطائها فى الستينيات . الشىء المضىء الوحيد فى سنة 60 كان إتمام كهرباء خزان أسوان القديمة ثم التفجير الأول لبدأ السد العالى بحضور الملك محمد الخامس ملك المغرب الله يرحمه ..فيما عدا ذلك بدأت الصراعات تطفو على السطح فيما بين أعضاءها ما كان يسمى بمجلس الثورة ويجب أن أقرر هنا أنى إلى هذه اللحظة لا أستطيع أن أدرك لماذا كان عبد الناصر يترك كمية رهيبة من الأحقاد . أما بالنسبة لى فلم يكن هذا حالى فى يوم ما فلا أذكر أنى حقدت يوما على عبد الناصر رغم أن بعض تصرفاته معى كان يمكن لغيرى أن يفسرها تفسيرا سيئا ..... أما بالنسبة للآخرين فأنا أرى كلا منهم كان ، بل وما يزال يحمل فى نفسه كمية هائلة من الحقد على عبد الناصر حتى عبد الحكيم عامر صديق العمر الوحيد لعبد الناصر انتهت علاقته بعبد الناصر فى أواخر أيام حياته إلى عملية حقد رهيبة .المهم بدأنا الستينيات بأحقاد تطفو على السطح.
وفى موضع أخر يشير إلى أن عبد الناصر كان لا يستطيع اتخاذ موقف من عبد الحكيم عامر : انتهت سنة 66 والصراع بين عبد الناصر وعامر على أشده فكل منهما متربص بالآخر وخاصة أن عامر كان كل يوم يوسع رقعة سلطانه.فعن طريق لجنة الاقطاع والتعلل بالثورة المضادة استطاع أن يضرب من يشاء وأن يعزل أو يبقى من يشاء فى مؤسسات الدولة وجميع مناصبها بما فى ذلك النوادى الرياضية ، بل إن شكاوى الهيئات العامة أو الأفراد كانت تحال إلى القوات المسلحة للنظر فيها وحلها حسب ما يتراءى لها ...وهكذا تراكمت السلطات فى يد عامر حتى أصبح الآمر الناهى والمتحكم فى مصير الناس وفى كل ما يتعلق بالبلد من أحداث ... أما عبدالناصر فكان يراقب ما يفعله عامر وهو أيضا ملىء بالمرارة عاجزا لا يستطيع أن يفعل شيئا بينما كان عامر يزيد كل يوم من رقعة سلطانه ،بل كان يسعى إلى رئاسة الوزراء ليضع السلطة فى يده كاملة ... هكذا دخلنا سنة 67 والكآبة تخيم على مصر ... ففى يوم جمعة فى فبراير سنة 67 ذهبت لزيارة عبد الناصر على غير موعد كعادته معى ... جلست وسألته مرة أخرى مالك شايل الدنيا على دماغك ليه يا جمال ؟.. قال أيوه .. فعلا أنا شايل الدنيا على دماغى يا أنور البلد بتحكمها عصابة وأنا مستحيل أكمل بهذا الشكل .. أنى أبقى الرئيس المسئول اللى بيحكم هو عبد الحكيم وينفذ اللى عاوزه .. طيب أخرج أنا أحسن وأروح أقعد فى الإتحاد الإشتراكي .ويتولى هو رئاسة الجمهورية .
ومن أثر ازدياد نفوذ عبد الحكيم أن غير الخطة التى صدق عليها عبد الناصر فى حرب 1967 :
فى يوم الجمعة 2 يونيو صدق جمال عبد الناصر على الخطة بصفته رئيسا للجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة ..هذا إلى جانب أنه كان عسكريا ممتازا وخدم وحارب فى سيناء ويعرفها شبرا شبرا ..وأذكر فى ذلك اليوم أن عبد الناصر قال لقائد الطيران صدقي محمود إن أول ضربة ستقع على الطيران ..فالتفت هذا إليه وقال فى عصبية واضحة يا فندم احنا عملين حسابنا ولن تزيد الخسارة على عشرة فى المائة . وفى نفس اليوم قال عبد الناصر إن الهجوم سيقع فى يوم السبت أو الأحد أو على أكثر تقدير يوم الاثنين 5 يونيو .... عندما وقعت الكارثة يوم 5 يونيو علمت أن الخطة التى صدق عليها عبد الناصر غيرها بعد ذلك عبد الحكيم عامر بالكامل، وكان هذا واضحا كل الوضوح .
"وفى يوم الاثنين 5 يونيو وبناء على تغيره للخطة أخذ عامر جميع القيادة معه فى طائرة وراح يفتش على سيناء ، ومن الطبيعى أنه عندما يكون القائد العام فى الجو تصدر الأوامر للصواريخ بالتوقف عن العمل ، وفى هذه الأثناء ضربت إسرائيل جميع مطاراتنا وطائرتنا وهى على الأرض وهكذا يمكن أن نقول إن الحرب بدأت وانتهت وعامر فى الجو."
"إذن فى حرب 1967 لم يكن ينقصنا التدريب أو التكتيك أو السلاح أو القدرة على القتال .. الحمد لله ...فالمسألة كلها كانت مسألة إهمال من القيادة ".
" فقد بدأت الناس تفيق بعد 9و10 يونيو وتتساءل من المسئول عن الهزيمة ؟ولماذا حدثت ؟ كما بدأوا يدركون أن عملية الصراع بين عامر وعبد الناصر لعبت دورا رئيسا فى الكارثة التى حلت بمصر ."
وقد سعى عبد الناصر عقب الهزيمة إلى إقناع عبد الحكيم بترك القوات المسلحة والاكتفاء بمنصب نائب رئيس الجمهورية ، لكنه رفض ،فما كان من عبد الناصر إلا أن عين محمد فوزى قائدا عاما للقوات المسلحة "كان تعيين محمد فوزى قائدا عاما للقوات المسلحة القرار الوحيد الذى استطاع عبد الناصر أن يتخذه بعد سنوات عديدة من الصراع مع عامر ".
وانتقل تأثير الصراع بينهما إلى المجتمع المصرع ، فبدأ الناس يشعرون به فى حياتهم :
"الناس يرون الوجه القبيح للثورة بعد 67 فى تضاعف الإجراءات الاستثنائية وكبت الحريات وكل ما جعل الناس تضيق بالثورة .، رأى الناس هذا الوجه القبيح للثورة وكأنه وجهها الوحيد فزاد سخطهم ....فكانت النتيجة الحتمية لهذا انفجار الطلبة فى فبراير سنة 68 الذى ما لبث أن عم جميع فئات الشعب ".
ويتحدث السادات عن الإجراء الذى عزم عبد الناصر اتخاذه تجاه عامر الذى يحاول تكوين جبهة معارضة لعبد الناصر: كان ذلك فى 13 أغسطس (1967) ولم يفصح عبد الناصر عن نوع الإجراء الذى سيتخذه كل ما حدث أن الإجراء تأجل إلى يوم 25 أغسطس ..لماذا تردد رغم خطورة الموقف ؟هنا مرة أخرى تظهر علامة الاستفهام الكبيرة فى كل ما يختص بالعلاقة بين عبد الناصر وعامر .
وقد انتهى الصراع بينهما إلى تمكن عبد الناصر من تحديد إقامة عبد الحكيم وانتهاء أمره بموته مسموما .
الناحية الصحية لعبد الناصر
أصيب عبد الناصر بمرض السكر ،ثم تلته نوبات قلبية ، وتلك الأعراض أوضحها السادات فى حديثه عن أثر الهزيمة على الناحية الصحية لعبد الناصر يقول : منذ هزيمة 67 لم يسلم عبد الناصر من المرض إلى أن مات ..ففى 5 يونيو 1967 انفلت السكر ولم يتمكن من السيطرة عليه إلا فى نوفمبر 1967خمسة شهور متتالية كانت كفيلة بأن تدمر الجهاز الداخلى لعبد الناصر على صورة أمراض متوالية أولها أصيب به فى ديسمبر 67 على هيئة بثور فى بعض أجزاء من جسمه وكان أى احتكاك للملابس بها يسبب له آلاما رهيبة فأرسلنا فى استدعاء الأطباء من مختلف أنحاء العالم ... واضطر عبد الناصر إلى أن يخضع لهذا العلاج الذى كان يسبب له أزمات عصبية شديدة مدة شهرين كاملين إلى أن شفى من المرض فتلقفه على الفور مرض آخر ... إذ بدأ يحس ؤفى ساقيه بآلام عنيفة أخذ عنفها يزداد يوما بعد يوم إلى أن وصل إلى درجة لا يمكن احتمالها أو وصفها ومما زاد الحالة أكثر ضرواة أن عبد الناصر كان عليه أن يكتم آلامه ليظهر أمام الناس بكل هيبته وبالهالة الضخمة التى كانت تحيط به حتى إذا ما خلا إلى نفسه أغلق حجرة النوم عليه وعلى فقد كنت ألازمه وراح يصرخ بأعلى صوته كالأسد الجريح الذى لا يملك من أمر نفسه شيئا ... وفى سبتمبر سنة 69 أصيب بنوبة قلبية أخفيناها وأعلنا أنها انفلونزا .
ولا شك أن نوبات القلب التى تعرض لها عبد الناصر كانت بسبب القلق والانفعال الزائد الذى أصبح صورة مرضية تركت آثارها على صحته وقرارته التى تمثل سياسة الدولة الداخلية والخارجية ، وقد ذكر السادات جانبا من انفعالاته مع ياسر عرفات لاتختلف الصورة عما نجده من انفعالات الشباب مع بعضهم يقول السادات : ففى سبتمبر دعا عبد الناصر إلى مؤتمر قمة عربى فى القاهرة من أجل مذبحة أيلول (سبتمبر) سنة 70 بين الملك حسين والمقاومة الفلسطينية ... وكان عبد الناصر حريصا على أن يتنازل كل من الطرفين قليلا فكلاهما مخطىء ،فإذا بياسر عرفات ينفعل ويبدأ سلسلة من الانفجارات لا نهاية لها ... ضاق جمال بالموقف فقال له : "أنا ما أعملش ده علشانك ويتحرق دمى بالشكل ده وأنت يبقى موقفك كده .. "وترك عبد الناصر الجناح عائدا إلى بيته بعد أن أعلن تصميمه على عدم العودة إلى المؤتمر.
خاتمة
ذكر السادات بجانب صفات عبد الناصر الشخصية السلبية صفات أخرى ايجابية من الوفاء والذكاء والعبقرية العسكرية وحسن التخطيط العسكرى عبقرية عبد الناصر فى قراره بالانسحاب من سيناء سنة 1956 (40) وغير ذلك ،وإنما آثارنا تقديم الجوانب السابقة لعدم شهرتها فى كتابة تاريخ مصر فى عهد عبد الناصر خاصا بقلم أقرب الرجال إليه .
ومن ناحية أخرى ندرك أهمية الصفات الجوانب الخلقية والنفسية والصحية وأثرها فى اتخاذ القرار السياسى ، والتى لابد لمن يتعرض للمسئولية أن يحسن أخلاقه ويضبط نفسه ومشاعره ، وألا ينساق وراء أهواؤه ،ويتحكم فى جوارحه ،ويحفظ لسانه .فما الفرق بين رئيس الدولة ورجل الشارع ؟ حقيقة إن مسئول الأسرة لو أخطأ، فإن أسرته فقط تتحمل خطأه ، أما إذا أخطأرئيس البلاد فإن البلاد جميعها تتأثر بخطئه ، ومن هنا ندرك ضرورة سلامة رئيس البلاد من الآفات الأخلاقية التى يصاب بها الناس ، إضافة إلى سلامته الصحية كى يؤدى عمله فى خدمة الشعب بكل طاقته .فلا يمكن بحال أن يؤدى مريض ما يؤديه الصحيح .
المراجع
1) موقع الرئيس السادات الالكترونى .
2) طبع المكتب المصرى الحديث ، القاهرة ،1978.
3) موقع الرئيس جمال عبد الناصر الالكترونى.
4) البحث عن الذات ص 29.
5) السادات : البحث عن الذات ص 114.
6) السابق ص 135ـ136
7) البحث عن الذات ص 104
8) السابق ص61
9) السابق ص179
10) السابق ص88
11) السابق ص135ـ136
12) السابق ص180ـ181
13) السابق ص90
14) السابق ص160
15) السابق ص177
16) السابق ص114
17) السابق ص90
18) السابق ص177
19) السابق ص92
20) السابق ص180ـ181
21) السابق ص160
22) السابق ص97
23) السابق ص168
24) السابق ص161
25) السابق ص160
26) السابق ص187ـ186
27) السابق ص170ـ171
28) السابق ص168
29) السابق ص182ـ184
30) السابق ص188
31) السابق ص 188 ـ189
32) السابق ص199
33) السابق ص209
34) السابق ص202
35) السابق ص209
36) السابق ص204
37) الجزيرة الوثائقية : سري للغاية - موت الرجل الثاني - الجزء الأول
38) السادات :البحث عن الذات ص214
39) السابق ص215ـ216.
40) السابق ص158