الحكومة التونسية تشجع على الفساد الأخلاقي
تنشر خطة لتشجيع "الاحتكاك الجسدي" بين الطلبة والطالبات
• الغنوشي: الخطة لإفساد المراهقين وإهانة الوطن والدستور والدين.
• نقابة التعليم الثانوي تنشر الانحلال والتسيّب، وتتضمن مفاهيم وقيمًا غير تربوية.
أثارت تعليمات صادرة عن وزارة التربية والتكوين التونسية جدلاً حادًّا في الساحة الداخلية، فقد أدانت نقابة التعليم هذه التعليمات؛ داعية الأساتذة ورجال التعليم إلى عدم التقيد بها، في حين هاجمها التيار الإسلامي بقوة، معتبرًا أنها تسبب الصدمة والذهول، وتمثل خيانة لتونس وشعبها ودستورها ودينها.
وتنص التعليمات، وهي تستهدف تلاميذ المعاهد الثانوية، ممن تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عامًا، وتحمل عنوان "تمرين: طلاق" على "تكوين مجموعات أو فرق، تتركب من 4 إلى 6 أشخاص" من التلاميذ ذكورًا وإناثًا، في تمرينات تستمر لمدة 15 دقيقة، "ينتظم المشاركون فيها في شكل دائرة"، كما جاء في نص التعليمات.
وتنص التعليمات على أن يكون التمرين مكونًا من ثلاثة مراحل، في المرحلة الأولى "يطلب من كل مشارك تكوين زوج مع المشارك المجاور له على اليسار، بدءًا بالمشارك الموجود على يسار المنشط"، وفي المرحلة الثانية "يقوم الأزواج معًا ببعض الأنشطة، التي يحددها المنشط، ويجب إعطاؤهم بعض التعليمات، مثل: "اليد في اليد"، أو "الرأس يلاصق رأسًا"، وفي المرحلة الثالثة "بعد لحظات أعلن عن طلاق"، وعلى المشاركين أن يبحثوا عن شركاء جدد، ثم تُعطى فيما بعد تعليمات، مثل: "ركبة لصيقة بركبة"، أو "الظهر لصيق بالظهر".
وتحت بند احتياطات، تقول التعليمات: "بإمكان نفس المشاركين أن يحاولوا البقاء دائمًا مكونين نفس الزوج"، وفي بند نصائح تدعو التعليمات إلى "تشجيع المشاركين على البحث عن شركاء جدد"، وهي تحتاج "لشخص له صوت قوي للإعلان عن التعليمات الجديدة أو الأنشطة، وكن مستعدًا للمزيد من الأوامر، مثل: "كتف لصيق بكتف"، أو "أمسكوا بأيدي بعضكم ودوروا"، أو "اضربوا بأيديكم على بعضها"، وهكذا دواليك، للحصول على تغييرات متواترة، ولا تسمحوا للفريق بأن يقوم بأكثر من نشاطين".
وتتوجه التعليمات للمربي بالقول: "أعط أوامر غريبة لإضحاك المشاركين، مثل: كشِّروا، شكِّلوا حرف (ل) (أو أي حرف آخر).. أخرجوا ألسنتكم واكتشفوا من له أطول لسان"، وتوصي في النهاية بـ"التزام الحذر في المجتمعات، التي تكون فيها الاتصالات الجسدية محرمة عادة، ونفس الشيء بالنسبة إلى الفرق المختلطة".
النقابيون يعترضون:
وأعربت نقابة التعليم الثانوي- التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية العمالية)- رفضها لهذه التعليمات باعتبارها "تنشر الانحلال والتسيّب"، وتتضمن مفاهيم وقيمًا غير تربوية، تبتذل المعرفة والتعليم والمدرّس والمؤسسة التربوية.
وقالت النقابة في بيان وصلت نسخة منه إلى وكالة "قدس برس"، وقعه "الطيب بوعايشة" الكاتب العام للنقابة العامة للتعليم الثانوي: "أصدرت الوزارة وثيقة عنوانها "دليل الأستاذ في التعلّمات الاختيارية"، وقع توزيعها على المدرسين في مفتتح هذه السنة الدراسية، قصد اعتمادها كوثيقة منهجية".
وقال البيان: "إن النقابة العامة للتعليم الثانوي بعد إطلاعها على مضمون الوثائق المنظمة للتعلّمات الاختيارية، وتبيّنها لما تحتوي عليه من مفاهيم وقيم لا تربوية، تبتذل المعرفة والتعليم والمدرّس والمؤسسة التربوية، وتنشر الانحلال والتسيُّب، تنبِّه إلى مغبَّة التمادي في هذا التوجّه، وتدعو وزارة الإشراف إلى التراجع الفوري عن هذا التمشي، كما تدعو المدرسين إلى الامتناع عن القيام بهذه الحصص الخاصة بالتنشيط في التعلمات الاختيارية؛ لأنها خارجة عن مشمولات المدرسين ومهامهم، وضاربة لتطلعاتهم التربوية، وآفاق المدرسة التي ينشدونها"، كما قال البيان.
إهانة للوطن والدين:
أما الشيخ " راشد الغنوشي "- رئيس حركة النهضة التونسية - فقد اعتبر هذه التعليمات مدعاة للصدمة والذهول، وقال عنها: "إنها تمثل إهانة للوطن، وللشعب التونسي، وللدين، وللدستور، الذي ينص بنده الأول على أن تونس دولة الإسلام دينها والعربية لغتها".
وقال "الغنوشي" في اتصال بالهاتف مع وكالة "قدس برس": "إن هذه التعليمات كان لها عليه وقع الصدمة"، وأضاف قائلاً: إن "هذه ليست تمارين رياضية، ولا توجيهات تربوية؛ وإنما هي تمارين وتوجيهات شيطانية، توجه مراهقين ومراهقات في سن 13 إلى 16 سنة، لخلع رداء الحياء والعفة والشرف، بوضعهم في أوضاع مثيرة حتى للعجز؛ فما بالك بمراهقين مراهقات؟!".
وقال: "... أن تأتي هذه التوجيهات من وزارة تحمل اسم التربية، فإن ذلك لا يعني إلا الخيانة، الخيانة لشعب، مفترض أن هذه الوزارة تنوب عنه في تمثيل قيمه، وإذا بها تتحداها وتدوسها دوسًا"، مُضيفًا أنها تحمل أيضًا "خيانة لدستور البلاد، لا يزال يحمل اسم الإسلام، ف تونس دولة إسلامية بنص الدستور، ويفترض في وزارة تعمل في هذا الإطار أن تستوحي قيمها التربوية وتوجيهاتها من الإسلام، بدل أن تتنكر له وتتحداها".
ومضى قائلاً: إن "هذه التوجيهات الشيطانية تمثل أيضًا خيانة للإطار التربوي، مدرسة ومدرسين، في مسعى لتحويل المدرسة إلى مؤسسة للفساد والإفساد"، وقال: "رغم ما أحدثه هذا الأمر من صدمة لدى الرأي العام، وفي النقابة العام للتعليم، التي قامت بما هو منتظر منها من استنكار لهذا المنشور الفضيحة، إلا أن هذه الخطوة لم تأت شذوذًا عن سياسة عامة، انتهجتها هذه الوزارة، منذ قرابة عقد ونصف؛ إذ تحولت إلى أداة سياسية لهدم مقومات الشخصية الوطنية والدينية للبلاد".
وشدد "الغنوشي" على أن منشور 108، الذي وصفه بأنه منشور فضيحة، وهو منشور صدر في بداية الثمانينيات، ويمنع الطالبات والتلميذات من لبس غطاء الرأس، "ليس إلا رمزًا.. أو عنوانًا من عناوين هذه الحرب المتواصلة على الإسلام، انطلاقًا من هذه الوزارة، التي يسمونها وزارة التربية، وهي ليست إلا أداة أيديولوجية لمحاربة مقومات الشخصية الإسلامية والوطنية لبلادنا"، بحسب تقديره.
وقال: "إن منع الحجاب من قبل وزارة التربية ووزارة التعليم العالي هو الوجه الآخر لما وصفه بسياسة الإفساد الرسمية"، وأضاف قائلاً: "إن التلميذة والطالبة ممنوع عنها لبس الحجاب، ومطلوب منها الاحتكاك بزملائها الذكور جسديًّا "الركبة في الركبة، والرأس يلامس الرأس، والكتف في الكتف!".
وقال: "إن البديل المطروح عن الحجاب هو نشر الانحلال والتسيّب بين الشباب"، مشيرًا إلى أنه "بدلاً من أن توفر وزارة التربية برنامجًا يغرس مقومات الشخصية العربية والإسلامية، نراها تصوغ برامج تميع الشباب، ويصل الأمر فيها إلى إنتاج جيل لا معنى لديه لقيمة العفة، وقيمة الشرف، وقيمة الأسرة والزواج"، وواصل قائلاً: "إن ما تقوم به الوزارة هو تمرين المراهقين على دوس كل تلك القيم، والرمي بها بعيدًا، في محاولة لتحويل المدرسة إلى ماخور والمدرسين إلى قوادين".
وقال الشيخ "الغنوشي" مستغربًا: "في مجتمع يسجل رقمًا من أعلى الأرقام العالمية في موضوع الطلاق، تأتي وزارة التربية لتمرين الفتية والفتيات على الطلاق، وعلى الانتقال الدائم من حال إلى حال"، وقال: "يبدو أن وزارتنا لا تحب الاستقرار على وضع معين؛ وإنما تحب الطلاق، والانتقال من وضعية إلى وضعية يعني التخلص من صورة الأسرة، وإحلال الصحبة الحرة بديلاً عنها".
ودعا الشيخ "الغنوشي" "سائر أبناء الشعب التونسي، وكل الإطار التربوي، وكل غيور على دينه، إلى أن يتصدى لهذه السياسة، وأن يستنكرها، وأن يوجه إصبع الاتهام إلى القائمين عليها"، مطالبًا بأن "تتشكل من النقابيين ومن كل الغيورين على دينهم، لجنة لمحاسبة هؤلاء المفسدين، الذين يتحدون دستور البلاد، ويتحدون قيمها وشخصيتها الإسلامية"، مشيرًا إلى أن حركته "لن تقصر في توعية كل المسلمين في الخارج بهذا العدوان المتواصل على الشخصية الإسلامية ل تونس ".
تدهور أخلاقي:
وكانت الصحفية التونسية المخضرمة، والأستاذة المبرزة في اللغة العربية "نزيهة رجيبة" المعروفة باسم "أم زياد"- المدرسة في المعهد الثانوي بالمنزه السادس (ضواحي تونس العاصمة)- قد أرسلت في نهاية سبتمبر الماضي كتابًا باستقالتها من التعليم إلى وزير التربية والتكوين التونسي، بسبب ما بات يعرفه هذا القطاع من ظواهر تحلل وفساد وأنانية، وخروج عن رسالة التربية والتعليم، حتى صارت فيه المدرسة مريضة، تسبب العدوى للمجتمع، كما قالت.
فالتلاميذ "فاقدون للوعي بهويتهم، مستخفُّون بها، تتقاذفهم أهواء التشبّه بالآخر، الذي يخفي وراءه احتقارًا للشخصية الوطنية، واستهانة برموزها، ناهيك أنهم يستقبلون النشيد الوطني، والبنات منهم يطلقن قهقهات الغواني، والأولاد يلقَوْن رمز وطنهم بإطلاق الأصوات البذيئة، التي نعرف".
ومضت "أم زياد" في رسالة استقالتها المطولة قائلة: "أَنْ تُقدِم أستاذة مثلي، وبعد طول تردد، على الاستقالة من التدريس، فليس فيه ما يسر ولا ما يشرف، بل فيه ما يبعث المدرس على الشعور بالحزن، ومرارة الفشل، وما هو جدير بأن يبعث المسئولين عن المدرسة الوطنية، على محاولة فهم ما يحدث، ومصارحة أنفسهم بحقيقته".
وشددت على أن الباعث على استقالتها كان ما انتابها من شعور أليم بأن "المدرسة التونسية قد تدهورت أوضاعها، بما لا يدع مجالاً للأمل"، وقالت: إن "المعلم يضربه تلميذه في قسمه، وولي تلميذة في مدرسته، وتضربه دولته أمام وزارته"، مشيرةً إلى "أن منزلة الأستاذ صارت في مدرستنا الحالية منزلة مهينة، أكثر من أي وقت مضى"، معتبرةً "أن الأستاذ صار في الحضيض، باستثناء أقلِّية، يجوز أن نسميهم أرستقراطية الأساتذة".
وقالت "أم زياد" وهي تباشر التدريس منذ العام 1969 م: إن "المدرسة التونسية مريضة حقًّا، وإنها تنقل عدواها إلى كل ما له بها صلة"، فتلاميذها "تلاميذ فقدوا إحساسهم بقيمة العلم، في حدّ ذاته، وقيمة المعلم الذي يسديه، فصاروا ينظرون إلى العلم ومسديه نظرة نفعية، لا روح فيها ترسخ هذا العلم، وتجعله أساسًا لبناء شخصية معتمة"، مشددةً على أن هذه المدرسة صارت فيها "المعرفة تباع فيها وتشترى (...)، وأن المكان المعدُّ مبدئيًّا لتلقين مكارم الأخلاق، والوقاية من توحش المادة، قد صار سوقًا معولمة، يستأسد فيها ذو المال، ويُـحرم فيها الفقير من أبسط حقوقه".
وأضافت تقول: "تلاميذ لم يعودوا يفهمون إلا منطق المال، والقوة الغاشمة، والغلبة، والبقاء لمن هو أكثر شراسة.. قدوتهم في الحياة الطفيليات، التي نبتت وتكاثرت في الأرض التونسية، تُـسوِّق لنموذج النجاح المادي، القائم على السلب والنهب والمخاتلة، فتطمس به مثال النجاح الحقيقي، القائم على طلب العلم، والصبر على تحصيله، وعلى العمل الشريف، وكسب الرزق من أبوابه المشروعة؛ ولهذا ترى تلاميذنا قد استشرى في أوساطهم الغش، بصورة غير مسبوقة، بعد أن صار الغش والتدليس والمخاتلة قوام كل شيء في حياتنا"، بحسب قولها.
المصدر
- مقال:الحكومة التونسية تشجع على الفساد الأخلاقيإخوان أون لاين
للمزيد عن الشيخ راشد الغنوشي
.