من قتل حسن البنا
الإمام
رفعه أتباعه فوق كل المصلحين وأئمة الإسلام فى العصر الحديث قالوا إنه جمع بين تطور فكر محمد عبده وشجاعة جمال الدين الأفغانى وتفوق عليهما لأنهما تركا مبادئ ولم يبنيا حركة منظمة, أما الشيخ حسن أحمد عبد الرحمن البنا, وشهرته البنا , فقد أقام تنظيم الإخوان المسلمين.
لم يحاول الدخول فى التفسيرات والشروح والاجتهادات الدينية التى خاض فيها رجال الأزهر وعلماء الإسلام, بل أراد أن يكون مجددا , ويطالب المسلمين بإعادة التأمل فى دينهم.
ولم يهتم بالخلافات بين المذاهب بل حاول تجميع المسلمين رغم خلافاتهم ووجد فى الإسلام : الدين والدولة, والوطن والجنسية و والمذهب والقانون الروح والثقافة. والعقيدة والقيادة. الثورة والسيف.
وصفوه بأنه داعية إسلامى من طراز فريد عبقرى. والعالم الربانى الفذ الصالح, الذى لم بنجل مثله العالم الإسلامى منذ قرون!
وقالوا أنه الرجل القرآنى الذى استطاع أن يبذر فى الأرض بذرة المصحف وقال عنه عمر التلمساني أنه
- " الملهم الموهوب بطاقة لا يحظى بها إلا القليل. جهوده خارجه عن نطاق الجهد العقلى. صاحب فراسة لا تخيب. أستاذ الجميع فى كل شئ. إمام أنقذ أمة".
وقالوا أنه
- " أفلت من غوائل المرأة والمال والجاه. فشلت كل محاولات أغرائه بفضل صوفيته الصادقة وزهده الطبيعى".
وقف محمد نجيب أول رئيس الجمهورية مصر أمام قبره فقال نيابة عن مجلس الثورة المصرى:
- " صاحب عقيدة.. حرب على الفساد والانحلال, بقدر ما كان حربا على الإحتلال.. عاش لأمته ووهب لها حياته".
ذكر فتحي رضوان اسم البنا لأول مرة أمام جمال عبد الناصر فوجده يقول:
- كان البنا يبعث على احترامه,وقال فتحي رضوان إن هذه الشهادة من أكبر الشهادات لمرشد الإخوان وهو أول شهادة سمعها منه فتحي رضوان من عظيم من الأحياء أو الأموات!
رآه أنور السادات لأول مرة فوجده
- " يلتحف بعباءة حمراء لا تكاد تظهر منه شيئا كثيرا إلا البشاشة في وجهه. والتواضع في مظهره والرقة في حديثه.ليس في خطابته وعظ المتدينين, لا الكلام المرتب , ولا العبارات المنمقة ولا الحشد الكثير, ولا الاستشهاد المطروق, ولا التزمت في الفكرة, ولا ادعاء العمق, ولا ضحالة الهدف, وإحالة إلى التواريخ والسير,رجل يدخل موضوعه من زوايا بسيطة ويتجه إلى هذه عن طريق واضح ويصل إليه بسهولة أخاذة".
التقى به أحمد مرتضى المراغى وزير الداخلية السابق فوجده
- " ذا لحية لا هى طويلة ولا هى قصيرة.خفيف الخطى سريع الحركة والكلام.آية في الذكاء يركز عينيه اللامعتين على محدثه, يخفى وجهه, ثم يعود إلى التحديق دمث المعشر, حلو الحديث, خلت طبيعته الدينية من التزمت".
تكلم الشيخ الباقورى عن ثقافة البنا فقال:
- " إنه كان يحفظ ديوانا المتنبى مضمونا إلى ذلك ما متعه به الله من حفظ القرآن الكريم والسنة المطهرة والسيرة المحمدية العطرة. قرأ لابن خلدون والأفغاني ومحمد عبده والغزالى وابن تيمية وكان حريصا على اقتناء كل كتاب يظهر"
وصفته مجلة " آخر ساعة" المصرية فقالت:
- " وجهه مشوب بمسحة وقار لطيف حاد الملامح بين التعابير تحت جبين عريض لماح بقبس من الذكاء تقعد وسطه" زبيبة صلاة" كبيرة داكنة من أثر السجود.عيناه هادئتان بسيطتان في بساطتهما لمحة من " عيون المقطم" تحسبها قليلة الغور, فإذا ألقيت فيها الحجر, ظل يتدحرج إلى غير قرار.
- دائم الابتسام , فاره القامة يبدو قويا كشجرة السنديان في صوته عمق وعرض وطول وللسانه سحر إذا تكلم يتلاعب بالألباب وقد أمده الأدب العربى, على شتى أصوله بفيض هائل من الآيات والأحاديث, وأمجاد الجهاد الإسلامى يطلقها من فمه كالمدفعى الماهر في أنسب وقت, وأنسب مكان, فيكون لها فعل القذائف في معارضيه.
- مدرس خط, ومع ذلك فإن خطه بشهادته, هو نفسه ليس جميلا بل ولا مقروءا.وزعيم لمليون من المصريين ولكنه وبشهادته أيضا ليس زعيما وإنما هو مدرس فقط ولعل هذا مصدر لقبه الرسمى وهو المرشد العام للإخوان المسلمين.ميزه هذا الرجل الكبرى أنه يعرف كيف يخاطب الناس كيف يلهب شعورهم".
وقال عنه أحمد حسين زعيم مصر الفتاة أنه:
- من الرجال العظام الذين يصطفيهم الله لنصرة دينه".أجمع معاصروه على أنه يتمتع بشخصية قويه. يحمل دعوته إلى الناس في يسر ويشرحها بألفاظ سهلة دون تكلف. شديد التواضع زاهد لا يبغى مالا. لم يجمع من الدنيا شيئا, ولا يهتم فيها إلا مقدار. ولا يصيب منها إلا ما تدعو إليه الضرورة.
- ينام خمس ساعات ويأكل ما حضر من الطعام ويلبس ما تيسر له من الثياب, ويعيش عيشة الكفاف. زيارته للقرى تتسم بالبساطة. يتصرف بحكمة وذكاء وهو يسعى لاكتساب الأصدقاء ينام عند أعضاء الجماعة. وإذا لم يتوفر له ذلك نام في المسجد راضيا!
- أقام في بداية حياته بالقاهرة في حارة عبد الله بك في المغربلين بحى اليكنية عند بوابة المتولى يستأجر بيتا إبحاره خمسون قرشا كل شهر.
- ومنه انتقل إلى السبتية وأخيرا في شقة بحارة سنجر الخازن بقسم الخليفة يدفع عنها جنيهن كل شهر.كان البيت مفروشا بالحصير ولم تغط أرضه سجادة في يوم من الأيام.
- مرتبة كمدرس بوزارة المعارف للغة العربية لا الخط ! عشرة جنيهات يحصل منها على جنيهين لمصروفه الشخصى ولرحلات الدعوة وتساهم أسرة زوجته من الإسماعيلية في نفقات البيت.
- وبعد استقالته من عمله كمدرس عام 1946 أصدر "مجلة الشهاب" ولم يزد دخله منها على 15 جنيها.
- عرض عليه الإخوان 100 جنيه شهريا مقابل التفرغ ولكنه اعتذر وعرض عليه الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية خمسة آلاف جنيه ليكتب عن الديمقراطية فقال:
- أكتب عن ديمقراطية الإسلام باعتبارها الديمقراطية الحقيقية المثالية فرفض الإنجليز. قال تقرير للمخابرات البريطانية إن أحد أسباب الانتشار السريع للإخوان يرجع إلى حياة الزهد والورع التى عاشها البنا كمسلم.
- وفى مفكرته التى وجدت معه عند مصرعه كتب أنه أخذ من المستشار منير الدلة 150 جنيها لتسوية نفقات المعيشة!وفتشوا ملابسه في مستشفى القصر العينى بعد وفاته فوجدوا في جيبه كل تركته: ستة جنيهات وعشرة مليمات وساعة جيب معدنية ماركة " أوراتور" سلسلتها معدنية أيضا وقلم حبر!
- ووجدا في سيارة التاكسى التى نقلته إلى المستشفى لآخر مرة مسبحة رخيصة من 99 حبة!وقصدت شقيقته تزور زوجها المصاب عبد الكريم منصور المحامى في مستشفى القصر العينى بعد يومين من اغتيال شقيقها فشكا إليها زوجها عدم عناية المستشفى بأمره.
- وعدم كفاية ما يقدم إليه من طعام فأعطته كما يقول محضر الشرطة خمسين قرشا أوراقا نقدية من فئة العشرة القروش ثم عادت وقدمت إليه خمسة وعشرين قرشا فلم تكن تملك غير هذه القروش!
أثرت في الشيخ البنا عوامل كثيرة ولد في قرية المحمودية بمديرية البحيرة التى أنجبت الشيخ محمد عبده عام 1906 والده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا مأذون وساعاتى إمام وخطيب مسجد القرية درس الأدب على يد الشيخ محمد عبده وألف عدة كتب دينية وعنده مكتبة إسلامية كبيرة.
تتلمذ في الكتاب على يد أزهرى ورع. فتأثر بهذا المناخ الدينى وكانت كل موضوعه الإنشائية عن الدعوة الإسلامية.
وعلى المستوى الشخصى اعتاد الأسرة الكبيرة..كان له أربعة أشقاء وعندما تزوج من كريمة الحاج حسين الصولي من وجهاء الإسماعيلية أنجب خمس بنات هن:
- سناء ووفاء ورجاء وهالة وابنا واحدا هو أحمد سيف الإسلام الذى كان في الرابعة عشر من عمره عند مصرع أبيه وكانت صغرى بناته استشهاد جنينا فى بطن أمها يوم وفى أبيها!
فى المدرسة الابتدائية رأس جمعية السلوك الاجتماعي وأنشأ مع زملائه " جمعية منع المحرمات" التى يبعث أعضاؤها برسائل لمن يرتكبون منكرا وكان العمل السرى بعد ذلك أحد وسائله فى الدعوة اشترك فى التشكيلات الإسلامية وعمره 12 سنة.وبدأ يكتب مذكراته وهو صبى. ويشترك فى المظاهرات السياسة وعمره 13 سنة.
ويلتحق فى سن الرابعة عشرة بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور فيدرس الفقه الإسلامي ويحفظ 18 ألف ببيت من الشعر.يقرأ كتب الغزالى ويتأمل فلسفته ثم يشترك أثناء الدراسة فى " الجمعية الحصافية الخيرية " فيتعلم شئون الجمعيات ووسائل تنظيمها وعرف أن قيام هذه الجمعيات فى المدارس يترك أثرا ضخما فى نفوس الشباب!
قال:
- كم سهرنا الليالى ندرس حال أمة الإسلام
وعندما يسمع بروفة محمد فريد وهو طالب فى هذه المدرسة يؤلف قصيدة يقول فيها:
- أفريد لا تجزع على الأوطان
وينتقل إلى القاهرة فى مدرسة دار العلوم بحفظ القرآن والسنة النبوية والسيرة المحمدية وديوان المتنبى ويكتب فى آخر موضوع للإنشاء المدرسة " بعد قومى عن مقاصد دينهم ومرامى كتابهم والتبس عليهم الدين الصحيح"!
كان أول دفعته فى جميع مراحل التعليم تخرج فى دار العلوم وعمره 21 سنة.وقد تردد بعد نجاحه, بين أمرين: أن يعمل مدرسا أو يتقدم لبعثة فى الخارج.
حسم القدر الأمر فإن دار العلوم لم ترشح أحد للبعثة فى تلك السنة فبقى فى مصر يعمل , كما قال فى موضوع الإنشاء " على تصحيح الأوضاع ليغرس فى النفوس أن الإسلام دين ودنيا"
قال:
- " هذا الكتاب يخشاه المستعمرون لأنه ليس آيات تقرأ فى الصلاة وترددها الشفاه, وإنما كتاب تشريع وقيادة وحكم وإمامة".
ويكون هذا كله زاده لدينى, أما زاده السياسى فكان عريضا أيضا.جفلت الفترة من عام 1906 حتى عام 1928 بالأحداث السياسة دنشواى. شق الفلاحين المصريين, وجلدهم بالسياط أمام أهلهم فى قلب القرية...
أزمة طابا بين الإنجليز والأتراك والاختلاف بينهما على حدود مصر.. خلع الخديو عباس حلمى الثانى... الحرب العالمية الأولي ثم ثورة 1919 التى اشترك فى مظاهراتها وإضراباتها وعمره 13 سنة وأثناءها كان تلميذا بالاعدادية فى مدرسة المحمودية.ز
الاستقلال والدستور واغتيال السردار البريطانى السير لى ستاك ووفاة سعد زغلول..... والأزمات العاتية التى عاشتها مصر!
وكان يكفى البنا أثناء دراسته بدار العلوم أن يمضى مسافة قصيرة للوصول إلى الأزهر أو سير فى ثلاثة شوارع ليدور حول دار المندوب السامى البريطانى بحديقته الواسعة شاطىء النيل. وقصر عابدين حيث يقيم الملك فؤاد . والبرلمان الذى يعقد حينا, ويعطله الملك فؤاد حينا آخر!
بعد وفاة سعد بأسبوعين تقريبا انتقل البنا فى 16 من سبتمبر 1937 إلى الإسماعيلية ليكون مدرسا للغة العربية بالمدرسة الابتدائية فحمل معه حصاد الأحداث التى عاشها طفلا. وشابا وسمع عنها حكايات كثيرة استقرت فى عقله وشكلت تفكيره.
وجاءت مرحلة الإسماعيلية لتترك تأثيرها السياسى المباشر فى مستقبل الإخوان وسياستهم وعمقت فى البنا مشاعر الكراهية للنفوذ الأجنبى.وكانت الإسماعيلية مدينة فرنسية على أرض مصرية. طغت الأسماء الأجنبية على الشوارع والمحلات التجارية,
أسلوب الحياة فرنسى وشركة قناة السويس تحتكر المرافق العامة وتنكر على المصرى حق الحياة الكريمة وتحمى قوات الجيش البريطانى هذه الأوضاع كلها!ويجد البنا فى ذلك كله إهانة للكبرياء الوطنية.
ولكنه يقبل من شركة قناة السويس 500 جنيه تبرعا للمساهمة فى إنشاء مسجد قائلا: هذا مالنا لا مال لخواجات. والقناة قناتنا. والبحر بحرنا والأرض أرضنا وهؤلاء غاصبون فى غفلة من الزمن!
بدأ دعوته الدينية فى الإسماعيلية بظروفها تلك, والتى لا تسمح بقيام أو تشجيع جمعية تريد تربية المسلمين على تعاليم الإسلام وتطالب بالإقامة دولة إسلامية حرة بدلا من أن يكون المسلمون مستعمرين ومستغلين ومستعبدين كانت الدعوة بطريقة مبتكرة... فى ثلاثة مقاه يتردد على كل منها مرتين فى الأسبوع.
وزارة ستة من عمال المعسكرات فى منطقة القتال يوم الجمعة 23 من مارس عام 1928 يهنئونه بأول أيام العيد الفطر ويعاهدونه ابتداء من ذلك اليوم على العمل للإسلام والمسلمين قد وجدوا فى الدين خلاصا من ذل الاحتلال البريطانى.
وهنا تبرز حقيقة هامة وهى أن منذ قيام حركته ظلت إحدى عينيه على الدين والأخرى على السياسة.وربما كان ذلك هو العامل الذى دفعه, إلى أن يكون الوحيد بين مؤسسى الجمعيات الدينية الذى ظل يرتدى البدلة الإفرنجية من قماش مصرى – ويضع فوق رأسه الطربوش, وإن لم يعرف لغة أجنبية!
حار العمال الستة فى اختيار اسم يطلقونه على حركتهم فقال لهم:ألسنا مسلمين فنحن إذن " الإخوان المسلمون" وهكذا منذ اللحظة الأولى وعمره 22 سنة يتخلص من المأزق الذى واجهته الجماعة إثر قيام ثورة 23 يوليو عندما طالبت الأحزاب بإعادة قيدها وجدت أن الإخوان ليسوا حزبا
وينجو ببعد نظره من مأزق آخر!
أنشأ "فرق العمل" أى الجوالة وهى منظمة شبه عسكرية تتبع الجماعة حولها إلى جمعية الكشافة العامة..
وعندما أصدر الملك فاروق قراره عام 1937 بحل تنظيمات القمصان الزرقاء, والقمصان الخضراء التابعين لحزبى الوفد ومصر الفتاة لأنهما شبه عسكريتين لم ينطبق القرار على "فرق العمل " لأنها تتبع الكشافة!
لم تكتب صحافة مصر كلها عن ميلاد الجماعة فلم تعرف الصحافة شيئا عنها يوم ميلادها وإنما اهتمت الصحف فى اليوم التالى بتبادل أعضاء "جمعية الشبان المسلمين" التهانى فى العيد!
ونشرت صحيفة " المقطم " المسائية مقالا لمحمود أبو الحسن عمدة منفلوط عنوانه "الوزارة وشئوننا الداخلية" ولم تتوقع المقطم أن رجلا آخر من منفلوط وهو محمد حامد أبو النصر سيتولى منصب المرشد العام للإخوان بعد ستين عاما!
ولدت الجماعة والبلاد تستعد للإحتفال بعيد ميلا الملك فؤاد وكان عبد الخالق ثروت باشا قد استقال قبل أسبوع واحد من منصبه كرئيس لوزراء مصر وألف مصطفي النحاس باشا رئيس حزب الوفد أول وزارة له يوم 16 من مارس.
أما سر الاستقالة فيرجع إلى أن ثروت باشا تفاوض مع الإنجليز وانتهى أول مشروع معاهدة بين البلدين, وبعد ست سنوات من الاستقلال.
ولكن الوفد رفض مشروع المعاهدة لأنه لا يحقق مطالب مصر وكان أوستين تشمبرلين وزير خارجية بريطانيا يلوم مصر لرفض المعاهدة وصحافة القاهرة تدافع قائلة:"مصر لا تلام ومصالح البلدين كفيلة بحل الخلاف" أما فى برلين فإن المصريين كانوا يتظاهرون ضد المعاهدة.وكان علماء مصر يتكلمون عن.. نظام الوقف!
وإذا كانت مصر لم تدرك أهمية قيام الجماعة. فإن العالم فاته ذلك أيضا كان اهتمام العالم فى تلك السنة بتوقيع ايطاليا معاهدة الصداقة مع أثيوبيا وإعلان زوغو ملكا على البانيا والخطة الخمسية الأولى فى الاتحاد السوفيتى واختيار شيانج كاى رئيسا للصين وهربرت هوفر رئيسا للويلات المتحدة واغتيال أوبريجون رئيس المكسيك ووفاة حسين رشدى رئيس وزراء مصر أثناء الحرب العالمية الأولي!
انتشرت الجماعة فى الإسماعيلية والمناطق المجاروة بجهده وحده ومنحه عمله كمدرس القدرة والتجربة فى السيطرة على الشباب.كان يلجأ للمحضرات والمنشورات والخطابة فى المساجد مؤمنا بأنه لابد من الحصول على أكبر قدر من المساندة من الطلبة والفلاحين والعمال
وأن العقيد الإسلامية التى تقدم بطريقة ليست هيابة أو مهادنة قوة قادرة على اجتذاب سكان مصر.لم يضع حاجزا بينه وبين الناس ... أبدا. وكان يؤمن بأن الزمن معه ومع الجماعة
قال لصديق:
- نحتاج لأجيال ثلاثة لتنفيذ خططنا الجيل الثانى يحارب يقصد جيل التنفيذ والجيل الثالث ينتصر .. يعنى الذى يقطف ويجنى الثمار وبحماس لا يهدأ بدأ إعداد الجيل الأول .. المستمع.خلال عامين كان قد أنشأ شعبا للجماعة حول الإسماعيلية وبور سعيد و..العريش
وارتفع عدد الشعب إلى عشرة خلال أربعة أعوام من تأسيس الجماعة , ,لم ينس المرأة فأنشأ مدرسة الإسماعيلية لتأهيل الأخوات المسلمات. وحرص من البداية .
على الإدارة المركزية فجعل كل الشعب تتبع المقر الرئيسى فى الإسماعيلية وطاف , بكل الشعب واختار قادتها بنفسه ويكتشف البنا أنه حان الوقت لطفرة فيطلب الانتقال إلى القاهرة فى أكثر عام 1932 فينقل مدرسا بمدرسة عباس بالسبتية.وينتقل معه إلى القاهرة المركز العام للجماعة!
ويصدر فى العام التالى مجلة أسبوعية باسم " الإخوان المسلمين" وينطلق نشاط الإخوان فى العامين التاليين فى الدعوة الدينية.
وينشىء 50 شعبة فى هدوء وحذر دون إثارة السلطات داخل مصر ويلحق بمعظمها مراكز لتحفيظ القرآن ومدارس ومستوصفات صحية فى كتاب " الطريق إلى السويس" قال : ارسكين تشيلدرز أن البنا دأب منذ عام 1934 على تأسيس فروع للجماعة خارج مصر.
وقال الباحث الأمريكى ريتشارد ميتشيل فى رسالة دكتوراه عن الإخوان المسلمين إن دارهم صارت منتجعا لكل الحركات الإسلامية.. فى العالم الإسلامى.وهكذا امتدت شعب الإخوان إلى السودان وسوريا ولبنان وفلسطين وشمال أفريقيا.
ويقول الصحفى الألمانى ولهم ديتل:" كان للإخوان أعضاء فى جنيف قبل الحرب العالمية الثانية".
قال إسحاق موسى الحسيني فى كتابه " الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية" إن الإخوان حركة فى شخص البنا تمددت واتسعت بالأعضاء والمريدين.
يزور الشيخ البنا المقر الرئيس بالقاهرة صباحا ليترك تعليمات بنظام العمل اليومى ويتجه إلى مدرسة عباس بالسبتية يؤدى عمله كمدرس وبعد عودته من المدرسة يتوقف فى المركز ثم يعود إليه مرة ثالثة فى المساء.
كانت فى مصر فى ذلك الحين 120 جمعية دينية وكان تشكيل هذه الجمعيات . فى بعض الأحيان عملية تجارية لجمع التبرعات لحساب مؤسسيها ووجد موظف شكل 12 جمعية.
ولكن جماعة الإخوان دون غيرها كانت تستحق الفخر بها كما قال " هيوراث دان" رجل المخابرات البريطانية فى مصر الذى يجيد اللغة العربية واسلم وأصبح اسمه جمال الدين هيوراث دان وتزوج مصرية مسلمية فى بحث قدمه سرا للإنجليز ثم نشره بعد ذلك كتابا ولكن بأسلوب مختلف .
قال:
- " تتمتع الجماعة بشعبية تفوق ما كان يتمتع به الوفد عند نشأته وفى عصره الذهبى خاصة ذا أخذنا فى الاعتبار الموارد المتاحة للجماعة.
- ويرجع ذلك إلى البنا فهو رجل تنظيم على درجة عالية من الكفاءة يصوغ تعاليمه الدينية بطريقة بارعة تمكنه من جذب خيرة شباب البلد إليه , ومجموعه أخرى من أصحاب المناصب والمكانة الطيبة.وهو يتوجه إلى المشاعر الدينية ويستخدم التنويم المغناطيسى العميق خلال خطبه وأحاديثه"!
لم يتوقف الاتهامات عن ملاحقة الشيخ البنا منذ بدأ دعوته اتهم وهو مدرس فى الإسماعيلية بأنه شيوعى ووفدى وجمهورى ضد الملك فؤاد فحقق معه وثبتت براءته.
قالت المفوضية الأمريكية
- " خطورة الإخوان تكمن فى المبادىء المعتصبة التى تعتنقها وطبقا لما يقوله الإخوان مادامت مصر دولة إسلامية فيجب أن تحكم بقانون القرآن"
وقالت السفارة البريطانية
- " الهدف المعلن للجماعة إقامة حكومة ومؤسسات مصرية على أساس المبادئ القرآنية الأصيلة ونبذ الثقافة الغربية التى تعتبرها الجماعة.
- مسئولية عما أصاب المجتمع المصرى من انهيار الأخلاق وانحلال السلوك وفساد القيم منذ جلبت على الشعب ما يعانيه من تعاسة وفقر.
- ومهمة الجماعة إقامة تنظيم قوى لديه مشاعر العداء للأجانب ووجه الإنجليز إلى الشيخ البنا اتهامات ... متناقضة... كثيرة
قال تقرير لسارة البريطانية
- تلقت جماعة الإخوان مشاهدة من دول المحور ألمانيا وايطاليا بين عامى 1934و 1939 مما حدا بالبنا أن يصبح من العناصر النشيطة المعادية لبريطانيا وأثناء الحرب العالمية الثانية عندما كانت الهزائم تحيط بالإنجليز فى كل مبادين القتال
قالت المخابرات البريطانية:
- " يبدو أن البنا تقلى تبرعات من السفير الأفغانى. ومن المفوضية الإيرانية.. وهناك ادعاءات بأنه تلقى أموالا من أعضاء بالمفوضية اليابانية"!!
واتهمه كثير من الكتاب بأن جماعته نازية فاشيةوقارنه البعض بهتار وموسولينى!وقالت السفارة البريطانية إنه درس تلك المؤسسات واستخدما كنموذج تحتذى به حركة الإخوان.
وفى دراسة للضباط الكندى ج.ب هاردى قدمها فى تقرير سرى لوزارة الحربية البريطانية قال:
- "هذه المقارنة عن مؤسس وقديس الإخوان لا يمكن التسليم بها إلا من وجه نظر سطحية.تحمل منظمة الإخوان شبه محدد مع الحركتين النازية والفاشية وخاصة فى تعاليمها الداعية إلى الطاعة المطلقة وغير المشروطة للمؤسس. وفى الشكل شبه السرى للتنظيم, والإستعداد الوسائل العنيفة لتحقيق الأهداف.ولكن إلى هنا ينتهى التشابه.
الإخوان حركة دينية صريحة برنامج إصلاحى يشكل غاية فى ذاته بينما النازية والفاشية يناهضان الدين بصورة سافرة.وكان هدف هتلر الأول كسب السلطة لنفسه قبل تحقيق منفعة للأمة وحتى آخر أيام البنا ظل رجلا مقتصدا متواضعا على نقيض التفاخر والعظمة لدى ديكتاتورى ألمانيا وإيطاليا.
والسلطة التى تمتع بها البنا لم تغره أبدا بعزل نفسه عن الناس كما حدث فى حالة هتلر وموسولينى. ويبدو أن البنا لم يعان أبدا من أوهام العظمة التى أصابت الديكتاتور الألمانى والديكتاتور الإيطالى.
وهناك شك هائل حتى بين الكتاب المصريين فى أن البنا رجل طموح يريد إعلان نفسه خليفة للمسلمين
وليس هناك دليل من حياة البنا يشير إلى أنه سعى إلى هذا المنصب لنفسه وربما يكون قد قبله لو أن الموضوع أثير اعتقادا منه بأنه ذلك لصالح الإسلام بوجه عام ومصر بوجه خاص
ويمكن تبرئته من الطموح الشخصى فى المجال الدينى أو السياسى وقد مارس الإشراف الشخصى والمباشر على تنظيم الإخوان كله وربما فعل ذلك لضمان الفاعلية وبدافع الاهتمام الشخصى لا بدافع الطموح الشخصى"
كان تركيز البنا فى الدعوة عند بدايتها يدور حول مسئولية الإنسان المسلم فى إصلاح معتقداته الشخصية وتنظيم حياته حول محور إسلامى وكانت أهدافه دينية ثقافية بحتة
كتب عام 1933 إلى الملك فؤاد يطلب إخضاع البعثات التبشيرية لرقابة الدولة.ويشكل بعد عامين. وفدا من الأعيان يطلب إلى شيخ الجامع الأزهر ورئيس الديوان الملكى ووزير المعارف جعل الدين مادة إسلامية فى برامج التعليم.
وعند وفاة صاحب الجلالة قالت مجلة الإخوان بعنوان " مات الملك يحيا الملك":
- " مصر تفتقد اليوم بدرها فى الليلة الظلماء. ولا نجد النور الذى اعتادت أن نجد الهدى على سناه.
من للفلاح والعامل. ومن للفقير يروى غلته ويشفى علته, ومن للدين الحنيف يرد عنه البدع ومن للإسلام يعز شوكته ويعلى كلمته. ومن للشرق العربى يؤسس وحدته ويرفع رايته؟".
- ويعلن فاروق ملكا على مصر عام 1936 فيستقبله الإخوان فى محطات السكة الحديد على طول الطريق بيت القاهرة والإسكندرية ويهتف والتهم فى قصر عابدين قائلين:
- نهيك بيعتنا وأولادنا.
ولا يقتصر الهتاف على تلك الكلمات . بل يحددون شروط البيعة قائلين:
- على كتاب الله وسنة رسوله.
- فقد رغبوا فى الحصول من صاحب الجلالة الشاب على تأييده لدعوتهم.
- فسر المرشد العام الشيخ عمر التلمساني موقفهم من فاروق بأنهم كانوا يأملون من ورائه أن يصلح به أحوال البلاد.
- ولذلك رحبت صحيفتهم بفاروق بأنه " أسوة حسنة" , " فخر الشباب" و" حامى المصحف" و" أمير المؤمنين"وحامى حمى الدين"!
- وشهد فاروق إحتفالا بعيد الهجرة قالت مجلة الإخوان إنه " أعاد صورة سالفة صورة الرسول الكريم حينما طلع على أنصاره طلوع البدر"!
- ويكتفى المرشد العام فى تلك السنة 1936 بكتابة رسائل إلى الملك فاروق وإلى ملوك وزعماء الدول الإسلامية لإتباع منهج الإسلام وقوانينه وحضارته قائلا:" لم يبق إلا أن تمتد يد قوية . يظللها الله. وتحقق على رأسها آيات القرآن فإذا بالدنيا مسلمة هانئة , وإذا بالعوالم كلها هاتفة.الحمد لله"
- ويؤكد لفاروق فى رسالة أخرى حتمية الحكم بالإسلام
وفى رسالته إلى أحمد خشبة باشا وزير العدل أكد مطلب الحكم بالإسلام قائلا:" صدور الأمة محرجة أشد الحرج لشعورها بأنها تحكم بغير كتاب الله وقانونه وشريعته"
وعندما يدعو الفريق إبراهيم عطا الله باشا رئيس أركان حرب الجيش المرشد العام لحضور الاحتفال بعيد جلوس صاحب الجلالة يعتذر المرشد العام عن عدم الحضور قائلا:كنت أتمنى أن يكون الاحتفال بعرض عسكرى لا بحفل غنائى ساهر!
كل الجماعات الدينية فى مصر اقتصرت على الدين . ولكن جماعة الإخوان وحدها اشتغلت بالسياسة حتى غطت الطبيعة السياسية للجماعة على نشاطها الدينى.
وتعددت الآراء بين الكتاب العرب حول ما إذا كانت الجماعة قد شكلت أصلا وهى تستهدف أن تكون قوة سياسية لها وزنها.
فى رأى الضابط الكندى " هاردى" قال:
- " عند بحث جميع الحقائق نجد أن هذه الفكرة لم تكن موجودة ألاكان الإخوان من الناحية العددية قوة تمكنهم من تقديم برنامج عام على أسس سياسية, قبل عام 1936 بوقت طويل ولكنهم تجنبوا هذه المخاطرة"
وتفسر ذلك مذكرات الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف المصرى الأسبق وكان من قيادات الإخوان. قال:
- "حرص الأستاذ البنا على أن يظهر الإخوان المسلمون بمظهر الدراويش الذين يتمتعون على تلاوة المأثورات. وكان أمله فى ذلك أن يصرف اهتمام العالم الغربى عن الإخوان المسلمين باعتبارهم هيئة سياسية يخشونها على نفوذهم فى الاستذلال والإستغلال"!
وفى أول مكتب للإرشاد العام الذى يدير شئون الجماعة كان نصف الأعضاء من علماء الأزهر!رحب الأزهر بالجماعة. وساعد الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الأزهر أعضاءها باعتبارهم دعاة للإسلام ومفسرين لتعاليمه وسمح لهم بالدعوة فى المساجد فكانوا يدعون للجماعة بعد الصلاة مباشرة.ونجح الشيخ البنا فى اختيار الدعاة وتدريبهم.
وكان أغلبهم من الشباب ومن الفقراء وكان المرشد العام قدوة لهم فهو واحد منهم ولا يختلف أبدا عن الذين يوجه إليهم دعوته.منذ بدأت جماعة الإخوان عام 1928 حتى مصرع الشيخ البنا عام 1949 واجه 12 رئيسا للوزارة هم مصطفي النحاس ومحمد محمود وعدلي يكن وإسماعيل صدقي وعبد الفتاح يحيي وتوفيق نسيم وعلي ماهر وحسن صبري وحسين سري وأحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى وإبراهيم عبد الهادي.
وكانت له مع بعض هؤلاء تحالفات وصدامات فرضتها طبيعة العمل السياسى.وواجه الشيخ البنا أربعة من المندوبين السامين والسفراء البريطانيين وهم اللورد جورج لويد والسير بيرسى لورين واللورد كيلرن والسير رونالد كامبل ولم يعرف الإخوان , أو شعب مصر ماذا جرى بشأنهم أو ماذا كان يقال عنهم بين رؤساء وزارات مصر سفراء بريطانيا والولايات المتحدة فى مصر أو بين هؤلاء جميعا وصاحب الجلالة ملك مصر.
وهذا الكتاب يقدم ذلك كله بوثائق تذاع لأول مرة عن الجماعة وعن المرشد العام الذى توقف أتباعه عن مقارنته بالأئمة الآخرين. واكتفوا بأن أطلقوا عليه لقب الإمام".
صدام... واعتقال
دخل الشيخ البنا الميدان السياسى بالتدريج وخلال السنوات العشر الأولى .أى منذ عام 1928 كان يؤسس جيل التكوين.
أفاد من فشل الأنظمة السياسية والفوراق الضخمة بين الحكام والحكومين وظل يحرص على نشر دعوته فحسب يتحسن مكانه بين الجماعات والأحزاب والقصر. ويعبر بين الحين والحين عن موقف سياسى.بعث برسائل إلى رؤساء الوزارات يدعوهم إلى الإصلاح الاجتماعى الشامل على هدى الإسلام.
وتضمنت الرسائل تهديدا مقنعا يحمل معنى بأن الإخوان يشكلون قوة على أرض الواقع ومن الأفضل أن تلتفت الحكومات إلى ما يقولونه.ولكنه فى كل الأحوال حرص على أن يكون الدين طابع دعوته وأن يؤكد أن الجماعة حركة تجديد إسلامى فى القرن العشرين هدفها الحكم بالإسلام لا " نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا. فهو دولة ووطن. أو حكومة وأمة وهو خلق وقوة.
وهو رحمة وعدالة. وثقافة وقانون. أو علم وقضاء . ومادة وثروة . وجهاد ودعوة. أو جيش وفكرة. كما هو عقيدة صادقة وعبادة"وتجنب خلال تلك السنين الصراع العنيف بين الأحزاب من ناحية وبينهما وبين الملك وانجليز من ناحية أخرى
وبعد عامين من وفاة الملك فؤاد وجد أن الوفد لم يستطع ملء الفراغ الذى نشأ عن اختفاء شخصية الملك فؤاد الطاغية كما أن الوفد بدأ يضعف فقال رجالهم فى طنطا بإعداد جيش للترحيب بروميل وتجهيز عناصر موالية للمحور ومعادية للحلفاء.
حل النحاس مجلس النواب بعد 3 أيام من توليه رئاسة الوزارة فقرر الإخوان دخول المعركة الانتخابية التى قاطعتها الأحزاب الأخرى. وبلغ عدد مرشحى الجماعة 17 مرشحا.
قال البنا وهو يرشح نفسه عن دائرة الإسماعيلية: إن الترشيح يتم فى ظل الإسلام وتحت راية القرآن.
'وتركزت دعاية البنا على ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية وتحاشى الإخوان مهاجمة بريطانيا علنا ولكن استمرت الدعاية السرية ضد الإنجليز.
اعترض بعض الإخوان الذين يريدون قصر نشاط الجماعة على الدين على دخول زعيم الإخوان معترك السياسة بشكل رسمى.
وكانت التعليمات للإخوان كما تقول تقارير المخابرات البريطانية أن يصوتوا لصالح المسلمين الصالحين فى أية دائرة, أو لصالح مرشحى حزب العمال الذى أسسه النبيل عباس حليم ويدعمه القصر!
وجاء فى مقال نشرته إحدى الصحف أن البنا سيكون زعيم المعارضة فى البرلمان!
كان النحاس يعتقد أن الإخوان جمعية دينية فقد ذكر أحمد حسين زعيم مصر الفتاة للنحاس قائلا:
- الشيخ البنا رجل لا أكثر
- دعا رئيس الوزراء المرشد العام للاجتماع به فى منتصف مارس بفندق "مينا هاوس " فأقنعه بسحب الترشيح.
ويسافر النحاس عام 1937 إلى " مونتريه" لبحث إلغاء الامتيازات الأجنبية فيقدم إليه البنا مذكرة يطلب فيها أن يختار التشريع الإسلامى دستورا للأمة.
ويخطب النحاس بعد عودته من سويسرا فيقول:
- " تطالب جماعة لا وزن لها. ولا قيمة بأن يكون القرآن دستورا للأمة.. والإسلام عالى الجنبات ليس فى حاجة إلى هذه الصيحات".
رد الإخوان
- " يا رفعة الباشا. قلتم إن الجماعة لا وزن لها ولا قيمة .. وهذا أمر متروك للزمن يقول فيه كلمته"..ويقيل الملك حكومة النحاس فى 31 من يوليو عام 1937 وتنشأ أزمة ثانية بين الوفد والجماعة.
حملت صحيفة "المصرى" الناطقة باسم الوفد فى يوليو 38 على طلاب الإخوان.وكررت الصحيفة هجومها أكثر من مرة.
ردت "مجلة النذير " بعنف قالت
- "وراء سطور الجريدة مؤامرة ضد الإسلام لأن المسيطر عليها هو الوفد وقد منع النحاس الصلاة فى الأزهر.. ورجال الوفد دعاة فساد يغررون بالشباب والطلبة... ومعسكرات الوفد أماكن تجمع للقوادين والنشالين والمجرمين وأرباب السوابق"!
ويجىء ذلك الزمان الذى تنبأ به الإخوان, فيعرف النحاس قيمتهم وقدرهم عندما يتولى رئاسة الوزارة فى أعقاب حادث 4 من فبراير 1942!استنكر الإخوان حصار قصر عابدين بالدبابات البريطانية فاتهم بعض .جماعة لها .. وزن.
اللقاء الأول بين مصطفي النحاس باشا رئيس وزراء مصر والشيخ البنا ثم عام 1936 عندما كان النحاس باشا يرأس الوزارة يومها كان الشيخ ضمن وفد يطالب بالتعليم الدينى فى المدارس فظن رئيس الوزراء أن المرشد العام... عمدة لقرية مصرية!
والصدام الأول بين الرجلين تم فى عهد تلك الوزارة أيضا.أشاد النحاس فى تصريح لصحيفة " الأهرام بكمال أتوتورك زعيم تركيا وقال إنه" من المعجبين بعبقريته... بلا تحفظ"!
رد المرشد العام فى صحيفة الإخوان فقال
- " موقف الحكومة التركية الحديثة من الإسلام وأحكامه معروف . فقد حذفت القانون الإسلامى وحكمت بالقانون السويسرى فهل يفهم من هذا أن يكون لأمة مصر برنامج كالبرنامج " الكمالى"؟!
ويعقد النحاس مع بريطانيا معاهدة 1936 فيعارضها الإخوان ويطلقون عليها اسم " المعاهدة المشئومة".ويهاجم البنا معظم وزراء النحاس..
انتقد وزير الخارجية لأنه أقام حفلا للبعثة الإيرانية لما فيه من خمر ورقص وعبث بأموال الفلاحين بما يخالف الدين!ووزير الداخلية لأنه سافر ظهر الجمعة وترك أداء فريضتها!ووزير المالية لحضوره ميادين السباق والمراهنة وهى قمار صريح!
الملك فاروق مصطفي النحاس رئيسا للوزارة ولكن الإخوان وقفوا ضد حادث 4 فبراير وقرروا دخول الانتخابات النيابية القادمة.وتميزت الشهور التالية فى نشاط الإخوان بالهدوء المعتدل".
وتظل المخابرات تتابع الإخوان لتكتشف أنهم مستمرون فى " مخططاتهم التخريبية".. أى الاستعداد لتخريب المنشآت وخطوط المواصلات البريطانية إذا نجح الألمان فى غزو مصر.
ومن هنا تتضح الحقيقة وهى أن الإخوان هادنوا الإنجليز علنا وهاجموهم سرا لأنهم رأوا الوقت غير مناسب للصدام.ويتقدم الألمان داخل صحراء مصر الغربية فيسحقون القوات البريطانية فى العجيلة ودرنه ويختفى الخبر فى القاهرة وتقوم مظاهرات يهتف الطلاب خلالها قائلين " إلى الأمام يا روميل".
وقيل إن هذه المظاهرات نمت بتحريض من الوفد أو الإنجليز حتى يتسنى تغيير الحكومة.ولا يشترك الإخوان فى هذه المظاهرات
وتفسر السفارة البريطانية ذلك قائلة
- " يبدو أن أوامر صدرت للإخوان بالا يشتركوا فى هذه المظاهرات بصورة واضحة".وربما تقصد السفارة أن الإخوان رفضوا الإفصاح عن ميولهم الموالية للألمان إذا هتفوا لروميل!ولكن كان واضحا أن الإخوان لم يتعاطفوا مع الناية.
وعلى أية حال فإن عمر وزارة سرى باشا انتهى باستقالته فى 4 فبراير 1942 .. عندما حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين. وفرضت على فترة تقل عن شهر , ثم الإفراج عنه جعلت الإخوان على درجة كبيرة من القوة.
أصبح باستطاعتهم فرض ما يشاءون بالتهديد على حسين سري الذى بدأ يدرك جيدا ضعف حكومته التى لا تتمتع بتأييد فى البرلمان . والتى فقدت فى الوقت نفسه تأييد الملك والإنجليز.
ويتقارب الملك والإخوان وأخذ سرى باشا يسعى لتحسين صورة الإخوان لدى السلطات البريطانية التى اكتشفت أن رئيس الوزراء يفعل ذلك بناء على تعليمات الملك!
وكان الألمان قد أشاعوا أن هتلر أسلم ونشر وسيم خالد المتهم بالاشتراك فى اغتيال أمين عثمان وزير المالية فى عهد الوفد أن اتفاقا تم بين المرشد والإنجليز للتعاون على محو أسطورة الحاج محمد هتلر فى المساجد والامتناع عن أى نشاط معاد لبريطانيا مقابل التغاضى عن نشاط الإخوان فى المدن والقرى.
وفي كتاب ميتشيل قال: إن السفارة البريطانية عرضت مساعدة على الجماعة لتحقيق أهدافها.
واختلفت المصادر فيما إذا كانت الجماعة قد قبلت أو رفضت المساعدة والدعم المالى من بريطانيا ولكن مصادر الإخوان نفت قبولها "الأموال الكفرة".
وتقارير المخابرات البريطانية تؤكد هذا النفى كما تؤكده أيضا هيوارث دان وهو رجل بحكم صلته بالمخابرات ... كان يعرف الحقيقة.
وقالت تقارير المخابرات البريطانية
- " أصبح البنا أكثر حذرا فى حديثه عن الإنجليز.تجنب الإشارات العدائية إلى بريطانيا ولكن خطباء الإخوان فى الأقاليم استمروا يهاجمون بريطانيا.
قال البنا فى خطاب له أمام مؤتمر الجماعة:
- " الطريق طويل ولكنه الطريق الوحيد: إنه الصبر والاحتمال والجدية والعمل الدائم. ومن يريد اختطاف الثمرة قبل نضوجها فلست منهم.وعندما يصل عددكم إلى ثلثمائة كتيبة تزودت روحيا بالإيمان وفكريا بالعلم والثقافة وجسمانيا بالتدريب عندئذ أطلبوا منى أن أطلق عقالكم"
وكان واضحا من ذلك أن جيل المستمعين لم يكتمل بعد
اقترح الإخوان على الحكومة خطة تلزم الإنجليز بالتفكير عشرات المرات قبل إقدامهم على مس الوزارة بأذى أقنع المرشد العام عبد الرحمن عزام بأن تعلن الوزارة نفسها حكومة إسلامية فلن يجرؤ الإنجليز على المساس بهذه الحكومة وإلا كان ذلك مساسا بجميع المسلمين فى أنحاء العالم.ولكن علي ماهر رفض تنفيذ الاقتراح.
وربما يكون الاقتراح لصالح على ماهر ولكن من المؤكد أنه لصالح الإخوان لأنهم بذلك يكونون قد حققوا أهم أهدافهم بإقامة حكومة إسلامية. وتغيير نظام الحكم المصرى كله. إلى حكم إسلامى وهو هدف الجماعة.
ولا يمكن لحكومة مصرية. بعد ذلك . التراجع!وعرض الإخوان على رئيس الوزراء المساهمة فى الجيش المرابط. وسكرتارية الشئون الاجتماعية أصبحت وزارة بعد ذلك
وبعث البنا بمذكرة إلى على ماهر قال فيها:
- " الإخوان مستعدون وما على الحكومة إلا أن تدعوهم . وتفسح لهم المجال.لسنا نريد بذلك أن نحتكر طريق الخير ولا أن نهيمن عل وسائله ومناهجه ولسنا بذلك نريد أن نفتح أبواب عمل وارتزاق للعاطلين من الإخوان المسلمين".
- " إن البنا كان فى ذلك الوقت يجمع السلاح ويشتريه ويخزيه. ولم لم يكن أقرب الناس إليه من كبار الإخوان على علم بشئ من ذلك".
حاول عزيز المصرى توحيد الإخوان ومصر الفتاة.... ولكنه فشل وكان البنا الوسيط بين عزيز المصرى والضباط الأحرار عن طريق الدكتور إبراهيم حسن وكيل الجماعة وأنور السادات الذى أصبح بعد ذلك رئيسا لجمهورية مصر العربية!
بعد أسبوعين من تشكيل الوزارة أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا فى 3 من سبتمبر 1939.
وأعلنت فرنسا واستراليا ونيوزيلندا الحرب لى ألمانيا فى نفس اليوم وتضامنت جنوب أفريقيا مع هذه الدول فأعلنت الحرب يوم 6 من سبتمبر وكندا بعد أربعة أيام.طلب الإنجليز إلى على ماهر أن تعلن مصر الحرب على ألمانيا.
رفض على ماهر فى مذكرة بعث بها إلى السفير البريطانى. وقال فى مجلس الشيوخ إن سياسة حكومته تجنيب مصر ويلات الحرب".وفى كتاب" الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ " قال محمود عبد الحليم:" كان هناك تجاوب فكرى ونفسى بين الوزارة والإخوان.
كانت وزارة منطلقة بما توجيه غليها المصلحة العامة, وساعدها أنها كانت مؤيدة من الملك الذى كان فى مقتبل أيامه ولم يكن قد تلوث بعد ورغباته متوائم مع رغبات الشعب ويرى فى على ماهر المعلم الناجح القدير
وكان على ماهر يتصور أن الإنجليز لن يخاطروا بسمعتهم فيسقطوا حكومة مؤيدة من الشعب والبرلمان والملك".قالت تقارير المخابرات البريطانية أن "الملك قدم الحماية والمعونة المالية للإخوان"
وأيد الإخوان من ناحيتهم سياسة تجنيب مصر ويلات الحرب وعدم الاشتراك فيها والاكتفاء بتقديم المساعدات التى نصت عليها معاهدة 1936 فحسب.
ويبرق السفير البريطانى اللورد كيلرن إلى لندن
- " عمل على ماهر باشا بنشاط من وراء الكواليس لتأكيد سياسته الخاصة بالحركات المعادية للأجانب من خلال التنظيمات الإسلامية مثل جمعية الشبان المسلمين, وحركة مصر الفتاة وجماعة الإخوان المسلمين وعدد آخر من الجمعيات الإسلامية الأقل شهرة والتى تمارس نشاطها فى الخفاء.
- وأخذ على ماهر باشا يشجع نوادى وجمعيات الشباب وكان الهدف انتظام الأجيال القادمة تحت راية الملكية الوطنية المتطرفة وكراهية الأجانب والمفهوم التقليدى للإسلام فى مواجهة التيار الأكثر ليبرالية ولحزب الوفد وللأقباط نفوذ فيه فإن مكرم عبيد باشا كان سكرتيرا عاما للوفد وكذلك فى مواجهة الاحتلال الأجنبى.
- اختار على ماهر الفريق عزيز المصرى المكفتش العام للجيش المصرى رئيسا لأركان حرب هذا الجيش ومنحه رتبة الفريق . وكان على صلة وثيقة بالإخوان المسلمين ولكن السفارة البريطانية أصرت على منحه إجازة وكان عزيز المصرى مدرسا للملك فاروق عندما كان وليا للعهد
- وأختير عزيز المصرى فى وزارة محمد محمود باشا عام 1938 مفتشا عاما للجيش المصرى ولكنه منع من ممارسة مهام وظيفته.ويلتقى أنور السادات بعزيز المصرى عن طريق المرشد العام للإخوان الشيخ البنا مما يدل على الصلة بين عزيز المصرى والإخوان
- وفى مذكرات أنور السادات التى كتبها بعنوان " صفحات مجهولة " قال....رفعوا إلى احتجاجا عنيفا ذكروا فيه أن الإخوان ليسوا هتافين . وإنهم لم يهتفوا لأشخاص . وإنما يذكرون الله وحده.
- طيبت خاطرهم بأن هذه تحية المسافر وأننا لا نحيى شخصا . ولكن نحيى عمله لفلسطين فاحتسبوها عند الله فى سبيل فلسطين".
كان الإخوان خلال الثلاثينات كما يقول الشيخ التلمساني قد كونوا أرضية واسعة ومترامية عبر أقاليم ومديريات القطر المصرى كما استطاع المرشد العام أن يضع النظام الفكرى والتنظيمى للحركة وحدد تعريف الإخوان وعلاقتهم بالجماعات الإسلامية والأحزاب الأخرى.
وكان الإخوان على صلة غير مباشرة بعلى ماهر. كما تقول المخابرات البريطانية والأرجح أن هذه الاتصالات نمت عن طريق أحمد السكري وكيل الجماعة.
رحب الإخوان بالوزارة الجديدة وكتب صالح عشماوي فى "مجلة النذير" يقول:
- " تحيط بعلى ماهر هالة كبيرة من الدعاية الطيبة. وتسبقه آمال حلو, وأمان عذبة فى الإصلاح والإنقاذ. والمفروض . فى المسلم, أن يحسن النية بأخيه وليس ما يمنعنا من أن نحسن النية بعلى ماهر ووزرائه"
كان على ماهر خصما للوفد ولم يكن عضوا فى الحزب السعدى أو الحزب الأحرار المسلمين, وأيده فى ذلك صالح حرب وعبد الرحمن عزام وعزيز المصرى,وقيل هؤلاء جميعا الملك فاروق الذى كان يميل للألمان ويعادى الوفد والإنجليز ويرى أن تجمعات الإخوان يمكن استغلالها فى معارضيه الوفد!
وتكتب المخابرات البريطانية تقريرا تقول فيه
- " بلغ عدد شعب الإخوان فى مصر نحو 500 شعبة.ويرجع انتشارها السريع إلى أسباب منها فشل السياسيين الفاسدين فى مصر فى كبح جماح القلاقل الاجتماعية فمكن ذلك من يدعو لاتخاذ الإسلام منهجا من جذب أتباع من البيئة المضطهدة
وتقصد المخابرات بذلك التمويل المالى من على ماهر والقصر للإخوان! اعترض بعض الإخوان على التقارب بين المرشد العام والوزارة وطالبوا بقطع كل اتصال بين الجماعى ورئيس الوزراء.
وكان بعض المعارضين ينتمون إلى الوفد والبعض الآخر يريد استقلال الجماعة. ولكن المرشد العام رفض ذلك.أعلنت ايطاليا الحرب يوم 10 من يونيه 1940 وطلبت بريطانيا من على ماهر مرة أخرى إعلان الحرب فرفض على ماهر قائلا إن مصر لن تدخل الحرب إلا إذا هوجمت المدن المصرية أو مواقع الجيش المصرى.
ويصرح رئيس الوزراء فى جلسة سرية للبرلمان بأن السياسة المصرية لن تتغير.رحب المرشد العام بقرار على ماهر وقال:إعلان الحرب على إيطاليا شر متسطير
سأل " هيوارث دان" المرشد العام عن شعور المصريين تجاه الإنجليز أجاب البنا:
- المصريون يبغضون الإنجليز كالألمان والإيطاليين فالإنجليز لا يحترمون وعدا, ولا عهدا. ودخول مصر الحرب إلى جانب انجلترا يجعل مصر تبحث عن حقها.
ويقطع على ماهر العلاقات السياسية مع ايطاليا. ولكن السفير البريطانى يهاجم فى أحاديث الخاصة على ماهر والوزارة وصاحب الجلالة قائلا:
- فاروق ألماني الهوى يسر لانتصارات النازية, ولهزائم بريطانيا.
وفى 17 من يونيه عام 1940 قدم السفير البريطانى إنذارا لفاروق يطلب تشكيل حكومة صديقة لبريطانيا..ويستقبل على ماهر يوم 23 من يونيه.. وكانت أول وزارة ساندت الإخوان فى عملهم السياسى.
ويقبل فاروق فى 27 من يونيه استقالة الوزارة التى لم تعمر سوى عدم شهور وسبعة أيام!وتسند رئاسة الوزارة إلى حسن صبرى باشا فى اليوم نفسه ولكن هذه الوزارة لا تعمر سوى 139 يوما فقد توفى حسن صبرى يوم 4 من نوفمبر 1940 وهى يلقى خطاب العرش داخل البرلمان . ولم تتح له أو للإخوان فرصة الاتفاق أو الخلاف.ويتولى رئاسة الوزارة حسين سرى باشا فى اليوم التالى.
كان على باشا ماهر عدوا للإنجليز فى تلك الفترة وحسين سرى باشا هو صديق للإنجليز فى كل فترة وقد طلبوا إليه الحد من النشاط السياسى لعلى ماهر ومن هنا تعقب رئيس الوزراء على ماهر ورجاله فأعد مشروع قانون يحرم على الجمعيات الخيرية العمل السياسى. وكان الإخوان المسلمون الهدف الأول لهذا التشريع.
رد البنا فكتب مقالا انتقد غيه حكومة سرى باشا لانحرافها عن مبادئ الإسلام.وكان هذا المقال أكثر مما يحتمل رئيس الوزراء" كما يقول تقرير السفارة البريطانية". فهو مهندس مثقف ثقافة غربية ويتمتع بشخصية قويه!.
فى مذاكرات الدكتور محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف فى وزارة حسين سرى التى تولت الحكم فى 15 نوفمبر سنة 1940 قال " إن السلطات البريطانية أبغلت حسين سرى ان البنا يعمل فى أوساط الإخوان لحساب إيطاليا.
وطلبت هذه السلطات إلى رئيس الوزراء العمل على الحد من نشاطه" رأى رئيس الوزراء أن نقل البنا إلى بلد ناء بالصعيد يحد من نشاطه فطلب نقل المرشد العام إلى قنا.
لم يجد هيكل باشا بأسا من إجابة طلب رئيس الوزراء فنقل مدرس فى مدرسة ابتدائية ليس أمرا ذا بال. إذ يقع مثله خلال العام الدراسى فى كل سنة ولا يترتب عليه أثر.نقل البنا إلى قنا ونقل أحمد السكري وكيل الجماعة إلى دمياط وصدر القرار بتنفيذ النقل فورا.
ويضيف الإخوان سببا آخر شجع الدكتور هيكل على الإسراع بنقل المرشد العام فقد انتقدت مجلة الإخوان كتاب " حياة محمد " الذى ألفه الدكتور هيكل!
وقال المرشد العام فى أحاديث
- " إن الدكتور هيكل اقتدى فى كتابه بمؤلف فرنسى أعرض عن معجزات النبى عليه الصلاة والسلام ولم يستثن منها إلا القرآن الكريم .. مع أن المعجزات ثابتة بصحيح السنة".
كان البنا يحاضر فى المركز العام للإخوان مساء الخميس عن "نظرة الإسلام للمرأة" عندما تقدم إيه أحد الأعضاء بورقة مكتوبة فلما قرأها اعتذر عن المحاضرة وخرج.
وبعد فترة وقف الشيخ عبد المعز عبد الستار ليقول بأنه صدر أمر عسكرى بنقل الأستاذ البنا إلى قنا!اجتمع مكتب الإرشاد ورأى معظم الأعضاء تحدى القرار والامتناع عن تنفيذ النقل وأن يستقيل المرشد العام حتى لا يكون لأحد سلطان عليه .
ولكن المرشد العام , فى ظل الحرب والأحكام العرفية وتقهقر الإنجليز أمام الزحف الألمانى فى أوربا وشمال أفريقيا . وجد أن الإنجليز لن يتراجعوا أمامه . ورأى أن مرحلة المواجهة لم تأت بعد ولا يحسن التعجيل بها.
قال للأعضاء:
- أمر الاستقالة سهل لا يتطلب سوى ورقة وقلم ولكن هل سيقف الأمر عند الاستقالة . إن أمرا عسكريا سيصدر باعتقالى فى الحال فالأحكام العسكرية مفروضة على البلاد والعباد.والنقل أيسر الأضرار, وأنفع للدعوة من الاعتقال . وهى فرصة تعطى للصعيد حقه فى نشر الدعوة.وحتى يبدو الإخوان بمظهر سلمى وافق الشيخ على النقل.
قال السير مايلز لامبسون اللورد كيلرن فى البرقية 388 لحكومته:
- " كانت الملامح الرئيسية لتى تميزت بها التطورات السياسية فى مصر إزدياد حدة الصراع بين رئيس الوزراء وعلى ماهر باشا. هاجم رئيس الوزراء علي ماهر فى معاقله الإدارية وشتت صنائع خصمه بالتنقلات.
- وهاجم سرى باشا , على ماهر باشا فى التنظيمات الإسلامية التابعة لماهر باشا بنفيه البنا رئيس جماعة الإخوان المسلمين إلى قنا.
- ويبدو أن رئيس الوزراء تصرف فى هذه المسألة بشكل فج فقد صرح بأنه اتخذ هذا الإجراء بناء على اقتراح السفير البريطانى. ولم يتعامل فى هذه المسألة يمقتضى السلطات المحولة له بوصفه حاما عسكريا".
سافر البنا إلى قنا فى أول قطار لينقل نشاط الجماعة إليها . وتكون مناسبة لتثبيت مواقعه ونشر تنظيماته فى صعيد مصر.ويستهل نشاطه بعقد مؤتمر للمسلمين والمسيحيين.
فى هذا المؤتمر بين المرشد العام أهمية الحكم بالشريعة الإسلامية وبدد مخاوف الأقباط من لدعوة للحكم بالقرآن الكريم قائلا:
- فى ظل الشريعة الإسلامية عاش المسلمون والمسيحيون فى وئام ليس له مثيل.
وقال:
- الإسلام لا يعرف معنى الديمقراطية التى يحدد مدللوها الناس حسبما تقضى مصالحهم والإسلام لا يعرف المتغيرات بل هو شريعة العدل لا تتغير ولا تتبدل تبعا للمصالح والأهواء.
لم يكن البنا مدرسا عاديا يسرى عليه ما يسرى على مدرسى التعليم الابتدائى من قرارات فينقل إلى قنا, المدينة التى اعتادت الحكومات المصرية المتعاقبة أن تنقل إليها الموظفين المشاغبين للتكفير عن أخطائهم أو عقابا لهم!
ترك البنا لأنصار الإخوان أو لمن يريدون استمالة الإخوان إليهم, أن يتحركوا لعادته إلى القاهرة وتحرك أول من تحرك أعضاء حزب الأحرار الدستورين الذين ينتمى إليهم هيكل باشا فقدم أحد نوابهم سؤالا إلى سرى باشا فى البرلمان.
حسين سري يبرر موقفه من نقل البنا
برر سرى باشا. فى أحاديثه الخاصة.قرار النقل بأن البنا قصر فى عمله ولكن الإخوان أعدوا تقارير إدارة التفتيش بوزارة المعارف التى ترد على أقوال رئيس الوزراء و وتثبت أن البنا كان موفقا فى عمله وحريصا عليه وزاد ضغط النواب المؤيدين للحكومة على رئيس الوزراء بعد أن ضاقوا بانتشار نفوذ الإخوان فى الوجه القبلى.
ورأوا إبعاد البنا عن صعيد مصر.وفى مذكرات هيكل باشا وصف لهذا كله.قال هيكل باشا أدى نقل البنا إلى مالم يؤد إليه نقل مدرس غيره جاءنى غير واحد من النواب الدستوريين يخاطبنى فى إعادته إلى القاهرة ويرجونى فى ذلك بالحاح.
ولما لم أقبل هذا الرجاء هب هؤلاء النواب إلى رئيس الحزب عبد العزيز فهمى باشا وطلبوا إليه أن يخاطبني فى الأمر.وخاطبنى الرجل فذكرت له أن حسين باشا هو الذى طلب نقل الشيخ بحجة أن له نشاطا سياسيا, وأن النشاط السياسى محرم على رجال التعليم, كما أن محرم على غيرهم من الموظفين , ولا مانع عندى من إعادة الرجل إلى مدرسة المحمدية بالقاهرة.
خاطب عبد العزيز باشا رئيس الوزراء فى الأمر وذكر له إلحاح طائفة من النواب الدستوريين ذوى المكانة.أبدى لى سرى باشا أنه لا يرى مانعا من إعادة الرجل إلى القاهرة فأعدته".
وكان من الصعب على سرى باشا أن يغضب أحد الحزبين المؤلفين فى الوزارة ويركن غلى نوابهما فى تأييد استمراره فى الحكم وخشى سرى أن يزداد ضغط النواب جسامة فأراد اتقاء ما قد يجر إليه.
وهكذا عاد البنا إلى القاهرة فى يونيو من العام نفسه.
ويقول السفير البريطانى السير مايلز لامسون إن القصر الملكى بدأ يجد فى الإخوان أداة مفيدة . وإن الملك أصدر بنفسه أوامر لمديرى الأقاليم محافظين بعدم التدخل فى أنشطة الإخوان " الذين يعلمون بلا أطماع شخصية لرفاهية البلاد".
وقال السفير :
- لاشك" أن الجماعة استفادت كثيرا من محاباة القصر لها. كما نالت التأييد المادى والمعنوى من العصبة المعادية لبريطانيا التى يرأسها على ماهر".
وعلى أية حال فإن نتيجة قرار النقل والعدول عنه أفادت البنا كما يقول هيكل باشا فإن تراجع رئيس الوزراء " أشعر الشيخ حسن بأن له من القوة ما يسمح بمضاعفة نشاطه من غير أن يخشى مغبة ذلك النشاط, وأن هذا الشعور كان له أثره فى تطوير الإخوان المسلمين".
وقوبلت عودة الشيخ البنا للقاهرة بالحفاوة والترحيب مما يدل على الشعبية المتزايدة للجمعية ومرشدها العام.ولكن أحمد حسين زعيم مصر الفتاة لم يعجبه ذلك.
قال :
- " فى الوقت الذى يفصل فيه بعض الموظفين فإن البنا كموظف لم تفعل الكومة معه إلا نقله من القاهرة إلى قنا ثم ما لبث أن أعادته مرة أخرى بعد فترة غير طويلة فهو ينال عطف الحكومات على التوالى فضلا عن تلك الإعانات التى تقدمها الحكومة وهيئاتها للجماعة".
جاءت المواجهة الثانية بين سرى والبنا بعد شهور طلبت السلطات البريطانية من سرى باشا اعتقال البنا وأحمد السكري وكيل الجماعة.وكان السبب فى لذلك تقارير المخابرات البريطانية التى أجمعت على أن الإخوان " يقومون بدعايات مضادة للإنجليز, ويخطبون ضد الإنجليز فى اجتماعات شعبية ويجمعون معلومات عن تحركات القوات البريطانية ويجرون اتصالات مع موظفى السكك الحديدية ومع العاملين فى المستودعات والمعسكرات البريطانية".
وقالت هذه التقارير:
- " هناك شكوك فى أن الإخوان يخططون للقيام بعملية تخريبية شاملة ضد المنشآت الحيوية وشبكة الاتصالات البريطانية"
ورغم أن الإنجليز لم يكونوا على يقين كامل بأن الإخوان يعدون خطط تخريبية إلا أن تقارير المخابرات سببت للسفارة قلقا كبيرا دعاها لأن تطلب من حسين سرى اعتقال البنا وأحمد السكري وعبد الحكيم عابدين فاعتقلتهم الحكومة فى 16 من أكتوبر عام 1941 فى معتقل الزيتون بالقاهرة.
وكانت هذه أول مرة يعتقلون فيها. وتم ذلك وسط الحرب والأحكام العرفية وسيطرة الإنجليز على كل شئ فى مصر, مما لا يعطى أملا للمرشد ووكيل الجماعة فى إفراج قريب!
قال حامد جودة وزير التموين لفهمى أبو غدير المحامى وعضو الجماعة إن البنا اعتقل بتهمة العمالة للمحور.
أوقف سرى باشا صحف الإخوان " التعارف " و"الشعاع" الأسبوعية و" المنار" الشهرية وأغلق مطبعتهم وحظر اجتماعاتهم ومنع الصحف من نشر أنباء عن الإخوان المسلمين واجتماعاتهم.
ولكن, تحرك كثيرون مرة أخرى للدفاع عن البنا وبينهم توفيق دوس باشا مسيحى ونائب منفلوط ووزير المواصلات السابق الذى قدم استجوابا إلى مجلس النواب بشأن اعتقال البنا وانهالت العرائض والالتماسات على الملك ورئيس الوزراء تطالب بالإفراج عن الشيخ.
واعتصم الطلاب فى مسجد السلطان حسن بالقاهرة.وفى 12 من نوفمبر ألقت الشرطة القبض على 16 طالبا كانوا يحاولون تنظيم اجتماع للاحتجاج على اعتقال زعيم الجماعة.
أصاب الرعب سرى باشا فقرر إطلاق سراح زعماء الإخوان فى اليوم التالى روى فتحي رضوان المحامى ورئيس اللجنة العليا للحزب الوطنى الذى كان مع البنا فى المعتقل .
قال:
- "ذات يوم. رأينا باب المعتقل يفتح وسيارة ضخمة من سيارات الوزراء تدخل إلى حديقة المعتقل.وسمعنا أن القادم فى السيارة محمد حامد جودة وزير التموين وسكرتير الحزب السعدى وفى وزارة حسين سرى باشا.
- ورأينا البنا يدعى إلى النزول إلى مكتب مدير المعتقل حيث اختلى بالوزير الذى جاء ليفاوض المرشد العام فى المسائل التى وقع فيها الخلف بين الإخوان والحكومة.ويبدو أن المفاوضات أثمرت الإفراج عن الأستاذ المرشد".
وهكذا صدر قرار الإفراج عن البنا فى 13 من نوفمبر أى بعد أقل من شهر سأل الشيخ البنا قائد المعتقل:
- هل شمل قرار الإفراج كلا من أحمد السكري وعبد الحكيم عابدين وكيل الجماعة وسكرتيرها العام؟أجاب القائد بالنفى فرفض الشيخ البنا الخروج أو النجاة بنفسه قال:كيف أخرج وأترك زملائى قام القائد باتصالات كثيرة مع المسئولين ثم أعطى وعدا للشيخ باستصدار قرار الإفراج عنهما فخرج البنا آسفا.
وفى تقرير المخابرات الحربية البريطانية أن " حكومة حسين سرى اعتقلت البنا ضمن آخرين ولكنها أطلقت سراحه فورا بسبب الضغوط عليها"
سأل السفير البريطانى سرى باشا عن سبب الإفراج عن البنا رغم السفير نفسه الذى أصر على الاعتقال. أجاب رئيس الوزراء:
- إن افتتاح البرلمان سيجرى بعد يومين. ولا أستطيع ضمان النظام والأمن ذلك اليوم إذا استمر اعتقال البنا وزميليه.ولو كان الملك هو الذى تدخل للإفراج عن المرشد لعام لكان حسين سرى قد أبلغ الإنجليز أو حرص على نشر ذلك بوسائل متعددة, خاصة وأنه أفشى سر الإعتقال وأعلن أنه تم بناء على اقتراح السفير البريطانى.
قال حامد جودة لفهمى أبو غدير , إن وساطته نجحت فى الإفراج عن الشيخ لأن الاتهام يقوم على الظن والهوى.وقالت الصحف إن السعديين اشتروا الشيخ البنا وجماعته بالإفراج عنه وقيل إن السعديين رغبوا فى استغلال الإفراج عن المرشد العام لمصلحتهم وهكذا ألقى المسئولون جميعا تبعة الاعتقال على الإنجليز ونسبوا لأنفسهم فضل الإفراج.
إذا كان البنا قد أفاد من نقله إلى قنا وعودته السريعة إلى القاهرة فإن اعتقال ه انفصل عنه أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشي الرجلان اللذان توليا فيما بعد رئاسة الوزارة وأحس الشيخ البنا بأن الجماعة يجب أن تمارس دورها السياسى.
فى مايو عام 38 بدأت الجماعة اشتغالها العلنى بالسياسة مع صدور العدد الأول من مجلتها الأسبوعية " النذير" وبعد أن بلغ عدد الشعب ثلثمائة شعبة فى هذا العدد وقع البنا مقاله باسم " البنا المدرس بوزارة المعارف العمومية والمرشد العام للإخوان المسلمين"
وفى هذا التوقيع وحده دلالة على أنه يرى أن عمله كمدرس أهم من منصب المرشد العام للإخوان!كان عنوان المقال " خطوتنا الثانية إلى الأمام دائما الدعوة الخاصة بعد الدعوة العامة . أيها الإخوان تجهزوا".
فى هذا المقال قال البنا
- " إن دعوة الإخوان بدأت منذ عشر سنين.. وكانت مصر يوم أن نبتت هذه الدعوة المجددة لا تملك من أمر نفسها قليلا ولا كثيرا يحكمها الغاضبون".
- " أصبح للإخوان دار فى كل مكان ودعوة على كل لسان, وأكثر من ثلثمائه شعبة وقد حان وقت العمل وآن أوان الجد. ولم يعد هناك مجال للإبطاء فإن الخطط توضع والمناهج تطبق وكلها لا يؤدى إلى غاية ولا ينتج ثمرة والزعماء حائرون والقادة متذبذبون متأرجحون.
- ستنتقل من حيز دعوة العامة فقط إلى حيز دعوة الخاصة أيضا , ومن دعوة الكلام وحده إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال وستتوجه إلى المسئولين من قادة البلد ووزرائه وحكامه وشيوخه ونوابه وهيئاته وأحزابه وسندعوهم إلى منهاجنا".
وقال:
- " إلى الآن أيها الإخوان لم تخاصموا حزبا وهيئة كما أنكم لم تنضموا إليهم ولقد تقول الناس عليكم فمن إنكم وفديون نحاسيون, ومن قائل إنكم سعديون ماهريون,ومن قائل أنكم أحرار دستوريون. ومن قائل أنكم بالحزب الوطني متصلون, ومن قائل أنكم إلى مصر الفتاة تنتسبون "إنكم من كل ذلك بريئون".
وحدد برنامجه فقال
- " كان موقفكم أيها الإخوان سليبا فيما مضى أما اليوم فى هذه الخطوة الجديدة فستخاصمون هؤلاء جميعا , فى الحكم وخارجه خصومه شديدة".
ولكن الإخوان الذين أعلنوا أنهم يخاصمون الأحزاب كلها تركوا الملك فقال البنا فى ختام مقاله:
- " إن لنا فى جلة الملك المسلم أيده الله أملا محققا, وفى الشعب المصرى الذى صقلته الحوادث ونبهته التجارب ومعه الشعوب الإسلامية المتآخية بعقيدة الإسلام , نظرا صادقا".ومن العدد الأول "لمجلة النذير" وخلال سبعة شهور يهاجم الإخوان معاهدة 1936.
قالوا:
- " أنها غل فى عنق مصر. فرضت عليها قيودا ثقيلة غليظة تنوء بحملها الجبال وقبلها المفاوضون المصريون لظروف خاصة".ودعت الجماعة إلى " عدم بناء ثكنات لقوات جيش الاحتلال والضغط على انجلترا لتعديل المعاهدة أو إعلان الجهاد"
ويهاجم صالح عشماوي الوكيل العام للجماعة فى يوليو محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر فى مقال عنوانه
" يا مصر حطمى أصنامك وطهرى ديارك للصالحين" قال فيه:
- " زعماء مصر لا يملكون نفعا ولا ضرا: يستفيدون ولا يفيدون.نحن نعبد أصناما في شكل زعماء وأصنام اليوم يمتصون دماء الأمة. ويستأثرون بخيراتها يخدعونها ويغررون بها.هؤلاء الزعماء جميعا ومن ورائهم أحزابهم. ليس لهم إلا برنامج واحد يتلخص فى كلمة ورادة هى الحكم".
ويصف الكاتب رئيس الوزراء بأنه
- " قبل أن يرتدى الرياسة خلع عصبيته للإسلام وما كاد يجلس على كرسى الحكم حتى تنكر لأمال المسلمين. وفاز بثقة الإنجليز".
ويرفض الشيخ البنا دخول الإخوان فى معركة مع خصوم الجماعة والمنشقين عليها أكثر من عشر سنوات قائلا:
- " الخلاف لا يكون حائلا دون ارتباط القلوب . وتبادل الحب , والتعاون فى الخير".
بل إن تجنب المعارك والصدام ظل شعار المرشد العام سنوات طوالا وتعترف السفارة البريطانية بأنها " لم تتنبأ بأهمية الإخوان والدور الذى سيعلونه فى المستقبل".
ولكن الجماعة رغم ذلك استطاعت أن تكون فى وقت واحد حزبا سياسيا وجمعية دينية ورابطة اجتماعية وهيئة خيرية.أما السر الكبير لنجاح الحركة فهو أنه توارى عن أنظار الإنجليز الذين يختلون مصر فلم يفطنوا إليه وإلى أهدافه زمنا طويلا.
عندما قام شباب مصر الفتاة بالهجوم على حانات الخمر فى القاهرة أعلن البنا فى " النذير" إن"الإخوان لا يوافقون على مسلك مصر الفتاة باعتبار أنه تحد للقانون".
قال تقرير للمخابرات البريطانية
- " خلال السنوات الثمانى الأولى أى منذ عام 1928 حتى عام 1936 لم تخط حركة الإخوان باهتمام سلطات الأمن البريطانية"!وكان الفضل فى ذلك للشيخ البنا"
تولى على ماهر رئاسة الوزارة يوم 18 من أغسطس عام 1939 فشكل وزارته من 14 وزيرا.ضمت الوزارة 9 من المستقلين وخمسة من السعديين وامتنع حزب الأحرار الدستوريين عن الاشراك فيها.
دخل الوزارة رجلان عرفا بعدائهما الشديد للإنجليز. وهما محمد صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين وزيرا للدفاع. وعبد الرحمن عزام باشا وزيرا للشئون الاجتماعية وقد أصبح فيما أمينا عاما للجامعة العربية.
كان على ماهر باشا أول رئيس للوزراء فى مصر اكتشف أهمية الجماعة وأراد اجتذاب هذه الحركة الإسلامية لنفسه وللملك!وكان الإخوان على صلة بعلى ماهر منذ عام 1937 عندما سافر إلى لندن لحضور مؤتمر المائدة المستديرة الذى يبحث قضية فلسطين.
قال الشيخ البنا فى مذاكرته
- ودع الإخوان على ماهر آخر وداع وبعد حضوره ذهب وفد من الإخوان إلى المحطة لاستقباله وعلى رأسه الأستاذ أحمد السكري وكيل الجماعة فهتف بحياته . وأمر الإخوان أن يهتفوا بحياته كذلك . فهتف بعضهم وامتنع الآخرون.وعادوا ثائرين.
ويبرق جاكوبس القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن فى 29 من أبريل 194 قائلا: ينظر النحاس إلى البنا باعتباره قوة يحسب لها حساب وقيل أنه منح الجماعة إعانة مالية كبيرة.
ومن الواضح أن الإخوان مستعدون للتعاون مع الحكومة الحالية الموجودة فى السلطة ومن المشكوك فيه أن يتبع الإخوان هذه الحكومة إلى المعارضة فى حالة سقوط الوزارة ونشاط الجماعة المقبل غير واضح ويمكن أن نصبح مثارا للإزعاج أو حتى للخطر من زاوية طابعها الدينى المتعصب"
إهتمام بريطانيا بالجماعة
زاد اهتمام بريطانيا بالإخوان . خلال الحرب بصورة لم يسبق لها مثيل منذ إنشاء الجماعة.
وكان السبب فى ذلك تجربة الحرب العالمية الأولي.فى تلك الحرب التى استمرت من عام 1914 – حتى 1918 كان سعد زغلول خارج الوزارة بعد خلافة مع الخديو عباس حلمى الثانى واللورد كتشير المعتمد البريطانى فى مصر.وبعد الحرب مباشرة قام الوفد برئاسة سعد زغلول يطالب بالاستقلال وكانت ثورة 1919 وما جرى فيها.
وخافت بريطانيا أن تتكرر تلك الثورة فى مصر ويقوم بها الإخوان بدلا من الوفد . فالإخوان خارج الحكم ولذلك فإن الجماعة يمكن أن تقود الثورة بعد انتهاء الحرب.. كما فعل الوفد عام 1919 عندما كان معارضا وسعد زغلول خارج الوزارة وهذا هو السبب الذى دفع بريطانيا إلى متابعة الإخوان عن كثب تتعرف اتجاهاتهم.
والغريب فى أمر السفارة أنها كانت تخشى حينا أن يثور الإخوان ضد الإنجليز وضد الوفد.. وفى حين آخر تخشى أن يستغل الوفد الإخوان للثورة ضد الإنجليز!
قالت السفارة
- " يصبح الإخوان خطرا داهما إذا استغلتهم شخصية قوية مثل الملك. أو على ماهر أو حتى النحاس باشا وربما يكون الوقت فى صالح الإخوان فهم يسعون إلى تحقيق إصلاحات تربوية, واجتماعية.
- وأخلاقية فى الوقت الذى فقد فيه الوفد شعبيته ببطء وسيفقدها بالتأكيد . كما اهتزت سمعة زعيم الوفد مصطفي النحاس من الاتهامات حول إساءة استغلال نفوذه .
(تقصد السفارة الكتاب الأسود)
وقد يأتى يوم يتصارع فيه الإخوان مع الوفد للوصول إلى الحكم طبقا لبرنامجهم. ويشكل الإخوان على المدى البعيد خطرا محتملا على الجالية الأوربية فى مصر إذا جاء يوم تتقدم فيه بريطانيا مزيدا من التنازلات إلى القومية المصرية.
ومن وجهة النظر قصيرة المدى فى زمن الحرب فقد تثور أسئلة حول ما إذا كان يتعين علينا النظر إلى الإخوان على أنهم يشكلون خطرا مباشرا.ومنذ بداية الحرب لم تتدعم مكانة الجلاء كما هى الآن. ولم تتدهور مكانة دول المحور كما هى الآن.
وكنا نحرص بوجه عام على عدم استعداء الرأى العام المصرى ضدنا كما تتميز علاقاتنا بالحكومة بالتفاهم التام وقد ألمح الناس إلى أن البنا منافق .
وقد نفى أنه ديماجوجى مثل أحمد حسين وان طباعه وثقافته الدينية يفضل سياسة التطور السلمى لا العنف الذى يؤدى إلى دمار الجماعة, وهناك عدة أحداث تجعل الإخوان يشكلون خطرا من جديد
- إذا تدهور الموقف العسكرى بصورة خطيرة أو كانت خسائرنا ضخمة
- وإذا نجح الحلفاء فى إبعاده شبح الحرب عن مصر وتركوا المجال مفتوحا أمام الصراعات السياسية المحلية فقد نواجه بمطالبة الإخوان المسلمين لنا بإنهاء النفوذ البريطانى فى مصر وجلاء قواتنا
- يمكن أن يؤدى أى حادث فردى مثل الحادث الذى وقع أخيرا عندما لقى طالب مصرعه بسبب تصرفات غير مسئولة للجنود البريطانيين, فتثور المشاعر . وتتحرك المظاهرات المعادية لبريطانيا ويشترك فيها الإخوان.
ورغم ذلك أحسن الإخوان التصرف فى هذا الحادث بصورة تدعو إلى التقدير.ويجب علينا فى جميع هذه الحالات أن نأخذ فى اعتبارنا احتمالا هاما. وهو أن الجماعة قد تمتنع ككل عن الاشتراك فى الاضطرابات الآن إلا أن المتطرفين من أعضائها وهم يشكلون جزءا لا يستهان به قد يقدمون من تلقاء أنفسهم بأعمال تخريب خطيرة.
وأخيرا عندما ندرس أهمية تأمين المستقبل بالنسبة للإخوان يصبح من قليل التسرع أن نتجاهل تماما ثورة عام 1919 ويصبح من قبيل التسرع أيضا أن نهتم بها أكثر مما يجب. زمن ثم فالمصريون جميعا يحركهم السخط على الاحتلال العسكرى الذى دام 4 سنوات لم تنل أمانيهم القومية خلالها أى قدر من الاهتمام بل تعرضت حرياتهم الشخصية وممتلكاتهم ومشاعرهم للامتهان.
وشهدت البلاد ارتفاعا فى أسعار القطن جعل الفرحين مهيئين للإستجابة إلى دعايات الأفراد المعادين لبريطانيا فى المدن. ولكن عادت الأوضاع ما هى عليه مع حدوث انخفاض فى أسعار القطن.ومن ناحية نجد أن البلاد تديرها حكومة من اختيار أبنائها تقريبا أى حكومة الوفد وعلى الرغم من نقص المواد التموينية فإن معاناة الشعب قليلة نسبيا ورغم تعرضنا لبعض المشاكل بسبب وجود مئات الألوف من قواتنا فى مصر والعادات المصرية الصعبة وما يتميز به المصريون من تهور واندفاع فإن هذه المشاكل ليست على درجة كبيرة من الخطورة.
والعوامل التى أفروت أحداث 1919 ليست موجودة حاليا بنفس الدرجة الماضية وقدرتنا الآن أفضل على التنبؤ بأى احتمال لتدهور لموقف فى بدايته واتخاذ الخطوات الكفيلة بوقف هذا التدهور وإزالة بعض أسبابه".
ولعل أهم مافى هذه البرقية الإشارة إلى أن المتطرفين من الإخوان قد يقومون بأعمال تخريبية خطيرة من تلقاء أنفسهم, وهو ما حدث عام 1948 والسنوات التالية!وتلوح نهاية الحرب فى الأفق بعد انتصارات الحلفاء على المحور . وتبدأ المخابرات البريطانية فى رسم صورة لمستقبل العلاقات بين الوفد والإخوان.
قالت فى 25 من يوليو عام 1944. قبل 3 شهور من إقالة النحاس " يحتمل أن يبقى البنا ملتزما بالهدوء نسبيا طالما ظل الوفد فى السلطة وسيركز على الإفادة من ميزة الحرية التى يتيحها النحاس ليجعل من جماعته القوة بالفعل جماعة أكثر قوة.
القرار فى حشد قوتها للدفاع عن قضية الوفد وفتحت مئات المقار التابعة لها فى جميع أنحاء البلاد.وبالرغم من تحالفها المعلن مع الوفد كانت سياستها تهتم بأمور دينية بحتة وتساند الجماعة الحكومة بصورة غير مباشرة عن طريق تأكيد اهتمامها بالقضايا ذات الطابع الدينى وقلقها بشأن اوضاع العرب المسلمين.
ويقال إن الجماعة تتقاضى إعانة من الحكومة على إصدار صحيفتها بصورة منتظمة.ويصعب التنبؤ بمستقبل نشاط مثل هذه الجماعة فى حالة تغيير الحكومة طالما أنها مستعدة للمزايدة على ولائها لمن يدفع أكثر"!
فى أبريل تنهمر رسائل الاحتجاج من أعضاء الإخوان على السفارات الأجنبية احتجاجا على الإجراءات التى اتخذت لصالح اليهود فى فلسطين. ومنح الجنسية الفرنسية لطبقات معينة من الجزائريين.
وتتلقى المفوضية الأمريكية التى لم تكن قد تحولت إلى سفارة – 320 رسالة فى هذا الشأن خلال يوم واحد.وتلاحظ المفوضية أن الرسائل وردت من 70 مركزا للإخوان فى القاهرة و143 مركزا فى الأقاليم.وكتبت كل رسالة بأسلوب مختلف
وبعث البنا إلى القائم بالأعمال الأمريكى يقول:
- " يحتج الإخوان المسلمون والعالم الإسلامى على الموقف الأمريكى فيما يتعلق بفلسطين وهم يتوقعون إعلانا صريحا يهدىء المشاعر ويضمن للعرب وطنهم".
وتستخدم الجماعة الوفد حالا لتحقيق أغراضها الخاصة وبذلك يمكن أن تصبح السيطرة على الجماعة أمرا مستحيلا وتكون مصدرا كبيرا للقلق والاضطرابات
ويبدو أن الوفد بدأ ينتبه إلى ضرورة الحذروتعمل الجماعة حاليا على زيادة عدد أعضائها اعتمادا على مساندة الوفد ومن غير المحتمل أن تحل الجماعة محل الوفد. وخطر الإخوان ليس مباشرا وحقيقيا. وربما يكون خطرا محتملا فى المستقبل".
ويكتب سكريفنر رئيس القسم المصرى بوزارة الخارجية إلى مركز مخابرات الشرق الأوسط قائلا:
- " لا يوجد ما يدعو للاهتمام الجدى بأعضاء هذه الجماعة"!
ويطلب البنا مقابلة السفير البريطانى فيعتذر عن ذلك بلباقة وتحذر السفارة البريطانية لندن مرة أخرى من الجهاز السرى.قال تقرير للسفارة البريطانية فى 25 من فبراير 1944:" كونت عناصر معينة من كتائب الإخوان فرقة انتحارية.
والبنا له كتيبته الخاصة من 40 رجلا يختارهم بنفسه ,أصبحت الجماعة خطرا محتملا لا يمكن أن نسقطه من حساباتنا بسبب طابعها العسكرى والمعادى للأجانب . وبسبب التقارير التى تفيد بأنهم يحتفظون بكميات كبيرة من الأسلحة فى جميع أنحاء البلاد ويمكن استخدامها عند الضرورة"
ويصف كيرك الوزير الأمريكى المفوض تأييد الإخوان لوفد فيقول فى برقية رقم 142 بتاريخ 13 من مارس 1944:
- " بعد أن كانت جماعة الإخوان المسلمين فى المعارضة تحت رقابة صارمة اتخذت أسلوبا جديدا فى ممارسة نشاطها بناء على قرار من زعيمها البنا ... تمثل هذا أغلبية فالوفد لم يقدم برنامجا للمستقبل ولا يقدر على تبنى أية حركة إصلاحية كالإخوان.
- والإخوان أكبر مجموعة مؤثرة فى مصر . التى تقف على أبواب مرحلة خطيرة تشبه الفترة التى مرت بين عامى 1919 و 1928 والإخوان يمثلون خطرا داهما للتطرف.
- وقد وصل عددهم إلى ربع . أو نصف مليون نسمة ودعوتهم الموجهة إلى الشباب المثقف أكسبتهم تأثيرا يفوق ذلك الرقم . وبرنامجهم بلا شك مجرد غطاء لمشاعر معادية للغرب.
- وسنربطهم أهداف الإصلاح الدينى الاجتماعى بالقيادات الإسلامية التى تحظى باحترام شعبى وتوثق علاقاتهم بعدد من الدوائر السياسية وغذ تقترب مصر من تحقيق استقلالها فإن الغرض من وجود الوفد قد انتهى من الناحية العملية.ومن المحتمل أن تتمكن حركة إصلاحية مثل الإخوان من إلغاء وجود الوفد أو احتوائه.
- وليس فى إمكاننا التغاضى عن هذه الجماعة نستكشف وجهات نظرها وندعو لإضفاء طابع أكثر تحررا على برنامجها.وربما نستطيع توجيه الإخوان . فى الطريق الذى نراه صحيحا بالنسبة لمصر وجاراتها والإمبراطورية البريطانية.
- ومن المرغوب فيه أن نوضح للنحاس باشا أننا لا ننافسه فى ود البنا ولكننا فقط نسعى للحصول لى معلومات"!
رد تيرينس شون القائم بأعمال السفير البريطانى فى القاهرة يوم 10 من أكتوبر يقول:
- " ربما يصبح الإخوان قوة سياسية خطيرة إذا قام تعاون حقيق طويل بينها وبين الوفد أو تلقت منه دعما كبيرا.ودعم الجوالة. وتدريب أعضائها تدريبا شبه عسكرى بأسلحة نارية!
- واتفق الوفد والإخوان على أن فى التقارب فائدة سياسية لكل منهما! ولكن الإخوان لم يقطعوا اتصالهم بالمعارضة
قالت السفارة البريطانية
- " اتسم موقف الإخوان من المعارضة بالتسامح والمهادنة لم ير قادة الجماعة آية فائدة تعود عليهم من وراء الوقوف ضد أحزاب المعارضة أو تأييدها فإن الأحزاب ليست على درجة كبيرة من القوة بحيث ينظر إليها كخصم سياسى له شأن .
- ورغم أن القصر أفاد من جهود الجماعة منذ نشأتها تقريبا فإنه قطع إعانته المالية عنها بسبب تنازل البنا عن ترشيحه ضد الوفد ولا يبدو حاليا سوى تفاهم محدود بين القصر والإخوان.
- وكان عنصر المبادرة فى أى تحركات لدعم العلاقات بين الإخوان والقصر يجئ بصفة عامة من جانب القصر" وفى هذه البرقية اعتراف من السفارة بأن القصر هو الذى يسعى للتقارب من الجماعة وليس العكس
- ويطلب مركز المخابرات السياسية البريطانية فى الشرق الأوسط من لندن . فى 19 من يوليو و4 من سبتمبر 1943 إقامة اتصالات مستمرة غير رسمية بين الإنجليز والشيخ البنا.
قال المركز
- علينا أن نستمر فى تأييد الوفد باعتباره أكثر الهيئات تمثيلا لمصر ونوجهه بكياسة على ضوء تجاربنا ولكن علينا أن نقيم علاقة قوية وغير رسمية مع البنا زعيم ثانى الجماعات تمثيلا لشعب فهم أفضل الجماعات تنظيما بعد الوفد. وقد يحلون محله كحزب
ويعلن أحد الوزراء أنه يريد أن يكون جنديا فى جيش البنا الجرار!ويكون بين الحاضرين الوزير محمود سليمان غنام ومحمد صلاح الدين سكرتير عام مجلس الوزراء وزير الخارجية فى وزارة الوفد التالية وبعض النواب والشيوخ.ويصبح وزراء الوفد الأربعة أعضاء شرف فى جماعة الإخوان!
ويخطب البنا فى حضور الوزراء قائلا بشجاعة:
- " يظن بعض الناس أن الإخوان هيئة مصنوعة صنعتها أيد وأهواء لتنال من الوفد أو من غيره. فتنتصر لحزب على حزب أو تظاهر قوما على قوم, وذلك وهم لا أصل له. وباطل لا خير فيه".
قالت المخابرات البريطانية
- " سر تحالف البنا مع الوفد سيئ السمعة يرجع إلى خوف المرشد العام من اجراءات قمع تتخذها الحكومة ضد الجماعة كما يتطلع إلى المستقبل.فعندما أسس الجماعة. أعلن أنه يلزمها 15 سنة لتصل إلى مرحلة النضج ولكن ها قد انقضت تلك السنون ولم تصبح الجماعة قوية كما كان يأمل.
- وحتى تتطور الجماعة وتنمو بغير اضطراب . فإنه من الضرورى أن يصل إلى اتفاق مع الوفد بحيث لا يمكن لهذا الحزب الاستغناء عنه يكون الوفد مستعدا لمعارضة أى طلب للإنجليز باتخاذ إجراءات ضد الجماعة.
- وكانت مهنة البنا الأولى إقناع أنصاره بحكمة مساندة الوفد فقد انتقده الأعضاء بشدة لأنه يساند نظاما فاسدا. وانفصل عنه كثير من أتباعه وبدا كما لو أن المرشد العام ارتكب خطأ ضخما.
- ولكن البنا استطاع ببطء وثبات . استعادة أنصاره" كثف البنا جهوده لزيادة شعبية الجماعة وضم مزيدا من الأعضاء
بداية الاغتيالات
أصدر مكرم عبيد الكتاب الأسود فى 29 من مارس 1943 متضمنا وقائع عن فساد الوفد. فرأى مركز المخابرات البريطانى فى مصر " أن الأمل فى إحياء القيم الأخلاقية فى مصر يعتمد على الإخوان المسلمين"!
ويخطب البنا فى أبريل 1943 فيعلن أن " نظام الحكم فى مصر كله عفن ويحتاج إلى اعادة تنظيم شاملة يلعب فيها الإخوان دورا بارزا".
ويخشى النحاس, هذه المرة أن يؤيد الإخوان مكرم عبيد, وأن يتضامنوا معه مستغلين الكتاب الأسود, فيسعى النحاس مرة أخرى, وإلى الحصول على تأييد الإخوان والتحالف معهم فليغى قرار إغلاق شعب الجماعة ويسمح للإخوان فى 8 من مايو بعقد مؤتمراتهم.وتستفيد الجماعة من جديد بهذه الفرصة السانحة لتحقيق مزيد من الانتشار.
قالت السفارة:
- " أبلغ البنا الإخوان بعدم انتقاد الوفد وقال فى أكثر من مناسبة إن الكتاب الأسود وثيقة مضللة وبأمل ألا يتأثر بأكاذيبها أحد"!
ويزو أربعة من وزراء الوفد المركز العام للإخوان فى الشهر نفسه مايو 1943 للمصالحة والتعريف على قوة الإخوان.ويشهد وزراء الوفد فى ذلك اليوم اجتماعا يخطب فيه سراج الدين وعبد الحميد عبد الحق وأحمد حمزة , ويبدون علانية إعجابهم بأفكار الجماعة.
أصدر النحاس باشا فى أواخر يناير من عام 1943 قرارا بحظر جميع اجتماعات الإخوان باستثناء تلك التى تتم فى مقرها الرئيسى بالحلمية الجديدة بالقاهرة بعد أن وصلته تقارير تفيد بأن مقار الجماعة فى الأقاليم متورطة فى أنشطة سياسية وتقوم بدعايات معادية للوفد.
وصدرت التعليمات بإغلاق فروع الجماعة فى الأقاليم
- ويفسر الشيخ عمر التلمساني موقف الوفد قائلا:" تولد إحساس لدى الوفد بأن الإخوان يسحبون بساط الأغلبية والشعبية من تحت أقدامه , وأنهم ينافسونه فى مجال اجتذاب الشباب فقد تسلل كثير من شباب الوفد إلى صفوف الإخوان.
- وقد سبب الانتشار السريع لتشكيلات الجماعة وشبها قلقا بالغا لدى زعماء حزب الوفد وسرعان ما تحرك هذا القلق فى اتجاه الصدام مع الإخوان".
وقال:
وقد التزم البنا بنصيبه من الاتفاق بالامتناع عن توجيه النقد الاستفزازى للحكومة رغم أن موقعه الفكر من مبادئ الوفد لم يتغير .أما الوفد فما زال ينظر إلى أنشطة هذه الجماعة بعين الشك ويحرص على القيام بالمراقبة الدقيقة لها"وتبقى العلاقات بين الطرفين متقلبة لا تستقر....والهدنة لا تدوم.
وتراقب السفارة . لأول مرة . الجهاز السرى للإخوانولكن السفارة لا تستطيع أن تحدد طبيعة الجهاز.دوره.وأعضائه بل تكتفى بالإشارة إلى أن الجماعة فى تسليح أعضائها.
وقال تقرير السفارة البريطانية فى 2 من ديسمبر:
- " تجمعت لدينا على مدى 3 سنوات تقريبا تقارير هائلة عن وجود خطط يضعها الإخوان للتخريب والقيام بعصيان مسلح.ولا توجد من الناحية الفعلية آية أعمال تخريبية أو اضطرابات معادية لبريطانيا على نحو خطير.وقد يكون الإخوان أكثر جرأة فى تفكيرهم عن المصريين العاديين ولكن لا يوجد دليل على أنهم يستعدون للتضحية بأرواحهم.
- لقد ظل المصرى معروفا على مر العصور بأنه يمكن أن يقوم بتمرد عندما ينفذ صبره تماما ولكنه فى الوقت نفسه ليس بالإنسان يقبل على تعريض حياته للخطر.إنه يخضع رغما عنه. ويظل يخطط للانتقام وإسالة الدماء إلى مالا نهاية واضعا أمله على الظروف الخارجية فى تغيير الأوضاع لصالحه"
والإخوان المسلمون, فى اتجاههم العام يعتقون أفكارا اشتراكية ديمقراطية. ومن الممكن أن نتصور أنهم قد يصبحون يوما ما حزبا عماليا يعارض الوفد وأحزاب المعارضة الصغيرة التى تتكون فى معظمها من الأثرياء.
ولا أحد يعرف عل وجه الدقة العدد الحقيقى لأعضاء الجماعة.وتقدره مصادرنا بما يتراوح بين 100 ألف و200 ألف عضو ولكن مسئولا كبيرا بالشرطة المصرية يضاعف هذا الرقم كثيرا ويصل به إلى 500 ألف".
وتكشف السفارة خطة الإخوان. قالت:
- " الجماعة تتحاشى الصدام معنا. ومع الحكومة الوفدية, بينما تستمر فى تدعيم قوتها. ولا يعقل أن يعرض الإخوان مستقبلهم للخطر عن طريق القيام بعمل مندفع , غير عاقل , عندما تلوح أمامهم فرصة ورئيس الوزراء عازم على التصدى لجميع أشكال العصيان المدنى, ولديه القدرة على ذلك".
قال أمين عثمان وزير المالية للسفير البريطانى:
- ينتشر الإخوان فى جميع أنحاء البلاد وعددهم يفوق جميع أحزاب المعارضة الرسمية من حيث شعبيتهم وقوتهم ولا يمكن مقارنتهم فى هذا العدد إلا بالوفد نفسه والغالبية العظمى منهم يتميزون بالإخلاص.
- وكان أمين عثمان على حق فيما يقول فإن المرشد العام كان مقتنعا بضرورة ان يكتمل جيل الإخوان الأول.. الجيل المستمع.. أو جيل التكوين..
ويكتب السفير:
- تتخذ العلاقات بين الإخوان والوفد شكل الهدنة من الناحية الفعلية ومن المفيد بالنسبة للإخوان أن يحتفظوا بعلاقات طيبة مع الوفد. وطالما أن العارضة من شأنها أن تؤدى إلى إغلاق مقارهم, واعتقال قادتهم, وإلحاق أضرار جسيمة بمستقبل الجماعة."
- بعض الوفد أن الإخوان يستغلون حزب الوفد لمصلحتهم وأنهم يميلون الآن إلى تأييد الملك.وتوجد أدلة وقع فى معمل تكرير السويس التابع لشركة البترول الإنجليزية المصرية من تدبير اثنين من أعضاء الجماعة لا يعملان فى الشركة وتم تكوين تنظيمات جديدة للإخوان تتزايد قوتها وتأثيرها باستمرار فى جميع أنحاء البلاد.
- وقطع القصر إعانته عن الجماعة بعد انسحاب البنا من الانتخابات ثم استأنف القصر تقديم هذه الإعانة ى ديسمبر 1942 وخفت تدريجيا المعارضة التى سادت صفوف الإخوان واستعاد البنا سيطرته على الحركة"
كان الإخوان يأملون كما تصر السفارة البريطانية فى انتصار المحور ألمانيا وإيطاليا وحلفائهما... ومن هنا حرصت المخابرات البريطانية والسفارة على مراقبة الجماعة لمعرفة ما إذا كانت هناك علاقات بينها وبين المحور.
وتبرق السفارة البريطانية إلى لندن بنتائج الرقابة . قالت:
- " لا توجد سوى دلائل بسيطة للغاية على اتصالهم بعملاء دول المحور منذ نشوب الحرب فالألمان والإيطاليون يرفضون مبادئ هذه الجماعة شأنهم فى ذلك شأن سائر الأوربيين. والفارق الوحيد أنهم قد يكونون أدوات لتخليص مصر من البريطانيين واليهود.
- ورغم أن الإخوان المسلمين قلدوا الفاشية والنازية فى تنظيماتهم إلا أنهم لا يتعاطفون كثيرا مع مبادئهما وأفكارهما كما يشاع بين الناس.
- والإخوان معادون للأوربيين والبريطانيين خاصة بسبب الوضع المتميز لبريطانيا فى مصر من جهة. وهم مسلمون متعصبون من جهة أخرى. دينى . وإذا كان قد صدر من بعض رجالنا أو من بعض شعبنا أى عمل يخالف هذا الخط, أو يدل على اتجاه سياسى فأنا استنكره وسأوقفه عند حده فورا,
- ويجتمع النحاس بالمرشد العام مرة أخرى في أواخر سبتمبر ليوجه إليه تحذيرا عنيفا من القيام بنشاط ضد الإنجليز ويهدد باعتقال زعماء الجماعة.
- وينتهى الأمر بتسوية الخلافات مع الحكومة. ويوقف المرشد العام كل ما يشكو منه النحاس وسراج الدين ويلزم رجاله بالانضباط فإن تهديدات النحاس كانت مؤثرة,
- وتتجنب الجماعة النشاط السياسى وتقتصر على تدعيم الكشافة . والدروس المسائية للعمال, وتنتشر شعب الجماعة وتزداد قوتها ونفوذها في الأقاليم.
قال هيوارث دان
- " إن الجماعة عندما تواجه حكومة قوية تقتصر نشاطها على الدين , وتتحول إلى السياسة أمام الحكومات الضعيفة"!
وتهاجم الشرطة منزل البنا يوم 24 أكتوبر بحثا ‘ن أية كتيبات أو منشورات دعائية لصالح المحور, وتلقى القبض على اثنين من قيادات الجماعة بالأقاليم بتهمة التورط في طباعة منشورات لدول المحور وتوزيعها.
قال تقرير للسفارة البريطانية
- "بذل البنا قصارى جهده لفرض الالتزام على أتباعه. ونجح فى الحصول على موافقة الحكومة بإعادة فتح عدد من مقار الجماعة التى أغلقتها الشرطة. أخذت الجماعة تتحاشى التعرض للمسائل السياسية.
- وركزت جهودها على زيادة عدد أعضاء الجوالة وتدريبهم وتنظيم الفصول الدراسية المسائية للعمال وكان لتهديدات النحاس باشا بتوجيه اجراءات عقابية صارمة ضد الإخوان أثرها فجعلهم أكثر حذرا".
ويكتب السفير البريطانى اللورد كيلرن إلى لندن يوم 17 من نوفمبر 1942:
- الحرب فستنال الجماعة تأييدا كاملا من دول المحور. أما إذا انتصرت بريطانيا فستتعامل مع المصريين على نحو ما تعاملت به مع عرب فلسطين".ويحاول الإخوان التقرب إلى صاحب الجلالة الذى غضب لتنازل البنا عن الترشيح فى الانتخابات ضد الوفد فيتوجه المرشد العام إلى قصر عابدين ليرفع إلى فاروق العدد الأول من مجلتهم نصف الشهرية.
وتتدخل السفارة البريطانية ضد الإخوان فحظرت الحكومة الوفدية فى سبتمبر 1942 الاجتماعات العامة وهددت الإخوان باتخاذ المزيد من الإجراءات الانتقامية نحوهم.ويتلقى المرشد العام تحذيرا قويا من القيام بأية أنشطة معادية لبريطانيا أو الحكومة حتى لا تتعرض قيادات الجماعة للاعتقال ويستدعى فؤاد سراج الدين المرشد العام .
قال له:
- يا شيخ حسن عايز أعرف أنتم جماعة دينية أو حرب سياسى ؟ أحنا ما عندناش مانع أبدا أنكم تكونوا حزب سياسى.
- أعلنوا على الملأ أنكم يتشغلوا بالسياسة وأنكم كونتم حزب سياسى ولا تتستروا بستار الدين ولا تتخفوا فى زى الدين.أما أن تتستروا تحت شعار الدين. " والله أكبر ولله الحمد" وفى نفس الوقت تقوموا بالعمل السياسى وتباشروا السياسة الحزبية فهذا غير معقول لأنه يخل بمبادئ تكافؤ الفرص بينكم وبين الأحزاب السياسية
أنا كرجل سياسى حزبى لا أستطيع أن أهاجم جماعة دينية تنادى بشعارات دينية سامية وإلا سأكون محل استنكار من الرأى العام.
رد الشيخ البنا
- نحن لم نفكر فى العمل بالسياسة ونحن رجال دين فقط, ورجال فكر المخابرات البريطانية بأن البنا ذكر لبعض رجاله المقربين أن انتصار الألمان والإيطاليين أصبح وشيكا وأنه فى انتظار تعليمات من الألمان لتنفيذ مخططات تخريبية وراء خطوط الإنجليز".
قالت السفارة البريطانية:
- يعتمد موقف الإخوان تجاه الألمان على مبدأ تبادل المنفعة معهم.ونحن بدورنا أى الإنجليز لا نثق فى الرغبة التى أبداها البنا فى التعاون مع الوفد وتركيز نشاط جماعته على قضايا الإصلاح الدينى فما زالت التقارير تتوالى عن الخطط التخريبية التى تعدها الجماعى.
- وليس بمقدور المرء أن يغفل أصالة البرنامج الاجتماعى للجماعة فقد أعلن متحدث باسمها أن الفقر الذى يطحن جماهير الشعب فى وقتنا الحالى نتج عن طغيان الأغنياء وتصدير المواد الغذائية إلى الخارج بطريقة غير مشروعة.
- وهاجم تسامح الحكومات مع بعض العادات المذمومة التى وفدت إلى البلاد من الغرب مثل القمار وشرب الخمور وطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا كاملا.
- وأرجع البنا كافة أشكال انحلال الخلقى التى تعانى منها البلاد إلى النفوذ الغربى.وفى سبتمبر ظهر العدد الأول من مجلة الجماعة الأسبوعية " الإخوان المسلمون" بعد أن حصلت على موافقة الحكومة لم يحو هذا العدد شيئا سوى المقالات البلاغية المستحسنة والتى جديد فيها".
وقالت تقارير المخابرات البريطانية:
- " أن قيادات الجماعة أعلنت فى اجتماع سرى لها أنه إذا خسرت بريطانيا الذين ينتمون إلى الطبقات الفقيرة فمبادئ الجماعة تدعو إلى العودة إلى الشريعة الإسلامية.
- ومن غير المتوقع أن تحل مثل هذه الجماعة ضيقة الأفق, والمعوقة للتقدم محل حزب قومى كبير مثل الوفد رغم ما يلجأ إليه الإخوان. بين الحين والآخر من محاولات لاجتذاب هذه العناصر ذات الثقافة السطحية إلى معاداة الأجانب"غضب الإخوان من النحاس عندما قبض على على ماهر فى أبريل واعتبروا ذلك ضربة موجهة إليهم.
قالت المخابرات البريطانية:
- " عقد الإخوان هدنة مع الوفد ربما فى جو من الاحترام المتبادل بعد أن أدرك البنا أن بمقدور النحاس أن يشجع الجماعة بينما أدرك النحاس أن الإخوان يمكن أن يسببوا له مشكلة كبيرة إذا تحدوه.
- وصار بوسع البنا أن يعتمد على تعاطف أعداد لا بأس بها من رجال الشرطة والمسئولين الحكوميين من الإخوان وخاصة فى الأقاليم.ولكن عندما تقدم الألمان نحو العلمين زاد حماس الإخوان فألقوا بعض الخطب المؤيدة للألمان".
وقالت المخابرات البريطانية:
- " ألقى البنا خطابا أعلن فيه تأييده القوى للألمان ولكن ذلك لم يثبت أبدا وظلت خطبة الأخرى تدور حول سياسته الدينية.وأعطى لمعاونيه فى أحاديثه الخاصة انطباعا بأنه يرغب فى تحاشى وقوع صدام مع حكومة الوفد أو الإنجليز"
تقدم الألمان إلى العلمين على بعد مائة كيلو متر من الإسكندرية . فقالت وبنى النحاس حساباته على تأمين نفسه من مؤامرات القصر ودسائسه التى تحاك ضده بواسطة الإخوان المسلمين.وانتهجت الجمعية سياسة الدعم السلبى للوفد.
ولجأ البنا إلى سياسة الترقب وكله أمل فى انتظار الفرج واتسم تعاونه مع الوفد بأن أهدافه أخرجت الجمعية ومرشدها العام من المعمعة ... سالمين"!
بعث السفير البريطانى إلى لندن يوم 28 من مارس 1942 يقول:
- " كتب رئيس الإخوان المسلمين , عند انسحابه من الترشيح للبرلمان خطابا إلى رئيس الوزراء يعده بالتعاون مع الحكومة مما يعنى ضمنا الولاء للمعاهدة الإنجليزية المصرية.وربما تم التوصل إلى هذه النتيجة بمزيج من الإرهاب والرشوة ولكن قيمتها مشكوك فيها.وأخذ الإخوان يتباهون بما يتمتعون به من تأثير لدى جميع وحدات الجيش المصرى.
وقرر النحاس فرض قيود على بيع المشروبات الكحولية فى أوقات معينة يوميا وخلال شهر رمضان وفى الأعياد الدينية.واتخذ بعض الإجراءات الضرورية لحظر ممارسة الدعارة
وقام فورا بإغلاق بعض لمواخير وسمح باستئناف الجماعة لبعض أنشطتها, بما فى ذلك إصدار بعض المطبوعات وعقد الاجتماعات"ولكن السفير البريطانى السير ما يلز لامبسون اللورد كيلرن كان قصير النظر فلم يتوقع للإخوان ما تحقق لهم كتب إلى لندن
يقول:
- " تجذب جماعة الإخوان المسلمين إلي صفوفها المسلمين المتدينين البسطاء أعلنتموه متمسكين دائما بآداب الإسلام العالية وتعاليمه القوية وأخلاقه الفاضلة".وفى هذا البيان أو الرسالة المفتوحة التى وجهها الشيخ البنا إلى النحاس باشا إعلان بولاء المرشد العام للحكومة والتزامه بمعاهدة 1936!
فسر أعضاء الجماعة الانسحاب بأنه استسلام مهين وانتقدوا بعنف البنا.وأصيبت الجماعة بانقسام مؤقت وتأثرت أنشطتها تأثيرا بالغا رغم جهود البنا لتبرير الانسحاب وإلقاء اللوم على البريطانيين بتحريض النحاس ضده...
كان بين الغاضبين على انسحاب البنا, عمر التلمساني الذى أصبح فيما بعد مرشدا عاما للإخوان. فانقطع عن التردد على المركز العام. افتقد البنا صاحبه وسأل عن السبب.
قيل: إنه غاضب لانسحابك من المعركة. أرسل البنا خطابا إلى التلمساني لمقابلته .رد عليه بخطاب فحواه عدم الجدوى من المقابلة.بعث البنا إليه عبد الحكيم عابدين وعبده قاسم من قيادات الإخوان فحملا التلمساني على الحضور حيث لقيه وأقنعه.
واعترفت السفارة البريطانية فى برقياتها بان النحاس عرض مساعدة الإخوان إذا تعاونوا معه ولذلك أعلن البنا ولاءه للحكومة والتزامه بالمعاهدة.وفى كتاب الكاتب السوفيتى سيرانيان
وعنوانه " مصر ونضالها من أجل الاستقلال" قال:
- " أكتفى النحاس بتأكيدات البنا بأنه سيساند الحكومة الوفدية. ونشر النبأ بهذه الصورة دانه للنحاس باشا وإقرار بأن التنازل عن الترشيح تم بناء على ضغوط الباشا التى قيل إنها نصيحة!
وقالت الأهرام":
- إن رئيس الوزراء استقبل المرشد العام للمرة الثانية على رأس وفد من الجمعية وقدم إليه كتابا يؤيد سياسة الوزراء. قال المرشد العام فى رسالته لرئيس الوزراء مقدمة قصيرة.
- "تحدثتم رفعتكم إلى الأمة المصرية الكريمة حديثا رائعا جليلا ضمنتموه كثيرا من المبادئ القويمة والأمانى الطيبة التى يسر كل مصرى أن يحققها الله على يديكم.دعوتكم الأمة إلى مصارحتكم والتقدم غليكم بالنصح"
- فنحن أبناء أسرة واحدة وهى الأسرية المصرية الكريمة وقررتم رفعتم انه من دواعى سروركم أن تتعاون الأمة والحكومة فى هذه الظروف الدقيقة" فى تنفيذ سياسة خارجية حكيمة وتعميم سياسة داخلية بصيرة..
- والواجب يقضينا والمصلحة تدعونا إلى أن ننفذ بإخلاص وحسن نية أحكام المعاهدة التى وقعناها بمحض اختيارنا وملء حريتنا وقصدنا من ورائها سلامة استقلالنا القومى والاحتياط لمثل هذه الظروف العميقة.
وختمتم هذا الحديث بأن علينا أن
- " نعبر الطريق المحوط بالمخاطر. متعاونين متحدين كالبينان المرصوص , مترقبين بزوغ فجر الحرية, فيقوم عدل الحكام على أنقاض الظلم والاستبداد وتتفيأ الأمة ظلال الطمأنينة والسكينة والسلام".
- " أصغينا إلى هذا الحديث القيم ثم قرأنا فى الصحف أن معالى وزير الصحة أخذ يدرس باهتمام مشكلة البغاء تمهيدا لتخليص مصر من وصمته الشائنة أنه قرر فعلا البدء بإلغاء دور البغاء فى القرى والبنادر من أول مايو المقبل.
فالإخوان المسلمون أمام هذه الآمال الصالحة والأعمال الطيبة النافعة, يرون من واجبهم أن يستجيبوا لندائكم ويعلنوا أنهم حريصون كل الحرص على أن يكونوا عونا لكم وللحكومة المصرية فى تحقيق
برنامجكم الاصلاحى الذى وفى مقال كتبه محمد عفيفى شاهين رئيس تحرير مجلة " الحوادث " الوفد قال : إن البنا أصبح شهيدا بانسحابه.
ولكن انسحاب البنا كان عملا صائبا وإذا كان النحاس قد هدد بالاعتقال فإن رئيس الوفد فى ذلك الزمان . وفى ظروف الحرب لم يتردد بعد ذا اعتقال مكرم عبيد وعلى ماهر وغيرهما كثيرون.
وفى كتاب رتشارد ميتشيل قال : إن الاجتماع بين النحاس والبنا جمع بين الترغيب والرشوة أو الرغبة والرهبة فإن النحاس عرض على البنا مقابل الانسحاب:
- رية الجماعة فى استئناف أعمالها على نطاق شامل.
- أن تعد الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لحظر المشروبات الكحولية والدعارة.
عقد الإخوان اجتماعا قرروا فيه عدم الإذعان لرغبة النحاس تماما كما حدث عندما نقل سرى باشا زعيم الإخوان إلى قنا.وكما حدث فى قرار النقل فى عهد سرى وافق لبنا فى نهاية المطاف على الانسحاب من المعركة الانتخابية!
نشرت صحيفة الأهرام " سوم 23 مارس 1942 أن رئيس الشئون الدينية بمجلس الوزراء. ودار الحديث حول تنازل الشيخ البنا عن ترشيح نفسه لمجلس النواب عن دائرة الإسماعيلية.
وقد أصغى المرشد العام إلى نصائح رفعة رئيس الوزراء وتوجيهاته السديدة وعلى إثر ذلك أعلن تنازله عن ترشيح نفسه عملا بنصح الرئيس".
قال النحاس:
- يا حسن. أنا مسلم مثلك . وأعرف قواعد الدين وأصوله. من حقك الوعظ والإرشاد والدعوة إلى احترام القيم.ولكنى أرفض دخولك فى السياسة للوصول إلى الحكم إنى أمنع ذلك بكل قوة
- نفى البنا أنه يريد الحكم والسلطة.قال:
- سمعا وطاعة. وإذا كان أحد زملائى قد انحرف فى هذا فأنا كفيل برده إلى حقيقة الدعوة وهى مكارم الأخلاق والقيم الدينية.
- قال النحاس:
- كان النحاس باشا عنيفا ومنفعلا.
والرواية الثالثة جاءت فى تقرير للمخابرات البريطانية:
- " خشى النحاس أن يثبت البنا أنه منافس قوى للوفد وهدده بالاعتقال مع كبار قادة الإخوان إذا لم يذعن وهدده بمحاكمته أمام محكمة عسكرية بتهمة التجسس.وهدده النحاس أيضا بنشر اتهامات مزعومة حول أسلوب البنا فى التصرف فى أموال الجماعة!
- ورد النحاس للبنا 450 جنيها كتعويض عن التأمين الذى دفعه مقابل الترشيح ونفقات الدعاية التى صرفها!وهذا التقرير يكشف عن حقيقة هامة هى ان الوفد بدأ يخشى من منافسة الإخوان ويعنى الوفد للبنا وانسحابه أيضا يدل على أنه عنصر هام فى الشارع السياسى المصرى.
وهناك عدة روايات لما جرى فى الاجتماع بين مصطفي النحاس والمرشد العام..الرواية الأولى قالها البنا فى اجتماع بالشارع الثلاثين بالإسماعيلية عقب تنازله عن الترشيح مباشرة:
- دعانى مصطفي النحاس باشا إلى مكتبه وطلب منى التنازل عن الترشيح قلما سألته عن الأسباب قال:
- البلد فى حالة حرب.. ومصلحة البلد أن تتنازل قلت:
- ألا يكفى أن الحكومة قيدت خطواتى ولا تسمح لى بالسفر خارج القاهرة إلا بإذن من وزارة الداخلية والدعوة بهذه الصورة لا تجد مجالا للإنطلاق فيكون التنازل عن الترشيح حجرا على الدعوة والداعية.
- قال مصطفي النحاس:
- فى حالة قبولك التنازل لا مانع عندى من أن تكون لك حرية الدعوة فى كل مكان.
- قال البنا:
- أمام هذا التصريح أوافق على التنازل عن ترشيح نفسى وقال البنا فى خطابه بالإسماعيلية.
- لم نرد من الترشيح إلا أن نجد منبرا نعلن فيه عن دعوتنا فإذا تيسر لنا فى حدود الظروف التى يتاح لى أن أفصلها حين تسمح الظروف نكون قد وفقنا إلى أحسن الحلول!
- والرواية الثانية نشرها إبراهيم فرج الوزير الوفدى فى كتابه " ذكرياتى السياسية " بعد أكثر من ربع قرن, وكان كل من البنا والنحاس قد انتقلا إلى رحاب الله. وعندما يترك الوفد الحكم فى النهاية فسيواجه البنا ببديلين يتعين عليه الاختيار بينهما.
- أن يجرب حظه مع الوفد ويسعى لمناصرته وهو فى المعارضة أو
- أن يعرض خدمات الإخوان على الحكومة الجديدة أملا فى الحصول على معاملة تفضيلية مثل التى كان يتمتع بها فى حكم الوفد.
وإذا اختار البنا الطريق الأول فسيكون حظ آية حكومة قادمة صعبا للغاية وسيصبح أمن البلاد مهددا بدرجة خطيرة.أما إذا سلك الطريق الثانى وساعد الحكومة غير الوفدية فى الصمود أمام هجمات الوفد المعارض مقابل مزايا مختلفة فسيؤدى الصدام الناتج عن هذا الأسلوب إلى وقو تهديد خطير للأمن العام.
ويبدو واضحا أن الإخوان فى طريقهم ليلعبوا دورا بارزا فى آية تطورات سياسية مقبلة".
اقبل مصطفي النحاس يوم 8 من أكتوبر 1944 بعد 24 ساعة من توقعه بروتوكول الجامعة العربية وتولى أحمد ماهر باشا رئاسة الوزارة فى اليوم نفسه فشكلها من أحزاب الأقلية الأربعة: الحزب السعدى الذى يرأسه ماهر باشا والأحرار الدستوريين والكتلة والحزب الوطني.
كان أحمد ماهر فى التاسعة والخمسين.درس الحقوق فى مصر ونال الدكتوراه من جامعة مونبليية الفرنسية واختاره سعد زغلول وزيرا للمعارف فى وزارته عام 1924 .
وأتهم مع محمود فهمى النقراشى وزير خارجية بالاشتراك فى قضية الاغتيالات الكبرى .. ولما صدر الحكم ببراءته عام 1926 استقال القاضى البريطانى كيرش والذى رأس الجلسة احتجاجا على حكم البراءة
وكان سعد زغلول يصفه " بالوطنى الصامت"
اختير نائبا أكثر من مرة وتولى منصب رئيس تحرير صحيفة " كوكب الشرق الوفدية عام 1934 وأختير رئيسا لمجلس النواب عام 1936.وبعد طرد النقراشي من الوفد عام 1937 انضم إلى النقراشي وانفصل عن الوفد وأسس حزب السعديين قائلا أنه وأنصاره الممثلون الحقيقون لسعد زغلول.
تولى منصب وزير المالية عام 1938 وانتخب رئيسا لمجلس النواب عام 1939 وهو شقيق على ماهر باشا رئيس الوزارة السابق.أراد أحمد ماهر تدعيم صلته بالسفارة البريطانية ليستعين بها على مقاومة رغبات القصر والوقوف فى وجه الملك قدر الطاقة. وبدأ الوزراء اتجاها ليبراليا بالامتناع عن اعتقال خصومه السياسيين وغيرهم.
وحل أحمد ماهر مجلس النواب يوم 15 من نوفمبر وحدد 8 من يناير 1945 موعدا لإجراء الانتخابات.رشح البنا نفسه فى الانتخابات عن دائرة الإسماعيلية كما رشح خمسة من الإخوان أنفسهم فى دوائر أخرى فقد وجدوا الساحة شبه خالية أمامهم فالوفد قاطع الانتخابات وبعيد عن المعركة. والحكومة لا تمثل إلا أقلية شعبية ولذلك يمكن اعتبار الانتخابات اختبارا لقوتهم السياسية.
مهد الإخوان لذلك..كتب الشيخ أبو زهرة:
- الإسلام يبيح دخول الانتخابات طالما أن فى ذلك نشر الإسلام" وقال الشيخ على الخفيف:" لا مانع شرعا يمنع الجماعات الدينية من دخول البرلمان والاشتراك فى الحكم بصفة عامة".
وكتب المرشد العام:
- ليس البرلمان وفقا على أصوات دعاة السياسة الحزبية على اختلافها ألوانها ولمنه منبر الأمة تسمع من فوقه كل فكرة صالحة, ويصدر عنه كل توجيه سليم يعبر عن رغبات الشعب".
بدلا من أن يطلب ماهر من البنا سحب الترشيح كما فعل النحاس, وتركه يخوض المعركة ليزعم أن الانتخابات حرة يدخلها من يشاء!وكان يجب ان ينجح البنا من الجولة الأولى فالإسماعيلية شهدت ميلاد الجماعة ونموها كما أقام الإخوان ستين سرادقا للدعاية الانتخابية للمرشد العام وجاءوا من كل شعب الجماعة لتأييده وهم يهتفون" إلى البنا..يا برلمان"!
ولكن أعيدت الانتخابات بين البنا وأقوى منافسيه وهو الطبيب الدكتور سليمان عيد متعهد توريد الأغذية لقوات الجيش البريطانى فى منطقة القناة لأن أيا منهم الم يحصل على العدد المطلوب للفوز فى الجولة الانتخابية الأولى.وفى الإعادة تدخل الإنجليز والحكومة بصورة أكثر سفورا
منع الحاكم العسكرى البريطانى مندوبى البنا من دخول اللجان الانتخابية فى سينا والتصويت فيها وقام مندوبو مرشح الحزب السعدى بملْ الصناديق بالأصوات المؤيدة على هواهم.وتولت سيارات الجيش البريطانى نقل العمال من المعسكرات البريطانية غلى مراكز التصويت.
وحشدت الحكومة أنصارها وقامت بتزوير الانتخابات ضد البنا وزملائه الخمسة الذين رشحوا أنفسهم فى دوائر أخرى كمستقلين حتى لا يدخل الإخوان مجلس النواب ومبادئهم معروفة ولأنهم تعاونوا يوما مع الوفد وإن لم يكن هذا التعاون السبب الوحيد لإسقاطهم.
وكانت نتيجة التزوير سقوط البنا وجميع مرشحى الإخوان, وقيل إن أحمد ماهر علق على عدم فوز الشيخ قائلا:
- لا شأن للحكومة المصرية بدائرة الإسماعيلية . والإنجليز هم الذين يديرونها!وعندما أعلن فوز مرشح الحكومة فى الإسماعيلية كادت تحدث فتنة لولا تدخل البنا.
خطب فى الجموع قائلا:
- هذه الحشود الهائلة بهذه الصورة الرائعة تصم الحكومة بالتزوير والتضليل إن مراجلكم تغلى بالثورة وعلى شفا الانفجار . ولكن اكظموا غيظكم وانصرفوا إلى منازلكم وبلادكم مشكورين مأجورين. لتفوتوا على أعدائكم فرصة الاصطدام بكم.
وقال:
- إن عجز أمة عن أن تدفع بأحد أبنائها إلى البرلمان . ليقول كلمة الحق والسلام لدليل على أن الحرية رياء وهباء, وأن الاستعمار سر البلاء وتهاجم صحيفة الإخوان نظام الانتخابات لأنه " فاشل فى أداء رسالته " ومع ذلك أعلن البنا أن سيشترك فى اقرب انتخابات قادمة .
وأنه فى انتخابات حرة يستطيع ان يحصل على أغلبية ساحقة ولكن الجماعة لن تتقدم إلا فى عدد محدود من الدوائر.قال الشيخ لمرتضى المراغى مدير الأمن العام ووزير الداخلية بعد ذلك
- عملت الحكومة جهدها على إسقاط مرشحى الإخوان مع أنهم تقدموا باعتبارهم مستقلين لا باعتبارهم ممثلى الإخوان المسلمين.
وأضاف:
- أتدرى متى نستطيع دخول الانتخابات بصفتنا إخوانا مسلمين؟
- قال المراغى:
- متى؟
- قال الشيخ البنا: حين يقبل الملك أن يكون لنا فى الوزارة وزيران أو ثلاثة وزراء . عندئذ نعرف كيف نحظى بعدد من كراسى مجلس النواب.
- قال المراغى: هل يعنى هذا أنكم تقبلون دخول الوزارة إذا دعاكم الملك من دون شروط
- قال البنا: نعم دون أية شروط لأن وجودنا ضرورى لخدمة البلد إن برنامجنا الاجتماعى إصلاحى يقوم على أسس قوية
- قال المراغى:
- يا أستاذ حسن.وماذا يصنع وزراؤكم فى رخص نوادى الميسر والملاهى " البارات والخمارات"؟
- ضحك البنا وقال:
- هذه قفشة لا بأس بها عسى أن يستطيع وزراؤنا إزالة ذلك المنكر .
- قال المراغى:
- لعل هذا من باب " والله لنخوض إليكم الباطل حتى نصل إلى الحق" أو من " باب الضرورات تبيح المحظورات".
- قال البنا:
- نعم لك حق.
وربما يكون من حسن حظ الإخوان أنهم لم يدخلوا مجلس النواب وإلا أصبحوا مثل أحزاب الأقليات الممثلة فى البرلمان فتذوب الجماعة فى الخضم السياسى المضطرب فى مصر ولا تستطيع أن تفرض رأيا.
وعلى أية حال فإن البنا أدرك فشله فى انتخابات الإسماعيلية انه ليس من مصلحة الإخوان الصدام مع الحكومة والإنجليز وأن ساعة المواجهى لم تأت بعد.
لم يطل عهد أحمد ماهر فى رئاسة الوزارة سوى أربعة شهور فقد فكر التنظيم السرى للإخوان فى اغتياله. وعهد بذلك إلى أحد أعضائه وهو أحمد عبد الفتاح طه.
ولكن أحمد عبد الفتاح طه جبن فى اللحظة الأخيرة عن قتل أحمد ماهر وعاد إلى أعضاء الجهاز السرى يعترف بجبنه!
وفى اليوم التالى اغتال محمود العيسوى رئيس الوزراء داخل دار البرلمان يوم 24 من فبراير 1945 وهو ينتقل من مجلس الشيوخ إلى مجلس النواب ليعلن قرار مصر بدخول الحرب حتى يتسنى حضور مؤتمر الصلح طبقا لقرارات الحلفاء فى اجتماعهم بمدينة يالتا
اعترف العيسوى بجريمته: قال إن قرار إعلان الحرب. وما قد يجره على البلاد من نكبة محققة لو دخلت حربا دفعة غلى قتل رئيس الوزراء.وقال إنه ينتمى إلى الحزب الوطني وتبين انه كان يتمرن على المحاماة فى مكتب عبد الرحمن الرافعى ثم فى مكتب عبد المقصود متولى وهما من كبار رجالات هذا الحزب.
ألقى القبض على عبد العزيز على وهو من قادة النضال السرى للحزب الوطنى وصهره عبد السلام مصطفى المحامى بتهمة الاشتراك فى الجريمة لأنهما من الحزب الوطني ومن أصدقاء القاتل أيضا.
وفى مذكرات عبد العزيز على " الثائر الصامت" قال إن العيسوى من شباب الحزب الوطني وقد أصر العيسوى رغم التعذيب والتهديد والإغراء على أنه وحده القاتل والمدبر للجريمة.
قال الشيخ سيد سابق وهو من زعماء الإخوان للكاتب الأستاذ خالد محمد خالد:
- محمود العيسوى من صميم الإخوان المسلمين.
وفى مذكرات الشيخ أحمد حسن الباقوري قال
- إن النظام الخاص أو الجهاز السرى للإخوان رأى الانتقام من أحمد ماهر لأنه أسقط الشيخ البنا فى الانتخابات بالإسماعيلية فوجه محمود العيسوى لاغتيال رئيس الوزراء.
وفى اعترافات أعضاء جماعة الإخوان أمام محكمة الشعب التى شكلها جمال عبد الناصر برئاسة جمال سالم قالوا إن الإخوان هى التى اغتالت أحمد ماهر ,ولكن لا يعوّل على اعترافات المتهمين أمام هذه المحكمة فقد لقى المتهمون شر أنواع التعذيب"
ولكن الدكتور محمود عساف عضو الهيئة التأسيسي للجماعة ومدير شركة إعلانات الإخوان ينفى انتماء العيسوى قائلا انه كان يحضر فقط درس الثلاثاء الذى يلقيه المرشد العام فى مقر الجماعة أسبوعيا.
طلب العيسوى سماع رأى زعماء مصر, وبينهم الشيخ البنا فى قرار إعلان الحرب فقبض على المرشد العام وزميليه أحمد السكري وعبد الحكيم عابدين للتحقيق معهم!
رجل العام
أسند الملك رئاسة الوزارة إلى محمود فهمى النقراشي باشا وزير الخارجية والرجل الثانى فى حزب أحمد ماهر الحزب السعدى.
كان النقراشي فى الثامنة والخمسين ولد من أسرة فقيرة حصل على دبلوم المعلمين. وأوفده سعد زغلول فى بعثة إلى انجلترا وبعد عودته عين مدرسا ناظرا لمدرسة رأس التين بالإسكندرية.
اختاره سعد زغلول عندما تولى رئاسة الوزارة وكيلا لمحافظة القاهرة ثم وكيل لوزارة الداخلية وأتهم بالاشتراك فى اغتيال السردار البريطانى السير لى ستاك عام 1924 فاعتقل ثم أفرج عنه.
واتهم مرة ثانية مع أحمد ماهر , بالاشتراك فى قضية الاغتيالات الكبرى عام 1925 فاعتقل عاما كاملا حتى صدر الحكم ببراءتهما سنة 1926
انتخب عضوا فى مجلس النواب عن الوفد واختاره مصطفي النحاس زعيم الحزب, وبعد وفاة سعد زغلول وزيرا للمواصلات عام 1930 وعضوا فى هيئة المفاوضات فى معاهدة 1936 واختلف كوزير للمواصلات مع النحاس فى العام التالى فأخرجه النحاس من الوفد ومن الوزارة فأسس مع أحمد ماهر الحزب السعدى عام 1938 وتولى منصب الوزارة أكثر من مرة منذ ذلك الحين. رأى بعض المسئولين فى وزارة الخارجية البريطانية أن
- " الملك أساء اختيار رئيس وزرائه وأنه لا يوجد من هو أسوأ من النقراشي باشا! وأن نفوذه السياسى يتركز فى علاقته الطيبة بالملك وقدرته عل تجميع العناصر الوطنية المناوئة للإنجليز".
وكان اللورد كيلرن السفير البريطانى شديد العداء للنقراشى,فى خطاب قبول رئاسة الوزارة قال محمود فهمى النقراشى باشا للملك فاروق:" اعتزمت على انتهاج سياسة الحزم والمضاء فى تحقيق أسباب الأمن والنظام".
ويعلق السفير البريطانى على ذلك قائلا:
- " لم يضيع النقراشي الوقت. بل اعتقل العناصر القيادية لما يمكن أن تكون منظمات تخريبية مثل حزب مصر الفتاة والإخوان المسلمين والجناح المتطرف من الحزب الوطني اللجنة العليا واتخذ النقراشي باشا حذره عندما أصدر قراره بمنع اجتماعات هذه المنظمات"
اعتقل البنا فى سجن قسم شرطة الخليفة مع أربعين من المشتبه فيهم من رجال الأحزاب المختلفة ينامون على الأرض فى حجرة واحدة قذرة . تضيق فيها أنفاس الإنسان.
ويحاول رجل البوليس السياسى محمد إبراهيم إمام أن يتقرب إلى البنا فيعرض عليه وحده الانتقال إلى حجرة أخرى, ولكن المرشد العام يرفض مما جعل كل المعتقلين يكبرون الرجل ويعجبون بروحه المعنوية العالية. ويفرج عن البنا بعد عشرة أيام.
وأثناء الأيام العشرة التقى المرشد العام قسم الخليفة بمحمد الليثي الرجل الذى قدر له أن يلعب دورا هاما فى حياة المرشد العام.. وفى وفائه أيضا!
حاول البنا ألا يستعدى ضده محمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء الجديد فتوجه إلي بعد الإفراج عنه يعزيه ولكن بدون جدوى فإن النقراشي أصدر قرارا بمنع اجتماعات الإخوان , ومصر الفتاة واللجنة العليا للحزب الوطنى ولكن الكاتب السوفييتى سيرانين. فى كتابه. فسر مرونة الإخوان بطريقة أخرى.
قال إنه
- " بعد إقالة وزارة النحاس راجع زعماء الجماعة حساباتهم بسرعة وفاء منهم لمبدئهم العتيق " فلنقبل الأيادى التى لم تستطع قطعها " فغيروا موقفها تجاه الوفد وأنقلبوا على الاتحاد مع أحزاب الحكومة منضمين بذلك لصفوف الجوقة المنددة بسياسة النحاس وحزبه "
ويقول سيرانيان أيضا
- " إن التحالف بين الحكومة والإخوان لم يتعكر صفوه بعد اغتيال أحمد ماهر ولم يحدث أن استغل حزب الكتاب الأسود الذى كتبه مكرم عبيد كما استغله الإخوان للتشهير بالوفد".
ويقرر الإخوان التضامن مع باقى أحزاب المعارضة فى مظاهرة تبدأ من ميدان دار الأوبرا للترحيب بأعضاء مجلس الجامعى العربية واستنكار الاحتلال الفرنسى لشمال أفريقيا والمطالبة بجلاء الفرنسيين.
وتقرر الحكومة منع المتظاهرين من مغادرة الميدان فيتجمع فيه الفان من الإخوان بعد ظهر يوم 4 من يونيو يخطب فيهم البنا ورئيس مجلس النواب السورى وآخرون.ويخرج المتظاهرون من الأوبرا إلى ميدان عابدين فيخطب فيهم مرة ثانية المرشد العام ثم يطلب منهم الانصراف فى هدوء .. فينصرفوا.
ويقول مركز المخابرات البريطانية إن
- " إلغاء قرار الحكومة والسماح بخروج المظاهرة من ميدان الأوبرا تم بأمر صاحب الجلالة ملك مصر ".
وهذا يدل على ارتباط الإخوان بالقصر.لكن الوزارة تلقى القبض على مصطفي مؤمن زعيم طلاب الإخوان فى جامعة القاهرة وتمنع الإخوان من عقد اجتماعاتهم.
ويطالب صالح عشماوي باستقالة الوزارة كتب يقول:
- هذه الوزارة لم تفعل شيئا ولم تنتج شيئا ولا يجب أن تبقى ساعة من نهار! ويعقد الإخوان مؤتمرهم الوطنى العام يوم 8 سبتمبر 1945 فيشهده 2500 عضو يؤكدون التزام الجماعة بالقرآن. ويطالبون بتحقيق الأمانى الوطنية فى الجلاء.ويكون الجديد فى هذه القرارات المطالبة بتأميم قناة السويس.
ويكتب جيمس بوكر القائم بأعمال السفير البريطانى إلى لندن قائلا:
- " هذه هى المرة الأولى يعلن فيها البنا صراحة أن للجمعية أهدافا سياسية . وكان دائما يحاول إقناع الحكومة والسفارة بأن الجمعية لا تتدخل فى السياسة.ولم يصدق أحد ذلك الادعاء"
ألغيت الأحكام العرفية فى 4 فبراير 1945 ويعقد الإخوان مؤتمرا فى اليوم نفسه يدعون فيه إلى المقاومة الشعبية والجهاد ويهاجمون مبدأ المفاوضات .ويزور البنا ومحمود لبيب قائد الجوالة أنور السادات فى بيته أخذ المرشد العام يشرح للضابط الشاب متاعبه فقال:
- أنها تأتى من ناحيتين الملك والأجانب..
- الملك يشعر شعورا قويا بخطورة دعوة الإخوان لما يسمعه من أن الدعوة تقوم على أن يكون الملك بالمبايعة لا بالوراثة .. والأجانب يرهبون الدعوة لأنها تقوم على وجوب الأخذ بشريعة الإسلام وستتعرض حتما لأعمالهم وأموالهم
وأضاف المرشد العام:
- يدبر الملك أمره ليبطش بهذه الحركة التى لم تبلغ أوج قوتها بعد .. وما أيسر أن تتحول النظرة الموحدة من الأجانب والملك إلى تحالف عملى للقضاء على الدعوة وعلى الجماعة التى تدعو إليها؛
قال:
- أريد أن أضع حدا لهذه المتاعب ويمكن أن يطمئن الأجانب إلى الدعوة لو اطمأن إليها الملك وأستطيع أن أكسب ثقته لو تقابلت معه.
ويتجه البنا بالحديث إلى هدفه مباشرة قال:
- أنت تعرف الدكتور يوسف رشاد وهو ذو حظوة عند الملك ويمكنه إقناعه بمقابلتى.ويقوم أنور السادات بالوساطة ويبلغ يوسف رشاد الذى يستمع إليه ثم ينتقل حديثه إلى فاروق.ولكن الملك يقرر ألا يلتقى يوسف رشاد بمرشد الإخوان
ويكرر الشيخ البنا المحاولة مرة أخرى مع أنور السادات ويلتقى المرشد العام ووكيل الجماعة , أحمد السكري , وبالدكتور رشاد ثلاث ساعات.
قال البنا:إنى مستعد للتعاون مع الملك
وقال: ويمكن التغاضى عن بعض تصرفات الملك الشخصية لصغر سنه.. كما سنتعامل معه بصفته حاكما.وأكد المرشد العام أنه يكن لصاحب الجلالة التقدير والاحترام.
نقل الدكتور يوسف رشاد هذا الحديث إلى فاروق وحاول إقناعه بحسن نية المرشد العام ولكن الملك قال له:
- البنا ضحك عليك!
وقصد الشيخ البنا إلى دار السفارة البريطانية ليلتقى للمرة الثانية بالسير والترسمارت المستشار الشرقى يوم 17 من أكتوبر 1945 وكانت المرة الأولى قبل 18 شهرا.
طلب المرشد العام من الإنجليز ضرورة القيام بإجراء لمنع هجرة المزيد من اليهود إلى فلسطين قال:
- اقتراح الرئيس ترومان بهجرة اليهود إلى فلسطين يشبه وضع قطعة من النار بجوار برميل من البارود.وانتقل البنا إلى إندونيسيا فطالب بريطانيا أن تنظر بعين التعاطف إلى مطالب شعب إندونيسيا فى الاستقلال.
- قال سمارت: ذلك الأمر يقع خارج نطاق اختصاصى تماما.
- وتساءل قائلا: هل تقضى سياسة بريطانيا العظمى بتكوين أمة مصرية عربية متحدة أو بتفريقها كى يمكن حكمها بطريقة أكثر سهولة.
رد سمارت قائلا:
- إن بيانى مستر ايدن عن تشجيع قيام الجامعة العربية يعدان دليلا كافيا على تشجيع بريطانيا للوحدة بين أصدقائنا المصريين والعرب والبيانات كافيان ليثبتا أن بريطانيا لا تؤيد على الإطلاق أسلوب " فرق تسد" وتبقى بعد ذلك تفاصيل يمكن حلها عن طريق التشاور والتفاهم.
وانتهز سمارت الفرصة . قال:
- عندما التقينا قبل 18 شهرا أكدت تماما أن جماعتك ذات أهداف دينية وثقافية واجتماعية بينما تثار فى اجتماعات الإخوان المسلمين خلال الفترة الأخير قضايا سياسية تماما.
رد البنا:
- الغايات الدينية فى الإسلام هى. بالضرورة , سياسية فى الوقت نفسه كالدفاع عن البلاد الإسلامية مثل فلسطين والحفاظ على حقوق المسلمين وغيرها.
قال سمارت الذى يتقن العربية:
- يبدو لى كما لو أنك تدافع عن المبدأ الإسلامى القائل بأن " الدولة والدين لا ينفصلان" ومن خلال هذا المبدأ يمكن تحويل أى قضية سياسية إلى قضية ذات طابع دينى , ويبدو لى دفاعك كما لو كان محاولة لتبرير انغماس جماعتك أنشطة سياسية تماما.
- قال البنا: لا أنوى ذلك والجماعة لا تعمل لصالح أى حزب سياسى وكل ما فى الأمر أننا نكرس جهدنا لتحقيق الأمانى الأساسية للشعوب الإسلامية
- واستمر البنا يتحدث باستخفاف عن المجلس الاستشاري الذى أحال إليه النقراشي المطالب القومية للبلاد لإبداء الرأى فيها فقال إن هذا المجلس ربما يتكون من أشخاص لهم مكانتهم ولكنهم لا يمثلون الشعب بأية حال.
وقال إن الشعب لم يعد يؤيد أولئك الذين يسمون قادة . وليس لدى الإخوان المسلمين النية لتأييد أحد من هؤلاء القادة سواء النحاس أو النقراشي واستمر يؤكد نظريته القديمة التى قالها لسمارت من قبل .
قال:
- الإخوان المسلمون هم أكثر الحلفاء نفعا لكم فى مجتمع يتهدده الانحلال, وهم أشد الحواجز صلابة فى وجه الشيوعية. ومن أفضل العوامل المساعدة على الاستقرار والاسم رغم أنه ديمقراطى إلا أنه قوة محافظة.
أبرق السفير البريطانى إلى لندن قائلا:
- " يحاول البنا فى الوقت الحاضر التقرب منا ونحن لا نرغب فى إثارة عداء الإخوان لنا فى هذه المرحلة.من الأفضل أن ننتظر ونرقب ما تسفر عنه الأحداث"!
ذكرى وعد بلفور
اقتربت ذكرى وعد بلفور.وسنت الصحف المصرية حملة ضد بريطانيا والصهيونية وتدفقت المنشورات على جامعة فؤاد الأول جامعة القاهرة الآن والأزهر . تدعو للقيام بمظاهرات ضد بريطانيا والصهيونية.توقعت السفارة البريطانية أحداثا خطيرة فبعث جيمس بوكر القائم بالأعمال إلى لندن يتهم شخصيات عليا بأنها مولت بعض صحف المعارضة!ّ
وأنهم الحكومة بأنها أرادت صرف اهتمام الناس عن القضية الوطنية والجلاء.واتهم الوفد بأنه مممول بالمال حزب مصر الفتاة وجمعية الشبان المسلمين وقال إن فؤاد سراج الدين عرض أموالا على جماعة الإخوان . ولكنهم رفضوا طبقا لسياستهم فى عدم التعاون مع الوفد!
وجاء يوم الخميس أول نوفمبر 1945 فأضربت الجامعة والمدارس الثانوية وأربع من كليات الأزهر.وطاف الطلبة بالمحال التجارية يطلبون من أصحابها إغلاق محالهم التجارية فى اليوم التالى تضامنا مع حركة الأحزاب فوافق الجميع.
خشيت السفارة البريطانية أن يتدهور الأمن فى اليوم التالى 2 نوفمبر فتوجه السيروالتر سمارت المستشار الشرقى للسفارة البريطانية إلى وزارة الداخلية المصرية ليلتقى بوكيلها حسن رفعت باشا قائلا:
- يتحرق البنا شوقا ليحل محل النحاس باشا والوفد
- رد حسن رفعت:
- لا يمكن أن نعارض أمرا يمثل التطور الطبيعى:
- وأضاف:
- يتعاون الإخوان المسلمون معى للتقليل من حجم المظاهرات التى ستجرى غدا بشأن قضية فلسطين.لقد صاروا الآن أقوياء للغاية كما أن البنا قائد ملتزم تماما. وهو خطيب مفوه ولديه قدرة عالية على التنظيم.وقال حسن رفعت إن البنا تلقى إعانات من الإيطاليين والألمان والقصر والوفد.
ويضيف وكيل وزارة الداخلية المصرية.
وقال:
قال والترسمارت:
- من الخطر مساندة الإخوان واستخدامهم كسلاح حتى لا يأتى يوم تجد فيه هذه الحكومة. وكل الحكومات , أن التعامل معهم صار أمرا عسيرا فهم جماعة تعمل فى الظلام ومعادية للأجانب واستخدامهم كسلاح يؤدى بالتالى إلى نمو قوتهم. وبالتالى تصبح السيطرة عليهم أمرا مستحيلا.وإنى أدرك بالطبع زيادة قوتهم ولكنى متمسك برأيى فى أن أنشطتهم يمكن أن تؤدى إلى قيام حركة معادية للأقباط.
رد حسن رفعت قائلا:
- لا أعتقد بوجود ثمة خطر من وراء ذلك فالبنا حريص للغاية على عدم السماح بمثل هذه الأعمال.
أصر سمارت على موقفه وقال:
- لا زلت متمسكا تماما برأيى فى أن أى تشجيع للإخوان المسلمين يعد من الأمور الخطيرة.أبرز حسن رفعت رسما تخطيطا لمبنى ضخم يعتزم الإخوان إقامته ليكون المقر الرئيسى للجماعة فى القاهرة.
وأضاف:
- صار صالح حرب رئيس جمعية الشبان المسلمين وجمعيته فى الوقت الحاضر مجرد تابعين لالبنا!
قال حسن رفعت:
- إذا كانت مظاهرات الطلاب قد اختفت فالفضل فى ذلك يرجع إلى جهود الإخوان المسلمين الذين أصبحوا حاليا أكثر قوة وأنصار من الوفد فى الجامعات.
ولكن سمارت لا يكتفى بلقاء حسن رفعت باشا بل يجتمع بمحمود الغزالى بك مدير المن لعام
يقول لسمارت:
- لا أتفق مع حسن رفعت فى رأيه حول الأموال التى حصل عليها البنا أرى أن البنا يحتفظ بجزء من هذه الأموال لنفسه!جاء الصباح التالى.. الجمعة 2 من نوفمبر 1945.
قدم الإخوان سيارات النقل التابعة لشركتهم لنقل الطلاب إلى الجامع الأزهر.. وسار كثيرون على أقدامهم إلى المسجد لإضراب المواصلات . قذفت المتاجر فى حى الأزهر بالحجارة وهوجم المعبد اليهودى فى الموسكى وبلغت خسارة محل للملابس يملكه يهودى 60 ألف جنيه.
وصف جيمس بوكر المظاهرات ودور الشيخ البنا فى تهدئة الطلاب فقال:
- " تجمع عدة آلاف من الطلبة وأعضاء الجمعيات الدينية داخل الجامع الأزهر وحوله لأداء صلاة الجمعة.وقف رجال الشرطة مضطربين فى أماكنهم توقعا لنتائج المظاهرات التى كانت على وشك التحرك خوفا من فشل الشرطة فى السيطرة على هذا العدد الضخم بهم الاجهاد رغم أن رئيس الوزراء ساعد شخصيا فى القبض على بعض مثيرى الشغب!
- واستغلت الشرطة النداء الذى وجهه أحمد السكري الوكيل العام للإخوان المسلمين فى السعى لإقناع أعضاء الجماعة بالانسحاب من المظاهرات ولكن هذا النداء لم يكن مجديا.تحرك المتظاهرون إلى قصر عابدين وخرجوا من الطابع الصامت وأخذوا يهتفون بقوة بحياة الملك والو حدة العربية ويهاجمون اليهود.
خطب البنا فأبدى أسفه لأعمال التخريب التى وقعت وناشد المسئولين عنها التوقف عن أعمالهم الشريرة لم تجد نداءاته فلا تدين الأغلبية العظمى منهم بأى ولاء. وكانوا فى حالة من الهياج الشديد التى تمنعهم من الاستجابة إلى الناصح الذى لا شعبية له!ولكن البنا استطاع بعد ساعة أن ينصح المتظاهرين بالتفرق فأطاعوه وانصرفوا بنظام"
ويكتب السير والترسمارت:
- " يشعر الوفد بالسخط تجاه موقف الإخوان الذين قاموا بتهدئة أعمال الشغب التى وقعت بين صفوف الطلاب. واعتبر الوفد موقف الإخوان نوعا من الخيانة وقد تلاعب فؤاد سراج الدين بالإخوان المسلمين لبعض الوقت ولا شك أنه قدم إليهم بعض المال.
- وعلى آية حال فأن حكومة النقراشي تبدو كما لو أنها نجحت فى الوقيعة بين الإخوان والوفد. وكانت سياسة الإخوان المسلمين تتمثل فى السعى لتحاشى وقوع أى صدام مع الحكومات المتعاقبة بينما يدعم الإخوان موقفهم. وعلى نحو مشابه نجدهم حاولوا استمالتنا أى استمالة الإنجليز خوفا من ان يقوم بالتحريض على أى عمل ضدهم لقد أصبحت الجماعة تضم نحو نصف مليون عضو فى مصر .
- وافتتحت فروعا في فلسطين وسوريا. ودفع الاستياء الذى يشعر به المصريون تجاه قادة الأحزاب السياسية الحالية إلى أن ينضم عدد منهم إلى الجماعة التى وجدت أعضاء لها بين الطبقات الراقية فى المجتمع بعد أن كانت لا تضم إلا أبناء الطبقات الدنيا.
- ومن الواضح أن الإخوان المسلمين سلاح ذو حدين فيمكن أن يكونوا اليوم أصحاب دور فعال فى وقف أعمال الإثارة ثم يقومون غدا بدور خطيرة التحريض وخاصة فى القضايا الدينية ثل قضية فلسطين ولا أظن أن بمقدورنا القيام بأكثر من تحذير حسن رفعت".
وكتب الملحق العسكرى الأمريكى إلى واشنطن يوم أول نوفمبر يقول
- '" اشترى الملك ولاء الإخوان"'
إضراب عمال شبرا
أضرب عمال شبرا الخيمة. واعتقل النقراشي أكثر من 100 من المتهمين بالشيوعية فى ديسمبر واستمرت عملية اعتقال الشيوعيين فى يناير وفبراير.وحققت النيابة مع صحف " مصر الفتاة" ," الاثنين"و" روزاليوسف"و" الشيوعية" و" الوفد المصرى"و البلاغ" الوفدية.
- ويلجأ النقراشي إلى القوة لقمع المظاهرات ويعتقل أحمد السكري وكيل الجماعة ويغلق شعب الإخوان والمقر الرئيسى للجماعة.
ويعود اللورد كيلرن إلى القاهرة ليهاجم فى تقاريره الإخوان المسلمون قال:
- " يمكن إلقاء المسئولية معظم المظاهرات المعادية لبريطانيا والهجمات التى تعرض لها الرعايا البريطانيون على مدى العامين الماضيين على الجوالة الذين أصبحوا أكبر لحركات الشبابية وأكثرها تنظيما"
ظل اللورد كيلرن السفير البريطانى يتصرف بعقلية المندوب السامى البريطانى فتوجه لمقابلة رئيس الوزراء وحذره من انتشار عدوى الاغتيالات السياسية
وقال له:
- جاء اغتيال أحمد ماهر باشا دليلا على انتشار الخروج على النظام والقانون.
وأضاف:
- أصبح الإرهاب سمة مميزة للحياة السياسية فى مصر وطالب بالتعجيل بالعقاب كوسيلة للردع
وتضع السفارة البريطانية عيونها على انتشار حمل السلاح فى مصر
قال اللورد كيلرن فى تقاريره إلى لندن:
- " استمر تهريب الأسلحة على نطاق واسع وكان يتم شراء معظمها من مخلفات الجيوش التى شاركت فى معارك الصحراء الغربية خلال الحرب العالمية الثانية وبدت سلطات الأمن عاجزة عن القيام بأى شئ. وكان فى وسع سكان الأقاليم تحدى جهود السلطات لتنظيم حيازة الأسلحة النارية والإفلات من العقاب.
- وزاد من صعوبة مهمة لحكومة فى التعامل مع هذه المشكلة إن الأسلحة المحظورة من أنواع متطورة للغاية بينما كانت قوات الأمن المصرية مسلحة فى الغالب بأسلحة قديمة
- إن انتشار حيازة الأسلحة صار عاملا جديدا وخطيرا فى التأثير على العلاقات البريطانية المصرية . وفى حالة نشوب أية أعمال عنف معادية لبريطانيا على نطاق واسع سيصبح التعامل مع عناصر الشغب أكثر صعوبة عما كان عليه فى عام 1919 فقد كانت معظم هذه العناصر غير مسلحة عام 1919".
ويضع النقراشي رقابة صارمة على الإخوان طوال فترة وزارته ويكتب السفير البريطانى إلى لندن عن التغير الذى جرى فى حزب الوفد
قال:
- " يقوم حزب الوفد بدور المعارض الحقيقى فهو يشعل الاضطرابات مستخدما أساليب دعائية عنيفة ضد كل من الحكومة المصرية والبريطانية"
وتقول السفارة:
- " بدأ القصر يستميل الإخوان المسلمون الذين نمت قوتهم بصورة كبيرة وأصبحوا يتمتعون بقوة كبيرة فى الجامعة والمدارس. وما زالت الجماعة تشكل خطرا دائما لا على التعاون الودى بين كل من بريطانيا ومصر بل على التعاون بين مصر والأوربيين بوجه عام.
- وأصبح الإخوان الذين تدعمت قوتهم بفضل حماقات الحكومات المتعاقبة التى سعت إلى استخدامها لا يخفون رغبتهم فى أن يحلو محل الوفد فى نهاية الأمر وأن يقوموا بتشكيل وزارة تحكم البلاد؟
- ويسافر البنا لأداء فريضة الحج وتتجدد مظاهرات الطلبة التى أثارها الوفد والإخوان. كما تقول السفارة ويلجأ النقراشي إلى القوة لقمعها مما إثار احتجاجات عنيفة.
ويكتب السفير البريطانى إلى لندن:
- " أثبتت جماعة الإخوان المسلمين قدرتها على الاستمرار رغم المصاعب العديدة التى واجهتها واتى تمثلت فى إغلاق مقارها وإعتقال أحمد السكري وغياب البنا مما أدى إلى تقليص نشاطها. ولكن مازالت تعقد اجتماعات على مستوى محدود فى منازل بعض أعضائها.
- وخلال أحد هذه الاجتماعات قرأ أحدهم رسالة من البنا يحث فيها أعضاء الجماعة على الاستمرار فى العمل رغم اجراءات الحكومة .
- ودعا البنا إلى تقديم المعونات إلى الأعضاء الذين يتعرضون للاعتقال وقدمت الجماعة المراتب والحشايا والأغطية لأعضائها المعتقلين ووعت الأموال على أقاربهم. ويقال إن الجماعة وزعت بعض الإكراميات على ضباط الشرطة وحراس السجون لتوفير معاملى طيبة للمعتقلين"!
عاد البنا إلى القاهرة فى ديسمبر وكان من أول أعماله التحقيق فى شكاوى الأعضاء الذين اعتقلوا وأرسلوا إلى مناطق نائية ومعتقلات غير ملائمة وقيل إنهم لقوا معاملة سيئة.
وأمرا البنا بإجراء تحقيقات كاملة حول هذا الموضوع وطلب إلى أعضاء الجماعة فى المدن والمديريات موافاته بأسماء " الضحايا" وكان النية تتجه إلى تقديم احتجاجا للحكومة ضد المعاملة التى تعرض لها الأعضاء
ويكتب اللورد كيلرن إلى لندن
- " هناك تقارير غير مؤكدة عن مقابلة سرية بين الملك فاروق والبنا بعد عودته من مكة. ومن المعتقد أن املك أبلغ البنا أنه يفضل سياسة الإخوان بغير حد طالما أنها تحافظ على توازن القوى السياسية فى البلاد.
- وقد أطلق النقراشي سراح عدد من أعضاء الجماعة الذين اعتقلوا لمشاركتهم فى أنشطة معادية للإنجليز والحكومة نتيجة لقاء البنا مع الملك".
ويلتقى السفير البريطانى برئيس الوزراء ويحذره من المظاهرات المعادية ليهود التى جرت فى ذكرى وعد بلفور ويكتب كيلرن إلى لندن:
- " هذه الأحداث بمثابة تذكرة لنا أى لبريطانيا إلى ما يمكن أن ينتج من أعمال الشغب التى يقوم بها السوقة فى مصر"!
ويجتمع مجلس الوزراء المصرى برئاسة محمود فهمى النقراشى باشا يوم 18 من ديسمبر 1945 لبحث موضوع تعديل معاهدة 1936. ويقدم عبد الفتاح عمرو باشا سفير مصر فى لندن مذكرة طويلة إلى وزارة الخارجية البريطانية يطلب فيها فتح باب المفاوضات.
وتسجل هذه المذكرة مطالب مصر فى صراحة كاملة وهى الجلاء ووحدة وادى النيل قائلة
- " إن الحرب استنفدت أهم أغراض المعاهدة وأحكامها التى تمس استقلال مصر وكرامتها, ولم تعد تساير الوضع الحالى. إن وجود قوات أجنبية زمن السلم فى بلادنا حتى لو انحصرت هذه القوات فى مناطق نائية يجرح الكرامة الوطنية".
ورأى أرنست بيفن وزير خارجية بريطانيا أن يبحث مع المسئولين فى الوزارة ورؤساء الأركان حرب القوات البريطانية موضوع الجلاء عن مصر.
قال رؤساء الأركان إن معاهدة عام 1936 تنص على بقاء 10 آلاف جندى بريطانى و500 طيار فى منطقة قناة السويس..وأبدوا استعدادهم لتخفيض هذا الرقم إلى 5000.
ولكن السلطات العسكرية البريطانية رأت أن استعدادات الدفاع فى المنطقة يجب ألا تمس, مع خلق الإحساس أيضا لدى المصريين بأن الامبراطورية البريطانية رحلت عن مصر!
وقال بيفن اللجنة الدفاع المنبثقة عن مجلس الوزراء البريطانى:
- هدفنا أن نبتعد عن القاهرة فلا يرى المصريون قواتنا حتى لا يقال غن مصر بلد محتل فتنسحب القوات البريطانية إلى منطقة القناة.
ورأى بيفن أن إعلان مبدأ الانسحاب سيغرى المصريين على أن يطلبوا من البريطانيين البقاء إلى الأبد فى منطقة قناة السويس ... على الأقل وأوصى بإتباع النموذج الأمريكى وهو تأجير قاعدة قناة السويس مدة 99 سنة.
ويقدم بيفن وزير الخارجية مذكرة إلى مجلس الوزراء البريطانى. قال بيفن فى هذه المذكرة سيقبل المصريون معاهدة جديدة تتضمن نفس ملامح معاهدة 1936 التى يطالبون بإلغائها.
وقال إن بريطانيا ستسحب قواتها إلى منطقة القناة ولكنها ستحتفظ بحقها فى إعادة احتلال مصر إلى أن قامت الحرب وكان بيفن متفائلا أكثر مما ينبغى بما ستقبله مصر.
ويزور اللورد كيلرن فاروق يوم 29 من يناير عام 1946 يحمل إليه ردا شفهيا من بريطانيا على طلب تعديل المعاهدة يطالب بإدخال وزراء وفديين لا النحاس فى الحكومة ويعرض سريان التحالف بين بريطانيا ومصر.
ولكن السفير لا يفصح عن آراء بيفن كلها. ويشجع فاروق السفير البريطانى على الحديث بل يسأله النصيحة قال السفير إنه لا يستطيع التعاون مع النقراشي فطلب منه فاروق أن يقدم بذلك مذكرة كتابية قدم كيلرن هذه المذكرة يوم 31 من يناير فقصد عبد الفتاح عمرو باشا إلى وزارة الخارجية البريطانية فى اليوم نفسه, للقاء بيفن وأبلغه أن ملك مصر تلقى تحذيرا رسميا بضرورة تغيير النقراشى وأن هذه الرسالة غير ودية وقد أزعجت جلالته للغاية.
نفى كيلرن ذلك. ولكن الخدعة , أو اللعبة الملكية, حققت أهدافها فإن بيفن كان يرفض التدخل لتشكيل أو تغيير الوزارات فى مصر.فى 4 فبراير 1946 قرر مجلس الوزراء البريطانى نقل كيلرن من مصر وتعيينه مندوبا خاصا فى جنوب شرق آسيا.
وتشتد مظاهرات الطلبة التى أثارها الوفد والإخوان وتلجأ الحكومة إلى استخدام القوة لقمعها.
ويكتب الوزير المفوض البريطانى جيمس بوكر:
- " يجب أن نذكر أن الوفد لم يستطع عند افتتاح الجامعة فى أكتوبر الماضى جذب الطلاب للتظاهر خارج الجامعة بسبب عدم تعاون الإخوان معه فإنهم كانوا حينذاك يناصرون الحكومة.
- ويشير خروج جماعة الإخوان إلى الشارع جنبا إلى جنب مع الوفد إلى اعتقاد الإخوان بأن حكومة النقراشي تقضى أيامها الأخيرة , وإلى قيام الحكومة أخيرا بالتضييق على أنشطة الإخوان.وهذا يشير إلى التأثير المتزايد للجماعة,... فعندما قررت ان تلقى بثقلها إلى جانب أ‘مال الشغب والاضطراب كان لذلك أثره الفعال".
ويبلغ الملك رئيس وزرائه بأن الإنجليز طلبوا إخراجه من منصبه قال الشيخ البنا للنقراشى:
- أطالب بالجلاء صراحة فإن ماطل الإنجليز لا تقدم استقالة .وإنما امتشق السيف وقد الأمة إلى الجهاد.ولكن النقراشي يستقيل يوم 15 من فبراير 1946
وتجرى مجلة المصور فى الأسبوع نفسه استفتاء بين القراء عن " رجل عام 1945" ففاز الشيخ البنا.
الإخوان المصريون
اختار الملك صدقى باشا 71 سنة ليتولى رئاسة الوزراء فقبلها قائلا:
- إنها يا مولاى لمهمة عسيرة ينوء بها اصلب الرجال عودا. وكان صدقى صادقا فليس له حزب. أو نائب واحد, يمثله فى البرلمان اعذر محمود فهمى النقراشى عن دخول الوزارة او اشتراك الحزب السعدى فيها لم يكن أمام صدقى إلا حزب الأحرار الدستوريين.
فألف صدقى وزارته من 11 وزيرا وتولى وزارتى الداخلية والمالية بالإضافة إلى رئاسة الوزارة واختير أحمد لطفى السيد وزير دولة يتولى وزارة الخارجية.ومثل حزب الأحرار الدستوريين 4 وزراء والباقون من المستقلين وكان صدقى يهدف إلى أن يستبدل السعديين بالمستقلين عندما يقرر الحزب دخول الوزارة.
ورى الإخوان فى بعض كتبهم أن صدقى لم يقبل الوزارة إلا بعد أن ضمن تأييدهن له فقد اصبحوا القوة الثالثة. وفى السياسة المصرية بعد الملك والوفد وقالوا إن صدقى وهو يبحث عن مؤيدين لهم قوة شعبية يناصرونه رأى الاتجاه إليهم... ولم يكن أمامه غيرهم!
قام بالوساطة بين صدقى والمرشد العام, إبراهيم رشيد زوج ابنة صدقى باشا زار رئيس الوزراء الشيخ البنا وأبلغه أنه كلف بتشكيل وزارة لمفاوضة الإنجليز وأرجأ المرشد العام رده بالقبول أو الرفض حتى يعرض الأمر على الإخوان.
وقال البنا لصدقى باشا:
- شاع بين الناس من تاريخك السياسى ما يبعث على النفور منك ولكننا سنزن ما تقول بميزان دعوتنا.
أجاب صدقى:
- سأبدأ صفحة جديدة وللجماعة أن تأخذ على ما شاءت من مواثيق جمع المرشد العام الهيئة التأسيسية وعرض عليهم الأمر فوافقوا على مبدأ التفاهم مع صدقى.
وأبلغ المرشد رئيس الوزراء الحد الأدنى من مطالب البلاد الوطنية فى لمفاوضات مع الإنجليز.وعلى هذا الأساس قرر الإخوان تأييد الوزارة وفى هذه الرواية ما فيها من مبالغات لا يقبلها العقل!
ولكن عمر التلمساني يقدم صورة مقبولة لما جرى . قال:
- إسماعيل صدقي من أنبغ الساسة المصريين ولكن ليست له قاعدة شعبية ورأيه أن تؤخذ حقوق مصر خطوة خطوة فتأخذ جزءا من الحق , أى الجزء المستساغ.
قال صدقى للإخوان:
- سأعمل لكم بشرط تأييدى
قالوا:
- استرد الحقوق المشروعة فورا, أو بالتقسيط بشرط أن تترك للإخوان حرية قال " ادجار جلاد" صاحب جريدة " الجورنال ديجيبت" وأحد رجال الملك فاروق لفيليب ايرلاند سكرتير السفارة الأمريكية:اتجه صدقى إلى الإخوان ليحقق التوزان مع الوفد.
ويروى بعض الإخوان أن إسماعيل صدقي عرض على البنا أن يكون وزيرا للأوقاف وأن البنا فكر فى قبول العرض قائلا:
- نستطيع من خلال عشرة آلاف مسجد أن ننشر دعوتنا ولكن صدقى تراجع عن ذلك.
ومرة أخرى من حسن حظ البنا والجماعة أن صدقى عدل عن ترشيح الشيخ للوزارة أيا ما يكون سبب ذلك وإلا كان البنا قد انتهى إلى أن يصبح مجرد وزير لا قائدا ومرشدا للإخوان!
لم ترحب السفارة البريطانية بتعيين إسماعيل صدقى , ولم تعترض عليه وصف جميس بوكر القائم بأعمال السفير البريطنى رئيس وزراء مصر إسماعيل صدقى, الذى وافق الإخوان على التعاون معه
فقال بوكر فى البرقية رقم 78:
- " وظل المصريون يعتبرون إسماعيل صدقي رمزا للرجعية السياسية والرأسمالية والفساد المالى. وظل لفترة طويلة .. اقدر الاداريين والماليين وأقوى رجل فى مصر أبعده الملك فؤاد من منصبه مرتين عامى 1925 -1933 وكان يجب أن نمنع ذلك نظرا للخدمات التى أداها صدقى لنا. وإبعاد صدقى أدى إلى ميله الأن إلى معاداة البريطانيي.
- وأصبح منحازا للتفكير الأوربى ضد التفكير الانجلوسا كسونى. وخلال العامين السابقين لعب دورا وطنيا متطرفا فى طلب تعديل المعاهدة وهذا ينبع جزئيا من رغبته فى طمس الأسطورة الشعبية عن ارتباطه بنا وهو عديم الضمير تماما يكيف نفسه فى أى وقت مع الاتجاه الذى يناسب مصالحه وقد أثار تعيينه بطبيعة الحال رفضا عنيفا من جانب الوفد والعناصر المحافظة فى البلاد.
- ومما لا شك فيه أن لطفى السيد الذى قارب الثمانين من عمره سيكون وزيرا صوريا للخارجية وسيدير صدقى الشئون الخارجية بنفسه. ولم يعد صدقى بنفس لقوة الجسدية التى كان عليها قبل النوبة القلبية التى أصابته عام 1933 وهو الآن فى الحادية والسبعين من عمره.
- ويبدو تعيين صدقى استفزازيا فى العالم الجديد الذى بدأ يخرج حتى فى الشرق الأوسط, من التأثير المضطرب للحرب ومن الاستياء الاجتماعى الذى تبرره ظروف التفاوت الاجتماعى".
ولكن " جرافتى سميث" مساعد السكرتير الشرقى السفارة البريطانية أنصف صدقى قال:
- " أذكى الوطنيين المصريين قادر على كل شئ. وهو واحد من السياسيين المصرين القلائل الذين يعتبر حديثهم متعة فكرية. ويلعب شاربه دورا كبيرا فى ابتسامة الثقة بالنفس التى يتلقى بها حلو الأخبار ومرها"
وأنصف الكاتب البريطانى " جون مارلو " فقال:
- "... آخر الباقين على قيد الحياة من الحرس القديم للوطنية المصرية الذين شكلوا حزب الوفد الأصلى ثم انشق بعد فترة قصيرة على سعد زغلول وقام خلال أكثر من عشرين عاما بدور مستقل تماما فى الحياة المصرية العامة لا يتمتع بأية شعبية . تركى الأصل أوتوقراطى الطباع. واقعى بالغريزة يعارض غوغائية حزب الوفد.
- ظل رئيسا للوزارة من عام 1930 حتى 1933 وبعد أن فقد منصبه ومارس معظم وقته ليكون رجل أعمال فجمع ثروة كبيرة وفى السياسة كان رجل الدولة المحنك المستقل الذى يراقب الأحداث .. يشجع أ ينتقد.وخلال الحرب العالمية الثانية كان ناقدا عنيفا سليط اللسان للسياسة البريطانية فى مصر"
اضطهد صدقى الوفديين أثناء رئاسته للوزارة عام 1930 ولذلك كان من الطبيعى أن تصف صحف الوفد تعيينه بأنه " عودة الجلاد"!بدأ صدقى وزارته الأخيرة عام 1946 فى ظل تأييد الإخوان ومعارضة الوفد.
وكانت الحرب قد انتهت والإنجليز لا يتدخلون فى سياسة الحكم وشئون مصر الداخلية ولا يفرضون على رئيس الوزراء اعتقال البنا أو نقله كما فعلوا فى عهد حسين سرى.
قال السفير البريطانى:
- " لوحظ أن مرسوم الملك فاروق لصدقى يصف الأوضاع الحالية المضطربة فى مصر بأنها تعبير صحى عن طموح الشعب لتحقيق مطالبة العادلة داخليا وخارجيا".
كان على رئيس الوزراء أن يتخذ أسلوبا جديدا للحكم لتحقيق مطالب الشعب يختلف عن السياسة التى سار عيها فى وزارته قبل 13 سنة , ويزيل من الأذهان صورة الديكتاتور الذى يقف دواما ضد الشعب.رأى صدقى أن يركب موجة المظاهرات الشعبية ليقودها ويتخذها وسيلة للضغط على الإنجليز لتحقيق الأمانى القومية!
دعت الأحزاب الشعب إلى التظاهر فى " يوم الجلاء " 21 من فبراير بيان الإخوان متفقا مع بيان الوفد فى عدة نقاط. فقد طالبت الجماعة بالجلاء التام ووحدة وادى النيل والكفاح ضد الامبريالية.سمح صدقى بالمظاهرات . التى اشترك فيها الوفد والإخوان والحزب الوطني ومصر الفتاة والشيوعيون.
أدت هذه المظاهرات إلى نتجتين:
- الأولى: تشكيل اللجنة القومية للطلاب ولكن حدث احتكاك داخل اللجنة بين الوفد والإخوان وتبادل الطرفان اتهامات.
- الثانية: وهى الأهم فقد تصدى الإنجليز لمظاهرات القاهرة وقتلوا 23 وأصابوا 121.أباح إسماعيل صدقي المظاهرات مرة أخرى فى يوم الشهداء 4 مارس حدادا على شهداء يوم الجلاء . ولكن سقط 28 قتيلا و342 جريحا بالإسكندرية نتيجة تدخل الجيش البريطانى.
كتب القائم بالأعمال البريطانى إلى لندن
- " هذا جزء من اللعبة الديماجوجية التى يلعبها السراى لتملق الطلبة وغيرهم من المهيجين.ويبدو أن أول تصرفات صدقى تعكس هذه السياسة لقد ألغى تدابير الحكومة السابقة بمنع اجتماعات الإخوان ومصر الفتاة وهو او السراى , أو هو والسراى ينظمان مظاهرات الطلبة والإخوان بحيث تتجه إلى القصر لإعلان ولائها لجلالة ملك مصر..
- وتطلق فى طريقها الصحيات المعادية للبريطانيين من قبيل "يسقط البريطانيون" ... الخ وكلف حسن رفعت باشا وكيل وزارة الداخلية من جانب صدقى بتنفيذ هذه السياسة .
- واتضح منذ وقت طويل أن السراى فى جهودها المحمومة للإبقاء على نفوذه المتقلص بين العناصر الشعبية على استعداد تام لتشجيع نصارها على أعمال العنف المعادية للبريطانيين لتجويل الاستياء الشعبى من السراى .. إلينا وخطورة مثل هذا النوع من الألاعيب واضحة".
وتكتب المفوضية الأمريكية إلى واشنطن:
- " يتزايد تنظيم الإخوان كل يوم كقوة سياسية وبالذات منذ تولى صدقى باشا السلطة. وقد رفع رئيس الوزراء الحظر الذى فرضه النقراشى باشا على اجتماعات الإخوان وهو يجامل الإخوان, ربما يدعم مالى بأمل فصم ارتباطهم بالوفد"!
فى اجتماعات لجان الطلبة يلمع اسم مصطفي مؤمن أحد زعماء شباب الإخوان الذى يتعاون مع الوفد فى المظاهرات عقب تولى صدقى الوزارة مباشرة.. ولكن مصطفي مؤمن يصبح من أوائل المدافعين عن الاعتدال والداعين إلى الامتناع عن القيام بأعمال عنف جديدة!ويؤيد المركز العام للجماعة دعوة الاعتدال بإعلان أن اللجنة القومية التى نظمت الإضرابات قامت لغرض واحد وهو تنظيم إظهار شعور الأمة فى يوم الشهداء وقد انتهت مهمتها بانتهاء ذلك.
وقال أعضاء الجماعة تبريرا لانسحابهم من اللجنة إن صدقى عام 1946 عير صدقى فى الثلاثينات يبذل كل ما فى وسعه وفقا لرغبات الشعب " وإنه صادق فى وعوده " مما يدل على التفاهم والتعاون بين صدقى والإخوان وشكل الإخوان لجنة أخرى فقالت السفارة البريطانية فى تقرير إلى لندن " أصبحت مهمة مصطفي مؤمن انتزاع التأييد الشعبى من الوفد لصالح لجنة وطنية تدين بالولاء لرئيس الوزراء"!
اتهمت صحف الوفد الجماعة بامتصاص الحركة الوطنية وأنهم تقاضوا الثمن من إسماعيل صدقي.وأخذت عناصر الأحزاب المعارضة لحكومة صدقى فى الاتصال بالبنا بهدف تشكيل جبهة وطنية معادية للحكومة يشترك فيها فؤاد سراج ال الدين سكرتير رئيس حزب مصر الفتاة وحافظ رمضان باشا زعيم الحزب الوطني.وافق البنا وبدأ المركز الرئيسى للجماعة بالحلمية الجديدة يطلبون إقامة تحالف وثيق بين البنا والنحاس.
قال البنا لمبعوثي الوفد
- سيؤدى تنسيق الخطط بيننا إلى فوائد مباشرة ولكنى لا أريد ربط الجماعة باتفاقيات طويلة الأمد.
وهمس البنا سرا لمعاونيه:النحاس عن مجد شخصى أكثر من الكفاح للمصلحة الوطنية!
- ولكن البنا توقف بعد فترة قصيرة عن حضور الاجتماعات بنفسه كما امتنع عن إيفاد مندوبين آخرين.وكان رده على حافظ رمضان أنه يتعين الانتظار حتى يتضح موقف الحكومة الجديدة وكان السبب فى ذلك اتفاق صدقى والإخوان كتب القائم بالأعمال البريطانى جميس بوكر إلى لندن عن أسباب اعتدال الإخوان فى سياستهم,.
قال:
- " حصل الإخوان المسلمون على تصريح بإصدار صحيفة وتوزيع المطبوعات على نطاق واسع وأعلنت الجماعة عزمها على الانسحاب من " اللجنة الوطنية للطبقة والعمال " وهذا العمل سهل على صدقى باشا جهوده للسيطرة على الطلب وكلا الأمرين يؤكدان أن سياسة الحكومة فى استخدام الإخوان المسلمين
وفى كتاب ميتشيل ان الإخوان
- "حصلوا من إسماعيل صدقي على حرية استخدام المعسكرات وقطع من الأرض لإقامة المبانى اللازمة فى المناطق الريفية فضلا عن المساعدات غير المباشرة من وزارتي التعليم والشئون الاجتماعية".
وفى مذكرات البنا بعنوان " مذكرات الدعوة والداعية " قال:
- " إنه تلقى بواسطة شقيقه عبد الرحمن البنا عرضا من إسماعيل صدقي بمساعدات مالية مغرية مقابل إعلان الإخوان تأييدهم له ومناهضتهم لحزب الوفد ولكنه رفض هذا الغرض".
وفسر البنا موقف صدقى من الجماعة فقال إنه الحياد الدقيق قال:
- " لم تساعد الحكومة الإخوان بشئ. ولم تغدق عليهم مالا ولا حرية بل منعت عنهم كثيرا من الحقوق الطبيعية.فلم تظفر جريدة الإخوان بفرخ واحد من الورق. ولم تصرف الإعانات المقررة لكثير من الشعب, وصرف لبعضها أقل بكثير مما كان يؤخذ فى الأعوام الماضية".
- ويقول عمر التلمساني إن الإخوان أخذوا من الورق والتسهيلات ما هو حق لهم!
سأل مندوب صحيفة "لابورص" التى تصدر بالإسكندرية والبنا إذا كان يحبذ نظام الخلافة.ورأى الإخوان معروف فى أنهم يؤيدون الخلافة فالملك لا يورث بل يتم بالبيعة ... ومع ذلك فإن المرشد العام تهرب من الإجابة حتى لا يغضب صاحب الجلالة!
واكتفى الشيخ البنا بأن يقول للصحيفة باللغة الفرنسية إنه يجب على الدول الأجنبية ألا تخشى شيئا من إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر.وجد رئيس الوزراء أنه حان الوقت للكف عن المظاهرات, فأوقفها واتجه إلى التفاوض.
شكل وفد المفاوضات فى 7 من مارس بعد 17 يوما من تشكيل الوزارة.ضم الوفد أربعة من رؤساء الوزارات السابقين وهم على ماهر وعبد الفتاح يحيي وحسين سرى ومحمود فهمى النقراشى.
واشترك فى وفد المفاوضات أيضا وصى سابق على العرش هو شريف صبري و5 وزراء حاليون وسابقون هم: الدكتور محمد حسين هيكل وأحمد لطفى السيد وعلى الشمسي ومكرم عبيد وإبراهيم عبد الهادى.
رفض الوفد الاشتراك فى وفد المفاوضات وأصر على أن تكون له رئاسة المفاوضات فهاجمه صالح عشماوي واتهمه بأنه يعمل ضد مصلحة الأمة بعدم الاشتراك فى وفد المفاوضات مما يدل على أنه لا يريد الاعتراف بالإخوان كقوة سياسية أو كحزب سياسى.نشر البنا فى بيان فى صحيفة " الأهرام" حدد فيه موقف الجماعة وطالب بتمثيلها فى وفد المفاوضات.
قال البيان
- " كان من المنتظر أن يتألف وفد المفاوضة ممثلا لكل هيئات الأمة وأحزابها وفى مقدمتها الإخوان المسلمون.وأمام ذلك يقرر الإخوان أمرين:
- أولهما: يجب أن تعرض نتيجة المفاوضات على الأمة فى استفتاء .
- وثانيهما: إما أن تنتهى هذه المفاوضات إلى نجاح وإلا فإن الشعب لن يتردد فى متابعة حركته القومية بعرض قضيته على مجلس الأمن وبالجهاد المستمر "
وبدأ المرشد العام يتحدث للصحف عن وصول الإخوان إلى الحكم فى حديث له مع "مجلة المصور" الأسبوعية تكلم عن إمكان وصول الإخوان إلى الحكم.
وفى حديث لصحيفة " البورص" اليومية التى تصدر باللغة الفرنسية فى مدينة الإسكندرية قال:
- " ستقف الجماعة مع الشعب حتى يحصل على حريته كاملة وإذا تحقق ذلك , وكان الإخوان قد وصلوا إلى الحكم فإن موقفهم سيظل احترام إرادة الأمة!
غادر السفير البريطانى اللورد كيلرن مصر إلى الأبد يوم 9 من مارس عام 1946.وقبل نقله بعث إلى لندن يطلب عدم التفاوض إلا مع هيئة مصرية يشترك فيها الوفد, ولكن مجلس الوزراء البريطانى قرر فى 18 من مار عدم التدخل فى الشئون الداخلية لمصر.
ووصل إلى القاهرة يوم 20 من مارس 1946 السير رونالد كامبل السفير البريطانى الجديد 56 سنة الذى يعرفه إسماعيل صدقى عندما تولى رئاسة الوزارة فى الثلاثينات.وكان كامبل قد عمل مستشارا للمندوب السامى البريطانى فى مصر السير برسى لورين ثلاث سنوات ثم انتقل مستشارا للسفارة البريطانية فى باريس وبلغراد وواشنطن ووكيلا مساعدا لوزارة الخارجية البريطانية قبل وصوله للقاهرة مرة أخرى.
جاء السفير الجديد من بورسعيد إلى القاهرة فى عربة ألحقت بقطار السكة الحديد. ولم يصل بقطار خاص كما حدث لكل المندوبين السامين البريطانيين, أو اللورد كيلرن, عند قدومه إلى مصر لأول مرة!
ولم يكن فى استقبال السفير بمحطة السكة الحديد رئيس وزراء مصر وممثل عن صاحب الجلالة بل مندوب لوزارة الخارجية المصرية وكبار موظفى السافرة البريطانية فى القاهرة وقادة جيشها فى مصر وبعض المصريين من أصدقاء الإنجليز!
قال لطفى السيد وزير الخارجية للسفير.
- بوصولكم لن تكون هناك عقبة أمام تحقيق الأمانى القومية لشعب مصر لم يرد كامبل
ولكنه أبرق إلى لندن قائلا:
- "سرنى وضايقنى هذا التصريح ولكنى شعرت بالاشمئزاز لأنه يدين عهد سلفى كيلرن"!
كتب كويليام مراسل صحيفة التايمس إلى صديق له يقول
- " أدى وصول السفير الجديد إلى تغييرات شبه سحرية فى المناخ السياسى السائد فى مصر وقال بنكى تاك الوزير المريكى المفوض إن كامبل سفير وليس مندوبا ساميا كما كان كيلرن فى أول عهده بمصر"
ويرى الكاتب الفرنسى ج كبيرك أن السفير البريطانى الجديد" جبان ضعيف بينما كان سلفه اللورد كيلرن ديكتاتورا يملك شخصية قوية"!
توجه صدقى للسفير الجديد فى 30 من مارس قائلا:
- جمعت مصر خير رجالها للتفاوض ولا يعقل أن يواجه هؤلاء وفدا يتألف من موظفين بالسفارة البريطانية لهم تصريحات لم ينسها المصريون... ونفذوا سياسة فى زمن الحرب لم تترك أثرا طيبا فى مصر. أرجو إعادة النظر فى هذا الموضوع.
كتب كامبل إلى لندن:
- " اظهروا شيئا من الدفء" استجاب بيفن وأعلن فى مجلس العموم يوم 2 من أبريل أنه سيتولى رئاسة وفد المفاوضات البريطانى.. يعاونه اللورد ستانسجيت وزير الطيران ورونالد كامبل السفير البريطانى فى القاهرة.
- وقال إن ستانسجيت وكامبل يبدآن المفاوضات نيابة عنه فى المراحل الأولى.ولم يقل بيفن حقيقة أخرى حددت موقفه وهى أنه يخشى أن يغتاله الصهاينة!وضم الوفد البريطانى أيضا السير كيناهان كورنووليس السفير البريطانى السابق فى العراق ورئيس قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية البريطانة وقادة القوات الثلاثة فى الشرق الأوسط. وحددت الحكومة البريطانية موقفها من المفاوضات القادمة
ال بيفن فى برقية إلى اللورد ستانسجيت:
- " لا تستطيع بريطانيا الدفاع عن مصر إذا لم تحتفظ فيها بقواعد.لأن مصر تقع فى قلب نظام الدفاع البريطانى".أما القادة البريطانيون فكانن رأيهم تطبيق المبدأ الذى وضعه بيفن بأسلوب يقبله شعب مصر.
قالوا فى تقريرهم السرى:
- " بقاء القوات البريطانية فى مدن يعرضها للهجوم. ومن الأفضل لتهدئة الرأى العام الموافقة على ما يقبله المصريون وبالقناع بعد فترة يمكن الوصول إلى ما تتطلبه الإجراءات الإستراتيجية".
أيد كامبل هذا الرأى ولكن سكريفنر رئيس القسم المصرى فى وزارة الخارجية البريطانية قدم مذكرة إلى بيفن قال فيها:
- " سيتظاهر المصريون لأى شئ. وسيكون ظاهرة سيئة أن تفقد بريطانيا موقعها فى مصر وهذا شئ أشبه بالانتحار ونحن نفكر فى اختيار قاعدة بديلة فى شرق أفريقيا وإذا لم تكن مناسبة فيجب أن نبقى فى مصر ونواجه المظاهرات بحسم".
ورأى كل من كامبل وستانسجيت انه إذا أرادت بريطانيا تقديم تنازلات لمصر فمن الأفضل تقديمها قبل بدء المفاوضات , أو فى مراحلها الأولى. بدلا من تقديمها فى مرحلة متأخرة حتى لا يبدو ذلك و:انه تم تحت ضغط صدقى
وقال كامبل:
- " هناك طريقان أمام بريطانيا:الجلاء أو بقاء القوات و والاثنان مقامرة ولكن المقامرة بإبقاء القوات تعنى التوتر , والنوايا السيئة, والعنف والتجاء المصريين إلى الأمم المتحدة بينما الجلاء قد يعطى فرصة لبحث التنازلات التى ينبغى على المصريين تقديمها للحفاظ على الاستيراتيجية البريطانية".
ومن ناحيته رأى صدقى أن يوسط صديقا قديما, وهو كلارك كار , لدى بيفن وكان كلارك كار يعمل أثناء عودته إلى لندن قادما من موسكو فقدم مذكرة إلى وزير الخارجية يوصى فيها بعدم الاحتفاظ بقوات فى مصر تتنافى مع سيادة مصر وكرامتها والمبادئ التى قام عليها عالم ما بعد الحرب
وأوفد ستانسحيت الجنرال جاكوب , أحد معاونيه فى وفد المفاوضات إلى لندن ليشرح الموقف لبيفن قال له.إذا صدر بيان عاجل باستعداد بريطانيا لسحب جيوشها فإن ذلك يمنع حمى الشك لدى المصريين, ويفسد مناورات الأعضاء المتطرفين فى هيئة المفاوضات المصرية ويمنع القلاقل والاضطرابات ويمك الحصول من مصر على تسهيلات عسكرية لقواتنا أثناء الحرب.
ويناقش الموضوع فى مجلس الوزراء البريطانى خلال جلستين فى 24 من أبريل و6 من مايو.وفى الجلسة الأخيرة وجد مجلس الوزراء أنه من الصعب الاحتفاظ بالقوات البريطانية فى مصر باستعمال القوة ويمكن ضمان التسهيلات العسكرية بموافقة الحكومة المصرية.
وقرر المجلس مبدأ الجلاء عن مصر فى بداية المفاوضات لخلق المناخ المناسب .ولتكن حكومة العمال قد وجدت, أو أعدت قواعد بداية فى برقة بليبيا أو كينيا أو فلسطين.صدر العدد الأول من صحيفة الإخوان المسلمين اليومية صباح 5 من مايو 1946.. فى اليوم السابق على عيد جلوس الملك فاروق على العرش !
وبدلا من التعليق على مبدأ الجلاء بطريقة تتفق مع تأييد الجماعة لصدقى فإن الصحيفة اتخذت موقف النقد للإنجليز. قالت :" كان طبيعيا وقد وضعت الحرب أوزارها يطالب المظلومون بحقهم وأن يجاهدوا فى تحرير أوطانهم".
أعلن كيلمنت أتلى رئيس وزراء بريطانيا فى مجلس العموم يوم 7 من مايو 1946 أن جميع القوات البريطانية ستنسحب من مصر
قال البيان :
- " عرضت الحكومة إجلاء قواتها البرية والبحرية والجوية عن الأراضى المصرية والمفاوضة لتحديد مراحل الجلاء وموعد إتمامه والتدابير التى تتخذها الحكومة المصرية لتحقيق تبادل المعونة فى وقت الحرب , أو فى حالة توقع التهديد بها.وسياسة الحكومة توطيد تحالفها مع مصر على أساس المساواة بين بلدين تجمع بينهما مصالح مشتركة"
ما إن سمع ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا السابق بهذا الإعلان المفاجئ حتى وقف يرد قائلا:
- هذا تصريح خطير وهو أخطر ما سمعت فى مجلس العموم!
بعد ثلاثة أيام فقط من صدور الصحيفة كتب أحمد السكري وكيل الجماعة فى الصفحة الأولى يوم 8 من مايو تحت عنوان :" البيان البريطانى خدعة سياسية يجب أن ينتبه لها المصريون".
قال:
- "نرجو ألا يكون من أبناء الأمة من يضيع على أيديهم هذا الحق بسوء القصد أو بحسن قصد"
ونشر السكرى مقالا آخر عنوانه
- " هل هذا هو أساس المفاوضة أين وحدة الوادى أيها المفاوض المصرى".
ويتساءل السكرى فى مقال آخر:
- " ما بال صدقى باشا يقف وقفة الصمت المريب".
ولم يكن فى استطاعة صدقى أن يتكلم .أو يشرح ما يدور فى قاعة المفاوضات!ورغم ذلك هاجمت صحيفة مصر الفتاة " الإخوان لتعاونهم مع صدقى قالت:
- " حانت خاتمة الدجل والشعوذة.... الإخوان يتعاونون مع كل الأحزاب بلا مبدأ, ويتحالفون مع الكل حتى الإنجليز الذين يسخرونهم لمحاربة الشيوعية والوطنية, يفتحون لهم الشعب فى السودان وفلسطين وهم أداة فى يد الرجعية ويد إسماعيل صدقي لخنق الرأى العام, وأداة فى يد الرأسمالية اليهودية لضرب العمال!
بدأ الإحساس بقوة الجماعة ينتشر فى مصر.كتبت مجلة " آخر ساعة"
- " منذ حين تدغدغ أيدى القدر مصر . تهمس فى آذانها أن الفجر قد لاح فعل اى صوت تستيقظ مصر الآن. ومن أى باب تهب رياح الفجر الوليد. ومن أى دم تكتب مصر. عندما تفيق صفحتها المجيدة الجديدة فى تاريخها الحديث؟يقولون إن علم هذا عند الله وعند جماعة الإخوان المسلمين.
- من هم هؤلاء الإخوان الذين يزعم الرواة انهم وراء . وكل مظاهر وكل حركة إضراب . وأنهم القوة المحركة الدافعة للفورة الجديدة التى توجه الشعور الوطنى هذه الأيام. وأنهم استطاعوا فى يوم واحد أن يوزعوا مائة مائة ألف شارة من شارات الجلاء, وأن يعلقها على صدور مائة ألف مصرى رشيد؟"
ونشرت مجلة المصور:
- " أن شخصيات بارزة معينة غير إسلامية بينهم عضو الشيوخ لويس فانوس ومريت بطرس غالى انضموا إلى جماعة الإخوان المسلمون".
قال الشيخ البنا ردا على ذلك أنه ليس هناك ما يمنع من التعاون مع الجماعة التى تضم كل المواطنين النشيطين سواء كانوا مسلمين أو غيرهم
وتكتب السفارة البريطانية إلى لندن:
- " هذه محاولة من جانب الأقباط للانضمام إلى الإخوان المسلمين مماثلة للمحاولة الناجحة للأقباط بالانضمام إلى حزب الوفد عام 1919.ويحاول الأقباط باعتبارهم الأقلية استرضاء أية حركة وطنية قوية عند ظهورها.
- ووفقا لتقارير أخرى هذه العناصر القبطية اقترحت على البنا أن تغير جماعته اسمها إلى " الإخوان المصريين" بدلا من الإخوان المسلمين".
وكان البنا من الدهاء بحيث أدرك أن القوة الأساسية لدعوته تكمن فى جانبها الدينى وأنه إذا قيل اقتراحا مثل ذلك فإن جماعته ستصبح مثل أى من الأحزاب السياسية الأخرى بلا جاذبية خاصة للجماهير .ولذلك رفض اقتراح التعاون مع الأقباط.ولكن البنا يمثل حاليا سماحة الإسلام أمام المسيحيين واليهود".
ولكن يمكن أن يطلق على الإخوان فى هذه الفترة أنهم " الإخوان المصريون لأن السياسة أصبحت هدفهم الأول.. إن لم يكن الوحيد!ويستقيل الشيخ البنا عام 1946 من وظيفته كمدرس بوزارة المعارف ليتفرغ للجماعة بعد أن صارت لهم صحيفة يومية..
فرسان ورهبان
بدأت المفاوضات الرسمية فى القاهرة بين إسماعيل صدقى واللورد ستانسجيت يوم 9 مايو 1946.
كان اللورد ستانسجيت فى التاسعة والستين عند وصوله القاهرة 15 من أبريل . وتوقعت الحكومة البريطانية أن ينجح اللورد ستانسجيت كوزير للطيران فى إقناع المصريين بقبول أسراب المقاتلات وقواعد القاذفات!
ولكن اللورد أصيب بصدمة عارمة من الآثار التى رآها فى مصر , ونتجت عن ستين عاما من الاحتلال البريطانى.فى أول اجتماع له مع صدقى .
قال رئيس وزراء مصر:
- أريد الجلاء الكامل الشامل.ويبدو أن ستانسجيت اقتنع بمنطق إسماعيل صدقى فقد تحدث بحرارة إلى القائم بالأعمال الأمريكى فى القاهرة وأشار إلى علاقات بريطانيا بمصر خلال الفترة الماضية .
قال:
- لا ينبغى أن ننسحب من مصر فقط بل أن ننسحب منها بأسرع وقت ممكن.
وكتب إلى صديق له قائلا:
- "إننا نحتفظ بألوف الجنود البريطانيين هنا دون أية معاهدة تخول لنا ذلك رد السير أورم سارجنت الوكيل الدائم للخارجية البريطانية فى مذكرة قدمها لوزير الخارجية: " لا يستطيع المصريون أن يحصوا على الشيئين معا.لا يمكن أن يتوقعوا منا أن نحمى أمن مصر واستقلالها دون أن يقدموا إلينا التسهيلات التى تمكننا من اتخاذ الإجراءات الضرورية فى الوقت المناسب".
ولكن ستانسجيت كتب إلى بيفن يقول:
- " مالم ينسحب البريطانيون بحقائبهم وأمتعتهم فأن ذلك سيؤدى إلى الأضرار بمكانتنا".وأصر ستانسجيت على أن تتعامل الحكومة البريطانية مع المصريين على أساس المساواة التامة." لم لا ينسحب البريطانيون من مصر كما انسحبوا من إيران؟"
أثارت رسالة ستانسجيت موجة غضب عارمة فى اجتماع مجلس الوزراء البريطانى قال بعض الوزراء:
- ستانسجيت عجوز.
وقال آخرون:
- فقد الرجل قبضته.
- إنه لا يعرف الشئون المصرية
وبعد شهور قال اتلى:
- كان خطأ تعيين ستانسجيت!
فى القاهرة هاجمت صحف الوفد المفاوضات كلها فقالت:
- " تود مصر رحيل الوفد الإنجليزي بلا رجعة".
واعترض الإخوان أيضا. كتب أحمد السكري فى صحيفة الإخوان يقول:
- " نريد جلاء تاما عن الوادى جميعه بلا قيد ولا شرط ولا مساومة ولا إمهال"أعلن رفضه لكل خطوة لا تحقق وحدة وادى النيل.
واشتعلت المناقشة فى مجلس العموم البريطانى حول مبدأ الجلاء المعلن بينما المفاوضات السرية تجرى بطريقة أخرى.قال إيدن إنه فوجئ وأصيب بالذهول لإعلان قرار الجلاء. ... وإيدن هو الذى وقع معاهدة 1936 بعد 54 عاما من الاحتلال. البريطانى والتى مثلت بداية لارتباط قوى بينه وبين مصر انتهى بعد عشرين سنة عام 1956 بسقوطه!
وقف النائب ريتشارد كروسمان مدافعا عن سياسة حزب العمال الحاكم فقال:
- حان الوقت لنعيد الرجال أى المحاربين البريطانيين الذين قهروا الألمان والإيطاليين إلى بلادهم وديارهم وأسرهم وأعمالهم الإنتاجية.
وقال بيفن يرد على تشرشل وإيدن:
- صار بوسع مصر من خلال منظمة الأمم المتحدة ومن الدفاع الإقليمى المشترك وهو أكثر من تأييد بريطانيا فقط وكل دولة تعيش الآن حقبة جديدة ولا نستطيع أن نحيا فى الماضى!ونظر إلى تشرشل وقال: لا أعتقد أن العقلية التى تتحدثون بها تناسب العصر الحاضر. وأنهى بيفن خطابه " لن أشارك فى ترك فراغ".أى أنه فى الوقت نفسه لن يترك فراغا فى الدفاع عن مصر! ونظرية الفراغ هى التى قام على أساسها مبدأ إيزنهارو 1957م!
لم يقتصر الدوى على مجلس العموم بل شمل الصحافة البريطانية كلها كتب اللورد بيفربروك صاحب جريدة الديلى أكسبريس:
- " إذا تخلت بريطانيا عن القناة ستفقد جانبا حيويا من إمبراطوريتها إن قناة السويس جزء هام من أرض الإمبراطورية البريطانية كأرض بريطانيا ذاتها!"
وقالت:الايكونومست".
- " قدمت حكومة العمال تنازلات أكثر وأكثر مما تستحق القضية الفعلية"
وتتوقف المفاوضات بين الطرفين .بعد 13 يوما من بدايتها. ليرجع ستانسجيت إلى بيفن فإن الوفدين لم ينتهيا إلى اتفاق.ويستأنف مجلس العموم مناقشة قرار الجلاء فيتهم تشرتشل بصوت مدو كالرعد اللورد ستانسجيت بأنه خفيف الوزن, والشأن... والقدرات! قال: عندما يتوقف الكفاح نجد أن ما نلناه بالعمل الشاق والتضحية وأعمال البطولة الرائعة الخارقة تتبدد من بين أصابعنا ونحن لا ندرى!
دعا الملك فاروق ملوك رؤساء الدول العربية للاجتماع فى أنشاص فخشى بيفن أن يؤيد المجتمعون مصر فى نزاعها مع بريطانيا إلى السير رونالد كامبل يوم 27 من مايو يطلب منه إقناع الزعماء العرب بالضغط على مصر
قال بيفن:
- " إنى مهتم للغاية بألا تشجع الاجتماعات المقبلة للحكام والجامعة العربية بسلوكهم أو بقرار , الموقف المصرى الراهن فى عدم التنازل بشأن التسهيلات الحربية فى أية معاهدة جديدة.
- إن رفض الحكومة المصرية أن تتضمن أية معاهدة جديدة تزويده بالوسائل التى تكفل ضمانات للمساعدة المتبادلة سيتركنا عاجزين عن الدفاع عن منطقة الشرق الأوسط الحيوية فى حالة الطوارئ مما يؤدى إلى تعريض مستقبل كل الدول العربية للخطر.ومن المصلحة الحيوية للدول العربية إقناع المصريين بأن يدركوا أنه لابد من الوفاء بمتطلباتنا الدفاعية"
رد رونالد كامبل فى اليوم التالى ببرقية طويلة هذا أهم ما فيها:
- " قابل البريجاديير كلايتون مستشار الشئون العربية نوري السعيد رئيس وزراء العراق الذى قال إنه لا يظن أن مسألة مصر ستطرح بصورة جدية فى اجتماع الحكام العرب"
ويبعث الجنرال السير كانتجهام من فلسطين إلى وزارة المستعمرات أول يونيو 1946 .. البرقية 907 قال:
- أرسل الملك عبد الجنرال جلوب اليوم لينقل إلينا ما يلى على وجه السرعة.
- قال جلالته أنه خلال الاجتماعات التى تمت مؤخرا للملوك العرب اقترب منه صدقى باشا برجاء التدخل لدى بريطانيا لإنهاء الجمود فى مباحثات المعاهدة.
وقال صدقى:
- إنه يستحيل تماما إقناع الشعب المصرى بإدراك الحقائق الواقعية واتخاذ موقف أكثر موضوعية فى هذا الوقت القصير والحكومة المصرية مستعدة للسماح لبريطانيا بالإشراف على الجيش المصرى وعلى الدفاع عن منطقة قناة السويس. ويتمنى ان يثق البريطانيون بالمصريين.
وأضاف:
- أن مصر أثارها سياسيون لا يتبينون العواقب . ولا يملك القوة لإقناعهم بقبول الشروط التى يعرضها البريطانيون ويجب على البريطانيين الثقة فى نوايا صدقى الطيبة.
وسأل الملك عبد الله كيف يمكن لمصر الدفاع عن نفسها ضد روسيا وأعلن أنه يتعين على المصريين ألا يقرروا سياستهم فى المزايدات فنحن لسنا فى عصر صلاح الدين والصليبيين وإنما فى عصر القنابل الذرية والدبابات قال صدقى إنه لا يستطيع إقناع المصريين بتقديم مزيد من التنازلات وفى هذه اللحظة دخل الملك فاروق الغرفة
وقال:
- كل ما نريده ألا يفرض البريطانيون (جماعتهم الفاسدة) علينا... يقصد النحاس وحزب الوفد!
وقال الملك عبد الله
- إن نجاح المفاوضات الإنجليزية المصرية أمر غير مؤكد ثم انخرط الملك فاروق فى البكاء "
وتجتمع الجمعية العمومية للإخوان المسلمين فتعلن ولاءها للملك وتطالب الحكومة بقطع المفاوضات فورا واعتبار معاهدة 1936 باطلة بطلانا أصليا وعدم التقيد بأحكامها وعرض القضية المصرية على مجلس الأمن وأن يبدأ الجلاء فى نحر أسبوعين..
وتحدد الجماعة موقفها من حكومة صدقى بأنه لا يختلف عن موقفها من أية حكومة سابقة , لم يبادروها بخصومة أو عداوة, ولم يساندوها بتأييد أو سلطان ولكن صحف الوفد تحمل على الإخوان وتهاجم تقاربهم مع صدقى قال مجلة الحوادث الوفدية:" سلطات البنا ديكتاتورية أعطاها له القانون الديكتاتورى للجماعة وإنه وأحمد السكري وكيل الجماعة يملآن الأرض فسقا وفجورا".
وقالت صوت الأمة:
- " الإخوان أسوأ مثال للأدب والأخلاق . وقد بليت البلاد بهذه الشرذمة الفاسدة التى تتكون من مجموعة ميكروبات يجب استئصالها. حرصا على المجمع وعلى سلامة الدعوة الدينية إسلامية"
ردت صحيفة الإخوان قالت:
- يخاف الوفد على زعامته الشعبية زعماء الوفد يدجلون على الشعب ويغررون بالسذج البسطاء. وصحف الوفد مأجورة تلغ فى أعراض الأبرياء فى غير تورع أو حياء"
هاجم المصريون القوات البريطانية فى الإسكندرية يوم 7 من يونيه وألقيت قنبلة على سينما الأمباير كلوب فى القاهرة فمات أحد الجنود ويتوجه السيررونالد كامبل فى اليوم التالى ليقابل أحمد لطفى السيد باشا وزير الدولة للشئون الخارجية وأبدى له دهشته واستياءه من هذه الأحداث أعرب الوزير عن أسف
قال:
- لا أفهم هذه الجرائم ولا أعرف الفوائد التى يمكن أن تعود على البلاد نظر مرتكبيها إذا افترضنا أنها من صنع المصريين.
وأضاف:
- هؤلاء المجرمون يعتقدون أنهم يتصرفون بشكل وطنى ولكنها مظاهر نشاط منحرف ضد الحكومة وضد العرش والنظام الحاضر كله بشكل عام.ويتم التحرى عن إمكانية أن تكون هذه الجرائم مظاهر لما يسمى بالبلشقية.
- قال السفير: أحب أن أحدثك فى موضوع " الوطنية"
- إنى قلق من اللهجة غير الودية بالتصريحات يعتقدون أن هذه المقالات غير الودية تجاه بريطانيا العظمى دليل على الوطنية. وقد أدى ذلك للمزايدة بين الكتاب والمتحدثين بل السياسيين.
وافقه وزير الخارجية قائلا:
- إنهم بهذا الأسلوب يتخذون مواقف يصعب التراجع عنها مهما كانت معتقداتهم.
قال السفير:
- هذا الوضع لا يساعد المفاوضات بأي شكل من الأشكال . ولابد من منع المجرمين من الاستمرار فى جرائمهم ضد الرعايا البريطانيين. وطلب السفير أن يصدر الوزير وصدقى باشا بيانا يعربان فيها عن سخطهما على هذه الأحداث ويوضحان أنها ليست وطنية. فإن خرق لنظام والأمن الداخلى لا يمكن أن يكون عملا وطنيا بل يشكل إهداره لسيادة البلاد.
وأضاف السفير:
- أخبرنى صدقى باشا بأن الطريقة الوحيدة لمنع هذه الجرائم هى زرع الخوف فى نفوس مقترفيها من العواقب.
أنهى وزير الخارجية الاجتماع
قائلا:
- سأتحدث فى الأمر مع صدقى باشا وترتفع حدة الإخوان فى نقدهم لإسماعيل صدقى.عابوا عليه أنه سار على نهج النقراشى. واتهموه بعمالة الأجانب على حساب المصلحة الوطنية , وتردده فى قطع المفاوضات.
- ووصفوه بأنه رجل مخدوع وخادع لأمته لأنه رضى أن يطوى فى ثنايا السياسة الإنجليزية الملتوية.وقالوا إنه دخل المفاوضات بعقلية الدبلوماسي الروح الوطنى المجاهد. ولذلك يتكلم بلغة الرجل الذى لا يثق بنفسه, ولا يؤمن بحق وطنه, وقوة شعبه وحيوية أمته.
- ويحاول الإنجليز تهدئة الرأى العام المصرى فيجلون عن القلعة فى قلب القاهرة ويسلمونها للجيش المصرى يوم 4 من يوليو 1946 وينزل العلم البريطانى ويرفع العلم المصرى لأول مرة منذ 64 عاما فيبكى محمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء السابق فرحا بينما تكتب صحيفة الإخوان, وصحف الوفد إن الجلاء عن القلعة حدث لا أهمية له لأن الإنجليز فى كل مكان!
- ويلقى صدقى باشا بيانين فى جلستين لمجلس االشيوخ والنواب عن مفاوضات المعاهدة نال فيهما التأييد .وتستأنف لمفاوضات فى 29 من يوليو فى قصر انطونيادس بالإسكندرية
فتسميها صحيفة " الإخوان مهزلة المفاوضات قال الصحيفة:"
- كانت المفاوضات تجرى فى قصر الزعفران وهى اليوم تجرى فى قصر انطونيادس ومن الطبيعى أن يذهب المفاوضون فى الشتاء إلى الأقصر أو أسوان ثم يعودون إلى القاهرة وبعدها إلى الإسكندرية وهكذا نظل نفاوض ونفاوض" وتستمر حملة الإخوان ضد المفاوضات.
وكتب أحمد السكري تحت عنوان " كفى ترددا" قال:
- " يا رئيس الحكومة إن كرسيك فى مهب الريح"!
ويبدأ الصدام بين صدقى والإخوان فيعتقل بعض رجالهم كما كان النقراشى يفعل فيكتب صحيفتهم:
- " شعر بيفن ورجاله وأنصاره أن فى استطاعته أن يكتب شعور الشعب المتوثب ويملأ السجون بالشباب ويفتش دور الإخوان فى المديريات ويسجن رجالها فى الأقسام بالعشرات"
اشتد الصراع العلنى بين الإخوان والوفد مع تولى صدقى رئاسة الوزارة. فقد هاجمت صحيفة الجماعة الأحزاب كلها " لأنها مقصرة فى تنفيذ أحكام الإسلام"!
أعار الوفد كثيرا من أعضاء الجماعة خارج القاهرة بالاستقالة فتزداد العداوة بين الوفد والإخوان ويلتقى المرشد العام بمصطفي النحاس فى اجتماع وصفه السفير البريطانى رونالد كامبل بأنه كان عاصفا.
قال السفير إن الرجلين بحثا إمكانية التقارب ولكنهما لم ينتهيا إلى اتفاق حاسم.قال إبراهيم فرج إن صدقى ظن بدهائه أنه لا يستطيع بالإخوان محاربة الوفد وكان من نتيجة ذلك أن قامت اشتباكات فى أنحاء كثيرة من البلاد بين الوفد وبين الإخوان.
فى 6 من يوليو انتقلت الاشتباكات إلى بور سعيد وتبادلت الجماعة والوفد الاتهامات.زار المرشد العام المدينة ليخطب فيها فانفجرت قنبلة كادت تودى به وهاجم الشباب الوفدى دار الإخوان وأشعل فيها الحريق.
ردت صحيفة " الوفد المصرى" فقالت:
- " تعددت جرائم الصبية المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين الذين أفسدهم الشيخ البنا ولا يكاد يمر يوم دون أن تقع حوادث اعتداء يزور الشيخ تلك البلاد محاطا بقمصانه الصفراء للغزو والتحدى والقيام بدعاية سياسية فاسدة ومنذ حوالى شهر أخذ هؤلاء الناس يجمعون أوباشهم فى بورسعيد تمهيدا لزيارة الشيخ (المرشد).
- حل موعد الزيارة المشئومة فجمعوا الصبية ليقيموا زفة للشيخ واستقبلوه على المحطة ومشوا فى خيلاء يتحدون أهالى البلدة متحفزين للاعتداء وتجمع الأهالى الساخطون الحانقون جموعا حاشدة فنفذ (المسلمون) وعيدهم وألقوا بقنبلة حطمت وجهات كثير من المحال ثم أخذوا يطلقون الرصاص من مسدسات يحملونها واستلوا خناجرهم. وأعملوها فى أجسام الناس كأنهم أعلنوا الحرب على الإنجليز المحتلين!"
ويبعث السير رونالد كامبل ببرقية إلى لندن رقمها 1333 قال فيها:
" هناك صراع خطير بين الوفد والإخوان فى بور سعيد" قتل اثنان وأصيب كثيرون وانتهز الوفد الفرصة فطالبت صحيفة بحل الإخوان لأنها منظمة شبه عسكرية. وقتل الإخوان أحد الوفديين ولكن الوفد استعاد قوته.. والإخوان أضعف من الوفد".
وفى منفلوط حاول الوفديون حرق دار الإخوان المسلمين. وأطلقوا النار ليلا على محمد حامد أبو النصر الرجل الذى أصبح رابع المرشدين للإخوان المسلمين وعقد الإخوان مؤتمرا فى مسجد أبو النصر بمنفلوط فاعتدى الشباب الوفدى على المجتمعين والقوا عليهم الحجارة.
قال البنا:
" ما زلنا نجهل الدافع إلى خصومه الوفد للإخوان. فماذا جنى الإخوان اخلطوا الدين بالسياسة كما يقال؟وما ضرر هذا الوفد أو على الوطن؟ ألم يعلم الوفد أننا خلطنا الدين بالسياسة إلا الآن فقط؟ليس من دافع لهذه الخصومة إلا التنافس الحزبى؟
ويهاجم المرشد العام الوفد والنحاس قائلا:
- "أخطر ما فى الموقف أن يلجأ الإنجليز إلى إيجاد حكومة محايدة, وتأليف وفد مفاوضات جديدة برئاسة النحاس ينتهى أمره بالتوقيع على معاهدة المجد والفخار وتكون هى بعينها معاهدة الشرف والاستقلال الماضية لم يتغير فيها إلا بعض العبارات والألفاظ".
- ويقصد المرشد العام بذلك معاهدة 1936 التى وقعها مصطفي النحاس باشا! ويلتقى السفير البريطانى بإسماعيل صدقى باشا ويتحدث معه عن الشيوعية والشيوعيين فى مصر
فقال صدقى:
إنى مصمم على اتخاذ أشد الاجراءات ضد ما يسمى بالجمعيات والخلايا السياسية والاجتماعية. ويعتقل صدقى باشا فى 11 من يوليو مئات الشيوعيين ويغلق 11 منظمة و8 صحف شيوعية فيطلق الشيوعيون على هذا اليوم " المذبحة الشهيرة".كان بيفن مقتنعا بضرورة الوصول إلى تسوية مناسبة مع مصر.
كتب أفريل هاريمان السفير الأمريكى فى لندن إلى وزير خارجية بلاده يقول:
- " تأثرت بما أبداه بيفن من صدق وإخلاص عندما تكلم عن الاحترام الكامل للسيادة المصرية بالنسبة للجلاء والتعامل بواقعية مع متطلبات أمن قناة السويس ومنطقة الشرق الأوسط"
وعلق سيسيل ليون القائم بالأعمال الأمريكى فى مصر على سير المفاوضات فقال:
- " إن البريطانيين أداروا المفاوضات بطريقة تشبه أساليب الهواة إلى حد ما ويبدو كما لو كانوا يتخبطون"! استمرت المفاوضات بين إسماعيل صدقي واللورد ستانسجيت ستة شهور رفض كل من الوفديين مشروع المعاهدة التى اقترحها الطرف الآخر لتحل محل معاهدة 1936
وتركز الخلاف فى عدة نقاط:
- تجلو القوات البريطانية عن المدن المصرية وتبقى قوات لهم فى قاعدة بمنطقة القناة تمنح أو تؤجر لبريطانيا مثل القواعد الأمريكية فى جزر برمودا ونيوفونلاند.
رفض صدقى ذلك وطالب الجلاء الشامل.تكون مصر كلها تحت تصرف بريطانيا فى حالة الحرب أو خطر الحرب وتقيم منشآت لخدمة القوات البريطانية وقت السلم. ويزور خبراء بريطانيون هذه القواعد والثكنات فى أى وقت لتفقد الأسلحة والمهمات.
ولكن صدقى اقترح فى حالة العدوان على البلاد المتاخمة لمصر تقديم كل تأييد عسكرى ومعونة حتى يقرر مجلس الأمن التدابير اللازمة وفى حالة العدوان على بريطانيا تتشاور الدولتان فى عمل مشترك اقترحت بريطانيا الجلاء خلال 5 سنوات ورأى صدقى الجلاء التام فى سنة واحدة.
مدة المعاهدة فى رأى بريطانيا 25 سنة وفى رأى مصر 15 سنة .تعقد معاهدة تحالف مشترك بين البلدين رفضها الوفد المصرى ولم تعلن تفاصيل الاتفاق أو الاختلاف فى لندن أو القاهرة وتدخلت الولايات المتحدة أكثر من مرة بقصد المساعدة على إتمام المعاهدة الجديدة خوفا من الخطر السوفيتى.
ويكتب جميس بيرنز وزير الخارجية الأمريكى رسالة إلى إسماعيل صدقي يبلغه فيها اهتمام أمريكا بالدفاع عن الشرق الأوسط واهتمامها بنجاح المفاوضات بطريقة تكفل لمصر ضمانات السيدة.
ويرد صدقى قائلا:"إن مصر تساهم فى توطيد إسلام العالمى وستعمل ذلك بمواردها الخاصة".
ويكلف صدقى الوزير المصرى المفوض فى أمريكا بمتابعة الموضوع فيجئ الرد بأن المسئولين الأمريكيين يعتقدون أن النفوذ الروسى سيجد فى مصر مرعى خصيبا للفوارق الهائلة بين طبقتى الشعب.
عقد البنا اجتماعا للجمعية العمومية للإخوان استمر ثلاثة أيام حضره خمسة آلاف يمثلون شعب الإخوان وأصدر الإخوان عدة قرارات يطلبون فيها:
إذا لم تخط الحكومة هذه الخطوات خلال الشهر القادم فإن الأمة تعتبرها متضامن مع الغاصبين فى الاعتداء على استقلال الوطن.وعلى الزعماء والأحزاب إعلان بدء الجهاد وعدم قبول الحكم إلا على أساس بطلان معاهدة 1936 ورفض كل مفاوضة مع الإنجليز إلا بعد الاعتراف الصريح بالجلاء فى المدة التى يرتضيها الجانب المصرى وكل زعيم أو حزب يخرج على هذه القاعدة يعتبر خارجا على إرادة الأمة.
ويعلق بنكنى تاك القائم بأعمال السفارة الأمريكية على قرارات الجمعية العمومية التى صدرت يوم الخميس 29 من أغسطس 1946
قائلا:
- " من الملاحظ أن الإخوان يطالبون أن تسترد مصر الأراضى التى اقتطعت منها ظلما وعدوانا وهى تواجه جغبوب واريتريا ومصوع وزيلع وهرر"!
ويضيف القائم بالأعمال الأمريكى قائلا:
- " إن حجم جماعة الإخوان المسلمين ما زال إلى حد ما غير معلوم لا من حيث عدد الأعضاء ولا من حيث التنظيم أو القوة السياسية كما ان قدرة زعمائها ما زالت محل نظر رغم الخطب والبيانات القوية التى يدلى بها زعماؤها ويميل بعض المراقبين إلى استبعاد الشيخ البنا باعتباره رجلا انتهازيا وينظرون إلى الإخوان باعتبارهم منظمة مهملة من جانب السلطة.ولا يمكن القول بأن الجماعة بلا قوة وهناك احتمال أن تكون لها قوة سياسية".
سافر الملك فى رحلة بحرية فى البحر المتوسط فى سبتمبر قبل عيد ميلاد الملكة فريدة مما يؤكد أن العلاقات بين صاحبة الجلالة ليست على ما يرام "وتضعف الرحلة فى هذا الوقت بالذات صدقى باشا فتزداد المؤامرات السياسية ضده.
ويطير صدقى مع حسن يوسف رئيس الديوان بالنيابة يوما واحدا إلى كريت ليعرض على الملك تعديل الوزارة وإدخال السعديين فيها وتعيين إبراهيم عبد الهادي وزيرا للخارجية.انقسمت هيئة المفاوضات على نفسها إزاء المقترحات البريطانية
كما تقول برقيات السفير البريطانى إلى لندن:
- " كان صدقى ولطفى السيد فى جانب وشريف صبري وعلى ماهر وحسين سرى ومكرم عبيد فى جانب آخر.وأصبح موقف صدقى باشا صعبا بسبب المعارضة المتزايدةولا نخفى المناورات التى تجرى فى الوفد المصرى على الفطنة.
- وهناك علامان:
- الأول : أن أعضاء الوفد الآخرين يرون أن صدقى يتجاهلهم ودفع بهم إلى المؤخرة وأنه يحتكر إدارة دفة المفاوضات ويعاملهم. من وجهة نظرهم بأسلوب ديكتاتورى.
- والثانى: أن عددا كبيرا منهم إن لم يكونوا جميعا له طموح فى رئاسة الوزارة السابق ظنا منه أنه سيصبح رئيسا للوزارة فالوفديون (ومكرم أيضا) كانوا ينافقوننا وحتى عبد الفتاح يحيي رئيس الوزارة السابق ظنا منه أنه سيصبح رئيسا للوزارة.
- وذهب على الشمسى الوزير السابق إلى القصر وتحدث عن تغيير رئيس الوزراء واستبعد أن يكون أى مصرى بين السياسيين الأحياء (باستثناء نفسه) صالحا.وأبلغنى عبد الفتاح عمرو سفير مصر فى لندن أن القصر استخلص أنه لابد من إزالة عنصر من عناصر التردى وأعنى به الطموح فى الاستيلاء على منصب صدقى .. بتوضيح أن صدقى سيل رئيسا للوزارة طوال فترة المفاوضات!
- ويفكر القصر أيضا فى إشاعة الاعتقاد بأنه سيحدث تغيير فى رئاسة الوزارة بمجرد عقد المعاهدة.وطرح عمرو باشا على مرة أو مرتين فكرة تجريبية تماما وهى أن نبحث ما إذا كان من المستحب تغيير رئيس الوزارة نظرا للصعوبات التى تثيرها شخصية صدقى.وكنت حريصا فى كل مناسبة وحتى فى الحديث الشخصى ألا أعبر عن رأى.ألا تستطيع تدبير نظر قضية فى محكمة العدل الدولية يمكن عن طريقها إبعاد بدوى عن مصر؟؟"
وهذه البرقية تبين عدة أمور:
- الأول: أن كل عضو فى الوفد يزايد لتفشل المفاوضات ليستقيل صدقى ويرث الحكم.
- الثانى: أن الملك كان مستعدا للتخلى عن صدقى وإسناد رئاسة الوزارة إلى من يستطيع الوصول إلى معاهدة.
- الثالث: أن بريطانيا فكرت فى عرض أية قضية على محكمة العدل الدولية ليتسنى إبعاد عبد الحميد بدوى باشا. القاضى المصرى فى هذه المحكمة . عن مصر حتى لا يؤثر فى سير المحادثات بإقناع الأعضاء بالتطرف.. والغريب فى الأمر أن جانبا من الرأى العام المصرى كان دواما يتهم عبد الحميد بدوى باشا بأنه صنيعة الإنجليز أو أنه يمالئهم!
- الرابع: أن القصر كان يستطلع رأى الإنجليز فى كل مرحلة من مراحل المفاوضات دون علم رئيس وزراء مصر عن طريق عبد الفتاح عمرو باشا سفير مصر فى لندن!
ويتوجه مصطفي النحاس وكبار رجال الوفد إلى القصر المكلى يقيدون أسماءهم فى سجل التشريفات يوم 17 من سبتمبر 1946 وهو يوم استئناف المفاوضات.وجرت تقاليد الوفد على أنه فى المعارضة عندما يريد التقرب إلى الملك يقيد زعماؤه أسماءهم فى سجل التشريفات الملكى!
يجتمع بالإسكندرية أحمد السكري وكيل الجماعة بفؤاد سراج الدين سكرتير عام الوفد وتنشر صحيفة "الإخوان أن الحديث تناول وجوب إنهاء الخصومة بين الجماعة والوفد وأن يحل محلها تفاهم وتعاون , أو تكون هدنة تحول دون اشتغال كل منهما بالآخر!وترى السفارة الأمريكية أن الجماعة هادنت الوفد لتحصل على معونته المالية فتعوضها عن المساعدات التى توقف صدقى عن تقديمها!
وقالت السفارة:
- " العداء بين الوفد والجماعة لا ينته. فالوفد لا يريد أن ينافسه أحد فى النفوذ بين الجماهير وقد تأثر هذا النفوذ نتيجة قوة الإخوان ولذلك يريد فرصة لإعادة تنظيم صفوفه حتى يتخذ موقعا استراتيجيا ليهدم الإخوان ويدمرهم.
- ويريد الوفد أيضا أن يفسد دعاية الإخوان ضده . فقد أعلن المرشد العام من قبل أنه يعارض الوفد والشيوعية مما يعنى تحالف الاثنين ولذلك يسعى الوفد بتحالفه الجديد مع الإخوان إلى هدم فكرة ارتباطه بالشيوعيين".
وقالت السفارة الأمريكية:
- " إن اتفاق الوفد والجماعة سيفشل بعد تحقيق هدفها المشترك".
وقالت السفارة البريطانية:
- " علاقات الإخوان بالوفد طيبة إلى حد كبير ولكن كلا منهما يعمل مستقلا عن الآخر ولا يتفقان إلا على ضرورة أن يمتنع كل طرف عن التدخل فى أنشطة الطرف الآخر"
كتب إبراهيم عبد القادر المازني فى صحيفة الإخوان يقول:
- " لا أتوقع أن تقضى مباحثات دولة صدقى باشا إلى تفاهم على ضئ مرض ولا أدرى بعد ذلك هل يستقيل أو يمضى إلى مجلس الأمن ؟ ولكنى أرجح الاستقالة".
كانت نبوءة المازنى صادقة وإن لم تبد كذلك فى تلك الأيام!وبإشارة الإخوان إلى استقالة صدقى كما فعلوا مع النقراشي وبحملة الإخوان على المفاوضات ونتائجها ومظاهراتهم ضد الإنجليز وباحتجاج السفير البريطانى على سياسة الإخوان...بهذا كله.. وصلت العلاقة بين الجماعة وإسماعيل صدقي إلى نقطة اللاعودة!
سأل صحفى المرشد العام
- تحولتم فى السنوات الأخيرة إلى النشاط السياسى؟
- أجاب الشيخ البنا:
- تقصد النشاط الوطنى , فما لنا بالسياسة علاقة لقد حرصنا دائما على ألا نحتك بالأحزاب ولا بالهيئات, بل حرصوا هم على الاحتكاك بنا فتولدت الشرارة التى لفتت إلينا الأنظار.
- سئل: هل تشترك فى الانتخابات إذا جرت قريبا؟
- نعم
- وهل تضمن النجاح؟
- أستطيع فى انتخابات حرة أن أحصل على أغلبية ساحقة لو أردت ذلك ولكنى لا أريد فمكاننا فى صفوف الشعب أكثر منه فى صفوف الحكام ولهذا لن نتقدم إلا فى عدد صغير من الدوائر.
- معنى ذلك أنك لا تقبل رئاسة الوزارة إذا عرضت عليك؟
- بل أقبل ... والحكم ليس متعة وإنما جهاد فإن قبلته أقول للإنجليز.إما أن يتم الجلاء .. وإما..وأقول للمصرين: أيتها الأمة جاهدى فالجهاد سبيلك الوحيد وأنا وراء كل رئيس وزارة يدعو للجهاد.
- وهل ندك القوة؟
- عندى مليون.
- والسلاح؟
- سلاحنا الإيمان.
- وهل عندك المال؟
- نحن أفقر جمعية , وأغنى جمعية. مالنا الرسمى اشتراكات الإخوان. ومالنا الحقيقى خزائن الإخوان.أردنا شراء دار المركز العام ولم يكن فى خزائن الجمعية من ثمنها شئ فدفع الإخوان 16 ألف جنيه فى يوم واحد وأعلنا عن حاجتنا إلى جريدة ودار للنشر ومطابع قدرنا ثمنها بربع مليون جنيه فدفع الإخوان فى أسبوعين 120 ألفا من الجنيهات.
- ويسأل الصحفى الشيخ عن شعار الإخوان فقال:
- سيفان وبينهما مصحف
- قال الصحفى لم.... السيفان؟
- هما رمز الجهاد
- والمصحف؟
- دستوره
- والكلمة المكتوبة بين السيفين وأعدوا"؟
- هى الكلمة الأولى من الآية لكريمة " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم".
- وأضاف المرشد العام:
- هذا نداء الإخوان "هبى يا رياح الجنة... على رهبان الليل.. وفرسان النهار"!
محراب فى كل قلب
مرة أخرى كرر البنا النداء للملك طالب صاحب الجلالة بإعفاء إسماعيل صدقي من الحكم وإعلان الجهاد.كما طالبه من قبل بإقالة محمود فهمى النقراشى.
وجه فى صحيفة الإخوان بتاريخ 6 من أكتوبر رسالة إلى الملك قال فيها:
- " سافر المفاوضون البريطانيون إلى بلادهم فاعتزم صدقى أن يلاحقهم هناك لاستئناف المفاوضات التى لا خير فيها"!
وفى رسالة أخرى علنية أيضا.إلى صدقى باشا قال فيها:
- " طالت المفاوضة حتى أسأمت فتوقفت واستونفت ثم انقطعت ووصلت ثم تخلى عنا المفاوضون الإنجليز . هزوا أكتافهم وجمعوا أوراقهم . وانصرفوا عنا إلى بلادهم هازئين ساخرين"
وقال الشيخ البنا لصدقى:
- " هذه الحكومة لا تمثل رأى البلاد فى شئ وكل إجراء تتخذه باطل وعليكم أن تدعوا أعباء الحكم لمن هو اقدر منكم".
وفى 9 من أكتوبر تحت عنوان " بين استقلال المجاهدين , واستقلال المفاوضين" قال:
- " هذه الحال لن تدوم أبدأ..إن وادى النيل الأبى إذا كان قد قنع فى الماضى باستقلال المفاوضين فى معاهدة الشرف والاستقلال , فإنه لن يرضى اليوم إلا باستقلال المجاهدين ساحة الاستشهاد وتحقيق الآمال"
وخصص الشيخ البنا الصفحة الأولى من صحيفة الإخوان يوم 10 من أكتوبر ليطلب من " الشعب العظيم" عدم التعاون مع الإنجليز اقتصاديا بالإضراب عن شراء كل ما هو انجليزى أو البيع لأية جهة انجليزية أو التعامل مع أى بيت أو شركة أو محل انجليزى كائنا ما كان.
وثقافيا بمقاطعة الصحف والمجلات والكتب والجرائد الإنجليزية والامتناع عن التحدث أو الاستماع للغة انجليزية.واجتماعيا بقطع علائق المودة والصداقات الشخصية والعائلية . والانسحاب من عضوية الأندية أو الهيئات التى تضم العناصر البريطانية.
ويستمر البنا فى الدعوة الجديدة لمقاطعة الإنجليز فيقول:
- " الآن وبعد أن مضى على ثورة سنة 1919 أكثر من ربع قرن من الزمان تعود القضية الوطنية سيرتها الأولى فتفشل المفاوضات أو تكاد" ولم يكن البنا وحده الذى يعارض المفاوضات, بل كانت الأحزاب والرأى العام كله فى صفوف المعارضة.
قالت المفوضية الأمريكية
- " إذا عجز صدقى عن العودة إلى مصر ومعه تنازلات بريطانية أمام المطالب المصرية فسيواجه بعواصف سياسية يحتاج إذا أراد الصمود أمامها إلى استخدام ذكائه.. وكل قوات الشرطة"!
أراد أرنست بيفن أن يعرف الوضع القانونى للسودان باعتباره الصخرة التى تحطمت عندها كل المفاوضات المصرية البريطانية.رد قاضى القضاة البريطانى قائلا:
وصلت غلى النتيجة التالية:
- الحق الشرعى فى السودان كان فى الأساس مصريا.
- لم يحدث ما يبين منه أن هذا الحق أخذ من مصر ليعطى كليا أو جزئيا لبريطانيا!
- ظل ملك مصر خلال فترة الإدارة المشتركة المصرية البريطانية صاحب السيادة على السودان أما اتفاقية الحكم الثنائى للسودان فإنها منحت بريطانيا حقا فى تعيين الحاكم العام وممارسة الإدارة المشتركة
- هناك وحدة قائمة بين مصر والسودان فى ظل تاج مشترك ومن سوء الحظ أن صدقى باشا لم يكن يعرف هذه المذكرة التى تعترف صراحة بسيادة مصر على السودان وحتى لو عرف فماذا يستطيع والقوة كلها فى يد بريطانيا؟
ولكن بيفن كان يعرف ضعف موقفه فى المفاوضات.أصبح الإخوان مع الوفد فى قافلة واحدة ضد إسماعيل صدقي والمفاوضات عندما يسافر اللورد ستانسجيت تنتقده صحيفة الإخوان وتنتقد معه المفاوض المصرى
قالت:
- "لم لا يسافر ستانسجيت المرة , بعد المرة دون التماس الأعذار فبالأمس البعيد سافر إلى لندن ثم عاد.واليوم يقال إنه فى رحلة إلى شرق البحر المتوسط ليتفقد بوصف وزيرا للطيران مراكز الطيران هناك لم لا يفعل ذلك وقد رأى محترفى الساسة يغفلون عن قضية الوطن!"
أراد إسماعيل صدقي أن يتغلب على كل مناورات خصومه: الوفد الذى يريد أن يرأس وفد المفاوضات ويكون له نصيب الأسد فيها وأعضاء هيئة المفاوضات الذين يسعون لرئاسة الوزارة ويخشون الارتباط بمعاهدة يعقدها رئيس وزراء يكرهه الشعب.
والملك الذى يخشى أن يؤيد صراحة وعلنا المعاهدة الجدية .وأخيرا الإخوان الذين تحالف معهم ومنحهم فرصة الانتشار .رأى صدقى أن يتغلب على هؤلاء جميعا فقدم استقالته يوم 28 من سبتمبر لإفساح الطريق أمام تأليف وزارة قومية تضم حزب الوفد.
عهد الملك إلى خاله شريف صبري باشا الوصى السابق على العرش بتأليف وزارة لاستكمال المفاوضات والوصول إلى معاهدة توقعها كل الأحزاب كما حدث فى معاهدة عام 1936.
قالت صحيفة الإخوان:
- "لم يبق إلا تغيير أشخاص المسرح المصرى. بغية صرف جمهور النظارة إلى الأحداث الداخلية".
استمر شريف صبري باشا ثلاثة أيام يحاول تشكيل الوزارة ولكن الوفد رفض الاشتراك فيها فعدل شريف صبري عن مهمته.وعهد الملك إلى صدقى باشا برئاسة الوزارة مرة أخرى فى أول أكتوبر فأثبت صدقى أنه لا يمكن الاستغناء عنه فى هذه الظروف!
قال صدقى فى مذكراته:
- " إن ثلاثة أرباع المسائل التى تناولتها المفاوضات انتهت إلى التفاهم التام بل وضعت لها الصيغ لملائمة فصارت مفروغة منها أما إذا كانت هناك مسألتان أو ثلاث طال فيها الأخذ والرد فإن واحدة منها فقط وهى مسألة السودان لا تزال تنطوى على اختلاف وجهتى النظر واستعصاء الحل.. غير أنى لا أزال كبير الأمل".
ولكن الإخوان اندفعوا يهاجمون صدقى. كما لم ينتقدوه منذ ولى الحكم!واصدر الوفد بيانا ضد المفاوضات وما ظهر من نتائجها. وبعث مصطفي النحاس باشا بالبيان إلى السفير البريطانى, كما بعث برسالة مماثلة إلى سفراء الدول الكبرى.
وأبرق النحاس إلى الأمم المتحدة يطلب منها إرغام بريطانيا على احترام مبادئ الحرية وتحقيق آمال الشعب المصرى فى الاستقلال.وكانت رسالة النحاس بداية القطيعة بين السفارة البريطانية وحزب الوفد كما شرحت برقية جيمس بوكر القائم بالأعمال البريطانى
قال:
" أصاب رجال السفارة البريطانية قلق عميق من البيان الوفدى,فإن الإنجليز كانوا يأملون أن يكون الوفد أقل تحديدا فى مطالبه من صدقى الذى اضطرته الظروف كما تقول المفوضية الأمريكية لأن يتفوق على منافسيه فى المطالب.لقد حاولت السفارة البريطانية إقناع الوفد بعدم إصدار بيانه دون جدوى"!
ويعلن مصطفي النحاس زعيم حزب الوفد أنه لا ينبغى أن تعقد مصر وبريطانيا معاهدة إلا بعد جلاء القوات البريطانية عن مصر وأن الوفد وحده يمثل مصر!
وبوجه المرشد العام خطابا مفتوحا إلى زعماء مصر قائلا:
- " نحن معشر الإخوان المسلمين لن نقتحم أنفسنا فى مجموعكم ولن نزاحمكم أمكنتكم ولن ننازعكم رياستكم وقد أبيتم علينا سواء أكنتم فى الحكم أو خارجه أن نظهر بأية صورة على المسرح الرسمى أو ننفذ إلى ميدانه الرسمى رضينا صابرين وعملنا كوطنين مجاهدين.إن اجتمعتم وجاهدتم ناصرناكم وإن آثرتم ممالاة الأعداء سنمضى فى سبيل الله والوطن مستشهدين".
وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود بالنسبة للجلاء والسودان فبعث صدقى برسالة إلى القائم بالأعمال البريطانى قال فيها:
- " وصلت مفاوضات مشروع المعاهدة إلى مرحلة متقدمة بحيث فشلت المفاوضات لرفض بريطانيا الاستجابة إلى مطلب مصر بالاعتراف بسيادة رمزية إن مصر لم تأمل مشاركة فى إدارة السودان".
ولم يعرف ما إذا كان صدقى يعنى ذلك فعلا أو أنه يريد أن يطمئن إليه الإنجليز.وأبدى صدقى استعداده للسفر مع النقراشى وهيكل زعيم الحزبين المؤيدين للحكومة إلى لندن لإتمام المعاهدة.
وفى رسالته للسفارة البريطانية قال صدقى إنه صدقى إنه لا يسافر إلى لندن مفوضا لتوقيع المعاهدة بل إن المشروع النهائى سيعرض على هيئة المفاوضات وملك مصر ومجلس وزرائها والبرلمان للتصديق.
وافق بيفن على التفاوض مع صدقى خلال الفترة من 16 إلى 26 من أكتوبر وفى اللحظة الخيرة اعتذر كل من النقراشى وهيكل فسافر صدقى يرافقه إبراهيم عبد الهادى وزير الخارجية ونزلا ضيفين على الحكومة البريطانية غطت مظاهرات الإخوان والوفد مصر كلها يوم 15 من أكتوبر , قبل يومين من سفر صدقى.
قامت المظاهرات فى القاهرة عند الأزهر وفى الإسكندرية وطنطا والمنصورة , والزقازيق. وبور سعيد , وشبين الكوم, والفيوم, وأسيوط وبني سويف رغم كل إجراءات الأمن التى فرضها رئيس الوزراء.
وهتف المتظاهرون ضد رئيس الوزراء:
- سفر مشئوم يا صدقى .. لا مفاوضة إلا بعد الجلاء
وبعث المرشد العام إلى ملك مصر ورئيس وزرائها يطلب دعوة الأمة إلى الجهادأصدر صدقى قرارا بإغلاق الجامعة وتأجيل الدراسة شهرا فى جميع معاهد التعليم.
قال الإخوان
- " إن رئيس الوزراء تخلص من تيار الوطنية الجارف . وسياسته تحد لإرادة الأمة واحتقار كلمتها ووأد حيويتها وأنه رجل تربى على موائد المستعمرين ودعامة من دعامات الاقتصاد الاستعماري الذى بناه اليهود بأموالهم ودسائسهم"!
سافر صدقى باشا إلى لندن يوم 17 من أكتوبر وتولى منصب رئيس الوزراء بالنيابة عبد القوى أحمد باشا الذى أسندت إليه أيضا وزارة الداخلية بالنيابة فى أول اجتماع مع صدقى
بيفن:
- نظريتى هى وضع أوراق اللعب مكشوفة على المائدة.
قال صدقى:
- وأنا أيضا.ولذلك فإن المحادثات فى لندن استغرقت 8 أيام فقط عقدت خلالها همس اجتماعات بينه وبين بيفن.عقد إبراهيم عبد الهادي اجتماعات مع المسئولين فى وزارة الخارجية.
قال بيفن لصدقى فى المحادثات:
- أنت متناقض مع نفسك تتكلم عن الصداقة التى تربط المصريين بالإنجليز ثم تريد التخلص من القوات البريطانية؟!
- أخذ صدقى يكرر الحديث عن مشاعر الشعب المصرى وأحاسيسه بالنسبة للجلاء.وأخيرا وافق على أن يتم الجلاء خلال ثلاث سنوات تنتهى فى أول سبتمبر عام 1949 وتناولت المفاوضات الدفاع المشترك.
أصر صدقى على أن يكون مجلس الدفاع المشترك استشاريا.. وهكذا نسف الدفاع المشترك كله!وجاءت مسألة السودان التى استغرقت معظم المباحثات.
أصر صدقى عل أن يكون لقب ملك مصر هو ملك مصر والسودان فوافق بيفن بعد مناقشات طويلة على أن يكون السودان تحت العرش المشترك, وأصر بيفن على حق السودانيين فى رفض سيادة مصر إذا رغبوا فى ذلك واختيار الاستقلال عندما يصلون إلى المرحلة التى يتمكنون فيها من اختيار الوضع المقبل لبلادهم.
أجاب صدقى:
- من المستحيل الحديث فى هذه النقطة الآن فلا أحد يعرف تطورات المستقبل خلال نصف قرن إن أولادنا هم الذين يقررون ذلك. ولا نستطيع أن نتطلع بعيدا؛
قال بيفن:
- نريد التغلب من الآن على آية مشاكل تنشأ فى المستقبل. ولا أريد وضع العراقيل أمام أولادنا عندما يجيئ وقت البحث عن حل .وأريد ضمانا بأنه لن ينشأ وضع يمنع السودانيين من الاستقلال
وأضاف:
- إن طرفين يضعان بروتوكولا خاصا لمستقبل طرف ثالث علينا التزام مشترك نحوه. السودان الذى يطالب بالاستقلال لن يبقى دواما تحت السيادة المصرية أريد أن أضع أمام الشعب البريطانى حق السودان فى تقرير المصير
قال صدقى:
- عندما يصل السودانيون إلى مرحلة معينة من التطور فإنهم سيصبحون مستقلين حتما.أى نصوص على الورق لن تفيد شعبا يبحث عن الحرية وهذا مبدأ عالمى وليس مسألة تتضمنها المعاهدة.
- وما دامت هذه المعاهدة توضع طبقا لميثاق الأمم المتحدة الذى يؤكد حق الشعوب فى الاستقلال فليس من الضرورى فى أى اتفاق جديد تكرار ما نص عليه الميثاق.
اقترح بيفن تبادل خطابات بين الطرفين فى هذه المسألة ولكن المناقشة لم تصل إلى نتيجة.وفى الاجتماع الثالث اقترح بيفن أن يعد الشعب السودانى للحكم الذاتى وان يراقب ذلك مجلس مشترك من أشخاص مستقلين على مستوى عال يقدمون تقارير عن تطور السودان للحكومتين.ولكن صدقى رفض الاقتراح.
ويهاجم البنا فى جريدة " الإخوان المسلمين" بريطانيا بعنف لم يسبق له مثيل يوم 21 من أكتوبر.
تعمد البنا فى مقاله أن يرسم صورة براقة للشعور المتزايد من الكراهية الذى يكنه المصريون للبريطانيين بسبب نكثهم بالعهود فيما يتعلق بمفاوضات المعاهدة.وأشار إلى الإعلان الصادر عن مكتب الإرشاد العام بالدعوة إلى عدم التعاون مع البريطانيين..
وقال إنه توافد على مكتب الإرشاد أعداد من المصريين الذين يعملون فى مؤسسات بريطانية يعربون عن استعدادهم للتوقف عن العمل وأنهم أبلغوا بمواصلة عملهم حتى يفرغ مكتب الإرشاد من عمله.
وأضاف أن شعور الكراهية للبريطانيين وجد طريقه إلى نفوس ثلاثين مليونا من سكان وادى النيل , وسيسرى بسرعة البرق إلى نفوس 70 مليون عربى و300 ملون مسلم.
ودعت الصحيفة الأفراد الذين لديهم مطبوعات وصحف وكتب انجليزية يلقوا بها إلى أقرب مكتب للجماعة لتحرق فى الميادين العامة بالقاهرة والمديريات
علقت صحيفة التايمس فى لندن على موقف الإخوان فقالت
- " دخل الإخوان السياسة بشكل سافر.وهم يرون الأمانى القومية المصرية تتعارض مع أطماع بريطانيا ولا يمكن تحقيقها من خلال النوايا الطيبة لبريطانيا لأنها غير موجودة أساسا.يضيع المصريون وقتهم فى المساومات مع بريطانيا التى تسعى من خلال المفاوضات لكسب الوقت ونشر الخلافات.
- وتجد دعوتهم إلى القومية والوطنية استجابة من بعض المصريين المخلصين وهم يحاولون بذر الحقد والشك والحزازات بين الشعبي المصرى والبريطانى اللذين ارتبطا بصداقة وصلات من أجل مصالحهما المتبادلة ويتوجه السفير البريطانى للقاء رئيس وزراء مصر بالنيابة عبد القوى أحمد باشا ليلفت نظره إلى مقال البنا:
- بصرف النظر عن الرعونة الواضحة فى حث الموظفين على ترك المؤسسات الإنجليزية فى الوقت الذى تحاول فيها السلطات المصرية حث تلك المؤسسات على تشكيل أكبر عدد ممكن من المصريين فإن مثل هذه الكتابات تعتبر تحريضا سافرا على الفوضى.
- وسأكون مسرورا حين أعرف الإجراء الذى ستتخذه الحكومة المصرية لقمع هذه الكتابات وملاحقة ما ينجم عنها من آثار ...نفى عبد القوى أحمد باشا أنه اطلع على هذا المقال
وقال:
- اتفق معك فى أنه مقال خطير وسأتشاور فورا بشأنه مع وكيل وزارة الداخلية.وتعد صحيفة الإخوان الرأى العام المصرى لاحتمالات فشل المفاوضات
كتب البنا قائلا:
- "ستكشف الحوادث والأيام عن الفارق البعيد بين أحلاس الأندية وعباد المساجد.ولن يقف شئ فى سبيل العاملين والمجاهدين فليراقب صدقى باشا المعاهد والمساجد أو ليدعها فسيقام للعمل فى كل قلب , محراب وسيجد المجاهدون إلى جهادهم ألف باب"!
وطلب البنا إلى الإخوان المسلمين تلاوة دعاء عقب كل صلاة تقول كلمات الدعاء .
- " اللهم أن أولئك الغاضبين من بريطانيا احتلوا أرضنا وجحدوا حقنا وطغوا فى البلاد وأكثروا فيها الفساد.اللهم رد عنا كيدهم وقل حدهم, وفرق جمعهم وخذهم ومن ناصرهم أو أعانهم أو هادنهم أو وادّهم أخذ عزيز مقتدر".
قال صحيفة التايمس البريطانية:
- "إن إحدى المجموعات الرئيسية المعارضة لبريطانيا فى مصر : الإخوان المسلمون. وهم كما يقول مرشدهم العام ليسوا سياسيين بل هم ببساطة وطنيون يعملون لخير مصر واستعادة حقوقها المغتصبة.
- والشيخ البنا سياسى كفء وجماعته جيدة التنظيم لها فروع فى مصر كلها وانتشرت فى الدول العربية المجاورة وهم يعتقدون أن البريطانيين عدوانيون وامبرياليون وأن بريطانيا لا تزال ترغب فى السيطرة على الشرق الأوسط"
فى لندن رأى صدقى أن المفاوضات لن تنتهى إلى شئ فقال لبيفن إن بروتوكول السودان المقترح ضمن المعاهدة لن يفيد الموقف العسكرى البريطانى أو نظام الإدارة الحالى فى السودان وستبقى أوضاع السودان كما هى الآن رغم إقرار وحدة البلدين تحت تاج مصر المشترك.وكرر إبراهيم عبد الهادي وزير الخارجية ذلك للإنجليز . فوافقوا على بروتوكول السودان يوم 24 أكتوبر.
واستمرت المفاوضات بين الوفد البريطانى والمصرى حتى التاسعة والربع من مساء اليوم التالى – 25 من أكتوبر 1946 – عندما وقع الجانبان بالأحرف الأولى مشروع المعاهدة الجديدة للمساعدة المتبادلة وبروتوكول السودان بفندق كلاريدج حيث إسماعيل صدقي.
وكانت المعاهدة تحمل توقيعات صدقى وبيفن وإبراهيم عبد الهادي وزير خارجية مصر واللورد ستانسجيت وزير الطيران المدنى والسير رونالد كامبل السفير البريطانى فى مصر.
نصت المعاهدة على إلغاء معاهدة 1936 والتشاور والتعاون الوثيق بين البلدين فى حالة الحرب وتكوين لجنة مشتركة للدفاع أما مدة المعاهدة فعشرون عاما ونصت المعاهدة على وحدة مصر والسودان تحت العرش المصرى المشترك على ان يبقى اتفاقية 1899 قائمة وتهيئة السودانيين لاختيار نظام الحكم مستقبلا أما مدة الجلاء فحددت على أساس إتمامه عن مصر خلال 3 سنوات قبل أول سبتمبر 1949 .وتقرر الجلاء عن القاهرة والإسكندرية والدلتا قبل 31 من مارس 1947
قال بيفن لصدقى:
- لقد وعدتك أن أؤيد بحرارة هذا المشروع لدى مجلس الوزراء البريطانى فإذا لم يقره سأستقيل.والتقى بيفن بصدقى ثم همس فى أذنه. لقد اطلعت مجلس الوزراء على المشروع فوافق بصفة غير رسمية سأل بيفن رئيس وزراء مصر:
- ماذا سيكون لقب الملك؟
- أجاب صدقى:" ملك مصر والسودان .ز فإن اللقب السائد أيام الدولة العثمانية وهو خديو مصر وصاحب بلاد النوبة والدار فور وكردفان وسنار لا يتفق مع الأوضاع الحالية.لم يبد بيفن اعتراضا فإنه كان يعلم أن نص المعاهدة لا يتكلم إلا عن الوحدة بين مصر والسودان تحت التاج المشترك
خاصة وأن صدقى قال له صراحة أثناء المفاوضات:
وفى الوقت نفسه كانت لنصوص تقول ببقاء اتفاقية سنة 1899.. أى بقاء الإدارة المشتركة فى السودان وهى إدارة فى حقيقتها بريطانيا فقط وليست مشتركة!لم يجد إسماعيل صدقى باشا رئيس وزراء مصر ما يفعله عندما وافق أرنست بيفن وزير خارجية بريطانيا على أن يكون السودان تحت التاج المشترك إلا أن يتصل من لندن بالملك فاروق ليلا فى الإسكندرية ليقول له:
- مبروك . ملك مصر والسودان.عاد إسماعيل صدقى إلى مصر يوم 26 من أكتوبر ومعه مشروع المعاهدة الجديد التى سميت " معاهدة صدقى بيفن".وسافر ارنست بيفن إلى واشنطن.
نسف صدقى مشروع المعاهدة لأنه أذاع أسرار الاتفاق وتكلم قبل الأوان! فى الطائرة أثناء رحلة العودة قال للصحفيين المرافقين له:
- وعدتكم أنى سآتى لكم بالسودان وقد بررت بوعدى ووصل رئيس الوزراء إلى القاهرة فى ساعة متأخرة وكان مرهقا فى مباحثاته ولكنه كان سعيدا بالمعاهدة. سأله مراسل وكالة رويتر للأنباء عن نتائج رجلته فقال:
- نجحت فى مهمتى تقررت الوحدة بين مصر والسودان تحت التاج المصرى بصفة نهائية.ولم يذكر صدقى باشا إصرار بيفن على حق السودان فى الحكم الذاتى وتقرير المصير!هاج مجلس العموم البريطانى وبالذات الأعضاء المحافظون ووجه سؤال رئيس الوزراء أجاب عنه كليمنت اتلى رئيس الوزراء فى اليوم التالى
قائلا:
- إن الحكومة البريطانية لا تفكر فى إدخال أى تغيير على وضع السودان الحالى أو على الإدارة فيه.ورد أتلى على سؤال لعضو محافظ عن تصريحات صدقى وهل هى صحيحة
فقال:
- يبدو لى أنها تصريحات مغرضة مضللة إذا قصد منها التعبير عن الوصول إلى اتفاق.إن الذى جرى لا يعدو أن يكون محادثات تمهيدية بحتة. وما نشر لا يغطى كل المسائل التى بحثت.. ولم نتفاوض على شئ بصفة نهائية ولا أريد أن أذكر كل التفاصيل فى هذه اللحظة.
وألح أوليفر ليتلتون الوزير السابق على أتلى أن يضيف شيئا فقال رئيس الوزراء:
- أطمئن صديقى بأنه لن يكون هناك تغيير فى الوضع الحالى والإدارة الحالية فى السودان ولن يحول دون حق الشعب السودانى فى أن يقرر مصيره فى نهاية الأمر.
- ولم يكن أرنست بيفن فى ذلك الوقت فى لندن ليتكلم... وتوقف نهائيا دور اللورد ستانسجيت فى المفاوضات.عادت الاضطرابات فى مصر واضطر إسماعيل صدقي إلى تأجيل موعد بدء الدراسة ... وعندما استؤنف الدراسة ... أوقفت مرة أخرى.
وأصدر الطلبة, من كل أحزاب المعارضة بيانات يطالبون فيها بإلغاء معاهدة 1936 وعرض القضية المصرية على مجلس الأمن.سافر البنا إلى الحج يوم 28 من أكتوبر واستمرت حملة الإخوان ضد صدقى وأحرقوا بعض محلات الأجانب ... واشتد المظاهرات وحوادث العنف ضد المعاهدة
وجمع الإخوان عرائض بمطالب الأمة قدموهما إلى الملك والجامعة العربية والأمم المتحدة فقبض رجال الشرطة على الإخوان الذين يجمعون ذه العرائض. وقالت أحزاب المعارضة وصحفها إن صدقى مسئول عن دماء الشهداء رأى إسماعيل صدقي أن يرد على هذا العنف بالاعتقالات ومصادرة الصحف ومقاومة من يرى فيهم نزعات شيوعية!
عندما اجتمع مجلس الوزارة البريطانى فى اليوم التالى الثلاثاء 29 من أكتوبر لم يكن بيفن من الحاضرين .. بل مثل وزارة الخارجية أورم سارجنت الوكيل الدائم لوزارة الخارجية.
رأس الاجتماع اتلى رئيس الوزراء وحضره 17 وزيرا منهم وزيرة واحدة فى ايلين ويلكنسون وزيرة التعليم .. وتولى شئون السكرتارية ثلاثة على رأسهم السكرتير العام لمجلس الوزراء السير ادوارد بريد جر.
ويقول النص الرسمى لمحضر الاجتماع
- " أشار رئيس الوزراء كليمنت اتلى إلى التقرير الذى وزع عند عودة صدقى باشا إلى القاهرة عقب محادثاته مع وزير الخارجية فى لندن, والذى يقول بأن بريطانيا قبلت قيام وحدة بين مصر والسودان فى ظل التاج المصرى.ومن المؤسف أن مثل هذا التقرير غير الكامل, والسابق لأوانه يمكن أن يبنى على محادثات أجريت على أساس شخصى واستكشافى..
- وغير ملزمة لأى من الحكومتين وكان من الواجب اعتبارها سرية والاتفاق المؤقت الذى نم التوصل إليه فى سياق هذه المناقشات لم يقتصر فى الواقع على مسالة السودان بل وحتى فى هذه المسألة لم يكنن مقصورا على بحث مشكلة السيادة إن الصيغة المقترحة لإبرام بروتوكول السودان فى الوقت الذى تعترف فيه بوحدة مصر والسودان تحت تاج واحد تعلن اعتزام الحكومتين على العمل معا لصالح السودانيين وتهيئتهم بشكل فعال للحكم الذاتى وتؤمن بشكل خاص استمرار الإدارة الحالية فى السودان , حتى يأتى الوقت الذى يصبح فيه السودانييون قادرين على ممارسة حقهم فى تقرير وضع بلادهم فى المستقبل.
- وقال رئيس الوزراء إنه حاول فى البيان الذى ألقاه فى اليوم السابق أمام مجلس العموم أن يصحح الانطباع الذى خلقه ذلك التقرير المضلل الذى تم توزيعه فى القاهرة وأعرب عن أمله فى ألا يتسبب التقرير فى التأثير على آفاق التوصل إلى قرار مبكر ومرض لمفاوضات إعادة النظر فى المعاهدة الإنجليزية المصرية"
أكتفى مجلس الوزراء البريطانى بإصدار القرار التالى :
- أحيط المجلس علما ببيان رئيس الوزراء " ومن هذا النص الرسمى للمحضر نجد أن اتلى لم ينكر الاتفاق على وحدة مصر والسودان تحت التاج المصرى المشترك.. ولكنه أ‘لن فى الوقت نفسه أن الإدارة الحالية للسودان مستمرة..
- ورغم ذلك كله يمكن لمعاهدة صدقى بيفن أن يصدق عليها فى لندن وأن تستمر لولا أن الحركة ضدها تمت فى عدة اتجاهات فى وقت واحد وأهم العوامل المضادة كانت داخل هيئة المفاوضات المصرية نفسها.
- وطلب مكرم عبيد بصفته عضوا فى الهيئة نم إبراهيم عبد الهادىء تفاصيل مفاوضات لندن فأبلغه شفويا بما جرى فنشرت ذلك صحيفة " المصرى" واستدعى مكرم عبيد المراسل البريطانى لوكالة الاسوشيتدبرس للأنباء وأعطاه صياغة دقيقة جدا لمشروع بروتوكول السودان!
وتوجه بوكر الوزير البريطانى المفوض فى القاهرة إلى إبراهيم عبد الهادي يسأله: قال وزير الخارجية:
- ماذا أفعل بحق السماء مع مكرم , تعمدت إعطاء تفاصيل شفوية فحسب لأنى أعرف أنه سيسلم أى شئ مكتوب.
قال بوكر:
- إن صدقى باشا , وليس مكرم باشا هو المسئول الأول وأخيرا عن هذا العمل الطائش المدمر.
بعث بوكر بنص هذا الحديث إلى لندن فى البرقية رقم 1625 ومنها يتضح أنه إذا كان صدقى اخطأ عندما أعلن أنه جاء بالسودان فإن أعضاء هيئة المفاوضات المصرية الذين ظلوا بالقاهرة تعمدوا إفشاء النتائج وفى مقدمة هؤلاء مكرم عبيد الذى كان يحقد على صدقى لأنه لم يشركه فى وزارته!
يوم الحريق
دعا صدقى أعضاء هيئة المفاوضات إلى الاجتماع يوم أول نوفمبر ليطلعهم على مشروع الاتفاق وتخلف رئيس الوزراء عن الحضور فقد عاد من لندن مريضا ودخل المستشفى لإجراء عملية جراحية فطلب إلى إبراهيم عبد الهادي باشا وزير الخارجية أن يرشح للأعضاء كل ما جرى فى لندن.
عاد إبراهيم عبد الهادي إلى صدقى فى المستشفى ليبلغه نتائج الاجتماع وموقف أعضاء هيئة المفاوضات .
قال إسماعيل صدقى فى مذكراته:
- " تبين لى أن الزملاء فى غالبيتهم كانوا حريصين لا على استظهار مزايا المعاهدة الجديدة ولكن على التنقيب وراء ما يمكن أن يكون محلا للنقد .. وكانت مناقشات هيئة المفاوضات مظهرا من المظاهر المخيبة لآمال جميع التواقين إلى تصفية ما بين مصر وانجلترا من مشكلات طال أمد حلها.
- ولما وصلنا إلى الحل اصطدمنا بالعراقيل والاعتراضات, وكلها غير ذات وزن يذكر أمام جدية النتائج التى وصلنا إليها.وأصبحنا فى حالة من أغرب ما يمكن أن يصادف بلدا يسعى إلى تحقيق أهدافه...فقد عمل البعض منا على تصوير مكاسبنا بصورة تثير الريب وتبلبل أفكار الواطنين".
وتجئ ذكرى وعد بلفور.ويوجه الإخوان والوفد الدعوة للشعب للتظاهر كما حدث قبل عام فيأمر صدقى بمنع المظاهرات, وتعلن الشرطة إجراءات الطوارئ وتقف لدوريات كل مكان فى حالة استعداد.
ويعتقل صدقى باشا يوم الجمعة أول نوفمبر أعضاء من الإخوان والوفد ونقابات عمال الترام, والأتوبيس الذين اضربوا عن العمل بهذه المناسبة ولا يستجيب الشعب لنداء الأحزاب بالتظاهر.وتفشل أيضا دعوة المحامين للإضراب والامتناع عن الحضور أمام المحاكم
أبرق السير هدلستون الحاكم البريطانى العام للسودان إلى لندن يوم 3 من نوفمبر يقول:
- " تحطم الأمل فى موافقة الشعب على البروتوكول بسبب ما أعلنه صدقى عن السيادة المصرية على السودان لأن الشعب السودانى فسر ذلك بأنه الهيمنة والنفوذ المصرى".
وقال إنه طلب إلى الزعيمين السودانيين السيد عبد الرحمن المهدى والسيد على الميرغني إذاعة بيانين يطلبان فيهما من الشعب الهدوء وعدم التظاهر وأفاض الحاكم العام فى الحديث عن خطورة الموقف, وأن الموظفين السودانيين المحليين لن يتعاونوا مع الحكومة فسحبت الحكومة البريطانية كتيبة من قواتها من فلسطين ونقلتها بالطائرات إلى الخرطوم لمنع المظاهرات التى يتوقعها الحاكم البريطانى!
وطلب الحاكم العام بعد ذلك السماح له بالسفر إلى لندن لعرض الموقف شخصيا.. ووصل يوم 9 من نوفمبر ليبلغ الحكومة بأن هناك احتملا لاستخدام القوة لحفظ المن إذ أقر البروتوكول لأن السودانيين سيفقدون الثقة فى حسن نوايا الحكومة البريطانية.
وقال:
- إنني مستعد لاستئناف عملى كحاكم عام وأنفذ البروتوكول إذا رغبت الحكومة البريطانية فى ذلك.
ويجتمع مجلس الوزراء البريطانى مرة أخرى صباح الخميس 14 من نوفمبر لبحث الموقف ... وتخلف عن الحضور أرنست بيفن الذى كان يحضر اجتماعات الأمم المتحدة فى نيويورك.
- ومن سوء حظ صدقى ومعاهدته أن بيفن كان بعيدا عن لندن ولذلك لم يستطيع وقف التيار البريطانى المعادى للمعاهدة فى لندن والخرطوم أو يعمل على بقاء المعاهدة التى أجرى شخصيا مفاوضتها!وهذا نص محضر اجتماع مجلس وزراء بريطانيا عندما وصل إلى المسألة الثالثة فى جدول الأعمال وهى المسألة المصرية."
قال رئيس الوزراء كلمنت الى إن الاعلان السابق لأوانه فى القاهرة عن معلومات جزئية بشأن بروتوكول السودان والمعاهدة الإنجليزية المصرية المقترحة أثر بشكل خطير على إمكان إقناع السودانيين بقبول البروتوكول.
وقد عاد الحاكم للسودان إلى لندن كى يعطى للحكومة صورة للمشاعر التى أثارها الإعلان فى السودان وهو يعتقد أنه فى حالة صدور هذا الاعتراف الرسمى بسيادة مصر على السودان فسيتطلب الأمر استخدام القوة للحفاظ على النظام العام وتضيع بين ليلة وضحاها كل الثقة المتحصلة من خمسين عاما من التعاون بين البريطانيين والسودانيين!
إن العديد من الموظفين السودانيين فى الإدارة سيستقلون ويجب أن يستقل بعض الموظفين البريطانيين أيضا وعلى أسوأ الاحتمالات لابد أن تحدث مذابح وفوضى واسعة.وطالب الحاكم العام مجلس الوزراء قبل أن يتخذ قراره النهائى أن يدرك التغيير فى الموقف الذى سببه هذا الإعلان فى القاهرة.
قال حاكم السودان أيضا أنه حتى فى ظروف متغيرو لا يمكنه أن يقر البنود الخاصة بالسيادة المصرية على السودان فى البروتوكول.
أما أذا قرر مجلس الوزراء أن يمضى قدما فى البروتوكول وظل أى هدلستون مستمرا كحاكم عام فإنه مستعد لذلك . وسيستخدم تأثيره الشخصى للتقليل من هذه المشاعر فى السودان ولتخفيف حجم القوة المطلوبة للحفاظ على النظام العام,
وأظهرت المناقشة أن رأى المجلس يقول بأنه على الرغم من ردود الفعل المحتملة فى السودان فإننا يجب ألا نتراجع عن التفاهم الذى تم التوصل إليه مع صدقى باشا بشأن بروتوكول السودان , ومن المحتمل تماما أن تقبل الحكومة المصرية خلال الأيام القليلة القادمة آخر المقترحات الخاصة بالمعاهدة الإنجليزية المصرية.
ومن الأهمية البالغة ألا يحدث شئ فى هذه المرحلة من شأنه أن يؤثر على هذه الاحتمالات الطيبة.وبالإضافة إلى الإجراءات طويلة المدى لدفع تقدم السودانيين إلى الحكم الذاتى لابد من اتخاذ إجراءات فورية لإزالة مخاوف السودانيين"
كان هدف الحاكم العام إثارة الرعب فى قلوب الوزراء البريطانيين فإن برقياته وبياناته أقنعت الوزارة بأن ثورة عنيفة ستقوم فى السودان نتيجة اتفاقية صدقى -بيفن!
ولذلك بحث مجلس الوزارة البريطانى عن صيغة ملتوية تمكنه من التنصل من النص الذى يقول بأن السودان يكون تحت التاج المشترك لمصر والسودان معا. وفى إطار هذه المحاولة طرح المجتمعون كما هو وارد فى محضر اجتماع المجلس اقتراحا
قالوا فيه:
- " يمكن أن تأتى ببعض الزعماء أو الأحزاب السياسية فى السودان إلى لندن حتى نرضيهم أولا ونؤكد لهم رغبة حكومة صاحب الجلالة فى التمكين السودانيين من تحقيق الحكم الذاتى.
- ورغم أنه قد يكون من قبيل التسرع أن نوجه مثل هذه الدعوات قبل أن تصل الحكومة المصرية إلى قرارها بشأن المعاهدة ويمكن عمل بعض الترتيبات الأولية على الفور. حتى يمكن توجيه الدعوات بمجرد إعلان الحكومة المصرية لقرارها.
- وأكثر من ذلك يمكن لرئيس الوزراء أن يبعث الحاكم العام فى السودان برسالة يؤكد فيها أن الحكومة بحثت الصورة التى قدمها وأنها واثقة أن الوضع فى السودان مؤمن تماما.
- ولابد أن يكون هذه الرسالة منفصلة عن الخطاب الشخصى الذى قرر رئيس الوزراء إرساله, وبالفعل على الحاكم يدعوه فيه إلى الاستمرار فى منصبه رغم تفهمه للأثر الذى تركته بنود السيادة فى برتوكول السودان
- وقرر مجلس الوزراء البريطانى:
- إقرار توصية رئيس الوزراء – بأنه رغم ردود الفعل المحتملة فى السودان يجب ألا نتراجع عن التافهم مع صدقى باشا بشأن بروتوكول السودان والمعاهدة الإنجليزية المصرية الجديدة
- مطالبة وزير الخارجية بتحضير ترتيبات أولية لدعوة زعماء الأحزاب السياسية فى السودان لزيارة بريطانيا.
- أحيط المجلس علما بأن رئيس الوزراء سيطلب من الحاكم العام للسودان الاستمرار فى منصبه وسيرسل إليه وزير الخارجية خطابا يمكن أن يعرضه على العاملين البريطانيين فى الحكومة يشرح لهم الأسباب التى دعت حكومة صاحب الجلالة للاعتراف بالدعاوى المصرية فيا يتعلق بالسودان ويقرر الخطاب عدم تعريض وضع الموظفين البريطانيين للخطر".
وكتب كلمنت اتلى رئيس وزراء بريطانيا رسالة شخصية إلى الحاكم العام قال فيها إن الموقف لن يتغير فى السودان وسيستمر إعداد السودانيين لاختيار مستقبلهم ولا يتضمن البروتوكول نصا بمنع السودانيين من الاستقلال.
وطلب رئيس الوزراء إلى الحاكم العام أن يطلع بعض زعماء السودان على هذا الخطاب بصفة شخصية.وكتب وزير خارجية بريطانيا رسالة أخرى مماثلة للحاكم العام ليطلع عليها الموظفون البريطانيون فى حكومة السودان.
وجدت الحكومة البريطانية نفسها مضطرة إلى أن تطلب من إسماعيل صدقى أن يرفق بالبروتوكول عند توقيع المعاهدة رسالتين متبادلتين حول الاتفاق الشفهى بشأن السودان تبيان أن التاج المصرى شئ, والإدارة البريطانية للسودان شئ آخر , وإن الإدارة البريطانية للسودان ستستمر رغم التاج المصرى!
وأبرقت وزارة الخارجية البريطانية بذلك إلى بيفن الذى كان يحضر فى نيويورك اجتماعات الأمم المتحدة.ويحذر القائم بالأعمال البريطانى وزير خارجية مصر من أن تفسير الصحف المصرية للبروتوكول يتعارض مع الاتفاق الشفهى بين بيفن وصدقى.
رأى إسماعيل صدقي أن يرد بحسم على هذه المذكرات والتحذيرات المتتابعة طلب إلى عبد الفتاح عمرو باشا السفير المصرى فى لندن أن يناقش الموضوع برمته مع وزارة الخارجية البريطانية.
قال عمرو باشا للمسئولين فى الوزارة
- إذا أصرت الحكومة البريطانية على تبادل الرسائل بين الحكومتين المصرية والبريطانية عند توقيع المعاهدة والتى تشير إلى حق السودانيين فى الانفصال عن مصر فغن المعاهدة لن تمر وستسقط.
وأبرقت وزارة الخارجية البريطانية بذلك إلى بيفن فى نيويورك.
- أوعز صدقى إلى الصحف المصرية أن تنشر مذكرته التى وزعها على هيئة المفاوضات وتتضمن أن بروتكول السودان لا يمنح السودانيين حقا فى الانفصال عن مصر.
احتج القائم بالأعمال البريطانى على النشر لدى وزير خارجية مصر قائلا:
- من حق السودان أن يقرر مصيره بما فى ذلك الاستقلال عندما يحين الوقت المناسب.
ابدى إبراهيم عبد الهادي باشا وزير الخارجية أسفه قائلا:
- كان لابد من ذلك للوقوف فى مواجهة المعارضة وتفسيراتها المسمومة للمعاهدة
وقال صدقى لجميس بوكر القائم بالأعمال البريطانى:
- هذا للإستهلاك المحلى.. ولا تأخذوا تصريحاتى لصحافة مصر.... بجدية!
اجتمعت هيئة المفاوضات المصرية ثلاث ساعات ونصف الساعة لبحث مشروع المعاهدة لم تستطيع خلالها الوصول إلى اتفاق , وقدم سبعة من الأعضاء استقالاتهم معلنين رفضهم للمعاهدة, وأذاعوا فى الصحف بيانا بأسباب معارضتهم وهى سابقة لم تحدث فى أية مفاوضات مصرية .. مع الإنجليز
رد صدقى بمرسوم ملكى بحل هيئة المفاوضات بعد ساعات من صدور بيان الأعضاء السبعة.اختار الإخوان يوم استقالة الأعضاء السبعة 25 من نوفمبر ليكون يوم الحريق أذاع المركز العام للجماعة البيان التالى:
- " تنفيذا لقرار المركز العام للإخوان المسلمين فى 20 من أكتوبر أخذ شباب الأمة فى القاهرة ومدن الملكة المصرية يودعون من ذلك اليوم مالديهم من مجلات وجرائد وروايات انجليزية فى أقرب شعبة من شعب الإخوان.
- ولما تجمع من ذلك القدر العظيم فى جميع أنحاء القطر أحرقت هذه المطبوعات مساء أمس فى الميادين العامة بالقاهرة وأمهات القطر المصرى وبلاد الأقاليم فى آن واحد"
ويقوم الإخوان بمظاهرات شملت حسب بيان وزارة الداخلية عدة مناطق اعتدوا خلالها بالحجارة على واجهات بعض المتاجر فى شارع فؤاد الأول وشارع شبرا كما اعتدوا على مركبات الترام.
يعود صدقى القوى رجل الثلاثينات
- إنه يهاجم دور الإخوان بالإسكندرية ويفتش البيوت ويعتقل 56 من أعضاء الجماعة بالإسكندرية , ويكون بين المعتقلين مصطفي مؤمن زعيم طلبة الإخوان الذى كان يدعوا للتهدئة فى أوائل حكم صدقى!
وترد صحيفة الإخوان
- " عمد صدقى إلى أسلوبه القديم ناسيا أنه استغفر منه وأناب فى مجلس النواب فها أنت ترى كيف يصادر الاجتماعات . فهذه المعاهد والكليات والطريق الموصلة إليها والميادين القريبة منها أشبه ما تكون بميدان حرب حشدت فيه القوات المدرعة والسيارات المصفحة والمدافع المصوبة والبنادق والحراب بل ليت الأمر وقف عند حد الإرهاب وحرب الأعصاب.
- بل هذه السجون امتلأت بالطلبة الأطهار الأبرياء والمجاهدين من شباب الأمة.ليرسل صدقى باشا بالأحرار إلى أعماق السجون ليفعل صدقى ما أراد ولتفعل القوة ما تشاء , فسيواصل المجاهدون جهادهم حتى يتحقق للوطن ما يريد والله غالب على أمره وليعلمن نبأه بعد حين.
مضت الأيام والشهور وطالت المفاوضات فإذا بكل ذلك يتمخض عن مشروع معاهدة عرجاء قال فيها أحد المفاوضين " إنها احتلال سافر للبلاد وفضل نهائى لشطرى الوادى وتكبيل الوطن بقيود وأغلال دونها أغلال معاهدة سنة 1936.."!
وأذاعت وزارة الداخلية بيانا أعلنت فيه
- " أن بعض المنتمين إلى جمعية الإخوان المسلمين فى مدينة القاهرة ومعهم الغوغاء قاموا بعمل مظاهرات متفرقة فى أنحاء مختلفة من المدينة واعتدوا بإلقاء الأحجار على واجهات بعض المتاجر بشارع فؤاد الأول وشارع شبرا كما اعتدوا على مركبات الترام وصف الدكتور محمد حسين هيكل تلك الأيام
فقال:
- "أدت هذه الأحوال مجتمعة إلى تبلبل الأفكار وشيوع القلق واضطراب طلاب الجامعة وتعدى الأمر إلى أعمال اجرامية منكرة.وكانت القنابل تلقى فى غسق الليل فى الشوارع. أو فى أحياء تجارية فيذيع تفجيرها فى النفوس الرعب والفزع . وألقيت قنابل أمام مساكن مأهولة فأحدثت من الأضرار ما زاد الناس رعبا وهلعا وتعددت هذه الحوادث وجعلت الناس فى العاصمة وفى الأقاليم يشعرون بأن الوزارة عاجزة عن حفظ الأمن".
استدعى السير أورم سارجنت الوكيل الدائم للخارجية البريطانية السفير المصرى عبد الفتاح عمرو وأبلغه إصرار بريطانيا على تبادل رسائل مع صدقى تلحق بالمعاهدة يوم توقيعها وتتضمن ما يأتى. بروتوكول السودان لا يغير الأوضاع فى السودان. يقرر السودانيون فى الوقت المناسب مصيرهم بما فى ذلك حقهم فى الاستقلال عندما يصبحون أهلا لذلك.
تدافع بريطانيا عن السودان بالقوات والتسهيلات التى يتطلبها الموقف من حق القوات البريطانية الانتقال والطيران فوق مصر أثناء فترة الجلاء وبعد ذلك يناقش الأمر بين الحكومتين للوصول إلى اتفاق فى المستقبل
أجاب السفير المصرى:
- الإصرار على ذلك سيؤدى إلى فشل أى فرصة لإقرار المعاهدة وتتطور الأمور بسرعة غير عادية يوافق مجلس الوزراء المصرى على المعاهدة ويلتقى حسن يوسف رئيس الديوان الملكى بالنيابة بحسين سرى باشا رئيس الوزراء السابق وعضو هيئة المفاوضات.
قال سرى باشا:
- من الإجرام أن تضيع فرصة التوقيع على معاهدة بهذه الشروط
ولكنه استطرد قائلا:
- مادام البريطانيون وافقوا على الكثير فمن الوطنية أن يطلب المصريون ما هو أكثر.
سأله حسن يوسف:
- كيف يمكن عمل ذلك؟ وهل يعود صدقى مرة أخرى إلى لندن ليطلب المزيد؟
قال سرى: إذا لم يذهب صدقى فربما يذهب أى شخص آخر .... أى سرى باشا !!
وقال على ماهر لصدقى باشا:أؤيد المقترحات ولكنى فى الاجتماع أعرضها.فسر حسن يوسف باشا وكيل الديوان الملكى للسفير البريطانى موقف أعضاء هيئة المفاوضات .
قال:
- الملك ليس مستعدا لدفع الثمن الذى طلبه على ماهر نظير التأييد وايد لطفى السيد.. صدقى عندما كان وزيرا للخارجية ثم نائبا لرئيس الوزراء ولكن بعد خروجه من الوزارة انضم للمعارضة ولم يوضح أسباب معارضته عدا قوله أن البلاد تعارضها .
- وتجنب لطفى السيد كما تقول برقيات السفير البريطانى التوقيع على بيان أعضاء هيئة المفاوضات المعارضين لكنه كان غامضا ومترددا عندما أضاف الآخرون اسمه فى النهاية عندما نشروا بيانهم!..
ويقدم صدقى باشا إلى مجس النواب مشروع المعاهدة والبروتوكولات مؤكدا انه لا توجد وثائق أخرى سرية.ويقرر المجلس يوم 26 من نوفمبر الثقة بالحكومة ويبلغ توفيق دوس باشا عضو مجلس الشيوخ السير والترس مارت وزير المفوض البريطانى للشئون الشرقية بالسفارة البريطانية ما دار فى الجلسة السرية للمجلس
قال عن السكرتير العام للوفد:
- اعترف صبرى أبو علم باشا بأن المشروع المصرى للمعاهدة مشروع جيد ولكن الوفد انتقد صدقى باشا على أساس أنه يأخذ موضوع الجلاء باعتباره قضية مسلما بها بينما تصريحات اتلى وبيفن تنبئ أنه فى حالة انهيار المفاوضات فأنهما يقترحان العودة إلى معاهدة 1936.
- وأشار صدقى باشا إلى أنه لا مصلحة للمصريين فى توجيه اهتمام التصريحات الصادرة عن الجانب الآخر بل مصلحتهم الوقوف بحزم لتأييد فكرة ان الجلاء أصبح قضية مفروغا منها.قابل المجلس هذا الرأى بالتصفيق..
رفض حزب الوفد التصويت على قرار المجلس الذى يؤيد صدقى باشا ومع ذلك كان واضحا أن الوفد لن يكون فى وسعه معارضة المعاهدة وطلب إلى صدقى باشا أن يتعهد بتقديم مشروع المعاهدة النهائى أماما المجلس لإقراره قبل التوقيع النهائى عليها.
رفض صدقى باشا ذلك على أساس أن إبرام المعاهدات من أعمال السلطة التنفيذية وإذا كان ثمة مجال لإدخال تعديلات على الموقف المصرى فإنه على استعداد لطرح هذه النقاط أما الأعضاء قبل اتخاذ قرار بشأنها وأكد توفيق دوس أن حافظ رمضان ألقى خطابا قويا أثنى فيه على موقف صدقى باشا.
وذكر توفيق دوس أنه لم يتعارض المشروع المصرى للمعاهدة سوى عضو واحد متطرف من أعضاء الحزب الوطني على أساس البدء الدائم للحزب وهو لا مفاوضة إلا بعد الجلاء.ويبلغ السفير المصرى وزارة الخارجية البريطانية بأن صدقى أصبح مخولا لتوقيع المعاهدة بعد حل هيئة المفاوضات.
ولم يعرف ابدا ما إذا كان صدقى قد تعهد فى لندن باستمرار الوضع القائم فى السودان أو أن بيفن تراجع عن موقفه وعلى أية حال فإن إسماعيل صدقي رئيس وزراء مصر بخطواته لتالية أراد أن يضع الإنجليز والسودان أمام الأمر الواقع.
ولكن العقبات استمرت توضع فى طريق السياسى المصرى الداهية! طلب عبد الرحمن المهدى باشا زعيم الاستقلاليين فى السودان السماح له بالسفر إلى لندن ليشرح موقف حزب الأمة من البروتوكولات فوافق الحاكم العام والحكومة البريطانية بينما أعلن السيد على الميرغنى زعيم الختمية أنه لن يتجه إلى لندن.
وقبل مغادرته الخرطوم توجه المهدى لزيارة الميرغنى لول مرة منذ سنوات وأعلن المهدى فى بيان للشعب أنه سيطلب من دولتى الحكم الثنائى إنهاء الإدارة الحالية للسودان والاعتراف بسيادة البلاد وتشكيل حكومة انتقالية تمهد الطريق للحكم الديمقراطي.
ويلتقى المهدى فى لندن يوم 27 من نوفمبر برئيس الوزراء وفى 5 من ديسمبر التقى بوزير الدولة ثم اجتمع ببفين بعد عودته من نيويورك أبلغ المسئولون البريطانيون الزعيم السودانى بأن الوحدة المصرية السودانية تحت التاج المشترك لا تعير الموقف فى السودان وأن الحاكم العام سيقاوم أى محاولة مصرية لإدارة البلاد.
ويغلق صدقى جامعتى القاهرة والإسكندرية بعد إضراب الطلبة ومظاهراتهم ويلتقى فى القاهرة رئيس أركان حرب القوات البريطانية بالملك فاروق فى اليوم ذاته 28 من نوفمبر
قال فاروق
- سيتم الاتفاق على المعاهدة والتصديق عليها من جانب جميع الأطراف المعنية قبل نهاية العام وستمر مصر بفترة توتر بالغ تصحبها محاولات لاغتيال المسئولين عن المعاهدة .. وستخمد بعد شهرين أو ثلاثة . ولكن البوليس والجيش المصرى سيكونان قادرين على معالجة الأمر
وأضاف فاروق :
- هدفى الرئيسى الآن الحفاظ على حياة صدقى الذى ساءت صحته بدرجة كبيرة وربما يموت فى أى وقت أو يغتال.ولا أرى أمامى فى الوقت الحاضر خليفة لصدقى أبرق الفيلد مارشال إلى لندن
يقول:
- " الملك فاروق يعتبر بريطانيا الدولة الحيدة الراسخة التى تشكل صلب المقاومة للتهديدات الروسية وهو حريص على احتفاظ بصداقتنا".ولا يعود السير هدلستون حاكم السودان العام إلى الخرطوم مباشرة بل يتوقف فى القاهرة ويكتب السفير البريطانى إلى لندن يوم 30 من نوفمبر
- يحاول صدقى إقناعى بضرورة الإسراع بتوقيع المعاهدة ولا يزال السير هيوبرت هادلستون فى القاهرة.وقد رتبت انتقاله مع زوجته إلى منزلى لأن رجال الأمن غير مرتاحين لاستمرار إقامتهما فى فندق " شبرد" وموقف هادلستون يتلخص فى أنه مهما كانت الصيغة المستخدمة فى خطاب رئيس وزراء بريطانيا فإن السودانيين سيطلبون منه إجابة محددة بنعم أولا على السؤال الخاص بالبروتوكول السودانى وهل يعطيهم حق الانفصال عن مصر أم لا.
- ومالم تكن لديه سلطة الإجابة بنعم فإن موقفه سيكون مستحيلا وأخشى أنه سيثير عند عودته إلى الخرطوم وحاولت أن أجعله يواجه هذا الموضوع بطريقة أقل جمودا وأمس نتيجة لحديث مع رئيس أركان حرب الإمبراطورية الجنرال ديسى طلبت من الجنرال أن يلتقى بهادلستون ويقنعه بأنه يستطيع بسلطته الواسعة فى السودان أن يقنع السودانيين بان يمنحوه ثقتهم فى المستقبل دون طرح مزيد من الأسئلة.
- وأخشى ألا يكون لهذه المجهودات سوى تأثير قليل على هادلستون فهو يرى أنه متى تمت الموافقة على الاعتراف بالسيادة . وما لم يسلم بحق السودانيين فى اختيار الاستقلال فإن الدوران حول هذه النقطة سيسحب من تحت أقدامه ما بقى من الأرض التى يقف عليها.
- ومن الصعب عليكم أن تتحملوا هذا الصداع الإضافي فى المرحلة الحرجة من المفاوضات حول المعاهدة. وأتمنى لو أستطيع تقديم مساعدة أكبر "
ومن هذه البرقية تتضح حقيقة تساند صدقى وهى ان حاكم السودان العام لم يتلق تعليمات واضحة بأن يبلغ السودانيين حقهم فى الاستقلال!
اشتدت المظاهرات بعف ضد صدقى والمعاهدة يوم 2 من ديسمبر وألقيت القنابل فى وقت واحد على ستة من أقسام الشرطة بالقاهرة وقنبلة على منزل الدكتور محمد حسين هيكل باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين.
حاصر صدقى مقر جماعة الإخوان ومطبعتها وصحيفتها ومستوصفها وبيوت زعمائها وفتشها ومنع الاجتماعات فى مقار الإخوان وأغلق المركز العام واعتقل أحمد السكري وكيل الجماعة فأخذ الإخوان يجتمعون فى البيوت ورصد 3000 جنيه لمن يرشد عن المتهم فى حادث قنبلة منزل الدكتور هيكل واعتقل رئيس صحيفة الجماعة. ومنع الصحف من نشر أنباء المظاهرات والإضرابات
ويكتب السفير البريطانى إلى لندن:
- " يقف الطلاب فى مقدمة الأنشطة المضادة لبريطانيا حيث يقوم الوفد والإخوان ومصر الفتاة بتنظيمهم للقيام بهذه الأنشطة.ولسوء الحظ فإن مظاهرات الطلبة تجذب إليها أعداد من اللصوص والمجرمين وهؤلاء هم المسئولون عن أعمال النهب والحرائق التى تأتى عادة بعد المظاهرات السياسية".
ويستدعى السير اورم سارجنت وكيل الخارجية البريطانية الدائم عبد الفتاح عمرو باشا يوم 6 من ديسمبر ليبلغه ما يشبه الانذار باسم ارنست بيفن.قدم سار جنت إلى عمرو مذكرة تنص على تبادل رسالتين بين بيفن وصدقى تفسران ما اتفق عليه مع صدقى بشأن بروتوكول السودان وقد صيغت عبارات الرسالتين بأسلوب يقبله صدقى.
وقال سار جنت:
- إذا لم يفعل صدقى ذلك فسيضطر مستر بيفن إلى أن يعلن فى مجلس العموم بعد التوقيع على المعاهدة تفسيرا واضحا بشان بروتو كول السودان وان التاج المصرى لمشترك أدخل على البروتوكول كاعتراف رمزى بسيادة مصر على السودان لا " كفرامل" لوقف عجلة تقدم السودان.
- ولا تمنع الحكومة البريطانية السودانيين من تقرير مصيرهم.ويؤكد بروتوكول السودان الأوضاع الحاضرة ولا يغيرها وستظل بريطانيا تدافع عن السودان بكل الوسائل والتسهيلات الضرورية وفى اليوم التالى يصل إلى الخرطوم هادلستون فيذيع بيانا علنيا على الشعب يتضمن ما جاء فى خطاب اتلى السرى إلى الحاكم العام!
- ولم يكن هادلستون مخولا بذلك بل أنه أراد نسف المعاهدة والبروتوكول ويستقبل صدقى بمرارة وأسى وأسف بيان الحاكم العام وتصدر الحكومة المصرية بيانا يوم 8 نم ديسمبر تعلن فيه أن الحاكم العام يمثل الحكومتين البريطانية وأنه سمح لنفسه بإصدار بيان يمثل حكومة واحدة وأن هذا البيان لم يطلع عليه رئيس وزراء مصر ولم يقره! وجد إسماعيل صدقى نفسه فى موقف حرج
- إن ملك مصر والسودان مجرد اسم ورمز وشعار وسينسلخ السودان عن مصر وعليه أن على صدقى أن يختار فإما أن يقبل ذلك ويوافق على أن تكون معاهدة صدقى – بيفن للجلاء عن مصر فحسب وهو ما علته ثورة 23 يوليو بعد ذلك أم يخلى الميدان السياسى.ولكن صدقى رأى أن يسجل موقفه للتاريخ
رد على المذكرة البريطانية فرفض شروطها جميعا. ورفض أن يتبادل الرسائل مع بيفن أو يوافق على أن يدلى وزير خارجية بريطانيا ببيان فى مجلس العموم عن بروتوكول السودان ثم قدم إسماعيل صدقى فى نفس اليوم 8 ديسمبر استقالته لسوء صحته فقد أرهق الرجل من كثرة ما رأى وناضل وعانى أيضا
قال الإنجليز فى تقاريرهم السرية:
- إن الملك فاروق طلب من صدقى الاستقالة بعد أن توترت علاقته مع الحكومة البريطانية ولم يعد ممكنا الوصول إلى معاهدة ولكن حسن يوسف باشا قال لى أصر صدقى على الاستقالة وألححت عليه باسم الملك فى لإبقاء ولم يعد صدقى للحكم أبدا, ولكن عرف شعب مصر بعد ذلك. مزايا المعاهدة والفرص التى ضاعت على مصر نتيجة عدم إبرامها ولم يخسر صدقى بخروجه من الحكم.
- ولكن البنا خسر كثيرا بعدم وقوفه مع صدقى .. وربما يكون الخطأ من جانب صدقى لأنه لم يطلع الإخوان على حقيقة الأمور .لقد جرف تيار المعارضة الإخوان المسلمين فانضموا دون اتفاق إلى الوفد يعرضون صدقى ويركبون الموجة الشعبية التى تطالب بالتطرف وبالشعارات لأنهم مثل الأعضاء السبعة فى هيئة المفاوضات خافوا على مستقبلهم إذا ظلوا مرتبطين برئيس وزراء له ماض يكرهه الشعب.
- من الواضح أن المرشد العام لم يستطع فى تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر , وتاريخ الإخوان أن يمثل القوة السياسية التى تحقق التوازن فى السياسة المصرية.
- وكان مستحيلا على الملك أن يثق فى الإخوان المسلمين الذين ساهموا كثيرا فى فشل مشروع المعاهدة.وكان الإخوان يفقدون حلفاءهم واحدا بعد الآخر.
- وجاء النقراشي ليتولى رئاسة الوزارة وبينه وبين الإخوان عداء قديم ! وكان مستحيلا على النقراشي خليفة صدقى فى رئاسة الوزارة أن يثق فى الإخوان أو يثق فى المرشد العام ... بعد الحريق!
مات الوكلاء والموكلون
رشح إسماعيل صدقي لرئاسة الوزارة بدلا منه , محمود فهمى النقراشى باشا فألف وزارته فى 9 من ديسمبر 1946 من 12 وزيرا تصفهم من حزبه " السعديين" والنصف الآخر من الأحرار الدستوريين. واحتفظ النقراشي لنفسه بوزارتى السير رونالد كامبل فى النقراشي عن رأى السفير السابق اللورد كيلرن.
كتب رونالد كامبل إلى لندن يقول:
- " النقراشي رجل ضيق الأفق وعنيد. وبدأ حياته العملية مدرسا وهو ينفى بصورة قاطعة اشتراكه فى قضية اغتيال السردار السيرلى ستاك ولكن كثيرا من البريطانيين لا يبرئونه من هذه الجريمة ويعتبرونه متورطا فى كثير من جرائم القتل.
- ويمكن أن يصبح دموى المزاج إذا اختلف معنا وسيكون تواقا إلى إلقاء المسئولية علينا.وهو عديم الخيال على مائدة المفاوضات يفتقر إلى المرونة ولا يستجيب إلى الأفكار الجديدة".
وقال الإنجليز إنه فى منصبه وعمله الجديد زعيم قوى ولكنه فى نظرهم يظل قاتلا يرتدى زيا آخر"!
ويكتب بنكنى تاك القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن:
- "طموح النقراشي الوحيد يتركز فى انه يريد أن يدخل التاريخ باعتباره الرجل الوحيد الذى أخرج الإنجليز من مصر".
ولكن الإنجليز والأمريكيين أجمعوا على أن رئيس الوزراء الجديد " رجل أمين لا يكذب".
وتطلب السفارة البريطانية إلى الإنجليز من أصدقاء النقراشي أن يبعثوا إليها بتقارير عن أرائهم فى رئيس الوزراء الجديد.
قال أحد هذه التقارير:
- " النقراشي مهيأ ضد أى إحساس بالفشل بفضل شعور داخلى غريزى بأنه قد يكون من الأفضل بالنسبة لمصر على المدى الطويل أن تكافح لتستمر وأن تضحى لتبنى.
- وهو مخلص لمبدأ تكوين أمة مصرية ولكنه يدرك أن المادة التى ستتطون منهم هذه الأمة ليس فيها روح ولا تتمتع بأية كفاءة ومن ثم لديه قناعة بأنه من الواجب توعية المصريين بالقضية والكفاح والحاجة غلى التضحية .
- وهو يرى تلك الحقائق بالأحرف الكبيرة وبالأضواء الساطعة وعلى مدى حياته العملية كان عنيف التصرف وعاطفى التفكير وهو يبرز الدور الذى قام به أيا كان هذا الدور على أساس الحجة القائلة بأن مصر لا يمكن أن تنهض من سباتها العميق إلا عن طريق أ‘مال الإثارة العنيفة ويجب أن تفوز بحريتها كجائزة لا كمنحة!
- ويصل إعجابه بسعد زغلول باشا إلى درجة أسطورية وعندما جاء بعده مصطفي النحاس باشا الذى كان أقل من سعد زغلول عنادا ظل النقراشي يمارس نشاطه فى مصر (مع الوفد) خلال عامى 1929 – 1930 ورفض بشدة عدة مقترحات لتوقيع المعاهدة فإنه أى انطفاء شعلة الحماس المقاس عند النحاس باشا.
- وأجبرت الضجة التى صاحبت ظهور موسولينى النقراشي على قبول المعاهدة عام 1936 ولكن دون مبالغة.وعلى مدى سنوات الحرب نشط النقراشى مع أحمد ماهر باشا فى حث الحكومة المصرية على الاشتراك فى الحرب العالمية الثانية.
- ولم يخف حقيقة ما يشعر به فى قرارة نفسه من أنه بصرف النظر عن تأثير ذلك على الحلفاء فإن قصف المدن المصرية ومصرع خمسين ألف شاب من أبناء مصر وهم يرتدون الزى العسكرى سيكون من شأنه أن يساعد مصر لترقى فى مدارج الأمم.
- وتحمل بشئ من الفلسفة الإحباط الذى أصابه بسبب السياسة المصرية خلال فترة الحرب.وعبر فى انفعال عن ضيقة بسبب ما تصوره من سياسة اللورد كيلرن فى معاملة ملك مصر وشعبها باحتقار.وكان يميل إلى أن يرى فى مصرع أحمد ماهر باشا قائده العملى قضاءه المحتوم الذى يناديه ولا فرار منه.
و:كان يرى فيه موتا فى سبيل مبادئه السامية الطاهرة ولم يحل بخاطره يوما أن يصبح رئيسا للوزراء وقرر التقاعد عن ممارسة العمل السياسى عندما يبلغ الستين.ويبرر النقراشي تراجعه عن التقاعد بأنه تلقى تشجيعا معنويا كبيرا من فاروق عن طريق تأكيد صاحب الجلالة بأنه يرى فى النقراشي حارسا للمثاليات المصرية!
- منذ تلك اللحظة يمكننا اعتبار ذلك بداية لموقف جديد للنقراشى من الملك أما موقفه من المفاوضات بين اللورد ستانسجيت وصد5قى باشا فكان يتسم دائما بالبرود.وعندما الآخرون عن النجاح الذى حققه صدقى نجد النقراشى يعلق قائلا بأنه ظل مستيقظا طوال الليل خوفا من الكابوس الروسى الشيوعى ولكنه لم يجد فى المقترحات العسكرية البريطانية سوى الإهمال , الذى لا مبرر له للمشاعر القومية المصرية.
- ولعل مما يدخل السرور على نفسه أن يجد عقارب الساعة عادت إلى الوراء ليلتقى بسعد زغلول ويقف حيث يقف ولا أعتقد أنه يمكن إجراء مفاوضات فعلية مع زعيم " يرى النجاح فى الفشل ويرى فى الرفض نجاحا يستحق التهنئة".
- ولا يوجد ما يصور النقراشى بصدق ويعبر عن شخصية أدق وأكثر من هذا التقرير الذى عكس تماما كل أعماله فى آخر وزارة له.فى خطابه للملك فاروق الذى أعلن فيه قبول تشكيل الوزارة
- كتب النقراشي يقول:
- " أهم ما تعنى به الحكومة العمل على جلاء الجنود الأجنبية وتحقيق مشيئة أهل وادى النيل فى وحدة مصر والسودان ولقد ظهرت فى الأيام الأخيرة علامات تزيد من قلق النفوس على مصير السودان".
ويضع جيمس بوكر القائم بالأعمال البريطانى تقييما سريا للوضع السياسى فى مصر فقال:
- " إن تصريحات صدقى والحاكم العام أثارت الرأى العام فى مصر إلى حد أنه لن يوجد مصرى وبالذات رئيس حكومة للأقلية يقصد (النقراشي) يجرؤ على الوقوف ضدها.
- إن رفض مصر الاعتراف بحق السودان فى الانفصال عن مصر يعتمد على اعتقاد بأن البريطانيين يشجعون السودانيين على ذلك ليحتفظ الإنجليز بالسودان لأنفسهم"
حد الإخوان المسلمون موقفهم من الوزارة الجديدة فى اليوم التالى لتأليف الوزارة كتب البنا فجريدة الإخوان المسلمين يطالب النقراشي بإنهاء المفاوضات وإلغاء معاهدة 1936 وعرض القضية على مجلس الأمن والجهاد!
عقد النقراشي يوم 16 من ديسمبر اجتماعا مشتركا ضم أعضاء مجلس الشيوخ والنواب وأعلن أن أمام الحكومة التفاوض أو عرض القضية على الأمم المتحدة. عاد السفير البريطانى السير رونالد كامبل من لندن يوم 20 من ديسمبر واجتمع ساعتين بالنقراشي بشأن الفقرة الثالثة فى بروتوكول السودان والتى قام من أجلها الخلاف مع إسماعيل صدقى
طلب رئيس الوزراء أن تصدر بريطانيا بيانا من جانب واحد تعلن فيه:
- (أ) أنه ليست لدى الحكومة البريطانية النية لتشجيع السودانيين على الانفصال عن مصر.
- (ب) إذا رغب السودانيون فى استمرار وحدتهم مع مصر فإن الحكومة البريطانية لن تضيع عقبات فى هذا الطريق ويسعدها أن ترى ذلك يتحقق وبنى النقراشي ذلك على أساس أن الرأى العام المصرى ملتهب فى هذا الشأن ومثل هذا البيان يجعل المحادثات مثمرة.
ورفض رئيس وزراء مصر اقتراح السفير بإصدار بيان مشترك بدلا من تبادل الرسائل. وطلب النقراشي تعديل بروتوكول صدقى بيفن.
ويزداد الرأى العام المصرى إثارة وحماسا عندما يذاع خطاب جديد ألقاه الحاكم العام للسودان فى وفد ممن أعيان " مدينة الأبيض أكد فيه موقف بريطانيا من استقلال السودان وكذلك تصريحات مماثلة للسيد عبد الرحمن المهدى بعد عودته من لندن إلى الخرطوم.
ويجتمع 13 رئيسا للقبائل السودانية يمثلون 1,2 مليون نسمة ويبرقون إلى المجلس الاستشارى لشمال السودان معلنين حق السودان فى تقرير مستقبلية وأنهم يرفضون أية سيادة على بلادهم
قال النقراشي فى مجلس النواب – فى 31 من ديسمبر 1946
- إن على الحكومة البريطانية إعلان نواياها بالنسبة للسودان وقال إن سياسة الحاكم العام هى تشجيع وتحريض السودانيين على الانفصال عن مصر.وأضاف إن مصر لا تريد بسط نفوذها على السودان ونواياها أخوية نحوه وسيرضى عنها [لسودانيون أنفسهم.
وافق المجلس بالإجماع على منح الثقة للحكومة ويحاول بيفن إنقاذ المعاهدة فيبرق إلى سفير ه فى القاهرة يوم 4 من يناير 1947 باقتراحين لإبلاغهما للنقراشى:
- الأول: توقيع معاهدة المساعدة المتبادلة وبروتوكول الجلاء واستبعاد بروتوكول السودان على أساس أن معاهدة عام 1899 بشأن السودان والمادة الثانية من معاهدة 1936 تظلان ساريتين.
ويتبع ذلك مؤتمر لمناقشة المسألة السودانية تمثل فيه بريطانيا ومصر والسودان أو
- الاقتراح الثانى: توقيع المعاهدة على أساس:
- (أ) عدم وضع قيد على حق السودانيين فى تقرير مصيرهم.
- (ب) مهما كان اختيار السودانيين فإن الحكومة البريطانية تضمن المحافظة على المصالح المصرية الدائمة فى السودان.
وقال السفير البريطانى للنقراشى خلال اجتماعين:
- إذا قبلت أيا من الاقتراحين فإن الحكومة البريطانية مستعدة لإصدار البيان المنفرد من جانب واحد الذى طلبته.رد النقراشى فوضع نصا لبروتوكول جديد للسودان ينص على وحدة مصر والسودان تحت التاج المصرى المشترك وعقد مؤتمر تحضره مصر وبريطانيا فحسب ... ولا يحضره السودان!
والجدير بالذكر أن فصل مسألة الجلاء عن موضوع السودان هو ما تم بعد ثورة 23 يوليو 1952.رد وزير خارجية بريطانيا على النقراشي يوم 9 من يناير 1947 مقدما تنازلا جديدا قال: لن يمثل السودان فى المؤتمر .
واقترح بيفن أن تتضمن المعاهدة وثائق تعلن فيها كل من مصر وبريطانيا موقفهما بالنسبة للسودان.وقال بيفن إنه يقبل فى هذه الحالة إصدار البيان البريطانى الذى طلبه كل من صدقى والنقراشي وأبدى وزير خارجية بريطانيا استعداده لاستقبال النقراشي فى لندن والتفاوض معه إذا رغب فى ذلك.
رفض النقراشي اقتراحات بيفن على الفور قائلا:
وقال النقراشي:
- إن وجهة نظر البلدين متباعدة مما يجعل الاتفاق مستحيلا . ومن المسائل البديهة أن السودان يرغب فى الوحدة مع مصر.
وأشار رئيس وزراء مصر إلى أن سفره إلى لندن لن يحقق أى تقدم لجأ السير رونالد كامبل إلى الملك فاروق ولكن بغير فائدة!استمرت صحيفة الإخوان تهاجم الوزارة والأحزاب وتعلن أن الوضع السليم هو الحكم بالقرآن.
ووجه الإخوان رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء قالوا فيها:
- أعلن يا باشا فشل المفاوضات وأقطعها فى عزة وكرامة!
ويكتب البنا:
- " الحريات مكبلة والرعب يملأ الصدور وقوات البوليس ترابط فى كل مكان تبعث على الرهبة والريبة",
ويطالب الإخوان بجبهة قومية مصرية سودانية من كل الأحزاب .رأى السير روبرن هاو الوكيل المساعد لوزارة الخارجية البريطانية فى 17 يناير أنه " مادام النقراشي يتولى السلطة فإن الاحتمال ضيئل فى أن يطرأ تحسين على العلاقات المصرية البريطانية أو استئناف المفاوضات لعقد معاهدة جديدة ومن الأفضل أن يستمر الموقف على ما هو عليه".
اجتمع مجلس النواب يوم 20 من يناير فأعلن النقراشي أن مباحثاته مع السفير البريطانى لم تؤد إلى اتفاق وأنه سيجد طريقا آخر لتحقيق مطالب البلاد تأجل اجتماع المجلس إلى 27 من يناير .
وقرر مجلس الشيوخ يوم 21 من يناير أنه جاء الوقت لتتخذ الحكومة المصرية موقفا حاسما إزاء السلوك العدائى لبريطانيا.ويبعث النقراشي إلى السفير البريطانى فى 23 من يناير بمذكرة أشبه بالإنذار
قال:
- على أن أعلن يوم 27 من يناير الاتفاق , أو إحالة الأمر إلى مجلس الأمن . رأى بيفن أن يقدم اقتراحا جديدا إلى عبد الفتاح عمرو باشا السفير المصرى فى لندن أكد فيه بعبارات واضحة وحدة مصر تحت التاج المصرى المشترك مع عدم وضع أية قيود على حق السودان فى تقرير مستقبله طبقا لآمال الشعب السياسية حسب ميثاق الأمم المتحدة.ولم يتضمن اقتراح بيفن هذه المرة كلمة ط استقلال السودان".
وكانت هذه محاولة أخيرة من بيفن لإقناع النقراشي بتوقيع المعاهدة ولكن رئيس وزراء مصر اكتفى بإعلاء أنه سيعرض الأمر على مجلس الوزراء وفى 25 من يناير أبلغ النقراشي السفير البريطانى أن مجلس الوزراء وجدا أن مصر مضت إلى أبعد مدى فى محاولة الاتفاق مع بريطانيا ولكن الاقتراحات البريطانية لا تستجيب لحقوق البلاد الطبيعية.
وقرر مجلس الوزراء عرض الأمر على مجلس الأمن. وهكذا أضاع النقراشي بعناده أو خوفه من المعارضة آخر فرصة لوحدة مصر والسودان!
أذيع قرار مجلس الوزراء بعد يومين فى مجلسى البرلمان فأعلن الإخوان تأييدهم لقرار النقراشي وإن هاجموا بيانه فى البرلمان " لأنه لم يشف الغلة ولم يرو الظمأ"!ويؤيد مكتب الإرشاد قطع المفاوضات.
ويكتب صالح عشماوي قائلا " أخيرا التقينا"!
بعث السفير البريطانى السير رونالد كامبل إلى لندن يقول :
ويلتقى عبد الفتاح عمرو باشا السفير المصرى فى لندن بأرنست بيفن وزير خارجية بريطانيا يوم 30 من يناير 1947 قال السفير:هل أغلق الباب نهائيا حتى يعرض الأمر على ألأمم لامتحدة؟
سارع بيفن بالجواب قائلا:
- لم أغلق الباب ولم أقطع المفاوضات .الوزارة المصرية هى التى فعلت ذلك عمدا وبالإجماع ولا أستطيع القيام بأى عمل الآن والأمور يجب أن تمضى فى مجراها .
قال عمر باشا:
- نحن حريصون على الوصول إلى حل الآن.
رد بيفن:
- الأمر متروك لكم . ولن أمضى أبعد مما مضيت. ولا أستطيع التوقيع على تنازل عن حقوق السودانيين كما تطلبون.وإذا وجدت الحكومة المصرية طريقا للتعبير عن آرائها الواضحة فى هذه النقطة فإن الحكومة البريطانية مستعدة للنظر فيها.ولكن الخطوة التالية يجب أن تأتى من جانبكم. يلتقى بيفن ببعض ممثلى الدول العربية فى لندن فأبدوا له خشيتهم من خطورة الموقف بعد قطع المفاوضات
وقال الجميع:
- لقد أخطأت مصر بهذه الخطوة.ويسافر بيفن فى إجازة وتمضى الأمور فى طريقها المرسوم
تحرك الإخوان
أرادوا الاحتفال بذكرى مظاهرات يوم الجلاء فى 21 من فبراير ولكن الحكومة نجحت فى منع المظاهرات.
فى 22 من فبراير 1947 قال لاسير رونالد كامبل:
- " يتردد أن الإخوان المسلمين أعدوا مشروعا لتوقعه كل الأحزاب لمقاطعة البريطانيين. ووافقت جمعية الشبان المسلمين وجبهة مصر منظمة على ماهر والوفد السودانى على التوقيع على المشروع ولكن الوفد رفض ذلك"
وانضم الإخوان للجنة تحضيرية قررت الإعداد لمؤتمر عربى . يهدف إقامة منظمة دائمة تمثل الشعوب العربية غير جامعة الدول العربية.ضمت اللجنة كما يرى السفير البريطانى " بعضنا من المتطرفين المعروفين مثل البنا وصالح حرب ومريت بطرس غالى. وهو قبطى. غير حزبى" وجد الوفد أن الإخوان ينافسونه كما أن تأييدهم للنقراشى يعطيه قوة فقرر رفض الهدنة بين الحزب والجماعة دون إعلان.
وهكذا عاد الصراع بين الفريقين بصورة أكثر عنفا... وقسوة ووحشية أيضا فكلاهما ينافس الآخر على الرصيد الشعبى . الوفد يحاول الحفاظ على مالديه, واستعادة ما فقد منه والإخوان يحاولون زيادة هذا الرصيد واتجه كل فريق إلى التشكيك فى وطنيه الخصوم!
فى البرقية رقم 536 بتاريخ أول مارس 1947 كتب السير رونالد كامل
- " هاجمت الصحف الوفدية الإخوان المسلمين وانهمت البنا بأنه اتصل بعبد الرحمن عزام طلبا للتأييد وناقش معه ومع غيره ومنهم على ماهر وحافظ رمضان . تشكيل لجنة سياسية لإدارة الأنشطة السياسية للإخوان المسلمين.
- وأقر البنا, فى تفنيده الفاتر لهذه الهجمات بان تشكيل مثل هذه اللجنة السياسية محل بحث. وعزام يميل منذ مد طويل إلى البنا. ويبدو أنه على وشك تولى توجيه الإخوان المسلمين فى قضية التطرف الوطنى".
ويفشل الإخوان فى محاولتهم تكوين جبهة سياسية تحتفل بذكرى يوم الشهداء 4 من مارس وتهاجم صحف الوفد الجماعة. وتنقل اتهاما وجهه وكيل الإخوان السابق أحمد السكري بأن الشيخ البنا حاول الحصول من الوفد على 50 ألف جنيه ثمنا لتأييد الوفد ضد وزارة إسماعيل صدقى. واتهم السكرى الشيخ البنا أيضا بإجراء اتصالات مع رئيس الديوان الملكى تعهد خلالها المرشد العام بإتباع سياسة معتدلة إزاء حكومة النقراشى مقابل مساعدة من القصر.
ردت جريدة الإخوان بأن البنا مستعد للتعاون مع الوفد إذا تبرع لهذا الحزب بمبلغ 50 ألف جنيه لتنظيم سياسة قومية تساهم فيها كل الأحزاب حسب إمكاناتها!ورغم سوء العلاقة بين الإخوان والوفد فإن العلاقة بين الإخوان والنقراشى لم تكن طيبة بحال.
نشرت صحيفة الإخوان مقالا عن " واجب الحكومة" وحددته بأنه
- " منع وصول قوات بريطانية جديدة وعدم تسخير المرافق لخدمة الإنجليز وإبعاد كل أجنبى يتعامل معهم ومحاكمة كل مصرى يخدمهم بتهمة الخيانة".
وجد الوفد أن الإخوان ينافسونه كما أن تأييدهم للنقراشى يعيطه قوة فقر فض الهدنة بين الحزب والجماعة دون إعلان.
واتجه الإخوان لأول مرة إلى الشرق فطالبوا بأن تلجأ الحكومة فى المم المتحدة إلى " الكتلة اليسارية" بدلا من الكتلة الانجلو أمريكية. ولم يكن الإخوان يعرفون أن مثل هذا التفكير فى تلك الأيام صعب . أما التنفيذ فيقع فى دائرة المستحيل!
ويتجه النقراشي إلى أمريكا فيوفد فى أبريل رئيس أركان حرب الجيش إلى واشنطن لزيارة القواعد والمصانع الحربية والاتفاق على شراء السلاح فتحتج الحكومة البريطانية على الحكومة الأمريكية لعدم استشارة الولايات المتحدة بشأن هذه الزيارة.
ويتراجع وزير الخارجية الأمريكى بالنيابة أمام ممثل السفارة البريطانية قائلا: ليست للزيارة طبيعة سياسية ولن تلعب أمريكا نفس الدور الأساسى فى الشئون العسكرية المصرية والى كانت تقوم به الحكومة البريطانية وفى 7 من مايو 1947 تبلغ الحكومة الأمريكية بريطانيا رسميا بأنها لن تتوسط أو تتدخل بين بريطانيا ومصر!
وتزداد العلاقة سوءا بين النقراشي والإخوان فى مايو أيضا عندما يعتدى رجال الشرطة على موكب الجوالة الإخوان فى حى الخليفة, ويمنع البنا من زيارة بور سعيد.وتتابع برقيات السفارة البريطانية على لندن تصف كل تطور جديد فى موقف الجماعة وسياستها.
كتب السير رونالد كامبل قائلا:
- " الإخوان أبرز المنظمات المصرية التى لها صلة دولية وتتمتع بأهمية كافية لممارسة تأثير ملحوظ على الحياة العامة فى البلاد.إن الأحياء السياسى الدينى لجماعة الإخوان المسلمين يمثل قوة رجعية فهى تدعو للعودة غلى بناء اجتماعى يقوم على تعاليم دينية واجتماعية عفى عليها الزمن"!
ولكن السفير يبرئ الإخوان من العمالة لأية قوى أجنبية . قال:
- " لا تتعرض الجماعة حاليا لنفوذ خارجى سواء كان شيوعيا أو فاشيا ولكنها تمثل أيدلوجية ذات طبيعة سياسية دينية تقتضى بالضرورة تصنيفها كمنظمة سياسية متطرفة"
ويتعين أن نذكر قبل الحرب. كان هناك من الأسباب ما يدعو للشك فى تلقى الإخوان المسلمين أموالا من مصادر ألمانية أو إيطالية أو منهما معا .إن الإخوان المسلمين جماعة مصرية خالصة.
ولكن نجاحها الباهر فى البلاد فى السنوات الأخيرة شجع قادتها على مد أنشطتها إلى الدول الإسلامية المجاورة وخاصة فلسطين وسوريا والسودان".ويتعقب الإنجليز الإخوان المسلمين فى الدول العربية.
سأل الوزير البريطانى المفوض فى عمان الملك عبد الله عاهل الأردن عن لقائه بعبد الحكيم عابدين سكرتير عام الإخوان فقال صاحب الجلالة:
قال الوزير المفوض:
- كان حقا ما تقول يا صاحب الجلالة لو أن الجماعة اقتصرت على واجبها الدينى ولكن التقارير تقول إن دوافع مؤسيسها سياسية بقدر ما هى دينية .
قال الملك عبد الله:
ويثير الوزير البريطانى مسألة الإخوان مع سمير الرفاعى باشا قال رئيس الوزراء:
- ستتدخل إذا أبدت الشعب المحلية فى الأردن نشاطا سياسيا ومن الخطأ أن نظهر عدم موافقتنا عليها نشاط الجماعة مقصورا على النشاط الدينى
ويكتب الوزير المفوض إلى لندن:
- أوافق الملك ورئيس وزرائه على أنه لا داعى للتدخل فى الوقت الحاضر"! وجد الإنجليز أن الاستقرار لم يتحقق فى مصر ولم تعقد معاهدة , وهناك أزمة حادة فى العلاقات بين البلدين ففكروا فى إعادة الوفد إلى الحكم لتحقيق إصلاح اجتماعى يعزز الاستقرار والديمقراطية!
أيد عودة السير روبرت هاو الوكيل المساعد لوزارة الخارجية الذى تولى بعد ذلك منصب الحاكم العام للسودان والسير أورم سارجنت الوكيل الدائم للوزارة وقدما تقريرا بذلك إلى كلمنت أتلى رئيس الوزراء الذى تولى وزارة الخارجية بالنيابة أثناء سفر ارنست بيفن إلى نيويورك وموسكو.
أبرق اتلى بالتقرير إلى بيفن فى موسكو بدلا من انتظار عودته مما يدل على رغبة اتلى فى التعجيل بخلع النقراشي ولكن بيفن رأى تأجيل القرار حتى يعود إلى لندن فعقد مع أورم سارجنت اجتماعا يوم 6 من مايو.
قال وكيل الخارجية: السؤال الأساسى هو هل نعزل النقراشى أم لا؟
رد بيفن: من الخطأ التصرف على هذا النحو فإذا عزلنا رئيس الوزراء , ولم نحقق النتيجة التى نريدها ستكون فى وضع سيئ.
وأصر بيفن على أن يحتفظ كبار رجال الوزارة " بالبرود" وهدوء الأعصاب إزاء النقراشي. ورفض الوزير البريطانى التدخل فى شئون مصر الداخلية ولكن رجال وزارة الخارجية البريطانية ضغطوا على الملك والنقراشي بأسلوب آخر.
بعث السفير البريطانى السير رونالد كامبل برسالة إلى النقراشى يحتج فيها على إلقاء قنبلة على دار المعهد البريطانى وأخرى على كلية فيكتوريا بالإسكندرية وكذلك على التأخير فى محاكمة حسين توفيق وزملائه وبينهم أنور السادات الذين اتهموا باغتيال أمين عثمان باشا وزير المالية فى حكومة الوفد.
ويلتقى كامبل بعبد الفتاح عمرو باشا سفير مصر فى لندن محتجا لى الحملة العلنية المعادية لبريطانيا وقال:
- إن وزراء مصر يساهمون فى هذه الحملة.
ويضيف:
- هل يعرف ملك مصر ذلك؟
ويحذر قائلا:
- إن صاحب الجلالة يغامر بهذه الإثارة الوطنية.ويلتقى كامبل بالملك بعد أن استغنى النقراشي عن البعثة العسكرية البريطانية فى الجيش المصرى.
وينتقد السفير رئيس وزراء مصر فيرد فاروق:
- النقراشي أفضل من يحافظ على الأمن والنظام.
وأخيرا يلتقى السفير البريطانى برئيس الوزراء ليقدم سلسلة من الاحتجاجات:
- الأول: على عبد الفتاح عنايت الذى حكم عليه بالإعدام فى قضية اغتيال السردار البريطانى السير لى ستاك عام 1924 واستبدل حكم الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة.
- وكان عبد الفتاح عنايت قد بدأ يكتب مذكراته وفيها يهاجم الإنجليز الاحتجاج الثانى على كاريكاتير نشرته مجلة روزاليوسف يصور حلبة ملاكمة بين مصر وبريطانيا...
وفى هذا الرسم توجه مصر ضربة قاضية لبريطانيا .الاحتجاج الثالث على مسرحية تعرض فى مصر وفيها يقال إن بريطانيا تحاول التفرقة بين مصر والسودان.
ولا يجد النقراشي ما يقوله طبقا لبرقية السفير إلا أنه سيرسل مقالات الصحف وكل هجوم على بريطانيا إلى النائب العام ليرى ما إذا كان ذلك يقع تحت طائلة القانون وفى هذه الحالة يحاكم المسئولين وتتم كل هذه اللقاءات والاحتجاجات وأنشطة السفير ضد النقراشى خلال فترة لا تتجاوز الشهرين!
انخفضت شعبية الوفد لأسباب كثيرة منها الاضطهاد من جانب الحكومة والانحرافات فى الوفد. وارتفعت شعبية الجماعة بالشعارات التى رفعتها معادية للإنجليز , والعاطفة الدينية العميقة فى نفوس شعب مصر , والتنظيم الدقيق للجماعة والتأييد الذى حصلت عليه من الملك وصدقى والنقراشي فى فترات متباعدة!..
قال حمادة محمود إسماعيل فى رسالة ماجستير قدمها إلى جامعة القاهرة عن " جماعة الإخوان ودورها فى تاريخ مصر" إن سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت سنوات الإخوان فقد ساعد غياب الوفد عن مسرح الأحداث تنامى الإخوان وقيادتهم للحركة الشعبية ضد الاحتلال ودعوتهم الصريحة إلى إعلان الجهاد باعتباره السبيل الأوحد لإخراج الإنجليز من مصر"
وقال:
- " أدت الجماعة دورا لا يستهان به تجاه قضية الجلاء والاستقلال وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية".
أحس الوفد بقوة الجماعة فهاجمها بأسلوبه القديم...
اتهم الوفد الإخوان بالعمالة للحكومة وخيانة قضية الأمة.نشرت صحيفة " صوت الأمة" الناطقة بلسان الوفد ويرأس تحريرها عدلى المولد المحامى يوم 9 من مايو تحت عنوان " الشيخ راسبوتين .. يفقد عقله وأدبه..."!!
قالت:
- ".. استطاع هذا الشيخ الملتاث أن يكتب خطابا إلى رفعة زعيم الوادى ويحشوه بالمطاعن والسباب ويصور فيه نفسه وما فطر عليه من خلق ...
يا مولانا الشيخ:
- إنك أحقر من أن تكتب إلى وفدى عادى .فما بالك بهذه الجرأة المجنونة التى دفعتك بالكتابة لى زعيم الوادى ناصحا, ومحذرا ومهددا.من أنت أيها الحلس الذى خسر الدنيا والدين , انفض من جماعته كل غيور على كرامة الإسلام والمسلمين؟...
- من أنت يا مدرس الخط حتى تجعل من نفسك شيئا فتتكلم إلى رجل بينك وبينه ما بين الأرض والسماء..؟ هل يد تذبذبك, وحقارة تصرفاتك ضد إخوانك وخيانتك لمبادئ الإسلام الشريف وهل بعد استجدائك عطف كل هيئة وحزب...
- أبعد هذا أيها المستعبد لشهواته ونزوته الوضيعة تجد فى نفسك الجرأة على أن تقوم بدور الممثل التافه فى دور المصلح الهادى؟!يا شيخ راسبوتين... مسكين أنت والله إنك قد فقدت عقلك."
وقالت الصحيفة:
- " دع السياسة يا شيخ لمن يحملون عقولا فى رءوسهم فلست أهلا لها".
وقالت:
- " لم يجد الشيخ حسن راسبوتين بدا من أن يمزق اللثام عن تضليله وتهريجه باسم الدين والإخوان والقرآن ويظهر على حقيقته, وبطبيعته انجليزيا حكوميا وهذا هو ما كنا نبصر به الإخوان ونحذرهم منه حتى يعرفوا شيخهم داعية مأجورا لكل من يدفع الثمن.هذا هو الشيخ البنا أيها الناس.
- هذا الرجل الذى كان مدرسا للخط فضاق بفقره, وحقارة شأنه وتفاهة قيمته ولم يستطع أن يوفق بين طموحه وقدرته فراح يطلق لحيته, ويضلل باسم الدين ويجمع حوله السذج من المسلين لتكون له سيارة وتكون له جريدة ولو غير " سيارة" ولكن الدين فضحه وكشف عن خبيئته.
- لم يخجل الشيخ بل ظهر بالأمس سافرا فاجرا, كافرا بنعمة الدين ونعمة الوطن ولم يستح أن يصبح حكوميا أكثر من الحكوميين ونقراشيا أكثر من النقراشيين أيها الشيخ المأجور .. أقسم لك بمن حرمك من نعمة الأخلاق الإسلامية ونعمة الأخلاق الوطنية أننا لا نتصور ولا نسمح لأنفسنا أن ثمة من يعمل لخيانة بلده من أجل المال.فهنيئا حكوميتك أيها المسكين الذى أراد أن يسخر من الوطنية والدين فهوى إلى أسفل سافلين"!!
وتضامنت صحف الوفد كلها فى الحملة ضد الإخوان.قالت البلاغ إن المرشد العام دأب على أن يتردد بسياسة الإخوان ويميل بها يعتقد الاتفاق تلو الاتفاق, ويبرم الميثاق تلو الميثاق ولكنه ما أسرع ما ينفض يده من هذا ليضعها فى يد ذاك.
وقالت مجلة " الحوادث " بعنوان " دوتشى مصر, بعد دوتشى روما" إن البنا يشبه موسولينى زعيم الفاشية فى إيطاليا ويدعى أنه المهدى المنتظر"!
وتصاعدت حملة الصحف الوفدية وبالذات صوت الأمة على الإخوان فى سلسلة مقالات تحت عنوان واحد " هذه الجماعة تسقط"
وهذه نماذج مما قالته الصحيفة خلال تلك الأيام من مايو ويونيه عام 1947:
- يمعن الشيخ فى التضليل فيزعم انه ليس حزبا سياسيا, إذن ماذا أنت وجماعتك يا هذا؟ أنت تزاول نوعا من السياسة هو أرخص وأقذر الأنواع .انحسر آخر قناع عن وجه الشيخ البنا فإذا به أقبح سياسى لعب على مسرح السياسة فى الجيل الحاضر.... العفن والقاذورات والألفاظ النابية بل والجرائم المنكرة مصدرها وكر الإخوان..أما من الذى أيقظ الفتنة فهو أنت أيها " المرشد " المضلل.
- شيخ متآمر متستر خلف الدين..أيها الشيخ الماجن لقد أفصحت عن حقيقة أمرك, بعبثك, وخداعك فانكشفت سترك ووضحت جنايتك السافرة.إلى زعيم عصابة الإخوان صليتم تظاهرا وتصدقتم تفاخرا, واتخذتم هيئة الصلاح لتتسلطوا على عقول البسطاء.
- إن جماعة الإخوان المسلمين فضيحة قومية للمصريين فى العصر الحاضر.أصبحت ذمة الشيخ مطاطة... الشيخ المصلى العارف بالله يكذب علنا فى جريدته.شخ سوء ينحدر هابطا كلما انتفخ جيبا...
- فهو يتعمق فى الاسفاف كلما افعم جيبه بالمال . أجير لا يكتب من وحى قلمه وإنما يدافع عن انتفاخ جيبه.. ومقياس الصالح من الطالح عنده هخو مقدار ما تمتد له به الأيدى من نفحات وعطايا فإن قرأت فجورا وقحة فاعلم أنه قد ما تمتد له به الأيدى من نفخات وعطايا فإن قرأت فجورا وقحة فاعلم أنه قد قبض.الشيخ الأفاك . والشيخ الأشر.
- الإسلام ليس لحية .. ولا عمامة , ولا سفسطة هو تعاليم نبيلة رفيعة تطبع المؤمنين بطابع الشرف والأخلاق.. والسمو وعدم الإسفاف . لا الجرى وراء المال الحرام باستخدام التهريج والدجل والضحك على الدقون...!
ويرد الإخوان فى يوليه فينشرون وثائق تثبت أن السلطات البريطانية ساعدت شباب الوفد فى حملتهم ضد الجماعة.وفى برقيات السفارة البريطانية أن هذه الوثائق مزورة وهكذا تغير موقف الإخوان. كانوا ضد النقراشي فأصبحوا معه.
وكانوا مع الوفد فأصبحوا ضده.وفى رأى البنا أنهم يتفقون ويختلفون مع الأحزاب طبقا لمواقف هذه الأحزاب إزاء مصر المسلمة الوطنية.
ولكن لعبة السياسة التى دخلها الإخوان , أو مارسها الإخوان فى السنوات الأخيرة – كانت تقتضى نوعا آخر من السلوك السياسى!
عارض الملك فاروق فى عرض قضية مصر على الأمم المتحدة كما قالت برقية للقائم بالأعمال الأمريكى.وأيد هذا الرأى كل من إبراهيم عبد الهادي وعبد الحميد بدوي ورأى الدكتور محمد حسين هيكل أن تعرض القضية على الجمعية العامة للأمم المتحدة.بينما وجد النقراشي أن هذه الجمعية ستحتاج إلى وقت طويل لنظر أفضل الفرص فى رأى النقراشي لتحقيق الجلاء.
وظل النقراشي باشا حائرا شهور مترددا, يقاوم كل الضغوط ثم حسم أمره فقدم محمود حسن باشا سفير مصر فى وشنطن عريضة دعوى مصر إلى مجلس الأمن يوم 11 من يوليو 1947.
طالب النقراشي باسم مصر بجلاء القوات البريطانية عن مصر والسودان جلاء تاما وإنهاء النظام الادارى للسودان.
أبرق مصطفي النحاس حزب الوفد إلى مجلس الأمن وإلى السكرتير العام للأمم المتحدة يتهم الحكومة بالديكتاتورية وأن النقراشي لا يمثل مصر وليس صوتا شرعيا يتحدث باسمها.
قال النحاس فى برقيته
- " الحكومة المصرية التى رفعت دعوى أمام المجلس لا تمثل على أى وجه شعب وادى النيل الذى تؤيد أغلبية الساحقة الوفد المصرى, وهذه الحكومة على أكثر تقدير تمثل الأشخاص الذين تتألف منهم وتدعى لنفسها حق التصرف فى سياسة مصر الدولية رغم أنفها ,
- ووفقا لما تمليه مصالح سياسية رجعية وإقطاعية , رفضها الشعب المحكوم حكما ديكتاتوريا,فإن شكوى تلك الحكومة إلى مجلس الأمن لا يمكن أن تكون لها قيمة الوثيقة القومية المعبرة عن مطالب الشعب.
قال عبد الرحمن الرافعي فى كتابه " فى أعقاب الثورة المصرية"
- كانت هذه البرقية ضربة أصابت مصر فالأنانية والأهواء الشخصية جعلت الوفد يطعن مصر من الخلف فى الوقت الذى تعرض فيه قضية مصر على تلك الهيئة الدولية العالمية!
أبرق المرشد العام إلى مجلس الأمن مساندا وفد مصر برئاسة النقراشي ومؤيدا مطلب مصر فى الجلاء ووحدة وادى النيل.
قال:
- " يستنكر شعب وادى النيل البرقية التى بعث بها إلى مجلس وإلى هيئة الأمم المتحدة رئيس حزب الوفد المصرى ويراها مناورة حزبية لا أثر للحرص على الاعتبارات القومية فيها.وسواء كانت حكومة مصر ديمقراطية أو ديكتاتورية فإن الشعب المصرى يعلن على الملأ أمام هيئة الأمم المتحدة ,
- أن ذلك أمر يعينه وحده فله وحده الحق فى أن يختار نوع الحكم الذى يريده طبقا لميثاق الاطلنطى ومبادئ هيئة الأمم وله وحده الحث فى ا، يعرض على حكومته ما يريد وأن يؤاخذها على كل تقصير يراه".
- ووجه البنا رسالة إلى النحاس تحت عنوان " بطلان التوكيل " قال النقراشي باشا يمضى ومن معه إلى مجلس الأمن بتأييد شعب وادى النيل وعلى هدى من الإيمان الوطنى".
واستنكر البنا خطاب النحاس إلى مجلس الأمن ووصفه بأنه سقطة سياسية وعثرة وطنية ومناورة حزبية لا تحرص على الاعتبارات القومية.
وأعلن الإخوان" أن الوفد بدور الطابور الخامس لحساب الإنجليز فى تقسيم الأمة وتمزيق وحدتها"!
وقال:
- " التوكيل الذى منحته الأمة المصرية للوفد المصرى سنة 1918 أصبح باطلا بطلانا أكيدا".
وقالت الرسالة:
- " لا يزال الوفديون بعقلية سنة 1920 فيقولون : الأمة هى الوفد والوفد هو الأمة وأن الشعب منحه توكيلا لا نقض فيه ولا إبرام ويسقطون من حسابهم ربع قرن فى حياة هذا الوطن تبدلت فيه الأرض غير الأرض وتغيرت النفوس .ز انتقل إلى الدار الآخرة أكثر الوكلاء والموكلين على السواء.
- والوفد فى أيامه الأخيرة تخللت صفوفه , طوائف وأفواج , من ذوى الآراء الخطرة والمبادئ الهدامة, الذين لا يدينون بغير الشرعية .. هل ترون أن الوفد قد أدى واجبه بهذا الموقف السلبى يقفه فى هذه الساعات العصبية فى تاريخ الوطن مع أنه كان ولا يزال فى وسعه ان يعمل الكثير لو أراد"
ويطلب الشيخ إلى النحاس أن " يطهر حزبه من الشيوعيين ومن شبابه المفتونين"!
وقال المرشد العام:
- " الوفد خارج الحكم يعتبر الإنجليز أعداء الإسلام والأمة, بل أعداء الشرق كله يجب محاربتهم فإذا تولى الحكم نسى ما كان يدعو إليه فالإنجليز هم الحلفاء المخلصون"!
وكتبت صحيفة:
- "صحف الوفد تفيض إباحية وفجورا وأن على الوفديين أن يحددوا إسلامهم فهم فى تصرفاتهم خصم للإسلام . وحرب على تقاليده وتشريعه وأن الوفديين طابور خامس فى مصر. والنحاس , بعد 4 فبراير كان متعاونا تعاونا كاملا مع الإنجليز".
وقاد البنا مظاهرة مؤيدة للنقراشى.
فى الليلة السابقة على سفر النقراشي إلى واشنطن سئل رئيس الوزراء .
ألا ترى اضطراب الأمن أثناء غيابك؟
- قال لن تحدث متاعب إلا من الشيوعيين:
قيل له:
- والوفد؟
قال:
- لا يسعى الوفد إلى مزيد من عداء الملك له.
قبل له:
- قال: " لقد ألقيت الرعب فى قلب البنا.
ويكتب جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن"
- ويؤكد الإخوان تأييدهم للحكومة وربما يكون السبب ناشئا عن الحرب السائدة بين الإخوان والوفد .والصحافة المحلية تزعم ان السبب الحقيقى يرجع إلى المبلغ الضخم الذى دفعه النقراشي باشا لالبنا من المصروفات السرية ويبدو واضحا أن هذا المبلغ دفع فعلا وقد أحدث تأثيرا لدى قادة الإخوان"!
وتكلم النقراشى فى مجلس الأمن 6 مرات أخرى مفتدا حجج بريطانيا فقال عن السودان:
- " العلاقات بين السكان الذين يقطنون شطرى وادى النيل مسألة داخلية فى بل أهلية.إن الأمر سيعالجه المصريون والسودانيون لا أن يتحدث عنهم لسان حكومة أجنبية فى لندن النائية".
واتهم بريطانيا بالقرصنة قائلا:
- " فقدت معاهدة 1936 قوتها وحيويتها وأخرستها الحوادث ولم يعد صداها إلا كصدى الاشباح وظلت أثرا من آثار أيام القرصنة التى يجه العالم فى نسيانها".
أوفد الإخوان واحدا من أبرز شبابهم مصطفي مؤمن إلى مجلس الأمن مرافقا للوفد المصرى وللدعاية للقضية المصرية فى الولايات المتحدة وفى الأمم المتحدة.وقع يوم 22 من أغسطس 1947 حادثان فى نيويورك والقاهرة فى نيويورك أثناء اجتماع مجلس الأمن وبعد خطاب النقراشي ألقى مصطفي مؤمن خطبة ملتهبة من شرفة الزوار وأشهر وثيقة موقعة بدماء الطلاب تستنكر المفاوضات وتطالب بالجلاء التام وبوحدة وادى النيل.
طرد من قاعة المناقشة فنظم مظاهرة خارج مبنى الأمم المتحدة كما طرد أحمد كامل قطب ممثل الإخوان أيضا لأنه كرر ما فعله مصطفي مؤمن داخل قاعة مجلس الأمن.وفى القاهرة أيد الإخوان خطاب النقراشي فى مجلس الأمن ونشروه كاملا ونظم شيخ البنا مظاهرة فى الأزهر بعد صلاة لتأكيد وقوف مصر وراء النقراشى وتأييد فى مجلس الأمن.
تقدم المظاهرة المرشد العام يهتف بسقوط معاهدة 1936 واتجه المتظاهرون إلى قصر عابدين ووقع بينهم وبين رجال الشرطة صدام حاد وأطلق رجال الشرطة النار على المتظاهرين .
أصيب البنا وأسفرت المظاهرات عن مصرع ثلاثة وإصابة كثيرين ورغم ذلك كتبت السفارة البريطانية إلى لندن تقول:
- " يسود اعتقاد شائع بأن الحكومة تغاضت بل شجعت هذه المظاهرة الخطيرة".
وتكررت المظاهرات فى اليومين التالين ولكن رجال الشرطة نجحوا فى تفريقها دون وقوع حوادث خطيرة.وفى الإسكندرية نظم بعض عمال النسيج مظاهرة أخرى كما جرت مظاهرات أخرى فى طنطا وبورسعيد.
واجتمعت فى مقر الشبان المسلمين يوم 24 من أغسطس عدة منظمات بينها الإخوان وقررت الدعوة إلى إضراب عام ومظاهرات سلمية , يوم 26 من أغسطس بمناسبة ذكرى توقيع معاهدة 1936.
وتكتب السفارة البريطانية إلى لندن بأن
- " البنا يحاول إقناع الزعماء السياسيين بالضغط على النقراشي ليعلن فى مجلس الأمن أن المعاهدة أصبحت باطلة ولا غية".
خشى الإنجليز تدهور الأمن فاجتمع الوزير البريطانى المفوض بوكيل وزارة الخارجية المصرية وطلب منه نقل رسالة عاجلة إلى رئيس الوزراء بالنيابة بأن الحكومة المصرية ستكون مسئولة عن العواقب التى يترتب على أية اضطرابات إذا سمحت بالمظاهرات والإضراب أو وافقت على عقد اجتماع جماهيرى
وقال الوزير البريطانى لزميله القائم بالأعمال الأمريكى:
- قادة الإخوان المسلمين والشبان المسلمين ومصر الفتاة فى ظمأ إلى الثورة والمجد!رأى الوزير أن بريطانيا يمكن أن تستغل المظاهرات فتعلن لمجلس الأمن أن اضطراب الأحوال فى مصر يحتم بقاء القوات البريطانية فاستدعى أحمد خشبة باشا القائم بأعمال رئيس الوزراء البنا وأحمد حسين وغيرهما من الشخصيات وأقنعهم بالتخلى عن المظاهرات.
- وأذاع أحمد خشبة باشا نداء دعا فيه إلى التزام الهدوء وضبط النفس للصالح القومى . وقال إن ممثلى المنظمات المختلفة سحبوا دعوتهم للقيام بإضراب ومظاهرات.
قال السفير البريطانى:
- " تردد أن البنا مستاء من عدم تشجيع الحكومة لمظاهر التعبير عن المشاعر الوطنية".
وقال السفير:
- " الإخوان المسلمون والشبان المسلمون أعطوا اتجاها دينيا للحملات المعادية للبريطانيين"
ويلتقى البنا بفيليب ايرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية يوم 29 من أغسطس 1947.وايرلاند رجال السفارة وهو يتصل بكل المسئولين وكل رجال السياسة.فى مصر!
قال المرشد العام:
- أمريكا أظهرت خصومتها لمصر بتأييد موقف بريطانيا فى مجلس الأمن وذلك ليس جديدا أو فريدا. وفى مصر سخط عام ضد أمريكا.أشار ايرلاند إلى المظاهرات التى جرت فى مصر فقال الشيخ :لن يكون هناك مزيد نم الاضطرابات وبوسعى بدؤها وإنهاؤها .
- قال ايرلاند: من المشكوك فيه أن تتمكن من إنهاء الفتنة بعد اشتعالها.
قال الشيخ:
- زاد الإخوان قوة ونفوذا فى الشهور الأخيرة بعد أن انضم إليهم المنشقون عن الوفد. وأصبح عدد الإخوان 600 ألف . وتوجد مجموعة عمل يتراوح أعضاؤها بين 25 و30 ألفا من الجوالة وهم منظمون تنظيما عسكريا ويتلقون تدريبا عسكريا إجباريا مستخدمين أية أسلحة أو معدات يمكن الحصول عليها .
رد ايرلاند:
- فى مناسبات عديدة اتصل أعضاء من الجماعة بمكتب الملحق العسكرى الأمريكى طلبا لكتيبات تتعلق بالأسلحة الصغيرة والتدريب العسكرى .
ويعلق جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى على ذلك قائلا:
- "لا شك فى قدرة البنا على تحريك المظاهرات وتصريحاته الملتهبة تبين استعداده الواضح للمتاعب فى المستقبل.ولا يجب إغفال أهمية الإخوان فى أى حوار سياسى حول مصر.
- لما هو معروف عن تنظميهم فقد زادوا قوة ونفوذا فى الشهور الأخيرة ووضح من حديث الشيخ أنه يؤيد فى الوقت الحاضر على الأقل سياسة النقراشي.
- ونظرا لسجله الماضى الحافل بالانتهازية يمكن أن نستنتج أنه سيواصل تأييده لهذه السياسة مادام ذلك يناسبه شخصيا"
استمر الإخوان والمنظمات الأخرى عد الوفد فى تأييد النقراشي ودعا ممثلوها صالح حرب باشا والبنا وأحمد حسين سفراء الصين وفرنسا وأمريكا غلى تأييد مصر فى مجلس الأمن.وألمح ممثلوها للسفارة الفرنسية ضمنا وفى تهديد مقنع بان مصالح فرنسا فى مصر قد تتأثر إذا واصلت تأييدها لبريطانيا فى مجلس الأمن.
كتبت السفارة البريطانية على لندن:
- " يعد البنا لإثارة الاضطرابات فى أنحاء متعددة نم البلاد فى حالة فشل القضية المصرية أمام مجلس الأمن . وينتاب المرشد العام سخط كبير على قرار الحكومة المصرية بمنع المظاهرات ويعتبر أن الحكومة المصرية تلعب بهذا العمل لعبة أعداء مصر.
ودعا الشعب المصرى للاستعداد لبدء الجهاد إذا أصدر مجلس الأمن قراره ضد مصر.ويلقى البنا فى هذا الصدد قويا من صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين.
- ويعمل الرجلان بنشاط لتنظيم الشعب المصرى لقيام بأعمال العنف ويبدو مستبعدا فى الوقت الحاضر أن تتورط الجماعة فى أية نشاطات تخالف بصورة مباشرة الحكومة الحالية , وينطبق ذلك بالنسبة لحزب مصر الفتاة ولكن بصورة اقل.
- ودارت مناقشات مستفيضة حول شن حرب عصابات ضد القوات البريطانية فى دوائر جماعة الإخوان المسلمين والشبان المسلمين .
- والإخوان المسلمون مسلحون تسليحا جيدا وكتائب الجوالة التابعة لهم جيدة التدريب ويمكن للجماعة أن تستخدمها إذا قررت الالتجاء غلى حرب العصابات ولكن الموقف حتى هذه اللحظة لا ينبئ بوجود أى شئ خلف الفكرة العامة وعلاوة على ذلك أعلنت لجنة تحرير النيل تشكيل " كتائب للتحرير" فى جميع أنحاء مصر وبدأت تدريب أعضائها على استخدام الأسلحة.
- ويقال إن هذه الكتائب تتلقى التدريب على أيدى ضباط من الجيش والشرطة.ووجهت اللجنة نداء إلى الشباب المصرى للانضمام إلى هذه الوحدات شبه العسكرية.ولكن السفارة ترى أن قوة الإخوان تتركز فى معارضة الوفد بشدة مما يضمن للجماعة قدرا من التأييد وتسامح الحكومة والقصر معهم".
ومن هذا كله يتضح طبقا لما تقوله السفارة أن الجماعة ترتبط بخيوط مع الحكومة.وبتوجيه الشيخ البنا للقاء الأمير محمد على ولى العهد.
قال المرشد العام:
- أريد مخلصا تجنب الاضطرابات الداخلية.وينقل ولى العهد ذلك إلى جميس بوكر القائم بأعمال السفير البريطانى
قائلا: لا يمكن الوثوق بالبنا فى ذلك ولكن سياسته تبدو فى الوقت الحاضر هادفة إلى تحقيق أثر مهدئ على العناصر المثيرة للإزعاج.
قدمت لمجلس الأمن 3 مشروعات :
- الأول : من البرازيل باستئناف المفاوضات بين مصر وبريطانيا وفى حالة فشل المفاوضات تتبع الوسائل السلمية الأخرى محل النزاع.وقد أيديت الولايات المتحدة هذا المشروع.
- الثانى: من كولومبيا ويقول بأن جلاء القوات البريطانية رهن باتفاق بين مصر وبريطانيا لتأمين حرية الملاحة فى قناة السويس.
- الثالث: من الصين ولا يختلف كثيرا عن المشروع البرازيلى وايدت المشروعات الثلاثة استئناف المفاوضات .
امتنعت الولايات المتحدة عن تقديم أية مبادرة إلى مجلس الأمن وأيدت بريطانيا تأييدا كاملا.وامتنع الاتحاد السوفيتى وبولندا عن التصويت على أى مشروع قرار لا يتضمن صراحة الجلاء الكامل عن مصر , وإن احتفظا برأيهما بالنسبة للسودان.
أما بريطانيا فعارضت أى قرار ينتقدها , وأصرت على أن معاهدة 1936 سارية حتى يعاد النظر فيها باتفاق الطرفين , أى باتفاق بينها وبين مصر.ولم يحصل أى من المشروعات الثلاثة على الأصوات السبعة المطلوبة ليصبح قرارا.
واكتفى خمسة أعضاء بينهم الولايات المتحدة بإعلان أن مصر لم تقدم دليلا على أن الصراع بين البلدين يشكل خطرا للسلام العالمى وبذلك فإن مجلس الأمن ليس ملزما باتخاذ قرار.
ورفضت الدول الخمس أى قرار بالجلاء بل أرادوا قرار متوازنا يشير إلى أن استئناف المفاوضات سيؤدى إلى جلاء جنود بريطانيا العاجل عن مصر.
دعا الشيخ البنا الشعب غلى ترك العمل والذهاب إلى المساجد فى ذات الساعة التى تعرض فيها قضية مصر أمام مجلس الأمن للدعاء لها بالنجاح وأن يلهم الله مجلس الأمن التوفيق والسداد.
وخطب النقراشي مرتين فى الجلسة الختامية لمجلس الأمن يوم 10 من سبتمبر قال إن مصر ظلت فريسة العدوان خمسة وستين عاما . وكل ما تطلبه أن تعطى حقها الطبيعى". ولكن مجلس الأمن لا يلهم التوفيق أو الرشاد بالنسبة لمصر!
لم يستطع المجلس إلى قرار فى أى من المشروعات الثلاثة وانفض فى المساء بعد اجتماعات استمرت 35 يوما دون اتخاذ قرار فى الموضوع وأجل القضية لأل غير مسمى مع الاحتفاظ بالنزاع المصرى البريطانى فى جدول الأعمال.وقامت المظاهرات فى مصر فى اليوم ذاته ضد بريطانيا احتجاجا.
اعترض المسئولون فى وزارة الخارجية الأمريكية على سياسة بريطانيا فى مصر.. وكان من بين المعارضين لهذه السياسة لوى هندرسون مدير إدارة افريقيا والشرق الأدنى وجوردون ميريام رئيس قسم الشرق الأدنى والوزير الأمريكى المفوض فى مصر بنكتى تاك .
وابلغ هندرسون ذلك إلى السفارة البريطانية فى واشنطن. وكتب مذكرة إلى وزير الخارجية الأمريكية قال فيها:
- " وجود القوات البريطانية فى مصر يسمم وبسرعة مناخ منطقة الشرق الأوسط والأدنى كلها.وإذا لم يتم الإعلان فى المستقبل القريب عن أنه سيتم سحب هذه القوات دون شرط فإن علاقات العالم العربى مع الدول الغربية ربما تتعرض لضرر بالغ خلال سنوات عديدة قادمة ".
ويوجه مساعده جوردن ميريام نقدا يفكر بيفن أيضا فى نقل القاعدة البريطانية من مصر إلى برقة فى ليبيا مع بقاء القوات البريطانية فى مصر حتى يتم ضمان القاعدة البديلة!ويزور النقراشي واشنطن ويلتقى بجورج مارشال وزير الخارجية والرئيس ترومان.
قال النقراشي للوزير الأمريكى:
- الدين الإسلامى يتعارض مع الشيوعية ولكن استمرار بقاء القوات البريطانية فى مصر يثير استياء ويوفر أرضا خصبة للتسلل الشيوعى
وقال النقراشي:
- إذا لم تعامل الولايات المتحدة مصر على قدم المساواة وباعتبارها دولة مستقلة فإن التأييد المصرى للدول الديمقراطية لن يكون متوقعا.
أعرب مارشال عن سروره الشخصى للاجتماع برئيس وزراء مصر ولكن أحدا من الرجلين لم ينجح فى اختراق تحفظ الآخر فقد بقيا متباعدين .. كما قال مارشال وهو يصف نتيجة الاجتماع.
ويطلب النقراشي من الأمريكية مساعدة اقتصادية وقرضا قدره 80 مليون دولار وشراء القطن المصرى طويل التيلة وبعثة عسكرية أمريكية لتطوير الجيش والطيران المصرى وتدريب المصريين فى أمريكا, وتشغيل المطارات العسكرية والمدنية وإقامة مصانع للأسلحة الصغيرة والذخيرة ز ولكن خاب أمل النقراشي فى الولايات المتحدة.
قال له الأمريكيون:
- لا بوجود قانون أمريكى لتقديم مثل هذه المعونة. فلما ألح النقراشى اعترفوا بأن الكونجرس يدرس قانونا للبعثات العسكرية ولكن أى برنامج للقوات المسلحة المصرية يحتاج إلى صناعة مصرية لتدعيمه.
وقالوا له:
- إذا نشأ لدى المصريين إنطباع بأنه يمكن الحصول على مساعدة أمريكية بمجرد طلبها فإن ذلك يعتمد على التوصل إلى نهاية ناجحة للمفاوضات المصرية البريطانية.
وألقى الأمريكيون " ماء باردا " على طلب المساعدة الاقتصادية. ولم يعرف النقراشي أن السبب هو التقارب الأمريكى البريطاني وأن البريطانيين قالوا للأمريكيين:ما نريده هو التعاون معكم فى الشرق الأوسط بدلا من أن تحلوا محلنا.
أى تحركات من جانب الولايات المتحدة فى مصر ز ستكون موضع استياء لندن.إقامة بعثة عسكرية أمريكية فى مصر بعد سنوات طويلة من النفوذ البريطانى إحراج فاس لبريطانيا قد يؤثر على العراق والدول العربية ويقلل من النفوذ البريطانى فى المنطقة.
وإذا كان [[النقراشي قد أراد إغراء الأمريكيين بأن مصر ضد الشيوعية وأن عدم المجىء يساعد على انتشارها فى مصر . فإن البنا دون اتفاق مع النقراشي. وبدون علمه أيضا أراد استمالة السفارة الأمريكية فى القاهرة لأن الإخوان يستطيعون مساعدة الولايات المتحدة فى مكافحة الشيوعية التى قد تنتشر فى مصر.
وكان هدف البنا . مثل النقراشي, محاولة التفرقة بين الإنجليز والأمريكيين وإقناع الولايات المتحدة بخطر الشيوعية التى قد تزحف على مصر.وموقف الإخوان من الشيوعية واضح عبروا عنه فى مناسبات بأن الشيوعية والدين متناقضات
قالت صحيفة " الإخوان ":
- الشيوعية مذهب هدام يحرض على الثورة ويعتبرها الوسيلة الوحيدة لتنفيذ أغراضه . ويسير مع هذا النظام الإلحاد والإباحية .
وقال البنا فى تصريحات علنية إن الحل الوحيد لتلافى إخطار الفكر الشيوعى الوافد هو الاتجاه إلى الصناعات الكبرى وتحديد الملكية الزراعية وزيادة الانتاج والعودة إلى تعاليم الإسلام الحنيف. وقال إن الأساليب البوليسية لمكافحة الشيوعية لن تجدى.
طلب المرشد العام للمرة الثانية مقابلة فيليب ايرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية بالقاهرة.تم اللقاء بين المرشد العام والسكرتير السفارة الأمريكية فى بيت ايرلاند وحضره محمد الحلوجى من أعضاء الجماعة والدكتور محمود عساف مدير إعلانات صحيفة الإخوان.
احتسى المرشد زجاجة الكوكاكولا كما قال محضر الاجتماع الذى كتبه ايرلاند ثم قال:
- الشيوعية فى الشرق الأوسط خطر داهم على جميع الشعوب . والإخوان المسلمون يحاربون الشيوعية بكل الوسائل الممكنة. ومن الطبيعة أن يترك أعضاء الجماعة عملهم الأصلى لدخول الخلايا الشيوعية للحصول على المعلومات وعندما يفعلون ذلك فنهم يتركون وظائفهم .
- وبذلك يفقدون مرتباتهم وإذا أمكن تعينهم على أساس أنهم محققون وباحثون فإن هذه المشكلة يسهل حلها.واقترح الشيخ البنا انشاء مكتب مستقل مشترك بين الإخوان والحكومة الأمريكية لمحاربة الشيوعية.
- وفهم ايرلاند من ذلك أن تتولى الولايات المتحدة إدارة المكتب بينما يكون أعضاؤه فى أغلب الأحيان من الإخوان.
- ابدى المرشد العام تحفظا واحدا. قال : أمريكا تؤيد أهداف الصهيونية ولذلك يجب أن تكون للإخوان حرية الاعتراض على أمريكا فى هذه النقطة.
- دارت مناقشات بين ايرلاند والشيخ الذى أحس أنه أعطى انطباعا بأنه والجماعة اندفعوا وراء المعونات الأمريكية كما يقول إيرلاند
فقال الشيخ:
- الجماعة لا ترغب فى الحصول على سنت واحد من المال الأمريكى. وسيكون المشروع بأكمله فى يد السفارة الأمريكية ويسعد الإخوان إمداد السفارة بالأشخاص المناسبين بالقدر الذى تراه السفارة ضروريا.
رفض ايرلاند قائلا:
- لن نرحب الحكومة الأمريكية بمثل هذا العرض إن معوناتنا التقدم للمنظمات الخاصة أو المنظمات شبه العلنية . ولكنها تقدم فقط للحكومات كما هو الحال بالنسبة لليونان وتركيا.
قال المرشد العام:
- لا أريد إجابة ولكنى أرغب فقط فى عرض الفكرة وسيجرى محمود عساف معك محادثات تفصيلية.
ولكن..فى اليوم التالى نشرت صحيفة " الإخوان المسلمون" مقالا عنوانه " أمريكا والعالم العربى".. هاجمت فيه الولايات المتحدة الأمريكية.
قال الكاتب عمر عزمى:
- " هذا القلم الذى بهرنى منظره واجتذبنى بهرجته فاشتريته ثم ندمت على افتتانه حسن المظهر سيئ الجوهر .. هذا القلم أمريكى. وهذه القصة أو المجلة التى أعجبنى مجلدها واستهوتنى صورها أمريكية لأنها قصة فجة بلا حبكة, ولا موضوع ولا أسلوب أدبى.
- وهذه ربطة العنق المتعددة الألوان الفاقعة أمريكية لأنها ذات مادة رخيصة سرعان ما يذهب طلاؤها ويتمزق نسيجها . وهذه السيارة الفارهة التى تخطف بصرك فى الشوارع بلونها الباهر وهيكلها الفاخر , لا تلبث بعد فحص محركها إلا أن تلعن بائعها, أمريكية.
- وهذا الشاب الوسيم ذو المنظار الذهبى الذى يتنافى مظهره مع ما يبطن من عربدة فى الأخلاق , وجهل فى الثقافة العامة , أمريكى ولكنه تلقى فنون الاحتيال على الطريقة الأمريكية!!
- وفى وسعنا أن ندرك كنه هذا الطابع وسره إذا رجعنا إلى تاريخ تكوين الولايات المتحدة الأمريكية , فالشعب الأمريكى خليط من مختلف الأجناس التى هجرت أوطانها واتخذت من أمريكا وطنا لها.وهؤلاء المهاجرون ماديون بنشأتهم أنانيون بطبعهم لايهمهم من الحياة إلا التنقيب عن الذهب واتخاذ دولارات منه يغرون بها العالم".
ويزور ايرلاند صديقا له فيجئ الشيخ البنا لزيارة ذلك الصديق وعلى الفور قال ايرلاند للشيخ:
- أشعر بالدهشة لأنك عرضت بذلك جهود مشتركة بين الإخوان والسفارة وفى اليوم التالى مباشرة نشر عمر عزمي مقالا فى جريدة الإخوان حمل فيه بعنف على أمريكا وسياستها ووصفها بأنها مخادعة وهاجم نزاهة الأمريكيين عامة .
حاول الشيخ البنا أن يصور المقال بأنه ليست له أهمية وانه نتيجة الغضب الذى يشعر به الإخوان تجاه أسلوب امريكا فى فلسطين.أترك مثل هذه الأمور لرئيس تحرير الصحيفة وربما سيحل محله شخص آخر وآمل ألا يؤثر الحادث على اقتراحاتى.
قال ايرلاند:
- من الصعب اتخاذ إجراءات عملية !
وتوجه محمود عساف ومحمود الحلوجي بعد ذلك لمقابلة ايرلاند وبحثا معه تفصيلات إنشاء مكتب لمكافحة الشيوعية ولكن ايرلاند أبلغهما بأن هناك أملا ضئيلا فى تنفيذ المشروع.
ويفشل البنا فى الاجتماع بإبراهيم عبد الهادي باشا رئيس الديوان ولكنه يلتقى بأحمد خشبة باشا رئيس الوزراء بالنيابة ليدعوه إلى تنسيق النضال المشترك.وافق خشبة ولكنه طلب من المرشد العام الانتظار حتى يعود النقراشي باشا من مجلس الأمن.
وتوجه صحيفة الإخوان نداء إلى الأمة يدعوها لضم الصفوف لتحقيق الحرية والاستقلال بدلا من الانفعال المؤقت ونتوخى اليقظة والتأنى بدلا من تأجير الشقق لهم أو التعامل معهم وإبعاد البريطانيين ورعيا الدول التى صوتت ضد مصر فى مجلس الأمن من البلاد!
ويستمر الإخوان فى حملتهم على الوفد عساف مدير شركة إعلانات الإخوان الذى يستقبل من عضوية الهيئة التأسيسية للجماعة حتى لا يقال إن الإخوان يهاجمون الوفد بنفس أسلوبه بل ينسب الهجوم إلى صحيفة لا تنتمى للجماعة ويشترك فى التحرير الشاعر محمد مصطفي حمام..
وكانت قد صدرت فى مصر مجلة " الكشكول" لصاحبها سليمان فوزي لتهاجم سعد زغلول واتبعت " الكشكول الجديد " أسلوب " الكشكول " الأول القديم لتهاجم زعيم حزب الوفد الجديد مصطفي النحاس باشا.
ومن العدد الأول , انتقدت المجلة زعيم الوفد الذى يحمل لقب " سير" من بريطانيا وتهاوت المجلة فى هجومها على الوفد وزعيمه إلى مستوى جريدة " صوت الأمة" وغيرها من صحف الوفد فقد انحدرت صحف ذلك الزمان واندفع الإخوان والوفد بعنف فى الهجوم واللدد فى الخصومة.
عاد النقراشي إلى مصر يوم 21 من سبتمبر بعد غياب طويل فأعد له الإخوان استقبالا حماسيا رائعا على أمل أن يسلك طريقهم فى الجهاد ضد الإنجليز .
ولكن النقراشي كان قد فقد توزانه كما يرى سيريل كويليام مراسل صحيفة التايمس البريطانية الذى كتب يقولك
- " أحس النقراشي بأن العالم يقف ضده وأن مهمته فشلت فشلا كاملا"
ولم يكن النقراشي وحده الذى يشعر بذلك بل غمرت هذه الأحاسيس مصر كلها .وجدت مصر نفسها فى عزلة بعد قرار مجلس الأمن . وساعد قيام الحرب الباردة على زيادة مخاوف المصريين من قرب قيام حرب عالمية ثالثة . وبقاء القوات البريطانية إلى أجل غير مسمى فى مصر وعودتها إلى احتلال قلب المدن الكبرى.
وانتشر وباء الكوليرا ليضاعف السخط الشعبى قتل الوباء 12 ألفا من المصريين ولكن الحكومة بعد 3 شهور نجحت فى القضاء عليه.ودعا الإخوان إلى مقاطعة الأمم المتحدة والدول التى وقفت ضد مصر فى مجلس الأمن وتظاهروا تحية لرئيس الوزراء وتأييدا له بينما حملت عليه الصحف الوفدية.
وطلبت الجماعة إلى شعب وادى النيل إعلان الجهاد قائلة إن ذلك ليس تعصبا وليس نضالا مؤقتا ودعت النقراشي إلى قيادة الشعب فى الكفاح أو يفسح الطريق لوزارة ثورية مجاهدة.
وتجمعت المظاهرات بعنف ضد الإنجليز فى الإسكندرية.وتحرك الشيوعيون فحرضوا على أكبر إضراب فى مصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وشاركوا فى إضراب لعمال شبرا الخيمة. حدد النقراشي سياسته وهى " تجاهل الإنجليز تجاهلا تاما" كان ذلك دون مطلب الإخوان .
فبعث الجماعة إليه برسالة قالت فيها:
- " شعر الإخوان منذ عودتكم من أمريكا , بعد تعليق القضية المصرية فى مجلس المن, بأن تلك الحماسة الباهرة خبت جذوتها ولانت حدتها. ولم يجد الإخوان أن الحكومة خطت بالأمة خطوة حازمة فى تحقيق مطالبها أو نهجت نهجا واضحا فى إصلاح الداخلى يقضى على مظاهر التحلل والفساد فى حياتها الاجتماعية.
- وقد أصدرت الحكومة أمرها إلى رجالها بالوقوف فى طريق نشاط الإخوان ومنع حفل فرع هيئة وادى النيل العليا بالمنيا لإنقاذ فلسطين بمجرد أن تبنيت الإدارة أن للإخوان يدا فى إقامته وقبض على بعض طلاب الجامعة من الإخوان وزج فى السجن وعوملوا أسوأ معاملة".
ويكتب بنكنى تاك القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن يصف حال مصر قال:
- " حكومة النقراشي مستقرة والجامعات أجلت الدراسة. والوفديون هادئون عدا مقالات يكتبها محمود أبو الفتح فى صحيفة " المصر" .. المتصلون بالقصر يقولون إن صاحب الجلالة يرى أنه لا داعى لسحب ثقته من النقراشي فالملك يكره النحاس ولا يريد عودته. والمفاوضات مع بريطانيا لن تستأنف إلا إذا انسحبوا من مصر وعدوا نهائيا بالانسحاب.
- ولكن الإنجليز لن يتفاوضوا مع رجل انهال عليهم بالسوط فى مجلس الأمن وجعل العالم ينظر إليهم باحتقار.ومع ذلك فالنقراشي يعتبر رئيس الوزراء المثالى لعقد معاهدة مع بريطانيا فقد أظهر مشاعره المعادية لها. وربما يقبل الشعب معاهدة يوقعها النقراشى أكثر من معاهدة يوقعها النحاس."
كان النقراشي قد انتصر وهو لا يدرى توقعت وزارة الخارجية البريطانية أن يعود إلى القاهرة من مجلس الأمن فيطلب التفاوض مع بريطانيا لإنهاء الأزمة. ويهدد بعرض نتيجة المفاوضات على مجلس والرأى العام العالمى ويثير المشاكل.ولذلك أرسلت وزارة الخارجية إلى رؤساء أركان حرب القوات البريطانية تطلب منهم الوصول إلى حل يرضى مصر ويتفق مع المتطلبات العسكرية البريطانية فى الوقت نفسه.
وقال وزارة الخارجية:
- نريد بداية جديدة للمفاوضات لا تعتمد على معاهدة 1936 أو مشروع معاهدة صدقى بيفن.ولا توجد فرصة للاتفاق مع مصر على وضع وحدات عسكرية أو نواه يادة إقليمية للشرق الأوسط وقت السلم.ولا توجد لدينا تسهيلات فى فلسطين ولكننا نمسك زمام الأمور فى برقة بليبيا.
- وطلبت وزارة الخارجية من القادة العسكريين بذل كل جهد لتخفيض مطالبهم العسكرية من مصر وقت السلم وتمسكت بحق عودة القوات البريطانية إلى مصر عند الضرورة.وقالت وزارة الخارجية للقادة
نريد تحسين فرصة الوصول إلى معاهدة مع مصر.
- واستعملوا التسهيلات العسكرية فى مناطق ليست كثيفة السكان مثل سيناء وإقامة قواعد بديلة فى الدول المجاورة كالأردن بدلا من منطقة القناة ودلتا نهر النيل.
اجتمع رؤساء أركان الحرب وبعثوا إلى وزارة الخارجية فى 20 من نوفمبر 1947 يقولون:
- " لا يمكن إقامة قواعد عسكرية مرضية فى سيناء والأردن مهما أنفقنا من أموال طائلة والأفضل العمل على تخفيض متطلباتنا وقت السلم.ولكن لا يمكن الاستغناء عن مصر كقاعدة فى حالة نشوب حرب عامة فى الشرق الأوسط ولا توجد منطقة آخرى لها نف إمكانات مصر الصناعية وتسهيلات الموانى والطائرات والمنشآت الادارية والقوى العاملة.
- ومن الضرورى أن نحصل على حق إعادة دخول قواتنا وقت الحرب وضمان صيانة هذه التسهيلات وقت السلم.ولذلك يجب وجود فنيين بريطانيين فى مصر وقت السلم لأن المصريين لا يستطيعون صيانة هذه المنشآت.
- وإذا أردنا سحب قواتنا بسرعة إلى سيناء فلا توجد بها إلا منشآت إدارية محدودة فى رفح ولابد من القيام بأ‘مال ضخمة لتوفير مصادر المياه ولا تتوفر عمالة كافية أو موان مجهزة ومستودعات"
وينتهى رأى رؤساء أركان الحرب إلى ضرورة إقامة القيادة المشتركة بمصر وقت الحرب.ولكن رؤساء الأركان يخفضون مطالبهم إلى الحد الأدنى وقت السلم فيقترحون أن يبقى عدد محدود من الفنيين البريطانيين فى مصر بملابس مدنية وقت السلم لإدارة وصيانة المنشآت لتكون صالحة لاستعمال والاحتفاظ بالحد الأدنى من التسهيلات الإستراتيجية فى منطقة القناة وقت السلم وحق إعادة دخول القوات البريطانية وقت الحرب.
ووافق القادة البريطانيون على أن يتولى المصريون مهمة حراسة المنشآت واقترحوا تدريب المصريين على الدفاع الجوى والقيام بطلعات إلى القواعد الجوية فى برقة وقبرص. وهذه القرارات هى التى وافقت عليها مصر تقريبا, فى اتفاقها مع بريطانيا بعد الثورة عام 1954 ولكن النقراشي لم يكن يعلم بهذا كله.ولم يكن الإخوان أو الوفد يعرفون.
فى تقارير المخابرات البريطانية أن 15 من الجماعات السياسية المتطرفة وحدت صفوفها فى سبتمبر من عام 1947 لمقاومة البريطانيين تحت قيادة البنا.
فقد أقامت منظمات الشباب الوطنى الإخوان والشبان المسلمين ومصر الفتاة والحزب الوطني وحزب مصر الفلاح الاشتراكي جبهة متحدة على أساس وحدة وادى النيل وإلغاء معاهدة 1936 واتفاقية السودان 1899 وأبلغت السكرتير العام للأمم المتحدة بذلك.
ويكتب البنا
- " إذا كانت الحكومة تثق بالأمة فعليها أن تتركها تجاهد "
وترد الحكومة بتفتيش مقر صحيفة الجماعة ومركزها العام!
وفى أول يناير 1948 قدم البنا مذكرة إلى الملك فاروق طلب فيها إقالة وزارة النقراشي لسلبيتها بسبب تقاعسها عن المطالبة بإلغاء معاهدة 1936 واتفاقية الحكم المشترك للسودان واحتج على سياسة " السودنة" التى تطبق فى السودان واعتبر الحكومة المصرية مسئولة عنها! وانتقد وقوف الحكومة مكتوفة اليدى منذ عودة رئيس لوزراء من مجلس الأمن:ودعا إلى تشكيل وزارة قوية قادرة.
وشكا من أن الحكومة أصدرت تعليمات إلى البوليس للحد من نشاط جماعة الإخوان المسلمين منذ قيام الإخوان عريضتهم إلى الملك لإقالة الوزارة وحذر الشيخ من أن الإخوان لن يلتزموا الصمت أو يقفوا مكتوفى الأيدي. إذا أدت تصرفات الحكومة إلى ضياع حقوق البلاد .. غير أن الإخوان يلتزمون بنصوص القانون والدستور فى معارضتهم !
وعارض البنا استئناف المفاوضات مؤكدا أن الكفاح المسلح هو الخيار الوحيد أمام مصر.وقال إن شعب وادى النيل مستعد لتقديم جميع لتضحيات ولا يحتاج إلا إلى القيادة وحسن التنظيم.
واختتم البنا مذكرته التى نشرتها صحيفة " الإخوان " بالحديث عن المحنة الاقتصادية التى تواجهها مصر ودعا إلى تشكيل جبهة لتحقيق أمانى الأمة . ويطرأ عنصر جديد فى الأزمات المتلاحقة بين الإخوان .والملك والنقراشي يحول الأنظار عن مصر وعن كلمات النقراشي المدوية فى مجلس الأمن والتى سمعها الإنجليز لأول مرة.(أيها القراصنة .. أخرجوا من بلادنا) اتجهت مصر ولأول مرة منذ زمن بعيد إلى اليمن كانت هناك أسباب قوية ولكنها كانت نقلة بعيدة!
ثورة ... ولكن بعيدة
أذيع فى عدن يوم 14 من يناير 1948 أن ثورة قامت فى اليمن وأن الإمام يحيى حميد الدين قتل وأن عبد الله بن الوزير بويع بالإمامة. وكان النبأ كاذبا فالإمام يجلس على كرسى العرش يحكم ويدير شئون البلاد!
ولكن النبأ جعل مصر كلها تتلفت حولها إلى يمن وما يجرى فيه.... وإلى الإخوان المسلمين ودورهم فيه! حكم الإمام يحيى بلاده منذ عام 1904 وهو زعيم طائفة الزيدية التى تضم معظم السكان.
استطاع الإمام أن يجمع القوات لمحاربة الذين يحتلون اليمن.ورفع معهم معاهدة عام 1911 حققت البلاد الاستقلال الذى استكمل تماما بعد هزيمة الأتراك فى الحرب العالمية الأولي.
وعقد الإمام معاهدة مع إيطاليا اعترفت فيها باستقلال اليمن. وعقد مع السوفييت معاهدة تجارية.واعترفت بريطانيا باستقلال اليمن عام 1934 بمعاهدة , كما وقع فى نفس السنة معاهدة مع السعودية لتعيين الحدود تنص على التحالف والمساعدة المتبادلة أثناء الحرب.
وفى عامى 45, 46 عقد معاهدتين مع كل من مصر والعراق,.وانضم للجامعة العربية وقبل عضوا فى الأمم المتحدة ولكن الإمام فرض سياسة العزلة تماما عن العالم الخارجى لخوفه الدائم من الأجانب , بما فى ذلك العرب وما يتوقعه من تدخلهم فى شئون اليمن. وكان أول ما فعله إغلاق المدارس, وجعل مدرسة الصناعة سجنا ,كان يعرض الجيش حافيا!
شكا الناس من ظلم الإمام, وطلب وزراؤه زيادة المرتبات. رفض الإمام وقال للوزراء:
- قتل سلطان الجن, وأصبحت حكومة الجن فى حالة فوضى. وإنى أحاول تعيين سلطان آخر بدلا من السلطان القتيل, وعلى الناس الاجتماع بيوتهم حتى يتم ذلك.وأبلغ الإمام عماله بأن على الناس أن يستعملوا القطران فى بيوتهم وأبدانهم تحفظا من الجن!
- صدق الناس الإمام وأقلبوا على شراء القطران واختبئوا فى بيوتهم خائفين لأنهم أى الجن بلا سلطان يحكمهم.
اجتمع الإمام بوزرائه بعد أن سمع ذلك وقال لهم:
- مثل هذا الشعب لا يمكن أن يثور على إمامه!
فى البرقية رقم 57 وتاريخها 30 من سبتمبر 1954 قال وليم ساندر نائب القنصل الأمريكى فى عدن:
- " يعتمد الإمام على الطابع الكهنونتى لسلطته. وهو أشبه بشخصيات الأمراء الذين أظهروا فى جنوب غرب ألمانيا فى العصور الوسطى وإدارة اليمن شخصية تماما الإمام هو السلطة التنفيذية.والتشريعية والقضائية ويقال إنه ينسخ جلسات المحاكم بخط يده.
- وأى طلب للحصول على أدوية من الصيدلية الملكية , التى تحتكر هذه الأدوية يجب أن يصدق عليه أحد أمراء الأسرة المالكة وطلب الحصول على البنزين يجب أن يصدق عليه أمير آخر!
- والأمن الداخلى على ما يرام ولكن يتولى جنديان على الأقل , من حرس القصر مراقبة كل زائر لليمن وينقلان تقاريرهما إلى الإمام مباشرة.والميزانية وثروة الإمام الشخصية ب 160 مليون ريال على الأقل حوالى 45 مليون جنيه استرلينى وهذه لثروة مدفونة تحت بلاط قصره فى صفائح " جاز" ونظامه الضريبى " اغتصاب على نظام واسع"
- وبسبب نظام الحكم انخفض الإنتاج عما كان عليه منذ ثلاثين عاما . والإمام فى الثامنة والسبعين من عمره يصفه زواره بأنه شخصية جذابة مؤثرة. وأدت هذه الجاذبية إلى حمل الكثيرين ممن التقوا به على عدم تصديق أن هذا هو الرجل الذى سمعوا عنه الكير جدا من الأشياء التى تحط من قدره !
- وهناك شائعات بان الإمام أصيب أخيرا بنوبة شلل... وربما تكون هذه الشائعات نوعا من الأمنيات.ومن النادر أن يغادر الإمام عاصمته وخلال السنوات الأولى للحرب العالمية الثانية كان الإمام متهما على نطاق واسع بأنه موال لايطاليا لأن أوثق علاقاته مع الأجانب كانت مع الإيطاليين والأطباء الأربعة الذين لا يوجد غيرهم فى اليمن .. إيطاليون.
- والذين يعرفون اليمن جيدا يقولون غنه لم يكن مواليا لايطاليا ولكنه مناهض نشيط لبريطانيا وكان يرغب فى إدخال النفوذ الإيطالى إلى البحر الأحمر لموازنة النفوذ البريطانى وتأكد موقفه من عدم الثقة بالأجانب من خلال حوادث تعسة منذ بضع سنوات قيل إن غواصا يونانيا , تلقى خمسين ألف ريال يمنى مقدما لتشييد بعض المنشآت فى ميناء الحديدة ثم اختفى.
- ويحتل أبناء الإمام وهم " سيوف الإسلام " وعددهم تسعة معظم المراكز العليا فى الإدارة اليمنية.أما إخوة الإمام الخمسة فقد طردهم جميعا من اليمن".
- وتنبأت برقية القنصل الأمريكي بالمستقبل قالت :
- "عين الإمام ابنه الأكبر أحمد... وليا للعهد.ورغم أن شغل منصب الإمام يتم بالانتخاب لا بالوراثة. وأحمد فى الثانية والخمسين من عمره ,هو نائب الملك فى تعز ويحمل أيضا لقب القائد العام.وأكسبته أعماله التى اشتهرت بقسوة بالغة, وخداع ,وانحراف لقب " النمر" وتجمع الآراء على أن حكمه سيكون أسوأ من حكم أبيه.
- ولا يخلو حكم الإمام من عناصر المعارضة رغم الإجراءات القاسية ومعظم المعارضين اللاجئين فى عدن ينتمون إلى "حزب الأحرار اليمنى" وهم شبان مثقفون تأثروا بالأفكار العصرية عن طريق مصر التى تروج لنزعات ديمقراطية تقدمية".
وصفت صحيفة الإخوان المسلمين سوء الحوال فى البلاد فقالت:
- " يشعر الشعب اليمنى بأنه متخلف عن ركب الحياة , يعيش فى مجاهل الظلام. بينه وبين الرقى والتقدم حجاب منيع من الظلم والأوضاع التى لا تتفق مع مطالب العصر, وحاول المستنيرون من أبنائه أن يتقدموا بالنصيحة لجلالة الإمام. وطالبوا بالإصلاح الضرورى الذى لابد منه فلم يجدوا إلا العنت والإرهاق مما اضطرهم إلى الهجرة والتشتت فى كل مكان وألقوا على أنفسهم " اليمين الأحرار".
وصلت إلى اليمن بعثة فرنسية تطلب من الإمام يحيى السماح بمد سكة حديد من الحديدة إلى صنعاء فلم يوافق واتفقت شركة أمريكية مع اليمنى على التنقيب عن البترول عام 1946 وفى توقيع الإمام ولكنه رفض عندما علم أن أجر العامل فى الشركة ريال كل يوم فاستكثر الأجر بالنسبة لمرتب الجندى والعامل الحكومى كما أن أجر عشرة عمال للبناء أو الزراعة ريال واحد فى الشهر.
وف كتابه " لمحات من ذكريات الطفولة " قال اللواء عبد الله جزيلان:
- " نمى إلى علم ولى العهد أحمد أن أهالى تعز يحوزون صناديق الطرب " فونوغراف" فأمر العكفة الحرس الخاص باقتحام البيوت ومصادرة هذه الصناديق لأنها كما تصور –سبب للفساد.وهدد بهدم كل بيت يخفى شيئا من الصناديق أو الصحون " الاسطوانات" وهدمت بعض البيوت ... فعلا"
وينتهز البنا فرصة وجود صالح محسن سكرتير الإمام أحمد بالقاهرة فيحمله رسالة شخصية للإمام... ثم يسلم القاضى العمرى رئيس الوزراء رسالة
قال المرشد العام للإمام يحيى:
- " لم يعد بد من أن تقوم فى اليمن حكومة إسلامية مسئولة ذات اختصاصات وسلطات واضحة يؤازرها مجلس شورى يمثل طبقات الشعب.ولن ينتقص ذلك شيئا من حقوق الإمامة وسلطانها الشرعى فلها الرأى الأعلى ولكنه تنظيم يرتفع معه شعور الأمة بحريتها وكرامتها الإنسانية . وكان حرص جلالتكم علي سلامة الأمة الوطنية وصيانة تقاليدها واستقلالها يحمل دائما على الحذر من التعجل بمطالب الإصلاح الذى لابد فيه من الخبراء الأجانب .
- وبحمد الله على أنه وفق البلاد العربية إلى امتياز فى مضمار التقدم الاقتصادي يجعلها كفيلة بإمداد اليمن بما تريده من الخبراء بمجرد إشارة من مولانا الإمام بقى أن أتقدم إلى جلالتكم مستأذنا فى شأن أبنائكم فى المهجر الذين دفعتهم الغيرة وحب الخير للدولة والأمة والله فتنادوا بالمطالب الإصلاحية ودعوا إلى الأخذ بأسباب التقدم العمرانى تدفعهم حماسة الشباب إلى شئ من التطرف".
وهكذا رأى الإخوان أن يكونوا واسطة بين الإمام وشعبه وحددوا للإمام دوره وما يجب أن يكون عليه الحاكم المسلم!ّ قدر عدد سكان اليمن بنحو خمسة ملايين يربط مدنها الكبرى خط العراق حكومة ويدفع الأهالى ثمنا غاليا لبرقياتهم.والتليفون للاتصالات الحكومية وحدها أما البريد فينقل بالجمال .ويملك اليمن باخرة واحدة وطائرة واحدة يستعملها الإمام.
وممنوع على الشعب أن يركب أية طائرة حتى لا يطير فى السماء بينما الأمراء على الأرض! وعدد السيارات ستون !والطرق ممهدة.وكانت لليمن إذاعة تعمل نصف ساعة. بعد مغرب يوم الخميس من كل أسبوع . لإذاعة الأخبار الرسمية ولا تقدم غناء أو برامج.ولا توجد ميزانية عامة للدولة!
ولم يكنن بالبلاد بنك يمنى أو أجنبى والعملة المتداولة هى الريال الفضى النمسوى وعليه صورة امرأة هى إمبراطورة النمسا ماريا تريزا , وقد تم صكه فى فيينا عام 1785!ويعتمد الإمام يحيى على نظام الرهائن كما كان يفعل محمد على باشا والى مصر فأتى إلى صنعاء بنحو 4000 من أبناء القبائل ليضمن ولاءها ويستخدم كل قبيلة ضد الأخرى.
وكان من الطبيعى أن ينظر إلى الإمام على أنه مبعث آلامهم وشقائهم وحرمانهم فبدأ الهجوم عليه فى 14 من مايو 1944 عندما تحالف ضده أربعة من زعماء البلاد اللاجئين إلى عدن!وعندما اشتدت الحملة أوفد الإمام يحيى ولى عهده الأمير أحمد إلى عدن فى 11 من أبريل 1946 فوعد بإنشاء جمعية دستورية ولم ينفذ ذلك.
رأى معارضو الإمام التضامن ضده . فاتخذت الجمعية اليمنية الكبرى التى يرأسها سيف الإسلام إبراهيم الابن الثامن للإمام أحمد الذى أطلق عليه الناس لقب " سيف الحق" مع حزب الأحرار فى 21 من نوفمبر واصدورا فى عدن صحيفة جديدة " صوت اليمن " دفع لها التجار 30 ألف ريال أى ما يعادل سبعة آلاف جنيه استرلينى للمطالبة بالإصلاح.
وكتب سيف الحق إبراهيم إلى أبيه يقول:
- " أنا ضد حكمكم الذى لا يعبر عن حاجات الشعب بل يولد النقمة عليكم"! وقام الأطباء فى عدن بفحص الإمام. الذى بلغ الثامنة والسبعين فوجده كما قالت صحيفة الإخوان المسلمين مصابا بمرض لا يستطع معه أن يحكم على الأمور حكما صحيحا!
وقال فريق طبى من البحرية الأمريكية فحص الإمام فى مايو 1947 بأنه يتوقع وفاته خلال شهور قليلة.أثناء الحج التقى الشيخ البنا بعبد الله الشماحي المعارض اليمنى وتلازما فى مكة والمدينة. شرح الشماحى للمرشد العام الوضع باليمن .
واتفقا على التعاون بين الإخوان والمنظمات الدينية اليمينة.وعد البنا بمساعدة النضال اليمنى وفتح أواب الجماعة للشباب اليمنى الذى جاء إلى القاهرة للدراسة.
قال الثائر اليمنى على ناصر العنسى:
- " كنا ندرس فى الأزهر وبدأنا الاتصال بالإخوان المسلمين, ومنهم البنا الذى كان يرى أن اليمن أنسب بلاد إستراتيجية, ولها مناخ مناسب للإخوان وأخذ يهتم بنا اهتماما خاصا".وفى هذه اللقاءات كان الإخوان يقولون إنهم مقتنعون بأن الحكم فى اليمن " لايمثل الإسلام بل شوهه ولهذا فالإخوان ضده".
وفى رسالة دكتوراه قدمت لجامعة بون عن " حركة المعارضة اليمنية " قال الدكتور أحمد قايد الصائدى:
- " من خلال الطلاب اليمنيين مصر تحققت علاقة الإخوان بحركة المعارضة اليمينة وهذه العلاقة ترجع بدايتها إلى أواخر الثلاثينات أو بداية الأربعينات".
أعد المرشد العام خطة ذكية:
- انتهز الأساتذة المصريون الذين يعملون باليمن فرصة وصول سيف الإمام البدر سيف الإسلام أحمد ولى العهد وحفيد الإمام يحيى إلى القاهرة للعلاج فدعوه لحضور إحدى ندواتهم التى يقيمونها فى المركز العام للجماعة وهناك تعرف بالبدر وتم اللقاء مع الطلبة اليمنيين الذين يدرسون بالقاهرة.
وتوطدت العلاقة بين الجميع.وقام البنا بدعوتهم لقضاء يوم فى محافظة الفيوم.وأثناء حضور إحدى الندوات تعرف الجميع على الفضيل الورتلاني وهو عالم ومجاهد جزائري فى الأربعين من عمره اختير سكرتيرا عاما لجبهة الدفاع عن شمال أفريقيا . كافح ضد الإستعمار الفرنسى فى الجزائر ثم هرب من فرنسا إلى سويسرا وأقام بمصر عندما علم أن الفرنسيين يزمعون قتله.
وكان الورتلانى يجتمع باليمنيين بعد انتهاء الندوات ويزورهم بالفندق ويتردد على سيف الإسلام البدر . انضم إلى هذه المجموعة محمد سالم سالم صاحب شركة أتوبيس الشرقية وهو صديق للمرشد العالم والعالم الدكتور أحمد فخري الذى زار اليمن من قبل وهو أيضا من الجماعة.
ومع تطور علاقة البدر بهذه الشخصيات نشأت فكرة سفر الفضيل الورتلاني إلى اليمن كمندوب عن محمد سالم لتأسيس شركة تجارية بها يرافقه الدكتور أحمد فخري عالم الآثار فقد استطاع البدر إقناع أبيه بأن الورتلانى على جانب كبير من العلم والدين.
وصل الورتلانى إلى صنعاء فى أبريل 1947 وقد ارتدى الجبة والعمامة! نجح فى اكتساب ثقة الإمام وقدم إليه تقريرا عن الإصلاحات التى يجب القيام بها.
ونشرت صحيفة " الإخوان المسلمين " فى 3 أغسطس عام 1947 هذا التقرير بمقدمة للشيخ البنا قال فيها:
- " العالم العربى والإسلامى كله رجاء فى أن يسرع جلالة الإمام مؤيدا منشورا بإقرار النواحى الإصلاحية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية التى تنهض بشعبه حتى لا يدع ثغرة ينفذ منها الاستعمار الأجنبى".
مع قدوم الورتلانى الذى أطلق عليه لقب " مهندس الثورة "
انتقلت رياحها اليمن فقد اندفع الورتلانى فى إقامة الندوات وإلقاء المحاضرات فى المدارس والمساجد والحفلات فسرت روح الثورة إلى الشباب والضباط وطلاب المدارس .
وبسبب أعماله التجارية واتصالاته فى عدن وثقة الإمام فيه استطاع الورتلانى أن يقوم برحلات عدة إلى عدن دون أن يثير شكوك الإمام يحيى حوله نتيجة لذلك أصبح الواسطة بن المعارضين المهاجرين والمنفيين فى عدن وبين قوى المعارضة داخل اليمن.
وفى كتاب "ثورة 1948" الذى أعده مركز الدراسات والبحوث اليمنى قال :
- " إن رسل الثورة تحمل المعلومات إلى الثوار فى عدن وإلى البنا فى القاهرة وانتهت الاتصالات بالموافقة على أن يكون عبد الله الوزير إماما دستوريا لليمن على رأس حكومة دستورية".
ونجح الورتلانى فى أن يؤلف بين كل المعارضين لإمام اليمن وجعلهم يوقعون "الميثاق الوطنى المقدس" فى 14 من سبتمبر 1947 قائلا:
- هذا الميثاق تم بمعرفة واطلاع ومباركة زعيم الإخوان المسلمين البنا
وأكد أحمد حسن الشامى فى كتابه "رياح فى اليمن":
- " وضع الورتلانى والبنا الخطوط العريضة الأولى للميثاق لتكون اليمن نواه لدولة الإسلام إذا نشأت ونمت على مبادئ قرآنية.وقد أيقنا أن اليمن أفضل من غيرها من البلاد العربية . ويمكن أن تكون منطلقا لدعوة إسلامية صادقة صحيحة بإنشاء دولة تحكم بما أنزل الله وتستقطب زعماء علماء وعباقرة المسلمين"
وفى كتاب محمود عبد الحليم " الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ":
- اعترف الكاتب بان فكرة إعداد الشعب اليمنى للثورة نبتت فى المركز العام للجماعة!
وقال كتاب " ثورة 1948":
- " كان البنا يظن أن إصلاح المجتمعات العربية والإسلامية لا يتحقق إلا فى ظل حكومة دينية أو خلافة إسلامية على نمط الخلفاء الراشدين مع اعتبارها طرأ على العالم من نظم ونظريات وعلوم جديدة يؤخذ منها ما يتلاءم مع أحكام الشريعة الإسلامية كنظام مزيج من القديم والحديث ليكون دستورا لحكومة خلافة إسلامية.ورأى البنا أن اليمن أنسب بلد عربى لتحقيق قيام دولته الدينية
ويقول الدكتور الصائدى:
- " لم تقتصر علاقة الإخوان بحركة المعارضة على تقديم النصح والتوجيه وإنما تجاوزت ذلك إلى دعم مادي مكن هذه الحركة من النشاط الإعلامى فأصدرت صحفا ومنشورات علنية كما فتح الإخوان صدر صحفهم لشن حملات دعائية ضد الحكم القائم فى اليمن.
- وهذه العلاقة تدخل ضمن المخطط العام للإخوان الطامح إلى إقامة دولة إسلامكية تشمل العالم الإسلامى.وقد لعب الإخوان دورا بارزا, سواء فى تنشيط حركة المعارضة وتحديد أهدافها السياسية أو فى الإعداد للإنقلاب وتنفيذه ودعمه".
أعدت فى عدن خطة الثورة والبيان الذى سيصدر بإعلانها وقام الإخوان بطبع هذا كله.وكان حاكم عدن ريجنالد شامبيون يعرف القصة كاملة ... وقد رواها فى برقياته إلى لندن .
قال:
- " يوم 10 من يناير 1948 تلقيت معلومات من مصدر أثق به أن رسولا وصل إلى عدن قادما من صنعاء يحمل أنباء عن انقلاب وشيك فى العاصمة. وأشارت المعلومات إل أن هذا الإنقلاب سوف ينفذ خلال أسبوع وحمل الرسول معه مشروع دستور ومسودة بيان لطبعهما فى عدن بواسطة الصحافة اليمنية الحرة ونشره فى صحيفة " صوت اليمن".
- أوفد هذا الرسول إلى المندوب المحلى للمتآمرين فى عدن وهو تاجر يمنى يتميتع بذكاء كبير ويملك قدرا من الثروة.فور علم التاجر بالأنباء الواردة من صنعاء بعث لى وهو فريسة لظن خاطئ بأنى سأوافق على مساعدة المؤامرة يطلب أن اقدم طائرة تتولى إلقاء نسخ من بيان الثورة على نطاق واسع فوق اليمن لمنع إراقة الدماء وضمان الهدوء والثقة .
- والبديل الآخر الذى طولبت بالموافقة عليه هو استئجار طائرة للقيام بمهمة حمل هذا البيان من عدن.وثالثا . طلب تسهيلات لنقله شخصيا مع عدد قليل من رفاقه من عدن إلى هضبة معينة حيث يستطيعون الاتصال المباشر بالمركز اليمنى الإقليمى الهام (البيضاء)
- وبطبيعة الحال . رفضت كل هذه الطلبات وعندئذ تم إبلاغى باسم رئيس المؤامرة الذى اختير ليتولى الإمامة بعد وفاة الإمام يحيى وهو عبد الله الوزير .وقال مصدرى إن مؤامرة واسعة الانتشار وقوية وأن المشتركين فيها من الشخصيات الهامة ذات النفوذ فى اليمن .
وقيل إن عددا من أبناء الإمام شاركوا فيها بينهم على الأقل إبراهيم وعلى وإسماعيل أما " حزب اليمنيين الأحرار" فقد عرف أنه اشترك بطبع الكتيبات اللازمة وفى صباح 14 من يناير 1948 ذكر لى مصدرى أن الإمام سيغتال فى ذلك اليوم أو فى يوم الجمعة 16 من يناير.
- وبعد ذلك يعتزم القائمون بالعملية قتل ولى العهد سيف الإسلام أحمد فى " تعز".وفى نفس الوقت تلقيت تحذيرا من مصدر موثوق به بأن ولى العهد قدم رشاوى ضخمة إلى مجموعة من رجال قبائل عدن لاستغلال الظروف المضطربة فى المحمية عدن لقتل سيف الإسلام إبراهيم والزعماء الآخرين لحركة اليمنيين الأحرار فى عدن وإحراق مكاتبها وصحفها.
- وتقع هذه المكاتب عند أطراف الحى اليهودى ويمكن تنفيذ ما يريده ولى العهد بسهولة.وطبقا لهذه المكاتب أصدرت التعليمات إلى مدير الشرطة باتخاذ احتياطات خاصة عند مداخل الموقع المذكور.
- وفى ظل تلك الظروف رأيت من الحكمة إلغاء الزيارة الرسمية للفرقاطة البريطانية " لوش كويش" لميناء الحديدة والتى كان مقررا لها يوم 16 من يناير خشية أن يساء فهم . أو تفسير . وجودها , فى يوم خطير كهذا سواء من جانب الإمام فى حالة فشل المؤامرة؛
- أو من جانب المتآمرين فى حالة نجاحها وأبلغت الإمام برقيا أنه لابد من تأجيل الزيارة بسبب تغيير مفاجئ فى برنامج السفينة ووجدت هذه الحجة سندا لها من الأحداث فقد أرسلت السفينة بعد أيام قليلة على وجه السرعة إلى مقديشو بوقوع اضطرابات هناك.
- ولأسباب بديهة, ألغيت أيضا زيارة كنت أعتزم القيام بها لجزيرة قمران خلال الفترة من 15 إلى 18 من يناير وكنت آمل خلالها إجراء مناقشات غير رسمية حول قضايا الحدود".
فى صنعاء سلح رجل ونجح فى دخول القصر واقتحام غرفة نوم الإمام يحيى فى القصر فاعتقد الثوار أن الخطة نجحت فأبرقوا بذلك إلى عدن فى 14 من يناير .
ويروى حاكم عدن ما جرى عنده قال:
- فى ساعة مبكرة من صباح يوم 15 من يناير 1948 أبلغنى صدرى بأن صديقنا المشترك المتأخر خادم غالب الوجيه الوكيل التجارى للإمام يحيى فى عدن تلقى فى ساعة متأخرة من الليلة السابقة برقية بالشفرة من صنعاء من محمد على مرشد الوكيل التجارى لحكومة عدن فسرها بأنها تعنى أن الإمام قتل .
- وخلال يومين وصلت تقارير عديدة من مصادر موثوق بها تفيد أن الإمام قد مات.وعلى الفور أصبحت عدن كلها مقتنعة تماما بذلك .وكان سيف الإسلام إبراهيم على يقين من هذا النبأ إلى حد أنه أرسل برقية إلى عبد الله الوزير فى صنعاء لتهنئته بتولية الخلافة ويلتمس منه الرأفة لأبناء الإمام يحيى.
- وبعث سيف الإسلام إبراهيم بالنبأ إلى القاهرة وأماكن أخرى فى الشرق الأوسط مما أدى إلى صدور العديد من البيانات الصحفية والإذاعية".
أذيع من عدن بيان الثورة وأن عبد الله بن الوزير بويع بالإمامة خلفا للإمام يحيى.وعبد الله بن الوزير كان قائدا عاما لجيوش الإمام يحيى ومحافظا للحديدة وأصبح عضوا بارزا فى ديوانه وهو سليل بيت إمامة وعلم من أسلافه المرتضى محمد بن إبراهيم مؤلف كتاب " إيثار الحق على الخلق"!
- وأوفد حاكم عدن ضابط شرطة إلى سيف الإسلام إبراهيم لينتقل إليه تعازيه الشخصية مما جعل الجميع يوقنون تماما بان الإمام... قد مات"
- لم يعرف الثوار فى عدن حقيقة ما جرى فى قصر الإمام فى صنعاء ... فقد اعتقل " القاتل" قبل أن يقوم بمهمته فى اغتيال الإمام ولكنه أى القاتل استطاع الهرب فظن زملاؤه الذين رأوه يهرب انه نجح فأذاعوا النبأ .
وعندما عرف حاكم عدن ذلك أسرع يبرق إلى لندن قائلا:
- " لم أقدم التعازى إلى سيف الإسلام إبراهيم. ولكن مدير الشرطة بعث إليه تحذيرا شخصيا من الاعتداء المنتظر من جانب أخيه سيف الإسلام أحمد كما بعث إليه بجنود يحمونه من هذا الاعتداء . وربما يكون الأمير قد أساء فهم ذلك بقصد . أو بغير قصد!
- وظل الجميع زمنا يتبادلون الاتهامات حول الخبر الكاذب ... وأن الغرض من إذاعته " التوريط"
قيل إن كان حكومة عدن التجارى فى الحديدة عرف بدخول " القاتل " إلى غرفة نوم الإمام يحيى فا برق بالنبأ إلى حاكم عدن الذى أبلغ به إذاعة لندن ولم ينتظر الثوار فى عدن ما يصلهم من مصدرهم بل اكتسحتهم الفرحة ونشروا الخبر فى صحيفة " صوت اليمن" مع الميثاق وأذاعوا أيضا تشكيل حكومة الدستور.
- وقيل إن ولى العهد أحمد هو الذى دبر تلك الإشاعة ليكشف أوراق المتآمرين.ولكن الأقرب للمنطق فى ظل ظروف اليمن فى ذلك الزمان أنه بمجرد دخول "المسلح" غرفة نوم ظن الجميع إن الإمام الذى يناهز الثمانين لن يستطيع مقاومة قاتلة!
- ولكن هذه الإشاعة أكدت لولى العهد أن مؤامرة تجرى للإطاحة به وأبيه فبقى بعيدا عن العاصمة ينتظر ويستعد ... متحفزا للمقاومة.
استدعى الإمام.عبد الله بن الوزير وقال له:
- يا ولد ياعبد أنت تريد ان تكون إما وهذه " تشعوبة" ... أى خيال!استنكر عبد الله الوزير النبأ ووصفه بالإفك والبهتان وقال غن الجمعية اليمينة الكبرى استعملت اسمه لإثارة القلاقل فى صنعاء . وأكد بالإيمان المغلظة عدم علمه بشئ...
ونشر ابن الوزير فى صحيفة " الإيمان" التى تصدر صنعاء مقالا أكد فيه " ولا لا تزعزعه العواصف للإمام يحيى وأن سيف الإسلام أحمد هو ولى الهد الشرعى الذى سبق أن بايعته بالخلافة . القلوب . قبل الأكف..!
تلقى حاكم عدن تقريرا من صنعاء يقول:
- " كان الإمام يحيى مريضا جدا مرة أخرى فى 19 من يناير بسبب معاودة إصابته بمرضه المزمن. وقد رفض أن يعالجه الأطباء ( ليس هذا غريبا فى مثل هذه الظروف.) بيد أنه استجاب بطريقة جيدة لحقن المورفين التى كان ابنه سيف الإسلام الحسين يعطيها له"
وهذا التقرير يبين أن مرض الإمام فى الأيام التالية لمحاولة الانقلاب هو الذى أدى به إلى اتخاذ موقف سلبى إزاء عبد الله بن الوزير!
نشرت صحيفة الإخوان أحداث صنعاء بأسلوب آخر . قالت:
- " مرض الإمام مرضا شديدا وتخلف عن شهودا العرض الذى كان مقررا أن يحضره فى صنعاء.وانطلقت الشائعات بوفاته.وتعجل الأحرار النبأ فأذاعوه فى عدن. وأبرقوا إلى الدوائر العربية والإسلامية والصحف فى خارجها"
فقد رأت الجماعة أنه من غير اللائق انخراطها فى مؤامرة تهدف إلى الإطاحة بملك .. بينما فاروق ملكا على مصر.. ولذلك زعمت الجماعة عدم وجود معرفة مسبقة لديها عن المؤامرة , وأعلنت أنها تلقت أنباء وفاة يحيى وخلافة الوزير له ونسخة من الميثاق المقدس عن طريق برقية من سيف الحق إبراهيم فى عدن!
تظاهر الإمام يحيى بالاطمئنان لموقف عبد الله بن لوزير...ولكنه أخذ يستعد لمقاومة الثورة القادمة فأمر أتباعه بإخفاء عشرة ملايين جنيه من الذهب فى مكان سرى . وقتل الذين اشتركوا فى هذه العملية لضمان السرية الكاملة.استمرت البلبلة شهرا ثارت خلاله عدة أسئلة عن بيان الثورة .. الصادر قبل موعده.
شرح حاكم عدن موقف الإمام يحيى ذلك الشهر فقال:
- " ما زال الشئ الذى يحتاج إلى تفسير كيف أن مؤامرة واسعة النطاق بهذه الصورة لم يترتب عليها إذا كانت قد فشلت حقا توقيع عقوبات قاسية على العديد من زعماء المتآمرين .
- وإذا كان الإمام يتمتع بحريته وقدراته فإنى استخلص أن المؤامرة قوية لدرجة طاغية والإمام عاجز عن التعامل معها , ومسموح له أن يعيش مجردا من القدرة على الاعتراض على أى شئ.
- وإذا كان الإمام قد أصبح عاجزا فإن هذه الحقيقة يخفى بعناية والموقف غامض جدا. ويجب متابعة الأنباء بحرص والتعامل معها بتحفظ".
كانت خطة الثورة فى البداية انتظار موت الإمام يحيى موتا طبيعيا فهو مريض مسن.ولكن رأى الثوار التعجيل بالثورة فقد كشفت ترتيباتهم . وبدأ الإمام الذى شفى من مرضه بمهد لضرب رجالات الثورة مما ولد حالة من الفزع فى صفوفهم إذ كانوا فى متناول قبضته. فلم يبق لديهم خيار فإما أن ينتظروا الضربة التى تقع أو أن يبادروا إلى تحاشيها بالقضاء على الإمام .
خرج الإمام يحيى يوم 17 من فبراير 1948 فى سيارته إلى قرية " حيز " التى تبعد عشرة كيلو مترات عن صنعاء . وكانت عادة الإمام أن يخرج إلى الجبل يوميا ومعه حفيده.أعد له كمين.
أعترضت موكبه إحدى السيارات الثورة ومعها مدفع رشاش وضع على عربة لورى فأطلقت منه رصاصات استقرت خمسون منها فى جسد الإمام المريض فمات فى الحال ومعه رئيس وزراه القاضى عبد الله العمرى وخادمه.
وقتل ولداه الحسين ومحسن عندما أرادا مقاومة الثورة . وتركا بدون دفن ثمانية أيام كاملة كما قتل حفيد الإمام. واعتقل ثلاثة من أبنائه وهم القاسم وعلى وإسماعيل.
أبلغ زعماء القبائل والمحافظون فى أنحاء اليمن بأن الإمام توفى بالسكتة القلبية ولكن خبر موته الدموى انتشر بين الناس ووصل إلى القرى مثيرا الشكوك تجاه الحكم الجديد.
فى القاهرة قالت صحيفة الإخوان:
- " توفى جلالة الإمام إلى رحمة الله, وحاول رئيس الحكومة السابقة مع بعض الأمراء أن يعارضوا الوضع الجديد فاعتدى عليه بعض أنصاره" لم تكن لبريطانيا , أو الولايات المتحدة . سفارة أو مفوضية فى صنعاء وكانت بريطانيا تمارس علاقتها باليمن من خلال حاكم عدن.
قال تقرير لوزارة الخارجية البريطانية:
- " هناك سخط شعبى نتيجة للحكم الطاغى والاستبداد لملك اليمن السابق وبعد محاولة فاشلة فى يناير لعبد الله الوزير كبير أسرة حاكمة فى ليمن ووزير الدولة السابق نجح مبدئيا فى القيام بثورة وأرسى قواعدها فى العاصمة وأجب خصمه الأول سيف الإسلام أحمد أكبر أبناء الإمام الراحل على اللجوء إلى جنوب اليمن".
أما الولايات المتحدة فعلاقتها باليمن عن طريق المفوضية الأمريكية فى جدة فى بريقية من ريفز شايلدز القائم بأعمال المفوضية الأمريكية فى جدة قال:
- " قام باغتيال ضابطان يمنيان و26 جنديا والضابط الرئيسى هو المقدم غالب سرى من أصل تركى ومساعدة ابن السلال من أصل يمنى درس فى العراق ودبر الاغتيال جمال جميل مدير الأمن العام فى اليمن.وهو عراقى"
ولكن كاتب " ثورة 1948 " يقول:
- إن الشيخ اليمنى ناصر القردعى هو الذى قتل الإمام مع 15 رجلا.وأعد كمين مشابه لولى العهد أحمد فى ضواحى تعز ولكنه تمكن من الهرب بعد أن تنكر فى ملابس الجنود.بويع عبد الله بن الوزير أمير للمؤمنين وإمام للمسلمين يوم 17 من فبراير عام 1948.
- كان الإمام الجديد فى الستين من عمره عرف بتمسكه بحقوق بلاده ودينه وعروبته وكان مشهورا بأنفته وشموخه وكثرة صمته مما جعل بعض الناس يتهمونه بالكبرياء .
قال أحمد الشامى فى كتابه " رياح التغيير فى اليمن "
- إن عبد الله الوزير كان روحانيا متصوفا , إذا لم يجد فى مجلسه من لا يستحق الحضور معه بحسه وشعوره وفكره سبح فى عوالم أخرى. مفكرا أو مسبحا ومهللا أو مستغفرا. أو متذكرا"...
وكانت لهذه الصفات أثرها فى تغيير مصير الثورة اليمنية! اختارت الثورة مصريا من أعضاء البعثة التعليمية المصرية فى اليمن من جماعة الإخوان وهو الدكتور مصطفى الشمعة الذى أصبح بعد ذلك عميدا لكلية آداب جامعة عين شمس ليكون مديرا للإذاعة فجعلها تعمل أربع ساعات يوميا.
وكان يقوم بدور المذيع والمقرئ والمطرب ومعد نشرات الأخبار والأحاديث!ويقرر مجلس وزراء حكومة الثورة , أو حكومة الدستور كما أطلق البعض عليها تعيين الورتلانى أول مستشار عام للدولة . ويطلب من الشيخ البنا والفريق عزيز المصري أن يكونا من المستشارين العموميين للحكومة!
طلب الأمير إبراهيم من حاكم عدن " ريجنالد شامبيون" طائرة تابعة للسلاح الجوى الملكى البريطانى نقله على صنعاء . وطلب عبد الله بن الوزير من حاكم عدن المساعدة.كان الحاكم يعرف مساوئ حكم الإمام يحيى ويميل لتأييد الثورة . ولكنه تردد فى الإستجابة لهذه الخطوة فهى تعنى الاعتراف بالنظام الثورى الجديد فى اليمن.
بعث إلى لندن يطلب رأيها!بحثت وزارة الخارجية البريطانية الموقف من جميع نواحيه وأعدت مذكرة جاء فيها:
- " الشواهد لدينا غير كافية لنحدد ما إذا كان الحكم الجديد قد استقر كما يدعى ولكن اثنين من أبناء الإمام السابق وهما سيف الإسلام أحمد وسيف الإسلام الحسن ما زالا طليقين وقد يحاولان القيام بتمرد مضاد.وإذا كان عبد الله بن الوزير قد جاء ليبقى فهناك ميزات واضحة فى تبنى موقف ودى تجاهه فى الحال .
- ونطلب السماح بتمثيل دبلوماسى بريطانى فى صنعاء ورسم الحدود بين اليمن ومحمية عدن على أساس معاهدة صنعاء عام 1934 وإذا أيدنا من البداية نظام الحكم الجديد فستكزن أمامنا فرصة أفضل لضمان موافقة يمنية على هذين الاقتراحين.
- ومن ناحية أخرى إذا ألزمنا أنفسنا بالاعتراف بنظام حكم سوف ينهار فإننا بطبيعة الحال سنكون فى موقف أسوأ.ولما كان عدن هو المصدر الوحيد لمعلوماتنا فينبغى أن نعتمد عليه لتفادى هذا الخطر , ولذلك يجب أن نترك له حرية الحركة مع التأكيد على الحذر فلابد من أن نكون على يقين من استقرار الثورة قبل عمل شئ قد يعتبر اعترافا ضمنيا بها".
وافقت الحكومة البريطانية على هذه السياسة فقد وجدت " أن الثورة لم تستقر تماما".وطلبت من حاكم عدن أن يرفض طلب الأمير إبراهيم بإعطائه طائر وأن يتحسس الحاكم خطواته ببطء!وكان القرار البريطانى يعنى الانتهازية ... والانتظار حتى تستقر الثورة !
ولكن الأمير إبراهيم لم ينتظر بل قام وزملاؤه بالسفر إلى صنعاء بطريق البر .رفض سيف الإسلام عبد الله شقيق الإمام أحمد الاعتراف بعبد الله الوزير إمام .
وأبرق من باريس إلى صحافة القاهرة يقول:
- " المأساة مفجعة ولا يمكن أن تقوم مبايعة شرعية حرة تحت جو من الضغط ولا يوجد من به دم يجرى , وعرق ينبض , إلا ويؤيد انتصار الحق وعودة الأمور إلى مجراها تحت راية الإمام الشرعى جلالة الإمام أحمد نصره الله.ولابد من معاقبة المجرمين".
وأسرع سيف الإسلام عبد الله إلى القاهرة يزور والترس مارت الوزير المفوض للشئون الشرقية بالسفارة ليتأكد من حياد بريطانيا إزاء أحداث اليمن سأله: هل تساندون أو تنوون تأييد عبد الله بن الوزير؟
آمل صدور بيان حكومتكم بالتزام الحياد وألا تدخل أية سفينة حربية بريطانية المياه الإقليمية كما آمل ألا توجهوا أى تشجيع أو مساعدة لحزب الأحرار اليمنى فى عدن.
وقال :
- لقد أفزعتني أنباء صحفية تشير إلى قيام سفن حربية بريطانية بعمليات فى مضيق باب المندب.
رد والترس مارت:
- لم تعرف لحكومة البريطانية بالإمام الوزير , ولن تعترف بأى إمام فى اليمن حتى تهدأ الأمور ويستقر النظام!
النكسة
أعلن الإخوان المسلمون من اليوم الأول تأييدهم للثورة فى اليمن ونشطوا فى مصر وسوريا والعراق يحركون رجالهم لمطالبة دول الجامعة العربية بالاعتراف بعبد الله الوزير وحكومته.
وهنأ المركز العام وصحيفة الجماعة " الأمة اليمنية الشقيقة بنظامها الجديد وإمامها الصالح".
وأبرق المرشد للإمام مهنئا فأذيعت برقيته من إذاعة صنعاء ووصفت صحيفة الإخوان ألإمام الجديد فقالت:
- " عرف الإمام عبد الله الوزير بن الوزير الإمام الجديد بدينه وتقواه, وفقهه وعلمه واجتهاده ,
وأصالة الرأى ونضوج الفكر , وعظيم الغيرة على الدولة وأنه فقيه اليمن وشيخها وعالمها وحفيد الأئمة من آل الوزير"
وقالت صحيفة الإخوان:
- " لا ينتظر أن يحدث شئ من حروب أهلية أو ثورات داخلية ف‘ن الوضع الجديد أختمر فى النفوس والرءوس من قبل وهو أمنية الجميع رؤساء ومرءوسين".
ونشرت الصحيفة بعد 48 ساعة من قيام الثورة "الميثاق الوطنى المقدس " للحكومة الدستورية الجديدة.وقالت إنها " تنفرد بهذا النشر لا فى مصر وحدها بل فى جميع بلاد الأرض"!وهذا يدل على أن الميثاق كان موجودا لدى الجماعة فى القاهرة ... فقد شاركت فى إعداده وارتبطت بالثورة قبل قيامها!
قال الدكتور الصائدى:
- " لعب الفضيل الورتلاني دورا أساسيا فى وضع الترتيبات اللازمة لانتقال الإمامة بعد موت يحيى إلى عبد الله الوزير.وقد شملت هذه الترتيبات تحديد أسماء أعضاء الحكومة والموظفين الشوربين ومديرى الوزارت".
وأكدت صحيفة الإخوان تأييدها للثورة مرة أخرى يوم 22 من فبراير سنة 1948.
قالت :
- " ليس موقف الإخوان غامضا ولا غريبا فى هذه القضية من أولها إلى آخرها .كان اليمنيون بالقاهرة يترددون على المركز العام فيجدون من الإخوان مشاركة فى مشاعرهم وعطفا على مطالبهم.وقد فوضت الجمعية اليمنية الكبرى المرشد العام فى التحدث باسمها أمام الجامعة العربية".
وأعلنت الصحيفة
- " أن النظام الثورى الجديد فى اليمن يلقى من الشعب كل تأييد , وينال ثقته التامة. بل هى أمنيته وهدفه الذى لقى الأحرار فى سبيل الوصول إليه كل صنوف العنت والاضطهاد.
- وهو نظام مطابق لما يقضى به المذهب الزيدى الذى لا يقر الإمامة بالوراثة بل تكون بالبيعة ورضاء الشعب.وليس السيف أحمد ولى العهد بالشخص الذى ينال ثقة اليمنيين أو يجد فيهم أنصارا يحدثون شغبا من أجله.
- واليمن هادئة مطمئنة إلى عهد الشورى وإلى القائمين عليه ولا ينقصها حتى تستعيد تاريخها المجيد إلا أن تؤازرها الجامعة العربية ودولها".
استأجر الإخوان طائرة خاصة أقلت عبد الحكيم عابدين السكرتير العام للجماعة وأمين إسماعيل سكرتير تحرير صحيفة الإخوان وعبد الرحمن نصرمدير وكالة الأنباء العربية.
وحمل الوفد معه مكبرات للصوت بهدف دعوة القبائل لتأييد الثورة كان فى انتظار وفد الجماعة بمطار صنعاء الأمير البدر الابن الوحيد للسيف احمد وحسين الكبسى وزير الخارجية وعدد من الوزراء مما يدل على اهتمام حكومة الثورة بالإخوان.
أصبح عبد الحكيم عابدين خطيب الانقلاب فى إذاعة صنعاء.وكان يساعده فى الخطب ووضع برامج الإذاعة الإخوان المسلمون المصريون الذين يعملون مدرسين فى صنعاء.عادت الطائرة إلى جدة تقل وفدا يمنيا للقاء ممثلى الجامعة العربية يتألف من نجل الإمام الجديد عبد الله بن على بن الوزير , والفضيل الورتلاني ووزير المعارف فى حكومة الثورة .. محمد محمود الزبيري لشرح الموقف فى اليمن للملك عبد العزيز.
زار الوفد اليمنى " تروت" القائم بالأعمال البريطانى وكرر له طلب الدبابات والطائرات ولكن " تروت " اعتذر قائلا:
- لا أملك سلطة التصرف فيما يختص باليمن وأى طلب يجب أن يقدم إلى حاكم عدن فعلامات اليمن ببريطانيا تتم عن طريقه.
وسأل الرجلين عن موت الإمام الراحل فقالا إنه نتيجة للصراع القبلى وطلب الوفد اليمنى من الملك عبد العزيز دبابات وطائرات ولكن صاحب الجلالة أرجأ البت فى الأمر.طلبت حكومة الثورة من دول الجامعة العربية الاعتراف بها ... ودعت وفدا من الجامعة لزيارة اليمن يرأسه عبد الرحمن عزام الأمين العام ليرى استقرار نظام الحكم الجديد فى البد.
ورأت دول الجامعة أن تطبق نفس السياسة الانتهازية البريطانية وإن اختلفت عنها فى بعض التفاصيل.قررت الجامعة إرسال لجنة تمهيدية إلى صنعاء للقيام بتحريات عن أحوالها ومعرفة طبيعة ما يجرى فى البلاد.
وعرض عبد الرحمن عزام أمين الجامعة على حكومة مصر أن تقتصر عضوية اللجنة على المصريين حتى تقوم مصر بتدبير الطائرة المقلة للجنة فرحبت مصر لتسبق غيرها من الدول العربية إلى عاصمة اليمن!
تولى رئاسة اللجنة عبد المنعم مصطفي أحد كبار موظفى وزارة الخارجية لمصرية الذى اختير فيما بعد أمينا مساعدا للجامعة العربية وضمت اللجنة الدبلوماسى المصرى الدكتور حسن إسماعيل المستشار التجارى للموضية المصرية فى برن.
قاد الطائرة الحربية " الداكوتا" قائد الشبر عبد اللطيف البغدادي الذى أصبح أحد أعضاء مجلس الثورة المصرى بعد ثورة 23 يوليو 1952.
استغرقت الرحلة من القاهرة إلى صنعاء 8 ساعات وتوقفت الطائرة فى جدة وفى جزيرة قمران التى تبعد نحو 90 كيلو ترا عن صنعاء.وكان مستحيلا فى تلك الأيام أن تقطع الطائرة المسافة إلى صنعاء بلا توقف! وصف البغدادى صنعاء فى ذلك الزمان فقال إنها قرية والمطار رملى يصلح بصعوبة ليكون مطارا.
وعندما هبطت الطائرة يوم 22 من فبراير صفق بعض الأشخاص لنزولها سالمة وكادت الطائرة ان تصدمهم فقد وقفوا أمامها لا يتحركون ولولا أنه أى البغدادى انحرف بالطائرة لقتلهم جميعا!استقرت البعثة نحو أسبوعين فى صنعاء عرفت خلالها كما يقول البغدادى أن جماعة الإخوان وراء الثورة.
وكان حسن إسماعيل وهو من الإخوان المسلمين قد زار اليمن قبل ذلك فقال البغدادى:
- توجد ثورة مضادة ونريد إلقاء منشورات على الأهالى فى تعز والحديدة وغيرهما من مدن اليمن لتأييد الثورة ودعوة اليمنيين إلى لهدوء والسكينة وتحكيم العقل.وكانت المنشورات تنذر ولى العهد أحمد ورجاله بأن الثورة " ستصليهم نارا حامية"!
- ومجدت المنشورات مبادئ الثورة فى الحرية والعدالة والدستور وأن الثورة قامت ضد الظلم والطغيان , وإنقاذ البلاد من براثن الاستبداد والجهل والفقر .
ظن البغدادى أن تلك التعليمات عبد المنعم مصطفي فألقى من الطائرة بالمنشورات ثلاث مرات فى ثلاثة أيام ثم عرف بعد ذلك أن حسن إسماعيل يعمل للثورة فأبلغ عبد المنعم بذلك قائلا:
- لقد أصبحنا طرفا فى خصومات اليمن وثورته.ولكن صحيفة " الإخوان " فى القاهرة نشرت أن الطائرة قامت بإلقاء منشورات للجامعة العربية وأخرى للحكومة فى أنحاء اليمن!
زعم البغدادى أن بالطائرة عطلا ولابد من الرحيل إلى عدن لإصلاحها وكان هدفه من ذلك التوقف عن إلقاء المنشورات.وعندما عاد إلى صنعاء وجد أن ولى العهد ورجاله يغيرون على صنعاء ليلا ويختفون نهارا وأن الطائرة يمكن أن تصاب بطلقات المهاجمين.
وقالوا له:
- إذا دخل ولى العهد صنعاء سيضع أعضاء الوفد برميل ملىء بالزيت المغلى!
عرض الأمر على عبد المنعم مصطفي قائلا:
- ليس لنا دور فى هذه العملية ويجب أن نرحل . وفى اليوم التالى نزلت الأمطار وتبين أن بالطائرة عطلا فأصلحت ونصح اليمنيون البغدادى بعدم السفر فى تلك الظروف ولكنه رأى المخاطرة ونقل الوفد إلى جدة ثم القاهرة.
أخذ الملك فاروق يعرقل سفر وفد الجامعة العربية من القاهرة وأصر على أن تقوم بنقله بحرا الطوافة " فاروق بعد أن ضم إلى الوفد سكرتيره الخاص الدكتور حسين حسنى.
وأخيرا فى 29 من فبراير غادر الوفد ميناء السويس يرأسه عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة العربية وأعضاؤه الشيخ يوسف ياسين نائب وزير الخارجية السعودى ومظهر ارسلان باشا عن سوريا وعبد الجليل الراوى عن العراق وتقى الدين الصلح عن لبنان ومدحت جمعة عن الأردن.
ووصل الوفد إلى جده . وتأخر رحيله منها إلى اليمن ثم سافر إلى الرياض بدعوة من الملك عبد العزيز للقائه يوم 4 مارس ثم عاد لسيتقر فى جده يوم 12 من مارس .
فى الندوة التى عقدها مركز الدراسات اليمنية فى فبراير 79 لتقييم ثورة 48 قيل إن دعوة الملك عبد العزيز هدفت إلى منح الأمير أحمد الوقت الكافى لتعزيز قواته قبل وصول بعثة الجامعة العربية إلى اليمن !
انقسمت بعثة الجامعة العربية تجاه الثورة.وقف ممثلو مصر والأردن والمملكة العربية السعودية موقفا معارضا للثورة بينما أبدى ممثلا لبنان وسوريا تعاطفا معها.
قال الشيخ يوسف ياسين القائم بالأعمال البريطانى " تروت":
- الملك عبد العزيز مصمم على عدم التورط شخصيا فى اليمن ولكنه يرغب فى الحصول على معلومات دقيقة وقد أتوجه إلى صنعاء.اجتمع ريفز شايلدز الوزير الأمريكى المفوض فى جده بالملك عبد العزيز وحضر الاجتماع فؤاد حمزة مستشار العاهل السعودى.سأل الوزير الأمريكى صاحب الجلالة عن اليمن
فقال صاحب الجلالة:
- ليست لدى أنباء جديدة ولا أعرف ما إذا كان الأمير أحمد ينوى الذهاب إلى صنعاء أم لا.
وأضاف:
- يعد عبد الله بن الوزير أقوى رجل فى اليمن باستثناء الإمام الراحل
وقال بحرص:
- القوة والسلوك الأخلاقى أمران مختلفان تماما. وبالرغم من معرفتى بكفاءة ابن الوزير فلا أستطيع الحكم على قدراته إلا بعد اتضاحها عمليا.
علق شايلدز قائلا:
- استشعرت سرور حكومتى الأمريكية تجاه الأسلوب الذى اتبعته جلالتك بشأن الأحداث فى اليمن.
وقال محرضا:
- أعربت الحكومة الأمريكية لى عن وجهة نظرها بأنه فى حالة حدوث اضطرابات فى اليمن يمكن لجلالتك انتهاز الفرصة والتقدم داخل اليمن .واستطرد"
- قلت لهم إن ذلك لا يتفق مع سياسة جلالتك.
قال الملك عبد العزيز:
- الحق كذلك فليست لدى أية مخططات عداونية ضد اليمن .وأكثر من ذلك فبالرغم من عدم وجود أية مصالح للمملكة العربية السعودية فى تأييد الجامعة العربية إلا أنى شعرت أن ذلك مطلوب للمحافظة على التضامن بين الدول العربية.
وعبر الملك عبد العزيز عن سياسة بلاده فقال:
- فى الوقت الذى تسود فيه الاضطرابات جميع أنحاء العالم فمن الأفضل الاحتفاظ ودية مع كل البلاد العربية.
قال احمد الشامى فى كتابه:
- " لم يستسغ الملك عبد العزيز أن يصرع جاره الإمام المريض العجوز بالرغم من أنه كان صديقا حميما لعبد الله ابن الوزير . وكان فى قرارة نفسه يفضل أن يتربع على العرش , ولكن بطريقة بيعة شرعية دون سفك دماء .
- وكان الملك عبد العزيز يعرف الأمير أحمد وشدة مراسه ويخشى من نزق سيفه على الكثير من رجالات اليمن ويخشى أن تثور فتن تضر باستقلال البلاد والإنجليز على الأبواب.ولذلك أوعز إلى عزام باشا أمين عام الجامعة العربية بالتدخل وحسن ذلك لكن من الإمام عبد الله والإمام أحمد فحكما الجامعة العربية.ولجأ أحمد إلى الموافقة على تحكيم الجامعة العربية احتياطا ومكرا واستعدادا لكل الاحتمالات"!
ويجتمع مجلس الشورى لأول مرة فى تاريخ اليمن فيؤدى إمامه الجديد اليمين الدستورية ويقسم بالعمل على سعادة اليمن وأهلها فيبايعه الأمير بدر حفيد الإمام يحيى ونجل الأمير أحمد لانقاذ حياته!
أفرجت الثورة عن أكثر من ثلاثة آلاف من المعتقلين.وقال المتعلمون الذين درسوا فى مصر:" كنا نعيش فى سجن كبير أشبه بسجون القرون الوسطى , لا حرية فى القول أو التجارة أو الكتابة".
ووصفت صحيفة " الإخوان " الهدوء فى اليمن وازدحام صنعاء بزعماء القبائل ووفود المقاطعات " التى قدمت بيعتها إلى عبد الله بن الوزير وأنهم وضعوا تحت تصرف جلالته قواتهم وفرسانهم ليدكوا حصن الظلم والاستبداد".
ويعلن الإمام الجديد فى حديث لصحيفة "الإخوان المسلمين" أنه
- " فى غاية الشوق لرؤية المرشد العام . وأنه وإن كان قد رآه بالقلب إلا أنه يود أن يراه رؤية العين . ولكم يكون مسرورا لو زار الشيخ البنا اليمن فى عهد الشورى الدستورى ليستشيره ويستأنس برأيه تحقيقا لإيجاد الحكم الإسلامى الكامل ".
وأبرق حسين الكبسى نائب رئيس وزراء اليمن ووزير خارجيتها إلى الشيخ البنا يقول:" يرغب جلالة الإمام فى وصولكم شخصيا ونرجو ذلك بإلحاح".
وقال
ولكن الحكومة المصرية منعت سفر الشيخ البنا كما يقول كتاب " ثورة 48" وكما أكد ذلك عبد القادر عودة وكيل الجماعة فى مرافعته أمام محكمة الجنايات فى قضية اغتيال المرشد العام .
قال:
- " إن لحكومة المصرية نبهت على شركة مصر للطيران بمنع سفر المرشد العام.وعلل ذلك بالخوف من أن ننتهى الأمور فى اليمن بغير ما يتمنى الجبابرة الطغاة".
وفى القاهرة يعلن سيف الإسلام عبد الله أنه تلقى برقية من شقيقه الأمير أحمد يعترض فيها على نشاط الإخوان المسلمين فى اليمن.
ارتكبت الثورة أخطاء كثيرة ... أولها اغتيال الإمام بطريقة وحشية وهو عاجز تقريبا عن الحركة ينتظر الموت.ولم يتظاهر الثوار بمعاقبة مرتكبى القتل بل اسندوا المناصب الهامة إليهم مكافأة لهم.وكان من العسير على ملوك العرب التعاطف مع نظام حكم يرتكب الاغتيال السياسى الأول من نوعه فى المنطقة بقتل ملك!
وانقسم الثوار على أنفسهم متزاحمين على المناصب.وعجز عبد الله بن الوزير عن تدبير المال لدفع رواتب الجيش المتأخرة وتأمين ولاء لقبائل بالمنح.ونصل القبائل إلى صنعاء لمبايعة عبد الله الوزير ويبقى جانب من رجالها فى صنعاء لنهب وسلب الحى اليهودى ومحلات المسلمين التجارية.
ويحاول بعض الغوغاء استغلال الموقف فيهاجمون قصر الإمام يريدون نهبه ويصدهم عنه قائد الجيش جمال جميل العراقى .ويصبح الأهالى الذين منعوا من السرقة خصوما للثورة وتفقد صنعاء صنعاء وباقى اليمن جو الأمن الذى أحاد بنظام حكم الإمام يحيى بغض النظر عما كان عليه من قسوة .
وتعتقل الثورة سيوف الإسلام داخل القصر المكلى بينما تبقى على الحراس القدامى للقصر الذين يدينون لهؤلاء الأمراء بالولاء فيستميلونهم ويبعثون بهم رسلا إلى الأمير أحمد الذى استطاع أن يخدع الثوار جميعا .
بعد أن نجا من خطة ثانية وضعتها الثورة لاغتياله.ونشر سيف الإسلام أحمد الشائعات بأنه محاصر فى حجة على مسافة خمسين ميلا من صنعاء وأن القبائل ترفض الانضمام إليه!وأذاع أنه طلب من الملك عبد العزيز آل سعود السماح له باللجوء إلى المملكة العربية السعودية .
وقال إنه يريد الهجرة إلى حرم الله ولم يعد يطيق البقاء فى اليمن بعد قتل أبيه وأخوته ولا يريد إثارة فتنة.وافق العاهل السعودى ولكن ولى العهد كان يناور ونجح فى تأليب القبائل اليمنية ضد الثورة ورشا الجنود بمائة ألف ريال من الذهب.
وأعلن الأمير أحمد أن نظام الثورة يحظى بمساندة السلطات البريطانية وناشد الأمير فى حجة القبائل أن تهب ضد الملك الذى عينه البريطانيون ! وأطلق شائعات بأن الطائرات البريطانية حلقت فوق صنعاء بعد يوم من الاغتيال وأنها أسقطت منشورات !
قوبلت هذه الأنباء بالتصديق من سكان اليمن فإن رئيس الوزراء القتيل كان أكثر المسئولين تمتعا بحب الناس وقبيلته تعتبر أقوى القبائل فى شمال اليمن.وكان الإمام يحيى يتمتع بتبجيل عظيم لدى غالبية الشعب ! وجاء مصرعه صدمة للجميع فلم تكن نهايته بعيدة أو غير متوقعة مما جعل مسألة اغتياله مثيرة للاشمئزاز , وأقنعت عددا كبيرا من اليمنيين بأن حياتهم لن تكون آمنة فى ظل حكم يرأسه قتله!
تولت صحيفة الإخوان المسلمين الدفاع عن اغتيال الإمام فقالت:
- " الذين يريدون أن يحملوا الحكومة الجديدة تبعة اغتيال الإمام يظلمونها أشد الظلم فإن كثيرا من اقرب المقربين إلى ألإمام يحيى حاولوا اغتياله أكثر من مرة ولا يستطيع إنسان عاقل أن يتصور أن عبد الله بن الوزير فى ورعة ودينه وعلمه وتقواه وسنه وجلال منصبه وجميل صلته بالإمام يكون له أدنى اتصال بهذا الحادث.
- ومن الخير للعدالة ولليمن وللعرب والإسلام ألا يرفض قميص عثمان من جديد وأن تتصرف الجهود إلى ما يجب أن يكون عليه الحكم والوضع الاجتماعي ثم تأخذ العدالة مجراها ويؤخذ الجانى بجنايته".
قالت السفارة البريطانية من القاهرة فى برقية إلى لندن:
- " صحيفة "الإخوان المسلمون" هى الصحيفة الوحيدة هنا التى تقدم مساندة حارة وكاملة لنظام الحكم الجديد فى اليمن".
وتحاول حكومة الثورة تأجير طائرتين مصريتين لنقل الجنود ولكن الطائرتين لا تستطيعان الهبوط فى اليمن.
فى البرقية رقم (2) التى بعث بهار يفز القائم بأعمال المفوضية الأمريكية فى جدة قال:
- كان من الممكن أن يميل الملك عبد العزيز إلى تاييد الوزير لولا وسائل العنف التى وصل بها إلى الحكم.وهناك اعتبار هام وبارز بالنسبة للملكة العربية السعودية وهو أن تخطى الأمير وتأييد حاكم وصل إلى السلطة بوسائل عنيفة يمكن أن يصبح سابقة ودافعا لإثارة بعض المجموعات أو الفئات أو حتى بعض أفراد الأسرة السعودية الساخطين.
وفاضل الملك عبد العزيز بين عبد الله الوزير وأحمد ورأى أن الأخير أقل استعدادا وخضوعا للضغط لإدخال حكومة دستورية وإصلاحات واسعة النطاق يمكن أن يؤدى إدخالها إلى إثارة المطالبة بمثيل لها فى المملكة السعودية .
ولا نستطيع مصادري تقديم أى دليل إيجابى على ذلك ولكنهم جميعا يرون ف ذلك بمختلف الوسائل المتاحة إليه استطاع إرسال مبعوثين إلى اليمن فورا لجمع التأييد لصالح أحمد وتدعيم المقاومة ضد عبد الله الوزير .
ويمارس الملك عبد العزيز نفوذا عظيما على سكان اليمن غير الشيعيين ويقال أن سلطته المعنوية عليهم عظيمة. وإن لم تكن أكبر من نفوذ الأسرة الحاكمة الشيعية نفسها.
وهناك تلميحات بأن توزيع كمية صغيرة من النقود بصور حكيمة على الشخصيات الهامة باليمن. الموجودة فى موقع السلطة, يمكن أن تؤثر بدورها على عدد كبير من السكان.
ومن الدلائل التى تعزز التفسيرات المطروحة امتناع الشيخ يوسف ياسين نائب وزير الخارجية السعودى عن السماح بعبور وفد الجامعة العربية الذى أرسل من القاهرة إلى اليمن فى الوقت الذى لم يكن فيه القتال قد حسم بين أحمد وعبد الله الوزير.
وسمح بذلك حين أصبح الموقف واضحا!ويعتقد أن معارضة الشيخ يوسف ياسين لسفر الوفد برئاسة عزام باشا من جدة تأثر بالجهود التى تبذلها الحكومة السعودية لتحقيق انتصار سريع لأحمد بالوسائل غير المباشرة.
وكانت تصرفات الملك عبد العزيز بالغة الدهاء والحكمة فقد التزم بالقرار الجماعى للجامعة العربية وأقدم على هذه التدابير الاحتياطية باعتبارها ضرورية لتحقيق نجاح أحمد دون اتخاذ إجراءات علنية تعرض المملكة العربية السعودية للنقد بتدخلها فى الشئون الداخلية لدول أخرى أو لعدم ولائها للجامعة العربية.
ويزحف الأمير أحمد إلى صنعاء ويحاصرها عشرة أيام حتى استطاع رجال القبائل المؤيدون له تسلق أسوار المدينة واقتحامها فى 11 من مارس 1948. وتفشل أول ثورة فى العالم الإسلامى للإخوان دور فيها بعد حكم لم يدم سوى 26 يوما!
ويقتل خمسة آلاف من سكان صنعاء وعندما يدخلها ولى العهد فى 13 من مارس يعلن نفسه ملكا باسم " الناصر لدين الله".
وتبرق السفارة البريطانية فى القاهرة إلى لندن قائلة:
- " أيد الشيخ البنا والإخوان المسلمون عبد الله بن الوزير رغم التقارير التى وردت عن فشله"
ويبرق الشيخ البنا إلى إمام اليمن المنتصر يطلب منه الانضمام إلى جامعة الدول العربية طبقا لدستور يستند على الميثاق القومى!
- ويعلن البنا تأييده لانضمام قائد التمرد عبد الله الوزير إلى الحكومة الجديدة كرئيس لمجلس الشوري لتتأسس بذلك فى اليمن الحكومة الدستورية . وفى الوقت نفسه يطلب من الجامعة العربية إحضار عبد الحكيم عابدين سكرتير عام الجماعة .
ويستنجد المرشد العام بعزام باشا فى جده لإنقاذ الثورة وعبد الله بن الوزير ... قائلا:
- " مهمة مندوب المركز العام للإخوان المسلمين بصنعاء إقناع رجال الحكومة اليمنية الجديدة بالعمل على إطفاء الفتنة بأية وسيلة وتوحيد كلمة الأمة اليمنية وإقناع المسئولين هناك بقبول تحكيم الجامعة العربية على أساس اعلان دستور يمنى عن قواعد الميثاق القومى وإصدار عفو عام عن كل السياسيين اليمنيين الأحرار وغيرهم .
- وتأليف الدولة الحيدة من الأمير سيف الإسلام أحمد إماما دستوريا إذا بايعه أهل الحل والعقد وعبد الله بن الوزير رئيسا لمجلس الشورى وحكومة دستورية محددة التبعات والاختصاصات مع حراسة الجامعة العربية لهذا النظام حتى تستقر الأمور"!
اقتيد الثوار إلى حجة فأمر الإمام الجديد أحمد بإعدامهم فى ميدان عام بسيف كالساطور. وقام السياف بضرب عنق عبدالله عدة مرات بعد صلاة الجمعة يوم 9 من أبريل 1948.
ويعفو الإمام عن ابنه الأمير البدر ويكتفى بسجن عبد الله السلال وحمود الجائفى وعبد الرحمن الإيريانى وأحمد محمد نعمان.ويصبح هؤلاء جميعا فيما بعد ثوارا ضد الإمام أحمد وينجحون فى ثورتهم ضد ولى عهده الأمير البدر!
وينجو من الموت الفضيل الورتلاني الذى غادر صنعاء , قبل سقوطها بثلاثة أيام, إلى جده, فسمح له الملك عبد العزيز بمغادرة البلاد وستقل الباخرة "الزمالك" ولكن جميع الدول العربية ترفض السماح له بالدخول فيظل سجينا على ظهر الباخرة شهرين .. وينجح الإخوان فى تهريبه إلى بيروت ومنها إلى باكستان.
وبعد خمس سنوات عندما أثير دوره اليمن أمام محكمة الجنايات التى تحاكم قتله البنا بعث إلى المحكمة برقية نفى فيها ا،ه ينتمى إلى جماعة الإخوان ! وكانت الحكومة المصرية حينئذ ضد الجماعة! اجتمع المصريون باليمن فى منزل أحدهم وتخذوا منه حصنا لهم يتناوبون السهر دفاعا عنه ويتبادلون إطلاق الرصاص مع مهاجميهم وأبرقوا إلى مصر يطلبون انقاذهم.
زارهم أحد سيوف الإسلام يحاول الحصول منهم على معلومات عن الثوار المختفين فاقنعوه بإرسال برقية إلى القاهرة يشكرون فيها الإمام وسيوف الإسلام وقالوا نجونا من الأحداث .
أيامنا جميلة فى طرة وليالينا طيبة كليالى الزيتون ولم يدرك سيف الإسلام أن طره سجن والزيتون معتقل!ولكن الحكومة المصرية فهمت الشفرة!
استدعى الفريق محمد حيدر باشا وزير الحربية المصرى عبد اللطيف البغدادي إلى الوزارة بعد منتصف الليل وأطلعه على برقية أخرى يتوقع "المصريون فى صنعاء".
قالت البرقية:
- " انقذونا وإلاّ... فاللقاء فى الجنة".
قال حيدر:
- هل تستطيع العودة إلى اليمن لإنقاذ المصريين هناك.
أجاب بالإيجاب قائلا:
- هذا واجبنا ولكن لو أصر اليمنيين على ركوب الطائرة فلن نستطيع منعهم وفى هذه الحالة ننقل دفعات متتالية إلى جزيرة قمران .قال حيدر أنه سيفكر.
وطلب من البغدادى مغادرة الغرقة ليجرى اتصالات ربما مع الملك او مع النقراشي ثم استدعى البغدادى مرة أخرى ليقول له:
- اذهب إلى اليمن وحلق بالطائرة فوقها قليلا ثم عدة مرة أخرى دون أن تهبط فى المطار أو تنقل أحدا إنها مجرد مناورة.
قال البغدادى:
- لم لا تترك لنا تقدير الموقف إذا وجدنا المطار مستعدا لاستقبالنا هبطنا فيه وسيعرف المصريون فى صنعاء ذلك فيسرعون إلى المطار.ومرة أخرى طلب حيدر أن ينفرد بنفسه ليجرى اتصالاته بالمسئولين
ثم عاد يقول:
- لا تهبط بالمطار بل طف حوله ثم اهبط فى جزيرة قمران وأبلغنا بالموقف وعندئذ تقرر خطة العمل.فى مطار صنعاء وضعت براميل "وخوازيق" لمنع هبوط الطائرة وأطلقت عليها رصاصات أصابت جناحها فلم تهبط فى المطار وإنما عادت إلى جزيرة قمران ثم جده والقاهرة.
وكان واضحا من تعليمات حيدر باشا أن حكومة مصر لا تريد إنقاذ الإخوان المسلمين فى صنعاء أو إنقاذ أحد الثوار بل تريد أن تتظاهر بمحاولة الإنقاذ فحسب!ولكن النقراشي باشا طلب إلى سيف الإسلام عبد الله الاتصال بشقيقه الإمام أحمد لإطلاق سراح المصريين وهدده فأفرج عنهم وسمح لهم بالسفر إلى تعز وعدن ثم القاهرة.
قالت وزارة الخارجية البريطانية:
- " أعرب حاكم عدن وهو مصدرنا الوحيد للأنباء عن شكوكه فى صحة ادعاءات الإمام أحمد بأن اليمن أصبحت تحت سيطرته التامة ويرى الحاكم أن هناك توقعات بحدوث مقاومة ضده فى جنوب اليمن لعدم وجود شعبية لأحد هناك".
وكان السبب فى ذلك استمرار التزام الإنجليز بسياسة الحياد الحذر فى الصراع على السلطة فى اليمن.سأل فيليب ايرلاند سكرتير السفارة الأمريكية بالقاهرة سيف الإسلام عبد الله شقيق الإمام الجديد أحمد عما إذا كان يعتقد بوجود أى تأثيرا خارجى أدى إلى اشتعال التمرد
قال الأمير:
وأضاف:
- كانت صحيفة " الإخوان المسلمين " أول من نشر الأنباء المزيفة حول وفاة الإمام يحيى فى يناير وقد دأبت على مواصلة الهجوم عليه وعلىّ ... على أى سيف الإسلام عبد الله.
وفى البرقية رقم 231 قال فيليب ايرلاند:
- " لا يعتقد الأمير بأن هناك تأثيرا غير ملائم من أية مصادر أخرى".
وقال:
- " الميثاق الوطنى الذى أصدره عبد الله الوزير والدستور غير مناسبين بالمرة كأساس لحكم اليمن فى الوقت الحاضر.وقد وضع الميثاق مجموعة من المتحمسين الذين حصلوا على بعض الأفكار المتقدمة نسبيا ولكنهم اخفقوا فهم درجة التحصيل الثقافى بالبلاد ولم يدركوا أنها ليست مهيأة للحكم البرلمانى"!
كان الإخوان كما يقول كاتبهم محمود عبد الحليم:
- " يتمنون أن تنجح لثورة ليكون للإسلام فى هذا العالم دولة , ولكنهم أحسوا بقوى الشر تتألب عليهم وتجمع شتاتها لتفترسهم".
واتهم سيف الإسلام عبد الله جريدة الإخوان بتأييد ابن الوزير. وقال لصحيفة البلاغ إن حكومة الثورة أرسلت 100 ألف جنيه إلى جماعة الإخوان المسلمين .
نفى الإخوان أنهم تسلموا المبلغ وقالت مصادر منهم أن المبلغ كان سيستخدم لشراء أسلحة لحكومة الثورة.وأوصى مجلس الجامعة العربية بالاعتراف بالإمام أحمد ملكا على اليمن فاعترفت به كل من مصر والأردن والعراق والمملكة العربية السعودية وتأخر كل من سوريا ولبنان فى ذلك.
وطلب الإمام من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الاعتراف به.وكانت الولايات المتحدة متلهفة على الاعتراف وعلى اتباع مبادرة الجامعة العربية ولكن بريطانيا أبلغتها بضرورة الانتظار حتى تختار بين الطرفين المتنازعين من وجهة نظر مصالح هذه الدول فإن السيطرة على البلاد تعد شرطا أساسيا للاعتراف .
واتفقت الدول الثلاث على إعلان اعترافها بالإمام أحمد فى وقت واحد وتم ذلك فى 21 من أبريل.اشتدت حملة سيف الإسلام عبد الله من القاهرة على جماعة الإخوان.وندد بدورها فى الثورة, فى الوقت الذى تحطمت فيه آمال المرشد العام فى إقامة حكومة إسلامية فى اليمن بعد أن قضى النمر أحمد على الثورة . وتولى الملك.
وبدأت رسائل المرشد العام تتوالى على الإمام الجديد تحاول تخفيف آثار النكسة. فى البرقية الأولى رجا المرشد العام جلالة الإمام
- " التكرم بالإتصال بالأمير سيف الإسلام عبد الله فى القاهرة ليمنعه من التأثر بسياسة الأحزاب المصرية ومن إلقاء بيانات لا تفيد أحدا فى الأزمة الحالية".
ونفى الشيخ البنا اتهامات الأمير عبد الله.وبعث عبد الحكيم عابدين إلى الإمام يطلب السماح بلقائه . فرد الإمام أحمد بأنه يفضل أن يمنح عبد الحكيم شرف اللقاء عندما يصل جلالته إلى صنعاء لأنه يرى انه مشغول جدا فى الوقت الحاضر!
وفى رسالة إلى الأمير عبد الله جذب المرشد انتباه سيف الإسلام إلى أن التنافس بين الأحزاب السياسية فى مصر تصاعد لدرجة انه يمكن أن يحطم أى مبدأ اخلاقى أو دينى.
ومن ألفضل لسموه وللإخوان علاج الأمور بمنتهى الحذر, وأن يبقى مترفعا عن تلك الانفجارات وأن ينفى البيانات التى أذيعت باسمه وينتظر حتى تسطع شمس الحقيقة وهو يأمل ف أن براءة الإخوان المسلمين سوف تثبت بمشيئة الله.
وبعث الشيخ البنا إلى وزير خارجية مصر أحمد خشبة باشا وإلى عبد الرحمن عزام باشا أمين الجامعة العربية مشيرا إلى البيانات التى اتهم فيها سيف الإسلام عبد لله الإخوان.
واشار إلى عدم جدوى هذه البيانات لأنها لا تتفق مع الحقائق ,لن تؤدى إلا إلى تعقيد الأمور.وكان واضحا من كالمحاولات الشيخ أنه يخشى ان تنتبه مصر إلى أن الإخوان دبروا ثورة اليمن مما يفسر على أنهم قد يدبرون انقلابا آخر فى مصر .
أصبح فاروق يخشى قيام ثورة ضده كما حدث فى اليمن.وكان فاروق يعرف دور الإخوان فى ثورة اليمن . ولابد أنه قرأ الكلمات التى بدأ بها الميثاق الوطنى المقدس.
" وصارت أحوال اليمن منحطة إلى حد بعيد بسبب الاستبداد والأنانية اللذين اشتهر بهما الإمام يحيى حميد لادين حتى صار الغرض المطلوب من الإمامة معدوما فى كل ناحية وكان فاروق يدرك أن الاستبداد والأنانية ليسا مقصورين على إمام اليمن يحيى حميد الدين!!
وسط أحداث اليمن اشتدت المظاهرات عنفا فى مصر ضد الملك فاروق نفسه.فى 19 من يناير 1948 مزق طلبة جامعة فاروق صور صاحب الجلالة وهم يهتفون:لا ملك إلا الله.
اشترك الشيوعيون فى هذا الإضراب وتظاهر الطلبة والعمال بالإسكندرية يهتفون بسقوط الملك. وتدور معارك الشوارع بين الوفديين وأعضاء الإخوان فى بورسعيد وكن ذلك فوق ما يحتمل النقراشى فاعتقل بعض الطب من أعضاء الجماعة.
ويكتب السير رونالد كامبل السفير البريطانى إلى لندن يوم 28 من فبراير :
" توالت خلال الأسبوع الماضى الدلائل على أن استقالة النقراشى قد تكون وشيكة.
وقد أخبر النقراشى بنفسه شخصية قيادية من الجالية البريطانية , بأنه يفكر فى الاستقالة مادام لا يرى بارقة أمل فى تحقيق تقدم مع البريطانيين.
وبالأمس ابلغ مراسل " التايمز " السفارة , بأن النقراشى قد يخرج خلال أيام.
وكثرت التقارير التى تؤكد أن خروج النقراشى وشيكا حتى أن المرء بدأت تساوره الشكوك فهذه الشائعات ملحة وقاطعة بشكل غير عادى".
ولكن النقراشي لا يستقيل.
كتب تشابمان اندروز إلى لندن فى 31 من مارس 1948:
- " مصرى عرفته جيدا منذ سنوات أبلغنى أن الموقف الداخلى فى مصر سيئ جدا بالفعل.وقال إن حكومة النقراشي لن تستمر أكثر من شهر آخر على ألأكثر وقال إن الملك يريد الإبقاء على النقراشي حتى يمكنه الحصول مقابلة على تنازل ما من البريطانيين. ولو أمكنه الحصول على هذا التنازل فسيستبدل بالنقراشي شخصا آخر.وإذا لم يحصل على ذلك التنازل فسيخلص من النقراشي نتيجة ضغط سياسى .
- ولا شك أم مثل هذا الضغط قد تزايد نتيجة للأزمة مع البريطانيين.وحتى الأحرار الدستوريين بزعامة هيكل باشا تحولوا الآن ضد النقراشي وضد الملك.وعندما تحدث عن الملك قال إنه فقد كل شعبية يتمتع بها"!
ولكن وزارة النقراشي استمرت فى الحكم لتواجه أزمات متتالية .. وتقدم ضباط الشرطة إلى الحكومة يطلبون تحسين حالتهم وزيادة رواتبهم ولكن الحكومة لم تستجب لهم .. فأضربوا فى جميع أنحاء البلاد يوم 5 من أبريل 1948 وانتهز الشيوعيون الفرصة فتجمعوا فى مظاهرات طافت شوارع القاهرة والإسكندرية تهتف " نريد الخبز والعمل"
نهب اللصوص بعض المحال فى الإسكندرية واضطرب الأمن فاضطر وزير الدفاع إلى إنزال قوات الجيش لحفظ الأمن فى القاهرة والإسكندرية واستجاب النقراشي لمطالب المضربين بأمر من الملك! واشتعلت النار فى مستشفى القصر العينى بعد غضراب ومرة أخرى استعان النقراشى بالجيش والشرطة وبدأت المؤامرات داخل الجيش .
فى أواخر نوفمبر ضبط عدد من صغار الضباط واتهموا بتدبير مؤامرة لاغتيال النقراشى والفريق إبراهيم عطا الله باشا رئيس الأركان وبعض كبار الضباط.
وتعود لندن – بعد تدهور الموقف فى مصر – إلى الاهتمام بالإخوان.
قال تقرير للمخابرات البريطانية فى الشرق الأوسط إن أحمد حسين – زعيم مصر الفتاة يريد الاندماج مع جماعة الإخوان وقال تقرير آخر إن البنا يطمع فى وضع الأحرار الدستوريين تحت قيادته أو الاتفاق معهم على برنامج عمل.
ومن ناحيتها أعلنت الجماعة أنها تعارض الحكومة لموقفها السلبى.
وهكذا أصبح الإخوان ضد الجميع .الملك , والحكومة , والوفد ... الإنجليز! وتكتب السفارة الأمريكية إلى واشنطن تقول :
" سيكون دور الإخوان المسلمين هاما فى إثارة المسلمين فى كل مكان ضد اليهود ومن يؤيدونهم وخاصة إذا أصبح النضال لإنقاذ فلسطين دينيا بجانب كونه سياسيا".وتتابع الأحداث بسرعة لتنتقل إلى ... فلسطين!
متطوعون .... فى المقدمة
كانت قضية فلسطين نقطة التحول فى تاريخ جماعة الإخوان.
قالت السفارة البريطانية:
- " دخل الإخوان معترك السياسة خلال الاضطرابات التى شهدتها فلسطين بين عامى 1936, 1939 عندما لعبوا دورا رئيسيا فى أعمال الإثارة المعادية لبريطانيا".
أصدرت بريطانيا الوعد الذى عرف باسم وزير خارجيتها بلفور بأن تكون فلسطين وطنا قوميا لليهود فى 2 من نوفمبر عام 1917 .وقررت عصبة الأمم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطانى عام 1922.
ومع تولى هتلر منصب المستشار الألمانى رئيس الوزراء بدأت عملية اضطهاد اليهود فسارعوا بالهجرة من ألمانيا فى الوقت الذى زاد فيه أيضا عدد المهاجرين اليهود من شرق أوربا.
وبينما أعلن هتلر تأييده للعرب فإن اضطهاد لليهود جعلهم يزحفون إلى فلسطين فاتجه إليها ثلث المهاجرين من ألمانيا وأوربا الشرقية.
اشتعلت الثورة العربية الكبرى فى 25 من أبريل 1936 عندما ناشدت الهيئة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسينى – مفنى فلسطين العمال ورجال الأعمال العرب الإضراب والامتناع عن لعمل وعدم سداد الضرائب . وطالبت الهيئة بريطانيا بوقف هجرة اليهود.
استمر الإضراب نحو سبعة شهور شلت خلاله حركة المواصلات والنقل والزراعة العربية وهوجمت المستوطنات الإسرائيلية . وجاء المتطوعون العرب من الإخوان المسلمين وغيرهم ليشتركوا مع الثوار . وتدفقت التبرعات على عرب فلسطين.
فى هذه الفترة ظهر دور الإخوان المسلمين كما تقول السفارة البريطانية فقد " أرسلوا التبرعات المالية والأسلحة للثوار الفلسطينيين وصنعوا لهم القنابل اليديوية وقاموا بالدعاية للثورة واتضح أن معظم المنشورات التى ظهرت فى السواق عن فلسطين كتبها الإخوان المسلمون".وكان بن جوريون الذى هاجر إلى فلسطين عام 1906 .
وقدر له بعد ذلك أن يكون أول رئيس لوزراء إسرائيل ينصح اليهود فى ذلك الوقت عام 1936 بالاستعداد لأن المواجهة المسلحة محتومة بين العرب وإسرائيل. وأن الدولة اليهودية يجب أن تقوم على فلسطين كلها.ولم يعرف عرب فلسطين ولا الإخوان فى مصر أفكار بن جوريون . ولم يستعدوا لمقاومتها!
كتبت مجلة الإخوان فى يوليو 1936 بعنوان " جرائم اليهود فى مصر:
- " اليهود هم الذين اقرضوا عيد باشا بالربا. وأوقعوا إسماعيل فى مصيدة الدين . وكانوا وراء شراء نصيب مصر من أسهم قناة السويس".
وأضاف :
- " يكفينا ما أصابنا من هؤلاء اليهود فى كل زمان ومكان".
وفى منتصف أكتوبر عام 1937 اشتعلت الثورة العربية فى فلسطين من جديد.ومرة ثانية ظهر دور الإخوان مما لفت إليهم نظر السفارة البريطانية بالقاهرة فقالت:جعلت أنشطة الإخوان فى فلسطين الجماعة محط أنظار المخابرات البريطانية والألمانية.
وهناك دليل من الوثائق التى تم ضبطها مع عميل ألمانى على أن الإخوان تلقوا أموالا من الألمان" قال الشيخ محمد صبرى عابدين أمين سر الهيئة العربية العليا إنه على إثر ثورة عرب فلسطين ضد الإنجليز واليهود زار مصر وتعرف بالشيخ البنا.
أكد له المرشد العام بصراحة ووضوح أن قضية فلسطين هى قضية المسلمين والعرب أجمعين ويجب عليهم أن يقاوموا ز بكل قوتهم . عدوان الإنجليز واليهود ويحولوا دون مؤامراتهم لتهويدها وطمس عروبتها وإسلاميتها. وقد ناشد البنا المسئولين المصريين القيام بعمل جدى لنصرة قضية فلسطين.
وعندما أعلن محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر عام 1938 فى حديث لصحيفة بريطانيا أنه " لن يتناول فى محادثاته مع الإنجليز موضوع فلسطين وأنه رئيس وزراء مصر لا رئيس وزراء فلسطين"
قال صالح عشماوي وكيل عام الجماعة:
- " كان تأثير هذا التصريح أشد من القنبلة إن لفلسطين أبطالا مجاهدين وليس من العدل ولا من الانصاف أن نجعلهم موضع مقارنة مع أى زعيم ووزير مصرى حتى ولو كان رئيس وزراء" مصر"!
ويهاجم صالح عشماوي اليهود المصريين " لعدم قيامهم بواجبهم القومى حيال حرب فلسطين مثل جمع التبرعات".
وتشتد حملة الإخوان على يهود مصر فى ذلك العام فتقول:
- " إنهم يحتكرون تجارة الذهب , وبيدهم كبرى الفنادق , ويضربون بسهم وافر فى شراء الأراضى والعقارات, ويسيطرون على أسهم معظم البنوك والمصارف ... وأعمال الأوراق المالية والصيارفة كلهم يهود"ّ
كانت فلسطين ننبع وزارة المستعمرات البريطانية فى إدارتها وتتبع وزارة الخارجية بالنسبة لعلاقاتها الدولية. ويشترك رؤساء الأركان فى المسئولية باعتبار أن القوات البريطانية تدافع عن الشرق الأوسط كله.. بما فيه فلسطين.
وبعد الحرب العالمية الثانية كانت وزارة المستعمرات ووزيرها كريش جونز لا تعارض اليهود إن لم تكن تؤيدهم.أما وزارة الخارجية ويرأسها أرنست بيفن فكانت إلى حد ما تؤيد العرب وكذلك رؤساء الأركان.
وأرادت الولايات المتحدة تصفية الاستعمار البريطانى سلميا, وكذلك الاتحاد السوفييتى , أما بريطانيا فقد رغبت لا فى تصفية الامبراطورية بل فى تثليل الخسائر بالتحول من الحكم الرسمى المباشر لذ الشرق الأوسط بالعمل على أن يكون للندن نفوذ غير رسمى فى المنطقة كقوة إقليمية.
وحرصت بريطانيا على أن تبدو وكأنها سيدة الموقف وكان ذلك بعيدا عن الحقيقة فى عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.تغير الموقف فى الولايات المتحدة فجأة بوفاة الرئيس روزفلت وتولى نائبه هارى ترومان فى الستين من عمره فشل فى أن يكون رجل أعمال فتحول إلى السياسة.أراد أن يبدو حاسما فأصدر خلال فترة رئاسته قرارات خطيرة أكثر مما فعل أى رئيس أمريكى آخر.
لم يكن يعلم شيئا عن التجارب النووية التى تجرى فى عهد سلفه , ومع ذلك أصدر القرار بإلقاء القنبلة الذرية على كل من هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين فأنهى الحرب فى الشرق ألأقصى.
ووافق على مشروع مارشال لمساعدة أوربا اقتصاديا وأنشأ حلف الأطلسى.وطرد الجنرال الأطلسى.وطرد الجنرال ماك أرثر القائد الأمريكى المنتصر فى الشرق الأقصى وأرسل القوات الأمريكية والدولية لتحارب فى كوريا.
وعندما توفى الزعيم السوفيتى ستالين وجد تشرشل واتلى الزعيمان البريطانيان أن هذه مناسبة للتقارب بين الشرق والغرب فاقترحا وقف سباق التسلح . ولكن ترومان ضيع الفرصة.وفى فلسطين التى نتوقف عندها كان ترومان مؤيدا تماما لليهود وفى أول عهده بالرئاسة وفى مؤتمر بوتسدام بألمانيا فى 17 من يوليو 1945 طلب ترومان إلى تشرشل ألغاء الحظر على هجرة اليهود إلى فلسطين وفتح أبواب الهجرة لهم وأكد ذلك لاتلى الذى انتخب رئيسا لوزراء بريطانيا أثناء المؤتمر .
عرض البنا يوم 8 من أكتوبر 1945 وضع عشرة آلاف شاب تحت تصرف الجامعة العربية للمساهمة فى تحرير فلسطين. وأدلى بحديث إلى صحيفة " البلاغ" جاء فيه أن فلسطين قضية مصرية كما هى عربية".
وسافر وكيل الإخوان وقائد جوالتها " محمود لبيب" إلى فلسطين ليتسلم منصبه كقائد لمنظمة الشباب الفلسطينية العربية الموحدة.وكانت هذه السلطات قد أبعدته عن مصرع تسع سنوات كاملة!
عمل محمود لبيب ضابطا فى قوات سلاح الحدود المصرية التى ترابط فى الصحراء الغربية عام 1912 واستطاع مساعدة عدد من كبار الضباط الاتراك على الهرب بعد غزو ايطاليا لليبيا واشترك فى ثورة طرابلس ضد الايطاليين . ونجح فى الحصول على الشفرة السرية للجيش البريطانى وقاوم الإنجليز فى الواحات عامين.
منع الإنجليز دخوله مصر عام 1915 فهرب إلى تركيا ومنها إلى ألمانيا. وظل منفياحتى عام 1924 فعاد إلى مصر بعد أن تولى سعد زغلول رئاسة الوزارة .انضم إلى الإخوان المسلمين ونظم فرق الجوالة على أسس عسكرية طبقا لا رآه فى ألمانيا .. فى بداية صعود هتلر.
وفى فلسطين بعث الروح العسكرية ونجح فى توحيد منظمتى " الفتوة" ," النجادة" واستطع أن يبث فى الشباب العربى الروح العسكرية وتعرف السلطات البريطانية ماضى الصاغ لبيب فتبعده من فلسطين إلى مر خلال 24 ساعة.
سمح الإنجليز , بعد الحرب العالمية الثانية , بهجرة 1500 يهودى شهريا إلى فلسطين ولكن الرئيس ترومان طلب من كلمنت اتلى رئيس وزراء بريطانيا فى أغسطس 1945 السماح بهجرة 100 ألف يهودى آخرين فى اسرع وقت ممكن ولم يعلن ترومان ذلك غلا فى 13 من نوفمبر عام 1945.
كانت قوة الجيش البريطانى فى فلسطين فى ذلك الوقت 80 ألف جندى ورأى رئيس وزراء بريطانيا كلمنت أتلى أن هذه القوة لا تكفى لحفظ الأمن والنظام وسط تصاعد الهجرة اليهودية والرفض العربى لها ولذلك لم يكن متحمسا لزيادة عدد المهاجرين.
وكان بيفن وزير الخارجية يرى استيعاب اليهود فى أوربا لا فى فلسطين باعتبار انه يمكنهم الاندماج فى أوربا.ناقش مجلس العموم البريطانى مشكلة فلسطين يوم 13 من نوفمبر 1945 أى يوم إعلان رسالة ترومان فقال أرنست بيفن زير خارجية بريطانيا .
بريطانيا عليها التزام مزدوج تجاه اليهود من ناحية والعرب من ناحية أخرى.والافتقار إلى تحديد واضح لهذا الالتزام المزدوج كان السبب الرئيسى للمتاعب التى حدثت فى فلسطين خلال الست والعشرين سن الماضية.
وبذلت الحكومة جهودا لوضع بعض الترتيبات التى تمكن العرب واليهود من أن يعشوا معا فى سلام ويتعاونا لصالح البلاد ولكن هذه الجهود كانت غير مجدية, وأية ترتيبات مقبولة من جانب أحد الطرفين رفضها الطرف الآخر وتاريخ فلسطين منذ الانتداب عبارة عن احتكاك مستمر بين العنصرين يصل إلى ذروته فى فترات متقطعة ويتحول إلى اضطرابات خطيرة وأعلن بيفن أن بريطانيا والولايات المتحدة اتفقنا على تشكيل لجنة تحقيق مشتركة فى فلسطين تحدد الهجرة اليهودية وتبحث أحوال يهود أوربا من ضحايا النازية.
قدمت لجنة التحقيق الإنجليزية الأمريكية تقريرها فى 20 من أبريل 1946 واقترحت فيه تهجير 100 ألف يهودى إلى 4 مناطق فى فلسطين.دعا الملك فاروق الملوك والرؤساء العرب اجتماع فى حدائق انشاص يومى 28,29 من مايو 1946 حضره عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة العربية.
قرر المؤتمر رفض الهجرة لجديدة وعرض قضية فلسطين على الأمم المتحدة والتصميم على العمل العسكرى والتلويح بالمقاطعة الاقتصادية وقرر مجلس الجامعة الدول العربية فى اجتماعه بمدينة بلدان السورية يوم 14 من يونيو 1946 إنشاء صندوق لمساعدة عرب فلسطين ومكتب للمقاطعة وتأليف الهيئة العربية العليا لفلسطين لتضم الأحزاب الفلسطينية الرئيسية الستة , اتخاذ الاحتياطات العسكرية. ويصل إلى القاهرة يوم 199 من يونيه الحاج أمين الحسيني مفتى فلسطين.
ضاعف وجود المفتى من الحماس الشعبى المصرى للقضية الفلسطينية وزادت الصلة بينه وبني المرشد العام للإخوان وكان لذلك تأثيره فى مستقبل الجماعة..أبرق الشيخ البنا إلى السفير البريطانى السير رونالد كامبل يطلب لعفو عن السجناء الفلسطينيين السياسيين الذين أمضوا سنوات طويلة طويلة فى السجن فى جزيرة سيشل.
قال المرشد العام فى برقيته إنه صدر عفو بريطانى عن كثيرين بمنسبة انتهاء الحرب وانتصار الحلفاء إلا المسجونين العرب.وكانت قد صدرت أحكام فى فلسطين ضد 37 عربيا منهم 23 قضى سجنهم مدى الحياة وقد نفوا إلى جزيرة سيشل فاضرب بعضهم عن الطعام ومنهم حسن أبو السعود وصفوت الحسيني وموسي الحسيني.
حارت السفارة البريطانية فى أمر لرسالة وهل فى الرد عليها ما يعتبر اعترافا بالإخوان.وأخيرا وبعد عشرة أسابيع بعثت السفارة إل البنا تقول إن برقيته أرسلت إلى وزارة الخارجية البريطانية فى لندن!
دعت بريطانيا العرب واليهود إلى مؤتمر عقد بلندن فى 10 من سبتمبر 1946 واستمر حتى 27 من يناير 1947 لإيجاد حل لمشكلة فلسطين.
ولكن الطرفين اتخذا موقفا متشددا قام يجتمعا على مائدة واحدة ولم يجد المفاوضات نفعا فأعلن بيفن فشل لمؤتمر وقال فى مجلس العموم يوم 18 من فبراير إن بريطانيا أن تتخلى عن الانتداب لاستحالة تنفيذه عمليا وإحالة المسألة الفلسطينية إلى دورة خاصة للأمم المتحدة.
قال:
- لا حل إلا بالأمم المتحدة والولايات المتحدة.
اجتمع رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية العرب بالقاهرة فى مارس ووزراء العرب بدمشق فى أبريل لبحث الوقف بعد انتهاء الانتداب وقرروا مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بإقامة دولة مستقلة موحدة فى فلسطين.وقررت اللجنة السياسية للجامعة العربية فى اجتماعها بصفر بلبنان يوم 19 سبتمبر 1947 رفض قرارات لجنة التحقيق.
بدأ عرض قصية فلسطين على الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورة خاصة عقدت بعد ستة أيام من فشل القضية المصرية فى مجلس الأمن , وحضرها كريش حونز وزير المستعمرات البريطانى ليشهد تصفية هذا الجزء من الإمبراطورية!
قررت الجمعية العامة تشكيل لجنة من 11 دولة وأوصت فى 31 من أغسطس بتقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين مع قيام اتحاد اقتصادى بينهما وكانت لجنة ملكية بريطانية برئاسة اللورد بيل قد اقترحت التقسيم عام 1937 أيد اليهود التقسيم إذ سيترتب عليه إقامة الدولة اليهودية.وأعلن وزير المستعمرات البريطانى يوم 26 من سبتمبر قرار بلاده بالإنسحاب من فلسطين.
ونجح اليهود فى أن يجعلوا من عداء الدولتين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى ميزة لهم فوافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار التقسيم فى 29 من نوفمبر بأغلبية 33 صوتا بينها فرنسا وبلجيكا ضد 13 صوتا وامتناع عشر دول عن التصويت بينها بريطانيا واليونان والحبشة والصين الوطنية وكان صوت الاتحاد السوفيتى هو الذى رجح الموقف لصالح التقسيم!
كان عدد الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة 57 دولة منها 6 دول عربية ونص القرار على تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وتبقى القدس وبيت لحم خارج الدولتين.
كتب جميس بوكر القائم بأعمال السفير البريطانى إلى لندن يقول:
- " فوجئت الدوائر المصرية باعلان التأييد الروسى لمبدأ تقسيم فلسطين .وعلقت الصحف ككل بمرارة على موقف الولايات المتحدة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
- وعبرت ثلاث من الصحف الموالية للحكومة عن شعور عميق بخيبة الأمل تجاه الاتحاد السوفيتى الذى كان . فيما مضى يتخذ مواقف صديقة لمصر فى مجلس الأمن".
قال الجنرال السير آلا كاننجهام المندوب السامى البريطانى فى فلسطين:
- " التقسيم هو الحل الممكن للسلام بين العرب واليهود".
ولكن كلاتون مدير الإدارة الأفريقية بوزارة الخارجية البريطانية قال:
- "لن يرى الصهاينة فى التقسيم حلا نهائيا".
وأيد الرأى ذاته السير روتالد كامبل السفير البريطانى فى القاهرة قائلا:
- " يرى العرب أن قرار التقسيم لن يكون نهاية المطاف . ويخاف جميع العرب من قايم دولة يهودية صغيرة على أرض فلسطين لأنه سيكون مجرد بداية صغيرة.لاختراق الدول العربية المحيطة بهذه الدولة . فيما بعد"!
ولكن الأمريكيين الذين يؤيدون التقسيم عبروا عن اقتناعهم به وأنه لن يثير ضجة ولن تكون له أية ردود فعل ما جانب المصريين.أيد الرئيس ترومان على الفور فكرة التقسيم.
ولكن قدمت إلى ترومان تقارير بأن التقسيم يحتاج إلى تدخل أمريكى مسلح فى الوقت الذى يعارض فيه تدخل القوات الأمريكية عسكريا.وقدرت القوات اللازمة التقسيم ب 104 آلاف جندى أمريكى وبريطانى.
وقيل لترومان إن الولايات المتحدة ستحتاج لى نصف مليون جندى لحفظ السلام فى فلسطين فرأى عدم تورط بلاده بإرسال هذا العدد إلى فلسطين وطلب أفكارا بديلة للتقسيم فاقترحت وزارة الخارجية الأمريكية وضع فلسطين تحت وصاية دولية مؤقتة بدلا من التقسيم ولكن العرب واليهود رفضوا الفكرة فمتت قبل أسابيع من انسحاب بريطانيا.
قالت الولايات المتحدة إن بريطانيا ستمد العرب بالسلاح طبقا لمعاهداتها مع الدول العربية ففرضت, الولايات المتحدة, حظرا على تصدير السلاح لمنطقة الشرق الأوسط فى ديسمبر 1947 وتبعتها بريطانيا بقرار حظر ثان.
وكتب لوى هندرسون مدير إدارة أفريقيا والشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأمريكية يقول:
- " سيثير المصريون كثيرا من الضوضاء ولكنها بلا معنى وقد تشهد القاهرة والإسكندرية مظاهرات وأعمال شغب معادية للسامية لن تدوم طويلا".
ولأول مرة يخطى هندرسون فى تقدير رد فعل شعب مصر إزاء تقسيم فلسطين .اشترك الإخوان فى هيئة وادى النيل العليا لإنقاذ فلسطين للدعاية وجمع التبرعات للقضية.وأعلنت الهيئة العربية العليا فى فلسطين الإضراب لمدة ثلاثة أيام.
وشهدت القاهرة مظاهرات الطلبة وهم يهتفون:
- أين السلاح يا نقراشى؟
وكتب جميس بوكر الوزير البريطانى المفوض:
- " اقام الإخوان مكاتب إخفاء طابعها العسكرى عندما طالبت بعمل حربى فى فلسطين. ودعا البنا أمين الجامعة العربية يوم أول ديسمبر إلى ضرورة الانسحاب من الأمم المتحدة ودعوة الدول الأخرى إلى التصرف بالمثل وحرمان مواطنيها اليهود من جنسيتهم إذا لم يؤيدوا قضية فلسطين العربية.
- وقال نداء إلى الحكومات العربي والإسلامية إن الأمم المتحدة انتحرت بيدها. وسجلت على نفسها العجز وخراب الذمة وفساد الضمير وقال المرشد العام على الشعوب العربية والإسلامية أن تستعد وتتهيأ للدفاع عن فلسطين وإنقاذ عروبتها".
قالت السفارة الأمريكية فى عدة برقيات لها من القاهرة إن صحيفة " الإخوان المسلمون " نشرت ابتداء من 19 من أكتوبر 1947 وحتى 13 من يناير 1948 كثيرا من الأخبار والمقالات المعادية للصهيونية مع صحف أخرى مصرية.
هاجمت الصحيفة قيام اليهود المصريين بجمع التبرعات للصهونية.ونشرت عن محاولات اليهود تسميم المياه فى العراق وسوريا . وأن انتشار الكوليرا فى سوريا وتزييف عملتها من فعل الصهاينة .. كما أبدت الصحيفة مخاوفها من قيام اليهود بتفجير المجارى فى القاهرة!!
وأخذت الصحيفة تطالب حكومة مصر والعرب جميعا بدخول الحرب
كتب صالح عشماوي يقول:
- " إلى الرجال لمسئولين كفى تفريطا فى حقوق فلسطين".
ونقلت الصحيفة مقالا عن جريدة الفجر التى تصدر فى كراتشى بعنوان " تدخل مسلح بدون إبطاء ... وإلا ".وقالت الصحيفة فى مقال آخر:
وامتنعت الصحيفة عن قبول إعلانات الشركات اليهودية ودعت إلى مقاطعة هذه الشركات حتى تغير مسلكها من مؤازرة يهود فلسطين وتعددت مقالات الصحيفة مطالبة بدخول الجيوش النظامية فى حرب فلسطين.
وطلب الشيخ البنا إلى الحاخام حاييم ناحوم وكبار اليهود المصريين " إعلان مشاركتهم لمواطنيهم المصريين مشاركة مادية وأدبية وأنهم سيكونون فى مقدمة من يحمل علم الكفاح عروبة فلسطين".
ولكن اليهود أصحاب الشركات والمحال التجارية الكبرى فى مصر منعوا الإعلانات عن مجلة " الكشكول الجديد" وأبلغ هنرى حاييم مدير شركة الإعلانات الشرقية إدارة لمجلة بأن اليهود يرفضون الاعلان فى مطبوعات تهاجمهم فاضطرت المجلة للتوقف عن الصدور!
دعا الشيخ البنا شعب الجماعة الإستعداد للجهاد.وتوجهت أول كتيبة إلى الميدان يوم 27 من أكتوبر 1947.
ويكتب السفير البريطانى السير رونالد كامبل:
- ينادى البنا زعيم الإخوان المسلمين الدماء. وتثير المتاعب أمام النقراشي باشا بسبب السياسة المتخاذلة التى انتهجتها الحكومة تجاه الأحداث فى فلسطين.
- ويحتشد أكثر من 20 ألفا داخل الجامع الأزهر وحوله بعد صلاة الجمعة يوم 5 من ديسمبر متحدين قرار النقراشي باشا رئيس الوزراء بمنع المظاهرات مطالبين بالعمل الحاسم لإنقاذ فلسطين.
- ويكون الشيخ البنا وعبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية وصالح حرب رئيس جمعية الشبان المسلمين وأحمد حسين زعيم مصر الفتاة بين الخطباء".
ونشر البنا مقالا عنوانه " خيبة خيبر" دعا فيه إلى دخول الجيوش النظامية العربية فلسطين.وقال إن فلسطين لا يمكن إنقاذها إلا بالقوة .وأكد من جديد عرضه بان يضع تحت تصرف الجامعة العربية عشرة آلاف شاب كأول كتيبة للقتال فى سبيل فلسطين العربية.كان الحماس يتردد فى كل الدول العربية.
قال تقرير للسفارة البريطانية :
- " الحالة النفسية للجماهير فى صالح إعلان الحرب . فالروايات حول فظائع الصهيونية كثيرة"!
وتتصاعد حدة الموقف تمهيدا للحرب التى بدت نذرها فأصدر مجلس الأمن قرارا فى 17 من أبريل 1948 يدعو إلى وقف أعمال العنف وكل نشاط عسكرى وعدم دخول قوات أو جلب أسلحة إلى فلسطين.
تطوع الإخوان للقتال فى فلسطين ودربهم الصاغ محمود لبيب بمعكسر الجامعة العربية فى هايكستب بإحدى ضواحى القاهرة.
قال فيليب ايرلاند سكرتير السفارة الأمريكية فى برقية إلى واشنطن:
- " هناك شك فى مدى فاعلية جهود الإخوان فى مصر لتشكيل كتائب لإنقاذ فلسطين.لقد وقع عدد ملحوظ من الشباب المصريين فى كافة أنحاء البلاد استمارت الانضمام لهذه الكتائب. ولكن هناك شك فيما إذا كان هؤلاء المجندون سيشتركون فى نضال من أجل فلسطين. وهنا جهل تام بالمصاعب والجهود التى تتطلبها الحملة فى تلال ووديان فلسطين كما أن معظم المجندين غير مجهزين بأى شئ سوى الحماس والتعبئة المعنوية"
وقالت صحيفة مصر الفتاة إن ما تعده الجماعة من كتائب لمساعدة الفلسطينيين ليس إلا شعوذة ودجلا وضحكا على عقول المصريين..! فقد دخلت الحزبية كل شئ فى مصر .. بما فى ذلك قضية فلسطين!
عرفت الحكومة البريطانية بإنشاء وحدات عسكرية غير نظامية فى البلاد العربية . وأن قوات جيش التحرير بقيادة فوزى القاوقجي دخلت فلسطين من سوريا فى يناير والإخوان دخلوها من مصر فى فبراير فبعثت وزارة الخارجية لبريطانية إلى سفرائها فى العالم الغربى تطلب منهم إبلاغ الحكومات العربية باتخاذ خطوات فعالة لمنع مزيد من الانتهاكات فى فلسطين.
قابل تشابمان اندروز الوزير البريطانى المفوض فى القاهرة أحمد خشبة باشا وزير الخارجية وقدم إليه مذكرة من حكومته تطلب فيها من مصر, والحكومات العربية تيسير عملية انسحاب القوات البريطانية من فلسطين وعدم إثارة متاعب حتى لا تضطر بريطانيا إلى استعمال القوة.
وبعث السير رونالد كامبل السفير البريطانى برسالة أخرى إلى وزير خارجية مصر يوم 7 من أبريل قال فيها خطر وقوع أعمال نف على نطاق واسع يزداد نتيجة ظهور تشكيلات عسكرية غير نظامية أفرادها مجندون من الدول العربية. وهناك خطر اشتباكها مع القوات البريطانية.
وطالبت الرسالة بمنع الجماعات المسلحة غر النظامية التى دخلت فلسطين من القيام بأية عمليات عسكرية.وبعثت رؤساء أركان حرب القوات البريطانية فى الشرق ألأوسط إلى الحكومة البريطانية تعليمات بشأن القوات العربية التى دخلت فلسطين من الدول العربية المجاورة.
وتساءل القواد:
- هل تقوم بهجمات جوية على نطاق واسع ضد العرب ؟ وكان جواب الحكومة البريطانية بالنفى.قالت صراحة: لا وأرسلت وزارة الخارجية البريطانية إلى سفاراتها تعليمات
تقول:
- " يجب ألا يتخذ عمل ضد المجموعات التى دخلت من الحدود إلا إذا هاجموا الماكز أو مركز الاتصالات البريطانية أو المراكز اليهودية المدنية والمستوطنين اليهود.
- وفى حالة الهجوم على المراكز البريطانية يقابلون بمقاومة بجميع الوسائل وعلى مسئوليتهم وباستخدام الغارات الجوية.
- وفى حالة الهجوم على اليهود يكون تدخل القوات البريطانية ضد المهاجمين بعد الرجوع أولا إلى الحكومة البريطانية "
وطبقا للسياسة البريطانية المناورة.الماكرة,والملتوية قالت وزارة الخارجية البريطانية لسفرائها
- "لا تخبر الدولة التي تمثلنا لديها بذلك وإلا اعتبرت هذه التعليمات دعوة لعبور الحدود إلى فلسطين".
وكانت الدعوة فى الحقيقة لقتل اليهود العسكريين لا المدنيين أو البريطانيين .. ولكن العرب لا يعلمون !وكانت القوات البريطانية قد خسرت خلال ال18 شهرا السابقة على انساحبها 127 قتيلا و31 جريحا أثناء العمليات الإرهابية التى قامت بها عصابات اليهود.تركز النشاط اليهودى فى الإرهاب على العرب لتفريغ فلسطين من أكبر عدد منهم وبالذات فى المناطق اليهودية التى يعيش فيها 350 ألفا من العرب.
فى 5 من يناير عام 1948 نسف اليهود فندق سميرا ميس فى الحى العربى بالقدس ب 175 رطلا من الديناميت فقتل 23 من المدنيين بينهم القنصل الأسبانى.وكانت هذه رسالة للعرب للرحيل من فلسطين.
وفى 9 من أبريل دخل مائة من قوات عصابة " أرجون" الصهيونية قرية دير ياسين العربية والتى تقع عند مدخل مدينة القدس.أذاع اليهود نداء بمكبرات الصوت إلى سكان القرية وكلهم من العرب لمغادرة منازلهم وتكرر النداء عدة مرات.
خرج الجميع إلى الشوراع فحصدهم اليهود بالرصاص.وبقروا بطون الحبالى من النساء.وذبحوا ألأطفال فى أحضان أمهاتهم وأمام أعينهن. واخذوا 150 من النساء أسرى فجردوهن من ثيابهن, ووضعوهن فى عربات لورى مفتوحة نقلتهن إلى القدس . وطافوا بهن فى الشوارع عاريات ليفذفهن اليهود بالحجارة.
قتل فى هذه العملية 250 أغلبهم من النساء والأطفال وألقيت الجثث فى بئر القرية وعثر ممثل الصليب الأحمر داخل البئر على 150 جثة مشوهة ومحترقة لنساء وأطفال.
لم يتدخل الجيش البريطانى لوقف المذبحة أو القبض على المجرمين وأعلن وزير المستعمرات البريطانى فى مجلس العموم أن هذا العدوان البربرى دليل على الوحشية تعجز الكلمات عن وصف ماتنطوى عليه من بواعث الاشمئزاز والحزن العميق.
واعترف الكتاب اليهودى الصهيونى جون كيمش بأن مذبحة دير ياسين نقطة سوداء فى سجل التاريخ اليهودى.وأطلق عليها الكاتب اليهودى أرثر كويسلتر العملية البربرية وحمام الدم واعترف قائد الهاجاناه فى القدس بأن دير ياسين كانت من أهدأ القرى فى المنطقة ويعيش أهلها فى سلام مع سكان المستعمرات اليهودية كان لهذه المذبحة و30 عملية عسكرية أخرى قام بها اليهود آثارها فى المناطق التى يسكنها العرب فى فلسطين والتى أعطيت لهم بمقتضى قرار التقسيم فهرب منها خلال عام 1948 720 ألفا من العرب!..
تسللت وحدات الإخوان المدربين إلى فلسطين بعد قرار التقسيم مباشرة وظلوا وحدهم فى الميدان زهاء خمسة شهور وزار الشيخ البنا فلسطين وأدى صلاة الجمعة فى خان يونس يوم 20 من مارس 1948.
ورد الإخوان على مذبحة دير ياسين فهاجم فدائيون فى الساعة الثانية من صباح يوم 10 من أبريل " كفار داروم" المستعمرة اليهودية الوحيدة فى السهل الساحلى جنوب غزة وتشرف على الطريق الرئيسى بين رفح وغزة.عبروا حقول الألغام وازالوها ثم قطعوا الأسلاك الشائكة وبثوا الألغام تحت مبانيها فانفجرت .
واعترفت الصحف اليهودية بأن المستعمرة تعرضت لهجوم عنيف وأن العرب هاجموها بالمدافع.استشهد فى المعركة 12 من الإخوان وأصيب ستة آخرون احتفل الإخوان بتشييع شهدائهم واشترك معهم أهالى غزة وخان يونس ودير البلح ودفن الأبطال فى مقبرة خاصة بهم فى قرية النوصيرات. وكان ذلك أول اشتباك مع الصهاينة فى النقب قبل وصول متطوعي الجامعة العربية.
نشرت صحيفة الإخوان أسماء الشهداء وكانت لكل صحيفة قصة رائعة.من حياته واستشهاده أيضا
- عبد الرحمن عبد الخالق (21 سنة) بكالوريس زراعة.بطل الجامعة فى المصارعة وكرة السلة رفض أمر رئيسه بالانسحاب حتى استشهد.
- ومحمد سلطان (20 سنة) الموظف بالرى وضع لغما حول بطنه وأشعل الفتيل لينفجر معا فيدمران مركز حراسة يهودى
- وعمر عبد الرءوف (27) سنة تاجر من هيا أصابته رصاصة فقال قبل أن يلفظ أنفاسه:أولى الجنة.
وهذه مجرد نماذج والأمثلة كلها حافلة بمعانى التضحية نشرت صحيفة أخبار اليوم قصة أول معركة بين المصريين واليهود كتب مراسلها من الجبهة يقول:
- " أتأمل القتلى واحدا واحدا ليس بينهم واحد مصاب فى ظهره. بعضهم أصيب مرة ومرتين ومع ذلك بقى يحمل بندقيته ويضرب بها . دفنوا بغير غسل أو كفن . فإن من تقاليد الإسلام أن يدفن الشهيد بملابس المعركة. كان منظرا رائعا .
- هذا الدم المصرى يغطى أرض الصحراء المنبسطة هذه الأرض التى سارت فيها جيوش المارشال اللنبى وحققت انتصارها الأخير على الأتراك أصبحت نقطة البداية التى تطلق منها مصر رصاصها على مستعمرات اليهود.
لقد تصاعدت الأحداث أثناء جنازة الشهداء تبحث عن الحاج عبد الخالق أين هو الحاج عبد الخالق ؟ كان يحارب فى المعركة ومعه ابنه محمد عبد الخالق.سقط ابنه قتيلا إلى جانبه فلم يبك عليه . بل حمل بندقيته وراح يقتل بها الذين قتلوا ولده ثم انتهت المعركة ولم ينتظر الحاج عبد الخالق ليشيع جنازة ولده مع المشيعين بل حمل ابن أخيه الجريح احمد يوسف إلى غزة
قال له إخوانه: إننا نعزيك!قال : كلا... هنئونى ! هنئونى ! سابقى هنا لأنال بعض الشرف الذى ناله ابنى...قابلت الحاج عبد الخالق حسن يوسف من بلدة قويسنا بمديرية المنوفية وقد وقف يتقبل تهانى المجاهدين وكأنه يزف ولده إلى عروس .
- أصر الجنود على أن يستحموا قبل المعركة استعدادا للموت . وصلّوا على أنفسهم صلاة الجنازة وتلوا جميعا آيات من كتاب الله.رأى القائد البريطانى الشهداء وأطلعه قائد الإخوان على تفاصيل المعركة وكيف أن العرب لم يخسروا شيئا بل أنهم استعادوا أسلحة الشهداء والجرحى فدهش وذهب إلى حيث رقد الشهداء واحنى رأسه قائلا:أننى فى دهشة كيف استطعتم أن تفعلوا كل هذا ؟!
- كنت فى فرقة الكوماندوس البريطانية ولم أشهد جرأة كالتى رأيتها الآن ولو كان معى ثلاثة آلاف من هؤلاء لفتحت بهم فلسطين"!
والغريب فى الأمر أن المتطوعين كانوا من مديريات محافظات مصرية مختلفة وكأنهم جاءوا يمثلون مصر والإخوان جميعا فى أول عملية انتحارية وكان الشيخ البنا قد طلب إلى كل متطوع أن يترك صورته. ووضعت الجماعة ملفا لكل منهم لينشر يوم استشهاده فإن الجميع كانوا يعرفون أنهم لا ينوون العودة بل طريقهم الجنة.
استولت العصابات الصهيونية على مدينة حيفا فى 22 أبريل 1948 الأن الإنجليز أبلغوا اليهود بموعد انسحابهم قبل أربعة أيام ولم يبلغوا العرب إلا قبل 24 ساعة من الساعة المحددة للانسحاب.
وظلت اسرائيل على امتداد أربعين عاما تزعم أن الهجرة الجماعية ل400 ألف عربى من فلسطين بعد قرار التقسيم تمت بناء على طلب زعماء الفلسطينيين والقادة العرب.
ولكن فى أوائل عام 86 نشر الباحث الاسرائيلى بن موريس فى مجلة "دراسات الشرق الأوسط" التى تصدر فى لندن وثيقة للمخابرات الإسرائيلية تقرر بأن السبب الحقيقى لهجرة سبعين فى المائة فى لندن وثيقة للمخابرات الإسرائيلية تقرر بان السبب الحقيقى لهجرة سبعين فى المائة من عرب فلسطين يرجع إلى خوفهم من هجوم الجماعات الإرهابية اليهودية وتأثير مذبحة دير ياسين واختطاف خمسة من زعماء عرب شمال تل أبيب والهمس الذى يردده اليهود لأصدقائهم العرب بأن هجوما قادما سيقع عليهم.
وكان من نتيجة هجرة العرب أن أستولت الوكالة الهودية على مبانيهم واستعملتها كمكاتب لها واستولى اليهود على املاك العرب وأموالهم فى المصارف . وكتب بن جوزيون رئيس الدائرة السياسية فى الوكالة اليهودية
يقول:
- " المفاجأة الوحيدة التى داهمتنى اكتشاف عيوب خلقية داحلنا" اقصد النهب الجماعى"!وكأنه لم يكن يعلم!
فى أوائل أبريل هاجم خمسون من متطوعى الإخوان مستعمرة دير البلح شمال خان يونس ليلا وقطعوا الأسلاك وازالوا الألغام واقتحموا لامستعمرة ولكن اليهود أحسوا بهم فأمطروهم بنيران المدافع.
وأغارت هذه القوات على الستوطنات الاسرائيلية فى مارس ونجحت فى إرغام جيش الهاجاناه اليهودى على تشتيت قواته وحراسة منشآته وطرق مواصلاته.
واستطاعت هذه الكتائبأن تجمع عناصر عربية فلسطينية لتحارب معها وأرغمت قوات المستوطنات على البقاء محاصرة بداخلها تدافع عن نفسها. وظلت كتائب الجماعة تغير على المستعمرات فى النقب وتدمر خطوط المواصلات بينها وبين تل أبيب .
ونجح فى عزل الحى اليهودى فى القدس فى 7 من مارس عام 1948 ووصل إلى فلسطين لقيادة هذه القوات يوم 25 من أبريل البكباشي أحمد عبد العزيز ويعاونه البكباشى عبد الجواد طبالة.
تتابعت اجتماعات الجامعة العربية لبحث الموقف, بعد قرار بريطانيا بالإنسحاب من فلسطين المحدد له يوم 15 من مايو 1948.فى البداية كان التفكير فى اتخاذ اجراءات انتقامية ضد بريطانيا والولايات المتحدة.
وطلب صالح جبر رئيس وزراء العراق فى اجتماع القاهرة التدخل العربى المباشر ضد اليهود فى فلسطين.وكانت وجهة النظر المصرية الرسمية ان التدخل العسكرى لا يكون بواسطة قوات نظامية بل متطوعين. ويقرر المجتمعون أن تقدم كل حكومة عربية للمقاتلين السلاح والمعتاد.
وتوزع عشرة آلاف بندقية على المقاومة بفلسطين ومدها بالمقاتلين وفى الوقت ذاته كان بن جوريون يؤكد لقوات الهاجاناه اليهودية ان الجيوش العربية ستشترك فى الهجوم على اليهود ولن تقتصر المعارك على متطوعين من الدول العربية كما حدث عام 1936!
فى كتابه " حد السيف" قال الكولونيل نورك:
- " أول مشاركة مصرية فى حرب فلسطين قام بها الإخوان المسلمون . الذين يعتبرون الاستعمار والصهيونية ألد أعداء الإسلام.وميزة الإخوان الشجاعة والاستهانة بالموت"
قال الدكتور محمد حسين هيكل فى مذاكراته:
- " بحلول نهاية عام 48 نمت شعبية جماعة الإخوان بتأييدها للثورة الفلسطينية. فقد بادر فدائيو الجماعة بالتطوع معتبرين الحرب بين العرب واليهود حربا دينية فاشتركوا فيها وخاضوا غمارها.وقوة الجماعة , فى هذه الفترة , الجهاز الشرى بجمع السلاح والتدريب عليه وممارسة أعمال العنف".
حرب الفيران
قال حسن يوسف وكيل الديوان الملكى إن الملك فاروق كان متحمسا لدخول الجيش المصرى فى فلسطين بينما رأى النقراشي تدبر الأمر بسبب وجود القوات البريطانية فى منطقة القتال خلف قواتنا .
وأكد هذه الحقيقة الفريق محمد حيدر باشا وزير لاحربية رفض محمود فهمى النقراشى باشا رئيس الوزراء أن يلجأ إلأى القوة العسكرية لمنع تنفيذ قرار الأمم المتحدة بإنشاء دولة إسرائيل.
وظل يردد فى اجتماع للجامعة العربية فى " عالية" بلبنان فى أكتوبر 1947 له لن يدفع الجيش المصرى إلى حيث تكون القوات البريطانية مرابطة على قناة السويس وراء ظهره.
وظل موقف النقراشي ثابتا لا يتزحزح. وكل ما وافق عليه النقراشى أن يرابط جزء من الجيش المصرى فى العريش بصفة احتياطية لحماية مصر إذا حدث هجوم عليها من العصابات الصهيونية.
سأله إبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان:
- لماذا أخشى أن نكون معرضين لخطر الغزو . ولكننا لم ندخل الحرب. ,ولم نفكر فى ذلك!
- قال ادجار جلاد الصحفى وصاحب جريدتى الزمان والجورنال ديجبت والمقرب من القصر الملكى للوزير البريطانى المفوض يوم 6 من مايو عام 1948." ليس لدى النقراشي أية رغبة فى السماح للجيش المصرى النظامى بأ، يكون له دور نشيط فى تحرير فلسطين ويريد السماح للمتطوعين فقط"
وصرح النقراشي باشا بذلك فى مجالسة الخاصة.قررت الدول العربية فى اجتماع عقد فى عمان يوم 29 من أبريل 1948 رأسه الملك عبد الله إعلان الحرب ضد اليهود ودخول القوات العربية فلسطين إثر انسحاب القوات البريطانية بعد منتصف ليلة 14 من مايو وكانت هذه هى المرة الأولى التى يتخذ فيها العرب قرارا رسميا بإعلان الحرب ضد اليهود وأقرت ذلك بصفةنهائية اللجنة السياسية للجامعة العربية يوم 12 من مايو قبل ثلاثة أيام فقط من بدء القتال!
وكان أ÷م العوامل الرئيسية التى رجحت فكرة تدخل الجيوش النظامية أن لادول العربية لم تكن تعرف على وجه التحديد مدى قوة اليهود وكانت تظل الحرب نزهة تنتهى بالنصر خلال أيام. وفى السجل التاريخى لوزارة الدفاع المصرية استعرضت الوزارة موقف كل دولة عربية
فقال السجل:
- " نلاحظ أن الساسة فى سوريا ولبنان زايدوا على قضية فلسطين بقصد الدعاية فى الداخل أكثر من الرغبة فى العمل الجدى. أما الحكومة العراقية فكانت مستعدة للتعاون مع الملك عبد الله فى ضم الجزء لاعربى من فلسطين إلأى مملكته .
- ولذلك نسقت أعمالها الحربية مع الأردن.ولم يقف فى وجه هذا المخطط سوى مصر والسعودية اللتين صممتا على تحرير فلسطين ثم تسليمها لأصحابها العرب".
رد اليهود بالإستيلاء على مدينة يافا أكبر المدن العربية كتب ثروت السفير البريطانى فى جدة إلى جدة ارنست بيفن معلقا على قرار الجامعة العربية قال:
- " لم يشعر عربى بالمرارة عند خلق الدولة اليهودية فى فلسطين أكثر من الملك عبد العزيز سعود الذى لا يسمح لأى يهودى بدخول بلاده.ولم يكن مثيرا للدهش ان نسمع عن إرسال كميات من البنادق والسيارات ونقل المتطوعين تجاه الحدود الفلسطينية.
- وعبر موقف الملك عن إصرار المملكة العربية السعودية على الاشتراك فى الدفاع عن فلسطين وحماية عروبتها, والحيلولة دون تقسيمها ودون إقامة دولة يهودية أرسل ثلاث سرايا من المشاة لللعمل تحت القيادة المصرية".
اشتدت حملة الرأى العام المصرى للمطالبة بإعلان الحرب على يهود فلسطين واشترك الجيش . وأصر الملك فاروق على دخول القوات المصرية فلسطين .
قال لوزير البريطانى المفوض:
- هناك أنباء صحفية بأن القوات المصرية ستبلغ 15 ألف رجل .أوما إدجار جلاد برأسه موافق.
- قال الوزير: آمل ألا يتم القيام بعمل قبل 15 من مايو.
- ردجلاد: ليست هناك نية للتوغل فى فلسطين قبل ذلك التاريخ ! تلقى الفريق محمد حيدر باشا وزير الحربية المصرى ويارو الملك أمرا مباشرا من صاحب الجلالة بدخول القوات المصرية فلسطين دون أن يعلم النقراشي رئيس الوزراءودون انتظار قرار البرلمان أو قرار مجلس الوزراء.وكان النقراشي باشا كرئيس للوزراء أن يستقيل أو يتحمل المسئولية عن ملك مصر. ورآ أن يتعرف أولا على حقيقة الموقف العسكرى فطلب الاجتماع بقيادات الجيش.
شهد الاجتماع يوم 10 من مايو 1948 وزير الحربية الفريق محمد حيدر باشا واللواء عثمان المهدى رئيس الأركان واللواء موسي لطفى مدير العمليات وهيئة الأركان وبعض الضباط رئاسة الجيش واللواء أحمد على المواوى قائد القوات المصرية فى العريش.سأل رئيس الوزراء المواوى عن حالة الجيش وإمكان دخوله الحرب فى فلسطين.
أجاب اللواء المواوى قائلا:
- الجيش لا يصلح مطلقا للدخول فى أية معركة مهما كانت حالتها, ومهما قيل عن اليهود من ضعف فإن لاجيش تنقصهكافة المعدات وأهمها الأسلحة .حالة البنادق سيئة لقدمها. والرشاشات الخفيفة لا تقل عنهاتلفا.
أما الأسلحة لامضادة للدباباتومدافع الهادون والجرارات فغير ميسورة والذخائر تكاد تكون معدومة.ولم يتيسر للجيش تدريب جنوده التدريب السنوى الكامل فأجرى تدريبا جزئيابعشر طلقات بدلا من مائتى طلقة وكسورا ولا يمكن للجندى ان يصل إلى الكفاءة المطلوبة منه فى الميدان.
إن البعثة العسكرية البريطانية التى اختارتها الحكومة لتدريب الجش وضعت هدفا محددا لعملياته, وهو أن هذا الجيش للأمن الداخلى فقط وهدمت البعثة المبدأ الأساسى لتكوين الجيش وإعداد كفاءته للحرب أما عن الضباط فنقص ذخيرة الطبنجة حرمهم من التدريب عليها. هذا عن الأسلحة والذاخائر بسلاح المشاة, والمر أشد وأنكى فى المدفعية والفرسان. وليس لدى الأسلحة لمساعدة كخدمة الجيش وحدات تكفى لتحريك نصف كتيبة.
ومعدات مستشفى الميدان غير قادرة على شئ بالمرة رد النقراشي بطريقته الحازمة المعتادة:
- اسمع يا مواوى: مصر تتزعم الدول العربية وهذه الدول أعلنت وعلى رأسها الملك عبد الله , دخول فلسطين فكيف تقول غن جيشنا لا يصلح للحرب. قال المواوى: إنى أشرح الحقيقة المرة التى عليها جيشنا.
قال النقراشي:
يظهر أنك متهيب.إنى ضابط وحضرت معارك. وليست الحرب جديدة علىّ ولكنى أخشى فضيحة مصر ةجيشها.
أنهي النقراشي إنهاء المناقشة فقال:
- تأكد أننا سنمدك بكل شئ.
ووقف قائلا: هيا بنا نرى الموقف على الخريطة فى غرفة العمليات.وأثناء خروج الجميع من قاعة الاجتماع وجدوا إبراهيم عبد الهادي باشا رئيس الديوان ينتظر فى غرفة الياور بينما النقراشي يردد كلمات:
- يظهر أنك متهيب يا مواوى.
تدخل إبراهيم عبد الهادي قائلا:
- لا تتهيب فليس أمامك من اليهود ما يستحق الذكر!
وفى غرفة العمليات أخذ العقيد على الشافعى يشرح الموقف قائلا:
- اليهود ليسوا إلا عصابات مفككة!
لم يكن النقراشي أو كبار الضباط لمصريون يعرفون حقيقة الموقف العسكرى لليهود. فى 9 من مايو 1946 أى قبل عامين قدم رؤساء أركان حرب القيادة المشتركة ألأمريكية تقريرا عن القوات الاسرائيلية قدروا فيه عدد قوات الهاجاناه بأنها 65 ألفا والاحتياطى 40 ألفا منها 16 ألفا قوات متحركة ونحو 6000 قوة ضاربة مدربة تملك أسلحة اتوماتيكية وكل مقاتل لديه سلاحه.
وفى كتاب ستيفنجرين " الانحياز" وصف شامل لاستعدادات اليهود للحرب. قال " إنهم عبأوا آلاف الأطنان من الأسلحة: طائرات ودبابات ومدفعية وعشرات الملايين من الدولارات بواسطة شبطة يهودية غطت شمال وجنوب أمريكا وجنوب أفريقيا وأوربا والصين.وزحف آلاف الجنود المدربين والطيارين من الشرق والغرب ليحاربوا فى صفوف اليهود.
وكان لعصابة أرجون 23 فرعا فى العالم تجمع التبرعات وتستأجر وتدرب وتشترى وتشحن إلى اسرئيل .ومعظم الأسلحة التى وصلت إسرائيل ابتداء من عام 1945 حتى رفع الحظر فى عام 1949 جاء بطريقة سرية بواسطة الأمريكيين الهصاينة .
وقدر هيكلمان فى كتابه عن " المتطوعين الأمريكيين"
- إن المساعدة الخاصة من الأمرييكن للهيود اثناء فلسطين بلغت 1300 متطوع و15و 20 مليون دولار.وفى المعارك لم يقاتل العرب يهود فلسطين كما قال ستيفن جرين بل كانوا يحاربون مصادر التمويل المشتركة للمجتمع اليهودى الدولى وقواته.
وعلى سبيل المثال كان قائد جبهة القدس الاسرئيلية ضابطا أمريكيا هو الكولونيل دافيد ماركوس مساعدحاكم نيويورك السابق.وساعد ماركوس على إعادة تنظيم القوات اليهودية وتحويلها إلى لاجيش انظامى.
ومن غريب المصادفات أن ماركوس لقى مصرعه برصاصة اسرئيلية خاطئة رفع اليهود أجورا مرتفعة للضباط والجنود الامريكيينوكان الطيار الأمريكى يحصل على 600 دولار شهريا عدا المصروفات وهذا الأجر يفوق ما يحصل عليه فى الولايات المتحدة.
وكان دافيد بن جوريون أول من قال بأن الجيوش العربية ستهاجم اليهود ولكن عصابة الهاجاناه التى تحولت بعد ذلك إلى جيش الدفاع الاسرئيلى لم تقتنع بذلك وكانت تظن ان العرب لن يتدخلوا عسكريا بل سيقدمون متطوعين كما حدث فى الثورة الفلسطينية عام 1936.
وقبل سبعة شهور من الحرب أيقنت الهاجاناه بان الجيوش العربية ستحارب فى فلسطين بينما العرب لم يقرروا الهجوم بصفة نهائية إلا قبل ثلاثة شهور فقط من بدء المعارك!!وفى نوفمبر 47 قالت المخابرات الحربية الأمريكية إن قوة عرب فلسطين لا تتجاوز 33 ألفا أسلحتهم ضعيفة.
وبعث القنصل الأمريكى فى القدس إلى واشنطن يقول إن الإنجليز عثروا على وثائق تثبت ارتباط زعماء عصابات شتيرن وأرجون الصهيونيتين بالمسئولين فى سفارات الاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية فى بيروت , وأن مناجم بيجن زعيم أرجون قبل, بصفة منتظمة أموالا من السكرتير الثانى للمفوضية السوفيتية فى بيروت.وفى تقرير لأحمد فراج طابع قنصل مصر العام بالقدس تاريخه 8 من ديسمبر 1947 قال إن عرب فلسطين مجردون تقريبا من كل سلاح والتنظيم معدوم لديهم.
وفى 10 من يناير 1948 اكتشفت المخابرات الأمريكية فى ألمانيا أسلحة وذخائر وقنابل يدوية من المعسكرات الأمريكية فى بافاريا.
وباعت هيئةمخلفات الجيش البريطانى فى انجلترا 21 طائرة استطلاع لشركة يهودية فى فلسطين.وأبلغ الأدميرال هيلينكوبتر رئيس المخابرات المركزية الرئيس الأمريكى فى 12 من أبريل 1948 بأن الطائرات الأمريكية والأطقم الأمريكية تشترك فى نقل الأسلحة التشيكية إلى اليهود وأن السلطات التشيكية الرسمية تحى الأمريكيين الصهاينة.
وقالت تقارير المخابرات المركيزة إن طائرات الخطوطج الجية التشيكية تنقل السلاح من براج إلى جنوب فرنسا . وذلك لحاجة تشيكوسلوفيا كيا إلى العملة الصعبة.وثبت فيما بعد ان تقدير مخابرات الهيئة العربية العليا عن الأسلحة التى يملكها اليهود تمل 8 فى المائة فقط من الحقيقة وأن أسلحة العرب نصف ما عند اليهود!
ولكن لا مصر ولا العرب ولا جماعة الإخوان كانوا يعرفون حقيقة وأبعاد هذاكله.وافق مجلس الوزراء لامصرى على دخول الحرب بالإجماع. وطلب النقراشى باشا عقد جلستين سريتين لمجلس النواب والشيوخ يوم 12 من مايو ليطلب منهما إعلان الحرب على إسرائيل.
قال النقراشي للنواب والشيوخ إنه لا يصح أن نترك الدول العربية تدخل فلسطين وحدها وتبقى مصر لا تتحرك.وقال إن الجيش المصرى مستعد وتستطيع القوات العربية سحق القوات الصهيونية وأكد الفريق محمد حيدر للمجلسين أن الجيش المصرى مستعد لدخول الحرب!
وافق مجلس النواب بالإجماع على التدخل العسكرى فى فلسطين فى الوقت المناسب... لأن الحكومة لا تستطيع أن تذيع الموعد.وكان الأعضاء مدفوعين إلأى ذلك بالحماس الشعبى وإيمانهم بأن الحرب نزهة ولأن قرار الحرب كان قرار الملك! فى مجلس الشيوخ اعترض عضو واحد وهو إسماعيل صدقي الجل الذى تعلم من تجربته كرئيس للوزراء مرتين أنه لا ينبغى أن يوافق على أمر لا يقتنع به لمجرد أن يكون رجل الملك!
وتعلم من مفاوضاته السرية مع الإنجليز عام 1946 التى وقف ضدها الشعب أنه يجب أن يواجه المصريين بالحقائق الكاملة. أعلن صدقى باشا رايه فى فى الجلسة السرية لمجلس الشيوخ. قال إنه كان رئيسا للوزراء إلى أواخر عام 1946 ويعرف أن الجيش المصرى تنقصه الأسلحة والعتاد اللازمان للحرب.
وكرر صدقى فى الصحف اعتراضه على دخول الحرب فاتهمه الناس بالخيانة قالوا إنه عاد إلى ألاعيبه القديمة وإن اليهود اشتروه بالمال أو بعضوية بعض الشركاتوإنه صهيونى! وعارض الدكتور وحيد رأفت مستشار الرأى لوزارة الخارجية التدخل العسكرى
قال:
- يمكن أن يكون التدخل مستترا مقنعا فى شكل تطوع منتظم كما حدث فى الحرب الأهلية الأسبانية بين عامى 36 ,39.
وفى مذاكراته قال الدكتور محمد حسين هيكل:
- " وربما كان الوضع الداخلى من بين الأسباب التى دفعت إلى دخول الحرب فإن الالتجاء إلى الحروب لصرف الانظار عن المشاكل الداخلية سياسة لجأت إليها الدول الديكتاتورية مرارا فى التاريخ القديم والحديث"!
رأى تشرتشل وهو صهيونى معتدل كما يقول مؤرخو الإنجليز القتال بين العرب واليهود قادم فقال:لن تضيرنا حرب محدودة ... إنها حرب الفيران!
دخلت قوات الدول العربية فلسطين فى 15 من مايو عام 1948 وبذلك انتهت فترة قتال المتطوعين التى بدأت فى أول ديسمبر 1947 واذيع فى القاهرة بلاغ رسمى
يقول:
- " صدرت تعليمات إلى قوات الجيش المصرى بدخول فلسطين لإعادة الأمن والنظام فيها ولايقاف المذابح التى تقترفها العصابات الصهيونية ضد العرب وضد الإنسانية".
قالت المخابرات الأمريكية إنه
- " من الناحية العددية فإن نسبة المقاتلين اليهود للعرب ثلاثة إلى واحد فضلا عن أن اليهود يتمتعون بميزة القوة والتدريب والنظام والقيادة والتجرية والقتال واحتياطى الذخيرة والسلاح.
أما العرب فعندهم ميزات المدفعية والطيران وربما المدرعات ".كان الإنجليز يعتقدون بأن الجيوش العربية ستحقق النصر فى مذكرات سكرتير بيفن.
قال:
- " كان بيفن يتوقع انتصار العرب". وعندما التقى وزير الخارجية البريطانى بزميله الوزير ريتشارد كروسمال
قال بيفن:
- تعلم الألمان الوحشية من اليهود.وكان مناجم بيجن يصف بيفن بأنه وحش معاد للسامية.
وقال القائد البريطانى مونتجومرى:
- لن يستطيع اليهود حماية خطوط مواصلاتهم.وقال الجنرال السير جوردون ماكيلان قائد القوات البريطانية فى فلسطين فى تقاريره السرية.لن تجد الجيوش العربية صعوبة فى الاستيلاء على كل فلسطين وحذر بيفن وزير الخارجية الأمريكى مارشال
قائلا:
- سيذبح اليهود .مع انتهاء الانتداب ورفع الخصار البحرى البريطانى عن السواحل الفلسطينية تدفق فيضان المتطوعين المدربين والسلاح والطائرات من أوربا الشرقية على إسرائيل.
قال السجل التاريخى لوزارة الدفاع المصرية:
- " لم تطرأ أية زيادة تذكر على قوة الجيش المصرى اعتبارامن شهر ديسمبر 1947 وحتى مايو 1948م عندما أعلنت التعبئة وشكلت وحدات احتياطية للطوارئ.
كان مجموع القوات المصرية فى كل الأسلحة بما فيها الحدود وخفر السواحل فى ديسمبر 1947 2684 ضابطا و55421 جنديا وفى مايو 48 أصبح العدد 2644 ضابطا و60027 جنديا.
وكان عدد القوات المصرية المتمركزة فى العريش عندما أعلنت الحرب 397 ضابطاو 8895 من الجنود وهم الذين عبروا فجر 15 من مايو الحدود المصرية الفلسطينية عند رفح على الطريق الساحلى الشمالى الممتد من غزة إلى فلسطين وهو الطريق التقليدى الذى قطعته القوات المصرية أكثر من 40 مرة عبر التاريخ. وفى هذه المنطقة الجنوبية من فلسطين وصحراء النقب توجد 27 مستعمرة يهودية موزعة فى أماكن متفرقة.
اجتمع مجلس الأمن فى اليوم نفسه واصدر قرارا بوقف الأعمال الحربية فاجتمعت اللجنة السياسية فى دمشق ورفضت ذلك القرار لخلوه من آية ضمانات تطمئن إليها الدول العربية إذا تجددت المعارك.
وجه الشيخ الأزهري مأمون الشناوي نداء إلى المجاهدين.ووصف الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتى الديار المصرية يوم 15 من مايو بأنه يوم الملحمة وقال " ليكن شعارنا منذ اليوم فى مصر وسائر دول الشرق الأوسط كلمة فاروق الخالدة التاريخية: لن أقبل أن تقوم فى الشرق الأوسط دولة صهيونية على مقربة من حدود مصر".
وأذاع الإخوان فى اليوم الأول للقتال بلاغا أعلنوا فيه أن " مجاهديهم فتكوا بقافلة يهودية كبيرة وظفروا بغنائم هائلة".ورحب الإخوان بدخول مصر الحرب.
نشرت صحيفتهم يوم 16 من مايو عنوانا كبيرا يقول " الجيش لمصر يثأر لعرب فلسطين". وكتب محب الدين الخطيب فى الصفحة الأولى من اليوم ذاته مقالا افتتاحيا عنوانه " من السياسة إلى الجهاد . أبرك تحول فى تاريخنا الحديث"
قال فيه: " الحكومة فى مصر وشقيقاتها كانت فيما مضى متخلفة عن شعوبها لذلك كان القرار الرسمى نزولا من الحكومات العربية إرادة شعوبها".
وبوجه المرشد العام بصفته ممثلا لهيئة وادى النيل العليا لإنقاذ فلسطين حديثا من إذاعة القاهرة عنوانه " ثمن الحياة"
قال فيه:
- " ليس فى لاعالم منذ فجر التاريخ قضية أعدل من قضية فلسطين ولا ظلم أفدح ولا أفظع من العدوان عليها.اضطركم عدوان العصابات الصهيونية على عرب فلسطين إلى أن تهبوا لنجدتهم وتؤيدوا حق الروابط التى تربطكم بها فبادورا إلأى أداء الواجب كاملا غير منقوص".
وتم التنسيق بين جيش مصر وكتائب الإخوان لاتى كانت تقوم بإشغال السمتعمرات الاسرائيلية حتى لا تنقض من الخلف على الجيش المصرى.أعلنت الولايات المتحدة ان الحالة فى فلسطين تهدد السلم وتنذر بالخطر وطلبت إلى مجلس الأمن وقف القتال.
وأيدت بريطانيا ذلك فوافق المجلس فى 22 من مايو بعد أسبوع من بدء المعارك على وقف القتال وأن تبقى لاقوات فى أماكنها. ولا يحاول طرف تحسين وضعه العسكرى.. ولا تجرى تحركات للقوات والمعدات ولا تدخل قوات جديدة إلى ميدان القتال.
رفض العرب وقف القتال بينما قررت إسرائيل على الفور الاستجابة لنداء الهدنة .قالت صحيفة الإخوان المسلمين:
- " فيم الهدنة التى دعا إليها مجلس الأمن إن الجيوش العربية استطاعت برغم مناعة استحامات الصهيونيين. ومقاومتهم المستميتة أن تسيطر على زمام الموقف فى فلسطين سيطرة تامة وتوشك كماشتها أن تطبق على تل أبيب.وقف القتال فى هذه الآونة العصبية معناه إتاحة الفرصة للعناصر الإرهابية اليهودية الإجرامية لتنتعش من جديد وتدعم من مراكزها ومواقعها. وإصرار مجلس الأمن على فرض وقف القتال على القوات العربية فى هذا الظرف إعنات لا يمكن أن يحمل إلا على أنه خديعة مكشوفة يراد بها شل الجيوش العربي وغضاعة ثمرة تضحياتها".
كانت المبادرة فى أولها من نصيب الجيوش العربية كما تقول وزارة الدفاع المصرية ولكن تمت جميع العمليات بلا تنسيق أو تعاون استرا تيجى بين هذه الجيوش ... ورغم ذلك كانت جميع المعارك فى صالح لاعرب.واستطاع الجيش المصرى دخول [[غ فى اليوم التالى واشتبك مع بعض المستعمرات اليهودية واحتل بعضها وترك وحدات تحاصر مستعمرات أخرى.
ووصل اليش المصرى إلى المجدل ودخلت قوات المتطوعين المصرين بيت لحكم التى لا تبعد عن القدس إلا خمسة أميال وسقطت القدس العربية بعد 11 يوما من القتال ورفع اليهود العلم الأبيض مستسلمين يوم 28 من مايو.
وفى 7 من يونيو كان الجيش المصرى قد احتل ثلث فلسطين وهدد بعزل القوات الإسرائيلية فى جنوب النقب وأصبح على بعد 16 ميلا من تل أبيب التى صارت على مرمى المدفعية المصرية تهدد خطوط دفاعها.
وأغارت الطائرات المصرية على المدينة وألقت عليها بعض القنابل فتحولت بعض شوارعها الكنية إلى أكوام من الأنقاض وأصاب الذعر السكان. وكان الإستيلاء على تل أبيب التى يسكنها مع ربع مليون نسمة يعنى نهاية الحرب بالنسبة لإسرائيل.
ويعترف الإنجليز فى تقاريرهم الرسية
- " لم يتضمن الحرب فى مراحلها الأولى أية إرهاق أو تضحيات كبيرة للقوات المصرية".وقال تقرير للسفير البريطانى فى القاهرة." وكنا نلعب دور المتفرجين بالنسبة لتقدم الأعمال العسكرية"
طلب بيفن إلى سفيره فى القاهرة إبلاغ الحكومة المصرية بأن الهجمات على الأهداف المدنية فى تل أبيب تسبب ضررا بالغا للقضية العربية لأنها تظهر العرب للعالم الخارجى .. كمعتدين .وعقد اجتماع طويل بين السفير البريطانى وفاروق بعد 4 أيام من القتال
قال السفير رونالد كامبل:
- عرب يهاجمون المواقع اليهودية فى تل أبيب ويقصفونها بالمدافع
قال فاروق متحديا:
- سيتعرض اليهود للهجوم فى أية مواقع محصنة, قال السفير :وماذا سيكون رد العرب إذا اعتبرت الأمم المتحدة ذلك اعتداء "
قال الملك:
- العرب مصممون على القتال حتى النهاية , وإلى آخر رجل من قواتهم النظامية.
قال السفير:
- بما يجتمع مجلس الأمن ليقرر وقف إطلاق النار وفرض عقوبات .
قال فاروق:
- يمكن لمصر أن تتحمل ثمانية اشهر دون أن تتاثر اقتصاديا ولا أعتقد أن مجلس الأمن سيجتمع لوقف القتال.
وقال فاروق :
- أعتقد أن بريطانيا مثلى تكره بشدة أن ترى دولة صهيونية شيوعية تتأسس فى الشرق الأوسط.
قال السفير:
- ليس هناك شك فى مشاعرنا تجاه إقامة دولة شيوعية .
قال فاروق:
- أية دولة صهيونية ستكون شيوعية.
واضاف صاحب الجلالة
- ستجرى معارك ضارية. ولكن يوجد كثير من الحماس الدينى فى مصر ضد العمليات الوحشية التى تعرض لها المسلمون فى فلسطين.والتأمين العاديون متحمسون لدخول المعركة كأقصر طريق إلأى الجنة.
وقال فاروق للسفير:
- هل تستطيع بريطانيا إمدادى فى سرية تامة بأية مساعدة من الإمدادات العسكرية ... فإن بريطانيا تمسكت بقرار الحظر على تصدير السلحة إلى الشرق الأوسط لمنع اتساع القتال.
وقال فاروق :
- تركيا مدينة لكم بالكثير فهل تستطيعون التلميح لها بمنع أية سفينة تابعة لروسيا أو الدول الدائرة فى فلكها إذا كانت تحمل عتادا حربيا أو متطوعين إلى الصهاينة من عبور الممرات المائية .. لبوسفور والدردنيل؟
رد السفير :
- ليست هناك حالة حرب نظامية بلانسبة لتركيا للتدخل فى الملاحة وستكون حريصة على عدم انتهاك المعاهدة وإثارة قضية الممرات.
قال السفير:
- ما موقفكم إذا رفعت الولايات المتحدة الحظر الذى فرضته على بيع السلاح للشرق الأوسط؟
قال الملك:
- لن يكون ذلك ميزة للعرب. إن اليهود كانوا بدولاراتهم فى الولايات المتحدة, ومصر لديها قليل من الدولارات فهل تستطيعون مساعدتنا بالدولارات؟
قال السفير :
- لا أجد فرصة ممكنة لذلك!
رغب النقراشي باشا والدكتور نجيب اسكندر وزير الصحة فى زيارة جبهة القتال فرفض حيدر!ّ وأعلن وزير الدفاع بعد ثورة يوليو 1952 أن القصر الملكى كان يدخل فى العمليات العسكرية ويأمر بتحرك القوات للإستيلاء على مناطق جديدة قبل تأمين المناطق الأولى.
وقال العسكريون المصريون بعد الثورة وعزل فاروق إن حيدر باشا كان على اتصال مباشر بالملك شديد الاعتزاز بذلك ويرفض أن يتصل بصاحب الجلالة أحد غيره فى شئون فلسطين نصح بيفن العرب بقبول قرار وقف القتال وأبلغ سفراؤهفى العواصم لاعربية هذه النصيحة للجميع.
قابل السفير البريطانى أحمد خشبة باشا وزير الخارجية لإقناعه بالمزايا التى تتحقق للدول العربية بإعلانها قبول قرار مجلس الأمن كما فعل اليهود.
قال الوزير:أعتقد أن الرد العربى سيكون على النحو التالى:
- لاترغب الدول العربية فى مواصلة القتال ولا فى إراقة الدماتء.وهى مستعدة للموافقة على وقف اطلاق النار إذا استطاعت القوى الكبرى أن تضمن عدم وصول تعزيزات من أفراد وأسلحة إلى اليهود . وأعرب الوزير عن عدم الثقة فى نزاهة اليهود".
قال السفير:
- سيكون العرب فى وضع سيئ بالنسبة لليهود إذا كان قبولهم مشروطا وكان قبول اليهود غير مشروط.
الشرط العربى معقول لأن الخطر الذى يهدد العرب فادح
وأكيد قال السفير:
- ساعدنا على تحقيق تسوية وفقا لمبادئ العدالة وتشجيع عناصر فى الولايات المتحدة ترغب فى إعادة السياسة الأمريكية إلى الخطج الصحيح .
قال الوزير:
- مصلحتنا فى رفض اقتراح وقف اطلاق النار, لأن اليهود سيدعمون مواقفهم.
ولكن بيفن يبلغ الحكومات العربية الرسالة التالية:
- " إنى أعتمد على رجال الدولة والإحساس الطيب للحكام العرب والسياسيين العرب. وأعرف أين تكون المصلحة الحقيقية للدول العربية إن هذه الخطة حرجة بالنسبة للأسر المالكة ولانظم السياسية فى البلاد العربية. ويجب على الزعماء أن يختاروا بين إجراء وقتى مضلل للتحدى يتبعه الدمار والإنقلاب السياسى .
- وبين التصرف كرجال دولة يقبلون الشروط التى أمكن لنا الحصول عليها فى مواجهة الضغو المشتركة للولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى",
فكرت الولايات المتحدة فى رفع لاحظر على توريد السلاح للمنطقة ... أى إسرائيل ومن أخذ السفير البريطانى بعدد لوزير خارجية مصر مزايا وقف إطلاق النار:
" القرار لا يتجاوز حقوق ومطالب ومواقف أى من الجانبين." يأتى وقف اطلاق النار فى وقت عجزت فيه القوات العربية عن التقدم إلأى حد كبير وكان اليهود يستعدون لهجوم مضاد قوى." يكفل القرار تعهدا من جانب اليهود بأنهم لن يدعموا قواتهم المسلحة ولن يؤثر ذلك على موقف العرب فهم لا يرغبون فى إحضار قوات مقاتلة إلى بلادهم من الخارج.
استمرار فرض حظر تصدير السلاح للشرق الأوسط وإلا فإن فلسطين ستغرق فى فيضان من السلحة الأمريكية القاتلة. وبالإضافة إلى ذلك فإن روسيا وأتباعها سيرسلون امدادات كبيرة من المواد الحربية . وسيشجع ذلك اليهود على غزو الأراضى المخصصة للعرب فى التقسيم.
ينص القرار على إشراف محايد على وقف القتال.وإذا قبل العرب القرار ونفذوه , ولم يقبله اليهود , أو قبلوه ولم ينفذوه فإن كل ثقل المشاعر والضغوط الدولية ستكون إلى جانب العرب.
ويعتبر ميزة للعرب انتهاك اليهود لتعهداتهم وهذه هى الفرصة الأخيرة لكسب الرأى العام الدولى لصفهم وكنا أى الإنجليز نجاهد بمفردنا لضمان شروط معقوله للعرب. وقد عرضنا للخطر علاقتنا مع لولايات المتحدة فقد جعلناها توافق على ما نعتبره شروطا عادلة.وإذا رفض العرب الفرصة فلن يكون بمقدورنا القيام بأية جهود جديدة نيابة عنهم وسنترك الأمور تسير فى مجراها.
وسيؤدى استمرار الصراع غلى تدهور فى موقف العرب العسكرى وإلى فقدان التأدييد الدولى الذى يتمتعون به الآن , وما يؤدى إليه تزايد الاجراءات الدولية القاسية ضدهم وتفكك أنظمتهم السياسية والاقتصادية.
إن هدنة الأسابيع الأربعة يمكن أن تستخدم كأفضل ما يكون فى محاولة حققية للوساطة وهذه أفضل الوسائل أمام العرب لتحقيق أهدافهم السياسية.
قالت صحيفة الإخوان إن الجماعة ترفض مبدأ هدنة من أساسه وكتب البنا يقول:
- " الجيوش العربية منصرة مظفرة بيدها زمام الموقف, والحقائق تفرض على الدول العربية أن ترفض كل اقتراح يشير إلى هدنة أو شبه هدنة إلا بعد أن تدخل جيوشها تل أبيب وتطرد العصابات الآثمة.
- وهل حقيقة ما يقال من أن بريطانيا أرادت الهدنة لتصل إلى ما تريد وأنها تلعب على الحبلين , وتظن أنها أرضت العرب بتظاهرها بالوقوف إلى جانبهم حينا من الزمن ثم حاول ارضاء اليهود بتشجيع الهدنة التى يستطعيون فى ظلها أن يتنفسوا مما هم فيه من ضيق.والصحيح أن قادة العرب أنفسهم هم الذين يريدون الهدنة بعد الإستيلاء على القدس القديمة".
وقال:
- "... هل صحيح أن حكام الشعوب العربية مازالوا مغرمين بالأساليب السياسية كارهين لكل ما يتصل بالحرب والجهاد".
واضاف:
- " إننا متشائمون من هذه الهدنة لا نرضى بها و توافق عليه. ونحمل الذين اختاروا هذا الطريق تبعة عملهم بين يدى الله والناس".
دولة العصابات
كان بيفن يعانى ضغطا من الولايات المتحدة التى تؤيد اليهود بشدة والسوفيت الذين اعترفوا بدولة إسرائيل.وفى ذلك الوقت بدأ السوفييت حصار برلين الغربية.. بريا واتجهت جهود الولايات المتحدة وبريطانيا إلى هذه المدينة والموقف المتوتر فيها وضرورة مد سكانها بالطعام وكل يحتاجون إليه بالطائرات.
وزادت مخاوف الدولتين اشتعال حرب عالمية فجأة وكان يهمهما استمرار التحالف بينهما.اجتمع مجلس الأمن مرة أخرى يوم 29 من مايو وقرر وقف القتال ملوحا بسلطته فى فرض الجزاءات على الجانب الذى يرفض القرار. وفى كل مرة كان اليهود يوافقون على الهدنة لموقفهم العسكرى السئ أما العرب فكانوا يرفضون.
ولكن مع التهديد بالعقوبات والضغوط البريطانية تقرر أن يجتمع رؤساء الحكومات ووزارة الخارجية العرب فى عمان يوم أول يونيه 1948.
اعتذر عبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية عن عدم حضور الاجتماع بدعوى وعكة صحية وكان رأيه الذى عبر عنه لأحمد خشبة باشا وزير خارجيةمصر رفض قرار مجلس الأمن , ومواصلة لاقتال خسية استغلال اسرائيل للهدنة المؤقتة مواقعها وإمكاناتها الحربية.
واعتذر النقراشي عن عدم مغادرة مصر فى تلك الظروف الحرجة ومثل مصر خشبة باشا الذى طار إلى عمان يرافقه وحيد رأفت مستشار الرأى بمجلس الدولة لوزارة الخارجية.
فى مذكرات وحيد رأفت وصف لما جرى فى الاجماعين اللذين عقدتهما اللجنة السياسية فى عمان قال:
- " بدأت اللجنة بمراجعة تقارير ممثلى الدول العربية فى نيويورك وقد أجمعت على أن الولايات المتحدة ستقوم بعمل لصالح إسرائيل إذا رفض العرب الهدنة مثل رفع الحظر على تصدير السلاح ... إلى إسرائيل.
- ومن المحتمل أيضا أن يساعد الاتحاد السوفيتى إسرائيل بعد اعترافه بها,كما أن بريطانيا لا تستطيع الوقوف مع الدول العربية خشية الصدام مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى خاصة بعد اتهام الدوائر الصهيونية للحكومة البريطنية علنا بمناصرة العرب.
- ورأت اللجنة السياسية الوقوف على آراء القادة العسكريين قبل اتخاذ أى قرار وشكلت لجنة من رئيس وزراء الأردن توفيق أبو الهدى وأحمد خشبة باشا لسماع أقوال العسكريين.وغضب سيف الإسلام عبد الله لعدم اختياره عضوا فى اللجنة وعزا ذلك إلى سابق اتهام البعض له بإفشاء المداولات السرية!
- استمعت اللجنة إلى الجنرال جلوب باشا قائد الجيش الأردنى وقائد االقوات العراقية والعقيد سعد الدين صبور نيابة عن قائد الوات المصرية فى فلسطين.قال القادة الثلاثة إن الجيوش العربية نقصها الذخيرة . ولذلك فهى مضطرة لوقف القتال كما أن المعارك الحاسمة لم تبدأ بعد والمعاقل الحصينة ما زالت بين الاسرائيليين.
وينته الاجتماع بالموافقة على وقف القتال مدة أربعة أسابيع مع تحفظات تمنع الهجرة اليهودية وتحديد مهمة الوسيط الدولى الكونت برنادون وتشديد الرقابة على جميع منافذ فلسطين! وعلقت الصحف البريطانية على الهدنة فقالت:إنها هدنة عسيرة التنفيذ وغير مأمونة !
ويكتب عمر عزمي فى صحيفة الإخوان:
- " أيقنت الصهيونية أن أحلامها تتبدد تحت ضربات الجيوش العربية الباسلة فراحت تلعب لعبتها فى مجال السياسة العالمية حتى أفلحت أخيرا فى حمل مجلس الأمن على الضغط على الدول العربية بصورة لم يسبق لها مثيل فى تاريخ المشاكل الدولية فتوقف الجهاد العربى لإنقاذ أمل الصهيونية الدولية".
توقف القتال على كل الجبهات فى 11 من يونيو بعد معارك استمرت 26 يوما لتبدأ مهمة الكونت برنادوت الوسيط الدولى الذى عينته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 14 من مايو لحل مشكلة فلسطين.
وكان الكونت برنادوت 53 سنة وهو ابن عم جوستاف ملك السويد وسيطا بين النازيين الألمان والحلفاء فى أواخر شهور الحرب العالمية الثانية وكان لى برنادوت حل المشكلة فى خلال أسابيع الهدنة الأربعة.
قال مايكل رأيت الوكيل المساعد لوزارة الخاارجية البريطانية:
- ستكون معجزة لو استطاع ذلك الوسيط الدولى!
قال السير جون ترواتبيك مدير المركز البريطانى فى الشرق الأوسط:
- " على بريطانيا إقناع العرب بقبول دولة العصابات "!لم يعرف العرب أن الهدنة أبعادا أكبر من مجرد وقف القتال .
كانت الهدنة تعنى كما قال السير رونالد كامبل السفير البريطانى ط إن المرحلة الأولى فى إيجاد حل لمشكلة فلسطين ... قد تحققت". ولم يكن الحل مرضيا للعرب.زز بحال
قال السفير فى برقية طويلة إلى بيفن:
- " سيتعين على العرب أن يقرروا ما غذا كانوا سيذعنون للتقسيم أن سيستأنفون الأعمال الحربية.وسيكون زعماؤهم فى موقف خطير فإذا أذعنوا فإن كل كلماتهم الرائعة ستريد إلى وجوههم.
- وسيعتين عليهم ان يشرحوا للرأى العام فى بلادهم أنهم ذهبوا إلى الحرب من أجل حلم كسول وأن الانتصارات الهائلة المسجلة فى بياناتهم اليومية لم تقدم شيئا.ومن الناحية الأخرى إذا قرروا استئناف القتال فمن الواضح تماما انهم سيلقون الهزيمة".
وحذر السفير حكومته قائلا:
- " بدأت أسطورة جديدة تضرب جذورها بالفعل , وهى أن الجيوش العربية كانت على وشك الانتصار الكامل ولكن لم يحل بينها وبين ذلك إلا :
- (1) تدخلنا لفرض الهدنة.
- (ب) رفضنا تسليم الأسلحة التى دفع ثمنها أو تم توقيع عقودها.
- ومعروف أن العرب يعانون من عجز شديد فى الذخيرة وأفضل خط يمكن أن ننتهجه أن نقول إننا شركاء فى المصيبة فى هذه المسألة فإقامة دولة يهودية ليس من مصلحتنا بأكثر مما هو ضد مصلحة لاعرب.ويمكن أن نشيرمخلصين إلى أنه لا نحن ولا العرب سواء منفصلين او متعاونين نستطيع الوقوف أمام القوة المجتمعة للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى.
- وليس من مصلحة أحد أن تتحطم الأمم المتحدة على هذه الصخرة ويمكن التخفيف من الأمر بتقديم تأكيدت من جانبنا للعرب بأننا سنساندهم إذا حاولت الدولة اليهودية التوسع أكثر فى الأراضى العربية".
وكان الإنجليز قد اقتنعوا نهائيا بقبول فكرة التقسيم. وبنوا قرارهم على الموقف العسكرى الواقعى . وظنوا أن قيام دولة يهودية قد بدفع العرب للوحدة وراء الإنجليز.
وآمنت بريطانيا بأن الدولة اليهودية لن تكون إلا دولة شيوعية فاللاجئون إما عملاء للسوفييت أو مهاجر ونمن دول شرق أوربا الشيوعية آمنوا بفلسفة الحكم فى روسيا وشرق أوربا.وأعتقد الإنجليز أن العرب سيكرهون الشيوعية ما دامت توجد دولة شيوعية متاخمة لهم.
وتوقع الإنجليز أنه إذا لم يتوقف القتال فإن الاتحاد السوفييتى سيتدخل ويرسل أسلحة وقوات لاسرائيل من موانى البحر الأسود!خرفت إسرائيل اهدنة بعد ساعات من قيامها قبل وصول مراقبى الأمم المتحدة لقطع خطوط المواصلات على العرب وقد عرفت حرب فلسطين باسم حرب " خطوط المواصلات " كما يقول إبراهيم محمد شكيب فى رسالة الدكتوراه عنوانها " مصر وحرب فلسطين عام 1948".
وبلغ عدد المخالفات التى ارتكبتها إسرائيل لشروط الهدنة 11مخالفة فى اليوم الأول. أما المجموع خلال فترة الهدنة فقد بلغ 150 مخالفة رغم كل التأكيدات البريطانية.ولكن الولايات المتحدو اتهمت العرب, علانية فى مجلس المن بأنهم معتدون احتلت إسرائيل بلدة " العسلوج"." وقرية" الجسير" شمال الفالوجة التى أصبحت محاصرة.
ونجحت خلال الأسابيع الأربعة للهدنة فى تدعيم مواقعها شمالفلسطين شرق الجليل و غربه.وكان مقررا طبقا للتقسيم أن يكون غرب الجليل ضمن حدود الدولة الفلسطينية العربية.
وجاء السلاح الاسرئيلى من تشيكوسلوفاكيا ودول أخرى: دبابات ومدفعية وطائرات وأعادت إسرائيل تنظيم وتدريب قواتها واستيعاب الأسلحة الجديدة التى تدفقت عليه وظهرت هذه الأسلحة فى الميدان!
ويبرق قنصلا الولايات المتحدة فى حيفا والقدس إل واشنطن بأن شحنات ضخمة من ألسلحة والآف الجنود المدربين يتدفقون على إسرائيل من أوربا الشرقية كما أن إسرائيل ترغم أسرى الحرب على بناء التحصينات.
وفى كتاب " الانحياز" قال الكاتب الأمريكى ستيفن جرين ": إسرائيل لم تنتصر فى القتال بل كسب اليهود معركتهم خلال الهدنة الأولى"!
فشل العرب فى التنسيق بين قواتهم ووضع خطة موحدة أو تسوية خلافاتهم وأمضت القوات العربية فترة الهدنة ... فى استرخاء!كتبت صحيفة الإخوان تقول " إن عصابات اليهود تمضى فى خرق ما يسمونه الهدنة بينما تبالغ الدول العربية فى الصبر"!
حاولت الولايات المتحدة وبريطانيا مد الهدنة اجتمعت الجامعة العربية فى القاهرة لبحث اقتراح مد الهدنة وتوجه رئيس وزراء العراق إلى السفارة البريطانية للإجتماع بالسفير البريطانى السير رونالد كامبل.
قال السفير:
- لا يرغب أرنست بيفن فى غقامة دولة يهودية . ولكن أليس من الأسلم للعرب أن يكون لليهود دولة صغيرة داخل حدود معروفة بدقة وإذا حاولوا توسيعها اعتبرذلك عدوانا؟واقترح السفير بناء على تعليمات حكومته أن تضم الدولة اليهودية الجليل الغربى مقابل ممر بين مصر والدول العربية فى آسيا.
حذر السفير الوزير العراقى قائلا:
- فى استئناف لاعمليات العسكرية مخاطرة للعرب. واحتمال النصر مشكوك فيه للغاية لأن اليهود دعموا مواقفهم و يمكن للعرب القضاء على الدولة اليهودية بالقوة.
وقال السفير:
- ستكون المسئولية على العرب إذا استئونفت المعارك فى 9 من يوليو.
رد رئيس وزراء العراق قائلا:
- هل ستكون الحكومة البريطانية مسئولة أمام العرب عن النتائج باعتبارهم حلفاء إاذ وافقوا على هذه النصيحة.
تخلص السفير من الجواب قائلا:
- لا أعتقد أن الحكومة البريطانية تتعهد بذلك. ولكن غذا قيل العرب نصيحتها يستمر مستر بيفن فى تأييدهم بقوة والعمل على غيجادحل أفضل أما إذا ارتكبوا خطأ فلن نساعدهم.
رفض العرب مد الهدنة وطلب النقراشي من الإنجليز تزويد مصر بالسلاح والمعدات العسكرية ولكن بريطانيا تمسكت بالحظر الذى فرضه مجلس الأمن قال رئيس وزراء مصر وهو يبلغ السيفر البريطانى رفض مد الهدنة:
أذكرك بواجب مصر تجاه عرب فلسطين جاءت أسابيع الهدنة الأربعة فى صالح اليهود عسكريا.
ولكن السفير البريطانى يكتب لحكومته قائلا:
- النقراشي باشا يندفع خائفا من الظهور بمظهر الذى انصاع للضغوط البريطانية.ويستمر تدفق الأسلحة الأمريكية على إسرائيل عن طريق أمريكا اللاتينية فى اليوم الأخير للهدنة 8 من يوليو يقدم الأدميرال هيلينكوبتر مدير المخابرات المركزية الأمريكية تقريرا للرئيس الأمريكى
قال فيه:
- " هناك شك فى نجاح القوات العربية فى تعويض انقص الحاد فى ذخيرتها وإذا لم يرغم العرب إسرائيل على تقديم تنازلات سياسية خلال شهرين فسيضطرون إلى سحب معظم وحداتهم العسكرية من فلسطين فإن القوات الإسرئيلية أصبحت صعف القوات العربية فى فلسطين والأراضى المجاورة لها".
استؤنف القتال فاستطاعت القوات الاسرئلية التقدم فى 3 جبهات أساسية قامت بتطويق " اللدد" الرملة " فانسحب الجيش الأردنى منهما ويقول " ستيفن جرن": إن الفليق العربى فى الأردن كان بلا ذخيرة ولا أمل لديه فى امدادات جديدة.
قالت وزارة الدفاع المصرية
- " ظهرت رغبة شرق الأردن فى الإنسحاب من القتال وترك الجيوش الأخرى تتحمل الهجوم وحدها. ,اصدر الجيش الأردنى أمرا لقواته فى 14 من يوليو بإيقاف جميع العمليات الهجومية واتخاذ موقف الدفاع".
وزاد الضغط على القوات المصرية التى أخذت تواجه مطالب الجيش المصرى والجيش الأردنى وتحاول طرد إسرائيل من لامواقع التى احتلتها دون قتال أثناء فترة الهدنة.قام يادين القوات الاسرائيلية بمحاصرة الجيش المصرى الذى يقف على مشارف تل أبيب وهاجم قواته من الخلف.
وقع اضطراب داخل الخطوط المصرية ولكن يمكن تدارك الموقف لولا الخدعة التى لجأ إليها يادين. عقد مؤتمر صحفيا أعلن فيه أنه " قطع خطوط إمدادات القوات المصرية بقوات إسرائيلية عارمة".
صدقت ذلك القوات المصرية فى القاهرة والأرجح أنه الملك فطلب من محمد نجيب سحب قواته المتقدمة .. وكان من السهل على الجيش المصرى والقوات العربية احتلال فلسطين كلها فى تلك الأيام الأولى من الحرب.
وكان هذا الانسحاب من العوامل الحاسمة فى سير القتال لصالح إسرائيل استطاع اليهود فتح ممر إلى قواتهم فى جنوب النقب وتمكنت القوات المصرية فى آخر لحظة من استعادة بلدة العسلوج.
قال جوزيف ساتر ثويت مدير مكتب الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية:
- " ربما تؤدى الهزائم العسكرية التى تتعرض لها الجيوش العربية إلى الإطاحة ببعض الحكومات العربية .. فإن العرب كانوا يرون النصر فى قبضتهم ..
- وستؤدى حالة الاضطراب السائدة إلى توفير التربة الصالحة لنمو الشيوعية كما تفقد القوى الغربية لامنشآت الاستراتيجية التابعة لها فى الشرق الأدنى وتؤول إلى الاتحاد السوفيتى".
فشلت إسرائيل فى الاستيلاء على الفالوجة مساء 17 من يوليو. وفى اليوم التالى 18 من يوليو أوقف مجلس الأمن القتال بعد أن هدد بفرض عقوبات اقتصادية.
- نجح اليهود خلال أيام القتال التسعة فى الحصول على ثلاثة أضعاف التى فازوا بها خلال الشهر الأول للمعارك.
قالت المخابرات المركزية الأمريكية:
- " نتج عن الهدنة تطور ضخم فى القدرات اليهودية إلى حد أن اليهود ربما وصلوا إلى درجة من القوة نمكنهم من شن هجوم واسع النطاق وطرد الجيوش العربية خارد فلسطين".
فشل العرب مرة اخرى فى التنسيق فيما بينهم وتبادلوا الاتهامات كعادتهم .. السوريون يشكون فى أن العراقيين والبنانيين لم يقدموا لهم مساعدات كافية.
والمصريون يتهمون الآردنيين بأنهم تخلوا عن اللد والرملة دون مقاومة جدية بينما كانوا أى المصريين فى حاجة إلى هجمات أردنية لتخفيف الضغط على الخطوط المصرية الطويلة .
وحاولت إسرائيل توسيع الممر المؤدى إلى جنوب النقب وفشلت فى ذلك فشلت فى اختاق الفالوجة أو"عراق المنشية" فقد نجحت القوات المصرية فى فتح طريق شرق العسلوج للمرور فيه حتى تكون خطوط المواصلات المصرية متصلة من العريش غلى رفح والعوجة ومنها إلى بير سبع .. ولكن يقتل المقدم أحمد عبد العزيز
يوم 22 من أغسطس برصاصة خاطئة من جندى مصرى. ويخطب مناجم بيجن زعيم عصابة ارجون فى الاسرائيليين المحتشدين بميدان صهيون بالقدس يوم 3 من أغسطس فيقول:" القدس كلها لا القدس العربية وحدها يجب أن تكون جزءا من دولة إسرائيل ".تمزقت الجبهات العربية.
كانت الأمم المتحدة تحمى اليهود فى بداية الهدنة , من القوات العربية القوية. وبالذات فى القدس . ولكن فى أغسطس تغير الموقف تماما فقد أخذ الاسرائيليون فى إطلاق النار على قوات الأمم المتحدة لأنها رأت فى الوسيط الدولى وقوات الهدنة عقبة تمنعها من الانتصار فى القدس . وفى أغسطس كلها.
كتب جميس ماكدونالد القنصل الأمريكى فى القدس:
- " ترى إسرائيل فى الكونت برنادوت وقاته عقبة لمنع غزوهم للقدس وربما باقى فلسطين "
كتب مارشال وزير الخارجية الأمريكى إلى ترومان فى 13 من أغسطس
- " سيفرض تجدد القتال بين الأردن وإسرائيل على بريطانيا احترام معاهدتها مع الأردن .. والنتيجة أن كلا من بريطانيا والولايات المتحدة ستعاون دولتين متحاربتين ولن يفيد إلا الاتحاد السوفيتى".
وأضاف مارشال:
- " تخترق إسرائيل الهدنة بانتظام , وتحرك قواتها وتطلق النار على المواقع العربية , وتخالف قرار حظر تصدير السلاح.لقد أصبحت إسرائيل معتدية"
ويبعث البنا برسالة إلى النقراشي يوم 18 من أغسطس يستنكر فيها خرق إسرائيل للهدنة وانتقال عصابات أرجون شتيرن للقدس .
قالت الرسالة:
- " يتيح مراقبو الهدنة لليهود الانتفاع بها لتقوية أنفسهم وتحسين مراكزهم وإفلات مائة ألف يهودى كانوا مهددين من الحصار وإمدادهم بالأسلحة والذخائر والرجال.
- وقد توقف الجيش الأردنى عن القيام بأى عمل رغم ما يتكرر أمام سمعة وبصره من الإعتداءات اليهودية مما يعنى أن اليهود رتبوا الهجوم المفاجئ على القدس فى أية لحظة لتشريد أهلها ه وهدم المسجد الأقصى تبعة هذه النكبة المنتظرة التى لا يسلتزم دفع عارها عن الأمة العربية أكثر من تقوية حامية القدس وإمدادها بالمجاهدين والذخائر اللازمة.بدأت مشكلة اللاجئين.
قالت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية:
- " كان الشعب العربى واثقا من النصر كما أكد له زعماؤه. وقد تنعكس المرارة التى تشعر بها الشعوب العربية على شكل أعمال عنف ضد حكوماتهم أو ضد القوى الغربية أو الإثنين معا
- وإذا صبت هذه الشعوب سخطها على قادتها فإن بعض الحكومات العربية قد تلجأ فى مواجهة ذلك إلى السعى لاستئناف الحرب فى فلسطين.وعلى أية حال فإن الزعماء العرب سيبذلون قصارى جهدهم لتحويل غضب الشعوب ضد المم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا بل ربما ضد بعضهم بعضا".
قابل الكونت برناودت الوسيط الدولى رئيس وزراء مصر.
قال النقراشي:لا يمكن الموافقة بأى حال من الأحوال على دولة يهودية
سأله الكونت: وكيف تمنع وجودها عمليا؟
قال النقراشي:
- ستتجاهل مصر وجود الدولة اليهودية بكل الطرق الممكنة .
قال الكونت :
- أعتقد أن الأمم المتحدة ستقر وجود الدولة اليهودية . ويطير الكونت برنادوت إلى ردوس ليشترك فى اجتماعات سرية مع البريطانيين والأمريكين يوم 13 من سبتمبر لمدة 48 ساعة يتفق فيها على التقسيم الذى أقرته الأمم المتحدة مع إعطاء النقب للعرب والجليل لإسرائيل وتدويل القدس.
وكان الهدف من هذه الاجتماعات أن يقدم برنادوت الحل للطرفين المتحاربين حتى يقال إن الحل " صنع فى السويد" ولم تصنعه وشنطن أو لندن ! عاد برناوت إلى إسرائيل يوم 16 من سبتمبر فيتهمه موسى شاريت وزير خارجية إسرائيل فى نفس اليوم بالإنحياز إلى العرب.
وتغتال العصابات الصهيونية الوسيط الدولى بعد 24 ساعة من اجتماعات رودس دخل مدينة القدس يوم الجمعة 17 من سبتمبر .اعترضت موكب الوسيط الدولى فى الخامسة والنصف مساء سيارة جيب يستقلها أربعة أشخاص أطلقوا النار من مدفع على راسه فمات فى الحال ومع ذلك أطلقوا النار على قلبه وفر الأربعة.
وصرح متحدث باسم عصابة شتيرن أنه سعيد بالاغتيال وراض عنه وكانت إسرائيل ترى فى برنادوت أداة ومخلب قط للإنجليز.وكان الرجل فى حقيقة الأمر.
يرى العدل مع العرب ولذلك كان متعاطفا معهم ولكنه لم يفكر فى الحل العادل وحده. ولا تنشر الصحف الأمريكية نبأ اغتيال برمادوت بإفاضة صحف أوربا.وبينهم ماكدونالد القنصل الأمريكى بالقدس فى برقيته إلى واشنطن عصابة " شتيرن " بأنها مسئولة عن ارتكاب الجريمة.
وتقبض الحكومة الإسرائيلية على 30 من أفراد " شتيرن " اتهموا باشتراك فى ارتكاب الجريمة ولكن القنصلية التشيكية تمنحهم تأشيرات دخول مساء اليوم نفسه وخلال يومين تسمح الحكومة الاسرئيلية للقتلة بالسفر سرا إلى براج .
ورجح الملحق الجوى الأمريكي فى عاصمة تشيكو سلوفاكيا أن عملية اغتيال برنادوت خططت وأعدت فى تشيكوسلوفاكيا وأن فرقة الاغتيال طارت إلى إسرائيل لهذا الغرض.
واعترفت إسرائيل فى 3 من مايو 1949 بأن القتلة أفرج عنهم بعد أسبوعين من الحادث وباقى المتهمين صدر عنهم عفو عام فى 14 من فبراير 1949 لأن القضاء العسكرى الاسرئيلى لم يتحقق من أن الجريمة تمت بأوامر من عصابة شتيرن .
ولم يحاكم القتلة.. ابدأ.ويذاع تقرير برنادوت بعد ثلاثة أيام من وفاته وفيه يقترح تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية .. على أن يأخذ العرب منطقة النقب ويأخذ اليهود منطقة الجليل.
استعدت القوات اليهودية للحرب مرة أخرى فقامت بضرب عراق المنشية والفالوجة وقامت بتحصين مواقعها القريبة من الخطوط المصرية. دعا مجلس الأمن الطرفين إلى التوقف عن القتال ولكن استؤنف يوم 15 من أكتوبر على نطاق واسع فى الجبهة فقد أصبحت القوات الإسرئيلية فى النقب وحدها تعادل الجيش المصرى المحارب كله.
وركز اليهود هجومهم لفتح طريق لتموين مستعمراتهم الجنوبية فى النقب لعزل القوات المصرية عن بعضها وقطع خطوط مواصلاتها وهاجموا طريق رفح العوجة.وزادت شحنات الأسلحة والقوات من تشيكو سلوفاكيا فقالت الأمم المتحدة إن الرابطة التشيكية الصهيونية تمثل تدخلا من قوة أجنبية فى الشرق الأوسط.
رأت إسرائيل تحويل الأنظار عن الجسر الجوى الذى ينقل السلاح إليها من تشيكوسلوفاكيا فادعت أنها تتعرض لغزو من قوات بريطانية تتدفق من العراق والأردن وليبيا.وكان النبأ مختلفا من أساسه.
وفى نوفمبر لم تكن إسرائيل على غزة فى حاجة إلى السلاح التشيكى. قال الخبراء البريطانيون إن إسرائيل أصبحت تملك ما بين 150 و 160 طائرة يقودها جميعا طيارون أجانب.
وأغارت الطائرات الاسرائيلية على غزة والمجدل والعريش. وأرغموا المصريين على الانسحاب جنوبا إلى غزة فقد كان الجيش المصرى , وحده يحارب!ويستمر القتال أسبوعا واحد اخترقت إسرائيل خلاله النقب واحتلت مدينة الحليقات وبير سبع ودخلت إيلات على خليج العقبة.
وانسحبت قوات الدول العربية نحو حدودها مما أتاح لليهود تحويل قواتهم إلأى الجبهة المصرية.واضطرات القوات المصرية إلى الإنسحاب من اسدود والمجدل وقطع اليهود خطوط الامدادات من مصر عن القوات المصرية فحوصر 4000 جندى مصرى فى الفالوجة وعراق المنشية يقودهم العقيد سيد طه...
وكان نائبه البكباشى المقدم جمال عبد الناصر.حاولت لجنة الهدنة إقناع إسرائيل السماح بتموين القوات المحاصرة بالطعام والماء ورفضت إسرائيل السماح لهذه القوات بالخروج من الفالوجة.
ويوافق مجلس الأمن فى 3 من نوفمبر على هدنة تنفذ اعتبارا من 13 من نوفمبر ولكن إسرائيل توالى حصارها للفالوجة أربعة أشهر لم تستسلم خلالها القوات المصرية المحاصرة فى الفالوجة حتى وقعت اتفاقية الهدنة فى رودس فى 24 من فبراير 1949.
قال الكاتب اليهودى جون كيمش:
- " هذه العملية أدت إلى قطع الأصبع المصرى الممتد إلى تل أبيب"!
وقبل أسبوعين من موعد انتخابات الرئاسةة فى الولايات المتحدة أعلن توماس ديوى منافس الرئيس ترومان أن يرفض مقترحات برنادوت التى التزمت بها الولايات المتحدة فى نوفمبر فاضطر ترومان غلى اتخاذ موقف أكثر تطرفا لمصلحة اسرائيل قبل اسبوع من يوم التصويت.
أعلن ترومان أنه يؤيد التقسيم كما قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة ويوافق على تعديل الحدود طبقا لما تقبله إسرائيل ... وبذلك نسف ترومان خطة برنادوت , وأعطى إسرائيل بعد فوزه فى الإنتخابات التى جرت فى نوفمبر شيكا دبلوماسيا على بياض!
ويبعث السير هيلم ممثل بريطانيا من تل أبيب يقول:
- " ولدت إسرائيل عن طريق القوة التى فرضت بتصميم مجرد من الضمير عن مصالح الآخرين , كما أن النجاح السهل الذى حققه هذا الشعب والذى يسرته الدول القوية فى العالم أكد إيمانهم بأ،ه بلنسبة لهم لم ينته عصر المعجزات".
قالا كلاتون رئيس القسم المصرى فى وزارة الخارجية البريطانية للويس دوجلاس السفير الأمريكى فى لندن:
وأضاف:
- يحتمل أن تذعن مصر إنشاء إسرائيل . وستتعامل معها بمرور الوقت
وقال:
- المصريون يعبرون عن إعجابهم المشوب بالحسد " للمهارة الشيطانية " التى أغرت بها بريطانيا الجيوش العربية على دخول فلسطين ثم تركتها تغرق!
- وفى نظر المصريين أن هذه المناورة البارعة تستحق أحترام المصرين كما تستحق الولايات المتحدة المتحدة قدرا من الاححترام لمساندتها للجانب الفائز!
لم تحترم إسرائيل قرار وقف اطلاق النار الثالث كما عبثت بالقرارين السابقين واستمرت تهاجم وتحتل مزيدا من الأراضى الفلسطينية, وكان جيش إسرائيل قد وصل إلى رقم اسطورى وهو مائة ألف مقاتل ولديه السلاح وروح القوات عالية نتيجة للإنتصارات.
حاولت بريطانيا دون جدوى الاتفاق مع الولايات المتحدة على العودة إلى قرار التقسيم ولكن ترومان رفض.وحاولت بريطانيا خطة بانش الذى خلف برنادوت كوسيط بإعطاء الجليل لاسرائيل والنقب للعرب فرفض ترومان أيضا.
واكتفت بريطانيا بأن تطلب أن يكون جنوب النقب للعرب أو منحهم ممرا يصل بين مصر والأردن.ولكن بن جوريون أبلغ ما كدونالد ممثل الولايات المتحدة فى تل أبيب بأنه لن يوافق على انسحاب إسرائيل من النقب وعودة السيادة المصرية إلى بير سبع أو أو آخر من صحراء النقب.
ودعا الرئيس الإسرائيلى حاييم وايزمان ممثل الولايات المتحدة ماكدونالد إلى مأدبة غذاء وطلب منه أن ينقل رسالة إلى ترومان وفيها
يقول وايزمان:
- لن تستسلم إسرائيل على الإطلاق وكل يهودى سيقاوم حتى الموت. قرار النقب.ولعب وايزمان دوره بمهارو فى ظل الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتى.
قال:
- سياسة بريطانيا منذ اقتراح الرئيس ترومان توسيع نطاق الهجرة اليهودية إلى فلسطين عام 1945 قامت على أساس أن إسرائيل ألعوبة فى يد الروس.
- وهذا الاتهام غيرصحيح تماما لأن إسرائي تتجه إلى ال غرب. وتؤمن بأنها لا يمكن أن تنمو وتحتفظ بحريتها إلا من خلال تاونها مع الولايات المتحدة.وإسرائيل ترحب بتأييد الروس لها فى الأمم المتحدة . وتتوجس خيفة من معانقتهم. ويمكن للنفوذ الروسى هنا أن يصبح خطيرا إذا ساندت كل من الولايا المتحدة والأمم المتحدة إذلال إسرائيل والتضحية بها من أجل مصالح الامبريالية البريطانية.
واختتم وايزمان رسالته قائلا:
- أناشد الرئيس ترومان ,الذى يحظى لدينا بمكانة لا تعادلها مكانة رجل دولة آخر أن ينقذنا مما أصابنا من يأس.ويزكى ماكدونالد رسالة وايزمان فيشير إلى أهمية آرائه لأنه معتدل وتكون نتيجة الرسالة مزيدا من تأييد ترومان لاسرائيل!
- طلبت بريطانيا إلى سفيرها فى واشنطن أوليفر فرانكس أن يتوجه إلى البيت الأبيض لمقابلة ترومان وإقناعه بضرورة تأييد قرار النقبر .
ولكن ترومان وبخ أوليفر فرانكس قائلا:
- لا يوجد ما يدعو لانزعاج البريطانيين وقلقهم.إن هذه الأرض الصغيرة لا يصح أن نختلف بشأنها معكم. ولن أستسلم لبريطانيا فى مسأل يعطونها جانبا من الأهمية الاسنراتيجية, ولن تؤثر فى استراتيجيتنا.
- وقال جميس ماكدونالد ممثل الولايات المتحدة فى تل أبيب:أمريكا تؤيد اسرائيل ولا تؤيد العدل.
قال أورم سارجنت الوكيل الدائم للخارجية البريطانية:ترومان ضعيف عنيد كثير الشكوك,
ولكن بيفن عبر عن موقف بريطانيا فقال:
- لن يؤيدنا الرأى العام البريطانى إذا حاربنا فى النقب . وليست لدينا الولايات المتحدة معناز
ولم يقل بيفن إنه صار على بريطانيا أن تتعامل مع إسرائيل بشروطها وأوضح بيفن فى مذكرات رسمية سياسية ترومان .
قال:
- ترومان يرى أن تقوم دولة إسرائيل وكل شئ فيما عدا ذلك يذهب للجحيم.والولايات المتحدة تريد السلام بأى ثمن ولتتوصع اسرائيل مهما كانت النتائج.
وقال السير جون تراتبيك بنظرة واعية عميقة إلى المستقبل:
- أرجأت إسرائيل عزو قلب فلسطين الضفة الغربية وباقى القدس أى القدس العربية إلى موعد آخر!
قالت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى تقرير سرى:
- سياسةالولايات المتحدة قضية فلسطين تتلخص فى تأييد اليهود بدلا من الحذر منهم وكسبهم إلى صف الولايات المتحدة بدلا من احتواء إسرائيل أو معاداتها ووقف التسلل الشيوعى والحيلولة دون هيمنة الاتحاد السوفيتى عليها وتوجيهها بعيدا عنه.. إلى الغرب".
ويقرر مجلس الأمن يوم 16 من نوفمبر إعلان الهدنة الدائمة فى جميع أنحاء فلسطين وتكتب السفارة البريطانية تقريرا عن الجيش المصرى فى هذه الحرب على ضوء النتائج النهائية للقتال.
قال التقرير:
- " لم يكن الجيش مستعدا للحرب حتى على النطاق الصغير نسبيا الذى حدث. وبغض النظر عن الافتقار لوجود أية تنظيم إدارى فلم توجد أى وحدات متكاملة أكبر من الكتيبة .وتم على عجل دفع لواء شكل حديثا أضيف إليه بعض المدفعية وتحرك هذا التشكيل المفتقر لوسائل القوة إلى سيناء دون وجود فكرة واضحة عما سيقوم به .وزادت مهمته صعوبة نتيجة الإفتقار إلى التلاحم السياسى والعسكرى بين الجيوش العربية.
- وكما بدأ على "الطريق الخطأ" فقد افتقد التوازن حتى النهاية وكان من حسن حظه أنه لم يصب بنكسة أسوأ من التى تكبدها بالفعل. وفشل فى الاتصال بالفليق العربى على يمينه وسمح للإسرائيليين بالوصول إلى التلال فى الشرق واختراق الخطوط العربية.
وأدى ذلك إلى تخلى القوة المصرية عن جناحها الشرقى والارتداد إلى الحدود الدولية المصرية بعد أن تركت قطاعات ضيقا فقط حول غزة فى أيد مصر غير ثابتة تماما.
وقال التقرير إن الفشل المصرى يعزى إلى :
- عدم الاستعداد للحرب على هذا النطاق.
- الإفتقار للإدارة فى القاعدة وخطوط المواصلات..
- وجود قيادة للتنسيق مع الحلفاء العرب
- مجال المخابرات الضعيف.
- التركيز الزائد فى القيادة.
وقال التقرير:
- " إن إحدى الصعاب التى لافكاك منها تتمثل فى أن القيام بأية عملية على الحدود المصرية أو وراءها يتطلب خطوط مواصلات تمتد مئات الأميال عبر الصحراء.وأدت النكسة الحقيقية والضربات التى وجهت للشرف العسكرى المصرى إلى التصويت على اعتماده 50 مليون جنيه وافق عليها البرلمان خصصت للقوات المسلحة".
قالت وزارة الدفاع المصرية
- " كانت الحرب بالنسبة لعدد كبير من ضباط الجيش المصرى , تجربة من نوع مرير. فقد ذهب البعض إلى الجبهة يشوبه حماس متقد . ثم عاد وقد انزاحت عنه الأوهام".
- " ومن الأمور الكاذبة القول بأننا تركنا العهرب يهزمون أو قصرنا فى الوفاء بأى التزام تجاههم.
نحن لم نحرضهم على التدخل بالقوة فى فلسطين . ولم نعدهم بالمساعدة إذا فعلوا ذلك.
- لقد فعلوا على الأمر بمحض إرادتهم دون إبلاغنا بما عزموا عليه ويبين النجاح العسكرى المحدود الذى حققوه أن قواتهم غير مجهزة وغير قادرة على القيام بالعمليات العسكرية الكبرى التى كانت ضرورية لتحقيق الهدف المعلن للدول العربية وهو القاء اليهود فى البحر.وأغرقت الحكومات العربية شعوبها فى أوهام".
ولكن بيفن بعد توقيع الهدنة الدائمة بين العرب وإسرائيل. فضحموقف بلاده وإنتهازيتها الكاملة إزاء القضية الفلسطينية .
قال فى مذكرة رسمية
- " تقبل الحكومة البريطانية دولة إسرائيل كحقيقة واقعة تنوى الاعتراف بها كدولة شرعية عندما تأتى أول لحظة مناسبة.وتعتبر الحكومة البريطانية ان اتجاه إسرائيل صوب الغرب وقيامها بدورها فى الدفاع عن الشرق الأوسط ضد التسلل الشيوعى والعدوان السوفيتى أمر على درجة كبيرة من الأهمية.
- ولهذا الغرض فإن الحكومة البريطانية ستبذل قصارى فى تكوين علاقات صداقة ومنفعة متبادلة معها. أى مع دولة إسرائيل.
- وفى الوقت نفسه تتجه إلى الإهتمام بصداقتها وتحالفها القائم مع الدول العربية خاصة ان هذه الدول أكثر رغبة فى الوقت الحالى من إسرائيل فى الإهتمام غلأى العسكر المعادى للشيوعية.وسيكون ثمنا غاليا لصداقتنا مع إسرائيل أن تتعرض قاعدتنا فى مصر.
- ووارداتنا من بترول الشرق الأوسط للخطر إذا نفرنا العرب منا.ولكن يمكننا القول بأن هذه المصالح مضمونة دائما فالحكومة تسعى بشدة لا إلىتنشيط السلام فحسب بينإسرائيل والدول العربية بل لا ترى مانعا أمام تطوير علاقات تجارية طبيعية بين إسرائيل وجيرانها العرب على أساس من الاستقلال الكامل.
- ولكن الحكومة البريطانية لا تعتبر من مصلحتها أن تحصل إسرائيل على مزيد من ألأرض العربية دون مقابل أو أن تمضى فى علاقاتها الاقتصادية مع الدول العربية إلى حد السيطرة عليها اقتصاديا وربما سياسيا فتفرض أفكارها الخاصة على حياد العالم العرب.
- والحكومة البريطانية فى موقف كهذا لن تقدم مساعدات لتحقيق هذه الطموحات بل وستقدم للعرب عونا حقيقيا لمعاونتهم على مواجهتها".ومعنى هذا أنه يكفى إسرائيل ما حصلت عليه!
رئيس الوزراء يبكى
وقاد البكباشى عبد الجواد الكتيبة الثانية.وقاد الشيخ محمد فرغلي مجموعة من متطوعى الإخوان , وقد حوكم محمد فرغلي أمام محكمة الثورة بعد ذلك وأعدم بتهمة الإشتراك فى محاولة اغتيال جمال عبد الناصر!
عزز الإخوان الدفاع عن القدس وبيت لحم قبل وبعد الهدنة الأولى وحاصروا المستعمرات اليهودية أثناء الهدنة.وأغاروا على القوافل اليهودية وشبكات التموين وقطعوا المياه عن اليهود ومنعوهم من تسميم آبار المياه فى المناطق التى استولت عليها القوات المصرية ووفروا لهذه القوات الحماية أثناء انسحابها من فلسطين. وساعدوا القوة المصرية المحاصرة فى الفالوجة مما جعلها تقاوم الحصار فقد أمدها الإخوان بالمؤن.
وقبل الإخوان أن يعملوا تحت قيادة الجامعة العربية ورغم ذلك لم يحصلوا على مرتبات ولم تصرف لهم ملابس! قال أحمد عبد العزيز فى تقرير رسمى:" كانت للإخوان أفكار حربية وجيهة".
وفى كتاب " الإخوان المسلمون فى حرب فلسطين " روى قائدهم كامل الشريف وهو مدنى مئات البطولات عن معارك مستعمرة " تل بيوت" واقتحام " تبة اليمن" التى اسموها تبة الإخوان المسلمين ,"التبة 86" جنوب دير البلح. ولولاهم لعزل الجيش لامصرى فى غزة وقطعت المواصلات عنه..
وكذلك استيلاؤهم على قرية العسلوج , والأبطال الذين كانوا يزحفون على الإشواك تحت تهديد الرصاص كيلوا مترات وأسماء كثيرة عبد المنعم عبد الرؤوف وخالد فوزي ومكاوي سليم ومحمد قارون وإبراهيم عبد الجواد وعبد الحميد بسيوني خطاب ويحيى عبد الحليم... ومئات السماء .. الخ.... الخ وعندما كان الجندى من متطوعى الإخوان أربعة أرغفة كل يوم كانوا يقدمون واحدا منها للعرب المهاجرين.
وقد أتيح لأبطال الإخوان أن ينطقوا بكلمات قبل الشهادة.كانوا يرددون : هبى ريح الجنة .... هبى.ولكن غذا كانت الجيوش النظامية قد هربت من إسرائيل فإن متطوعة الإخوان لاقوا الموت من إسرائيل والإضطهاد من حكومتهم!
ولكن ... كان للحكومة المصرية رأى أخر فى دور الإخوان المسلمين فى حرب فلسطين عبرت عنه النيابة العامة فى مرافعتها فى قضية اغتيال النقراشي قالت " لما أخذت مشكلة فلسطين مظهرها الخطير وجد أعضاء الجمعية السرية الجهاز السرى للإخوان فرصة ذهبية للفت الأنظار إليهم وإرهاب المصريين؛
وإظهار السلطات بمظهر العاجز عن حفظ الأمن وحماية أرواح المصريين والأجانب .. فدبروا سلسلة من الحوادث الإرهابية أطلقوا فى بعضها الرصاص على اليهود .. واستعملوا فى بعضها المواد المتفجرة لنسف محالهم ".
وفى مذكرات الدكتور حسين هيكل قال:
- " اعتبر الإخوان الحرب بين العرب واليهود حربا دينية فتطوع عدد غير قليل منهم خاضوا غمارها.وكان من متطوعيهم عدد من الشبن المتعلمين رأوا ما كان من عبث فى ميادين القتال.
- وكيف كانت الاسلحة فاسدة والمدد غير منتظم , وكيف أدى ذلك إلى اخفاق المجهود المصرى وإلى عقد الهدنة المؤقتة ثم إلى عقد الهدنة الدائمة فعادوا إلى وطنهم ساخطين على طريقة حكمه , مؤمنين بأن أطراد الأمر على هذه الوتيرة يجر على الوطن أبلغ الضرر.
- فرضت الهزيمة فى فلسطين شروطها على السياسة الداخلية فى مصر بعث جيفرسون باترسون القائم بالأ‘مال الأمريكى فى 3 من أغسطس 1948 إلى واشنطن :" برقية رقم 1089"
- هناك شائعات تدل على عدم الاستقرار فى الموقت السياسى المصرى. تقول هذه الشائعات إن الفريق محمد حيدر باشا وزير الحربية , المشهور بفظاظته , وقسوته سيستدعيه الملك ليخلف النقراشي باشا فلإضطراب الراهن يستدعى وجود يد اقوى من قبضة النقراشى.
- إن الجيش يدين بالولاء أساسا للأسرة المالكة . ولكن من الخطر ترك العسكريين فى فلسطين إلى ما نهاية.
ومن الخطر أيضا إعادتهم لمصر لاحتمال أن تثور رغبة لدى الضباط الذين تفيض روحهم بالطموح والإستياء, ليعطوا أنفسهم فرصة أكبر من تلك التى يعطيها لهم الدستور.وهناك حاجة لرجل قوى مثل حيدر باشا ليتعامل معهم"..
وما تنبأ به القائم بالأعمال الأمريكى عن غضب العسكريين فى فلسطين تحقق بعد 4 سنوات ! وإذا كان الجيش قد انظر هذه الفترة فإن الطامعين فى الحكم من رجال السياسة ظلوا يوالون بالسفارة البريطانية يطلبون وساطتها وتدخلها فقالة النقراشى أو إرغامه على الإستقالة.
أبرق تشابمان أندروز إلى لندن:
- " حسين سرى طموح جدا ويتطلع لأن يكون رئيسا للوزراء مرة أخرى ولو فى حكومة مؤقتة".
- أوضح لنا أكثر من مرة أن هناك حاجة للتدخل البريطانى.أى إقالة النقراشي أو استقالته. وتعيين حسين سرى رئيسا للوزارة بدلا منه!
وفى 12 من أغسطس كتب اندروز غلى لندن:
- " الأمور السياسية المتعلقة بالعلاقات الإنجليزية المصرية فى حالة جمود تام" ومن غير المجدى على افطلاق أن أحاول, أنا أو أى شخص آخر مقابلة النقراشي إلا للدخول فى شجار ليس ممتعا إلأى الحد الذى أسعى وراءه ونفس الشئ , وإن يكن بصورة مختلفةينطبق على أحمد خشبة باشاوزير الخارجية , فليس هناك مجال للشجار.
- ولكن ما جدوى التعامل بأكثرها مما هو مطلوب بالضبط مع وزير خارجية لن يوافق زملاؤه على شئ يقرره!ولذلك فالأمور متوقفة تماما فى الوقت الراهن.ولم يكن رصيد النقراشى فى البلاد منخفضا على أفطلاق كما هو الآن
- وأعتقد أن الملك والنقراشي والوزارة ودائرة لمستشارين الصغيرة المحيطة بالملك, على قناعة بأنه سيتعين عليهم الإذعان لقرار الأمم المتحدة بشأن فلسطين والذى يؤكد وجود دولة يهودية:أقصد "الإعان" وليس القبول.ومشكلتهمكيفية جعل عامة الشعب يفكرون بنفس الطريقة دون أن يفقد الملك أو النقراشي ماء وجوههم بالكامل".
ويلتقى فاروق بالسفير الأمريكى الجديد جيفرسون كافرى فيتحدث ملك مصر بحرارة عن رفض الأمريكيين مد خشبة بالسلاح.قال لقد رفضتم كل شئ طلبته.
واضاف:
- فى الظروف التى حارب فيها الجيش فإنه قام بعمل عسكرى ممتاز حاربوا بصدور عارية ضد الدبابات والعربات المدرعة.
وقال:
- فعل الجيش المصرى ذلك من أجلى وحدى ولم يدرك صاحب الجلالة أن ما فعله الجيش فى فلسطين وما جرى له هناك كان بداية التحرك ضده ... وحده!
قالت دراسة الضابط الكندى الكابتن ج.ب. هاردى عن جهد الإخوان المسلمين فى فلسطين:
- " لا جدال فى أن متطوعى الإخوان فى هذه الحرب كانوا بفضل نظامهموتدريبهم بين النجاحات البارزة للقوات العسكرية المصرية. وكانت النجاحات العربية فى حرب فلسطين ضيئلة بصورة واضحة وتم رد القوات المصرية وواصيبت بخسائر فادحة وانتشرت إشاعة فى دوائر الإخوان بأن الحكومة السعدية هى المسئولة عمدا عن الخسائر فى قوات الإخخوان لأنها بدأت تشعر بخطر هذه القوات على استقرار مصر"
ويقول هاردى: ربما كان هناك بعض ما يبرر هذا القول".
وفى كتاب اسحق موسى الحسينى " الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة" قال:
- " اتاحت حرب فلسطين للإخوان التسلح والتمرن على القتال, وكشفت عن مدى استعدادهم الحربى ومدى نفوذهم فخشيت حكومة النقراشي سطوتهم".
وفى مذاكراته قال صلاح نصر مدير المخابرات العامة المصرية:
- " كنت معجبا بالتضحيات التى قدمها كثير من أفراد جماعة الإخوان المسلمين فى ميدان الكفاح المسلح على أرض فلسطين".
والحقيقة أن دور الإخوان فى حرب فلسطين كان محل تقدير مصر والعالم العربى. اشتركوا بثلاث كتائب.وكانت الكتيبة الأولى بقيادة البكباشى المقدم أحمد عبد العزيز الذى عين قائدا لقوات الجامعة العربية . وقد وصل إلى العريش يوم 25 من أبريل 1948.
وقاد البكاشى عبد الجواد الكتيبة الثانية.وقاد الشيخ محمد فرغلي مجموعة من متطوعى الإخوان , وقد حوكم محمد فرغلي أمام محكمة الثورة بعد ذلك وأعدم بتهمة الإشتراك فى محاولة اغتيال جمال عبد الناصر!
عزز الإخوان الدفاع عن القدس وبيت لحم قبل وبعد الهدنة الأولى وحاصروا المستعمرات اليهودية أثناء الهدنة.وأغاروا على القوافل اليهودية وشبكات التموين وقطعوا المياه عن اليهود ومنعوهم من تسميم آبار المياه فى المناطق التى استولت عليها القوات المصرية ووفروا لهذه القوات الحماية أثناء انسحابها من فلسطين. وساعدوا القوة المصرية المحاصرة فى الفالوجة مما جعلها تقاوم الحصار فقد أمدها الإخوان بالمؤن.
وقبل الإخوان أن يعملوا تحت قيادة الجامعة العربية ورغم ذلك لم يحصلوا على مرتبات ولم تصرف لهم ملابس! قال أحمد عبد العزيز فى تقرير رسمى:" كانت للإخوان أفكار حربية وجيهة".
وفى كتاب "الإخوان المسلمون فى حرب فلسطين" روى قائدهم كامل الشريف وهو مدنى مئات البطولات عن معارك مستعمرة "تل بيوت" واقتحام " تبة اليمن" التى اسموها تبة الإخوان المسلمين ,"التبة 86" جنوب دير البلح. ولولاهم لعزل الجيش لامصرى فى غزة وقطعت المواصلات عنه..
وكذلك استيلاؤهم على قرية العسلوج والأبطال الذين كانوا يزحفون على الإشواك تحت تهديد الرصاص كيلوا مترات وأسماء كثيرة عبد المنعم عبد الرؤوف وخالد فوزي ومكاوي سليم ومحمد قارون وإبراهيم عبد الجواد وعبد الحميد بسيوني خطاب ويحيي عبد الحليم... ومئات السماء .. الخ.... الخ وعندما كان لكلجندى من متطوعى الإخوان أربعة أرغفة كل يوم كانوا يقدمون واحدا منها للعرب المهاجرين.
وقد أتيح لأبطال الإخوان أن ينطقوا بكلمات قبل الشهادة.كانوا يرددون : هبى ريح الجنة .... هبى.ولكن غذا كانت الجيوش النظامية قد هربت من إسرائيل فإن متطوعة الإخوان لاقوا الموت من إسرائيل والإضطهاد من حكومتهم!
ولكن ... كان للحكومة المصرية رأى أخر فى دور الإخوان المسلمين فى حرب فلسطين عبرت عنه النيابة العامة فى مرافعتها فى قضية اغتيال النقراشي قالت
- " لما أخذت مشكلة فلسطين مظهرها الخطير وجد أعضاء الجمعية السرية الجهاز السرى للإخوان فرصة ذهبية للفت الأنظار إليهم , وإرهاب المصريين , وإظهار السلطات بمظهر العاجز عن حفظ الأمن وحماية أرواح المصريين والأجانب .. فدبروا سلسلة من الحوادث الإرهابية أطلقوا فى بعضها الرصاص على اليهود .. واستعملوا فى بعضها المواد المتفجرة لنسف محالهم".
وفى مذكرات الدكتور حسين هيكل قال:
- " اعتبر الإخوان الحرب بين العرب واليهود حربا دينية فتطوع عدد غير قليل منهم خاضوا غمارها.وكان من متطوعيهم عدد من الشبن المتعلمين رأوا ما كان من عبث فى ميادين القتال.
- وكيف كانت الاسلحة فاسدة والمدد غير منتظم , وكيف أدى ذلك إلى اخفاق المجهود المصرى وإلى عقد الهدنة المؤقتة ثم إلى عقد الهدنة الدائمة فعادوا إلى وطنهم ساخطين على طريقة حكمه , مؤمنين بأن أطراد الأمر على هذه الوتيرة يجر على الوطن أبلغ الضرر.وكان من اثر هذه الحرب أن قويت شوكة جماعة الإخوان المسلمين "!
كتب تشابمان أندروز إلى لندن:
- " حصلنا على لا شئ , أو ما يقرب من اللاشئ , من تعاملنا مع الحكومات العديدة التى تعتمد على البرلمان الحالى حتى مع المساعى الحميدة للملك فاروق .ومن المؤكد أن الحالة الراهنة للأمور لا يمكن أن تستمر طويلا.
- وأشك فيما إذاكان هناك وقت منذ 1882 أذعن فيه المصريون بشكل أكثر من حيث اللامبالاة إزاء استمرار وجود حكومتهم كما أشك غذا كنا قد شهدنا حكومة أكثر فى عدم شعبيتها من هذه الحكومة.وإذا ظلت هذه الحكومة فى السلطة لاجراء الانتخابات الجديدة فقد يقاطعها الوفد.
- وإذا وجدت المجموعة الحالية نفسها فى الحكم مرة أخرى فى مواجهة الاحتمال خمس سنوات من العقم فسيكون صعبا أن نتوقع من الشعب الاستمرار فى الإذعان واللامبالاة طوال هذه الفترة بل سيكون هناك انفجار رهيب.
ووما أخشاه أن القوى الناشئة عن مثل هذاالانفجار ن حيث طبيعتها وقوتها ستكون مفاجئة للمصريين الذين يقفون على جانبى الهوة التى لا يمكن اجتيازها والتى تفصل بين القصر والوفد".
تدهورت سمعة الملك فاروق وكتب مراسل أمريكى يقول:
- " عندما توفى الملك فؤاد والد فاروق قبل 12 عاما , ترك لابنه الذى كان فى السادسة عشرة من عمرهعندئذ ثروة شخصية مقدارها 120 مليون دولار وزيادة على ذلك تدفع له الحكومة المصرية 400 ألف دولار سنويا.
- وقد تولى الشاب العرش فوق موجة من الشعبية الشخصية التى نادرا ما تمتع بها ملك فى العصر الحديث.وفى سن السابعة عشرة تزوج فاروق الوسيم ذو المظهر الجذابمن مليكته فريدة التى كانت مصرية لطيفة ومحبوبة. وبدا أن الأسرة المالكة ينتظرها مستقبل سعيد.
- ولسوء الحظ مصر هجم على الملك الشاب جميع الطفيليين بالقصر وتمكنوا منه واصبح حلاقه الايطالى بوللى مستشاره وسكرتيره الخاص . ومنحه فارق لقب " بك" وهى مساوية تقريبا للقب سير فى انجلترا وجعله رعية مصرية لينقذه من السجن على أيدى البريطانيين اثناء الحرب وكان بوللى هو الذى قاد فاروق على طريق الملاهى الليلية.
- قال إن الناس سيعتبرونه ديمقراطيا إذا خرج بينهم ولكن الناس الذين يتكلم عنهم بوللى لا يخرجون من منازلهم قبل الظلام ولا يأوون إلى فراشهم قبل الفجر !
- وسرعان ما بدأ الملك يشاهد فى صحبة نساء لسن من ذوات المكانة. وكانت للملك مائدة محجوزة على الدوام فى علب الليل مث " أوبرج الأهرام " وحديقة السطح فى فندق " سميراميس" ونادى " الأريزونا" وغير ذلك من الأماكن الساخنة!
- وكانت له عادة مائدة كبيرة مستديرة بجوار حلبة الرقص.. ومهما كانت الأماكن مزدحمة تبقى مائدة الملك فى انتظاره دائما.وإذا أعجبت الملك أمرأة على مائدة أخرى يدعوها بوللى للرقص مع جلالته.
- فإذا رفضت طلبت منها الإدارة أن تنصرف ومن معها. وبدأت الإشاعات تنتشر حول السلوك الشخصى للملك الذى لا يشاهد مع مليكته أبدا. كان بعضها نتيجة لحملة همس بدأها حزب المعارضة الوفدى. ولم يكن هناك من ينكر أن الملك " يتصعك"!
- وطبقا لتقارير الدوائر السياسية فى القاهرة أعد الوفديون ملفا كاملا حول السلوك الاجتماعى للملك بما فى ذلك صور من يفضلهن لإقناع أعلى سلطة روحية فى العالم الإسلامى وهم كبار علماء بأن الملك لا يتصرف بما يتفق مع التراث الإسلامى.
- واقنع الوفد عشرة من الأزهريين بأن يلبسوا ملابس أفرنجية بدلا من ملابسهم التقليدية ليتعقبوا الملك فى علب الليل!وفى الوقت ذاته بدأت القصص تنتشر حول إهمال الملك لزوجته وأنه يعيش حياة عابثة فى قصر عابدين.
- وأثناء الحرب العالمية كان فاروق يقود سيارته فى أنحاء القاهرة مرتديا " الشورت " والملابس الرياضية وعقد صداقات كثيرة مع الأمريكيين.وعندما كان الماجور جنرال بنجامين جاليز ينظم سهرة بوكر كان فاروق يزوره ليجلس بجوار طاولة اللعب وينظر ..
فيصيح به جايلز:
- هيا يا ملك!
- وكان فاروق يراقب اللعب لبعض الوقت ثم ينصرف إلى المطبخ ليستكشف الثلاجة فيعد لنفسه ساندويتشا ويعب المشروبات الغازية فهو لا يحتسى المشروبات الكحولية.وكانت للملك الشاب عمره 28 سنة فى الصل أحلام كبيرة أن يخلص بلاده من البريطانيين ويحق استقلالها. وأن توجد البلاد العربية تحت قيادته.
- وفى عام 1942 حاصر البريطانيون قصره بالدبابات ودخل عليه السفير البريطانيى السير مايلز لامبسون اللورد كيلرن محاطا بالضبط والجنود وطلب إليه أن يعين النمحاس باشا رئيسا للوزارة وإلا فإن طائرة تنتظر كما قالوا لتأخذ الملك فى رحلة طويلة!
- وأطل الملك من إحدى النوافذ ورأى الدبابات استسلم ولكن المرارة ملأت فؤاده رأى أنه ضحية لسياسة القوة . سجين فى بلدة فأصبح غليظا متشككا.ومنذ تلك اللحظة , كما يقول أصدقاؤه استسلم لملذاته. إن رعاياه لامسلمين شعب متعصب فهم غاضبون لتورط الملك فى حياة الليل بالقاهرة.
- إن حياة فاروق تلقى ظلال الشك على مستقبله . وربما ينجو ولكن الأمر خطير فى نظر المراقبين الأكفاء فى القاهرة".
ساعد على انهيار سمعة الملك والدته الملكة نازلى.اتهمها فاروق بأن لها علاقة برئيس ديوانه الراحل أحمد حسنين وأنها تزوجته عرفيا.سافرت صاحبة الجلالة إلى أوربا فى صيف عام 1946 بعد وفاة أحمد حسنين, وتنقلت بين عواصم العالم ثم استقرت فى الولايات المتحدة . ورفضت العودة إلى مصر.
وأخذ الناس يتناقلون روايات فضائح الملكة الأم التى ألحقت بخدمتها رياض غالى أمين المحفوظات السابق بالقنصلية المصرية فى مارسيليا كسكرتير ثم زوّجته عام 1950 وهو مسيحى من ابنتها فتحية شقيقة فاروق!
فى لقاء بين الملك فاروق والسفير البريطانى رونالد كامبل وصف فاروق مشاعره نحو البنا.
قال:
- الشيخ فى حالة غير طبيعية من الإحساس بقوته .ويعتقد أنه مامن أحد يجرؤ على الإعتداء عليه.وقد وصل الشيخ البنا إلى حد أنه يطلب من اتباعه أن يقسموا يمين الولاء له وأن يفعلوا ما يأمرهم به وأن يمتنعوا عما يناهم عنه.
- وطلب ذلك من ضباط الجيش الذين يرغبون فى الإنضمام إلى جماعته ولكنهم, أو الأغلبية العظمى منهم , رفضوا ذلك نظرا لليمين التى اقسموها بالولاء لملك مصر ولولا ذلك لكان كل ضباط الجيش قد انضموا للجماعة
وأضاف فارق:
- ليس عندى شك فى أن الإخوان المسلمين معادون للملكية بشكل مؤكد
وكرر صاحب الجلالة القول:
قال عبد الطيف البغدادي عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 فى مذاكراته:
"فى بداية 1940 قمنا بعمل تنظيم سرى بين ضباط الطيران والجيش استعدها للمشاركة فى تحقيق هدفنا وهو مقاومة الاحتلال البريطانى.رحب الشيخ البنا بالفكرة ولكنه اقترح إدماج تنظيمنا مع الإخوان المسلمين.
قال الشيخ البنا:
- لدينا الجنود وهم الأعضاء المنضمون للجمعية ويقدر عددهم بربع مليون ونحن فى حاجة إلى القادة القادرين على قيادة هؤلاء الجنود وستكونون القادة
واضاف:
- نحن ندعو إلى الدين لغرض سياسى نأمل تحقيقه ولسنا مشايخ طرق رفض البغدادى وزملاؤه الاندماج خوفا من ان تذوب منظمتهم وهى بداية عهدها داخل جماعة الإخوان المسلمون فوافق الشيخ البنا على التعاون مع التنظيم فى عرقلة تقهقر الجيش البريطانى عند انسحابه من صحراء مصر الغربية أمام الألمان".
وإذا كانت هذه المحاولة لاختراق الجيش قد فشلت فى تلك السنة فإنها نجحت عام 1944.وكانت الخلية الأولى الرئيسية لرجال الجيش من أعضاء الجماعة تضم سبعة ضباط برئاسة محمود لبيب وكيل الإخوان.
وبين الضباط السبعة ثلاثة من الضباط الأحرار الذين قاموا بعد ذلك بثورة 23 يوليو واصبحوا أعضاء فى مجلس قيادتها وهم جمال عبد الناصر والملازم أول كمال الدين حسين والملازم أول خالد محيي الدين.
والأربعة الآخرون هم عبد المنعم عبد الرؤوف وسعد حسن توفيق وحسين محمد أحمد حمودة وصلاح الدين خليفة وهم من الضباط الأحرار.
وظلت اجتماعات هذه الخلية تعقد سرا كل أسبوع, خلال أربع سنوات وأربعة شهور , فى منازل أعضاء مجلس الثورة الثلاثة وعبد المنعم عبد الرؤوف . وشكل هؤلاء الضباط خلايا فرعية يضم كل منها سبعة ضباط,وبايعت الخلية الرئيسية عبد الرحمن السندي قائد التنظيم السرى فى أوائل عام 1946 كما يقول حسين حمودة فى كتابه "أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين".
وقال خالد محيي الدين إن مراسم الانضمام كانت توحى بالسرية المطلقة فتتم البيعة فى غرفة مظلمة ويقسم الضباط على مصحف ومسدس.وكان هؤلاء الضباط يقومون بتدريب أعضاء الجهاز السرى على استخدام السلاح .
وفى عام 1948 كان عدد ضباط القوات المسلحة المصرية الأعضاء فى الإخوان المسلمين قد زاد فانضم إلى الجماعة كثيرون من الضباط الأحرار بينهم انور السادات وعبد الحكيم عامر , ورشاد مهنا وحسين الشافعي وحسن إبراهيم.
وفى مذكرات الشيخ الباقورى أن جبل المقطم كان ساحة للتدريب على استخدام الأسلحة لشباب النظام .
وكان يقوم بتدريب التشكيلات الفدائية بعض ضباط القوات المسلحة من أعضاء النظام الخاص وبينهم جمال عبد الناصر الذى انضم للإخوان عن طريق الضباط الطيار عبد المنعم عبد الرؤوف عام 1942 عندما كان أركان حرب الكتيبة رقم 13 مشاة.وارتبط جمال عبد الناصر بالنظام الخاص يعمل فى صفوفه يدرب أعضاءه ويخرج معهم فى رحلاته .وكان عبد الناصر فى اتصلاته بالإخوان يتخذ لنفسه اسما مستعارا هو زغلول عبد القادر.
وبدأ عبد الناصر فى تحويل ولاء الضباط له فى عام 1946 دون علم الصاغ محمود لبيب. وعندما نقل عبد الرحمن السندي إلى مستشفى القصر العينى وكان يعالج به أثناء عقوبة السجن فى قضية سيارة الجيب زاره عبد الناصر وأصدر بعد الثورة عفوا عنه.ولم تنقطع صلة عبد الناصر بالإخوان.
بعد ثورة 23 يوليو 1952 زار الشيخ البنا وقال للإخوان المسلمين " لا تظنوا أيها الإخوان المسلمون أنى أجنبى عنكم فإنى واحد منكم
خطوة للتقارب مع الملك
بدا تشايمان أندروز خطوة للتقارب مع فاروق .دعا كريم ثابت المستشار الصحفى للملك إلى دار السفارة فى أوائل أكتوبر وطلب منه إقناع الملك بمنح تأييده السريع والقوى للتوصل إلى اتفاقية عسكرية بشروط معقولة مع بريطانيا وأن تتخذ مصر مواقف علنية مؤيدة لبريطانيا والقوى الغربية.
حمل كريم ثابت إلى الوزير المفوض يوم 11 من أكتوبر رد فاروق قال:
- " قرر جلالة الملك بصفة نهائية الاستجابة إلى اقتراح مستر بيفن والدى تلقاه خشبة باشا وزير الخارجية فى باريس ويقضى بإجراء مفاوضات بين بريطانيا ومصر على مستوى المفاوضات التى تجرى بين وزراء دفاع الدول الغربية وطلب الملك وقف الدعاية المؤيدة لحياد مصر.
- وقرر فاروق أن تنضم مصر بصورة علنية جانب قوى الغرب ويرغب فى أن يصبح على مصر نفس الواجبات والمسئوليات الملقاة على عاتق دول الحلف الغربى ... يعنى حلف الأطلسى.وإذا كان النقراشي غير مستعد لتنفيذ مثل هذه السياسة فيجب البحث فورا عن رئيس وزراء آخر يقوم بهذه المهمة.وقد أبلغ كل من إبراهيم عبد الهادي وحسن يوسف والنقراشي باشا بذلك خلال اجتماع دام تسعين دقيقة.
وقد رد النقراشى قائلا:
- الملك هو المدبر وإذا كانت هذه إرادته فلابد أنه يسعى إلى غرض ما من وراء ذلك.ووافق النقراشي على الفور وقف سياسة إهانة بريطانيا ومضايقتها واستدعاء عبد الفتاح عمرو باشا سفير مصر فى لندن للتشاور.
وعلق اندروز على ذلك قائلا:
- " ينبغى علينا نكون حذرين للغاية فى معالجة هذا الأمر فلا يمكن ضمان سكوت الوفد والإخوان ورجال مكرم إلا عن طريق الرقابة الدقيقة على الصحافة.وستكون هناك معارضة إذا تمكنت من تحقيق نجاح فى هذا الشأن كما تمكنت فى الماضى من قلب ميزان الأمور الدقيقة الأخيرة فإن الموقف سيكون أكثر صعوبة من ذى قبل وتصبح معالجته أمرا عسيرا.
- ولن تكون هناك معارضة كبيرة للتوصل إلى شكل من أشكال الاتفاق مع بريطانيا ولكن المعارضة ستكون موجهة إلى اسلوب إجراء المفاوضات وتوقيع المعاهدة عن طريق حكومة تابعة للقصر ليست لها شعبية وتعتمد على الرقابة وفرض حالات الطوارئ لتنفيذ سياستها.
وفى رأيى التزام الحذر من الذهاب إلى ما وراء المحادثات العسكرية والدخول فى القضية المصرية بشكل عام إلا :بعد إنتخابات وقد سبق لفؤاد سراج الدين . السكرتير العام للوفد. أن نصح بعدم افقبال على هذه الخطوة.
- وأرسل لى فؤاد سراج الدين خطابا بأن آية محاولة للوصول إلى اتفاقية مع حكومة تابعة للقصر ستفشل لا محالة كما فشلت محاولات سابقة.وقال أيضا أن صور الفشل المتتابعة جعلت من العسير على حكومة الوفد التى ستأتى لا محالة آجلا أو عاجلا التوصل إلى أية اتفاقية معنا".
ولكن الإخوان من ناحيتهم كانوا يتوقعون سقوط كل الأحزاب كتب جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى يقول:
ويلتقى كلاتون مدير الإدارة الأفريقية بوزارة الخارجية البريطانية فى باريس يوم 22 من سبتمبر بادجار جلاد سألأه عن الموقف فى مصر.
قال جلاد:
- الملك والجميع وافقوا على إبعاد النقراشي. وقال إن خليفة النقراشي إما أحمد خشبة بشا وزير الخارجية وهو رجل ضعيف , على أن يتولى وزارة الداخلية إبراهيم عبد الهادي.
وأضاف:
- المطلوب حكومة ائتلافية ولكن الملك لن يقبل النحاس كرئيس للوزراءة وإذا حاولتم أى الإنجليز فرض النحاس عل صاحب الجلالة فستقوم الاضطرابات ,اطال جلاد فى الحديث بينما التزم كلاتون وزميل له الصمت .. وأخيرا قالا تشكيل الحكومة مسألأة داخلية مصرية مخصة. ولن تتدخل فيها الحكومة البريطانية.
ولكنهما استدركا قائلين:
- كل الذى يحظى بهتمامنا أن نجد حكومة مصرية تستطيع التعامل معها
بدا جلاد يهدد قال:
- فى هذه الحالة سيلجأ الملك إلى الشعب , ويجدد تأييده للإخوان المسلمين الذين تخلى عنهم ! توجه تشابمان أندروز الوزير البريطانى المفوض لمقابلة النقراشي لابلاغه بإصرار بريطانيا والولايات المتحدة على ضرورة تقرير الوسيط الدولى بضرورة تقسيم فلسطين بين العرب واليهود.
- اضطر النقراشي للموافقة فهو يعلم حقيقة الموقف العسكرى والإقتصادى فى مصر والموقف الدولى الذى يفرض على مصر... الخضوع! وبعد انصراف اندروز كانت الدموع تغطى وجه النقراشى ويعرف الوزير البريطانى ذلك من " صديق مصرى"
ويكتب أندروز إلى لندن :
- لم أسمع من قبل أن النقراشي يبكى . رغم أن هؤلاء الناس يستسلمون فى لحظات الضيق والتوتر إلى التنفيس العاطفى.ولابد انه توصل إلى أن موقفه بلا أمل"!
الملك الجديد
كان يجب أن ينتبه صاحب الجلالة لخطورة الموقف فى مصر, ويتخذ إجراءات حاسمة حتى لا تتدهور الأمور بعد حرب فلسطين.ولكن فاروق نطلق فى عبثه.قصد تشايمان أندروز الوزير البريطانى المفوض إلى الإسكندرية ليتابع الملك فاروق ثك كتب هذه الرسالة إلى مايكل رأيت الوكيل المساعد لزارة الخارجية البريطانية.
قال:
- "امضيت عدة ساعات على ظهر عوامة عبود باشا فى ميناء الإسكندرية التى ترسو قرب اليخت الملكى برأس التين.وأتيح لى بشكل مفاجئ أن أرى عن قرب أحوال صاحب الجلالة وهو ينتقل بصورة متقطعة بين يخته " المحروسة" و"فخر البحار" وعوامة قديمة أخرى ترسو على مسافة ليست بعيدة عن عوامة عبود.
- لقد تم نقل كل العوامات الأخرى بعيدا حوالى 200 متر من هذا الركن . وكان مقررا أن تبتعد عوامة عبود أيضا لولا أن الملك ميزها واشار من فوق " المحروسة " بان تبقى كما هى.ورغم ذلك تم إبعادها الآن .
- وهكذا يمكن رؤية جلالته فى ماء البحر على نحو حذر مع فتاتين يونانيتين فى العوامة القديمة , أو يطوف الميناء فى زولاقة السريع , عارى الصدر والرأس بصحبة شخص يشبه بوللى وهو القواد ورفيق الملذات الإيطالى الذى أنعم عليه بالبكوية اخيرا.
- وفى بعض الأحيان, يخرج جلالته للصيد ليلا. وفى أحيان أخرى يخرج للقمار ليلا:وخلال العطلة قضى ليلتين وهو يلعب "البكاراخ" فى نادى السيارات الملكى ومع ذلك , فبعد هذه الليالى . يظهر فى الحادية عشرة صباحا . يطوف الميناء وضحكاته تدوى فوق مياة البحر المتوسط
- وهو قوى جسمانيا ومن الواضح أن يستمتع بشكل طفولى بمهارته وجرأته فى التلاعب بزورقه السريع يتلوى فى منحنيات دقيقة. ثم ينطلق به بأقصى سرعة فى اتجاه شىء معين ثم يتفاداه قبل أن يصل إليه بعشر ياردات فقط.
- وهذه الأعمال الجريئة موضع اعجاب بالغ من أطفالى الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين خمس وعشر سنوات فهم يجلسون مبهورين ويمنعون أنفسهم بصعوبة من الصياح والتهليل له بين الحين والآخر وعندما يحدث ذلك يستدير صاحب الجلالة ويلوح بشكل ودى.
- وسمعت أن جلالته يفكر فى الآونة الأخيرة فى إمكان طلاق الملكة فريدة فلن يكون مناسبا له أن يحتفظ بزوجتين على الرغم من أن الشريعة الإسلامية تسمح له بذلك.وأعتقد أن المشكلة الرئيسية تتمثل فيما ستفعله الملكة إذا حصلت على حريتها.
فاتح الملك وهو يضحك الأمر مع الملكة قال لى جلاد:
- فى آخر مرة ناقش فيها الملك الأمر مع لاملكة قالت إنها " ستذهب وتتزوج الخباز" والملك يأخذ هذه الفكاهة بجدية بالغ ولم ينجح بعد ذلك فى حل مشكلة كيف يحصل على حريته دون أن يحررها فى الوقت نفسه"!
أراد فاروق ألا تتزوج الملكة فريدة بعد طلاقها فقال لشيخ الأزهر:أريد أن تصدر فتوى بأنه لا يجوز لها أن تتزوج رجلا آخر .
قال شيخ الأزهر: المرأة بعد الطلاق وانقضاء العدة تستطيع أن تتزوج من تشاء طبقا للشريعة.
قال فاروق: ولكنها ملكة؟
قال الشيخ: الدين لا يفرق بين ملكة وامرأةمن عامة الناس !
ولا يجد فاروق مفرا من طلاق زوجته الملكة فريدة فى 17 من نوفمبر 1948 دون أن يشترط عليها ألا تتزوج . ... وعلى أى حال فإنها لم تتزوج بعد طلاقها من صاحب الجلالة .. أو بعد وفاته! وتستمر المحاولات للإطاحة بالنقراشي بعد أن قاطعته السفارة البريطانية تماما.
كتب تشابمان اندورز الوزير البريطانى المفوض إلى لندن:
- " قيل لى أن الملك يفكر من جديد فى التخلص من النقراشي بمجرد أن يدرك الشعب المصصرى حقيقة الوضع فى فلسطين.
- ووفقا لما يقوله أحمد عبود المليونير ورجل الأعمال المصرى فقد أرسل فاروق منذ بضعة أيام يستدعى حسين سرى وطلب منه تشكيل حكومة على أساس البرلمان الحالى. وبعد أن فكر حسين سرى فى ذلك لفترة ما .
- تخاذل وأبلغ الملك أنه لا يستطيع إلا إذا صار مفهوما أنها حكومة انتقالية تتولى السلطة بهدف إجراء انتخابات عامة. ولم يقرر الملك وأعتقد أنه قد يقرره فى الخريف ..
- ومن المؤكد أن المرء لا يتلقى مطلقا أية كلمة طيبة من النقراشي والحكومة الحالية بينما يسمع المرء من جوانب عديدة أن الأمل الوحيد يتمثل فى عودة الوفد .
- ويخشى الناس باستمرار على إقناع وزارة الخارجية البريطانية بأن تتركنى أبلغ الملك بأنه لا يمكننا السماح بإستمرار الأوضاع كما هى فترة أطول مبينا أن الحفاظ على وضعنا الاستراتيجى هنا أمر حيوى ويجب أن نحظى بحسن نوايا الشعب المصرى إلى جانب احتياجاتنا العسكرية الضرورية
- وتمضى الأمور من سيئ إلى أسوأ ولا يمكن أن نفكر فى محاولة تسيير أمورنا مع حكومة لا تتمتع بتأييد شعبى!
وأعتقد أن أفضل ما يمكن عمله فى الوقت الراهن أن نترك الكلاب النائمة ... نائمة!
- وإذا تمكن المرء من إقامة صلة طيبة مع الملك فاروق بصورة شخصية بالشكل الذى يجعل التعامل معه بصراحة ممكنا وبطريقة غير رسمية فسيكون شيئ طيبا أن نحثه على إجراء انتخابات عامة مبكرة.وأعترف بأنى لا استطيع اختراق المجموعة المحيطة به . الذين يكسبون معاشهم أو يحتفظون بمناصبهم من كونهم سماسرة.
- وإذا اتيحت لى نصف فرصة سأنتهزها ولكن عدم تمكنى من مثل هذه الفرصة حتى الآن ولا السفير يبين أن الملك يعرف الاتجاه الذى يجب أن تسير فيه مثل هذه المحادثات ولا يريد سماع نصيحة لا يستسيغها "! وتستمر المفاوضات من وراء ظهر النقراشي للإطاحة به ويكون رسول الملك ..
- إبراهيم عبد الهادي باشا رئيس الديوان الملكى الذى تولى الوزارة 9 مرات ممثلا للحزب السعدى الذى كان يراسه أحمد ماهر وبعده النقراشي.ويكون رسول عبد الهادى للوفد المليونير أحمد عبود . طلب سراج الدين من عبود استشارة تشابمان اندروز .
رد الوزير البريطانى المفوض قائلا:
- لن يخسر سراج الدين شيئا من ابقاء القنوات مفتوحة! قال فاروق لمستشاره الصحفى كريم ثابت إنه قرر إعفاء النقراشي من رئاسة الوزارة
وأضاف:
- إنى غير آسف على تغييره فقد فشل على طول الخط " وجاب لنا وجع الدماغ" من كل ناحية.ووقع الإختيار على أحمد خشبة باشا وزير الخارجية لاذى ينتمى إلى حزب الأحرار الدستوريين ليخلف النقراشي لأن خشبة محبوب من الجميع ويصلح لرئاسة مهمتها تهدئة الأحوال فى البلاد والتقريب بين مختلف الهيئات والجهات.
- ويبعث فروق بمستشاره الصحفى إلى خشبة يستطلع رأيه, فوافق وبدأ فاروق يستطلع رأى الحزب السعدى الذى يراسه النقراشي وهل تؤيد الوزارة الجديدة أم لا على أساس أن الأغلبية للسعديين فى البرلمان
ويؤكد تشابمان اندروز الوزير المفوض للندن:
- الملك فاروق مصمم هذه المرة على التخلص من النقراشي وأخشى استدعاء أحمد خشبة باشا وزير الخارجية بدعوى أنه قادر على التوصل إلى اتفاقية معنا بشأن الدفاع والسودان مدعما مركزه فى البلاد ومتيحا للحكومة الاستمرار.
- وهو تصور خطير وأرجو ألا نشجع خشبة على الأمل فى النجاح فسيكون ذلك ميكافيلليا.وأؤيد تماما أن يصبح خشبة باشا رئيسا للوزراء لأنى مقتنع بأنه لن يستمر سوى بضعة أسابيع ولا أرغب أن يشعر لمصريون أننا قد " سرحنا" بشكل من ألشكال وبعد خشبة لا يمكن أن تقوم سوى حكومة محايدة قبل إجراء الانتخابات ويمكن أن يرأس حسين سرى الحكومة المحايدة.
- وهو يقبل المنصب لكنى اشك فيما غذا كان الملك سيعرضه عليه . فقد ضاق به وطلب عدم ذكر اسمه مرة أخرى فى حضرته ومن الاحتمالات الأخرى بهى الدين بركات وشريف صبرى وحافظ عفيفى.
- وقد أخبرنى حافظ عفيفى ليلة أمس أن قبوله رئاسة الوزراة تعنى الإستقالة من منصبه كعضو منتدب لبنك مصر وهو غير مستعد لذلك إلا بعد أن يتوافر له الوقت الكافى لتنفيذ برنمج فعال للإصلاح الاجتماعى وطد نفسه عليه وقد يكون ذلك ممكنا فى ظل ظروف معينة ولكنى لا أركن إلى تلك الظروف فى الوقت لاحاضر"
وهذه البريقية تبين أن الوزير المفوض البريطانى كان يساند خشبة باشا علانية فى القاهرة ويعارضه سرا فى لندن.وتؤكد هذه البرقية أن عمر وزارة النقراشى لن يطول.
ولم يدرك أحد أن عمر النقراشي لن يطول .كان مقررا أن يفتتح صاحب الجلالة البرلمان فى 19 من نوفمبر 1948 غير أنه تلقى تهديدات بالقتل . فأوقد فى اللجظة الأخيرة ابن عمه وولى عهده الأمير محمد على إلى البرلمان الدورة نيابة عنه.
وجاء ذلك بعد اتخاذ تدابير أمنية لم سبق لها مثيل, عل طول الطريق الذى كان مقررا أن يسلكه الملك. فتشت المبانى تفتيشا دقيقا بما فى ذلك الجامعة الأمريكية.
وابلغت الجامعة أن يبقى الطلاب فى قاعات المحاضرات بين العاشرة والنصف صباحا حتى الواحدة والنصف بعد الظهر وقد اعتبرت الجامعة ذلك إجراء غير عملى فعطلت الدراسة فى ذلك اليوم.
وحذر البوليس سكان المنازل على جانبى الطريق من استقبال الأجانب وأمروا بألا يلقوا زهور أثناءمرور الموكب الملكى.وامتنع الملك والوزراء عنم الظهور فى أى مكان عام خوفا من رصاص الإرهابيين. أيد الإخوان بأ‘مالهم شكوك الملك.. ضدهم ضاعفوا منحملتهم عليه.. واتجهوا بنقدهم إليه.
كتب صالح عشماوي وكيل الجماعة فى صحيفة الإخوان المسلمين يصف خطاب لعرش:
- " اشرأبت الأعناق وأرهفت الآذان لسماع ما يقوله خطاب العرش عن القضية الوطنية بعد أن طال عليها الركود ولكن كانت فجيعة للمصريين والسودانيين على السواء حين لم يسمعوا جديدا يقطع الصمت أو يروا بصيصا من النور يبدد بالقضية من ظلام وغموض".
قال مراسل " شيكاغو " ديلى تريبيون:
- " يخشى الملك على سلامته الشخصية والملاحظة التى تتردد فى القاهرة الآن هى: النقراشي أول وفاروق ثانيا"!
أراد فاروق أن يتخذ خطوة للتقارب مع الإنجليز بعد الهزيمة فى فلسطين فقام بزيارة مفاجئة للسفير البريطانى بدار السفارة فى 24 من نوفمبر 1948 يرافقه عبد الفتاح عمرو باشا سفير مصر فى لندن وكريم ثابت المستشار الصحفى لصاحب الجلالة.
قال فاروق للسفير البريطانى:
- آمل أن تكون هذه الزيارة مناسبة لبداية علاقات طيبة بين البلدين
وأضاف :
- تحدونى آمال عريضة أن نتوصل إلى انفاق لصالح مصر وبريطانيا وهذه المنطقة من العالم , ولكن ذلك لن يكون أمرا سهلا.
قال السير رونالد كامبل:
- اشارك ساحب الجلالة هذه الرغبة ولكن لابد أن يقتنع الجانبان بوجود احتمال حقيقى للنجاح قبل الدخول فى محادثات , فالأمر لا يحتمل أن نبدأ ثم نفشل.
وافق فاروق على رأى السفير الذى قال:
- إذا بدأت المفاوضات وكانت هناك رغبة فى نجاحها فمن الضرورى الحفاظ على المثابرة .
قال الملك:
- أرجو أن تبذلوا من جانبكم كل ما فى وسعكم لمساعدتى وتجنب تعقيد الأمور أمامى.وأشار إلى المباحثات التى تجرى فى أنقرة بين الأمريكيين والبريطانيين والأتراك للدفاع عن الشرق الأوسط وقال إنها تجرى دون حضور مصر.فى اليوم التالى لزيارة فاروق فسر عبد الفتاح عمرو باشا للسفير البريطانى مغزى الزيارة وتلميحات فاروق لمباحثات أنقرة
فقال عمرو باشا:
- إن فاروق يشعر بضرر كبير لعدم اشتراك مصر فى هذه المحادثات وهو فاروق مهتم بهذا الموضوع ويأمل فى استخدام نفوذه مع الدول المجاورة يقصد نشر شبكة من التعاون العسكرى مع البريطانيين فى منطقة الشرق الأوسط وتضم الشبكة اليونان وتركيا.
وقال عمرو:
- يأمل صاحب الجلالة أن يبدأ هذا التعاون بين مصر وبريطانيا العظمى دون تأخير.ويكتب السفير البريطانى إلى لندن يوم 25 من نوفمبر
يقول:
- " هذه هى الزيارة الأولى التى يقوم بها الملك فاروق إلى سفارة جلالة الملك منذ وصولى أى منذ مارس عام 1946.وهى تحتاج إلى بعض الشجاعة من جانبه . وكان الهدف منها أن ينقل بوضوح إلى الحكومة البريطانية آماله ونواياه الصادقة وتعريف الرأى العام المصرى بإتجاه سياسته".
اتصل السفير بكبير ياوران الملك ليعرب له عن تقديره للزيارة فوجد كبير الياوران سعيدا يشعر بالرضا والارتياح لأن صاحب الجلالة قام بالزيارة ... أخيرا!
قال السفير فى برقية إلى لندن:
- " إن عمل الملك سيصبح رمزا لحالة نفسية جديدة بين المفكرين المصريين".
وهكذا أصبح واضحا أن فاروق يريد تسوية الخلافات وتححسين العلاقات بين مصر وبريطانيا بعد الهزيمة فى مجلس الأمن . وفى فلسطين.وحدد فاروق أهدافه وهى معاهدة جديدة بين البلدين وموافقة مصر على الاشتراك مع الغرب فى الدفاع عن الشرق الأوسط.ولكن كيف يمكن الوصول إلى ذلك كله.
يشرح السفير البريطانى المر فى برقيته إلى لندن قال:
- " سيكون من نتائج الزيارة غبعاد النقراشى الذى يكرهه الملك والذى سيتم استبداله فى أسرع وقت ممكن بشخص آخر ,لكنه لن يكون النحاس".
ولكن بيفن ظل أكثر من عامين يرفض " عزل" النقراشي والتدخل فى الشئون الداخلية المصرية.ويجتمع مجلسا البرلمان فى جلسة سرية أكثر من أربع ساعات مساء يوم 30 من نوفمبر برئاسة الدكتور محمد حسين هيكل باشا رئيس مجلس الشيوخ لمناقشة الموقف فى فلسطين.
سئل النقراشي عن خسائر التى تعرض لها الجيش المصرى فقال إنها 1,5% فقط بينما بلغت الخسائر العادية فى الحروب 6% وفى بعض ميادين الحرب العالمية الثانية بلغت 22% ورفض أن يؤكد أو ينفى أن نسبة الخسائر تشمل القتلى فقط وأبى أن يجيب عن سؤال الحافظ رمضان باشا رئيس الحزب الوطني عن نسبة الخسائر من الضباط والجنود فانسحب حافظ رمضان من الحلبة احتجاجا وأعلن فؤاد سراج الدين باشا سكرتير عام حزب الوفد أن الحرب كلفت مصر 50 مليونا من الجنيهات.
وسألا رئيس الوزراء :
- لماذا لم تقم بتجهيز الامدادت اللازمة من الذخيرة قبل فرض الحظر ما دامت لديك نية فى غزو فلسطين خاصة وقد انقضت سبعة أشهر بين إعلان البريطانيين قرارهم بالإنسحاب من فلسطين وبين عبور الجيش المصرى للحدود فى 15 من مايو؟!
اعترف النقراشي بأن ما ذكره فؤاد سراج الدين حقيقة لا غبار عليها ولكنه قال :الأولى بك أن توجه هذا الكلام إلى نفسك . يقصد أن سراج الدين وافق فى اجتماع البرلمان عند مناقشة الموضوع على دخول الحرب, وأن حكومة الوفد لم تعد الجيش , للحرب فى اثناء توليها الحكم!وقال النقراشي إن قبول الهدنة ... " غلطة"!
أبرق السفير البريطانى يصف الجلسة قال:
- " وقع رئيس الوزراء فريسة لهجوم نارى.وبالنسبة لهذه القضية فقد منحت الحكومة البريطانية فى أوائل عام 1946 مصر نوعا من المعدات لتشكيل لواء مسلح ولكن المصريين أهملوا الإفادة من هذه المنحة على الرغم من أنى قمت حينئذ بتذكير الملك فاروق ورئيس الوزراء بذلك.
- وأقر رئيس بمسئوليته الشخصية نحو قضية إمدادت السلاح . وبهذا الخصوص سبق أن قال لى السفير المصرى فى لندن عبد الفتاح عمرو بأنهم لن يسمحوا للنقراشى بالقاء تبعة فلسطين علينا وقد امتنع الوزراء عن ذلك بالفعل وتحمل المسئولية على عاتقه وتعرض الفريق محمد حيدر باشا وزير الدفاع لهجوم عنيف من جانب المعارضة.
- وكان رد فعله عنيفا أيضا.اتهم بالإخفاق فى عمل الاستعدادت المناسبة قبل الاضطلاع بالحملة العسكرية وخيانة وطنه بتكليف الجيش بعمل لايقدر عليه وبعدم ثقته أى حيدر فى الآخرين.
- ودعى لوقف الخسائر فى الأرواح والأموال قبل أن تجئ بالخراب إلى مصر دافع حيدر بحرارة عن قراره الخاص بارسال القوات المصرية إلى فلسطين قال إن أى فشل فى تحقيق نصر سريع وكامل لا يرجع إلى خطأ من جانبه بل هو خطأ السياسيين الذين وضعوا العراقيل فى طريقه كوزير للحربية لبناء قوات قوية معدة إعدادا جيدا.
- وقيل إنه فقد أعصابه تماما فى اثناء الرد وأنه لقب الذين نقدوه " بأولاد الكلاب"!وفى نهاية المناقشة أصدر الشيوخ قرارا, وأعلن فيما بعد يمتدح كفاءة الجيش المصرى . ولم تكن لهجة القرار كتلك التى اعتادوا استخدامها فى وصف أعمال الجيش فى فلسطين .
- وقد أعد مشروع القرار بعناية شديدة من قبل فى القصر الملكى بهدف إعلان الثناء ليكون له أطيب الأثر على معنويات الجيش.ولم يكن مشروع القرار حافلا بالمديح حتى لا يرفضه مجلس الشيوخ الذى ينزع دائما إلى النقد ".
وهكذا نجد ان النقراشي تحمل النقد كله نيابة عن الملك والجيش والإنجليز قال السفير البريطانى:
- وبدأ من الواضح أن النقراشي لم يستطع إقناع أولئك الذين انتقدوه حقق النقراشي هدف الملك ولم يخذله أبدأ فى تلك الفترة وبذلك حان الوقت لخروجه إرضاء لكل الأطراف.
ولكن صاحب الجلالة رأى أن يستمر النقراشي فى مهمته ليخلصه من عدوه الأكبر: الإخوان المسلمين !فقد زاد نفوذ الجماعة السياسى إلي حد كبير بعد أن حددت وأعلنت مبادئها فى كل الأمور
وأهمها:
- " إعادة الخلافة .. وحتى لا يغضب الملك أو تزيد حدة غضبه على الجماعة قال المرشد العام لابد من خطوات تمهيدية لها بالتعاون الإقتصادى والثقافى والاجتماعى بين الشعوب. " الوحدة العربية الإسلامية."
- إدماج الأحزاب فى هيئة واحدة لها برنامج إصلاحى تقوم على الإسلام لاستكمال الاستقلال والحرية.
- " تطبيق نظرية الإسلام الإقتصادية أى على أساس ما جاء بالقرآن الكريم."
- أعادة النظر فى نظام الملكيات فى مصر بتحديد أو اختصار الملكيات الكبيرة وتعويض أصحابها وتشجيع الملكيات الصغيرة.
- تمصير الشركات وانتزاع المرافق العامة من الشركات الأجنبية .
- توزيع أملاك الحكومة فورا على صغار الزراع
- " فرض ضريبة الزكاة على رأس المال والربح لا على الربح وحده
- " الضرائب تصاعدية ويعفى منها الفقراء.
- تحريم الربا.
- "العودة للأصول الكبرى:القرآن والسنة كمصدرين للتشريع.
أسقطت الجماعة أو ساهمت فى إسقاط, وزارتين فى سنة واحدة: النقراشى فى أوائل عام 1946 وصدقى فى أواخر ذلك العام.واصبحت قوية تضم 600 ألف عامل والمؤازرون ضعف هذا العدد ولها ألفا شعبة فى مصر وخمسون فى السودان وشعب فى كل الدول العربية وإندونيسا وسيلان وأفغانستان, وتركيا وأوربا , وأمريكا . وأنشأت الجماعة أعدادا كبيرة من المستوصفات والمدارس والأندية والجمعيات الاجتماعية.. ودارا للأعلانات .
وأخرى للطباعة, وثالثة للنشر تصدر الصحيفة اليومية ومجلة أسبوعية ومجلتين شهرتين وكتبا إسلامية , وعدة شركات منها 4 شركات كبرى للمناجم والنسيج والتجارة وإصلاح الأراضى بنجع حمادى.
قال هيوارث دان: إن هناك نوعا من المهدية فة حركة الجماعة وأن المرشد العام هو " المهدى"
وقال العميد أحمد كامل قائد شرطة القصور الملكية:
- " كان صاحب الجلالة يخاف الإخوان ويكرههم جدا. ويعتبر الشيخ البنا خطرا عليه ويخشى على حياته من الإخوان حتى أنه كلفنى أى أحمد كامل بأن أشدد الحراسة عليه فى تنقلاته والأماكن التى يتردد عليها ومكلاحظة العمال والزوار فى القصور والتفاتيش أى الأراضى الزراعية والعزب الملكية وطلب إخراج الموظفين والعمال الذين ينتمون للإخوان المسلمين من القصور والتفاتيش . وأمر بعمل حواجز حديدية على الأبواب الرئيسة لإجبار السيارات على الوقوف والتحقيق ممن فيها".
وقال حسن يوسف وكيل الديوان الملكى إن الملك رأى فى جماعة الإخوان خطرا على عرشه وأن السبيل لوقف هذا الخطر هو التخلص من الجماعة.
وبعد ثورة 23 من يوليو 1952.. قال يوسف رشاد أيضا:
- كان الملك يبدى مخاوفه من الإخوان وقد أبلغ أنهم ينادون بأن الملك بالمبايعة ولا بالميراث ويهاجمونه وينتقدون صراحة تصرفاته وارتياده للأندية الليلية. وظهوره مع بعض النساء.وأنهم يرون خلعه.وكان الملك يقول إنه يجب حل حزب الإخوان وتشتيته.وقد تلقى الملك تقارير من جهات مختلفة بذلك.
- وكان البنا قد أعلن أن الملك لا يورث حسب الدين الإسلامى ويجب أن يتم اختيار الحاكم بطريق المبايعة لا بطريق الوراثة.وأيد فكرة الخلافة .
ونشرت صحيفة " الزمان " المسائية التى يصدرها ادرجار جلاد باشا رجل الملك:
- "تآمرت مجموعة من 80 فردا من الإخوان المسلمين لتنصيب الشيخ البنا خليفة وتم وضع استعدادات تفصيلية لمسيرة فى القاهرة فى أثناء إجراء الإنتخابات البرلمانية القادمة لإعلان قيام حكومة إسلامية.وتتجه نية الإخوان المسلمين إلى الدخول فى هدنة مع المجموعات الإرهابية الأخرى وبهذا تضمن تعاون العناصر الشيوعية".
وقال وكيل وزارة الداخلية عبد الرحمن عمار:
- " استقر فى نفس الملك أن الجماعة تريد خلعه عن العرش وإقامة جمهورية إسلامية تشمل مصر والدول الإسلامية.والمرشح لرئاسة الجمهورية المرشد العام".
استمرت المحاولات لتشويه صورة الإخوان أمام السفارات الغربية.زار المركز الرئيسى للجماعة ثلاثة أسابيعمتصلة كاتب أمريكى اسمه ديرونيان يوقع كتبه باسم مستعار هوجون روى كارلسون ليؤلف كتابا عنوانه " الكشف عن المتآمرين".
قدم كارسلون إلى السفارة الأمريكية صورة لأعضاء الجماعة فقال:
- " يمكن رؤية مجموعة من أكبر قطاع الطرق البلطجية فى العالم يوحى منظرهم بالشراسة فى مقر جماعة الإخوان .هم مجموعة من أصحاب اللحى ذات الملابس المتسخة للغاية لغاية منهم من أصابه الحول. ملامحهم خشنة قاسية, تجد بين صفوفهم أكثر المتعصبين قسوة..
- ويصعب التوصل إلى حل للألغاز الخاصة بهذه الجماعة , فهم يعادون الأجانب, ويميلون للشك بدرجة كبيرة.
ومحاولة الإتصال بقادتهم صعبة للغاية تكتنفها مخاطرات شخصية بل إن تحويل مجرى النيل أسهل من الوصوب إليهم بسرعة!
- وهناك من يبالغ فى تصوير القوة التى يتمتع بها الإخوان وهناك من يهون منها. ولا أعتقد أن رقم نصف المليون عضو ينطوى على كثير من المبالغة إذا حسبنا الأتباع ... وأقارب الأعضاء!
- وعلى سبيل المثال كنت أزور مطار ألماظة فذهبت إلى مكتب شركة مصر للطيران. وقلت إنى سأتوجه بعد ذلك لمقابلة البنا فتطوع موظفون لمساعدتى وعندما أخطأ قائد سيارة الأجرة فى الالتزام باشارات المرور نهره أحد جال الشرطة بصوت عال فقال السائق: إنى أنقل رجلا أمريكيا إلى المقر الرئيسى لجماعة الإخوان عندما سمع الشرطى أسم الجماعة لم يكتف بالإعتذار بل وجه إلى التحية".
قال النقراشي لكريم ثابت المستشار الصحفى
- قل للملك إن الإخوان إن الإخوان أعدوا شبكة لا سلكية تمكنهم من الأتصال بفروعهم فى جميع أنحاد البلاد فى اليوم الذى يقررون فيه قطع المواصلات. إن لاموضوع أخطر جدا مما كنت أتصور فى بادئ الأمر.
- فوجئ كريم ثابت عند دخوله على الملك فاروق بصاحب الجلالة يفتحدرجا وأخرج منه نتيجة من النتائج التى تطبعها مصلحة المساحة لتعلق على الجدران وفيها شهور السنة وأيامها ومواقيت الصلاة
وقال:
واضاف فاروق:
- أتريد أن ترى صورة الملك الجديد. أنظر ... صورة من هذه؟
قال كريم ثابت: صورة البنا
وأضاف: كيف كان ذلك؟
قال فاروق: هذه النتيجة التى تراها أمامك ليست سوى واحدة من مئات عثر عليها رجال المباحث فى دمنهور وقد نزعت منها صورتى ووضعوا مكانها صورة البنا ..ز إنه الملك الجديد!
الــــرعــــب
فى كتاباته ورسائله وخطبه قال الشيخ البنا إن أركان دعوة الجماعة هى: "العلم والتربية والجهاد"
وقال :
- " بدون استعداد كل فرد فى الجماعة للجندية لا يكون شيئ " وجعل للعضوية ست مراتب منها " المجاهد"
- واشترط أن يكون العضو " قادرا على الصبر والكتمان وحفظ السر" وحدد المرشد العام مظاهر النشاط الأسبوعى للأعضاء فأعلن أن منها " يوم المعسكر " أى يوم الجندية استعدادا للجهاد المقدس.
وقال لى الشيخ عمر التلمساني المرشد العام السابق للإخوان المسلمين:
- " الإسلام يتضمن فرض عين وفرض كفاية" الصلاة والصوم مثلا فرض عين يسأل عنهما الفرد. أما فرض الكفاية فيتمثل فى الجهاد... والزراعة الخ.. فإذا قام المسلمين بفرض الكفاية سقطت المسئولية عن الباقين... وإذا لم يقم أحد بذلك فإن المسلمين جميعا مسئولون.
فكر البنا فى الفرض الأخير أى الجهاد ورأى إنشاء قوة فى مصر ميليشيا تستطيع مقاومة الإنجليز ومواجهة اليهود فى فلسطين خاصة وأن السلاح متوافر فى كل مكان.
وأكد الشيخ الباقورى
- "إن النظام الخاص أنشئ لتدريب الراغبين فى الجهاد عن طريق لاعمل الفدائى فى فلسطين أولا. ثم فى مصر, ضد الاحتلال البريطانى لمنطقى قناة السويس. وكان التمويل من اشتراكات أفراد النظام".
- وقد انتقد البعض الإخوان وقالوا إنهم تحولوا من الإشتغال بالدين والتربية الإسلامية إلى العمل السياسى وهذا غير صحيح فقد فكر الشيخ البنا فى الجهاد عندما أنشأ الجماعة 1928.
- وفكر فى إقامة النظام الخاص الذى أطلق عليه الناس اسم النظام السرى أو الجهاز السرى عندما فكر فى الدعوة .. أى منذ البداية ولدت الفكرة مع الدعوة وفى السنة الأولى منها , ويرجع ذلك إلى أن البنا كان يرى أن الإستعداد بالتسليح والتدريب أمر ضرورى ليعرف الأعضاء معنى الجهاد ولاكتمال الدعوة وتنفيذ أمر الإسلام"
وأضاف الشيخ التلمساني:
- كل مسلم يجب أن يكون مستعدا للجهاد ويحسن استخدام السلاح
وقال:
- النظام السري لم يقم لقتل الوزراء أو قلب نظام الحكوم بالقوة وقال لى فهمي أبو غدير المحامى الذى كان عضوا بمكتب الإرشاد العام . إن التنظيم الخاص بدأ صغيرا عام 1935
- فقد تأثر الشيخ البنا بالشيخ عز الدين القسام الفلسطينى الذى قتل ومعه 13 من أنصاره فى فلسطين فى معركة غير متكافئة فرأى إنشاء هذا الجهاز لإيمانه بأن أى حق فى الدنيا لا تحميه قوة يعتبر حقا ضائعا. ومهمة الجهاز فى رأيه القتال ضد الإنجليز فى مصر وضد اليهود فى فلسطين.
ويقول الشيخ التلمساني:
- إن الجهاز أنشئ عام 1936.واعترف اثنان من رجال الإخوان هما محمود عبد الحليم وصلاح شادي] بأن المرشد أنشأ النظام الخاص عام 1940 فى سرية مطلقة لتواجه به الجماعة مسئوليتها إزاء الإنجليز فى الداخل والصهاينة فلسطين.
وقال الشيخ الباقورى:
- " كان الشيخ يعرف الشباب الذى انضم إلى النظام الخاص فى صفوف الشعب والجيش والبوليس بأعيانهم واسمائهم وأسرهم التى ينتمون إليعا وبلادهم التى يعيشون فيها"
اختار الشيخ صالح عشماوي وكيل عام الجماعة لرئاسة الجهاز فى البداية ثم اسند قيادته بعد ذلك إلى عبد الرحمن السندي وهو موظف كتابى بوزارة الزراعة لم يتم دراسته العليا! والسندى شقيق ميسور الحال عمدة لقرية بنة سند مركز منفلوط.ادى السندى البيعة أمام المرشد العام وتعهدا بألا يقدم على عمل إلا بعد الرجوع إلى لجنة القيادة وإلى المرشد شخصيا.
اعترف عبد الرحمن السندي بدوره فى الجهاز السرى عام 1954 فكتب يقول:
- " وكان البنا يعرف قدر الرجال فيعطى العاملين منهم الفرصة للعمل لخير الوطن والإسلام.ما أن تعرف علىّ وتوثقت رابطة الإخوة بيننا والثقة المتبادلة وعرضت عليه آمال وأفكارى حتى أطلق يدى فى العمل لدعوة الله ومكن لى من إعداد العدة نصرة دين الله.
- انطلقت بفكرتى أعد الشباب للجهاد , واصنع منهم الرجال المخلصين الأقوياء الذين لقى أعداء الله والوطن من مستعمرين وأذنادبهم على أيديهم أشد ألوان العذاب والبلاء.وكانوا خير الرجال الذين أقضوا مضاجع الكفر والإستعمار"
تطور التنظيم على مراحل.بدأ فى صورة نشاط رياضى كشفى , وكان البنا قد ألف أول شعبها , وتولى تدريبها بنفسه.ومع انتقال المركز العام للإخوان من الإسماعيلية إلى القاهرة تطورت ط فرق العمل " أو " فرق الرحلات" وتعددت أغراضها واصبح أولها التدريب العسكرى.
وتغير اسم فرق الرحلات إلى (الجوالة) وزاد الإهتمام بها فى أعقاب مؤتمر الإخوان الثالث عام 1935 فأصبح تنظيما مستقلا يتبع المركز العام مباشرة وفى عام 1939 عين البنا محمود لبيب الضابط السابق بالجيش قائدا عاما لفرق الجوالة وون لها مجلس قيادة من سبعة أشخاص...
إن المرشد العام بهذاالقرار رأى أن تبدأ الجيل الثانى من الإخوان عمله .. وهو الجبل الذى يحارب وأن الجبل الأول:جيل المستعمرين قد أكتمل
قال عمر التلمساني:
ولكن الحاج أمين الحسيني مفتى فلسطين ظل يردد:
الإعتداء علي البريطانيين
بدأت محاولة الاعتداء على البريطانيين عام 1942
- " قبض على اثنين من الإخوان هما جمال فكيه ومحمد عبد السلام فهمي فى ذلك العام بتهمة إعداد جيش لمحاربة الإنجليز أثناء انساحبهم من مصر فى أعقاب تقدم قوات روميل فى الصحراء الغربية.وطلبت النيابة الحكم عليهما بالإعدام."
- وقبض على نفيس حمدي الطالب وحسين عبد السميع فى السنة نفسها بتهمة إلقاء قنابل على النادى البريطانى أيام أعياد الميلاد:وزارد نشاط الجهاز الخاص ضد الإنجليز من نوفمبر عام 1944 وقد دفع صالح أبو رقيق الذى أصبح فيما بعد من كبار قادة الجماعة مهر عروسه الجهاز الخاص لشراء سيارة يحتاجون إليها فى الأعمال الفدائية ضد الإنجليز فى القتال.
وتكررت عمليات ذلك الجهاز فى أواخر عام 1945 . واستمرت الاعتداءات فى فترات مختلفة ولم يتم القبض على أحد بسبب نقص الأدلة والشهود. ووقعت هجمات على أعداد كبيرة من البريطانيين فى سينما ميامى بالقاهرة يوم 10 من مارس عام 1946.
وقذفت إحدى السيارات قنبلة خارج مبنى جمعية الشبان المسيحية يوم 5 من مايو فأصيب 16 من أفراد القوات المسلحة البريطانية بينهم سيدتان.وألقيت قنبلة خارج ثكنات الجيش البريطانى بالعباسية فأصيبت سيدتان مصريتان .
وتتابعت القنابل على سينما " الآمبايركلوب" الصيفية فى 6 من يونيو. وآخر حادث من هذا النوع كان على كوبرى قصر النيل فى 10 من يوليو. ولم تلاحق الاتهامات الإخوان المسلمين فقط بل قبض على حسن عزت من الضباط الأحرار وخمسة آخرين!
وبدأ النظام الخاص باغتيال أحمد ماهر عام 1945! ولكنه لم يشترك فى اغتيال أمين عثمان عام 1946. وارتكبت فى يوليو 4 حوادث ضد السيارات والأندية الليلية للقوات البريطانية. ووضعت قنابل فى ستة من أقسام الشرطة بالقاهرة فى 2 من ديسمبر ضد مشروع معاهدة صدقى – بيفن.
" وألقيت قنبلة يوم 3 من ديسمبر على منزل الدكتور محمد حسين هيكل رئيس مجلس الشيوخ ورصدت الحكومة مكافأة 3000 جنيه لمن يرشد عن المتهم.وألقى أعضاء النظام القنابل على نادى الاتحاد المصرى – الإنجليزى ليلة عيد الميلاد مساء 24 من ديسمبر عام 1946 فأصيب 3 من المصريين ولم يصب بريطانى واحد.
قبض على ثلاثة من الجماعة ووجدت مع أحدهم قنبلة يدوية ويقول التلمساني إن السندى بث الفزع فى قلوب المحتلين بتوقيت ليلة عيد الميلاد واختيار النادى البريطانى الذى كان مكتظا بالجنود الإنجليز وضباطهم ولكن لم يقتل أحد.
كتب السفير البريطانى إلى لندن يقول:
- " يلقى الرأى العام والشرطة مسئولية حوادث الاعتداء بالقنابل والتى أفسدت احتفالات أعياد الميلاد على الإخوان المسلمين ولكن البنا أعلن أن ذلك ليس من سياسة الإخوان.وأضاف أن جميع المسلمين يحترمون هذه المناسبة وأهميتها الدينية".
أبلغ النقراشي السفير البريطانى بالحادث تليفونيا وعرض أن يرسل إلى المستشفى أية مساعدات إضافية.
رد السفير:
إنى على ثقة من إنك ستتخذ كل الإجراءات لاستئصال هذا النوع من الجرائم.
وتوجه السفير لزيارة النقراشي وقال له:
- أتحدث إليك بدون تعليمات ولكنى أنقل إليك قلقى الشخصى إنى واثق أن سلطات الأمن , تحت قيادتك تبذل كل ما فى وسعها للقبض على مرتكبى هذه الأعمال الإجرامية.
وأضاف:
- الأمر الذى لابد أن يكون محبطا للشرطة ومشجعا للمجرمين هو التأخير فى الإجراءات الجنائية والأفراج عن كثير من المتهمين بكفالات بسيطة.
قال النقراشي:
- ليس فى الإمكان التدخل لدى القضاء فالمحافظة على مشاعرهم فى الاستقلال والأان أمر جوهرى لتحقيق الممارسة الصحيحى للعدالة . ولا شك أن المحاكم المصرية لا تعمل بالسرعة المعتادة فى بريطانيا.ولكن حيث يحتمل أن تصدر أحكام بالإعدام فإن أعضاء هيئة المحكمة يجب أن يكونوا مطمئنين , للغاية إلأى قراراتهم.
ألقيت قنابل يديوة على قطار فلسطين فى يناير 1947 وكان به بعض الجنود البريطانيين فأعلنت الحكومة عن مكافأة قدرها عشرة آلاف جنيه مصرى لكل من يدلى بمعلومات حول الحادث.
ولم تسفر تحريات الشرطة المصرية عن أى دليل ضد المصريين لاذين لا يعرفون أن قوات بريطانية مسافرة فى ذلك القطار بوجه خاص.
ويثير السفير السير رونالد كامبل الأمر مع النقراشي باشا الذى قال:
- أمل أن تؤدى المكافأة إلى نتائج . ومن المحتمل أن تكون الجريمة بفعل ناصر صهيونية.
قال السفير:
- بعض سلطات الأمن العسكرية البريطانية تميل إلى هذا الرأى . ويمكن أن يكون الصهاينة على علم بذلك نظرا لوجود بعضهم بين القوات البريطانية وفى هذه الحالة لا أتوقع ظهور معلومات نتيجة الاعلان عن المكافأة
وبعثت وزارة الخارجية إلى السفير تقول:
- " ويبدو أن الحكومة المصرية غير راغبة وأيضا خائفة , من اتخاذ إجراء صارم ضد مرتكبى الاعتداءات".
وطلبت الوزارة من السفير:
- عليك مواصلة الألحاح على رئيس الوزراء .
وحاول أومباشى مصرى نسف فندق بالإسماعيلية يوم 17 من يناير 1947 يقيم فيه الجنود البريطانيون.انفجرت قنبلة فى دار المعهد البريطانى بالقاهرة يوم 18 من مارس 1947.
ووجدت فى اليوم التالى قنبلة أخرى . لم تنفجر بمبنى كلية فيكتوريا بالإسكندرية.وتلقى القنصل البريطانى بالإسكندرية خطابات تهديد بنسف القنصلية بالقنابل من جماعة أطلقت على نفسها اسم " لجنة التحرير الوطنية".
ويكتب السير رونالد كامبل:
- " يمكن أن تكون هذه الانفجارات من تدبير عناصر فى الإخوان المسلمين ليس لها اتصال بقيادة الجماعة وتأثرت بقرار الحكومة بمنع الاجتماعات وفضل بعضهم فوجدوا أن هذه الاعتداءات قد تكون فى صالح الجماعة فقاموا بها خاصة انهم لم يلتوا من القيادة أية تعليمات تفيد العكس.
- واستمرت هذه الهجمات رغم تصريحات البنا لجميع الصحف ولابد أن يكون الإخوان المتمردون أو الذين لا يتصلون بقيادتهم قد اطلعوا عليها وقامت الشرطة بحملات واسعة النمطاق على جميع المؤسسات والمنازل التى يعتقد أن لها صلة بالجماعة عقب اعتداءات أعياد الميلاد التى كانت موجهة ضد الاتحاد المصرى البريطانى والعديد من الملاهى التى يتردد عليها الجنود البريطانيون وألقت الشرطة القبض على عدد كبير للغاية منهم ثلاثة من أعضاء الجماعة كانوا متورطين بكل تأكيد فى هذه الإعتداءات بالقنابل.
- وبصفة عامة فإن الإخوان المسلمين هم المتهم رقم (1) عندما يحدث اعتداء من هذا النوع سواء كاوا متورطين بالفعل أم غير متورطين , ورغم عدم وجود دليل قوى يؤكد تورطهم.ولكن هذه العدة التى دأب البعض على اتباعها وهى إلقاء التهمة على الإخوان المسلمين قد تؤدى إلى احتمالات خطيرة فى المستقبل.
- وإذا لجأ الوفد أو حزب آخر يرغب فى إرباك الحكومة إلى الإرهاب كسلاح سياسى فإن الإخوان سيكونون اول من تلقى عليهم مسئولية الإرهاب.ومن المحتمل أن تعتبر عناصر الشرطة الموالية للوفد إدانة الإخوان المسلمين فى هذه الحوادث على أنها أمر ثابت".
وألقيت 3 قنابل فى الإسماعيلية يم 16 من أبريل.ودمرت أجزاء من مبانى سينما مترو فى القاهرة بالقنابل فى 6 من مايو 1947 فأعلنت الحكومة عن مكافأة قدرها عشرة آلاف جنيه لمن يرشد على الفاعل
وقد اتهم الدكتور محمد حسين هيكل فى مذكراته الإخوان والجماعات اليسارية وبإلقاء هذه القنابل ولكن صلاح شادي من زعماء الإخوان قال إن رابطة الشباب الوفدية هى التى القت تلك القنابل.
تلقت المفوضية البرازيلية تهديدا بنفسها , بعد تقديم البرازيل مشروعها فى مجلس الأمن بأن يحل النزاع المصرى البريطانى بالتفاوض بين البلدين وطالب خطاب لاتهديد بدفع خمسة ملايين جنيه تعويضا عن وقاحة البرازيل فى مجلس الأمن وإلا أخذ وزيرها المفوض وجميع أعضاء الجالية رهائن.. وذبحوا وفى 28 من أغسطس 1947 ألقيت قنبلة على مقر المفوضية واتهم ثلاثة شبان مجهولون بالجريمة.
وقال الماجور سانسوم ضابط أمن السفارة البريطانية أنه يشك فى قيام الإخوان المسلمين بالقاء القنبلة.وفى يناير 1948 أعلنت الحكومة عن اكتشاف 165 قنبلة مع مجموعة من الأسلحة مع بعض الشبان الإخوان فى تلال جبل القمطم أقر الشبان أنهم اشتروها من البدو استعدادا لفلسطين.
وفى 20 من فبراير 1948 وقع انفجار عنيف فى المركز العام للإخوان سمع صداه فى كل أنحاء العاصمة ورغم ذلك فإن تسعة فقط أصيبوا. ولم يكن المرشد العام فى مقر الجماعة.
وتبين أن أسلحة ومتفجرات نقلت من أحد الفنادق قبل أن يداهمه رجال الشرطة إلى المركز بموافقة الشيخ البنا الذى قال إن اثنين من الفلسطنين جاءا بالأسلحة وأنها لتحرير فلسطين واتصل المرشد العام بالحاج أمين الحسيني مفتى فلسطين طالبا إليه التدخل فأفرج عن الإخوان وسلمت الشرطة الاسلحة للهيئة العربية العليا لفلسطين التى أعادتها بعد ذلك للفدائيين .. أى للنظام الخاص " ... كما تقول تقارير الأمن البريطانية".
وفى تقرير السفارة البريطانية قالت:
- " رضيت سلطات الأمن المصرية بتفسير أن الأسلحة لفسلطين أو تظاهرت هذه السلطات بالإقناع"!
قالت تقارير الأمن العام لوزارة الداخلية المصرية:
- كان الجهاز السرى محكمة تنعقد لمحاكمة من يعتبرهم الجهاز خصوما للإخوان أو خونة فى حق الوطن والدين . وحين تصدر هذه المحكمة حكمها فإنها تختار بضعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والعشرين.وتعد حجرة تضاء بشموع قليلة ويطلق فيها البخور بعبق بالحجرة . وتنطلق فى أرجائها سحبة التى تضفى عليها رهبة المعبد وقداسته.
- ويؤمر الشباب بدخول الحجرة عند منتصف الليل.. بعد أن يخلعوا نعالهم ليجدوامنصة مرتفعة قليلا عن الأرض مفروشة بالسجاد , وعليها وسائد مغطاة بالسواد يتكئ عليها شيخ يرتدى قلنسوة سوداء عيناه نصف مغمضتين وبيده مسبحة طويلة فيجسلون أمامه.
- يمضى الشيخ فى همهمته وتمتمته. ويدير حبات المسبحة والبخور ينطلق والشيخ لا يزال مطرقا لا ينظر إليهم , وعيون الشباب تختلس النظر إليه.ويستمر الشيخ فى صلاته الخافتة قرابة نصف ساعة فتتعطل حواس الشباب عن التفكير فى أى شئ , حتى ينسوا أنفسهم.
- يفتح الشيخ عينيه ويحدق فيهم طويلا فتنحسر من الرهبة أبصارهم كأن له عينا يشع منها "مغنطيس" عجيب.. إن تحديقه فيهم يحذرهم ويسلبهم القدرة على الحركة.والبخور يدغدع إحساسهم وكأنه يدخل رءوسهم لتخيم سحبه على عقولهم .
ويقوم الشيخ متثاقلا ويقول لهم:
- حان وقت صلاة الفجر.ويصلى ذاكرا فى صلاته آيات الذين يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون ولهم الجنة.تنتهى الصلاة ويصمت الشيخ برهة ثم تدوى منه صيحة عالية.هل أنتم على استعداد للإستشهاد فى سبيل الله؟ يردون: نعم
- يقول الشيخ: وهل أنتم مستعدون لقتال أعداء الله " فيقولون : نعم
- يقول الشيخ: هل تقسمون على الوفاء بالعهد؟
- يقولون : نقسم.
- يقدم الشيخ المصحف ليقسموا عليه . فيقول استودعكم الله . وموعدنا الجنة.يخرجون وفى عزمهم شئ واحد القتل".
وهذه المحكمة كما تقول تقارير الأمن العام!هى التى قررت اغتيال المستشار أحمد الخازندار! ويقع انشقاق فى جماعة الإخوان فقد تحدى عبد الرحمن السندي المرشد العام فقرر القيام بأعمال دون الرجوع إليه .
كتب بعض الإخوان إلى الشيخ البنا يسألونه:ما رايكم دام فضلكم فى حالكم ظالم يحكم بغير ماأنزل الله ؟
رد المرشد العام كتابة بالآية التى تقول:
- " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض".
وكان عبد الرحمن السندي وراء طلب الفتوى دون الإعلان عن نفسه وهدفه منها ظهر يوم 22 مارس عام 1948 عندما اغتال حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم وهما من الطلبة الأعضاء فى الجماعة , المستشار أحمد الخازندار بينما كان يغادر منزله فى حلوان.
طارد رجال الشرطة المقاتلين وقبضوا عليهما.قالا إن أحمد الخازندار أصدر حكما بالسجن عشر سنوات على أخ فى الجماعة لمهاجمة مجموعة من الجنود البريطانيين فى أحد الملاهى الليلية بالإسكندرية عام 1946.
رأى الدكتور محمود عساف , المرشد العام وهو يعاقب أو يحاكم السندى على إغتيال أحمد الخازندار.وتعلل السندى بأن فتوى المرشد العام ضد الحاكم الظالم تجيز قتله.
قال الشيخ البنا:
- بربك كنت أقصد بالحاكم الظالم مثلا يزيد بن معاوية...
وأضاف:
- الحاكم المسلم يطبق القانون والقانون هو الظالم لا القاضى كما هو الحال بالنسبة للمستشار أحمد الخازندار.
وقال أيضا: الحاكم هو الذى يطبق القانون ولا تطبقه الرعية.
ويعترف الشيخ الباقورى بأن السندى اتخذ قرارا منفردا بقتل الخازندار ولكن من الواضح أن بعض الإخوان كانوا يؤيدون هذه العملية ضد الخازندار نفسه.. وربما لإرهاب باقى رجال القضاء إذا قدم إليهم متهمون من أعضاء الجماعة.
قال لى فهمي أبو غدير المحامى:
- لو كنت فتيا قويا لقتلت الخازندار .
وأضاف :
- اعتدى رجل فى أسيوط على طفل اعتداء مشينا فحكم الخازندار على المتهم الحبس سنة مع وقف التنفيذ.وأصدر حكما بسجن لأم ثلاث سنوات لأنها قتلت ابنتها التى رفضت مصاحبة أحد الأثرياء .
- وهذه الأحكام الهينة تقابلها أحكام قاسية على الذين يريدون عزة مصر بقذف الإنجليز بالقنابل. إن الخازندار يحل قتله فهو يقتل دعوة تضم الملايين !
ويضيف أبو غدير:
- إن مجلس إدارة الجهاز السرى وافق على الإغتيال . قلت : وما موقف الشيخ البنا من هذه الجريمة؟ قال: نسب الشيخ البنا أنه قال " ربنا يريحنا من الخازندار " أو" ربنا ينتقم منه" وذلك بعد إصدار الأحكام العنيفة ضد شباب الإخوان"
واضاف: ولكن الشيخ لم يأمر ابدا بقتل الخازندار ولم يعلم به قبل وقوعه استجوب المرشد العام فى اتحقيق ثلاث ساعات قال الشيخ البنا إنه لم يأمر بالجريمة ولم يشر بها, ولم يشجع عليها , أو يرضى عنها بتصريح أو تلميح.
قال التلمساني:
- كان الشيخ البنا فى المركز العام للإخوان بالحلمية الجديدة يوم اغتيال الخازندار وقد تألم كثيرا عندما سمع بالحادث وأحس بضيق لأن هذا الطيش ينعكس على الإخوان ويعطى للعالم صورة سيئة عنهم.
واجتمعت قيادات الإخوان على أن الغضب الألم أخذا من المرشد كل مأخذ بعد اغتيال الخازندار.قال إنها جريمة بشعة تؤدى إلى تدمير الجماعة التى قضى عمره فى بنائها وأن الرصاص الذى أطلقت على الخازندار إنما أطلقت على صدره هو وهى نفس كلمات سعد زغلول عندما سمع بإطلاق الرصاص على السردار البريطانى السير لى ستاك.. فإن اغتيال السردار أدى إلى استقالة وزارة سعد زغلول وسحب الجيش المصرى من السودان.
حكم على المتهمين ياغتيال الخازندار بالأشغال الشاقة المؤبدة وتتابعت الانفجارات.فى 25 من أبريل جرت محاولة لنسف بيت مصطفي النحاس وقالت تقارير المخابرات البريطانية:" هناك شئ من الشك حول ما إذا كان الإخوان متورطين فى هذا الحادث".
وثبت فيما بعد أن رجال الملك السابق هم الذين قاموا بهذه المحاولة أعلنت الأحكام العرفية يوم 13 من مايو 1948 وفى 15 من مايو دخلت القوات العربية فلسطين.
ووقع الحادث الأول من سلسلة الانفجارات فى الممتلكات اليهويدة فى 20 من يونيو الحى اليهودى بالقاهرة فاشتعلت النار فى بعض منازل الحى ردا على مذبحة دير ياسين بفلسطين فى 9 أبريل.
ويبعث تشابمان أندروز إلى لندن بعد 48 ساعة يقول:
مما يدل على شكوك السفارة والشرطة فى دور الإخوان... خاصة أن تقارير المخابرات البريطانية قالت إن اسرة غير يهودية تقيم فى الحى حذرت وأنذرت قبل الحادث بيوم كامل وتركت المنطقة.
وفى 6 من يوليو اكتشف مستودع من الجلجنايت مزود بجهاز تفجير زمنى تحت السلم فى مكتب وكالة حكومة السودان ... التابعة للإنجليز.
وقالت المخابرات البريطانية
- " وربما يكون الإخوان هم الذين قاموا بذلك".
وفى 9 من يوليو استؤنف القتال بعد انتهاء الهدنة الأولى فتسفت محلات يهوديين "شيكوريل"و"أركو" فى اليوم ذاته.وفى 28 من يوليو وقع انفجار بمحلات " دواد عدس" للأقمشة بشارع عماد ادين.
وفى أول أغسطس نسفت محلات يهودية أخرى " بنزايون" بشارع قصر النيل و" جاتينيو" بشارع محمد فريد , وجرح 28. وفى 3 من أغسطس انفجر مبنى شركة أراضى الدلتا بالمعادى فى ضواحى القاهرة ومحطة تلغراف ماركونى التى أعتبرت مركزا للإتصالات اليهودية ردا على قرار الهدنة فأصيب ثلاثة.
بعث جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن يوم 13 من أغسطس يقول:
- ويذكر حيدر باشا أحيانا على أنه المسئول عن حوادث الانفجار ولكن لا يوجد دليل إيجابى يؤكد ذلك".
وقع انفجار يوم 24 من أغسطس فى مطار الإسكندرية بينما كانت طائرة النقراشي القادمة من القاهرة تستعد للهبوط . ولم ينشر النبأ فى الصحف ولكن السفارة البريطانية سجلت الحادث فى برقياتها.
وفى 23 من سبتمبر تعرض الحى اليهودى حارة اليهود مرة أخرى لإنفجار عنيف قتل 20 واصيب 61.وفى 28 من سبتمبر وقع انفجار بمصنع للزجاج بحلمية الزيتون تملكه " محلات شيكوريل".وفى 8 من أكتوبر ضبط مخزن أسلحة فى عزبة الشيخ محمد فرغلي قائد كتائب الإخوان عند الإسماعيلية
قالت القنصلية البريطانية فى بور سعيد:
- لم يعثر على أسلحة فى مقار الإخوان فى بورسعيد أو الإسماعيلية. ولكن رجال خفر السواحل كانوا يغتشون العزب القريبة من الإسماعيلية بحثا عن الحشيش فوجدوا كمية كبيرة من الأسلحة والمتفجرات فى عزية الشيخ محمد وعلى بعد 14 كيلو مترا من الإسماعيلية. وكانت الأسلحة فى مخبأ تحت الأرض مبنى بالخرسانة وتعتقد سلطات الأمن المصرية أنه يوجد عدد من مخابئ السلاح المماثلة فى أنحاء مختلفة من مصر".
وعلى الفور صدر أمر عسكرى فى 28 من أكتوبر بحل شعبتى الجماعة فى الإسماعيلية مهد الحركة وبور سعيد وإغلاق مقار الإخوان بهما. وانتاب البوليسالشك أيضا فى أن الإخوان ألقوا قنبلتين يدويتين على منزل عبد الفتاح عمرو باشا فى 2 من نوفمبر..
قبض رجال الشرطة على 350 من أعضاء الجماعة فى القاهرة يوم 4 من نوفمبر لمنعهم من القيام بمظاهرة احتجاجا على اغرق شعبتى الجماعة فى الإسماعيلية وبورسعيد.
وألقيت قنا]بل على مكاتب الصحف الأجنبية فى مصر يوم 11 من نوفمبر 1948.ومن البداية طبقا لما يقوله تقرير المخابرات البريطانية تشكك البوليس المصرى فى الإخوان المسلمين فمنذ اللحظة الأولى التى اتضح فيها أن مصر ستقوم بشن حرب ضد دولة إسرائيل لم يضع الإخوان أية فرصة للتنديد العنيف باليهود ... وحاولوا بكل الطرق إثارة الشعب ضدهم.
وكان ذلك واضحا بصفة خاصة بعد الغارة الجوية التى وقعت فى 15 من يوليو 1948 حين سقطت قنابل من طاشرة معادية وأصابت عددا من الضحايا.. بعضهم إصابته قاتلة بين السكان المصريين فى القاهرة.
وبعد الغارة الجوية بفترة قصيرة طبقا لتقارير المخابرات البريطانية تلقى الحاخام الأكبر مكالمة تليفونية من شخص يعتقد أنه من الإخوان يحذره من أن الإخوان قرروا الانتقام من كل المؤسسات اليهودية فى مصر وينتاب مصر كلها ... الرعب!
ساعة المواجهة
نفذ الإخوان كما قال رجال الشرطة تهديداتهم ضد أكبر وأخطر المؤسسات اليهودية فى مصر.
- " وفى 12 من نوفمبر 1948 أمر السندى بنسف مكتب مطابع الشركة الشرقية للإعلان الإنفجار عنيفا فاهتزت الممبانى المجاورة للشركة واعترف نمؤلفو الإخوان بعد ذلك بأن الجماعة مسئولة عن نسف شركة الإعلانات الشرقية وقالوا إن عبد الرحمن السندي هو الذى أمر بالنسف وحاولوا تخفيف المسئولية فقالوا إن النسف تم وقت الراحة حتى لا يصاب احد واعترفوا بأن الإخوان فجروا المخازن السرية للمفرقعات فى حارة اليهود
وبرر فهمى أبو غدير هذه الأحداث بعد وقوعها بأكثر من ثلاثيت عاما فقال:
- شركة الاعلانات شركة يهودية وكل ما تفعله تشكيك الناس فى الإسلام! وعرض النقراشي مكافأة 10 آلاف جنيه لمن يرشد عن مرتكبى الانفجارات على دور الأعمال اليهودية ولكن الفاعلين ظلوا مطلقى السراح كما يقول تشابمان أندروز.
قال الكاتب السوفييتى سيرانيان:
- " اشتعلت نيران حرب حقيقة بين الحكومة والجماعة.ودبر الإخوان عدة هجمات فى القاهرة فى وقت واحد على مكاتب ومراكز المراسلين الصحفيين لبعض الصحف الأجنبية.وفجروا العديد من المبانى فى أحياء القاهرة المختلفة مما نجم عنه الكثير من الضحايا الأبرياء والخسائر المادية الفادحة".
- ورأت السلطات المصرية والبريطانية أن توجه اهتماما أكبر لنشاط الإخوان وتمكن البوليس المصرى من تأكيد شكوكه حول مسئولية الجماعة وكانت نقطة التحول سيارة " جيب"! بدأ رجال الشرطة يفتشون بيوت الإخوان المشتبه فيهم عقب حادث انفجار شركة الإعلانات الشرقية التى يملكها اليهود فخاف قادة الجهاز السرى .
- ووضعوا كل الأوراق والسمتندات فوق سيارة " جيب" اتجهت مساء اليوم التالى 13 من نوفمبر 1948 إلى بيت أحد أعضاء الجهاز فى حى العباسية وكان مراقبا رأى جنديا شرطة أربعة شبان يرتدون الملابس المدنية داخل السيارة التى لا تحمل أرقاما فاقترب من السيارة.
ارتاع أحدهم وهو السائق فترك السيارة وفر هاربا فأخذ الجندى يصرخ قائلا:
- يهودى .. صهيونى. تجمع الناس واخذوا فى ضرب من بالسيارة ثم قبضوا على الشبان الثلاثة وبتفتيش سيارة الجيب بواسطة البوليس اتضح أنها تحمل 28 مسلما ورشاشا ومدفعا " برن" و2700 قطعة من الذخيرة و48 قنبلة يدوية وصندوقين من الجلجنايت.. (أحدهما مرتبط بجهاز تفجير زمنى) وكمية من الخناجر.
- وأدى استجواب الشبان الثلاثة ورابعهم الذى ثم القبض عليه بعد فترة قصيرة إلى العثور على عدد من الوثائق شملت رسوم وخرائط المبانى المختلفة مثل السفارات الأمريكية والفرنسية والبريطانيةومنازل النحاس والنقراشي وإسماعيل صدقي وشريف صبري ومكرم عبيد وعبد الرحمن عمار وعبد الفتاح عمرو وحسن فهمى رفعت وكيل الداخلية السابق وكل أقسام الشرطة وتم العثور على خريطة الشركة الشرقية للإعلان ومبانيها.ووجدت بالسيارة شفرة الإخوان وخططهم السرية والأهداف التى يزمعون مهاجمتها أو تفجيرها.
- السفارة الفرنسية: كان مقررا إلقاء القنابل عليها يوم 15 من نوفمبر.
- السفارة ألأمريكية: 12 أو 22 من نوفمبر.
وثبت من الوثائق المضبوطة أن الإخوان المسلمين هم المسئولون عن حوادث الانفجارات التى وقعت فى القاهرة خلال الشهور الستة الأخيرة.واعترف الشبان بأنهم نفذوا الهجمات التى تعرضت لها بعض المنشآت وأظهرت هذه الوثائق أسماء أعضاء التنظيم الخاص ورئيسه عبد الرحمن السندي وتولى سيد فايز قيادة التنظيم بصفة مؤقتة.
لم تعلن الحكومة عن ضبط سيارة الجيب إلا بعد 48 ساعة حتى استطاعت القبض خلال تلك الساعات على 32 من قيادات التنظيم وبينهم السندى وانكشف النظام الخاص بسقوط سيارة الجيب فى قبضة رجال الأمن العام .
بعث جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن البرقية رقم 11 قال:
- " صودر بيان وجد ضمن الوثائق التى عثر عليها فى عربة تحتوى على أسلحة ومفرقعات فى مؤامرة تضم مجموعة من ضباط الجيش يعتقد أنهم كانوا يتآمرون ضد الحكومة.وليس معروفا إذا كان هذا البيان الذى يحمل توقيع "ضباط الجيش" هو فعلا من وضع ضباط الجيش أم من عناصر أخرى.
يقول البيان تحت عنوان " اللهم القوة والنصر والوحدة":
- إن حملة فلسطين اظهرت " الحاجة مستقبلا إلى الإهتمام وبذل الجهود لتقوية الجيش".
- ويهاجم البيان النقراشي باشا لأنه " لم يكن يميل للحرب", كما يهاجم بشدة اللواء المواوى بك القائد لامصرى السابق فى الميدان, وينتقده لخسارته المعركة وتركه الجيش فى حالة يؤسف لها.
- ويرى كاتب البيان أن هناك دليلا على وجود موظفين يهود فى سكرتارية الوفد المصرى فى الأمم المتحدة يتصلون باليهود الصهاينة لتأخير المعلومات , وفى عدم مصادرة ممتلكات بعض اليهود المصريين قبل فوات الأوان, وفى دعوة أحد أعضاء مجلس الشيوخ المصرى لعقد سلام منفصل وهى إشارة لرئيس الوزراء السابق إسماعيل صدقى.
- أما حالات الفشل الأخرى " التى يتحملها الساسة المصريون الذين صنعتهم الأمبريالية فتتضمن : الضرائب غير الملائمة والسيطرة غير الكافية على الصحافة المصرية".
ويمضى البيان قائلا:
- " إننا سنعارض ونحارب الإنجليز واليهود وأدواتهم لتأمين مستقبل مصر من أن يتلاعب به أولئك الذين لم يمنعهم كبر سنهم من بيع مصر وخيانتها".
ويتوجه فيليب ايرلاند السكرتير الأول بالسفارة الأمريكية إلى عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية يسأله يوم 19 من نوفمبر عن الحوادث الأخيرة فقال عمار:
- عرف البوليس منذ فترة طبيعية العنف السياسى للإخوان المسلمين ولكن الذى عرقل حركة الشرطة أن عددا كبيرا من موظفى الحكومة انضموا إلى الجماعة أو قدموا الحماية لها.وقال عمار إنه مقتنع بأن الإخوان هم المسئولون عن حوادث الانفجارات التى وقعت فى اعامين الأخيرين.
وقال إن الشيوعيين توغلوا فى صفوف الإخوان ومصر الفتاة والوفد ويمول السوفيت الإخوان بالمال وإن كانت الجماعة تزعم لأعضائها أن السلاح اشترى بالموال التى جمعت من اشتراكاتهم .
ويعرف رجال الشرطة أن الإخوان ومصر الفتاة قاموا بتخرين كميات ضخمة من السلاح..ومن المحتمل أن الإخوان استخدموا خبراء أجانب فى المفرقعات. وقال إنه حذر الشيخ عدة مرات ليكبح جماح أعضاء الجماعة
وقالت تقارير المخابرات البريطانية:
- " الإخوان مسئولون إلى حد كبير عن غثارة الهجمات التى تعرض لها الأجانب. وقد اختلفت الوسائل التى تمت بها الانفجارات .. ولكن بشكل طفيف كان يتم شحنة من الديناميت إلى المنطقة المختارة بواسطة تاكسى أو سيارة أو رسائل النقل الأخرى مثل " الترسايكل" وتترك بجهاز تفجير زمنى مرتبط بها .. وفى كل حالة كان الجناة يجدون وقتا كافيا للهرب".
عاد الشيخ البنا من الحج يوم 28 من نوفمبر فقصد إلى القصر الملكى وقيد اسمه فى سجل التشريفات معتقدا أنه يستطيع تسوية الأمور!
ولكن البوليس حقق مع البنا فيما نسبيته إليه وثائق سيارة الجيب وكتب السفير البريطانى إلى لندن:
- " عندما تنتهى التحقيقات سيكون ممكنا تكوين رأى محدد فيما إذا كان الإرهابيون مجموعة من المجرمين المتهورين الذين تصادف كونهم أعضاء فى الجماعة أو أنهم يعملون من تلقاء أنفسهم, أم أن أنشطتهم كانت بإيعاز مباشر من زعيم الإخوان ومستشاريه ,وأن تنفيذها كان نيابة عنهم؟".
تصاعدت الأحداث..فى أول ديسمبر سأل الوزير البريطانى المفوض مصدرا مسئولا فى وزارة الداخلية: هل صحيح أن البنا قد اعتقل؟أجاب المصدر بأن النقراشي أصدر قرارا بذلك ولكنه سحبه خشية العواقب.ويبعث السفير البريطانى السير رونالد كامبل إلى لندن برقية طويلة يوم الجمعة 3 من ديسمبر 1948
يقول فيها:
- " ليس من المرجح اعتقال البنا إذا تخشى السلطات احتمال صدور رد فعل بالغ العنف من جانب أنصاره. وتأكد الآن بما لا يدع مجالا للشك أن أعضاء الإخوان مسئولون عن كل المحاولات التى جرت لنسف المنشآت اليهودية".
كتب البنا فى ايوم ذاته فى صحيفة " الإخوان المسلمون" يقول:
- " الأمة الإسلامية اليوم بين منحة ومحنة. إن صبرت على الشدة وواصلت السير فى قوة إلى الغاية فهى واصلة بإذن الله تبارك وتعالى إلى ما تريد مهما أرعد برقها وعظم هولها سمعت أحدهم بالأمس يخاطبنى فى حماسة فيقول إننا لسنا مجهولين إلا فى وطننا فعلينا أن نرحل"
ويختم البنا مقاله:
- " ستكشف لغمة. وتزول المحنة. فاصبروا وصابروا ورابطوا" وأبلغ أحد المحامين .. المستشار الشرقى للسفارة البريطانية أنه سمع فى الإسكندرية أن تحركا خطيرا سيحدث فى القاهرة وأن كلمة ثورة " قد استخدمت.
وتكتب السفارة البريطانية إلى لندن:
- " يوم 4 من ديسمبر ألقى طلاب جامعة فؤاد الأول الأحجار والقنابل على رجال البوليس".واعتصم طلبة الطب بسطح مبنى الكلية وأشعلوا النار فى أماكن متفرقة منها وألقوا قنبلة على اللواء سليم زكى حكمدار القاهرة فقتلوه ثم أسرعوا بالتراجع داخل المبنى ومعظم الإصابات فى صفوف الطلاب نتج عن مقاومتهم عند القبض عليهم
- ولم يكتف الطلبة بترديد الشعارات ضد النقراشي وحول السودان, بل كانوا يهتفون أيضا " يسقط فاروق الفاسق" " وعاشت الملكة فريدة" و" أين أم فاروق"؟.... إشارة إلى غياب الملكة نازلى الطويل عن مصر".أغلقت الحكومة جامعة القاهرة. بما فيها كلية الطب إل أجل غير مسمى.
- قال اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة " أمن الدولة "ر فى كتابه " فى خدمة الأمن السياسى" إنه ثبت إقدام أفراد الجهاز السرى للجماعة على اغتيال اللواء سليم زكى!
- زار إبراهيم عبد الهادى رئيس الديوان الملكى السفير البريطانى وقال له إن حكمدار شرطة القاهرة سليم زكى لم يقم بأى تحرك ضد الطلبة . لم يفعل أكثر من أنه نصحهم بالتزام الهدوء.. وأنهم أحرار فى مواصلة الإضراب أو مغادرة الجامعة. وفى هاذ الوقت ألقيت عليه القنبلة.
وأضاف:
- استغل الشيوعيون الاضطرابات التى بدأها الإخوان. ولم ينضم الشيوعيون إلى الإخوان للتستر وراءهم كما يقال . فهم أكثر ذكاء من أن يفعلوا ذلك وهم يعرفون أن الإخوان يقفون ضدهم.
أبرقت السفارة الأمريكية واشنطن تؤكد:
- " المسئولية الأولى فى المظاهرات ومصرع سليم زكى تقع على عاتق الإخوان المسلمين وأن الحكومة المصرية اتهمتهم بذلك علنا".
وقالت السفارة
- " إن ضابط شرطة قتل وأصيب ثمانية من الضباط و54 من الجنود ومائة طالب".
ولكن ادجار جلاد قال للقائم بالأعمال الأمريكى:
- يعتبر الطلبة سليم زكى أحد أعمدة النظام الحاضر وهذا من أسباب عدائهم له.
وأخذ جلاد يتحسر على الماضى أمام جيفرسون باترسون قائلا:
- عندما كان السير توماس راسل باشا الحكمدار البريطانى لشرطة القاهرة يسير بحصانه الأبيض أمام المتظاهرين كانوا يتراجعون .. متفرقين!ويعترف جلاد باشا لباترسون قائلا: من أسباب السخط العميق كراهية الشعب للملك.
قال لى فهمى أبو غدير المحامى والدى كان عضوا بمكتب الإرشاد ممثلا لطلبة الجامعة عام 1937 إن الإخوان لم يقتلوا سليم زكى وإنما قتله طالب بكلية الطب اسمه مصطفى أمين ليس عضوا فى الجماعةولم يكن مصرع حكمدار الشرطة بتدبير.
أحس الشيخ البنا بخطورة الحادث فأوفد أبو غدير والشيخ أحمد شريت فى اليوم نفسه من ديسمبر إلى حامد جودة رئيس مجلس النواب يطلبان منه التوسط لدى النقراشي لبدء صفحة جديدة بين الحكومة والجماعة.
قال الرجلان:
- نحن نبرأ إلى الله مما حدث اليوم. ونرجو أن تكون حمامة السلام بين الإخوان والحكومة.
رفض حامد جودة بإصرار وقال:
- الجماعة قتلت اليوم سليم زكي وما بينها وبين الحكومة لا يمكن الوساطة فيه أبدأ..
حمل الرجلان هذا الجواب إلى المرشد العام الذى أدرك خطورة الموقف فإن حامد جودة توسط للإفراج عنه فى المعتقل فى عهد حسين سرى يوم كان يعلم أن هناك مجالا للتوفيق..قصد " تشابمان أندروز" الوزير البريطانى المفوض إلى وزرة الخارجية يوم 5 من ديسمبر ليلتقى بوزير الخارجية بالنيابة إبراهيم الدسوقى أباظة باشا.سأل " أندروز" الوزير عن الاضطرابات التى وقعت فى اليوم السابق واغتيال سليم زكى.
رد دسوقى أباظة قائلا:
- أحداث الأمس ذات طبيعة يمكن أن تحدث فى أى مكان فالمشاعر العامة فى حالة التهاب بسبب موضوع السودان وكانت العناصر الساخطة فى الأحزاب السياسية, البعيدة عن الحكم, مستعدة تماما للاستفادة من الموقف ويرفع دسوقى باشا سماعة التليفون أمام الوزير البريطانى ليسأل مدير الأمن العام عن الخسائر.
قال مدير الأمن العام:
- أصيب سبعة من رجال البوليس وتسعة من الطلبة والمارة بجراح فى الجيزة ولم تكن هناك خسائر فى الأرواح .وفى كلية الطب (القصر العينى) إلى جانب مصرع سليم زكى بك. لقى شخص آخر مصرعه وهو مساعد معمل كان يعاون ويحرض الطلبة المتمردين. وأصيب 56 من رجال البوليس, بينهم سبعة ضباط كما أصيب 74 طالبا.
- وقال المدير الأمن العام أيضا إن الإخوان المسلمين مسئولون. عن اندلاع أ‘مال العنف , وأنهم الذين جاءوا بالأسلحة والقنابل اليدوية. ولكن عندما بدأت أعمال الشغب , عاونتهم جماعات سياسية أخرى أبرزها الوفديون.
وعلى أية حالة فإن سبب أعمال الشغب كان يتمثل فى التحريض بشأن السودان وكان الشعار الذى رفعه الطلبة هو " تسقط الحكومة التى باعت السودان".قبل أن ينصرف " تشابمان اندروز" أخذ يذكر وزير خارجية مصر بالنيابة بمسئولية الحكومة المصرية عن تأمين وممتلكات الأجانب.
ولم يكتف " أندروز" بذلك بل تحدث طويلا عن أحداث الشغب التى وقعت فى يوليو والتى أسفرت عن مصرع عدد من الأجانب وإصابة كثيرين وأعرب عن قلق بريطانيا البالغ إزاء حالة الأمن العام فى مصر وطلب تأكيدا بأن تبذل الحكومة المصرية كل ما هو ممكن لإقرار القانون والنظام.
ويتوجه الوزير البريطانى مباشرة إلى القصر الملكى ليقابل حسن يوسف وكيل الديوان ويوجه إليه نفس الأسئلة ونفس التحذير. ويردد وكيل الديوان نفس المعلومات عن الخسائر للوزير البريطانى ويضيف ان الطلبة كانوا يهتفون " يسقط النقراشي".
إشارة إلى ما حدث قبل ثلاث سنوات عندما أمر النقراشى بفتح كوبرى عباس بينما مظاهرة طلابية تعبره , مما أدى إلى حالة من الذعر وأشبع أنه سقط عدد من القتلى .
وقال:
- القنبلة اليدوية التى قتلت حكمدار البوليس كان مقصودا بها النقراشي إذا ظهر ليلقى خطبة فى الطلاب, كما كانوا يتقوقعون.وقال حسن يوسف إن السلطات المصرية تحاول تحديد مكان محطة إذاعة تروج الشائعات الأخيرة بأن الأمير محمد على قد مات. وإن إسماعيل صدقى باشا مات فى شائعة أخرى.
والهدف من هذه الأنباء خلق حالة من التوتر.تجمع طلبة المدرسة الخديوية الثانوية فى الفناء يوم 6 من ديسمبر يهتفون ضد الملك, ولصالح الملكة , والقوا قنبلتين على الشرطة خارج الأسوار فأفلت عبد الرحمن عمار وكيل الداخلية... بأعجوبة.
وقالت السفارة الأمريكية إن رجال الشرطة فى القاهرة لا يزيد عددهم على الألف , وقد أصبحوا مرهقين لأنهم يعملون 24ساعة كل يوم .. ويوجد خوف من أن تتكرر الاضطرابات التى وقعت فى فبراير 1946 وأدت إلى استقالة النقراشي!
منعت الحكومة صحيفة الإخوان المسلمين من الصدور واتهمت صحيفة " النداء" الوفدية التى يصدرها يس سراج الدين شقيق سكرتير عام الوفد الإخوان بأنهم وراء الانفجارات الأخيرة. قالت " النداء"
"تلقى المركز العام الإخوان المسلمين ألوف الاستقالات من شتى جهات جهات القطر".وصورت " النداء" مجموعة من القنابل اليدوية وخلفها صورة ترمز إلى شخصية المرشد العام للإخوان المسلمين.
علقت النداء على ذلك كله بتوقيع "المصرى افندى" الذى يبدى إعجابه ودهشته لأن "تلك القنابل لها ذقن"!!وردت صحيفة الإخوان بأن "النحاحسة" إشارة إلى مصطفي النحاس رئيس الوفد لا يتورعون من إلقاء الاتهامات تمشيا مع أخلاقهم .
قال مرتضى المراغى مدير الأمن العام:
- " عجزت قيادة الإخوان عن وضع التنظيم المارد أى التنظيم السرى فى القمقم بعد خروجه وانطلاقه.لقد أصبحت الهيئة العليا للإخوان بلا حول ولا طول إزاء هذا التنظيم وكان الشيخ البنا غير قادر على الحد من قوة الجهاز السرى والتسلط عليه".
ويعترف المستشار صالح أبو رقيق عضو مكتب الإرشاد فى مقال نشره بجريدة الأحرار المصرية فى 11 من أغسطس عام 1986 بأنه لا يستطيع إنكار ما قام به الإخوان من أعمال صاحبها العنف, ولكنه تبرر ذلك بأنها كانت كلها وطنية تتجلى فيها الفدائية.
ومن هذه الأعمال ما وقع يوم الجلاء عن القاهرة والإسكندرية ونسف حارة اليهود ومحل جاتينيو ومحل شيكوريل وإن كان يقر أن الحادث الأخير وقع فى النصف الأخير من الليل.أما أهم الأخطاء التى وقع فيها الإخوان كما يرى صالح أبو رقيق فهى قتل المستشار الخازندار .
ويعترف صلاح شادي أحد كبار المسئولين فى الجماعة بأنه لا يمكن إعفاء قيادة الإخوان من مسئولية عدم مسائلة عبد الرحمن السندي.وكان من المحتم إبعاده عن منصبه ولو تم لتجنبت الجماعة الهزة التى حدثت فى صفوفها
ويقول التلمساني:
- إن عبد الرحمن السندي تمرد على قيادته وأخذ الشيخ حسن يطاول ويعالج ! وكان عبد الرحمن السندي يشعر باستقلاله عن سلطان الجماعة ولم يكن من أحد حتى من إخوان النظام الخاص أن يتصل بالمرشد العام إلا عن طريقه وبذلك عزل النظام عن قيادة الدعوة.
واعترف عبد الرحمن السندي بقيادة النظام الخاص بقتل الإنجليز والصهاينة ف البداية ثم ارتكاب الانفجاريات داخل مصر وقتل المصريين.
ويقول صلاح شادي إن المرشد عاجلته منيتة قبل أن يقرر تقويم رئيس النظام الخاص أو نزع سلطاته.
ويعترف التلمساني بأن النظام الخاص اخطأ وإن فسره بأن بعض الشباب كان يأخذ المسائل بعنف وبغير فهم أو دراسة للقانون كما حدث فى اغتيال الخازندار
ويقول الشيخ الباقورى:
- " البنا أتعبته بطانته . أو بعض بطانته. ولو قدر له أن نبتعد عنه هذه البطانة السيئة لكان قد بلغ ما نحب لأمثاله"!
ويبقى سؤال : هل كان الشيخ البنا يعلم بجرائم النظام الخاص؟
- والجواب فى رأى فتحي رضوان والتلمساني ومنير الدلة وغيرهم من زعماء الإخوان الذين عاصروا الأحداث بأن الشيخ البنا شكل ذلك النظام ولكن قيادته تمردت على المرشد العام.
- وفى رأى الشيخ الباقورى أن قيادة النظام بزعامة السندى ارتكبت تلك التصرفات الضارة والحوادث الفاجعة دون الرجوع إلى المرشد العام الذى كان وحده المسئول أمام الإخوان والرأى العام.
وفى الحكم الدي أصدره أحمد كامل رئيس محكمة الجنايات فى "قضية سيارة الجيب" قال:
أصبح الصدام محتوما بين الجماعة والنقراشي نتيجة لانتشار الإخوان ... وقوة الجهاز الخاص!ولم يكن لحزب من الأحزاب علنى أو سرى كالشيوعيين ذلك التنظيم المسلح.
ويجتمع عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية لشئون الأمن برونالد فاى رئيس جمعية إخوان الحرية التى أنشأها البريطانيون فى مصر والعالم العربى لتنتشر الدعاية للإنجليز ومقاومة الإخوان
فقال عمار:
- الإخوان المسلمون جمعية ويجب إغلاقها.
ويلتقى إدجار جلاد بك صاحب جريدتى " الزمان" و" الجورنال ديجيبت" واحد رجال الملك فاروق بتشابمان أندروز الوزير البريطانى المفوض فيقول له يتردد النقراشي فى حل الإخوان على أساس أنهم أقوياء بينما الجيش فى فلسطين ولكن الملك يحاول التغلب على تردد رئيس الوزراء.
قالت المخابرات البريطانية فى مصر:
- " إن مجموعة فهمى النقراشى باشا رئيس الوزراء أصدر فى 18 من نوفمبر 1948 أمرا بإغلاق كل شعب الإخوان.ولكن رئيس الوزراء رأى تأجيل اتخاذ هذه الخطوة حتى تنتهى التحقيقات فى الإنفجارات وتتضح ابعاد مرامرة الإخوان ويتم القبض على زعمائهم"
وقالت هذه التقارير:
- ومن هذه التقارير يتضح أن قرار حل الجماعة اتخذ سرا ولكن كان لابد أن يسبقه اعتقال كل زعماء الجهاز السرى.
انطلقت صيحات التهدئة هنا وهناك خوفا من خطر المواجهة القادمة حذر عمر حسن من كبار رجال وزارة الداخلية النقراشي من الحل قائلا: أخشى أن تتحول الجماعة إلى عصابات خطرة!
وقصد فؤاد شيرين محافظ القاهرة إلى قصر عابدين ليلتقى بحسن يوسف وكيل الديوان الملكى قائلا:من المصلحة تعاون القصر والإخوان.
واضاف :إن لحل الجماعة نتائج سيئة فإن للإخوان هيئة يرجعون إليها فى تصرفاتها فإذا حلت الهيئة لم يعد أفرادها يخشون أحدا.
تخلص حسن يوسف.وقال:
- هذه المهمة تعتبر من المسائل السياسية ... أى أن وكيل الديوان لا شأن له بالسياسة!ونقل حسن يوسف إلى الملك نص الحديث
فقال صاحب الجلالة لوكيل ديوانه:
- هذا الرد فى محله!فإن صاحب الجلالة كان يسعى إلى حل الجماعةسأل فيليب ايرلاند سكرتير السفارة الأمريكية عبد الرحمن عمار وكيل الداخلية عن مستقبل الإخوان وهل سيصدر قرار بحلهم
قال عمار: النقراشي باشا لم يوقع قرارا بذلك حتى الآن .وهناك رأيان:الأول يقول بأنه من الحكمة عدم حل الجماعة أو القبض على البنا حتى لا تتحول إلى جهاز سرى.والثانى يقول بتحطيم الجماعة.
وقال عمار لفيليب ايرلاند: من رأيى عدم الحل!
ويرى الشيخ الباقورى أن حادث سيارة الجيب جعل الحكومة تتنفس الصعداء فأخذت تعد قرارها بحل الإخوان. ولكن المرشد لم يكن يعلم بفكرة الحل وأنها مثار بحث جدى بين الحكومة والقصر.ولو أنه كان يعلم فربما فكر أن المواجهة قد حانت.ولكن الواضح أنه كان يرى ألا يبدأ بالصدام وأن يؤخر قدر الطاقة ساعة المواجهة!
الضحية
فكر النقراشي باشا جديا فى حل الجماعة فقد اقتنع أن بإمكانه عن طريق الإجراءات الصارمة إحباط القدرة المتزايدة للإخوان وتصفيتهم كقوة سياسية واقعية لتستقر أوضاع الأمن فى البلاد.سأل إبراهيم عبد الهادى رئيس الديوزان الذى رأى عدم حل الجماعة لتحارب الوفد.
وسأل عبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية فنصحه بعدم الحل وقيل له:
قال:
- إنى لا أعرف السياسة.ولا أعرف أن ألف وأدور .وأرى واجبى يحتم علىّ اتخاذ العمل الصارم.
- لقد جاءنى وزراء يقولون إنهم يخافون على من نتائج القرار إنى لا أستطيع البقاء رئيسا للوزراء وأسمح بوجود جمعية الإخوان المسلمين وقرر النقراشي حل الجماعة... ولكن على دفعات .بعد اغتيال سليم باشا حكمدار شرطة القاهرة أصدر عبد الرحمن عمار يوم 4 من ديسمبر 1948 بصفته الرقيب العام أمرا بتعطيل جريدة الإخوان إلى أجل غير مسمى.
ولم يدرك الإخوان أن هذه مقدمة لقرار الحل وأن إجراءات الحكومة لن تقتصر على تعطيل صوت الجماعة . وطلب النقراشي إلى المستشار الفضائى إعداد الأمر العسكرى بحل الجماعة.
فشل المرشد العام فى مقابلة الملك وحاول مرتين أن يقابل إبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان الملكى ولكن رئيس الديوان اعتذر. وبعث البنا لصاحب الجلالة برسالة عن طريق أحمد مرتضى المراغى مدير الأمن العام.
اجتمع به فى منزله بحلوان وقال له: عندى رسالة شفوية أرجو أن توصلها إلى القصر . يريد رئيس الحكومة حل الجماعة وهذا قرار بالغ الخطورة وقد يكون له عواقب وخيمة ولابد أن يقع بيننا وبين الحكومة صدام عنيف.
ونحن الإخوان نشعر أن النقراشي باشا جر الملك فاروق إلى خصومتنا قال المراغى:هل تأذن لى أن أدبر لك مقابلة مع النقراشي باشا لعلك تستطيع بلباقتك وحكتمك أن تصفى الجو بينه وبينكم.رفع البنا يديه وقال :لا أمل فى الوفاق معه . أعرف طباعه . إنه عنيد . وإذا ركب رأسه فلن يلوى على شئ وسينفذ رأيه.
وانقلب الشيخ الوديع نمرا هائجا وقدحت عيناه شررا كما وصفه المراغى قال:
- إنها جريمة نكراء يريد النقراشي ارتكابها هل يظن أننا لعبة يستطيع تحطيمها بسهولة.
قال المراغى:
- رسالتك خطيرة وسأبلغا إلى الملك . وسأنقل رأيك فى حل الإخوان وخطورة عاقبته إلى النقراشي. قابل المراغى رئيس الوزراء فى اليوم التالى وروى له الرواية.
قال النقراشي:
- هل تريد أن تقر الإرهاب وتريد أن تعترف بشرعيتهم وهل تسمح لهذه الجماعة أن تتمادى؟ لابد من حلها.
وهز النقراشي باشا رأسه اسنخفافا وقال كان أحسن لو لم تقابله!
فكر الشيخ فيما قاله المراغى ورأى تهدئة الموقف فتوجه إلى وزارة الداخلية للقاء عبد الرحمن عمار. أريد مقابلة النقراشي باشا للتفاهم معه حتى يعدل عن عزمه على حل الجمعية: وأضاف : سيقتصر نشاط الجمعية على الشئون الدينية البحتة ولن نتدخل فى السياسة.
توجه الرجلان إلى رئاسة مجلس الوزراء فبقى الشيخ حسن فى غرف الانتظار بينما دخل عمار إلى مكتب النقراشي يعرض عليه الأمر.
ولكن النقراشي باشا رفض لقاء البنا.وتقدم الإخوان بالتماس غلى القصر الملكى يشكون فيه من حملات الاعتقالات التى يتعرضون لها والتهم التى يواجهونها, بلا تحريات جدية . أو تحقيقات تتولاها النيابة. ولكن الالتماس لا ينشر بسبب الرقابة على الصحف.
ويلتقى اندروز بأحمد مرتضى المراغى مدير الأمن العام الذى يقول له:
- هناك مجموعات كبيرة من الشيوعيين فى الجامعة . وقد انضمت أعداد إلى الإخوان المسلمين والوفد كستار عندما بدأت حملة الحكومة ضد الشيوعيين منذ شهور.ويلتقى المراغى برئيس الوزراء ويحذره من حل الإخوان قائلاالعواقب خطيرة.
ويهتاج النقراشي ويربد وجهه.وفى هذه اللحظة يدخل عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الاخلية فيقطاع الاجتماع قائلا:المسألة منتهية , فقد وضعت قرار حل الجماعة . وسأعرضه غدا على دولتكم لتوقيعه.
هال الأمر مدير الأمن العام فقال:
- أرجو أن تتمهل فى إصدار القرار الإخوان يشكلون منظمات وخلايا سرية لا علم لوزارة الداخلية بأسماء أعضائها. وقد يكون بعضهم داخل الوزارة وحرس الأمن . وأعلم أن كثيرين من ضباط الجيش من الجماعة ولكن النقراشي رأى أن الهزيمة العسكرية فى فلسطين واضطراب الأمن ينهى استقرار النظام كله.
ووجد فى الإخوان تهديدا للحكم بعد أن فقد الثقة فيهم نتيجة اكتشاف حجم الجهاز السرى سواء كان يتلقى التعليمات من المرشد العام أو أن هذا الجهاز فقد الإنضباط وأصبح مستقلا عن قيادة الجماعة.
وقال رجال الأمن للنقراشى:
- لقد اصبح القرآن هو الشفرة السرية التى يستعملها الجهاز السرى وكلمة الصحف فى هذه الشفرة معناها السلاح!
قال كلايتون رجل المخابرات البريطانية فى مصر للدبلوماسى المصرى يحيى النقراشي والحكومة , أم البنا وأنصاره؟وهذا السؤال يدل على إدراك الإنجليز لقوة الإخوان أو مخاوفهم منها ومن هنا الضغط البريطانى ضدهم.مضى الوزير البريطانى تشابمان أندروز فى تحذيراته للقصر الملكى ضد الجماعة .
قال لحسن يوسف بالحرف الواحد كما تقول برقيته رقم 1679 التى بعث بها إلى لندن:
- "هذه الأحداث أى الانفجارات والاغتيالات هى النتيجة الطبيعية لسماح المنظمات مثل الإخوان المسلمين بالخروج عن نطاق السيطرة وعدم اتخاذ عمل سريع جاد يسمح به القانون ضد أولئك المذنبين فى مؤامرة الإغتيال وقتل أناس مثل أمين عثمان باشا والمستشار الخازندار بك.
- ومن المعروف للجميع أن الإخوان المسلمين والحاج أمين الحسيني مقتى القدس السابق يملكون مخازن كبيرة من المتفجرات والأسلحة, لإستخدامها فى فلسطين ظاهريا, وسماح اية حكومة بمثل هذا الوضع يعتبر بمثابة دعوة لحدوث متاعب من هذا النوع.وتستطيع الحكومة بالتأكيد أن تقوم بعمل فعال حتى الآن لتحطيم هذه المنظمات".
رد حسن يوسف بأنه يخشى أن يكون الإخوان المسلمون قد صاروا أقوى من أن يتم تحطيمهم بهذا الشكل.سأله الوزير البريطانى عما يقترح عمله.هز حسن يوسف كتفيه يائسا. أعد القسم الشرقى فى وزارة الخارجية البريطانية مذكرة
قال:
- " لا شك أن الشغب فى مصر يقوده طلبة الجامعة عموما, وصبيان المدارس والسوقة مستعدون للإنضمام للشغب من أجل النهب.ويجب ألاّ ينظر إليهم بجدية كتعبير عن الرأى العام ولكنهم يكتشفون عجز الحكومة عن الحفاظ على الأمن فيشجعون غيرهم ممن يهددون السلام ويفتحون الطريق أمام التغلغل الشيوعى مستقبلا".
وتعد وزارة الخارجية البريطانية مذكرة عن الموقف فى مصر بصفة عامة قالت المذكرة:
- " يجب أن يكون خطنا لاترقب لنرى ما إذا كان المصريون سيلجأون إلينا حين يسوء الموقف.وقد أظهر الملك ما يدل على أنه يريد ذلك. وكان واضحا منذ وقت طويل مضى أنه ما لم يتلق الزعماء المصريين والقوميون العرب الآخرون وخاصة الجامعة العربية صدمة بالغة الشدة من نوع ما تخرجهم من إطارهم الفكرى , والمتبجح والمدعى فسوف تستمر الأمور فى الشرق الأوسط فى تدهور.
- وهناك بالطبع مخاطر بالغة من أن يكون تأثير الصدمة أشد مما ينبغىو ستنهار لنظم الاقتنصادية , بل والنظم السياسية أيضا. ويجب ألا تكون سياستنا الجرى وراء العرب بل نظهر لهم أننا ما زلنا أصدقاء بوسعهم إذا وضعوا أيديهم فى ايدنا , وإذا اتبعوا سياسة متبصرة أن يحققوا الإستقرار وينجزوا التقدم الإقتصادى والاجتماعى ويصبحوا شركاء فى ترتيبات دفاعية معقولة".
أى معاهدة دفاع مشترك مع بريطانيا ويكون تاريخ هذه المذكرة يوم 8 من ديسمبر اليوم الحاسم فى تاريخ الإخوان المسلمين! فى ذلك الصباح نشرت مجلة آخر ساعة خبرا غامضا يشير إلى أن قرار حل الجماعة سيصدر فى اليوم نفسه.
ومرة أخرى لم يدرك الإخوان ذلك ولم يفطنوا إلى أنه إذا كان فى نيتهم اتخاذ عمل حاسم ضد الحكومة فهذه فرصتهم الأخيرة.قال صالح عشماوي وكيل الجماعة إنه عندما مر النصف الأول من اليوم ولم يصدر قرار الحل عاد إلى منزله وقد ظن أن الحكومة ستعدل عن قرارها.
وتوجه بعد صلاة المغرب إلى منزل المرشد العام فوجد عنده بعض أعضاء الجماعة ورآه فى حالة نفسية قلقة فقد وصلته أنباء من " مصدر ثقة" أن اجتماعا عقد بعد الظهر فى وزارة الداخلية بين فريقين من كبار المسئولين وغير المسئولين ودارت مناقشة حامية طويلة بين مؤيدى قرار الحل ومعارضيه انتهت بترجيج الرأى القائل بالحل.
اتصل المرشد العام بإبراهيم عبد الهادى لإقناعه بالتدخل لمنع صدور القرار ولكن رئيس الديوان أخذ يراوغ ويماطل ثم طلب من المرشد العام الذهاب إلى عبد الرحمن عمار فى وزارة الداخلية. اعترض صالح عشماوي وقال المرشد.
ركب القوم رءوسهم والغرض من هذه المقابلة كسب الوقت فضلا عما فيها من الإذلال ولكن المرشد رأى أنه مكرة غير مخير فاستقل سيارته إلى وزارة ليلتقى بعبد الرحمن عمار.
قال الشيخ:ستنصرف الجماعة إلى رسالتها الدينية
لم يقل عمار للمرشد العام ما ذكره لسكرتير السفارة الأمريكية من أن هذا الوعد جاء متأخرا بل وعده بصدور قرار فى المساء يخفف التوتر.ويطول الحوار خلال الاجتماع الذى لم ينته غلا فى العاشرة مساء فعاد المرشد إلى صالح عشماوي وعبده قاسم اللذين كانا فى انتظاره
ليقول:
- روح عبد الرحمن عمار طيبة وقد أبلغنى ان حل الإخوان هدم لصرح الإسلام فى هذا العصر ووعدنى بإبلاغ النقراشي باشا وأن الأمر سينتهى إلى خير .وطلب الشيخ البنا إلى الإخوان المجتمعين فى المركز العام الإنصراف وبشرهم بحل الأزمة.
حملت نشرة أنباء الساعة الحادية عشرة مساء يوم 8 من ديسمبر 1948 القرار الذى يخفف التوتر بالنسبة للحكومة لا للإخوان المسلمين .
بدأت النشرة بإذاعة أمر عسكرى أصدره محمود فهمى النقراشى باشا رئيس الوزراء بصفته الحاكم العسكرى بحل الجماعة الإخوان المسلمين وجميع شعبها فى مصر. وإغلاق الأمكنة المخصصة لنشاطها وضبط أوراقها وسجلاتها وأموالها وممتلكاتها وحظر اجتماع خمسة أشخاص أو أكثر من أعضائها .
وتسليم كل وثائق الجمعية وأموالها لأقسام الشرطة لن الجماعة كما قال الأمر العسكرى أمعنت فى شرورها بحيث أصبح وجودها يهدد الأمن العام والنظام تهديدا بالغ الخطر وبات من الضرورى وقف نشاط الجماعة التى تروع الأمن لضمان سلامة أهل البلاد فى الداخل وجيوشها فى الخارج.
وحدد الأمر العسكرى عقوبة المخالفين بالجبس دة تتراوح بين ستة شهور وعامين وغرامة بين مائتى جنيه وألف جنيه.وقال الأمر العسكرى إن الموظف أوالطالب الذى يخالف الأمر يفصل من عمله أو معهده وأذيعت مع القرار أسباب الحل فى مذكرة تفسيرية قدمها عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية.
تضمنت المذكرة تاريخ الجمعية التى:
- " تألفت كهيئة دينية واجتماعية ثم اسفر القائمون عليها عن أغراضهم التى يحرمها الدستور والقانون فانغمسوا فى تيار النصال السياسى لتغيير النظم الأساسية للمجتمع بالقوة والإرهاب لقلب نظام الحكم".
واستند الحل إلى
- " أن الجماعة اتخذت طابع العنف فدربت الشباب فى الجوالة وأنشأت مراكز رياضية للتدريب العسكرى مستترة وراء الرياضة".
وجمعت الأسلحة والقنبل والمفرقعات وقامت يتخزينها وساعدها فى ذلك ما تقوم به بعض الهيئات من جمع الأسلحة والعتاد بمناسبة قضية فلسطين .ووجه عبد الرحمن عمار إتهاما للإخوان باتخاذ الإجرام وسيلة لتنفيذ مراميهم. وحدد 13 نشاطا إجراميا لهم بدأت عام 1942 وانتهت فى 15 من نوفمبر عام 1948 من بينها:
- إلقاء القنابل فى مدينة القاهرة بتاريخ 24 من ديسمبر من 1946
- الإعتداءات على رجال الشرطة فى 29 من نوفمبر 1947
- تهديد الشركات والمحال التجارية وابتزازها اموالها.
- ألقاء قنبلة على فندق الملك جورج بالإسماعيلية فى السنة نفسها
- اعتداءات على خصوم الجماعة فى قرية كوم النور مركز غمر
- وحرق أحطاب أحد الملاك فى كفر بداواى,
- وقتل شيخ خفراء البلدة وإطلاق النار على رجال الشرطة فى قرية البرامون,
- وتحريض الفلاحين على زيادة أجورهم
- وتحريض عمال تفتيش محلة موسى لوزارة الزراعة على المطالبة بتملك أراضى التفتيش .
- ضبط كميات ضخمة من القنابل والمفرعات والبنادق والمسدسات والمدافع ووثائق فى 22 من أكتوبر تقطع بأن الجماعة تعد العدة للقيام بأعمال إرهابية واسعة النطاق.
- افساد النشء ببذر الإجرام وسط الطلبة والتلاميذ فانقلبت معاهد التعليم مسرحا للشغب والإخلال بالأمن وميدانا للمعارك والجرائم
- قتل المستشار أحمد الخازندار بك وكيل محكمة استئناف مصر باستخدام القنابل لارهاب القضاه وثبت أن أحد القاتلين كان سكرتيرا خاصا للشيخ البنا.
- نسف شركة الإعلانات الشرقية يوم 12 من نوفمبر 1948 ولم تشر المذكرة التفسيرية للأمر العسكرى إلى القنابل التى اتهم أعضاء الجماعة بإلقائها على معسكرات الإنجليز أو منشآت اليهود.
قال الضابط الكندى هاردى إن النقراشي انتهز فرصة الشغب العنيف الذى وقع فى القاهرة يوم 4 من ديسمبر ليصدر قرار الحل.أسرع أعضاء الجماعة وأشقاء الشيخ وهم عبد الرحمن وعبد الباسط ومحمد إلى دار المركز العام بالحلمية الجديدة فوجدوا الشيخ البنا فى مكتبه وقعه صفوة من الإخوان لم تكن قد انصرفت بعد.
مضت دقائق معدودة لتجئ السيارات المصفحة تحاصرا الدار من كل جانب, ثم تقتحمها وكأنها تقتحم حصنا منيعا يعد بالجنود والسلاح وعلى رأس القوة ضابط شاهر مسدسه مثبت بصره وحواسه فى شخص المرشد العام .
قال: عندى أمر بالقبض على من بالدار عدا فضيلة المرشد العام وأخذ يرجو فضيلته أن يسهل مهمته لأنه " عبد المأمور"!
قبض رجال الشرطة على كل من وجودهم من الأعضاء فى المركز العام ورأى سعد الوليلي سكرتير المرشد العام الذى اعتقل أيضا الشيخ البنا يصعد سلم إحدى سيارات اللورى فمنعه رجال الشرطة من الصعود تشبث بالسيارة ولكن الضابط أكد أنه لم تصدر أوامر باعتقاله.
أزداد البنا تشبثا بالسيارة واعتلى أولى درجات سلمها وهو يصيح: لا تأخذوا هؤلاء بجريرتى فأنا أول منهم بالإعتقال.. وإذاكان الإخوان عصابة إجرامية فأنا رئيسها!
تحركت السيارة بالمعتقلين وبالشيخ إلى دار المحافظة ولكن رجال الشرطة رفضوا اعتقاله. وهناك احتالوا عليه فجاءه أحد الضباط يرجوه أن يقابل الحكمدار للتفاهم معه. نزل المرشد العام من السيارة واتجه إلى مكتب الحكمدار بينما تحركت السيارة بالأعضاء وأشقاء الشيخ إلى المعتقل.وكان هذا آخر عهدهم بالشيخ البنا!
نشرت صحيفة " المصرى " ما فعله رجال الشرطة فى ذلك المساء 8 من ديسمبر عقب إذاعة قرار الحل مما يدل على أن الفترة التى انقضت منذ 18 من نوفمبر كانت مرحلة استعداد كاملة.
قالت الصحيفة الوفدية
- " عند الساعة الحادية عشرة والدقيقة العاشرة اخترقت قوات البوليس بسياراتها القاهرة فى طريقها إلى المركز العام لجماعة الإخوان .وعند وصول القوات كان هناك بعض شباب الإخوان مجتمعين فى فناء المركز العام فاقتحم البوليس الدار وألقى القبض عليهم جميعا ونقلهم.بعد تفتيشهم إلى قسم الخليفة توطئة إرسالهم إلى النعتقل.
- وقام رجال البوليس بعد ذلك بالتفتيش فلم يتركوا ركنا فى حجرة إلا فتشوه ولم يهملوا دولابا دون أن تمتد إليه أيديهم بالبحث والتنقيب.ووضع رجال البوليس جميع الأوراق التى ضبطت فى الدار , أو مع الشباب المقبوض عليهم فى جوالات وأرسلت إلى قسم الخليفة لحفظها بمعرفة المختص.
- وشاهد مندوب " المصرى" أعداد كبيرا من السيارات المصفحة يستقلها بعض الضباط فى طريقهم إلى باقى شعب الإخوان المسلمين وكان الجنود يرتدون الخوذات الحديدية ومزودين بالسلحة والمدافع الرشاشة.واستمرت القوات تواصل تفتيشها واعتقالاتها حتى تم تنفيذ جميع الإجراءات وأغلقت جميع الشعب والفروع التابعة للجمعية بالشمع الأحمر".
كان عبد الرحمن عمار فى فترة نفوذ الجماعة وقوتها يخطب فى صلاة الجمعة فى بنها متحدثا باسم الإخوان وكان يقبل يد المرشد العام ويدعوه بشيخه وأستاذه ويناديه قائلا: سيدى الأستاذ البنا ولكن عبد الرحمن عمار تغير تماما عندما رأى اتجاه الحكومة ضد الجماعة
علق على قرار الحل قائلا:
- إذا كانت الحكومة قد خطت هذه الخطوة الجريئة التى أحجمت عنها حكومات سابقة فلأنها رأت أنه ليس هناك بد من العمل بحزم وعزم للقضاء على عناصر الشغب ودعاة الفتنة وأهل السوء,قضاء مبرما فى غير تردد وبلا شفقة ولا رحمة.
بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 والقبض على عبد الرحمن عمار حاول أن يتنصل من مسئولية الحل ومن المذكرة التفسيرية تماما كما يفعل كبار لاموظفين فى أعقاب الثورات والانقلابات وتغير أنظمة الحكم واتجاهاته فى مصر والدول النامية.
قال عمار:
- إدارة الأمن العام هى التى أعدت مذكرة الحل بناء على طلب النقراشي وقد وضعت عليها طبقا للإجراءات الحكومية بصفتى وكيلا لوزارة الداخلية!
علق المسئولون فى وزارة الخارجية البريطانية فى مذاكراتهم الرسمية السرية على الأمر العسكرى فقالوا:
- وشكلت الأنشطة الأخيرة للمنظمة تهديدا للأمن العام بحيازتها لكميات ضخمة من الأسلحة والمتفجرات , ومن الواضح تماما أنها ملك المنظمة نفسها لا لأعضاء فيها وهذا صلب الموضوع وجوهره لاختلاف هذه المنظمة عن الحزب السياسى العادى .وجاء قرار الحل متأخرا عن موعده وهناك ارتياح عام إزاء حل الجماعة
- وقد ابدى لبوليس حرصا جديرا بالثناء فى تنفيذ قرار الحل. وبكن ذلك لا يعنى بالضرورة نهاية النشاط الإرهابى من جانب أعضاء الجماعة المتورطين فى أعمال الإرهاب. ومن المحتمل أن تستمر أقلية من الإرهابيين فى العمل السرى لنهم يعرفون مخابئ الأسلحة والذخائر التى لا تعلم بها سلطات الأمن.وستحتاج سلطات الأمن إلى درجة عالية من العزم والمثابرة والكفاءة".
اكتفت معظم الصحف المستقلة " الأهرام" و" المصرى"و" الزمان "و" المقطم" بنشر قرار حل الجماعة والأحداث التى تلته بدون تعليق.أما صحيفة " صوت الأمة" التى هاجمت من قبل. وبعنف الشيخ البنا وجماعة الإخوان فقد تجاهلت قرار الحل تماما , لم تنشره ولم تعقب عليه ونشرت الكتلة صحيفة مكرم عبيد وحزبه النبأ دون إبراز.
ولكن مجلة " الحوادث " التى تعبر عن الوفد رحبت بقرار الحل تحت عنوان لا حرية لأعداء الشعب".
نشرت المجلة تصريحا أدلى به النقراشي باشا وقال فيه :" الجماعة مرض استشنائى فكان من الطبيعى ان تعالج بطريقة استثنائية وحاسمة".
وقالت الحوادث:" نام رفعة النحاس باشا نوما هادئا عندما وصل إليه قرار الحل"
وأضافت:
- " يجب اعتبار يوم الحل عيدا للديموقراطية يحتفل به كما تحتفل أوربا بزوال كابوس الفاشية وحل الإخوان إجراء ديمواقراطى ويجب على المصريين أن يهللوا طويلا لهذا الإجراء .. وقد أنقذ النقراشي البلاد من عار ملفوف فى ثياب الفضيلة".
زايدت صحيفة مصر الفتاة الحل وقالت
- " لم تأخذ حركة الإخوان طابعا معينا ولكنها تشكلت وتطورت لتجارى كل فكر وطل ظن , وكل أمل .. وكنا نتوقع ذلك المصير بأسلوب أو بآخر ولم تصدر أيدا أن النهاية ستجئ سريعا".
وقالت صحيفة أخبار اليوم
- " إن قرار الحل أحدث صدى قويا فى لندن وساد الدوائر الرسمية شعور بالارتياح.ووصفت الدوائر المطلعة فى لندن ب أنه أقوى من قرار حكومة محمد محمود بحل فرق " القمصان الزرقاء" واكتفت الصحف لتى تصدر فى مصر بلغات أجنبية بتعليقات قصيرة وهى " البروجرية " و" البورص" اللتان تصدرهما شركة الإعلانات الشرقية التى ألقيت عليهما قنابل الإخوان.
ولكن صحيفة " الجيبشيان جازيت" التى تصدرها نفس الشركة أيدت قرار الحل واتهمت الجماعة بالإرهاب " وأنها تخلت عن أهدافها الإسلامية والإجتماعية وطلبت من الحكومة التحقيق لمعرفة المسئولين عن الانفجارات حتى لا يستمر الفاعلون فى العمل السرى تحت الأرض".
وفى سوريا حملت صحيفة:
- " المنارط الناطقة بلسان الإخوان على قرار الحل قالت:ضاعف البريطانيون من حملتهم على الجماعة ووزعت مكاتب الإستعلامات البريطانية فى العالم كله أنباء بأن السلطات المصرية وجدت منشورات شيوعية فى مكاتب الجماعة هكذا نجح البريطانيون فى إقناع حكومة مصر بإغلاق شعب الإخوان".
وقالت السفارة الأمريكية إنه طلب إلى الشيخ البنا أن يلزم داره فى اليوم التالى الحل الجماعة لأنه لم ينفذ وعوده الشفوية لعبد الرحمن عمار بمنع المظاهرات ويبدو أن القرار نفذ لفترة قصيرة".ولكن "الساس" صحيفة الحزب السعدى الحاكم قالت غن الأمر العسكرى صدر بمناسبة استقبال الوزارة لعاملها الثالث.
ونشرت الأساس أنه:
- " تم فى ذلك المساء إغلاق 55 شعبة وأن المدارس الإلزامية تحولت إلى فصول لتعليم الشيوعية! وأن كل المدارس سلمت لوزارة المعارف والمستوصفات ضمنت لوزارة الصحة والشركات وضعت تحت إشراف وزارة الداخلية للإنفاق منها بمعرفة وزارة الشئون الاجتماعية... على ال‘مال الخيرية".
وقالت الأساس " إن الشيوعيين اتخذوا من شعب الإخوان أوكارا لهم"!
طلب الأمير محمد على ولى العهد إلى تشابمان اندروز الوزير البريطانى المفوض أن يزوره فى قصره بالمنيل فجاء الوزير ليسمع رأى الأمير فلا قرار حل الجماعة
قال ولى العهد:
تجمع كتاب مصر مؤيدين لقرار الحكومة ضد الإخوان لملسمين وكان العقاد على رأسهم وفى مقدمتهم وأعنفهم فى الهجوم.
قال تحت عنوان " مدرسة الجريمة"
- " كانت الجماعة المشئومة التى طلعت على هذا البلد المسكين تغذى الإغرار من أتباعها بصنوف شتى من الغذاء المسموم. فكل نفوذ أدبى فى هذا الوطن مهدد عندهم أو مستباح.نذكر إمامهم " شيخ الإسلام" فيقولون بل " ناظر مدرسة" ولا شأن له بإئمة الدين لهم العلماء ذلك فيقولون إنهم لا يعلمون ويذكر لهم " سعد زغلول" فيقول بل يكتبون إنه ليس بزعيم الأمة ولكنه صنيعة الإنجليز ويذكر لهم رجالات مصر والشرق واحدا واحدا فيلصقون بكل منهم تهما لا تبقى له محلا من الإحترام .فإذا كانت الأسرة المختلة مدرسة الجريمة فهذه قبحها الله جامعة الجريمة".
واتهم العقاد الإخوان بأنهم عملاء للأجانب تحت عنوان " جماعة الإخوان فتنة أجنبية".
قال:
- " وما من أحد يحتاج إلى تعب ليعلم أن جماعة المجرمين فتنة اجنبية يزودها بالمال والسلاح أناس لا يريدون خيرا بالإسلام والمسلمين".
واشترك كثير من الكتاب المصريين فى الهجوم على الإخوان .
وكتب محمد توفيق دياب:
- فعلت البذور السامة فعلها المشئوم فى فئات من الطلاب والتلاميذ فإذا معاهد التربية والتعليم فى أعينهم ثكنات جيش وميدان قتال , وغذا كتبهم وأدواتهم مسدسات وقنابل وغذا عدوهم الذى يقاتلونه ويقتلونه إخوان لهم مصريون من رعاة الأمن والعلمانية".
وقال محمد التابعى:
- " شبان سذج . آلات وأدوات سهلة طيعة .. تناولها زعماء الإخوان وقادتها وصاغوها فى القالب الذى أراده .. وأخرجوا منها آلات خرساء صماء ... وتتحرك بلا إرادة وتنغذ مشيئة سواها بلا تعقيب نزولا على حكم السمع والطاعة .. وأن طاعة القيادة من طاعة الله".
ولم تكتب كلمة واحدة دفاعا عن الجماعة لأن كتابها معتقلون ولأن الرقابة على الصحف كانت قائمة!قال أحد المتهمين فى حوادث اعتداء بالقنابل لوكيل النيابة أثناء التحقيق معه:
لماذا اعتقلتمونا بسبب نسف المحلات التجارية اليهودية بينما كانت الحكومة تشجعنا على ذلك.
ومضى يقول: كانت السلطات تعيد إلينا كل المتفجرات التى عثر عليها زعمنا أنها تتجه إلى فلسطين!
قصد مندوب صحيفة " المصرى" إلي الشيخ حسن البنا يسأله رأيه فى حل الجماعة.
فقال:
- " لا يمكن بالتحديد حصر الأسباب التى دعت الذين اصدروا هذا القرار إلى إصداره ولكن يقال إن من هذه الأسباب... التحول الذى طرأ أو فى النية أن يطرأ على اتجاهات السياسة البريطانية فى الشرق.
- ومن المعلوم ان بريطانيا تعتبر الإخوان المسلمين قوة وطنية متطرفة وتغزو إلى دعايتهم تعطيل الاتفاق مع مصر.وكذلك الحزبية التى تصاحب قرب موعد الانتخابات النيابية... لأن الحزب السعدى يريد أن يظفر بأغلبية برلمانية تمكنه من الإستمرار فى الحكم.والإخوان المسلمون قوة شعبية ينتظر منها الصمود فى هذا الموقف.
- ومن " التكتيك الحزبى" أن يشوه موقفهم بمثل هذا العمل قبل حلول موعد الإنتخابات فى أكتوبر 1949, ورغبة الحكومات العربية فى إنهاء قضية فلسطين ولو على غير ما تريد الشعوب.
وهناك من الضغوط الجنبية ما لم تستطع معه الحكومة المصرية إلا أن تتخذ هذا الإجراء .وعلى كل حال فهو موقف يؤسف له وما لم يعدل فى وقت قريب. فإن الأمور فى لاداخل والخارج لا يمكن أن تستقر على هذا الأساس من الضغط والظلم والتحدى".
ولم ينشر حديث الشيخ إلا فى 9 من أكتوبر 1949 بعد استقالة إبراهيم عبد الهادي .. بسبب الرقابة على الصحف.
قالت صحيفة " شيكاغو ديلى تريبيون":
- " حلت جماعة الإخوان المسلمين بأوامر شخصية من الملك عندما علم أنها تخطط للإطاحة به والإستيلاء على الحكم".
على الجبهة المصرية كانت توجد مأساة أخرى....
مساء 7 من ديسمبر اقتحم اللواء البردينى القائد الثانى للقوات المصرية فى فلسطين معسكر الإخوان ليبلغ قائد الجماعة كامل الشريف أن الحكومة قررت حل الجماعة , وسيعلن ذلك فى اليوم التالى .
وقال:
- الحكومة المصرية تخشى أن يقوم الإخوان بحركات انتقامية فى الميدان .
- أجاب كامل الشريف:لن يختم الإخوان جهادهم بضرب المؤمنين من إخوانهم وزملائهم ويجتمع اللواء فؤاد صادق قائد القوات المصرية فى فلسطين بالإخوان فيعلن حسن دوح أنهم قرروا البقاء وموصلة الجهاد.
ويبعث المرشد العام برسالة إليهم يقول فيها:
وتماطل الحكومة فى منح الشجعان أوسمة ... وعندما تمحنها لبعضهم تسميهم " جماعة المتطوعين المصريين". وتحلل وزارة الخارجية البريطانية الموقف بعد حل الإخوان.
قالت الوزارة
- " حدث تدهور خطير للغاية فى الأمن العام . وتكمن خطورة الموقف الراهن فى اسبابه أن لامصريين ينفسون عن مشاعرهم بهذه الطريقة من وقت لآخر ولا شك أن الإنفجار الأخير كان نتيجة لتصاعد الشعور بالإحباط. والجمهور المصرى يدرك فى المقام الول , أن مغامراتهم فى فلسطين قد فشلت.
- ويدرك المصريون أيضا حماقة الحكومة المصريةإذ أحجمت عن التصديق على اتفاق كامبل خشبة حول السودان.ويدركون عزلتهم الاستراتيجية فى مواجهة موقف دولى متدهور وهم يعترضون على سلوك ملكهم وما زالوا نتظرون حدوث شئ ملموس باتجاه الإصلاح الاجتماعى.
- كل هذه المصادر التى ينبع منها السخط زادت حدتها فى الأسابيع القليلة لاماضية .وحدثت اضطرابات فوضوية مماثلة فى سوريا فى الأسبوع الماضى.وقد تكون أخطر عناصر هذه الاضطرابات أنها تخلق الموقف الملائم تماما الذى ينتظره الشيوعيون.
- ومقارنة بالشرق الأقصى وأفريقيا أظن أن التسلل السوفيتى للشرق الأوسط لم يكن نشيطا كما يجب.وبما يكون الأمر أن السوفيت ينتظرون سقوط الحكومات العربية وهو ما توقعوه عقب الفشل العربى فى حل المشكلة الفلسطينية.
- ولا يوجد لدنيا الكثير مما يمكن ان نفعله فى مواجهة هذه السياسة السوفيتية سوى أن نفهم الحكومات العربية ضرورة الحفاظ على النظام العام وتشجيعها مر اخرى على اتخاذ خطوات أكثر إيجابية باتجاه الإصلاح الاجتماعى".
وهكذا نجد أن بريطانيا خافت من أن يؤدى تدهور الأمن إلى سقوط مصر فى أيدى الشيوعيين ومن هنا كان الضغط البريطانى ضد الإخوان أما السوفييت فرأوا أن الفشل العربى فى فلسطين سيؤدى إلى سقوط الحكومات العربية وسقوط مصر فى أيدى الشيوعيين وكان الإخوان هم الضحية!
الصامتون
كانت اللجنة العليا للحزب الوطنى التى يرأسها فتحي رضوان المحامى وتضم شباب الحزب الوطني الهيئة الوحيدة التى احتجت على قرار حل جماعة الإخوان المسلمين.
قال فى بيان لها:
- " القرار ثورة على الدستور, وخروج بسلطة الحكام العرفية عن الغرض الذى أعدت له .إن النقراشي باشا الحاكم العسكرى فى فترة الحرب مع الصهاينة, هو الذى يحل هيئة الإخوان المسلمين الذين حاربوا فى فلسطين شد الصهاينة كأشجع وأقوى ما يكون المحاربون.
- وإذا كان ما نسب إليهم صحيحا فهو لا يعدو اعتداء على المحال اليهودية أو على أفراد من اليهود مما يجعل النظر فيه من اختصاص المحاكم العادية ويخرجه عن سلطة الحاكم العسكرى تماما.
- ولا يملك الحاكم العسكرى أن يحل حزبا بأسره يختلف معه الرأى وينافسه فى الإنتخابات القريبة ويصادر أمواله ويستولى على عقاراته, ويتوقف نشاطه لأن الدستور وقانون العقوبات لا يسمحان بشئ من ذلك حتى فى حق من تثبت عليهم قضايا ارتكاب جرائم الخيانة العظمى أو التطاول على مقام جلالة الملك وهى جرائم مهددة لكيان الدولة.
- ولا يوجد مسوغ للإستيلاء على دور الإخوان والتصرف نهائيا فى أموالهم لأن ذلك لا يحقق إلا غرضا واحد وهو التنكيل بالإخوان.إن بريطانيا وصحفها أبدت ارتياحا للحل مما يكشف جانبا من جوانب الخطر فى هذا الإجراء".
وقال البيان:
- "إن المنطق الذى أخذ به الحاكم العسكرى فى محاربة الإخوان ترفع اللورد اللنبى وبريطانيا عن الأخذ به فى معاملة المضربين.
- لقد اعتبرت بريطانيا حوادث الاغتيال فى المدة من 1920 حتى 1924 عملا وفديا بحتا وأن سعد زغلول هو المسئول عن هذه الجرائم.. ومع ذلك لم توعز بريطانيا بحل حزب الوفد وكانت تملك أن تفعل .فهل يكون المصريين أكثر جرأة على الدستور وأمعن فى محاربة الحقوق الأساسية للناس من بريطانيا والبريطانيين".
لم ينشر هذا البيان عقب صدوره لأن الرقابة على الصحف كانت قائمة ونشر جانبا منه فتحي رضوان فى جريدة المصرى فى 28 من فبراير 1950 فى عهد وزارة الأخيرة ولكنى وجدت هذا البيان ضمن الوثائق البريطانية المحفوظة فى مركز الوثائق العامة فى لندن!
واستنكر صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين قرار الحل. قال:
- " لم يجازف الإنجليز بحل الوفد المصرى رغم أتهام بعض أعضائه باغتيال السرادار السير لى ستاك باشا حاكم السودان والحكم عليهم بالإعدام ورغم حوادث الاغتيال لمتعددة التى نسبها الإنجليز للوفد المصرى وأعتقل بسببها مكرم عبيد والدكتور أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى وإبراهيم عبد الهادي وغيرهم.على الرغم من ذلك كله .. فقد بقى الوفد المصرى ولم يحل ولكن السعديين المصريين حلوا جمعية الإخوان".
لم تنشر كلمات صالح حرب إلا فى 19 من نوفمبر عام 1949 فى جريدة " الكتلة" التى انطلقت قبل غيرها ودون غيرها , لفترة طويلة, فى الدفاع عن الإخوان... بعد استقالة إبراهيم عبد الهادي وتولى حسين سرى باشا رئاسة الوزارة.
ولكن باقى الأحزاب المصرية استقبلت قرار الحاكم العسكرى فى صمت لم تستنكره مع أن قرار الحل قد يلاحقها .. ولم تؤيد القرار لأنه يخلصها من أقوى أعدائها..
وفى بيان فتحي رضوان غلى ذلك:
- " إن التأييد الصمنى " أو الصريح الذى لقيه الحاكم العسكرى من بعض المعارضين له يرجع إلى أن الحاكم العسكرى تحمل دون معارضيه وزر خطوة لم يجدوا عندهم الشجاعة عليها".
وتوجه بعض رجال الأزهر إلى مكتب عبد الرحمن عمار يهنئون بقرار الحل قائلين:
- هؤلاء إخوان الشياطين . والحمد لله على خلاص البلاد من شرهم وأيد بعضهم قرار الحل فى أحاديث قدمتها الإذاعة المصرية . وأكدت المفوضية الامتناع عن تأييد قرار الحل على أمل تأييد الجماعة لهذه الأحزاب فى الانتخابات القادمة".
وقد تبين صدق هذه النبوءة فيما بعد!وقالت صحيفة " أخبار اليوم" ... " أدلى النحاس باشا بحديث إلى صحيفة " الأهرام" أيد فيه قرار الحل ولكن فؤاد سراح الدين سكرتير عام الوفد أوقف النشر... لأن الحديث ليس للنشر"!
قالت مجلة آخر ساعة تحت عنوان "المعارضون يصفقون ويبكون لحل الإخوان المسلمين"
- " ابدى المعارضون ارتياحهم لهذا القرار سرا فقد تخلصوا من جمعية كانت تعتبر أقوى من خصومهم. ولم تكن هذه الجمعية حزبا فقط بل كانت أشبه بدولة لهاجيش ومستشفيت ومدارس ومصان وشركات اما عن العلن فقد رفضت صحف المعارضة أن تعلق بكلمة واكتفى المعارضون فى أحاديثهم مع الشيخ البنا بإبداء الأسف والسخط وتحدث مكرم عبيد مستنكرا هذا التصرف حتى ظن الشيخ حسن أن مكرم باشا أصبح هو الآخر أخا مسلما"!
علقت السفارة البريطانية على البيان بأن فتحي رضوان محاممن طراز وطنىمتطرف وداعية يثير الفتن والقلاقل.
وقالت تقارير السفارة:
- " أراد الإخوان الاندماج فى اللجنة العليا للحزب الوطنى ويعتزمون مواصلة النشاط السرى تحت حماية هذه اللجنة ورعايتها.وأثير اقتراح بأن يتولى الحزب الوطني النشاط السياسى للجماعة بينما يقتصر نشاط قادتها على متابعة رسالتهم الدينية والاجتماعية".
وفكر الشيخ البنا كما يقول الباقورى فى ان يستبدل باسم جماعة الإخوان اسم "رابطة المصحف" حتى يتفرغ للتربية الدينية التى هى اصل الأصول فى جماعات الإصلاح.قال زكى على باشا وكيل جمعية الشبان المسلمين إن المرشد العام أراد الإندماج فى جمعية الشبان المسلمين.
خاف أعضاء جمعية الشبان المسلمين على أنفسهم من عنت الدوة فاعترض وكيل الجمعية زكى على باشا على حضور الشيخ ولكن صالح حرب باشا رئيس الجمعية زار المرشد العام فى بيته وقال له:
اعتبر دار الشبان دار الإخوان... دارك ومفتوحة لك دائما.عرفت الحكومة بذلك فاتصل المسئولون بصالح حرب وقالوا له: هذا تحد لأمر الحل.
رفض صالح حرب الخضوع قائلا: هذه دار المسلمين جميعا.لن يوصد بابها فى وجه مسلم ومن باب أولى لا يوصد فى وجه البنا وستظل داره راغبا فى زيارتها.
وقال لمحمد الليثي: اخل مكتبك للأستاذ البنا .. وحاول ألا تجمع معه فى المكتب أكثر من ثلاثة أشخاص حتى لا يطبق عليه قرار الحل.
وهمس صالح حرب فى أذن الليثى قائلا:
- لا تدع الشيخ يعلم بشيء مما دار بيننا وبين الحكومة بشأنه .
وقال الدكتور يحيى الديرديرى مراقب الجمعية للأعضاء الشيخ حسن يحضر إلى الجمعية كرجل مسلم وكضيف. وقد قرر ألا يعقد فى " الشبان المسلمين" اجتماعات ولا يلتقى بأعضاء.
وهكذا أصبحت جمعية الشبان المسلمين المكان الوحيد الذى يتردد عليه البنا فدفع اشتراك 5 سنوات سابقة لم يسدد عنها الاشتراك من قبل . وكتب بخط يده فى 4 من فبراير طلبا ليكون عضوا فى الجمعية . وقال غنه صحفى هدفه أغراضها فتقرر أن يعرض طلب الالتحاق على مجلس الإدارة يوم 18 من فبراير لاتخاذ قرار فيه.وقيل إنه سيكون رئيسا للجمعية وبذلك تتحول لتصبح بديلا للإخوان !
وفى كتاب محمود عبد الحليم قال:
- " إنه لا يستبعد رغبة الشيخ البنا فى نقل نشاط الجماعة والإندماج هنا و هناك فيجد لدعوته منفذا مؤقتا قبل أن تطبق عليها الغيوم أطباق كاملا, وليدخل الطمأنينة إلى نفس الملك".
ولكن أخفق الشيخ البنا فى التماس المنفذ!وزارا الشيخ البنا رئيس الحزب الوطني حافظ رمضان باشا يسأله فيما إذا كان من الأفضل إثارة موضوع الحل فى البرلمان.
قال حافظ رمضان:
اللجوء إلى الهيئات النيابية قد يضر ضررا بليغا إذا وافقت تلك الهيئات على قرار الحل.وكان حافظ رمضان يعرف أن الأغلبية فى مجلس النواب للحكومة ومن الطبيعى أن يؤيد النواب قرارها.
أفضى الشيخ إلى فتحي رضوان بأنه يود أن يكل إلى هيئة من رجال السياسة المصريين حزبين ومستقلين وبعض المشتغلين بالشئون العربية والإسلامية بينهم وهيب دوس بك المحامى القبطى وصادق المجددى سفير الأفغان بالقاهرة أمر الوساطة بين الإخوان وحكومة النقراشي.
وكان يأمل أن تنجح وساطة هؤلاء الكبار فى أن تخفف الحكومة من شدة اجراءات الإعتقال وأن تدع نشاط الإخوان الخيرى والدينى وأن تعفى من الصادرة والحل الشركات التى تمارس نشاطا اقتصاديا.
وحمل عبد العزيز الصافانى سكرتير الحزب الوطني قائمة بالأسماء المقترحة للهيئة وعرضها على حافظ رمضان باشا قائلا:
يطمع الشيخ البنا فى أن تقوم بدعوة هذه اللجنة للإجتماع فى دارك قال حافظ رمضان للصوفانى: أنصحك بصرف النظر عن المشروع كله!ويلتقى الشيخ البنا بفتحي رضوان فيقول له:
ماذا فعل الباشا يقصد حافظ رمضان لنا وبنا . ونسينا أن غضب علينا؟أجاب فتحي رضوان:الخلاف بينك وبين الحكومة خلاف مبدئى لا تنفع فيه وساطة الوسطاء
رد الشيخ معللا النفس بالأمانى:هذا باب مفتوح يجب أن نطرقه حتى لا نكون قد قصرنا فى شئ! اقام الشيخ دعوى أمام مجلس الدولة يطلب فيها الغاء قرار الحل. وتوجه مع صهره عبد الكريم منصور إلى المجلس فجاء شرطى فتش المرشد تفتيشا دقيقا وكأنه يريد أن يعرف ما إذا كان الشيخ يلبس درعا أم لا.
وقال منشور سرى كتبه البنا عنوانه" قضيتنا":
- " طلبت السفارة البريطانية من النحاس باشا عام 1942, والحرب العالمية على أشدها والألمان على الأبواب, حل الإخوان المسلمين وتعطيل نشاطهم فأبى أن يجيبها إلى ذلك, وأكتفى بإغلاق الشعب كلها مع بقاء المركز العام إلى حين!
- إن الدافع الحقيقى للحل هو انتهاز الجانب فرصة وقوع الحوادث مع اضطراب السياسة الدولية , وقلق الموقف فى فلسطين , وتردى سياسة مصر بين الإقدام والإحجام فشددوا الضغط على الحكومة. وكان فى وسع رئيس الوزراء أن يزجرهم عن مثل هذا التدخل فى شأن داخلى".
ونسب الشيخ البنا أسباب الحل إلى ما يشاع عن قرب الإتفاق بين الحكومة المصرية والحكومة البريطانية والموقف الحزبى والتأهب للإنتخابات القادمة.
وقال الشيخ البنا:
- " اعتقل ألف شخص ليسوا متهمين فى شئ, وهم بين استاذ الجامعة كالأستاذ حسين كمال الدين, أو فى الأزهر كالأستاذ بهى الخولى, أو فى المعاهد العليا كالأستاذ عبد العزيز كامل وأحمد كامل سليم, أو فى دار العلوم كالأستاذ أحمد عبد العزيز جلال.
- ومنهم المحامون الكبار, أو التجار الفضلاء والعمال والطلاب وليس فيهم أبدا منهم ولا مجرم.وفصلت الحكومة أكثر من 150 موظفا من الموظفين الصغار الذين لا ستطعيون مقاضاتها أمام مجلس الدولة.وشردت من القاهرة وحدها إلى الوجه القبلى 500 موظف.
- وصدرت الأوامر العسكرية بمصادرة مرتبات عدد كبير من الموظفين, وأموالهم وشركات هى:
- وكلها لا صلة لها بهيئة الإخوان ولكنها وضعت هذا االقسم من باب الدعاية التجارية.
- وقال الشيخ البنا" إن كل ما يطلبه من الحكومة أمرين اثنين:
- (أ) دفع المظالم التى وقعت على الناس بلا سبب.
- (ب) إطلاق حرية الدعوة فى الوقت المناسب بالأسلوب الذى لا ينال من هيبة الحكومة ولا يعطل من نشاط الإخوان.
- (ت) وفى نظير ذلك يتعهد المرشد العام ورؤساء الإخوان أن يكونوا أعوانا صادقين للحكومة فى استقرار الأمن واستتباب النظام".
ولكن الحكومة اكتفت بمصادرة المنشور واعتقال موزعيه وحائزيه!وأذاع الشيخ البنا بيانا آخر رد فيه على مذكرة عبد الرحمن عمار عن الجماعة فند فيه كل أسباب الحل.
ولكن الحكومة أيضا صادرت هذا البيان وأعتقلت موزعيه وحائزيه وتركت كتابه الشيخ البنا ... حرا!
وقال الإخوان:
- إن سفراء بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا اجتمعوا يوم 20 من نوفمبر 1948 فى معسكرات القوات البريطانية بفايد قرب الإسماعيلية وقرروا أن يتقدم السفير البريطانى باسمهم يلطب حل الجماعة.
- وفى 20 من نوفمبر 1948 ارسل الكولونيل ماك درموت, رئيس إدارة المخابرات فى قيادة القوات البريطانية, إلى مدير إدارة المخابرات يبلغه بأن السفارة البريطانية اخطرت القيادة البريطانية رسميا بأن خطوات دبلوماسية تتخذ لإقناع السلطات المصرية بحل الجماعة فى أقرب وقت مستطاع.
- وقال عبد الرحمن عمار فى أثناء محاكمة لامتهم باغتيال النقراشي إن الإخوان ادعوا ذلك لإيهام الناس بأن النقراشي حين قرر حل الإخوان كان تحت ضغوط أجنبية.
- ونشر الإخوان نصوص الرسائل المتبادلة فى العدد الأول من مجلة الدعوة الصادرة فى 31 من يناير عام 1951.وأشاروا إليها فى أثناء محاكمة المتهمين اغتيال البنا.
ضاق الإنجليز بذلك فزار تشابمان اندروز الوزير البريطانى المفوض إبراهيم عبد الهادي باشا فى منزله وقال له:
- هذه الوثائق مزورة.وإنى أطلب منك ن تعلن ذلك باعتبارك رئيس الوزارة التى قبض فى عهدها على بعض المتهمين فى سيارة الجيب وغيرها
وأضاف " أندروز":
- إذا وجدت حرجا فى النشر فى بالصحف أو الاتصال بالفضاء فإن السفارة البريطانية على استعداد لإعلان ذلك رسميا:اعتذر رئيس الوزراء السابق فبعث مورى جراهام المستشار القانونى للسفارة البريطانية إلى وحيد رأفت مستشار الرأى لوزارة الخارجية المصرية رسالة قال فيها:
- " إن أمر حل الإخوان المسلمين لم يكن محل حديث بين السفارة الأمريكية والحكومة لامصرية"
وقدمت النيابة هذه الرسالة للمحكمة فى قاعة الجلسة.وكان مورى يكذب فإن مقابلات السفير البريطانى السير رونالد كامبل لرجال الملك والوزراء تقطع بان السفير ألح على ضرورة الحل.
كتبت السفارة البرطانية إلى لندن بعد يومبن من قرار الحل:
- " تجتاح الأمة المصرية حاليا موجة من الغضب بسبب الروح التى أبدتها الأحزاب السياسية المختلفة.ويعيب الشعب على السلطات سلوكها تجاه الإخوان والذين استخدموا فى نفس الوقت كأدوات ضد الوفد. وبينهم الرأى العام جميع الأحزاب بالإهتمام بمصالحها الخاصة.ويواجه الإخوان حاليا أبشع التهم دون إجراء الحد الأدنى نم التحريات للتحقيق فيها".
تلقت وزارة الخارجية المصرية المحاسبة ومجلس الدولة رسائل تهديد بنسفها. وقالت المفوضية الأمريكية أنه وجدت متفجرات فى مكتب وكيل وزارة الأشتغال .
وأعلنت الحكومة عن مكافأة لمن يرشد عن مستودعات السلاح ونشرت كميات وأعداد الأسلحة المضبوطة. حرم الشيخ البنا على نفسه الطعام الطيب ليشارك الإخوان فيما يتحملونه فى السجون والمعتقلات.
وكان يستيقظ ليلا قائلا:
اسمع صياح الأطفال الذين غاب آباؤهم فى المعتقلات.وأصدر النقراشي باشا بصفته الحاكم العسكرى العام أمرا بمنع الطلبة من الإشتراك فى النشاط السياسى للأحزاب أو الأندية السياسية.ولم تنشر أنباء الاعتقالات فى الصحف نتيجة للرقابة مما ترك أسوأ انطباع لدى الإخوان كما تقول السفارة البريطانية.
رد الإخوان بطبع منشورات توضح موقفهم وموقف الحكومة تجاه الحركة الوطنية.تلقى وزراء حزب الإحرار الدستوريين منشورا وقع باسم " كتاب النضال المقدس لتحرير الإسلام".احتج المنشور على قرار الحل وقال إن أ‘داء الجماعة غيروا بدهاء طبيعتها الحقيقية فقد قام الإخوان لإنقاذ الأمة مبادئ الإسلام والعمل بالقرآن وتنفيذ إرادة الله.
وقال المنشور إن موقعيه من الإخوان وإنهم يختلفون مع زعيم الجماعة البنا فى أسلوب إعادة حقوق الجماعة و سيتبعون طريقا خاصا لذلك فالعدوان يرد بالعوان وهم مرغمون على رد السهام التى وجهت إليهم.
وطالب المنشور الحاكم العسكرى" بعلاج الإجراءات الظالمة التى لا ترضى الله والملك والدستور أو الشعب سينفذون إرادة الله أو يموتون شهداء"
علقت المفوضية الأمريكية على ذلك بأن أسلوب المنشور يدل على أن كاتبه هو المرشد العام أو أحد خلصائه بهدف آخر وهو إقناع الحكومة بأن البنا ليس مسئولا عن أعمال الإرهاب.
وقالت المفوضية إن صدور هذا المنشور وتوزيعه دليل على أن الحكومة لم تعتقل بعد كل الإرهابيين!حاول البنا لقاء النقراشي والوصول غلى تفاهم يوقف اندفاع شباب الجماعة وأراد أن يبين له أن تطرف بعض الشباب لا يجب أن ينعكس على الإخوان جميعا.
وكان البنا يرغب فى أن يشكو إلى رئيس الوزراء من أن بعض الشركات الصادرة ليست لها علاقة بالإخوان ما تم استيلاء العمد والمشايخ على أراض زراعية بدعوة أنها مملوكة للإخوان!ولكن النقراشي رفض لقاءه فكتب إليه المرشد العام رسالة بأن الإخوان يعتزمون الهدوء وسيعاونون على قرار الأمن.
واجتمع الشيخ البنا وإبراهيم عبد الهادى رئيس الديوان الملكى قدم البنا لرئيس الديوان رسالة بأن الإخوان يعتزمون التزام الهدوء.
رد رئيس الديوان:
- تحدد خط الحكومة بشكل مؤكد. فإما أن ترضخ أو تتحمل العواقب رأى المرشد العام أن يبين موقفه لكل المحيطين بالملك فاجتمع بكريم ثابت المستشار الصحفى لفاروق, يشكو إليه قسوة تدابير حل الإخوان واتساع نطاق موجة الاعتقالات.
قال:
- إن انحراف الإخوان المسلمين إلى الاشتغال بالسياسة كان خطأ كبيرا وكان أحرى بهم أن يتجنبوها وأن يقصروا رسالتهم على خدمة الدين, والدعوة إلى مكارم الأخلاق. والهداية إلى آداب الإسلام وهو الأصل فى تكوين الجماعة.
- وإنى أطلب إليك أن تنقل إلى الملك فحوى هذا الحديث ليتدخل لتخفيف تدابير الحل والمصادرة . وتبقى على الإخوان كهيئة دينية تنصرف إلى تأدية رسالتها دون أن تجاوزها بحال.
واضاف الشيخ البنا:
- سيكون الإخوان المسلمون كهيئة دينية عونا كبيرا للملك والعرش فى مقاومة الشيوعية والمبادى الهدامة.وإذا وافق الملك فإنى مستعد تسهيلا لمهمة الحكومة أن أذيع بيانا أعلن فيه أن الإخوان لن يشتغلوا بالسياسة وأنهم من الآن فصاعدسيوجهون جهودهم إلى الأغراض الدينية وحدها.
وظل البنا يردد فى أحاديثه للسياسيين ورجال الصحافة:" إن ولاءنا للعرض لا ينكره إلاكل مكابر".وقال:" الإسلام لا يتعارض مع النظم الملكية".
وأعلن أن الإخوان يلتزمون بقول الحسن البصرى:" لو كانت لى دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان فغن الله يصلح بصلاحه خلقا كثيرا".
قالت تقارير المخابرات البريطانية بعد أسبوع من الحل
- " إن اضطرابات عنيفة وقعت فى مدرسة الزقازيق وأن ثلاثة من أعضاء الجماعة الإخوان المسلمي ألقوا قنبلة على رجال الشرطة ما أدى إلى غصابة ثلاثة منهم , ووجدت قنبلة أخرى لم تنفجر.وعثرن الشرطة خلال التفتيش على خطاب يتهم البنا بالتقاعس إزاء قرار الحل".
قصد ثلاثة من رجال الملك فاروق إلى السفارة البريطانية بعد حل الإخوان . قال السير رونالد كامبل السفير البريطانى لإبراهيم عبد الهادىء رئيس الديوان الذى زار السفارة بعد 48 ساعة من القرار:
أعتقد أن الحكومة تأخرت أكثر من اللازم فى اتخاذ قرار الحل قال رئيس الديوان: لا أظن لك وقمعهم سيستمر بقوة.قال السفير: هل البنا مخلصا فى رسالته بالتزام الهدوء أم أنه يحاول كسب الوقت للتحضير لعودة الإخوان .أجاب عبد الهادى: لا يمكننى تحديد الدافع وراء الرسالة لأن عقلية الشيخ مراوغة... والحكومة تعتزم القضاء عليهم.
وقال حسن يوسف وكيل الديوان الملكى لتشابمان أندروز الوزير البريطانى المفوض:كان الإجراء الذى اتخذته الحكومة عقب حل الجماعة إجراء سلميا وناجحا إلى حد كبير. تم الإستيلاء على جميع مقارهم فى أنحاء البلاد واستخدم بعضها كنقط إضافية.وصودرت كميات كبيرة من الذخائر والمفرقعات .... والموال .
واختتم حسن يوسف حديثه قائلا:نحن نشكر النقراشي على اتخاذ الإجراءات وهناك رجلان فى مصر لديهما القدرة على أداء هذه المهمة ... إسماعيل صدقي , والنقراشي.
كان ادجار جلاد هو الرجل الثالث الذى ذهب ليتناول الشاى مع اندروز وادجار جلاد كان يصدر جريدتى" الزمان" العربية المسائية ," الجورنال ديجيبت" الفرنسية الصباحية.
قال جلاد وكأنه يلقى بنكته:
- أدى الملك فاروق خدمة جليلة إلى الحلفاء فى الحرب القادمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء الناس.بدأ على أندروز أنه لم يفهم ما يقصده جلاد بك فأخذ الصحفى يشرح وجهة نظره الشخصية
قال:
- كان الإخوان سيقفون بالتأكيد ضد أى محاولة مع بريطانيا من الناحية العسكرية . ويمثلون شوكة فى حلق بريطانيا خلال الحرب.
أجاب أندروز:
- من الطبيعى أن تجمع الآراء على سلامة تصرف الملك ولكن بصرف النظر تماماعن موضوع الحرب القادمة فإن هذا الإجراء القوى جاء فى موعده المناسب لصالح الأمن الداخلى.
قال جلاد:
لابد من الاعتراف بأن النقراشي نفذ المهمة بنجاح إلى أقصى حد وهذا يعنى بالطبع أن يبقى فى منصبه بأى ثمن حتى يتم أنجاز المهمة.وزاد مركزه قوة فى البلاد نتيجة لذلك, فالإخوان لم تكن لهم شعبية رغم قوتهم وعددهم.
سأله اندروز:
- هل تعتقد أن الحكومة وضعت يدها على جميع مخازن الأسلحة ولن يثير الإخوان متاعب أخرى؟
قال جلاد:
أعتقد أن عناصر متفرقة من الإخوان المسلمين سيقوم ببعض أعمال العنف بصورة متقطعة.وسبق للإخوان أن حذروا الجميع من أنهم سيلجأون للعمل السرى تحت الأرض.
وقال حسن يوسف باشا وكيل لديوان الملكى لفؤاد شيرين باشا محافظ القاهرة:
حلينا الجماعة ولم يحدث شئ!ويبدأ التفكير فى تغيير النقراشي مادام قد حقق مهمته فى حل الجماعة قصد السفير البريطانى إلى وزارة الخارجية المصرية ليزور أحمد خشبة باشا بعد أسبوع بالضبط من قرار الحل.
قال وزير خارجية مصر:السبب الذى من أجله يحبنى صاحب الجلالة هو أدراكه إنى أستطيع التعاون معكم.وهو السبب أيضا فى اختيارى رئيسا لوفد مصر فى الأمم المتحدة ببباريس وهو دليل على عزم جلالته التوصل إلى اتفاقمعكم. واضاف : كيف تسير الأمور؟
قال السفير:
- قيام الملك بزيارة السفارة ولكن الأهم أن يظهر جلالته الاستمرار قال خشبة باشا: يخشى الملك إذا تخلص من النقراشى لللوصول إلى اتفاق وعلان وأن تلبسوا تدخلكم ثوب النصيحة!يقصد بذلك إزعامه على تشكيل وزارة برئاسة النحاس.
قال السفير:
- لقد نفى مستر بيفن وزير الخارجية أية نية للتدخل فى شئون مصر ومهما أكدت للملك أننا لن نتدخل فإن الفكرة تظل تؤرقه وتطارده.
قال خشبة:
- أعتقد أنه لن يكون هناك تحسن دون إجراء تغيير فى الوزارة. ولن تخف حدة اضطرابات السودان دون إجراء هذا التغيير.
وقال وزير الخارجية:
- الملك يتعجل إجراء التغيير وعاد الوزير يكرر مرة أخرى:يخشى الملك أن يفرض عليه نوع التغيير الوزارة وشكله ويكتب السفير البريطانى قائلا:" ينتظر منا خشبة باشا كلمة تجعله رئيسا للوزراء"!
استمر النقراشي فى اعتقال أعضاء الجهاز السرى خوفا من وقع اضطرابات وكان من نتيجة ذلك أن قطعت الصلة بين البنا وقادة الجهاز وبين القادة واتباعهم.
قال الشيخ الباقورى:
- " إن قرار النقراشي بتصفية موجودات الإخوان وممتلكاتهم, نفذ بأسلوب يثير الحفائظ ويوقظ الضغائن فى صدور المتحمسين من شباب الإخوان.وكان من شأن هذا التصرف أن يحمل هؤلاء الشبان على أن يلقوا السيئة بسيئة مثلها . أو أكثر سوءا فقد تصوروا النقراشي معتديا على الإسلام ومعلنا الحرب على المسلمين فقرر نظامهم الخاص أن يثأروا لأنفسهم أو لجماعتهم".
لم يتحقق ما رجاه صاحب الجلالة من أن الحل لم يعقبه شئ وكان السفير لبريطانى وحده لاذى تنبأ بما تجرى عندما قال إن الإخوان سيلجأون إلى أعمال العنف.وكان النقراشي نفسه يعرف الحقيقة .... عندما حذره مرتضى المراغى من حل الجماعة قال رئيس الوزراء وهو يضحك:أعرف ديتها... رصاصة أو رصاصتان فى صدرى. وبعد عشرين يوما من حل الجماعة تحققت النبوءة كاملة!
الـــدم.... بالــــدم
وصل النقراشي باشا إلى وزارة الداخلية فى العاشرة وخمس دقائق من صباح الثلاثاء 28 من ديسمبر 1948 يحيط به ضباط الشرطة يحرسونه وهو يتجه إلى المصعد فى طريقه إلى مكتبه بالدور الثانى.
تقدم منه شاب يرتدى ملابس ضباط شرطة برتبة ملازم أول وأطلق عليه فى ظهره رصاصتين فسقط قتيلا بعد عشين يوما من صدور الأمر العسكرى بحل الإخوان.
لم يحاول القاتل الهرب فقبض عليه الرائد عبد الحميد خيرت ياور رئيس الوزراء واليوزباشى مصطفى علوان الضابط بإدارة المباحث لجنائية وقد أسند إلى الضابطين بعد ربع قرن تقريبا منصب محافظى سوهاج وأسوان.
قال القاتل إن اسمه عبد المجيد أحمد حسن وأنه طالب بكلية الطب البيطرى. واعترف بأنه ارتكب الجريمة لأن النقراشي خائن للوطن.
وحدد أسباب الجريمة قائلا:
- لم يقم النقراشى بأى عمل إيجابى فى موضوع السودان.
- فلسطين ضاعت أخذها اليهود. وهذا يرجع إلى تهاون النقراشي.
- اعتدى على الإسلام شرد طلبة الكليات وحل جماعة الإخوان المسلمين وشركاتها.
- وقد ابعدت من كلية الطب البيطرى مع أن هذه الكلية لم تشترك فى اضطرابات كلية الطب. ولم يضيف عبد المجيد أحمد حسن إلى اعترافاته جديدا خلال الستة عشر يوما التالية رغم التعذيب الوحشى الذى عاناه وقاسته أسرته معه.
ولكن تغير هذا الشاب القاتل العنيد فجأة عندما قدم إليه النائب العام محمود منصور صباح يوم 11 من يناير 1949 صحف الصباح وفيها " بيان للناس" كتبه الشيخ البنا.
وكان الشيخ البنا قد كتب هذا البيان بهدف إقناع الحكومة بأن الجماعة ليست طرفا فى جريمة اغتيال النقراشي وليست محرضة عليها. وكان الشيخ البنا يريد تهدئة الموقف مع الحكومة وإقناعها بالإفراج عن المعتقلين وعدم تعذيبهم.
ولم يدرك الشيخ البنا أن أحد أهداف الحكومة من البيان إقناع ذلك القاتل العنيد بأنه حان الوقت ليخون الإخوان ... كما خانوه ... وليخدعهم كما خدعوه وليقدمهم إلى القضاء والسجن والتعذيب ليعانوا كما يعانى ويلقوا بعض ما لقى من هوان!
تكلم عبد المجيد أحمد حسن فى نفس اليوم.. ربما نتيجة التعذيب . وربما لأن البيان يعطيه فرصة الإستسلام والإنهيار وإلقاء اللوم على المرشد لعام أو الذين خدعوه باسم المرشد العام.
عجبت كل العجب بعد أن قرأت " بيان للناس" وعلمت أن هيئة كبار العلماء أصدرت بيانا عن هذا الحادث فاطلعت عليه.وعقب ذلك أردت أن أعلن جميع أفراد النظام الخاص بأنه غرر بنا ولست وحدى.
كان نفس التاثير الذى وقع علىّ واقعا عليهم, ولا أعلم إن كان هذا التأثير لا يزال واقعا عليهم إلى الآن أم لا وكنت أعتقد . بحسب تعاليم هذا النظام الخاص أن كل أمر.يكلف بارتكابه أفراد نظامنا. يوافق عليه البنا شخصيا بصفته القائد لهذا النظام.
وأعتقد أن المسئول الأول عن جميع هذه الحوداث هو البنا بشخصه ولكنى لا أملك سوى أدلة سماعية فقط.توالت أعترافات عبد المجيد أحمد حسن عن النظام الخاص الذى التحق به فى أواخر عام 1945 وتدرج فيه حتى أقسم على البيعة فى صيف عام 1949.
قال إن خطة اغتيال رئيس الوزراء وضعت يوم 18 من ديسمبر واتفق على التنفيذ فى 23 من ديسمبر أى بعد أسبوعين من قرار الحل. ثم أرجى التنفيذ إلى أن تتخذ التدابير لحماية البنا إن اتجه التفكير غلى قتله انتقاما لاغتيال النقراشي.
وقال إن أحد أعضاء الجماعة واسمه محمد مالك الموظف بمطار ألماظة قال له إن قرار الحل يعتبر تحديا للجماعة وجرحا لهيبتها وجراة من جانب الدولة.ولابد من أن تغسل بالدم, هذه الإهانة والجرأة.
وقال له مالك أيضا:
فاقترح حد أعضاء الجهاز مهاجمة منزل النقراشي فرد مالك قائلا:
- الشيخ البنا لا يريد أن يضحى بأكثر من واحد مقابل اغتيال النقراشي.أدت اعترافات عبد المجيد أحمد حسن إلى القبض لى خمسة من الإخوان المسلمين بتهمة الاشتراك والإنفاق والتحريض والمساعدة بينهم الشيخ سيد سابق الذى أخذ يقنعه بأن القتل حلال فى سبيل الله فالنقراشي اعتدى على الإسلام بحل الجمعية.
- واستشهد الشيخ سابق ببعض الآيات القرآنية.واعترف عبد المجيد بعد ذلك على تسعة آخرين. قال إنه عندما دخل وحده غرفة مظلمة ليؤدى قسم البيعة للنظام الخاص وجد شخصا لثما يتلقى البيعة, وعرف من صوته وحجمه وهيئته العامة إذ كان ملتحيا أنا صالح عشماوي وكيل جماعة الإخوان ومدير صحيفتها.
- ولكن الشيخ صالح عشماوي لم يسأل فى قضية اغتيال النقراشي ولم يحقق معه وبالتالى لم يقدم على المحكمة رغم أن صلاح شادي قال فى كتابه إن صالح عشماوي كا يعتبر رأسا من رؤوس النظام الخاص .
- واعترف عبد المجيد على ضابط الشرطة أحمد فؤاد الذى اعد كل الإستعدادت للجريمة وكان مقررا أن يقوم بنفسه باغتيال النقراشي ... وقد انتحر هذا الضباط عند محاولة القبض عليه.
ولكن فهمى أبو غدير المحامى يقول:
- الحقيقة أن أحمد فؤاد قتل بيد ضابط شرطة ولكن الحكومة ادعت أنه انتحر ولم يكن فى استطاعة أحد فى ذلك الحين تكذيب الحكومة أو الإصرار على تشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة!
قالت صحيفة" المصرى" الناطقة باسم حزب الوفد:
- " كان النقراشي مثالا للنزاهة وكان وطنيا مخلصا لوطنه. عاش ومات فقيرا".ودافع عباس محمود العقاد عن النقراشي ورد على اتهامات الإخوان لرئيس الوزراء الراحل .
كتب فى جريدة الأساس:
- " إن خصوم النقراشي وأصدقاءه لم يجمعوا على صفة من صفاته كما أجمعوا على نزاهته وطهارة يديه.فلماذا يسوغ فى عقل من العقول أن يتهم هذا الرجل بالتواطؤ مع اليهود؟المصلحة وزارية؟إن مصلحته ومصلحة وزارته ومصلحة النظام إنما هى تحقيق النصر واجتناب الهزيمة.فهل من مصلحة مالية؟إن ماضى الرجل كله لا يسوغ هذه التهمة ما الدليل عليها"
قال البنا إنه لا يعرف هوية القاتل . ولم يره قبل ذلك . ولا يعرف إذا كان من الإخوان أم لا. وأنه فوجئ بمقتل النقراشي كأى إنسان آخر .
وقال للصحفى أبو الخير نجيب:
- اتصلت بمن استطيع الاتصال بهم يتنكرون لى. ويتهربون من محادثتى ويعدوننى كل الخير ولكنهم لم يتحركوا قيد أنملة.ولو أتيح لى الإتصال بأنصارى حتى أبصرهم بما يفيد وما يضر , لما وقع هذا الحادث.
- قال والد الشيخ البنا إن ابنه ظل يردد أن اغتيال النقراشي ليس من مبادئ الجمعية وان الإغتيال تم على غير رغبته وبدون علمه وكان يسنكره بشدة.وقال كثيرون من كتاب الإخوان إن المرشد لم يعلم أبدابنية اغتيال النقراشي وأن عبد الرحمن السندي رئيس الجهاز كان صامتا لا يتكلم ولا يعلن نواياه.. أبدأ!
وقال الشيخ عمر التلمساني:
- عندما قتل النقراشي فإن الإخوان , الذين لا يقرون الإغتيال , استقلبوا النبأ مع الرضا تماما كما حدث عند اغتيال السادات إن ديننا لا يسمح بذلك ولكن طغيان النقراشي فى أواخر أيامه جعل الناس يستريحون لأى عمل ضده
وأضاف:
- دوافع قتل النقراشي نفسية محضة . عبد المجيد حسن كان فردا فى الجماعة ورأى النقراشي يحلها ويعتقل أفرادها ويعذبهم ويصادر أموالهم ويجمد ممتلكاتها فاندفع, وبعض الشباب معه لارتكاب مثل هذا التصرف والنقراشي هو الذى قتل نفسه بسبب ما اقترفه فى حق هذا البلد!
قال فهمى أبو غدير:
- كان التنظيم الخاص هيئة تأسيسية توافق على كل عملية. بين أعضائها مصطفى مشهور وأحمد حسنين وأحمد زكي.
وقال:
- لا يستطيع أحد السندى أو غيره أن يتمرد على المرشد العام . ولكن يمكن القول إن هذه الهيئة أو بعض أفرادها ربما فهموا ان الشيخ البنا راض عن عملية الإغتيال .
وقال ابو غدير:
- قتل النقراشي والجماعة بلا قيادة وعبد الرحمن السندي فى السجن
ويبقى سؤال:من حرض على قتل النقراشي؟
قال الضابط الكندى هاردى فى بحثه دفاعا عن المرشد العام:
- " يدعى المصريون المعارضون للإخوان أن الجماعة ذاتها " سواء كن البنا جزءا من المؤامرة أم لا مسئولة عن اغتيال النقراشي.ولكن المرشد العام شديد الذكاء.ومن المستبعد أن يكون قد تخيل أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تسفر عن تقدم لجماعته".
وقال هاردى:
- " تخيل البنا أنه يستطيع تهدئة الموقف ولكن آماله تحطمت عندما أغتيل النقراشي "ويصدر البنا كتيبا صغيرا عنوانه " القول الفصل" وزعه سرا عرض فيه وجهة نظر الإخوان .
قال:
- إن الضغط الأجنبى هو الذى أدى إلى قرار الحل. والأسلحة كانت بعلم الحكومة لقضية فلسطين والانفجارات لم ترتكب بأمر قيادة الإخوان وعلى فرض أن الإخوان قاموا بها فالجماعة ليست مسئولة عن أعمال نفر من أعضائها.
- وابدى أسفه لقتل المستشار أحمد الخازندار واغتيال محمود فهمي النقراشي وقال غنه بالنسبة لمصرع رئيس الوزراء فإن قادة الجماعة كانوا معتقلين أو مراقبين وكان ذلك رد فعل لقرارات الحكومة"!
أكد كثيرون:
- إن موقف البنا من اغتيال النقراشي يشبه موقف سعد زغلول من اغتيال السردار البريطانى السير لى ستاك.إن سعدا لم يأمر باغتيال السردار فإه كان يعلم عواقب هذه الجريمة وكذلك الحال بالنسبة للمرشد العام ومصرع النقراشي.. فالأقرب للعقل والمنطق أن تكون الجريمة قد تمت بغير علم الشيخ البنا وإن كان القاتل ينتمى إلى الجهاز الذى أنشاه وشكله الشيخ.
وصف السير رونالد كابل السفير البريطانى رد فعل مصر إزاء اغتيال النقراشي. قال فى أول برقية بعث بها إلى لندن فى عام 1949
- " لم يكن النقراشي باشا رئيس وزراء شعبيا .. ومع ذلك فإن اغتياله يحظى بالرثاء على نطاق واسع بوصفه حلقة أخرى من سلسلة الأعمال الإجرامية التى أعلنت على العالم افتقار مصر للنضج السياسى والإستقرار.
ومن وجهة النظر الداخلية فإن الحادث كثف الإحساس بالاشمئزاز لدى المواطن المصرى العادى بالنسبة لاحتمال استمرار النظام.وهناك إحساس بالإنهيار المستمر فى الشئون الداخلية والغامرات المكثفة فى الخارج".
يقصد حرب فلسطين.
اشترك الملك فاروق فى تشييع جنازة النقراشي. وصل على الجثمان فى جامع الكخيا. ثم قصد إلى منزل النقراشي بمصر الجديدة ليعزى أسرته . وعاد إلى قصر عابدين ليجمتع بإبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان الملكى وحسن يوسف وكيل الديوان ومحمد حيدر باشا وزير الدفاع وكريم ثابت المستشار الصحفى لفاروق
قال الملك لعبد الهادى: قررت أن تكون رئيسا للوزراء ثم سأل الحاضرين عن آرائهم فقال حسن يوسف . الموقف يتطلب وزارة كبيرة. وأيد حيدر هذا الرأى لم يدرك صاحب الجلالة المعنى الذى يقصده وكيل الديوان وظنه يقصد عدد الوزراء فقال.
لا مانع من أن يكون عدد الوزراء أكثر من المعتاد. قال كريم ثابت: إن حسن يوسف وحيدر يعنيان أن تكون الوزارة ائتلافية.
قال فاروق: لا مانع
قال حيدر: كدة كويس . الحمد لله.
قال كريم ثابت: لا أرى دعوة الوفديين إلى الاشتراك فى الحكم الآن لأن دعوتهم فى هذه الظروف معناها أننا ضعفاء ونريد أن نتقوى بهم. أو أننا خائفون ونريد أن نشجع بهم.
وأعتقد أنهم لن يقبلوا الدعوة فنكون قد خسرنا كثيرا ولم نكسب شيئا وكان كريم ثابت الوسيط بين الوفد والإنجليز ولكنه كان يتكلم أمام الوفد بلسان وأمام الإنجليز بلسان خر وأمام صاحب الجلالة بوجه ثالث!.. وكان هدفه فى كل الأحوال أن يظل وسيطا وأن يكون له دور . وقد استمر وسيطا . حتى قيام الثورة . بين كل الأطراف السياسية ف مصر!
قال حيدر باشا:إنى واثق من قبول الوفد دخول الوزارة
قال كريم ثابت مراوغا: أما حيدر يؤكد الوفديين سيقبلون فلابد ن لديه أسبابا تبرر هذا التأكيد فإنى أسحب كلامى . وأوافق على أن يتصل بالوفديين حتى لا نندم يوما .
قال فاروق : يبقى حيدر اللى يتصل بالوفد .
سأل حيدر الملك: هل لدى جلالتك رغبة معينة بخصوص أشخاص الوزراء الوفديين؟
قال فاروق: لا.. خالليهم يرشحوا اللى عاوزينه.
قال حيدر: أرجوا إعطائى ساعتين.
قال فاروق: خذ ساعتين. خذ ثلاثة ما يهمنيش. بس اللى يهمنى أن تتالأف الوزارة الجديدة الليلة. سامع يا إبراهيم.
وتكلم إبراهيم عبد الهادي الذى لم ينطق بكلمة واحدة خلال الإجتماع وهو يرى وزارته تتشكل أمامه: حاضر ... يا أفندم!وفى خطابه إلى إبراهيم عبد الهادي لتشكيل الوزارة طلب صاحب الجلالة أن " يعمل على توحيد الصفوف وتركيز الجهود لمواجهة الظروف الداخلية والخارجية".
اجتمع الفريق محمد حيدر باشا وزير الحربية باسم الملك فؤاد سراج الدين باشا وعرض عليه تناسى كل الخلافات الماضية واشتراك الوفد فى وزارة ائتلافية.غاب حيدر باشا وبعد ساعتين طلب ساعتين جديدتين فأجيب إلى طلبه وى الرابعة بعد الظهر تكلم مرة أخرى وطلب مد المهلة ساعتين أخرتين فقد اعتذر فؤاد سراج الدين عن الرد العاجل.
قال كريم ثابت الذى وصف الاجتماع فى مذكراته عد ثورة 23 يوليو 1952:
- " تلقى فاروق الرد النهائى وكانت الساعة تقترب من السادسة مساء وهو أن الوفديين يعتذرون".
واعتذر أحمد خشبة باشا عن قبول منصب وزير الخارجية وبرر ذلك بحاجنه إلى الراحة.ولم يقل خشبة باشا إنه كن يطمع فى رئاسة الوزارة. وكان يتطلع إليها وينتظرها وإنه خدع من الجميع وأن الرصاصات التى أطلقها طالب الطب البيطرى عبد المجيد أحمد حسن على النقراشى قد أطاحب بآمال خشبة باشا أيضا!
استغاث عبد الهادى بكريم ثابت الذى أسرع يلتقى بخشبة باشا قائلا: أرجو أن تقدر الموقف الذى واجهه الملك بمقتل النقراشى لقد اضطر صاحب الجلالة إلى تعديل خططه.كرر خشبة باشا الإعتذار فقد أحس بأنه جرحه عميق!
أخذ كريم ثابت يلح على خشبة فى قبول المنصب قائلا:
- إن إبراهيم عبد الهادي قبل أن يكون وزيرا للداخلية فى الوزارة التى كان سيعهد إليك برئاستها . فلا اقل من أن ترد له التحية بقبولك العمل فى وزارته.أبى خشبة أن يحيد عن قراره, وأصر على الاعتذار ولم يقبل المنصب إلا بعد شهور عندما تبخرت آماله نهائيا فى رئاسة الوزارة!ويشكل إبراهيم عبد الهادي الوزارة فى ساعة متأخرة من الليل يوم وفاة النقراشي لظروف الأمن التى اقتضت السرعة.
ويبرر تشابمان اندروز السرعة التى تم تأليف الوزارة والأسباب الحقيقية لإبعاد أحمد خشبة باشا عن تولى المنصب ولماذاا اعتذر عن دخول الوزارة قال:
- " أملت الأزمة العجيل بتشكيل حكومة جديدة دون تأخير خشية أن يؤدى الفراغ الوزارى إلى تجمع قوى الشغب والإضطراب التى دعت إلأى صدور قرار حل جماعة الإخوان المسلمين .. وهو القرار القمعى الحاسم الذى صدر بعد تأخير.
- وأظهر الملك فاروق باختيار إبراهيم عبد الهادي أن تفكيره الأول يتركز فى استمرار السياسة الحالية رغم أنه قد يحدث بعض التعديل فى الأسلوب. وهناك اعتراف بالحاجة لتحقيق استقرار الأمن العام وافقت الحكومة حسبما يقول مصدر فى القصر على متابعة السياسة الصريحة المعلنة ضد الإخوان المسلمين.
- وهذا يوضح أسباب عدم دعوة أحمد خشبة باشا لتشكيل الوزارة وكان مرشحا لرئاستها بعد أن أقنع البنا المرشد العام خشبة باشا بفائدة التوصل إلى حل وسط مع الإخوان المسلمين تحت شعار الوحدة والائتلاف الوطنى.
- ومن هنا قرر خشبة باشا وهو من الأحرار الدستوريين أنه من الأفضل التخلى عن دخول الوزارة كلية".وعلمت من نفس المصدر أن الملك فاروق عازم على التعامل بشدة مع الإخوان "
وهذه البرقية تكشف أن الملك والإنجليز تخلوا عن خشبة باشا لأنه يريد التصالح مع الإخوان!وتؤكد البرقية من ناحية أخرى أن القصر كان المحرس الأساسى لحل الجماعة.
دعا إبراهيم عبد الهادي إلى منزله فؤاد سراج الدين وعرضه عليه فكرة الوزارة الائتلافية فاجتمع الوفد يوم 5 من يناير برئيس وزارة ائتلافية ولكن لا تسند رئاستها إلى لإبراهيم عبد الهادى باشا!
ووجهة نظر فؤاد سراج الدين التى ذكرها للوزير البريطانى المفوض هى:
- "الوفد لا يثق فى عبد الهادى فقد كان نائبا وفديا وتخلى عن تأييد الوفد عام 1937 عندما كان النحاس رئيسا للوزراء يبحث عن وكيل وزارة ولذلك اختار ممدوح رياض بدلا من عبد الهادى.
- وقبل احتفال أقيم لمؤتمر البرلمانين الدولى وأقنع عبد الهادى فؤاد سراج الدين بالذهاب إلى مكتبه الخاص وتبادل الأفكار بصورة شخصية وغير رسمية.وبذل عبد الهادى جهودا مضينة لإقناع سراج الدين بالطبيعة السرية والشخصية لحدثيهما فلم يبلغ سراج الدين النحاس باللقاء.
وفى يوم التالى نشرت أخبار اليوم
- " تقريرا كاملا عن اللقاء مما سبب حرجا لفؤاد سراج الدين . ولذلك فإن سراج الدين يعرف أنه لا يستطيع الثقة فى عبد الهادى".
وكتب تشابمان اندروز الوزير البريطانى المفوض يقول:
- " إن الاتصالات بين إبراهيم عبد الهادي والوفد عن طريق فؤاد سراج الدين . ولكن القصر لا يريد اشترك النحاس باشا شخصيا فى الحكم".
- وتحاول بريطانيا بكل الطرق إقناع الوفد بدخول الوزارة.وتحاول بريطانيا بكل الطرق إقناع الوفد بدخول الوزارة.
قال أندروز:
- " لم يغلق الباب بعد أمام احتمال اشتراك الوفد , وقد يتم ذلك فى اجتماع للوفد. يعقد قريبا.وسياسة القصر إحداث انشقاق داخل الحزب وإضعاف سلطة النحاس باشا".
ويلتقى اندروز بكريم ثابت باشا فى محاولة جديدة حتى يساهم الوفد مع إبراهيم عبد الهادي فى تحطيم الإخوان.
قال كريم ثابت:
- عبد الهادى باشا أفضل رجل لوزارة الداخلية وقد ينجح فى تحطيم الإخوان.
قال أندروز وهو يتمنى للباشا حظا سعيدا:
- لست متأكدا تماما من أنه سينجح. وإذا فشل فسيقع جانب كبير من اللوم على كاهل الملك لأنه ترك عبد الهادى يواجه الإخوان دون أن يكون الوفد معه. ولو كان قد إشراك الوفد لوفر فرصة أفضل كثيرا للنجاح.
وأضاف اندروز:
- المهمة الرئيسية للحكومة إلحالية هى تحطيم الإخوان!فى اليوم التالى لوفاة النقراشي وصل تشابمان أندروز الوزير البريطانى المفوض إلى أرمنت قرب الأقصر ليقضى أياما فى عزبة رجل الأعمال أحمد عبود وكان هناك عدد من أصدقاء الطرفين.
وصف أندروز رد فعل هذه المجموعة من أثرياء المصريين إزاء اغتيال رئيس وزراء مصر.
- " بين الحاضرين فى أرمنت حسين سرى باشا رئيس الوزراء السابق وزوجته وحرم " محمود يونس بك" التشريفاتى الرابع للملك فاروق . ومحمود القشيرى بك وزوجته وهو ابن أخت قرينة سرى باشا.
استقبل الجميع نبأ اغتيال رئيس الوزراء بتهلل وارتياح .
- ولم يخفوا ذلك وامتنع سرى باشا وحده عن إدلاء بأى تعليق عدا الأعراب عن اعتقاده بأن النقراشي باشا كان رجل دولة طيبا لديه مثل عليا ولكنه كان عاجزا أو لا يصر على أن يقتدى به زملاؤه الوزراء فى الأمانة والشرف!
- وحين أعلن تعيين إبراهيم عبد الهادي باشا رئيسا للوزراء أعرب الجميع عن خيبة أملهم المريرة .وكان التعليق العام أنه نفس الرجل .. أى مثل النقراشي.
- وكان من رأى عبود باشا وحرم سرى باشا أن عبد الهادى باشا سيتبع خطوات النقراشي.ومالم يسمح الملك فاروق بحكومة وفدية يراسها النحاس باشا وتتولى السلطة .. لإغن حياة الملك ستكون عرضة للخطر البالغ.
- وقال عبود فى حديث صريح جدا إنه يعتقد أننا أى الإنجليز نمارس سياسة خاطئة تماما فى مصر ... حكمنا البلاد وكنا الموجة لها لأكثر من خمسين عاما .. وبعد أن أعطيناها استقلالها .. نتوقع ان تمضى وحدها دون تدخل من جانبنا.
- وبالتفاوض مع الحكومة وحدها دون تدخل من جانبتا.وبالتفاوض مع الحكومة الحالية والملك فاروق فإننا نعطى نأييدنا لحكومة لا تمثل إلا الأقلية فى البلاد..ونحن نشجع الملك على أن يصبح حاكما ديكتاتوريا وأعرب عبود باشا عن اعتقاده بأننا يجب أن ندين الحكومة الحالية علنا ونعلن أننا لن نتفاوض مع مصر حتى يتم إجراء انتخابات عامة فيها.
- وأكد لى أننا إذا فعلنا ذلك فسنحوز تأييد الأغلبية الكبرى من الشعب المصرى ومن زعماء الوفد على وجه الخصوص.وقال الباشا إن المصيبة الكبرى هى أن حادث 4 فبراير لم يمض إلى نهاييته المنطقية"
أى إرغام الملك على التنازل عن العرش. وهذا الحديث يكشف حقائق كثيرة عن آراء بعض قادة السياسة والإقتصاد فى مصر:
" حسين سرى يصر على عودة الوفد إلى الحكم."أحمد عبود باشا كان يتمنى لو أن الإنجليز عزلوا الملك فى 4 فبراير 1942!
وبينما كان تشابمان اندروز يعرف رأى حسين سرى وعبود فى إبراهيم عبد الهادى خليفة النقراشي .. كان أرنست بيفن وزير خارجية بريطانية يعرف رأى ملك مصر بالنسبة للإخوان.
وكان السفير المصرى فى لندن حريصا على أن يبدى الإنجليز بعض مشاعر الود نحو صاحب الجلالة!قصد السفير المصرى عبد الفتاح عمرو إلى وزارة الخارجية البريطانية ليلتقى بأرنست بيفن وزير الخارجية فى اليوم التالى لاغتيال النقراشي.
قال عمرو باشا وهو يتحدث عن الإخوان المسلمين:
- الحكومة مصرة على التصدى لهذه الإثارة المستمرة للمشاعر المعادية للبريطانيين فى مصر وعلى تمهيد الطريق لإجراء مناقشات فنية على الأقل مع بريطانيا فى وقت قريب. سأله بيفن عن القاعدة الحقيقية للإخوان المسلمين وعن سبب اتباعهم الطريق الإرهاب.
- قال السفير: هناك أدلة على أن الإخوان يتلقون أموالا طائلة من روسيا , وأنهم أحرزوا تقدما كبيرا بفضل الأموال والمنشورات بين الفلاحين
- لقد أصبحوا خطرا حقيقيا والحكومة مصممة على القضاء عليهم وصودرت كل أموال الإخوان وأغلقت مراكزهم وعبد الهادى باشا سيوالى قمعهم حتى النهاية.وينتهز عمرو باشا الفرصة فيطلب من وزير الخارجية البريطانية توجيه رسالة ما إلى الملك فاروق
- قال بيفن سأفكر فى ذلك.
وتعهد الوزير بأن يجتمع السفير البريطانى فى القاهرة مع رئيس الوزراء الجديد فى أقرب وقت ممكن.وأثار السفير المصرى إمكان استئناف بدء المفاوضات بين مصر وبريطانيا ولكن قال : ليس وقت مواتيا بعد . فقد يحدث انطباع خاطئ لأن مصر تمر بصعوبات وخاصة عقب اغتيال النقراشى ومن الأفضل الانتظار قليلا!
اتصل رجال الصحافة بالمرشد العام تليفونيا وأبلغوه بوفاة النقراشي وسمع أمين إسماعيل عضو الجماعة بالإغتيال فتوجه إلى بيت الشيخ البنا الذى دعاه لتناول الغداء معه.
وصف أمين إسماعيل حال المرشد العام فى ذلك اليوم فقال لم يأكل الشيخ البنا غير لقمتين لا ثالثة لهما. وابتسم قائلا.إيه يا أمين سيرموننا بكل تهمة وسيقولون عنا كل شئ و... و.. وسيعلقون لنا المشانق فى الشوارع!
وابلغ أحد الإخوان الشيخ ما يؤكد ظنونه قال:
- كوّ محمد كامل الدامطى مدير مكتب النقراشي عصابة من سبعة أفراد حلفوا برأس النقراشي أن يقتلوا المرشد العام.وظلت تتردد فى أذهان الإخوان تلك الصحيات التى رددها شباب الحزب السعدى أثناء جنازة النقراشى قائلين:رأس البنا برأس النقراشي . وتهتف: الدم... بالدم!
حوافر العدو
انتهزت إسرائيل فرصة التوتر الذى ساد مصر بعد اغتيال النقراشي فأرادت أن تطوق الجيش المصرى فى سيناء وغزة وحصاره.اكتشف ايجال يادين قائد القوات الإسرائيلية على الجبهة المصرية طريقا يونانيا رومانيا قديما يصل جنوب أبو عجيلة فأرسل قوتين إلى غزة .
وبير عسلوج , والعوجة لشغل القوات المصرية فلم تنتبه إلى القوات الإسرائيلية المدرعة لتى جاءت تغزو أبو عجيلة لتدخلها وتتوغل عشرة أميال داخل الأراضى المصرية لأول مرة, وقامت بحركة التفاف واسعة لعزل الجيش المصرى شرق مدينة العريش قطع خطوط تموينه ومواصلاته مع قاعدة ها الجيش فى مصر للقضاء عليه فأصيب الجيش كله بالشلل فى سيناء وغزة
فى اليوم التالى لوفاة النقراشي احتلت إسرائيل التلال المطلة على رفح واصبح على بريطانيا بمقتضى معاهدة 1936 التدخل ضد إسرائيل للدفاع عن مصر وطرد القوات المعتدية منها.توغلت القوات الغازية إلى مسافة ستة كيلو مترات أو أقل من العريش ... المدينة التى تضم القاعدة الجوية المصرية الأمامية.
طلب وزير الحربية المصرى من بريطانيا بصورة عاجلة 20 من خزانات الوقود طويلة المدى لتمكين الطائرات المصرية من طراز " سيبفاير" من الطيران من مطارات منطقة القنال البعيدة عن الحدود.وطلب الوزير أيضا تسهيلات لصعود الطائرات المصرية فى المطارات التى تحتلها القوات البريطانية فى منطقة القنال .
استغاثت وزارة الحربية المصرية بالإنجليز وابلغت الأمر إلى الملحق الجوى بالسفارة البريطانية فى القاهرة فلم تكن مصر فى حالة تسمح لها القيام بأى عمل إلى الالتجاء لبريطانيا.سارعت وزارة الخارجية البريطانية بإبلاغ الحكومة الأمريكية فى واشنطن بطلبات حيدر باشا.
قالت:
- " أرسلت التعليمات إلى سلاح الجو الملكى البريطاني فى مصر للقيام باستطلاع فورى والتحقق من الوضع.
وإذا قامت القوات اليهودية بمهاجمة الأراضي المصرية فإن التزاماتنا بموجب معاهدة 1936 الإنجليزية المصرية ستكون سارية بالطبع"
وصف السفير البريطانى الموقف العسكرى المصرى اليائس داخل حدود البلاد الشرقية فى اليوم التالى لوفاة النقراشي 29 من ديسمبر.
قال:
- يقوم الجيش المصرى بهجمات مضادة من العريش ورفح فى محاول لوقف طوابير المدرعات اليهودية التى تتقدم صوب هاتين المدينتين.وما لم نقم نحن البريطانيين بشئ فعال وفورى لمساعدة الجيش المصرى فإنه يتمزق خلال وقت قصير جدا إلى مجموعات صغيرة ومعزولة فى العريش ورفح وغزة والفالوجة والخليل دون أى غطاء جوى وبلا إمكانا للإمدادات أو الإغاثة.
- ومن المؤكد أن هذه المجموعات الصغيرة لن تكون قادرة على المقاومة لمدة طويلة.ولن يكون ممكنا إخفاء حجم الكارثة عن الرأى العام المصرى ولا يمكن تقدير العواقب السياسية الناجمة عن ذلك . من الناحية الداخلية المصرية أو من رواية العلاقات المستقبلة مع بريطانيا.
- ولذلك فإن مخاطر السماح بحدوث مزيد من التدهور فى الموقف العسكرى المصري أكبر من أن نستطيع تحملها.
وقد بدأت الطائرة المقاتلة المصرية فى الهبوط فى المطارات التى يسيطر عليها البريطانيون فى منطقة القناة وايد بعد نفاد وقودها. إن البدائل العملية المتاحة لنا سواء بموجب المعاهدة أو خارج نطاقها هى:
- (أ) إمداد القوات المصرية بالعتاد الحربى فى منطقة القناة.أو
- (ب) القيام بأنفسنا بعمل عسكرى بعد انذار الغزاة بهدف محدود وهو انسحاب قواتهم إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين.وبين هذين البلدين .
أعتقد أن الثانى هو الأفضل إذاكان ممكنا من الناحية العسكرية للأسباب الآتية:
- (أ) إذا سمح لليهود بالإستقرار فى الأراضى المصرية سيبصح من الصعب بصورة متزايدة. إخراجهم بالوسائل السياسية فقط. أو حتى بالعقوبات الاقتصادية مع مضى الوقت (إذ إنهم سيميلون لتدعيم موقفهم . كما حدث فى فلسطين).
- (ب) سيكون من الصعب فى وقت لاحق إيجاد مبرر سليم للتدخل العسكرى البريطانى.
- (جـ) إن المصريين حتى بالعتاد الحربى الذى نستطيع تقديمه إليهم. سيبقى ممكنا هزيمتهم. زسيكون الموقف الناشئ عن ذلك أكثر سوءا.
- (د) لانستطيع بالتأكيد أن نرفض استخدام سلاح الطيران المصرى للمطارات والمنشآت التى يسيطر عليها البريطانيون فى منطقة القناة وهذا يورطنا بصورة آلية فى الصراع . لأن هذه المطارات من المفترض للقصف من جانب اليهود.
وفى نفس الوقت, وحتى إذا قررت حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا القيام بعمل عسكرى فأعتقد أن من الأهمية أن نزود لمصريين ببعض العتاد الحربى لتمكينهم من التعاون معنا ومن الإحساس بأنهم يفعلون ذلك.
وإذا أثبتنا فى هذه المناسبة قدرتنا, على القيام بعمل فعال لتأمين إخراج اليهود من الأراضى المصرية دون تأخير , فإن مكانتنا ستعزز ليس هنا فقط وإنما فى البلاد العربية الأخرى أيضا.
وستصبح فى وضع أقوى فى التأثير على مصر وغيرها لإقرار تسوية التراجع إلى المواقع التى كانوا يحتلونها فى النقب فى 14 من أكتوبر كما كان بتعيين عليهم بالفعل بموجب قرار مجلس الأمن الصادر فى 4 من نوفمبر.
أرى بالإضافة إلى ذلك أنه لا شئ أقل إن لم يكن أكثر من إنذار سيكون مطلوبا لضمان انسحاب اليهود من الأراضى المصرية.ولكن مسألأة إغاثة القوات المصرية المحاصرة فى فلسطين ستظل قائمة عندما يزداد تدهور الموقف العسكرى يسرع السفير البريطانى فيكتب فى اليوم ذاته حكومته البرقية رقم 1805
وفيها يقول:
- " تشعر السلطات المصرية بقلق بالغ.ولا يمكن كتمان أية هزيمة كبرى تقع للجيش المصرى. وستكون لها آثار خطيرة على الإستقرار الداخلى ويمكن أن تصل هذه الآثار إلى أقصى درجات خطورتها بصورة كبيرة وجود جماعة الإخوان المسلمين والموقف المضطرب الناشئ عن اغتيال النقراشي.
- ومن ناحيتى أعلم الرغبة العميقة لحكومة جلالة ملك بريطانيا فى الحفاظ على الإستقرار فى هذا الجزء من العالم.ويمكن أن نتأثر علاقتنا المستقبلية بمصر إذا وقفنا موقف اللامبالاة حيال غزو خارجى تتعرض له مصر ولم تقدم لها أية مساعدة بينما ترابط قواتنا على أراضيها"
- وتقيم خطة إسرائيل فى الإغارة على العريش ومهاجمة رفح لتحييدها ثم الإنسحاب لفتح الطريق أمام 18 ألف مقاتل مصرى متناثرين فى غزة ومحاصرين للخروج, أو الهرب أو إلى مصر.وقد اتخذت القاعدة الجوية المصرية فى رفح خلال الشهور الستة الماضية أهبتها لشن هجمات جوية مدمرة وهجمات أخرى ضد إسرائيل".
اصبح وضع القوات الإسرائيلية عائقا يمنع عودة القوات المصرية إلى بلادها كما تركت رفح معزولة تماما.أنذرت بريطانيا إسرائيل بالانسحاب وإلا تدخلت القوات البريطانية لطرد إسرائيل تطبيقا لمعاهدة 1936 التى تلزم بريطانيا بالدفاع عن مصر فى مواجهة العدوان.
خشيت الولايات المتحدة التدخل العسكرى البريطانى فاجتمع مجلس الأمن فى اليوم نفسه 29 من ديسمبر ليقرر وقف القتال وإعلان الهدنة فى جميع المناطق بفلسطين.فى اليوم التالى تودجه جيمس ماكدونالد ممثل الولايات المتحدة فى تل أبيب إلى دافيد بن جوريون رئيس وزرائها قال:
- ستعيد الولايات المتحدة تقييم موقفها إلا إذا أثبتت إسرائيل أنها دولة محبة للسلام... أى تنسحب من الأراضى المصرية.
ابدى بن جوريون دهشته من الرسالة قال:
- لم أعتد تسلم رسائل من الولايات المتحدة يمكن أن يكتبها أرنست بيفن!
وسلم ماكدونالد الرسالة نفسها غلى حاييم وايزمان رئيس إسرائيل فبعث ردا إلى ترومان قال فيه:
- هذه حرب دفاعية ضد العرب. أما موسى شيرتوك موسى شاريت وزير خارجية إسرائيل فأمسك بالقلم فى حدة وأبيض وجه وهو يقرأ الرسالة.
ولم تكن الرسالة إنذارا بل كانت توبيخا من الرئيس الأمريكى ولكن إسرائيل لم تنسحب فقامت أربع طائرات بريطانية استطلاع يوم 4 من يناير 1949 فتعرضت لها طائرات إسرائيلية من طارز " مسر شميت" وأسقطتها.. مما يعطى بريطانيا سندا لقتال إسرائيل , وكانت بريطانيا على وشك التدخل. .... ولكنها لم تفعل!
قصد الفريق محمد حيدر وزير الحربية إلى إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء يشكو من تدهور الموقف فى فلسطين.قال رئيس الوزراء : ماذا تطلب؟صلح سياسى حل سياسى فورا.
واضاف حيدر: نريد وقف القتال نريد غيقاف الكارثة.إن الجيش المصرى يتحمل المعركة وحده والضغط واقع عليه.
اتصل إبراهيم عبد الهادي بمستشار السفارة الأمريكية لغياب السفير وقال له:
- إسرائيل مدللة.ولا تطلبون الهدنة من الدولة العربية إلا حين تكون الحالة محرجة.هل تقبلون وقف القتال لو عرضناه؟لو عرضتموه جديا بشرط ألا تفاجئنا إسرائيل.
جاء الرد الأمريكى كما يقول إبراهيم عبد الهادي خلال ساعة فاجتمع مجلس الوزراء المصرى يوم 6 من يناير وقرر الموافقة خاف ديفيد بن جوريون من مواجهة بريطانيا... وقرر مجلس الأمن مرة أخرى . يوم 7 من يناير وقف إطلاق النار!
انذر بيفن إسرائيل مرة أخرى ووجهت مصر انذار ثانيا يوم 12 من يناير 1949 بالإنسحاب بعد أن توقف القتال.أسرع يادين إلى تل أبيب يرجو بن جوريون أن يسمح لقواته بالبقاء فى سيناء .
ولكن بن جوريون وجد أن إسرائيل طردت القوات المصرية واحتلت 600 ميل من الأراضى الفلسطينية أكثر مما أعطاه لها قرار التقسيم فأصدر قرار الإنسحاب خاصة وأنه يخشى انحيازا أمريكيا ضدها أو قيام تحالف انجلو أمريكى يحقق ذلك.وكتب بن جوريون إلى وشنطن يؤكد أنه " لا يوجد حافر إسرائيلى واحد فوق أرض مصر".
ويكتب جميس ماكدونالد إلى وزير خارجيته فى واشنطن مطالبا بمزيد من الدعم لاسرائيل قال:
- " لا نرى وجود أى تعارض بين تأييد الولايات المتحدة لقيام فلسطين مستقلة قوية وبين كافة المصالح المشروعة لبريطانيا فى مصر .انتشرت الإشاعات فى القاهرة حول قرب إعلان الجمهورية فى مصر
قال تشابمان اندروز:
- " الفيق عزيز المصرى باشا متورط فى مؤامرة وله صلة باكتشاف كميات كبيرة من المفرقعات. قبض على عزيز المصرى يوم 15 من يناير 1949. ولا يخفى المفتش العام السابق للجيش المصرى ترحيبه بحدوث ثورة ضد الملك والحكومة".
وتعلق وزارة الخارجية البريطانية على اعتقال عزيز المصرى بأنه ربما يكون قد تمكن من جمع حفنة قليلة من ضباط الجيش حوله ولكن لا يسود الاعتداء بأنه يحظى بتأييد كاف فى الجيش للقيام بمحاولة خطيرة لقلب نظام لحكم.
ولكن قد يكون فى الجيش آخرون يفكرون فى قلب نظام الحكم ولكنهم أكثر اتباعا من عزيز المصرى"!!قال اللواء حسن طلعت مدير مباحث أمن الدولة إن الإخوان تعجلوا الإستيلاء على السلطة.
وقال الشيخ الباقوري
- إن القواعد التى وضعها الشيخ البنا تدور فى أقطاب ثلاثة أحدها لا يعنى إلا الإستيلاء على الحكم بالقوة القاهرة والثورة الظافرة التى يخطط لها فلاسفة مؤمنون وينفذها شجعان صادقون.وبناء على ذلك هناك شعب لها غاية واحدة وكل يعمل فى مجاله غير حريص على الظهور.
- شعبة فى الجيش قوامها الضباط والجنود لهم رئيس مسئول عنهم وشعبة فى الشرطة لهم رئيس مسئول عنهم أيضا.
وشعبة الدعاة القادرين على البحث والدرس ورؤساء الشعب الثلاثة مسئولون أمام المرشد العام للإخوان المسلمين
وقال الكاتب السوفيتى " سيرانيان":
- " استعد الإخوان تمام الإستعداد للاستيلاء على السلطة".
وفى كتاب ريتشارد ميتشيل" الإخوان المسلمون " قال:
- " كانت الجماعة تخطط سرا للقيام بثورة".وفى بحث الضابط الكندى هاردى قال إنه وضعت خطة عام 48 لتدبير انقلاب وإعلان البنا خلفة للمسلمين . ومن المؤكد أن هذا الانقلاب نوقش بعد اغتيال النقراشي.
استقبل الملك يوم 19 من يناير 1949 اللورد دوجلاس قائد السلاح الطيران البريطانى الذى وصل إلى مصر بدعوة من فاروق . خرج اللورد من الحضرة الملكية إلى دار السفارة البريطانية لينقل إلى السفير السيررونالد كامبل
نص الحديث الملكى كما تقول هذه البرقية التى بعث بها السفير إلى لندن:
- أبلغنى لورد دوجلاس اليوم فى سرية تامة بالمعلومات التالية التى استقاها من جلالة الملك.
- تم اكتشاف مؤامرة لقلب الحكم فى الفترة بين يومى 18 , 31 من يناير تبدأ باغتيال الملك.وتم إلقاء القبض على عدد من الشخاص لكن الملك يتوقع أن تستمر محاولات اغتياله.
- تشير معلوماتنا من مصادر أخرى إلى احتمال انتشار الجماعات المتآمرة بين ضباط الجيش خاصة الذين اشتركوا فى العمليات الفسلطينية والذين تردد – بشكل عام – أنهم متذمرون للغاية وأنهم يوجهون تذمرهم نحو الملك بشكل خاص.وألقى القبض على الفريق عزيز المصرى الذى كان ضابطا كبيرا بالجيش.وعلمنا نبأ اعتقال اثنين من صغارضباط الجيش وعثر معهما على منشورات سياسية ومتفجرات.
- وفى حين أن الملك لا يبدو قلقا . ولا يزال يقوم بجولاته فى النوادى الليلية فى القاهرة كالمعتاد. فلا يمكننا تجاهل احتمال حدوث محاولة لاغتياله وغقامة ديكتاتورية عسكرية.
- ومن العسير للغاية تقدير احتمالات نجاح ذلك دون معرفة المزيد عما يجرى فى الجيش المصرى حاليا.
ونحن نواصل تحرياتنا وسنبرق بأى جديد يمكننا التوصل إليه .
وينقل حديث اللورد دوجلاس إلى السفارة الأمريكية فى القاهرة التى تبرق بدورها إلى واشنطن عن احتمالات قيام الثورة قالت برقية فيليب سكرتير هذه السفارة
- لست متشائما تماما مثل المسئول البريطانى حول احتمالات حدوث ثورة فى مصر.ورغم أن الإمكانات لمادية لحدوث ثورة والتى تتبع من الصراع بين " من يملكون" و"من لا يملكون" هى امكانات قائمة بالتأكيد وتتزايد حدة المشكلات الاجتماعية والإقتصادية فى البلاد ولكن العناصر الأساسية فى الموقف ظلت قائمة لفترة من الوقت دون أن يحدث ذلك انفجارا وإنى أميل إلى الاعتقاد بأنه مالم تتوافر شرارة إشعال . فإن هذا " الديناميت" قد يظل ساكنا لفترة من الزمن.
- وإذا طرأت عوامل أخرى. فربما لا ينفجر أبدأ. ويصبح من الممكن نحسن الموقف إلى الدرجة التى يصبح فيها مستقرا نسبيا.ويمكن أن ينتج ذلك عن تسوية قضية فلسطين التى يبدو أن الرأى العام المصرى قد تعب منها كثيرا وعن فرصة للمشاركة فى تنمية اقتصادية حقيقية للشرق الأوسط.أما إذا حدثت ثورة . فالأرجح أنها ستكون من نوع الانقلاب .
- أو النوع الشائع فى أمريكا الجنوبية. أكثر من كونها عملا جماهيريا عريضا ومالم يتم اغتيال الملك. فأنى أشعر أن الملك يمكن كحل أخير . أن يدعو الوفد لتشكيل حكومة قبل أن تحدث الإطاحة الكاملة بالنظام.
- ومالم نكن مضللين أو مفتقرين إلى معلومات , فلابد أن هناك كثيرا من الرجال الأقوياء فى الأفق فى مصر ممن يمكن أن يستولوا على السلطة نتيجة لتدبير انتفاضة.
- وفى اعتقادى أن استيلاء الوفد على السلطة لن يسفر عن أية تغييرات كبيرة جدا فى الهيكل الاقتصادى والاجتماعى ففى الحكومات السابقة التى سيطر عليها الوفد لم يظهر اهتماما كبيرا بالإصلاح الإجتماعى والإقتصادى كما اتسمت حكومته الأخيرة بالفساد.
- أما قيام ديكتاتورية عسكرية على النحو الذى تشير إليه مؤامرة عزيز المصرى أو الشائعات التى تقول إن حيدر باشا وزير الحربية قد يرغب فى الإستيلاء على السلطة فإنها ستعتمد مثل النظام الحالى على نفس طبقة كبار الملاك والمؤجرين للحصول على تأييد.
- وبالمثل , فإن الإخوان المسلمين ومصر الفتاة يبدوان محافظين من حيث الجواهر إن لم يكونا فاشيين جديدين فى لهجتهما فالجماعة الأولى تدعو إلى الجامعة الإسلامية بينما الحرب الأخير تشدد فى طابعه.
- واشتراك أى من الجماعتين فى حكم مصر سيسفر عن ميول أكثر يمينية وربما لا يحدث تغييرا كبيرا فى الهيكل الاجتماعى والإقتصادى من حيث الجوهر. ولكن حكومة يسيطر عليها الإخوان أو مصر الفتاة ستكون أكثر تشددا تجاه المصالح والرعايا الأجانب إذا حكمنا بمواقف هاتين الجماعتين.
- إن كثيرا جدا من زعماء المعارضة الفعليين أو المحتملين يملكون . أو يسعون لامتلاك نصيب من ثروة البلاد مما لا يرجح حدوث تغيير كبير فى الإستعمار الداخلى لاستغلال الفلاحين الذين يشكلون 80% من السكان. والذين يبدو حاليا أن المشاعر الثورية اليمينية واليسارية مفتقدة بينهم.
- ومن الممكن أن تكون الحكومة باستمرارها فى التحركات غير الحكيمة مثل عدم توفير المرتبات والمعاملة المناسبة للبوليس . ورفع رسوم الجمارك على الضروريات وعدم تنفيذ إصلاحات كافية لمواجهة مزاعم المنتقدين تسرع بحدوث انتفاضة قد تسيطر عليها عناصر ثورية فى المرحلة الأولى أو بعد أن نمضى المتاعب قدما.
- ولا يبدو أن لجماعات الشيوعية مستعدة لمثل هذا الجهد وفى الوقت الراهن . على القل لا يبدو أن مصر تحتل موقفا بارزا فى قائمة أولويات الكومنترن.ومن اناحية الأخرى فقد تنجح الحكومة الحالية فى تحطيم الإرهابيين بما فيهم الإخوان.
- ويبدو أن عبد الهادى باشا يقوم بمهامه بصورة أفضل مما كان موقعا.وإذا اتيحيت له الفرصة للإستمرار مع تقلص أهمية قضية فلسطين فى أعين المصريين فقد يكون بمقدوره أن يشق طريقه فى جو أهدأ".
كان صاحب الجلالة يوم 10 من فبراير 1949 أى قبل 24 من عيد مولده شديد الاهتمام بأمر واحد وهو ما تنشره الصحف الأجبية عنه وعن الإخوان المسلمين.توجه حسن يوسف وكيل الديوان الملكى فى المساء إلى دار السفارة البريطانية ليلتقى بالسفير السير رونالد كامبل ويخرج وكيل الديوان من جيبه ملخصا للصحافة العالمية تذيعه وكاله دى كورس.
قال: هل يليق أن ينشر فى بريطانيا شئكهذا عن ملك مصر؟
أجاب السفير: إنى آسف
قال حسن يوسف : ألا يمكن عمل شئ؟
قال السفير: يبدو أنه لا يمكن عمل أى شئ .. انظر ما يكتبونه عن الأسرة المالكة عندنا فى بريطانيا.هذا حسن يوسف تماما كما قالت برقية السفير ولكن صاحب الجلالة ملك مصر لم يهدأ ..أعاد قراءة المقال الذى يقول: " مصر فى أزمة"
- "اتضح بشكل متزايد خلال العامين الماضيين لكل المراقبيين فى مصر أن أزمة داخلية كبرى توشك أن تنفجر.وجه النبيل عباس حليم ابن عم الملك الذى سجنه الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية, وهو الآن زعيم حزب العمال فى البلاد, تحذيرا للملك وللحكومة فى 1946 بأنه ما لم تجر اصلاحات جذرية فإن النظام يتهدده السقوط.
- لقد اعترفت مصر فى 1942 تحت ضغط من بريطانيا العظمى, بالإتحاد السوفيتى للمرة الأولى.وأدى إنشاء بعثة سوفيتية إلى اقتراب مصر خطوة من يوم الحساب بدأت البعثة السوفيتية ذات العدد الكبير من الموفين على الفور حملة دعاية ضخمة فوزعت منشورات فى المدن , وأثارت الطلاب واقامت حفلات شاى لخدم الباشوات.
- فقد الملك شعبيته استفز سلوكه فى حياته العامة والخاصة كثيرا من المسلمين ووجدت العناصر المنشقة فرصة مواتية لتصويره كرمز للقهر والانحلال.وسرعان ما تحطمت الآمال فى استعادة التاج لاحترامه بحملة عسكرية ناجحة بعد تراجع الجيش فى النقب بشكل خطير.
- وكان فاروق المضلل بشكل يدعو لليأس يظن أن اليهود سيلاقون هزيمة نكراء.وكان ينوى أن يعلن نفسه وهو على راس جيشه المنتصر , خليفة للمسلمين غير أن المصريين, لا يزالون تقارير زائفة ومضللة عن نجاح جيوشهم ولن يتيسر الاستمرار فى إخفاء الحقائق الواقعية.
- وقد أثبت الإرهاب والاغتيال السياسى أنهما سلاحان فعالان.واكتسبت الدهماء, بلاتدريج, مزيدا من القوة وارتفاع الصوت و يغذيها السوفييت بالدعاية والذهب.فجماعة الإخوان المسلمين المتعصبة, التى تضم نصف مليون عضو, أكثر نشاطا من أى وقت مضى.
- ويصعب أن يتصور المرء كيف ستتجنب الحكومة انفجار أزمة واسعة النطاق.وعندما تبين حقيقة الموقف العسكرى سينهار النظام.ولن ينقذه إلا شئ واحد. التدخل البريطانى الحاسم وإعادة فرض المشورة البريطانية كشرط للمساندة.
- وإذا رفض الملك فاروق شروطا كهذه فقد يقبلها ابن عمه ولى العهد محمد على بك بل وقد تكون مقبولة من الوفد.وعندئذ يمكن تنظيف الإدارة المصرية بالكامل . وإقامة العدالة الاجتماعية والسياسية بهذه الكيفية فقط يمكن خلق الاستقرار.
- والبديل هو مصر الشيوعية تحت النفوذ السوفيتى وهو احتمال كئيب حقا بما له من تأثيرات حتمية على شمال أفريقيا كله.وأذخ الملك فاروق يفكر فى هؤلاء الإخوان الذين وصلت أعدادهم إلى نصف المليون!
سألت الشيخ عمر التلمساني:
- هل فكر الإخوان فى القيام بثورة فى هذا الوقت؟أجاب بالنفى. وقال إن الإخوان ل يفكروا فى عمل عنيف بعد حل جماعتهم ولم يجتمعوا بأحد من ضباط الجيش لإشعال ثورة.إن الثورة التى توقعها فاروق تأخرت ثلاث سنوات .. إلى 23 من يوليو 1952!
كتب مراسل صحيفة شيكاغو ديلى تريبيون تحت عنوان" فاروق الذى كان فتى عابثا يخشى الإحتلال الآن" قال الصحفى:
- " هناك تقارير غير مؤكدة وإن كانت واسعة الانتشار فى القاهرة حول رصاصتين أطلقتا على الملك فى مارس الماضى".
أحس البنا بالخطر يقترب. أخذ يتردد على الوزراء فى مكاتبهم ومنازلهم فكانوا يتهربون من لقائه. واتصل صالح حرب باشا رئيس جماعة الشبان المسلمين تليفونيا بمصطفى مرعة وزير الدولة بعد 48 ساعة من تشكيل وزارة إبراهيم عبد الهادى قائلا:
- الشيخ البنا يريد أن يلتقى بك فى بيتى.
سأله مصطفى مرعى:لماذا؟
قال صالح حرب: لأشياء يريد أن يصارحك بها حين يلقاك.
وافق مصطفى مرعى الذى عهد إليه رئيس الوزراء بالشئون التى ترتبت على حل الجماعة الإخوان لإنهاء حالة التوتر بين الحكومة والمرشد العام.
التقى الرجال الثلاثة فبدأ الشيخ البنا الحديث عن اعتقالات الإخوان . وفصل . ونقل الموظفين . والاستيلاء على الشركات . وأموال تصادر لمجرد الشبهة فى أن أصحابها من الإخوان.طلب تحسين حالة المعتقلين والإفراج عن غير الخطيرين ومساعدة عائلات العمال المعتقلين:
وقال:
- بين المقبوض عليهم أشخاص اعتقدوا أن عملهم فيه خدمة للبلاد والمتهمون فى قضية سيارة الجيب منهم من كان يحارب اليهود, أو لامناصرين لليهود وهى حرب فى سبيل الله والوطن.ورجا أن يعفو رئيس الحكومة عن هؤلاء.
قال مصطفى مرعى:
- جماعة الإخوان أصبحت ملاذا للجرائم والمجرمين وقد اهتز الأمن فى البلاد وكان من الواجب حل الجماعة.ومنذ قتل المستشار أحمد الخازندار وكل حادث أرجعه لها.
قال الشيخ:
- إن الذين أجرموا فعلوا ذلك من غير إرادتى وقد فكرت فى حل الجماعة ولكن شق على أن أهدم بناء أقمته فى عشرين عاما. وأضاف : هل أفلت الزمام من يدى.. أم أنا مضلل؟
قال مصطفى مرعى:
- لتذع بيانا يتضمن هذه المعانى.وأخذ يملى على الشيخ ما يجب أن يتضمنه البيان . وافق الشيخ البنا.
جاء فى اليوم لتالى ومعه البيان فوجده مصطفى مرعى غير ما أراد طلب أن يبرأ الشيخ البنا من قاتل النقراشي وممن دبروا ونفذوا الجريمة.
وتم تعديل البيان بالإتفاق بين الوزير والمرشد العام. قال الشيخ البنا معزيا نفسه:
- إذا كان ذلك ثمن إعادة الإخوان والتفاهم مع الحكومة . فما المانع؟عرض مصطفى مرعى البيان على إبراهيم عبد الهادى قائلا: هذا كل ما استطعت الحصول عليه من الشيخ.
نشرت صحف مصر صباح يوم 11 من يناير نداء المرشد العام تحت عنوان " بيان للناس" قال البيان:
" وقعت أحداث نسبت إلى بعض من دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها.وتلا هذا الحادث المروع اغتيال دولة رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي باشا الذى أسفت البلاد لوفاته . وخسرت بفقده علما من أعلام نهضتها, وقائدا من قادة حركتها, ومثلا طيبا للنزاهة والوطنية والعفة من أفضل أبنائها ولسنا أقل من غيرنا أسفا من أجله وتقديرا لجهاده وخلقه.
- ولما كانت طبيعة دعوة الإسلام تتنافى مع العنف بل تنكره وتمقت الجريمة مهما يكن نوعها وتسخط على من يرتكبها. فنحن نبرأ إلى الله من الجرائم ومتركبيها.ولما كانت بلادنا تجتاز الآن مرحلة من أدق مراحل حياتها .مما يوجب أن يتوفر لها كامل الهدوء والطمأنينة والاستقرار.
- وكان جلالة الملك المعظم .حفظه الله قد تفضل فوجه الحكومة القائمة وفيها هذه الخلاصة من رجالات مصر هذه الوجهة الصالحة وجهة العمل على جمع كلمة الأمة. وضم صفوفها وتوجيه جهودها وكفاياتها مجتمعة لا موزعة إلى ما فيه خيرها وإصلاح أمرها فى الداخل والخارج.وقد أخذت الحكومة تعمل من أول لحظة على تحقيق هذا التوجيه الكريم فى اخلاص ودأب وصدق.
كل ذلك يفرض علينا أن نبذل كل جهد.
- ونستفيد كل وسع فى أن نعين الحكومة فى مهمتها ونوفر لها كل وقت ومجهود للقيام بواجبها والنهوض بعبثها الثقيل ولا يتسنى لها ذلك بحق إلا إذا وثقت تماما من استتباب الأمن واستقرار النظام وهو واجب كل مواطن فى الظروف العادية فكيف بهذه الظروف الدقيقة الحاسمة التى لا يستفيد فيها بلبلة الخواطر وتصادم القوى وتشعب الجهود غلا خصوم الوطن وأعداء نهضته.
- لهذا أناشد إخواني
- لله وللمصلحة العامة, أن يكون كل منهم عونا على تحقيق هذا المعنى وأن ينصرفوا إلى أعمالهم, ويبتعدوا عن كل عمل يتعارض مع استقرار الأمن وشمول لطمأنينة حتى يؤدوا بذلك حق الله والوطن عليهم والله أسأل أن يحفظ جلالة الملك المعظم ويكلأه بعين رعايته ويثبت خطى البلاد حكومة وشعبا فى عهده الموفق إلى ما فيه الخير والفلاح آمين".
وفى رأى عمر التلمساني المرشد الجديد للإخوان أن " البيان تم تحت ضغط وللتساهل مع الإخوان حتى لا يعذبوا فى المعتقلات".
علق تشابمان اندروز الوزير البريطانى المفوض على هذا البيان فأبرق إلى لندن قائلا:
- " تبدو لهجة التصالح للبيان الذى نشر على نطاق واسع فى الصحافة المحلية واضحة, فى كل من الإشارة إلى النقراشي باشا الراحل وفى الحث على القيام بكل ما هو ممكن لمساعدة الحكومة بالمحافظة على النظام والأمن.
- والبنا أساسا انتهازى وربما يكون غرضه تحذير السلطات بشعور من المن المزيف على أمل أن تتراخى تدريجيا جهودها للقضاء على الإخوان "
أما جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى فقال:
- " حظى البيان باهتمام قليل على المستوى المحلى . وقد نشأ عن رغبة البنا لاسترداد موقعه الذى اهتز أمام الرأى العام ورغبته الواضحة فى إعادة الجماعة ولكن نظرا لتوتر الأمن فليس من المحتمل أن يحقق الحكومة رغبته"
قال إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء لتشابمان اندروز:
- الانطباع الذى أخذته من بيان البنا أنه بدأ يتراجع أمام تصرف لاحكومة.
واضاف:
- إنى واثق من الحصول على أفضل مالدى الإخوان, ولكنى مستعد للقضاء عليهم. لقد اعتقلت الحكومة خمسة من أكثر الأعضاء خطورة وتطرفا وأحدهم فى الإسماعيلية كان يختبئ بمستشفى لفترة من الوقت. وعثر فى منزله على كمية كبيرة من المتفجرات والأسلحة.
- وقال إن مائة آخين من أعضاء الإخوان البارزين ألقى القبض عليهم ولكن فاروق يجد أنه يجب ألا يتأخر عن القيم بعمل حاسم يعتقد أنه ينفذ لاعرش .. وهذا العمل فى رايه ضد الإخوان المسلمين.
وقالت السفارة البريطانية:
- " يمكن لجماعة الإخوان أن تنهار إلى الأبد إذا أزيح البنا عن قيادتها لأى سبب . مع غياب أى خليفة له نفس القدر من الشخصية القيادية والذكاء الذين يتمتع بهما البنا"!
وهذه البرقية تعنى بوضوح: أنه إذا اختفى البنا... تلاشت الجماعة وبذلك يصبح البنا .. هو الهدف!
عصفور فى القفص!
جرت محاولات لاغتيال الشيخ البنا كانت المؤامرة الأولى يوم 22 من أغسطس عام 1947 حين كان النقراشي باشا فى مجلس المن يعرض قضية مصر.أرادت جماعة الإخوان المسلمين أن تظهر رغبة الشعب فى تأييد النقراشي والمطالبة بجلاء الإنجليز عن وادى النيل.
سمحت السلطات المختصة لالبنا وجماعته بالقيام بمظاهرة سلمية بدأ من الجامع الأزهر عقب صلاة الجمعة واخترقت الشوارع منادية باسم مصر مؤيدة حقها.ولم تكد المظاهرة السلمية تصل إلى ميدان العتبة الخضراء وفى مقدمتها مسيرة تحمل الشيخ البنا وبعض الأعضاء حتى انطلقت الأعيرة النارية من كل صوب.
نزل الشيخ ليستطلع الحادث فإذا بعيار نارى يطلق عليه وتستقر رصاصة فى ساعده.اقتيد البنا عقب إصابته إلى قسم الموسكى فاعتدى رجال الشرطة على أتباعه.ودارت معركة بينه وبين ضابط بوليس هدده بمسدس وسدد فوهته إلى صدره.
هجم عليه الشيخ البنا وأمسك بالمسدس من يده. واصيب زوج شقيقته عبد الكريم منصور بإصابات نقل على إثرها إلى مستشفى قصر العينى وانتهى الحادث بالحفظ. وقف المرشد العام يتحدث فى الشركة العربية للمناجم والمحاجر لتوديع كتيبة من الإخوان قبل سفرها إلى فلسطين.
ولكن وقع انفجار فى المكان الذى كان مقررا أن يتحدث منه الشيخ البنا قبل وصوله بدقائق .تبين ان قنبلة زمنية وضعت فى هذا المكان.
توجه البنا إلى مطار القاهرة للحج فى 23 من سبتمبر 1948 ومعه " جواز" سفر يبيح له السفر غلأى جميع أنحاء العالم... وعلى الجواز أيضا " تاشيرة" تسمح له بأن يستقل طائرة شركة " سعيدة" ولكن العقيد حسن فهمى مفتش الجوازات سحب منه الجواز وألغى جميع الدول المصرح له بالسفر إليها واكتفى منها بالمملكة العربية السعودية. وقال إنه فعل ذلك بناء على تعليمات من عمر حسن مدير قسم الخصوص مباحث أمن الدولة.
وسافر المرشد العام إلى المملكة العربية السعودية فأبرقت وزارة الداخلية إلى القنصل المصرى فى جدة بعدم السماح للبنا بالسفر إلى أية دولة عربية أخرى.
قال عبد القادر عودة وكيل جماعة الإخوان
- " لم تستطع الحكومة منع البنا من السفر لأداء فريضة الحج وإلا قيل إنها صدته عن سبيل الله, والبيت الحرام ومن يفعل ذك يعد كافرا".
ومن ناحية أخرى ما قال اليوزباشى عبد الباسط البنا الشقيق المرشد فإن الحكومة المصرية أعدت العدة لقتله فى السعودية على أن تنسب الجريمة إلى بعض اليمنيين!
وكان أمير الحج المصرى حامد جودة رئيس مجلس النواب الذى ينتمى إلى الحزب السعدى قد صحب معه بعض الأشخاص الخطرين ولكن الحكومة السعودية استشعرت ذلك فأنزلت المرشد العام ضيفا عليها وأحاطت مقره بحراسة شديدة وقدمت إليه سيارة خاصة بهاج ندى مسلح لمنع الأعتداء عليه عاد البنا فى 28 من نوفمبر 1948.
وتقرر حل الجماعة فى 8 من ديسمبر وصدرت الأوامر إلى قوات الشرطة بالإستيلاء على شعب الإخوان فى مختلف المناطق.واعتقل أعضاء مكتب الإرشاد وكثير من الإخوان وبقى مؤسس الجماعة ورئيسها ومرشدها العام وحده لم يعتقل.
رأى اللواء أحمد عبد الهادى حكمدار شرطة القاهرة واللواء صلاح مرتجى وكيل الأمن العام عدم اعتقال المرشد العام لأنه اعتقاله قد يحدث ثورة وضجة كما أن وجوده خارج المعتقل يعطى فرصة للتفاهم معه.ويكون الرجل طعما للقبض على من يتصل به من الإخوان!
أبلغ هذا الرأى للنقراشى باشا فوافق عليه. قال أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة إن الحكومة لم تعتقل الشيخ البنا إما لأنها لم تجد برهانا ضده أو لأنها أرادت قتله.سأل تشابمان اندروز الوزير البريطانى المفوض وكيل الديوان الملكى حسن يوسف بك عن أسباب عدم اعتقال المرشد العام
أجاب حسن يوسف:
- لم تعثر الشرطة على وثائق . أو مواد. تدينه عند تفتيش منزله ولابد أنه كان حريا على تدمير أى دليل يثبت تورطه فى أعمال إجرامية ارتكبها أتباعه مما جعل الشرطة لا تستطيع اتخاذ إجراء ضده.
واضاف:
- لا يوجد سبب للقبض عليه فى الوقت الحاضر. قال تشابمان أندروز ومحضر الاجتماع يصف ذلك:وإذا ارتكب عملا خاطئا؟
أجاب حسن يوسف: سيتعرض للإعتقال فإن الحكومة لم تعد تخشى باسمه.
وكان حسن يوسف يتحدث بثقة مما جعل " اندروز" يبرق إلى لندن قائلا:
- " لابد أن وكيل الديوان يتكلم بلسان الملك فاروق".
وأكد حسن يوسف لوزير المفوض أن البنا توسل إلى السلطات لاعتقاله وكتب البنا للحكومة:" انكم تقتلونى بعدم اعتقالى"!
قال محمد إبراهيم إمام مدير البوليس الخصوصى القلم السياسى ومباحث أمن الدولة للماجور سانسون ضابط أمن السفارة البريطانية:
- تلقيت أومر بعدم القبض على البنا أو اعتقاله فلن يجرؤ قاض على إصدار حكم ضده بعد اغتيال المستشار الخازندار.
ضاعفت الحكومة إجراءاتها المتشددة.راحت تقبض كل يوم على مئات لأتفه الأسباب.. قصاصة ورق . نسخة من عدد قديم من جريدة أو مجلة الإخوان , بطاقة من حسن البنا.
واعتقل معظم من يمتون إليه بصلة: أشقاؤه ومنهم جمال البنا الذى يعرف القسم السياسى أنه ليس من الإخوان.... واصهار الشيخ وبقى زوج شقيقته عبد الكريم منصور المحامى لأنه اختفى فترة ثم عاد إلى الظهور.
ولم يعد للشيخ حارس سوى شقيقه ضابط الشرطة اليوزباشى عبد الباسط الذى يمشى مسلحا فى ركاب أخيه. فلما عثر مع عبد الباسط على مسدس أخذوه منه وقبضوا عليه فى 13 من يناير.
استمرت رقابة الشرطة على الشيخ فوجدوه يصلى الفجر فى جامع قيسون فقرروا اغتياله بعد الصلاة, ولكن المرشد امتنع عن الصلاة فى المسجد بناء على نصائح الأسرة والأصدقاء وأخذ يؤدى الصلاة فى بيته!
وكلف الجنود يقبضون على من يمرون أمام بيته أو يزورنه ويقودونهم إلى قسم لشرطة لسؤالهم ويفرج عن البعض ويعتقل كثيرون . وفى بعض الأحيان كان يؤدى صلاة الجمعة فى بيته.
وكلف أحد الكونستبلات بمراقبة الشيخ بتعقبه بموتوسيكل حينا وفى سيارة أحيانا فلما ضاق المرشد بهذه الرقابة اتصل باللواء احمد عبد الهادى حكمدار شرطة القاهرة وطلب منه رفعها فوافق الحكمدار ... كما قال!
ولكن الحقيقة أن مخبرا اسمه عبد المنعم إبراهيم ظل يراقب الشيخ حتى اليوم السابق للجريمة بناء على تعليمات الرائد محمد على صالح ضابط البوليس السياسى وبذلك بقى المرشد العام موضع المراقبة الدقيقة تحت عين وزارة الداخلية تحصى عليه كل تحركاته.
واعترف مخبر اسمه أنور على أحمد أنه اشتغل بمراقبة المرشد العام حتى الثالثة بعد ظهر يوم 12 من فبراير لمراقبة حركاته وسكناته ومعرفة اتصالاته من ناحية ومنع هربه من ناحيه أخرى فلا يفلت من أيدى رجال الشرطة.ولم يقل المخبر إن الهدف بقاء المرشد فى قبضة رجال الشرطة حتى الوقت المحدد... الذى تتيحه الفرصة لاغتياله.
أراد البنا أن يسافر للإقامة فى عزبة الشيخ عبد الله النبراوى بدائرة مركز قليوب ولكنه خشى أن يؤدى ذلك إلى متاعب للشيخ النبرواى وأسرته فأرسل إلى محافظ القاهرة فؤاد شيرين يستأذنه فى السفر. أستأذن المحافظ رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي الذى طلب منه عدم الرد.
وعلق رئيس الوزراء شفاهة على طلب المحافظ قائلا إنه أى المحافظ من الإخوان المسلمين!وفى اليوم التالى لوصول خطاب البنا إلى محافظ القاهرة 10 من فبراير
اعتقل النبراوى ومعظم أفراد أسرته وهو شيخ تجاوز الثمانين ومصاب بشلل نصفى وفتشت قريته بحثا عن أسلحة. سافر صالح حرب إلى أسوان وأراد الشيخ البنا الذهاب إليه فى أسوان ولكن الحكومة رفضت ذلك كما منعته من السفر إلى الخارج. رأى فتحي رضوان المرشد العام فى مأزق يتعذب و لا يدرى ماذا يفعل قال له:
يا سيدى أرجو أن تصدقنى إذا قلت لك إن الحكومة والملك. لا يطيقان مجرد وجودك ووجود جماعتك فى الدنيا.نظر البنا إلى فتحي رضوان وفى عينيه مزيج من العتاب. ومن الإحساس بالألم, ومن الشعور بخيبة الأمل.
ثم قال بعد فترة صمت:
- إذن ما العمل " هل أسلم بالأمر الواقع , وأرتضيه؟ هل أترك الإخوان فى الحال الذى وصلوا إليه وأتفرج عليهم ليتهم يعتقلونى ويريجوننى. رأى فتحي رضوان نفسه مضطرا لمصارحة المرشد العام بما يشعر به قال:
- أرى رأى العين ما يدبر لك فهم لا يتركونك احتراما لك. وإنما لتتاح لهم فرصة اقتناصك وربما ليصدر عنك عمل. يبرر التخلص منك. أو ليلقوا تبعته عليك.ما كاد فتحي رضوان يفرغ من هذا الكلام حتى شعر بالندم الشديد لأنه لا يعدو أن يكون إنذارا بالموت.
لم يغضب البنا.. ولم يفزع. بل اكتفى بقوله: حسبى الله ونعم الوكيل. وسأل فتحي رضوان: بماذا تنصحنى؟قال: لا تترك منزلك . أو مكانا يمكنك أن تأوى إليه فلا تخرج منه أبدا حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا وقد يبدل الله الحال..
قال المرشد وكأنه يخاطب نفسه: وهل ينجى هذا الحذر من القدر؟أجاب فتحي رضوان على الفور: مطلقا.قال: إذن ما الفائدة من.... قاطعه فتحي رضوان قائلا:
الفائدة فى ألا تشغل نسفك بما لا ينفع ولا جدوى منه وألا تستمع لرسل السلطة الذين يعبثون بنا.رد المرشد العام وكأنه يحدث نفسه:ربما كان هذا صحيحا.
تذكر عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية أنه أثناء عمله مديرا (محافظا لجرجا) سوهاج الآن كان يعمل معه حكمدار للشرطة أسمه محمود عبد المجيد جمع بينهما الليل الميل للخروج على القانون لأن الحكمدار لا يتورع عن معالجة الجريمة ... بالجريمة!
كان يضرب على " العروسة" علانية المتهمين للإعتراف و يقتل المجرمين أو ذوى الشبهة.. وقال إحصاء أنه بين 18 متهما فى جرجا لف الحكمدار بضبطهم قتل 15 منهم.ويضع المتهمين فى عربات الكلاب تمر بهم فى شوارع عاصمة المحافظة والمدينة أو القرية , التى ارتكبوا فيها جرائم, أو اتهموا بارتكابها, ليقذفهم الناس وأتباع الحكمدار بالقاذورات والشتائم.
ثم يقادون بعد ذلك إلى السجن. ويضع جثث المتهمين عراة على عربات كارو تدور فى الشوارع وخلفها جنود شرطة ينادون:الرطل... بليم!
وكان يتصور أن وضع اليد على الخارجين على القانون هدف سام يجوز فى سبيل تحقيقه كل مخالفة للقانون.وصفه صابر طنطاوى مدير الأمن العام بأنه رجل بلا ضمير... ولا يخاف الله!
استدعى عمار حكمدار شرطة جرجا العقيد محمود عبد المجيد (55 سنة) وعينه مديرا لإدارة المباحث الجنائية بوزارة الداخلية فى أول أغسطس 1948 أصبح البرنامج اليومى لمحمود عبد المجيد المرور صباحا على منزل عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية للإنفاق معه على نظام العمل ثم يتوجه بعد ذلك إلى وزارة الداخلية.
وعند الظهر يتناول الغداء فى مطعم بدعوة من بعض أعيان جرجا والوجه القبلى بصفة عامة.وبعد العصر يجلس مع " الأعيان" فى مقهى " لونابارك" أو " الفيشاوى" وبعد المغرب جلسة أخرى مع هؤلاء فى فندق " إيدن" أو مع الصاغ توفيق السعيد. والعقيد محمد إبراهيم من رجل القسم السياسى " مباحث أمن الدولة".
وبعد اغتيال النقراشي داخل وزارة الداخلية اتخذت احتياطات شديدة للحراسة ووضعت نظم دقيقة لدخول دار الوزارة .... وكلف بالحراسة العقيد محمود عبد المجيد الذى تضخم نفوذه, ومنح صلاحيات واسعة.
تحرك محمود عبد المجيد بعد ثلاثة أيام من اغتيال النقراشي ليملأ الإدارة بضباط وجنود الشرطة الذين عملوا معه فى سوهاج.ندب اليوزباشى عبده ارمانيوس من الجيزة إلى إدارة المباحث الجنائية فى أول يناير 1949.
ونقل من جرجا أيضا البكباشى أمين حلمى والرائد حسين كامل وفى اليوم التالى 2 من يناير قرر نقل مخبر الشرطة الأمباشى أحمد حسين جاد 42 سنة من مباحث جرجا إلى الإدارة على أن ينفذ النقل خلال 24 ساعة.
وفى 8 من يناير منح صاحب الجلالة العقيد محمود عبد المجيد نوط الواجب الذهبى مكافأة على الجهود التى قام بها .. ولتشجيعه على القيام بأعمال أخرى!وفى 21 من يناير نقل من جرجا أيضا المخبر حسين محمدين رضوان ووكيل الباشجاويش محمد سعيد إسماعيل.
قال محمود عبد المجيد مبررا قراره فيما بعد بأن ذلك تم على أساس الاختيار الشخصى فقد اتصل بالمخبرين فى اعمل ويقدر كفايتهم. والجدير بالذكر أنه لم يسبق قبل ذلك, وبعده. أن ندب مخبر من إحدى المديريات المحافظات للعمل بالقاهرة عدا هؤلاء الثلاثة !
وكان ندب المخبرين فريدا من نوعه أيضا من حيث الطريقة التى اتبعت فى إصدار الأمر به. والحيطة التى اتخذت لتجنب إيجاد مكاتبات رسمية مثبتة لذلك الأر. فقد استدعى العقيد محمود عبد المجيد المخبرين بأوامر شفوية اصدرها إلى رؤسائهم المحليين!
ولا حظ الصول محمد البهى شرف المكلف بمراقبة حضور المخبرين فى الدفاتر وتوزيع الخدمات عليهم وجود المخبرين الثلاثة فى " بوفيه" منعزل قليلا عن مبنى الوزارة...ولاحظ أيضا تردد الثلاثة على مكتب الرائد حسين كامل بادارة المباحث الجنائية ولما سألأ عنهم قيل له إن العميد محمود عبد المجيد أحضرهم من سوهاج فقام بإثبات حضورهم فى دفتر الإدارة
ولما عرف محمود عبد المجيد قرر نقل محمد البهى إلى المنوفية يوم 26 من يناير ونفذ النقل فى اليوم ذاته.وأخذ محمود عبد المجيد يردد حينا انهم جاءوا للبحث عن أشقياء جرجا الفارين من وجه العدالة ويقول حينا آخر.أنهم يقومون بحماية عبد الرحمن عمار من أشقياء جرجا الاهاربين إلى القاهرة.
ونفى عمار أنهم قاموا بحراسته. وثبت من التحقيقات أنهم لم يقبضوا. منذ نقلهم إلى القاهرة على شقى واحد من جرجا.استمرت محاولات اغتيال المرشد العام بعد نقل " عصابة جرجا"!
تقرر أن يتوجه إلى منزله بعد منتصف الليل الضابطان اليوزباشى عبده ارمانيوس والرائد حسين كامل لإبلاغه أن النيابة أمرت باعتقاله ثم يقومان بدفنه فى حفرة أ‘دت فى الهرم عند طريق الفيوم. ولكن اللواء أحمد طلعت رفض الموافقة على تنفيذ هذه الخطة.
ووقف الامباشى أحمد حسين جاد أمام بيت المرشد فى الحلمية لاغتياله ولكن الخفير الخاص للشيخ البنا اشتبه فى أمره فأمسك به واقتاده إلى قسم الدرب الأحمر وهناك أبرز بطاقة الشرطة للمأمور فقال للخفير:
هذا تاجر مواشى ولا علاقة له بشئ!وأفرج عنه.وجلس أحمد حسين جاد فى سيارة المقدم محمد وصفى قائد حرس الوزارات فى شارع المكلة عندما مر المرشد مع مصطفى مرعى وكان مقررا ن يطلق أحمد حسين الرصاص على الشيخ البنا ثم يفر فى سيارة محمد وصفى وكان المقدم عبد الرءوف عاصم واليوزباشى مصطفى علوان مستعدين للتدخل عند الضرورة
ولكن الرائد حسين كامل صرخ فى أحمد حسين قائلا:امنع يدك.فقد خشى أن يجتمع الناس للقبض على القاتل
قال شمس الدين الشناوي المحامى للشيخ البنا!
- إن بعض شباب السعديين وعلى رأسهم فتحى عمر وكامل الدماطى اجتمعوا فى ناديهم وأقسموا على اغتيالك ثأرا للنقراشى. أريدك أن تحتاط.
قال المرشد العام:لقد منعونى حتى من السفر إلى الخارج.
فى كتابه " كنت جاسوسا على الجواسيس" قال الماجور سانسوم ضابط أمن السفارة البريطاينة.
- قرر رجال البلاط الملكى والحكومة اغتيال البنا بعد مصرع النقراشي ولم يكن هذا قرارا جديدا لقد فكروا فيه منذ تبين لهم استحالة اتخاذ إجراء قضائى ضد المرشد العام.
- وكانت هناك اعتراضات على قرار اغتيال الشيخ البنا فربما يكون ميتا كشهيد أخطر منه حيا.ولكن بعد مقتل النقراشي رئى اتخاذ هذه المخاطرة والأرجح أن القرار اتخذ فى القصر لا فى الحكومة
وكان الجزء الصعب من المهمة إقناع الرأى العام بأن الحكومة بريئة وأن البنا لا يستحق أن يكون شهيدا.وقد بدأت الشائعات ضد المرشد العام قبل مصرعه إنه تلقى تهديدا بالقتل إذا فشى سر قاتل النقراشي للسلطت الحكومية".
ويلتقى البنا يوم 10 من فبراير بالدكتور عزيز فهمى لمراجعة بعض قضاياالإخوان.سله ادكتور عزيز:هل معك سلاح؟
أجاب : السلاح أخذوه .. والأخ سجنوه!
وهكذا اصبح البنا ينتظر الموت. جردته الدولة من سلاحه الذى كان مرخصا له بحمله. وحرمته من الحراسة التى كانت مضروبة عليه فأصبح هدفا يؤمن الوصول إليه. فإن جمعية الشبان المسلمين هى المكان الوحيد الذى يدخله إذا غادر بيته.
وفى أيامه الأخيرة التقى المرشد العام بدار الشبان المسلمين بالمستشار حسن الهضيبي الذى اختير بعد ذلك مرشدا عاما للجماعة.وكان الشيخ البنا يحس بأنه سيموت .. وعلى باب الجمعية أيضا.
حاول محمد الليثي أن يودعه عند الباب وهو ينتظر سيارة تاكسى تقله إلى بيته فقال له لمرشد: أنت ذنبك إيه.. عندك أولاد ومتزوج.. ادخل يا بنى.وكان الليثى أبا لثلاثة أطفال.
وقبل أربعة أيام من وفاته جلس المرشد العام فى جمعية الشبان المسلمين فالتقى بالشيخ محمد صبرى عابدين أمين سر الهيئة العربية العليا لانقاذ فلسطين سأله:ما رأيك فى هذه الحال .
وماذا تقترح أن أعمل لتفادى هذه المصائب قال محمد صبرى عابدين:الدعوة فى محنة واختبار وليس لك إلا أن تعتصم بالصبر حتى يأذن الله بالفرج.واقترح أن تعتكف فى منزلك أوفى مكان آخر.
ومن المؤكد أن المرشد العام كان يعانى أقوى محنة مرت به خلال 21 سنة كانت الجماهير حوله, والقصر ورجال السياسة يتملقونه أو يعارضونه.
وكان يرى مليونى نسمة من الجماعة يضمه الجهاز السرى والجميع مستعدون لافتدائه بأرواحهم.ولكن أين هؤلاء الآن..
لقد آمن بأن الدعوة ستمر بثلاث مراحل : جيل يستمع, وجيل يحارب ثم جيل ينتصر.لقد اختفى المستمعون والمحاربون ولا تبدو علامات ظهور الجيل الذى سينتصر!
الشهيد
فتح بيان الشيخ البنا بابا إلى حسن التفاهم بين المرشد العام ورئيس الحكومة فأوقف مصطفى مرعى بيع منقولات شعب الجماعة بالمزاد ولكنه رأى استمرار اعتقال الإخوان بعض الوقت.
وطلب من الشيخ البنا أسماء أعضاء الخطرين ومكان الأسلحة ومحطة الإذاعة السرية.ويلتقى الرجين مرة أخرى وكان الحديث بينهما فى اتجاهين متوزايين لا يلتقيان.
قال الشيخ البنا:
- الاعتقالات مستمرة بإسراف . وأريد الإفراج عن بعض المعتقلين لأعرف منهم الخطرين وأماكن السلاح.وعد مصطفى مرعى ببحث طلبات الإفراج.ولكن ... قرر عبد الرحمن السندي أثناء وجوده فى السجن أن يقوم الجهاز الخاص بإحراق المستندات التى ضبطت فى سيارة الجيب.
علم المرشد العام بذلك فكلف صلاح شادي بإبلاغ سيد فايز الذى أصبح قائدا مؤقتا للجهاز عدم القيام بهذه العملية.ولكن السندى رفض تنفيذ أمر المرشد.سلم سيد فايز أحد السعاة قنبلة لوضعها داخل محكمة الاستئناف يوم 13 نم يناير 1949.ضبطت القنبلة وانفجرت خارج المحكمة وأصيب 25
قال أسعد محمود نائب رئيس محكمة النقض وكان وكيلا للنائب العام فى تلك الأيام إن الدكتور جمال عطية كان كاتبا فى النيابة وهو من الجماعة معه اوراق قضية السيارة الجيب ولكنه لم يسلمها للجماعة أو يتلف ورقة فيها حفاظا على سرية العمل .... وقد قبض عليه بعد ذلك فى قضايا الإخوان!
وقال الباقورى:
- " هذه المحاولة الحمقاء كانت سبب حرج شديد أخذ المرشد العام منافذ الفكر . وجعل الدنيا على سعتها أضيق فى عينيه من سم الخياط!
أعلن المرشد أن مسئولية حادث المحكمة تقع على عاتق من قاموا به وليس على عاتق الجماعة.وقال المسئولون فى الجماعة إن المرشد فقد كل سلطان له على قيادة النظام الخاص.
قال الشيخ عمر التلمساني:
- " كان السندى يتصرف فى بعض الأحيان تصرفات لا يقرها الأستاذ البنا وبلغت به القوة إلى حد أنه يضع نفسه فى مستوى قائد الجماعة.لقد أغرته القوة وأغواه الشيطان. ولم يرض رئيس الجماعة عن ذلك ووقع الخلاف بينهما.
- وأى إنسان فى أية جماعة ينمو وتزداد قوته يوما بعد يوما . وقد لا يدرك خطره إلا بعد أن يصل أمره إلى منتهاه. وهو ما حدث , وقد فصل السندى من الجماعة فى عهد الهضيبي".
وعلى أية حال فإن الحادث أغلق باب التفاهم وفتح بابا للشر والفتنة ووصف صالح حرب المرشد العام فقال إنه بعد حادث المحكمة كان فى حالة تأثر شديد.
- ماذا أفعل . أأنتحر. كيف أصدر بيانا بالأمس أستنكر فيه هذه الأعمال فيجئ الولد المتهم شفيق إبراهيم أنس ويعمل ذلك ماذا يقولون؟
ويتوسط صالح حرب لعقد اجتماع ثالث بين مصطفى مرعى والمرشد العام. ويجد الوزير من الأفضل أن يتم اللقاء على انفراد فى بيته دون حضور صالح حرب.ابدى البنا أسفه لحادث المحكمة وقال: خرج الأمر من يدى وهذا الحادث يعتبر من باب التحدى لى وإرهاب الحكومة ... وكرر طلبه بالإفراج عن المعتقلين. رد مصطفى مرعى بحدة: معتقلين أيه.. بقى بعد الحادثة دى حد يقدر يتكلم فى حاجة؟ قال الشيخ حسن : المعتقلين ذنبهم إيه ما دام مجنون عمل كدا. قال مصطفى مرعى:
هذا دليل على أن كل الخطرين لم يعتقلوا بعد والسلاح لا يزال موافرا لديهم واريد أن ترشدنى إليهم وفى وسع الحكومة حمايتك.
وعد الشيخ بإجراء اتصالات ثم عاد ليجتمع مرة رابعة بالوزير الذى طلب منه معلوماته الشخصية عن الخطرين والسلاح والإذاعة ثم يفرج عن المعتقلين بعد ذلك ولكن السفارة الأمريكية أكدت أنه لا توجد إذاعة سرية!طلب الشيخ البنا الإفراج أولا ليعرف من المعتقلين كل الأسرار!ووعد بتهدئة الحالة.قال:بعد الإفراج عن المعتقلين سأكون مسئول عما يحصل.
وجد مصطفى مرعى بعد أربعة أجتماعات أن الشيخ لم يكشف سر أحد من رجاله رغم اغتيال النقراشي ومحاولة نسف المحكمة افستئناف وضبط أسلحة كثيرة.. ورفغم الإعتقالات الواسعة لأعضاء الجماعة أيضا.
وتتدخل عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية لوقف هذه الاتصالات قال لمصطفى مرعى:يشيع الشيخ البنا أن هدف هذه الإجتماعات أن تكون الحكومة تفكر فى العدول عن قرار حل الجماعة.
وتتوقف الاتصالات بين المرشد والوزير بعد آخر اجتماع بينهما فى 4 من فبراير ولكن المرشد العام يحاول استئناف مساعيه للإفراج عن المعتقلين .
كتب إلى إبراهيم عبد الهادي يقول:
- " تفضلتم دولتكم فسمحتم لمصطفى مرعى أن يتقبل اتصالى بمعاليه ولازلت أرجو أن تتفضلوا دولتكم بإقناع معالى مصطفى مرعى بمعادوة السير فى الطريق الموفق الذى بدأه حتى نصل بإذن الله إلى غايتنا"ولكن رئيس الوزراء لا يرد.
وفسر مرعي جهده فى الوساطة فقال:
- كنت السفير الداعى إلى الهوادة والرفق والمطالب بحرية الإخوان.
قال محمد الليثي:
- " كان كل يرجوه المرشد العام فى تلك الأيام الإفراج عن المعتقلين ومنع تعذيبهم. وكانت دموعه تنهمر وهو يتحدث عنهم. وكان يحس بغلظة المسئولين فى اسلوب تعاملهم معه وتهربهم من لقائه.
- زار المرشد العام مكرم عبيد باشا رئيس حزب الكتلة وجرى بين الاثنين حديث عن الانفجارات والعمليات التى قام بها بعض شباب الإخوان.
- أخرج الشيخ البنا مصحفا من جيبه وأقسم عليه أنه لا يعرف شيئا عن هذه الحوادث .. وأن من يرتكب حوادث إجرامية كتلك هو رجل لا دين له فإن الأديان جميعها تحرم القتل ووسفك الدماء.أجابه مكرم عبيد بأنه يثق فى ضمير المرشد العام وبراءة يده وإيمانه بالله ولكن مكرم عبيد كان خارج الوزارة وحزبه لا يشترك فيها!
- تضاعفت مؤامرات الأجهزة الحكومية ضد الشيخ.بعث اللواء أحمد طلعت 3 مذكرات إلى وزارة الداخلية يقول فيها يدبر البنا اجتماعا خطيرا ولابد من اتخاذ إجراءات.قطعت المفاوضات بين الحكومة والمرشد العام الذى يستعد للسفر خارج القاهرة.
جرت مكالمة تليفونية بين الشيخ البنا وأحد الأشخاص تدل على أن فى نية البنا اغتيال ثلاثة من كبار رجال الحكومة .ولم يفطن الحكمدار إلى أن تليفون منزل البنا قطعت عنه الحرارة ... ومن غير المعقول ان تكون الرقابة قد وضعت على كل تليفونات جمعية الشبان المسلمين التى يتكلم منها البنا.. بفرض أن تقرير الحكمدار صادق عن مضمون المكالمة!
ويلتقى الملك خطابات تهديد بالقتل من الإخوان المسلمين .. وقد يكون أعضاء الجماعة هم الذين بعثوا بهذه الخطابات أو تكون أجهزة الأمن لحكومية فعلت ذلك لزيادة الضغط على صاحب الجلالة!
رأى الشيخ البنا أن يوسط وزيرا آخر يعرفه هو محمد زكى على باشا وزير الدولة الذى يمثل الحزب الوطني فى الوزارة فاجتمع به فى منزله وفى جمعية الشبان المسلمين.
قال زكى على باشا:
- الحكومة معذورة فيما تتخذ من إجراءات للمحافظة على أموال الناس وأرواحهم من بعض الشبان المنتمين للجماعة.
قال المرشد العام:
- هم طائفة من الشبان يعملون لحسابهم من غير أن أشير عليهم بشئ
وقال:
- إنى مراقب ولا أتمتع بحريتى وعلى إستعداد لمغادرة مصر إذا رغبت الحكومة
وأضاف الشيخ:
- أحب أن تكلم رئيس الوزراء فيما يتعلق بالإخوان حاول وزير الدولة أن يتخلص من مهمة الوساطة بعد فشل مصطفى مرعى ولمناخ العدواة السائد فى مجلس الوزراء ضد الجماعة ومرشدها العام.
- قال:لست مختصا.
قال الشيخ:
- أنا مضطهد وكل مكتب الإرشاد معتقل ولا يوجد ما يدعو لاعتقاله رأى زكى على باشا تحت إلحاح المرشد العام أن يتوسط.
اتصل بإبراهيم عبد الهادى قال له:
- إذا كان المرشد العام حسن النية يذكر لنا أسماء الأشخاص الذين يشك فى وجود أسلحة لديهم, ويرشد عن محطة الإذاعة السرية التى تذيع فى السابعة صباحا كل يوم.
- أبلغ الوزير الشيخ البنا بذلك فردد جوابه التقليدى. لا أعرف شيئاعن محطة الإذاعة. وللإخوان شعب كثيرة.وأريد الاتصال بالمعتقلين للتفاهم معهم ومعرفة أسرارهم.
- عاود زكى على الإتصال برئيس الوزراء الذى رفض الإفراج عن أعضاء مكتب الإرشاد.واتصل الوزير بعبد الرحمن عمار الذى طلب إقرار من الشيخ يدعو فيه أنصاره ومؤيديه إلى محاربة كل من يخرج عن القانون.
قال الشيخ:
- كتبت بيانا تحت عنوان " ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين" سلمته إلى محمد الناغى وهو عضو مؤسس لجمعية الشبان المسلمين وسكرتير مجلس إدارتها.
ويعود الوزير يعرض الأمر مرة أخرى على رئيس الوزراء الذى طلب أن يحدد الشيخ البنا هؤلاء المعتقلين , غير الخطرين , فقدم المرشد العام أربع قوائم... وطلب عدم نقل أصحابها من معتقل "هاكستيب" القريب من القاهرة إلى الطور كما قررت الحكومة.
راجعت وزارة الداخلية القوائم واستبقت الأسماء المندوبة فى قائمتين فقط ونقلت الباقين إلى الطور! ويلتقى زكى على باشا بالشيخ البنا فى صلاة الجمعة ويطلب منه العمل من جانبه على تهدئة الحالة والتخلص من العناصر الخطرة.
أجاب الشيخ: ينبغى تحسين حالة المعتقلين من الموظفين والعمال ماديا حتى لا يعتبر اعتقالهم إجراء انتقاميا.وعد الوزير بذلك بذلك وطلب من محمد الناغى أن يتحدث إلى رئيس الوزراء فى هذا الشأن.
ومحمد الناغى مولود بالزرقاء مركز فارسكور بلدة إبراهيم عبد الهادى ويميت إليه بصلة بقرابة ابن خالة رئيس لاوزراء وصلته بالشيخ البنا قديمة ترجع إلى عشرين عاما.
قال زكى باشا للناغى:
- الشيخ البنا على استعداد للإرشاد عن أماكن الأسلحة والمفرقعات ومحطة الإذاعة السرية إذا عاونته الحكومة فى الإفراج عن المعتقلين الذين لاغبار عليهم.
قال محمد الناغى: هل تأذن لى ابلاغ ذلك لرئيس الوزراء؟
لم يمانع زكى على فتوجه الناغى إلى بيت رئيس الوزراء فى التاسعة من صباح السبت 12 من فبراير .وابلغه بذلك فوافق الوزراء على أن يقابل الشيخ البنا أعضاء مجلس الإرشاد يوم الإثنين 14 من فبراير ... أى بعد 48 ساعة.
عاد الناغى إلى جمعية الشبان المسلمين فى الواحدة بعد الظهر ليقول لمحمد الليثي سكرتير قسم الشباب بالجمعية.أريد مقابلة الشيخ البنا
أجاب الليثى: ليس عنده تليفون.أرسل أحدا من السعاة لاستدعاائه. هذه مسألة هامة جدا.اذهب أنت غليه .اعتذر الناغى وأصر على أن يقوم الليثى بالمهمة.يمكننى الذهاب ولكنى أخشى القبض علىّ
- قل لرجال الشرطة إنك قادم من طرفى...يقصد بذلك أن الشرطة تعرف لإبراهيم عبد الهادى باشا.
أضاف الناغى:
- نريد إنهاء موضوع الشيخ حسن. والأمر فى يده الآن. وان أخلع ملابسى إلا بعد أن تخبرنى بالنتيجة.فوجئ الشيخ برؤية الليثى فى بيته. وكان يجلس إلى " طبلية" ليتناول الطعام الغداء.
قال المرشد العام فى دهشة:
- ما الخبر؟ يبدو أن هناك أخبارا سارة لدى الأستاذ المراغى ويريد حضورك ويريد حضورك لإبلاغك بها .
قال البنا: اية أخبار سارة تلقيت الآن أن الشيخ النبراوى الذى فكرت فى الإقامة عنده أعتقل أمس .. وقد اخترته لأنه فى الثمانين من عمره حتى لا يفكروا فى أنى أدبر أمرا معه.
رفض المرشد العام الحضور فقد وجد أمامه مؤامرة جديدة وأحس بأن الحكومة غير جادة فى الوصول إلى حل.
ألح الليثى : تعلق الشيخ بشعاع الأمل فيما يمكن من جهد فى سبيل المعتقلين قال خلاص ياسيدى . نروح.
وسرح قليلا ثم اضاف: لتكن آخر مرحلة.وبدا على الشيخ البنا اليأس وهو يعلن موافقته على أن يكون فى مقر الجمعية فى الموعد المحدد:الخامسة مساءا.
وأبلغ الليثى ... محمد الناغى بذلك.قال البنا لزملائه كما لو كان يتنبأ " إن عدم قيام الحكومة باعتقاله دليل رسمى على نية الحكومة قتله".
قال للشيخ الباقورى: إنى سأختفى !ّ
سأله: مذاتقصد فإنى لا افهم ؟
أجاب:قد أغيب غيبة طويلة. ومن يدرى فلعلنا لا نجتمع بعد ذلك
واستدرك الشيخ البنا قائلا:
- رأيت فى ليلة واحدة رؤيا تكررت مرتين قبل الفجر.وكنت فى كل مرة أقوم من النوم وأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.ولكنى رأيتها مرة ثالثة فى الليلة نفسها فلم اشك فى أنها رؤيا حق.
- رأيت أنى أمسك بزمام ناقة يركبها أبو بكر الصديق رضى الله عنه ثم إذا بيد تمتد إلى زمام الناقة فتأخذه من يدى فعلمت أن مهمتى قد انتهت . وأنى لابد أن أغيب.
وردد الشيخ البنا هذه الرؤيا لمحمد الليثي وقال له: رأيت أبو بكر الصديق يقول لى إنك ستقتل اليوم.
جاءت الساعة!
طب الشيخ البنا من صهره . عبد الكريم منصور المحامى أن يصحبه إلى جمعية الشبان المسلمين. عارض عبد الكريم لمرضه.وأخذ أولاد الشيخ يبكون ويطلبون إليه عدم الذهاب وكأنهم يتوقعون شرا وقال والده 65 سنة المأذون الشرعى لقسم الدرب الأحمر: لا تخرج فليس معك سلاح.
رد قائلا: الأعمار بيد الله وأصر على الخروج قائلا:هذه رسالة أؤديها.ومرة أخرى نصحه عبد الكريم منصور بعدم الذهاب فأصر الشيخ قائلا ساخرج وحدى.
تحامل عبد الكريم على نفسه. وخرجا معا ليلاحظ المحامى أن شخصا يقف بدراجة أمام البيت ثم ينطلق بها عندما لمحهما. لفت نظر الشيخ الذى طلب عدم الإهتمام بهذا الأمر.مشيا معا حتى ميدان الحلمية الجديدة فوجدا سيارة تاكسى بها مخبر فرفض عبد الكريم ركوبها.
انطلقت بهما سيارة تاكسى أخرى فلاحظ المحامى أن سيارة تتبعهما حتى باب جمعية الشبان المسلمين... وبها بعض المخبرين . أبدى شكه ولكن البنا أخذ يطمئنه قائلا: لابد أنها إحدى سيارات الشرطة التى تراقبنا! ظهر الضيق على وجه الناغى عندما تأخر المرشد العام دقائق عن موعده .
فلما جاء جلسا معا فى مكتب الناغى الذى يقع فى الدور الأول من مبنى الجمعية ويمكن للمارة فى الطريق أو أى مراقب أن يشاهد كل ما يجرى داخل المكتب وتحركات الجالسين فيه... ويراهما وهما ينصرفان.
عرض الناغى على المرشد العام ما قاله رئيس الوزراء فكان تعليق الشيخ البنا:
- أنت رجل طيب تسمع وتصدق. من أين آتى لهم بالأشياء المطلوبة وأنا مكتوف الأيدى وجميع إخوانى وأنصارى معتقلون ولا أستطيع الإرشاد عن محطة الإذاعة السرية , ولا أجمع السلاح ولا أعرف مكانه . وكنت أريد أن أعرف ذلك من رجال الجمعية المعتقلين. وما داموا معتقلين فكيف أرشد عن هذه الأشياء؟
قال الناغى: فهمت أمس الجمعة من زكى على باشا أنك على استعداد لتسليم ذلك بدون شروط. وكيف أجدها إلا بعد الإفراج عنهم.
رغب الناغى فى الاتصال بزكى على باشا لمعرفة ما تم فى أمر القوائم التى طلب الشيخ البنا الإفراج عنها ولإبلاغه الموقف خاصة أن المرشد العام يضع الإفراج شرطا لتقديم المعلومات أو وسيلة لجمع المعلومات.
لم يجد الوزير فى منزله فبقى الناغى والمرشد العام فى الإنتظار.وأديا صلاتى المغرب والعشاء معا ثم جلسا فى مكتب الناغى يتحدثان فى شئون الإخوان.
كان الحديث بين الرجلين كما قال الشيخ لليثى بعد ذلك معادا لا جديد فيه ... فالحكومة تطلب أسماء حائزى السلاح ومكان الإذاعة السرية بينما يصر الشيخ على أنه لا يعرف شيئا ولابد من الإفراج أولا عن بعض المعتقلين للصحول على المعلومات المطلوبة.عاود الناغى الاتصال بزكى على باشا فلم يجده.
قال الشيخ :أنت تعلم أنى فى الستين وصحتى لا تحتمل السهر. ولن يعود الباشا إلى بيته قبل التاسعة والنصف.
فأرجوا أن تأذن لى بالإنصراف, على أن نلتقى صباح غد:وكان غريبا أن يصر الناغى على الإنصراف حوالى الثامنة مساء ولا ينتظر تسعين دقيقة أخرى لحل مشكلة ضخمة تتعلق بتسليم السلاح ومحطة الإذاعة السرية.والإفراج عن بعض معتقلى الإخوان وهى أمور تحدث فيها إلى رئيس الوزراء!
غادر الناغى الجمعية عائدا إلى بيته واستعد الشيخ البنا للانصراف فلم تكن هناك أخبار سارة لدى الناغى ولم يكن هناك ما يدعو للإلحاح على الشيخ بالحضور إلا أن يكون رئيس الوزراء أو أحد آخر قد أصر على استدعاء المرشد العام إلى دار الجمعية!
ولم يشك الشيخ البنا, أو صهره عبد الكريم منصور فى الناغى وظل عبد الكريم منصور مؤمنا بأن الناغى لا يدبر جريمة وأنه رجل برئ وربما يكون قد كتم عن المرشد العام بعض أقوال رئيس الوزراء...وكان كل ما حمله الليثى والناغى إلى المرشد العام فى ذلك المساء... دعوة للموت!
أصر عبد ارمانيوس على ان يحتسى المخبر أحمد حسين الخمر بعد ظهر السبت 12 من فبراير 1949.ولم يسبق لعبده امانيوس أن وجه مثل هذه الدعوة إلى المخبر... ولكن التفسير الوحيد رغبة الضابط فى تشجيع المخبر ليقوم بمهمة خاصة, أو أن يفقد الوعى السليم فيقوم بالمهمة الخاصة!
فى الثامنة إلا ربعا من مساء السبت 12 من فبراير طلب العقيد محمود عبد المجيد من سائق سيارته محمد محفوظ (38 سنة) أن يتجه إلى شارع عبد الخالق ثروت فى الثامنة مساء وأن ينتظر بالسيارة عند نادى نقابة الصحفيين قرب جمعية الشبان المسلمين ويجعل مقدمتها متجه غلى شارع عبد الخالق ثروت.
قال له:إذا جاء اثنان يرتديان الملابس البلدية وركبا السيارة فأحضرهما إلى فى فندق إيدن.
وقد اضطر محمود عبد المجيد إلى إستعمال سيارته وكان مقررا أن يتولى المقدم محمد وصفى قائد حرس الوزارات قيادة سيارته الحكومية الخاصة للفرار بالمجرمين ولكن تعطلت سيارة وصفى فى اللحظة الأخيرة. وهكذا تدخل القدر مرة أخرى للاستدلال عن المجرمين.
شاءت المصادفات أن يمر الصول محمد زكى من إدارة المباحث الجنائية أمام مبنى جمعية الشبان المسلمين يوم 11 من فبراير فشاهد الأومباشى أحمد حسين جاد يقف أمام مبنى الجمعية!
ولم يكن محمد زكى يعرف أن أحمد حسين جاد يعاين جغرافية المكان!طلب عبد الكريم منصور من صالح عوض ساعى جمعية الشبان المسلمين إحضار سيارة أجرة " تاكسى" فخرج إلى الشارع. مرت سيارة تاكسى نادى عليها فلم يسمع السائق.
نادى على سيارة أخرى فوقفت. سأله السائق: من سيستقل السيارة؟أجاب : فضيلة المرشد.ولم يبلغ الساعى صالح عوض المرشد العام أو صهره بهذا السؤال , غير العادى لسائق التاكس . واكتفى الساعى بإبلاغ عبد الكريم منصور بوصول السيارة فنزل مع المرشد, وودعهما محمد الليثي حتى الباب.
لاحظ عبد الكريم منصور أن الحركة فى شارع الملكة نازلى هادئة على غير العادة والأنوار ضئيلة رغم أنه طريق لا تهدأ فيه حركة المرور.
التفت إلى الشيخ يسأله: فى أى وقت نحن الآن؟الثامنة مساء. مستحيل ... نحن فى آخر الليل!كيف؟ ألا ترى ضجة الطريق قد همدت؟ إنك تعلق على كل شئ يا أستاذ عبد الكريم.
دق جرس التليفون فى مبنى الجمعية فى تلك اللحظة بالذات طلب المتحدث محمد الليثي.أسرع خفير الجمعية يناديه فدخل المبنى وبقى المرشد العام وصهره عبد الكريم دون أن يكون فى وداعهما أحد.
وجد عبد الكريم منصور ثلاثة رجال يقفون على ناصية الشارع بينهم " الشرطى الذى فتشهم بعناية واستفزاز فى مجلس الدولة عندما حاول دخول المجلس يوم نظر قضية حل الإخوان.أصر الشيخ البنا على أن يبدأ عبد الكريم بدخول السيارة ثم تبعه.
ومن جديد لاحظ عبد الكريم أن التاكسى لم يتحرك فور ركوبهما. ولكنه لم يتكلم هذه المرة فقد وجد أن شكوكه كثيرة كما أن الوقت لم يتسع ليقول شيئا.أدار سائق التاكسى على محمود نفادى مفتاح البنزين.
وقبل أن يحدد الشيخ البنا وجهته تقدم رجل يرتدى الملابس البلدية ويضع شالا حول عنقه ويبدو ملثما لإخفاء شخصيته.فتح الرجل باب السيارة من الجهة التى يجلس فيها المرشد العام وأخذ يطلق عليه النار. نام المرشد فى أرض السيارة مخفيا رأسه بيديه لتفادى الطلقات المتتالية . ففتح الرجل الباب وأخذ يطلق الرصاص مرة أخرى على الشيخ البنا.
وجاء رجل آخر يلبس جلابية بيضاء وبالطو " وتلفيعة" فوق رأسه من ناحية عبد الكريم منصور الذى حاول فتح الباب فقاومه الرجل ليمنعه من الخروج . هشم المعتدى زجاج السيارة وطالت المقاومة بينه من الخارج . وعبد لكريم منصور من الداخل ثم بدأ الرجل يطلق الرصاص على السيارة وعلى عبد الكريم. سمع السائق طلقات الأعيرة النارية ورأى الرجل الملثم يضرب زجاج السيارة فيتحطم.
أوقف محمود نفادى السيارة واستقر من خوفه فى " الدواسة" وأصابته حالة إعياء شديدة.ولم يدر بما يجرى حوله ظن أنه مصاب ... وصوت يقول:لا إله إلا الله. سمع الطلقات أصحاب المحال التجارية فى الشرع فأغلقوا محالهم واحتمى المارة بالمقهى المجاور. أسرع الليثى على صوت الطلقات إلى الشارع دون أن يجيب التليفون وأخذ يصرخ:امسك ... امسك.
أطلق عليه أحد الرجلين عيارات ناريا ثم تبعه بآخر فأسرع الليثى يدخل مبنى الجمعية مرة آخر بينم ارتفع صوت رجل يقول:حوش .... حلق.رأى الليثى شخصا آخر يلاحق الجانى فظن أنه يطارده.
وكان محمد محفوظ سائق العقيد محمد عبد المجيد يقف بسيارته السوداء فى المكان القريب المحدد فجاء أحمد حسين جاد وشخص آخر يدعى مصطفى فاستقلا السيارة ورآها محمد الليثي تسرع بهما بعيدا عن المنطقة كلها.
بعد صدمة الطلقات الأولى تجمع الناس فوقف الضابطان حسين كامل وعبده أرمانيوس يصرخان:قنابل... قنابل.
تفرق المحتشدون.وفى الوقت نفسه جلس على مقهى بلدى أمام جمعية الشبان المسلمين الجاويش محمد سعيد إسماعيل والمباشى حسين محمدين رضوان بملابسهما الرسمية ليتسلما القاتلين بوصفهما من رجال الشرطة إذا قبض على الجمهور عليهما ويطلقا سراحهما بعد ذلك. أسرع الليثى إلى التليفون ليجد السماعة مرفوعة رد على المتحدث فغذا به المقدم محمد الجزار.
قال الليثى بتاثير المفاجأة: الشيخ حسن اصيب بالرصاص.لم تهز المفاجأة ضابط القسم السياسى ولم يسأل من هو الشيخ حسن ولم يبد دهشته بل جاء سؤاله صدمة الليثى. نطق الجزار بكلمة واحدة: مات؟امتعض الليثى . قال:لا أعرف.
وألقى بسماعة التليفون.... رغم الرقابة البوليسية الكثيفة التى تحيط بالشيخ البنا فإن صوت الأعيرة المتلاحقة لم يحرك نظر أحد من رجال الشرطة الذين يراقبون المرشد العام مراقبة دقيقة. ولم يظهر أحد من رجال الشرطة المعنيين عند الجمعية الشبان المسلممين أو مصلحة المجارى القريبة. ولم يقبل شرطى واحد مستفسرا أو تلبية للإستغاثة.
ولاحظ زكى عبد التواب عضو جمعية الشبان المسلمين وقوف ثلاثة جنود لا يتحركون عن مصلحة المجارى القريبة فقال لهم:يبقى فيه ضرب رصاص وماتتحركوش.قال أحدهم: هو فين الجانى واحنا نجرى وراه. وأضاف : ياشيخ روح على بيتكم!
لم يكد صوت الرصاص يتوقف حتى اندفع الشيخ البنا خارج السيارة وكأنه فى كامل صحته وعافيته يتعقب الجناة ولكنهم فروا هاربين فعاد إلى مبنى الجمعية وهو يصيح:قتلت .. قتلت... هاتوا الإسعاف.
وحاول الوصول إلى التليفون ولكن قواه خانته. فعاد إلى السيارة بعد أن تركت دماؤه آثارها على مكان الخطوات التى قطعها فى الطريق وداخل الجمعية.جلس الشيخ فى السيارة بجوار صهره الذى لم يستطع الحركة بسبب إصابته.
صرخ عبد الكريم . أين السائق؟ قيل له:اصيب!
طلب شخصا آخر يقود السيارة ولكن السائق لم يكن قد اصيب بل راح فى غيبوبة مؤقتة فلما أفاق قاد السيارة إلى جمعية الإسعاف القريبة
قال الشيخ البنا عقب وصوله للإسعاف:الحقنى يادكتور.
وأضاف:مفيش فايدة أنا حا أموت.
ورغم ذلك ظل البنا متماسكا لقواه يساعد الطبيب فى رفع ثيابه الخارجية للكشف عن موضع الجراح. وجده طبيب الإسعاف الدكتور محمد طلعت طه فى حالة سيئة والدماء تنزف منه بغزارة. فضمد جراحه لوقف النزيف بينما نطق الشيخ بالشهادتين قائلا: إن الله حق !
استقل الليثى سيارة الإسعاف إلى القصر العينى مع المرشد العام وصهره ومتطوع من الإسعاف اسمه مصطفى محمد مصطفى.أثناء الطريق إلى المستشفى كان المرشد العام يواسى صهره الذى يصرخ ألما قائلا:لا تخف إصابتى بسيطة.
أراد عبد القوى محمد عمارة كاتب الإستقبال فى القصر العينى قيد أسماء المصابين فلما عرفه عبد الكريم شخصية المرشد العام للإخوان سمح لهما بالدخول فورا إلى حجرة العمليات.
بحثوا عن الطبيب المنوب فى قسم الجراحة وهو الدكتور على السباعى حسنين فى داره ولكن تبين أنه يوجد فى مقهى بمصر الجديدة ارسلت إدارة المستشفى فى طلبه فلما جاء أخذ فى علاج المرشد العام بمساعدة ممرضة عثروا عليها أخيرا إسمها منى جمعة.
طلب المرشد العام البدء بصهره الذى نقل إلى غرفة أخرى . وكان الشيخ البنا فى حالة معنوية قوية. لم يبد عليه وهن أو ضعف مما يشير إلى أن حالته ليست خطيرة وعلاجه ممكن وميسور.
تبين أن المرشد العام اصيب بسبع عيارات نارية بينما أصيب عبد الكريم برصاصتين ولكن حالته خطيرة فلما سألأه الطبيب عن عنوانه لم يستطع الإجابة استدعى طبيبان كبيران هم الدكتور عبد الله الكاتب والدكتور محمد حسنى الزينى للإشتراك فى علاج الشيخ وإجراء عملية جراحية له. ولكن عندما جاء رئيس النيابة لسؤاله رأه فى حالة صحية سيئة ولا يمكن استجوابه.
ابلغ رئيس الحركة لجمعية الإسعاف قسم الشرطة الأزبكية بالحادث فى التاسعة إلا ربعا قائلا: سائق لتاكسى يريد الهرب.طلب الرائد عمر هلال مأمور القسم الإمساك به ومنعه من الفرار.وتبين بعد ذلك أن السائق " بلديات " محمود عبد المجيد .. وقد باع السيارة بعد الجريمة مبررا ذلك بتشاؤمه منها!
وكان عمر هلال أول ما انتقل إلى مقر الجمعية من رجال الشرطة. عاين التاكسى فوجد أن عداده سجل 16 قرشا. ولا يزال العداد يعمل ! ووجد بأرض السيارة مسبحة الشيخ البنا من 99 حبة!وصل إلى مقر الجمعية رجل يرتدى الملابس المدنية يسأل فى لهفة:أين ذهب الشيخ البنا: قيل له: القصر العينى .انصرف الرجل فورا..
وشاهد الليثى خارج غرفة العمليات, ذلك الرجل وهو يقول للأطباء جئت من قبل الحمكدار للإستفسار عن حالة الشيخ البنا. وحاول دخول الحجرة فمنعه الأطباء مما اضطره للبقاء خارجها.
أبلغه الليثى برقم السيارة التى استخدمها الجناة فى الهرب. نظر إليه الرجل بسخرية وانصرف دون أن ينطق بحرف.وكان الليثى يظن أنه بإبلاغ أحد المسئولين بهذا الرقم سيساعد على كشف حقيقة ويعجل بالوصول إلى القتلة.
ولم يدرك حينئذ أنه يواجه أفراد عصابة التى دبرت قتل الشيخ البنا!لم يكن يعرف أنه يتحدث إلى المقدم محمد وصفى قائد حرس الوزارات وأنه, بذكر رقم السيارة أمامه, هز أركان المؤامرة وألقى الرعب فى قلوب المتآمرين.
وكان كل ما يسعى إليه الليثى أن يعرف المسئولون رقم السيارة ليعجلوا الوصول إلى القتلة.ولكن وصفى دخل حجرة التعليمات بدعوى معرفة حالة الشيخ البنا وأسرع يبلغ رقم السيارة لعبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية!
فى الثانية عشرة والربع بعد منتصف الليل , مساء 12 من فبراير 1949 مات المرشد العام رغم أنه كان فى حالة طيبة عند دخول المستشفى.قال الأطباء إنه توفى متأثرا بجراحه. وقال محمد الليثي إن الشيخ البنا قتل فى القصر العينى.وقال عبد الكريم منصور إن إدارة المستشفى أهملت فى اتخاذ ما يلزم لانقاذ الجريح.
وقال الإخوان إن الدكتور حجاب مدير مستشفى القصر العينى ساعد على ذلك فهو زوج شقيقة الدكتور يوسف رشاد.ولكن أحدا لم يسأل الدكتور حجاب , أو يحقق معه!
وقال محمد وصفى للماجور سانسوم ضابط أمن السفارة البريطانية:
- ساعة نقل الشيخ البنا إلى المستشفى لم تكن بها, فى النوباتجيات أية ممرضة وكان كل الممرضين من الرجال.
ويوجد دائما طبيب نوباتجى يمكن استدعاؤه لإسعاف الحالات العاجلة ولكنه لم يكن بالمستشفى فى تلك اللحظة.وعندما وصل الشيخ البنا إلى القصر العين كانت دماؤه قد نزفت حتى أوشك على الموت.
وقال محمد حسن الأمين الخاص للملك فاروق فى التحقيقات التى جرت بعد الثورة:
- سمعت محمد وصفى وهو يتحدث إلى أحمد كامل قائد شرطة القصر الملكى ويقول له بعد إصابة البنا رحت المستشفى لأخلص عليه إذا كان حيا:وقال الشيخ عمر التلمساني إن البنا قتل بالرصاص وبغير الرصاص وأن الملك أمر بأن يترك فى المستشفى بلا علاج, ليموت, وإن صاحب الجلالة ذهب إلى المستشفى ليراه قتيلا!نقل الجثمان إلى مشرحة زينهم حيث قام بتشريحه الأطباء الشرعيون الدكاترة محمد توفيق وأحمد شكيب وأحمد حسين سامى وكيل وزارة العدل المساعد للطيب الشرعى.
وجد الأطباء أن الجسد اخترقته 7 أعيرة نارية وأن الوفاة حدثت نتيجة النزيف من 4 أعيرة.وفى التحقيقات التى جرت بعد الثورة قال الدكتور يوسف رشاد الذى يعمل كبيرا لأطباء اليخوت الملكية منذ عام 1941.
سمعت من زميلى الدكتور أحمد شكيب الطبيب الشرعى الذى أجرى الصفة التشريحية للجثمان أن البنا ترك ليموت بالنزيف من شريان وكان يمكن إنقاذ حياة البنا بمبضع بسيط لو أنقذ, واسعف, فى حينه!
الزيف
أطل زكى عبد التواب الكاتب بإدارة المباحث الجنائية بوزارة الداخلية وعضو جمعية الشبان المسلمين من نافذة الجمعية بعد سماعه صوت الطلقات التى أطلقت على الشيخ البنا فرأى أحد المخبرين الثلاثة المنتدبين بالإدارة يقف بجوار سيارة تاكسى!وراى الليثى الجناة يهربون فى سيارة ليموزين سوداء كبيرة ولكنه لم يستطع التقاط رقمها.
وفى عيادة جمعية الإسعاف تقدم شباب أسمر يرتدى جلبابا وطربوشا إلى محمد الليثي وذكر له رقم السيارة وهو:"9979 ملاكى القاهرة.قال الليثى للولد الأسمر:تعالى اشهد معنا.
قال:ماليش دعوة.أنا بأقولك الرقم.عاوز تأخذه خده. مش عايز أنت حر.ويرى الليثى أن هذا أفضل عمل قام به الشاب وهو الاختفاء لأنه كان يمكن أن ينفى أمام لمحقق أنه رأى رقم السيارة أو يغير هذا الرقم.
كتب الليثى الرقم على علبة سجاير وجدها على الأرض.ورأى كل من زكى عبد التواب ومحمد عثمان ومحمود جبر من موظفى الشبان السمر يصيح برقم السيارة ولنهم امتنعوا عن ذكر هذه الحقيقة.
كما خاف زكى عبد التواب أن يذكر رؤيته للمخبر أمام التاكسى ساعة وقوع الجريمة... ولم يتكلم إلا بعد قيام ثورة يوليو وعندئذ تقدم الجميع للشهادة!
بعد وفاة المرشد العام عاد الليثى إلى مقر الجمعية الشبان المسلمين فى انتظار التحقيق فوجد الجمعية محاصرة بالشرطة.أخذ يروى التفصيلات.وردد رقم السيارة لكل من قابله من أعضاء الجمعية ورجال الشرطة والصحافة.
وجاءه الضابط مصطفى حلمى يستدعيه إلى التليفون فسمع الرائد محمد الجزار 36 سنة ضابط مباحث أمن الدولة الذى أخذ يسدى إليه النصح بألا يذكر رقم السيارة ولا يزج بنفسه فى الشهادة التى تؤدى به إلى متاعب كثيرة.وكان واضحا أن كل ما قاله الليثى عن رقم السيارة سواء لمحمد وصفى أو داخل مبنى الشبان المسلمين قد نقل إلى الجزار.
قال له: سأرسل عربة تعيدك إلى بيتك. ولكن الليثى رفض وأنهى الحديثوجاء ضابط يستدعى الليثى مرة أخرة لمقابلة شخص خارج الجمعية ولم يكن هذا الشخص سوى محمد الجزار نفسه أخذ يهنئه بالنجاة قائلا: كان يمكن أن تقتل أيضا أيضا.
وسأله: ماذا تنتظر ... انصرف سالما
قال الليثى: لقد أبلغت النيابة إنى أعرف رقم السيارة.
قال الجزار: لا نهتم بالإجراءات.انصرف ولن يستدعيك أحد. ولن يحقق معك أحد. وأضمن لك ذلك.لقد توفى الشيخ البنا. ولم يبق إلا شاهد واحد ... أنت !
وأخذ يردد بلهجة كلها تهديد:
- للشيخ أكثر من خصم, هم قادرون على الثأر ممن يعينون على ضبط الجناة فى الحادث وإنى مشفق عليك من الاعتقال لألك صلة بالنبال إنه رجل كان يهدد أمن الدولة والحكومة والملك والمواطنين. لقد انتهى أمر جماعة الإخوان المسلمين بقطع رأس الثعبان.أذكر رقما آخر للسيارة يختلف عن الرقم الحقيقى .وألح على الليثى فى ذلك
قال الليثى: ذكرت الرقم للصحفيين.أخذ الجزار يطمئنه قائلا:لا تهتم بذلك.قال الليثى:أشعر بمسئوليتى الأدبية فقد استدعيت الشيخ البنا إلى مقر الشبان لامسلمين وسألتهم بالإشتراك فى الجريمة.
ظل الجزار يضيق الخناق عليه وأخذ منه الورقة التى كتب فيها الرقم الصحيح وقال له:
- هات يدك واقرأ الفاتحة وسأفرج لك عمن طلبت الإفراج عنهم من الإخوان المعتقلين.وأراد الليثى التخلص من الضغط وضعفت أعصابه نتيجة احداث متتابعة طوال اليوم وبالذات خلال لساعات الأخيرة
فقال:
لا أستطيع التغيير الكلى ولكن يمكننى التشكيك فى صحة الرقم بأن أذكر رقما مقاربا.
وقال الليثى بعد ذلك معزيا نفسه:
- لو لم أقل ذلك لقتلت فى ذلك اليوم أرضا وتعذر القبض على القتلة فقد كنت الشاهد الوحيد!عاد الليثى إلى جمعية الشبان المسلمين مرة أخرى فوجد المحقق فى الغرفة التى كان يجلس فيها قبل ساعات الشيخ البنا والناغى يبحثان عن حل!!
أخذ المحقق يسأل الساعى والسكرتير الرياضى للجمعية , ولم يستدع المحقق الليثى لسماع أقواله إلا فى الثالثة والنصف صباحا.وجد الليثى فى غرفة التحقيق عددا كبيرا من ضباط الشرطة بينهم المقدم محمد وصفى المفتش بالقسم السياسى ورئيس حرس الوزارات الذى جاء ليكون رقيبا على الشاهد عند الإدلاء بمعلوماته.
أخذ الليثى يجيب عن الأسئلة ويذكر تفاصيل استدعائه للشيخ البنا وروايته عن الحادث حتى جاء رقم السيارة فقال:9979أو 9997 وذلك طبقا لاتفاقه مع الجزار.
اعترض محمد وصفى وتدخل فى الحديث أخبرنى الليثى فى المستشفى بأن الرقم هو (9997) ضاق الليثى بذلك وشعر بأنه تردده لا يغتفر!قرر أن يذكر الحقيقة كاملة وأكد الرقم الصحيح . قال إن الرقم كما قاله الشاب تستعين وسبعة وتسعة (9979)
وذكر الشاب الأرقام من الشمال إلى اليمين عندما سجلتها على علبة سجاير!اثبت عبد العزيز حلمى رئيس النيابة هذه الملحوظة. وكانت هذه أول مرة يحرر فيها رقم السيارة فى محضر النيابة.
وكان عبد العزيز حلمى شجاعا عندما فعل ذلك فى تلك الظروف.. وقد شاءت عناية الله ألا أن تفضح سر الجريمة... فرقم السيارة هو الخيط الأول للوصول إلى القتلة!وكانت جرأة بالغة من محمد الليثي أن يفعل ذلك ولكن اشتغال الليثى بالسياسة شجعه على اتخاذ هذه الخطوة.
كان الليثى يومئذ فى السابعة والعشرين من عمره بدأ نشاطه السياسى قبل عشر سنوات انضم إلى محمود النقراشى عندما انشق على الوفد عام 1937 وبعد أن أعلن أحمد ماهر والنقراشي أنهما يؤيدان دخول مصر الحرب مع الحلفاء انشق الليثى عليهما وانضم إلى علي ماهر الذى رغب فى تجنيب مصر ويلات الحروب.
ويوم اعتقل علي ماهر فى بيته القصر الأخضر عرف الليثى أن ضابطا شابا جمال عبد الناصر يريد تهريب علي ماهر من المعتقل! ولكن مدير الرقابة توفيق صليب يفزع من الرقم والصورة فيتصل بالرقيب العام عبد الرحمن عمار يسأله ثم يأمر بمصادرة " المصرى" فى نفس الليلة فيقتحم رجال الشرطة المطبعة يوقفونها ويصادرون الأعداد المطبوعة التى لم توزع بعد . ويصدر " المصرى " طبعة جديدة خلت من صورة البنا ومن رقم السيارة وهو الأهم!
وبرر مدير الرقابة أو الرقيب العام ذلك بأن النشر بهذه الطريقة يثير الشعور العام.وابلغ الرقباء فى كل دور الصحف بأن تنشر حادث القتل فحسب.وأحيل مرسي الشافعي ومحيي الدين فكري إلى نيابة الصحافة للتحقيق معهما ولكن خمسة آلاف نسخة تقريبا من العدد الصادر من " المصرى" تسربت إلى السوق وبيعت وسط لهفة القراء على متابعة الحادث.ويصبح هذا العدد الصادر وفيه رقم السيارة.دليل إدانة ثابتا قبل المتهمين ولا يستطيع الشهود العدول عنه!
عرف اللواء طلعت وكيل حكمدار شرطة القاهرة والمشرف على القسم السياسى رقم السيارة بعد ساعة من ارتكاب الحادث وأنها ماركة فورد ليموزين مملوكة لفهيم بولس المحامى ومؤجرة لوزارة الداخلية بمبلغ تسعة وأربعين جنيها وستمائة وخمسة وستين مليما كل شهر ليستقلها العقيد محمود عبد المجيد مدير إدارة المباحث الجنائية بالوزارة.
وعرف أن هناك محاولات لإخفاء هذا الدليل فلم يحاول الإبلاغ عنه, أو يحرر محضرا به وامتنع عن الانتقال إلى محل الحادث!عرف الجزار ما يجرى فى التحقيق فأعاد الاتصال بالليثى للحصول على شهادة نهائية منه بالرقم لامزيف.
دعاه لمقابلته فى محل " نيوباز" بشارع سليمان باشا.وطلب منه أن يسجل الرقم الكاذب فى ورقة ويتوجه بها إلى قسم عابديبن ليحرر محضرا بذلك.أخذ الجزار يغرى الليثى بالخمر تارة وبالمال تارة أخرى والنساء مرة ثالثة فإن سيدة كانت تجلس فى المحل وتبتسم لهما.ولا يعرف هل كانت هناك مصادفة أم بتدبير من الجزار الذى قال:معى 500 جنيه خذها.وستحصل على مثلها بعد أن تدلى بأقولك الجديدة فى تحقيقات النيابة.
رأى الجزار أن الإستعانة بالوعد لا تنفع مع الليثى فاستعان عليه بالتهديداتا بالوعيد.
رد الليثى: مركزى دقيق. ولا أريد أن يقال إنى استدرجت الشيخ حسن لجمعية الشبان لمسلمين.أو أن أريد يدا فى الحادث أو أن جمعية الشبان المسلمين هى التى دبرته.
قال الجزار:إن الذين قتلوا لن يتركونا تضرهم وترشدعنهم. وصحيفة " المصرى " التى نشرت رقم السيارة صودرت... إشارة إلى أن الدولة تحمى مرتكبى الجريمة وإلا فما سبب المصادرة!
طلب الليثى مهلة للتفكير واتفقا على اللقاء فى محل " جروبى" فى اليوم التالى.فزع السائق محمد محفوظ فى اليوم التالى عندما قرأ رقم سيارته فى جريدة " الجريدة"
وذهب إلى محمود عبد المجيد وقال له يا بيه الشيخ البنا اغتيل ... وعندى 8 أطفال.رد محمود عبد المجيد: بس.. لما يبقوا يتيتموا يبقى يحلها ربنا. اخرس يا أهبل.أنت لك مكافأة وأنا حاأشيلها لك.
بكى محمد محفوظ وقال:أنتم اللى عملتم الحادث وأنا لا كان لى فى الطور ولا فى الطحين. صرخ فيه محمود عبد المجيد قائلا:اقفل بق. ولا تذكر أن أحدا ركب معك . ولا تذكر أننا مررنا على بيت عبد الرحمن عمار. استدعيت النيابة السائق لسؤاله ففزع إلى محمود عبد المجيد يقول : ما دام طلبونى للنيابة يبقى أتنم اللى عملتم الحادث وتحدفونى فيه. حرام عليكم تعملوها وتأخذونى لارجلين.
الكلام ده ما أحبش أسمعه منك أمام أى مخلوق وأنت طالبينك كشاهد قال السائق: بس حرام عليك.وعندما توجه محمد محفوظ للنيابة جلس معه صلاح مرتجى وكيل الأمن العام أثناء التحقيق والذى تدخل فى الإستجواب بالرد على اسئلة المحقق عندما كان السائق يعجز عن الجواب أو يتعثر فيه.. وإن كانت السئلة سريعة قصيرة وكأنها مجرد أداء واجب شكلى!
قال محمد محفوظ مدافعا عن نفسه ومبررا ذكر رقم سيارته.قال: كنتن داخل السيارة أمام فندق "ايدن"وقال إن العقيد كان بالفندق ومعه عدد من أعيان محافظة جرجا وبعض ضباط شرطة جرجا سوهاج الآن.
وقال: من السهل على قائد سيارة القتلة وضع أرقام مزيفة وطمس بعض الأرقام ومن غير المعقول أن يبقى الأرقام الصحيحة للسيارة التى فروا بها وألقى محفوظ بدفاعه الأخير .
قال: لقد ارتدى قاتل النقراشي بدلة الضابط داخل وزارة الداخلية ومر بين الحراس .ووجه السائق بمحمد الليثي فنفى كل منهما أنه يعرف الآخر.
أراد الضابطان حسين كامل وعبده أرمانيوس أن يسريا عن السائق محمد محفوظ بعد تحقيق النيابة معه فاصطحباه إلى مقهى الفيشاوى وأحضرا له طعام الغداء..جلس السائق راغبا عن تناول الطعام فنصحه الضابطان أن يتناسى ما وقع وأن يطمئن إلى أنه لن يناله سوء .
ورغبة فى تهدئة وإدخال الطمأنينة على قلبه انطلقا يتحدثان عن تفصيلات الجريمة ودور كل مشترك فيها.توجه العقيد محمود عبد المجيد إلى فندق باريس بشارع عدلى الذى ينزل فيه عبد الله خليل فواز سكرتير الغرفة التجارية بسوهاج فى السادسة من صباح اليوم التالى للجريمة وابلغه بوقوعها قائلا.
بعض أنصار الشيخ يلقون بالإتهام علىّ ويزعمون أن القتلة فروا بسيارتى فأرجوا أن شتهد بأنى وسيارتى كنا بعيدين عن مكان الجريمة وقت ارتكابها قال فواز:أستطيع أن أشهد بوجودى معك إلى ما بعد التاسعة مساء ولكنى لا أستطيع أن أؤدى مثل هذه الشهادة فيما يتصل بالسيارة.
سأل المحقق محمود عبد المجيد فنفى علاقته بالجريمة قال إنه سمع بها فى اليوم التالى.وأكد أن سيارته كانت أمام فندق ايدن من بعد الغروب حتى التاسعة والنصف مساء ..ز أى إلى ما بعد وقوع الجريمة بأكثر من ساعة.
وشهد ثلاثة من ضباط الشرطة ونائب عمدة أنهم كانوا مع محمود عبد المجيد وأن السيارة كانت تقف تحت انظارهم بعيدة عن مكان الجريمة.
وكان شهود الزور الثلاثة:مفتش الداخلية إسماعيل فهمى.والرائد محمود فهمى على رئيس مباحث جرجا.والمقدم محمد إسماعيل أبو السعود رئيس مباحث منطقة طهطا.
وقال العقيد محمود عبد المجيد, ولم تكتب أنه سئل فى لاتحقيق ... وبسبب الربقابة لم يجرؤ صحفى واحد فى مصر على كتابة النبا وتقديمه لرقابة .. لحذفه ومنع نشره!لم يتم الليثى فى بيته.ولم يذهب إلى لجزار فى محل " جروبى" فقد أصيب بالرعب.قال محمد يوسف محمد المحامى وعضو جمعية الشبان المسلمين إن البوليس بما له من سلطة استطاع إرهاب الليثى.
استقل الليثى فى اليوم التالى عربة الترام إلى منزل صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين . وكان فى اسوان فاتصلت قرينته السيدة منيرة عامر بالأستاذ مصطفى الشوربجى المحامى ودعته لبيتها ليستمع لليثى.
قال الشوربجى لليثى: أذكر الحقيقة للنيابة واطلب حمايتك.وطلبت السيدة منيرة عامر من الليثى أن يقابل فتحي رضوان الذى وجه إليه النصيحة ذاتها واعتذر عن الذهاب معه إلى النيابة لأن القانون يمنع الشاهد من اصطحاب محام.
وتوجه الليثى إلى زكى على باشا فى مكتبه بالوزارة وأبو الخير نجيب صاحب جريدة "الجمهور المصرى" وكان أيامها محررا بصحيفة الأهرام فنصحاه بالإدلاء بالحقيقة كاملة.وقابل فؤاد سراج الدين باشا سكرتير عام حزب الوفد فى النادى السعدى وشرح له الأمر فقال فؤاد باشا:موقفك مشرف ولابد أن تستمر.
قال الليثى:أيمكن ان يثير الوفد الموضوع لأنى أقاوم وحدى وعده الباشا خيرا!وقال الليثى عمر عمر نقيب المحامين الوفدى فوعده خيرا أيضا.
ولكن النقابة المحامين لم تتحرك لمساندة الليثى الذى أبرق إلى النيابة يحمل الشرطة مسئولية أى اعتداء أو ضرر يلحق به من الجزار.وعندما سئلت أمام محكمة الجنايات بعد 4 سنوات من الجريمة قالت السيدة منيرة عامر مطلقة صالح حرب:الولد مسكين وكان خايف... العهد كان عهد ارهاب والكل خائف!
رأى محمد الجزار وكبار الشرطة إحاطة الليثى بالشبهات فقالوا فى تحقيقات النيابة وأمام القضاء أنه كان يعمل مرشدا عند الجزار ويتقاضى عشر جنيهات شهريا قبل الجريمة بعام.ودافع صالح حرب عن الليثى أمام المحكمة ... قال:أدى الليثى واجبه فوق ما يطيق. ونفى عنه الإتهام بأنه كان مرشدا للشرطة
قال: لو كان يتطلع إلى المال لارتمى فى أحضان الأحزاب التى تسرف فى إنفاق المال. ولا يبقى فى جمعية الشبان المسلمين الفقيرة.
وقال كان الليثى مهددا فكل مصرى يمسى ولا يصدق أنه سيصبح , ويصبح ولا يصدق أنه سيمسى.وموقف الليثى أدق ما يكون وأكثر من غيره عرضة للخطر.
من البداية اتهم عبد الكريم منصور كلا من محمد كامل الدماطى مدير مكتب إبراهيم عبد الهادي ووكيل وزارة الداخلية عبد الرحمن عمار بارتكاب الجريمة.. فإن عبد الكريم أدخل حجرة منفردة فى مستشفى القصر العينى ولم يعرف بوفاة البنا إلا بعد أن تلقى برقية تعزية من السودان.
وقد تأخر سؤاله لأن حالته لم تسمح بذلك. وعندما سأله المحقق بعد خمسة أيام من وقوع الجريمة أحسن, كما قال , بأن " المسائل مطبوخة"وجد النيابة غير جادة.رأى أن يتهرب منها فقال للمحقق.اكتب على كيفك!
وعندما طلب مغادرة المستشفى عومل معاملة شاذة فقد أخذ إلى قسم شرطة عابدين ومكث به مدة طويلة حتى سمح له بالعودة إلى بيته.حرصت الصحف المصرية جميعا وكانت تحت الرقابة على أن تردد بيانات الحكومة وتتهم الإخوان بأنهم الذين قتلوا المرشد العام ولم تذكر كلمة واحدة عن المتهمين الحقيقيين.
ودافع عبد الرحمن عمار عن محمود عبد المجيد دون ذكر أسمه فقال فى حديث لصحيفة " الأساس" جريدة الحزب السعدى وأكد ذلك فى شهادته أمام النيابة. قال:" النأر بدأت تأكل بعضها"...
يعنى أنه جرى انقلاب بين الإرهابيين على شيخهم السابق وبعد أن ظنوا أنه لم يعد يشايع حركاتهم الإرهابية, وأنه أخذ يفكر فى تسليم أسلحتهم ومحطتهم السرية إلى السلطات المسئولة.
وقال عمار:
- ذكر الشيخ البنا أن أمضيه خطوة واحدة فى سبيل تسليم الأسلحة والذخائر سيؤدى إلى قتلة وكان هذا الحديث للقتيل قبلمصرعه بوقت قليل .
وأضاف :
- هنالك اتجاه آخر لم يفت جهات التحقيق وهو البحث عن صلة بين حادث البنا والحوادث الدامية التى وقعت فى قطر عربى شقيق فى مثل هذا الشهر من العام الماضى.يقصد بذلك اليمن وأعلنت الحكومة المصرية صراحة أن الإخوان ساهموا فى اغتيال الإمام يحيى إمام اليمن لتأكيد أن قتلة الشيخ من اليمنيين.
وقالت الصحف إن الإتجاه الثالث يدور حول تهديدات بالقتل تبادلها فريقان من جماعة الإخوان بعضهم انفصل عنها من زمن وكل فريق كان يعمل على تهديد رئيس الفريق الآخر.وجدت فى مكان الحادث حافظة نقود باسم أحمد شعبان عبد الهادى وهو كهربائى ونشر ذلك فى الصحف.
قرأ شعبان ذلك فتقدم إلى الشرطة يقول إن حافظته وبها رخصته وقعت منه.وهو فى طريق عمله وكانت بداخل معطفه الذى وضعه على كتفه قال رجال الشرطة:إن الجو بارد والشيخ البنا كان قوى البنية ومع ذلك يرتدى معطفا وتحته جاكتة وبلوفر مما يدل على برودة الجو, فكيف لا يرتدى الكهربائى معطفه.
وأكد صاحب المقهى المجاور للجمعية أن الليلة كانت قارصة البرد ولذلك قرر إغلاق المقهى.وأراد رجال الشرطة القاء التهمة على الكهربائى لأنه ينتمى لجمعية الإخوان .... قالوا:من غير المعقول أن يمر أمام الجمعية ولا يسمع عن الحادث أو يهتم به ولكن رجال الشرطة اضطروا للإفراج عن الكهربائى إا لم يجدوا دليلا واحدا على صلته بالجريمة.
وتقدم إلى النيابة الدكتور محمد حسنى عباس مدرس القانون بكلية التجارة بجامعة فؤاد الأول "القاهرة" المولود بجرجا صديق الجزار منذ الصبا وزميله فى كلية التجارة قائلا:كان لدى موعد عند نقابة المحامين فذهبت متأخرا حوالى 8,15 مساء ورأيت سيارة فالتقطت رقمها وهو 9997.
يريد بذلك أن يؤكد الرقم المزيف الذى ذكره محمد وصفى ولاحظ المحقق أن الشهد الجديد جاء بصحبة الرائد توفيق السعيد ضابط المباحث العامة.واعتذر عن الإدلاء باسم صديقه الذى جاء من أجله إلى هذا المكان وفى هذا الموعد.
ولما سئل عن الأضواء فى الطريق وهل تسمح له بالتقاط رقم السيارة المسرعة أجاب بأن نظره سليم 6 على 6!وقبضت الشرطة على كواء فى شبين الكوم اسمه صلاح أحمد بركات اعترف بأنه القاتل فنقل إلى القاهرة وحققت معه النيابة فلما رأى خطورة الاتهام عدل عن أقواله وافرجت النيابة عنه.. بعد حين!
واعتقلت الشرطة 80 شخصا من الإخوان بحثا عن قتله البنا!
سئل الليثى:هل اعتاد البنا على الذهاب إلى الجمعية بانتظام؟
أجاب: قبل قتل النقراشي كان يلجأ إليها ساعات بالنهار وساعات بالليل أما بعد قتله فلم يذهب المرشد العام إلى الجمعية ليلا....
بعث جيفرسون باترسون القائم بأعمال السفارة الأمريكية إلى واشنطن بعد 48 ساعة من الأغتيال أول برقية عن القتلة.قال:
- " لم يتم حتى الآن تحديد شخصية القاتل.ولم يتم بالطبع القبض عليه. وتم الإفراج عن أحد المشتبه فيهم عثر على بطاقته الشخصية قريبا من مسرح الحادث واعترف بأنه عضو فى الإخوان المسلمين مما كان مثار خيبة امل البوليس .
- وطرحت عدة تصورات بالنسبة لطبيعة الاغتيال وبالطريقة السائدة بين الجماهير أن الجريمة ارتكبت على يد أحد عملاء الحكومة انتقاما لاغتيال النقراشي باشا.
- وهناك نظرية أخرى يحبذها تماما رجال الأمن تقول إن الإغتيال قام به أحد أعضاء الإخوان المسلمين إما لأن الشيخ البنا خذل الإخوان المسلمين المعتقلين. وإما لأنه كان على وشك أن يعطى السلطات معلومات متعلقة بإمدادات الإخوان من الأسلحة.
- والنظرية الثالثة التى تنتشر على حذر تقول إن القصر دبر الشيخ البنا خشية أن يكشف البنا عن طبيعة علاقاته بالقصر. وهناك نظرية أخرى قالها أحد كبار موظفى القصر تقول:إن الأغتيال تم على يد شخص يمنى يعمل لحساب الأسرة الماكلة اليمنية انتقاما لمقتل الإمام يحيى فى فبراير 1948 فى المخطط الذى قيل إن الإخوان المسلمين شاركوا فيه"
قال محمد وصفى للماجور سانسوم البريطانى: أعرف القاتل !
واضاف:
- ولكن لا يمكن تقديمه للمحاكمة الآن. لقد قتل فى اليوم الثانى للجريمة فى طريق السويس.أطلقت عليه رصاصة فى ظهره مثل الشيخ البنا وانفرجت شفتا وصفى عن ابتسامة باهتة.
وقال:
- من السهل أن تقتل أحد للمرءوسين خاصة إذا ادعيت أنك تسعى لتأمين سلامته الشخصية. وفى هذه الحالة تصحبه إلى نقطة نائبه وتطلق عليه رصاصة من الخلف.
قال السيد الشوربجى محامى الإخوان:مضى التحقيق الصورى المضحك المبكى فى آن واحد
وقال الإخوان: ماذ يكون الأمر حين تكون الحكومة هى التى دبرت الجريمة.وحين يكون رجال البوليس هم الذين نفذوها.من الذى يجمع الأدلة إذن ويقدمها للقضاء.
وماذا يكون الأمر حينما تعمل الحكومة على هدم الأدلة الموجودة بين يدى المدنيين من غير رجالها؟ ... وتستمر محاولات طمس الحقائق , وتزوير الأدلة فإنها كانت أيام الزيف!
الجنازة
اتصل الملك فاروق حوالى الساعة التاسعة مساء بالدكتور يوسف رشاد وقال له:
- حسن ضرب بالرصاص وحالته خطرة , ولكنه لم يمت بعد. وقال الدكتور يوسف رشاد إن لهجة الملك دلت على فرحته وارتياحه للحادث.
وقالت السيدة ناهد رشاد زوجة الدكتور يوسف رشاد إن فاروق كان سعيدا جدا يوم الجريمة.
وقال محمد حسن السليمانى الأمين الخاص للملك منذ عام 43 إن فاروق كان متأثرا جدا عندما قتل النقراشي. وعندما قتل البنا لم يظهر أى تأثير. واتصل الملك بحسن يوسف وكيل الديوان فى منزله ... وكان نائما . قال : هل سمعت بالحادث؟ رد حسن يوسف:أى حادث؟
قال فاروق: الشيخ البنا ضربوه بالرصاص. قال حسن يوسف: لا حول ولا قوة إلا بالله!
نشرت الصحف المصرية حادث اغتيال الشيخ البنا بالعناوين الكبيرة فى الصفحات الأولى. قالت صحيفتنا " الأهرام" المستقلةو" الساس" الناطقة باسم الحزب السعدى الحاكم إن الإخوان المسلمين هم الذين قتلوا البنا لأنه كان ينوى ابلاغ الحكومة عن مكان الأسلحة ومحطة الإذاعة السرية .
وكان الإخوان المفجوعوون فى قتل مرشدهم يقرأون هذا الكلام ويعجبون له مثل عجبهم للجريمة ذاتها.وصفت مجلة " الدعوة" بعد حين مشاعر الإخوان فقالت " لو كان فى القلوب يومئذ مكان للضحك, لضحك الناس على ذلك.ولكن كان بالقلوب ما يكفيها من أحزان"!
بدأت " الأساس" رواية قصة الاغتيال فقالت:
- " منذ أذاع الأستاذ البنا بيانه استنكر فيه أعمال الإجرام التى ارتكبها فريق من الذين انتموا إلى جماعته المنحلة.وهو يتلقى من بعض الأعضاء الذين كانوا معه استفسارات واستنكارات لموقفه.
- وأول أمس تلقى خطاب تهديد, من نوع الخطابات التى انتشرت فى اليام الأخيرة فى كل مكان.وعرف أن سبب هذا التهديد الأخير لالبنا أنه أرسل إلى الحكومة كتابين منذ ثلاثة أيام يقول فى الأول منهما إنه استنكر أشد الإستنكار الحادث الإجرامى الذى حاول فيه أحد اتباعهالسابقين نسف محكمة الاستنئاف ويصف هذا الشاب بأنه ليس أخا وليس مسلما.
- كما أعرب فى كتابه الثانى عن استعداده لتسليم محطة الإذاعة السرية التى تتحدث باسم الجماعة المنحلة واستعداده لتسليم الذخائر والأسلحة الباقية لدى بعض أعوانه ولم تقع فى يد البوليس حتى الآن.
وكانت " الأساس " تكذب فإن بيان " ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين " كتبه الشيخ البنا قبل شهر.أبرقت السفارة البريطانية إلى لندن فى الرابعة صباحا بوفاة البنا ... مما يدل على أن هذا النبأ يهم الإنجليز ولذلك أبلغوا بالجريمة بعد وقوعها وقبل الفجر.
ونشرت صحيفة " التايمس" فى لندن النبأ فى طبعتها الأخيرة كررت الصحيفة البريطانية مزاعم الحكومة المصرية فقالت:
- " ذكرت التقارير أن الشيخ تلقى أخيرا خطابات بالقتل إذا حاول إفشاء أسرار الجماعة المحظورة إلى السلطات خاصة ما يتعلق منها بمخازن أسلحتهم السرية"
وقال جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى:
- " لم تبد وزراة الخارجية المصرية تعاطفا مع القتيل وقال مسئول بالوزارة إن البنا أنشأ وحشا.ووضع رجال الشرطة على أهبة الإستعداد فى جميع أنحاء البلاد توقعا لانتقام الإخوان".
التزم أعضاء هيئة كبار العلماء الصمت بعد اغتيال البنا بينما أصدروا بيانا بعد مصرع النقراشي أدانوا فيه الاغتيال السياسى.وأبدت صحيفة " اللواء الجديد" صحيفة الحزب الوطني أسفها للحادث وقالت إن " الشيخ البنا كان يود اغتياله أن يعتكف استجماما من عناء ما كابده فى الأيام الأخيرة".
وقالت مجلة الحوادث الوفدية" من كل هذا يبرأ الوطن".
وقال الأمير المغربى عبد الكريم عندما سمع نبأ الجريمة: " ويح مصر وإخوتى أهل مصر. سفكوا دم ولى من أولياء الله".ولم تنشر كلمات الأمير بسبب الرقابة على الصحف إلا... بعد حين!
غادر اللواء أحمد عبد الهادى حكمدار شرطة القاهرة منزله عندما سمع بالجريمة إلى مقر جمعية الشبان المسلمين ثم توجه إلى مكتبه ليستمع إلى تقارير كثيرة من رجاله فى كل مكان.
قالت هذه التقارير على حد تعبير الحكمدار إن الجريمة افزعت كثيرا من الزعماء والأجانب وأنه خشى رد فعل الإخوان فينتهزون الفرصة لإحداث اضطرابات خطيرة او ثورة فيفلت الزمام.
ظل فى مكتبه حتى الفجر يوزع قوات الشرطة على أنحاء المدينة لتأمين حالة الأمن العام وعمل الإجراءات اللازمة فى مثل هذه الظروف.وربما كان فى استطاعة الإخوان إحداث اضطراب ولكن كان واضحا أن معظم أعضاء النظام الخاص قد اعتقلوا كما أن اغتيال المرشد العام جعل باقى الإخوان فى حالة يمكن أن يطلق عليها التعبير الحديث الشائع " انعدم الوزن"!
رأى عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية أن تشيع الجنازة مباشرة من مشرحة القصر العينى خشية أن ينتهز الإخوان المسلمون الفرصة وأعدادهم كثيرة وانتشارهم واسع بالقاهرة وضواحيها, لإحداث خلل بالأمن العام يؤدى إلى نتائج خطيرة.
ولكن والد الشيخ البنا توجه إلى مكتب اللواء أحمد طلعت وطالب بالحاح أن تشيع الجنازة من منزله.لم يوافق الحكمدار إلا بعد استئذان وكيل الداخلية والمسئولين فى الوزارة وكان الشرط الوحيد المعلن أن تشيع الجنازة فى هدوء... بلا مظاهرات أو هتفات
فى مذكراته قال الدكتور محمد حسين هيكل رئيس مجلس الشيوخ..
- نقلت جثة الشيخ حسن من مستشفى قصر العينى إلى منزل والده فى سر من الناس .. ثم أمرت بألا يشيعه إلى مقره الأخير إلا عدد محدود من أهله المقربين وألا يقام له مأتم يقصد المعزون.وكانت المحافظة على الأمن , سند الحكومة فى تصرفها".
وصفت صحيفة " الكتلة " الناطقة باسم حزب الكتلة الذى يرأسه مكرم عبيد باشا جنازة البنا فقالت:
- نقل جثمان البنا إلى بيته فى سيارة , تحرسها سيارة مملوءة بفريق من رجال البوليس المسلحين..
وفى أحد الشوارع الحلمية وقفت القافلة ونزل الجند فاحاطوا ببيت الفقيد ولم يتركوا ثقبا إليه الشك إلا وسدوه بجندى وسلاح!
- وقف والد الشيخ البنا , ذلك الرجل الهرم الذى جاوز التسعين عاما ولم تبد عليه عوامل السنين.عرف بخبر وفاة ولده من أحد الضباط فى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. وقيل له أنهم لن يسلموا إليه جثته إلا إذا وعدهم بأن يدفن فى الساعة التاسعة لا احتفال . وإلا فإنهم سيضطرون إلى حمل الجثة من مستشفى القصر العينى إلى القبر.
- واضطر إزاء هذه الأوامر إلى أن يعدهم بتنفيذ كل ما تطلبه الحكومة رغبة منه فى أن تصل جثة ولده إلى بيته ليلقى عليه نظرة أخيرة.ظل الرجل ساهرا تطحنه الأحزان وقبيل الفجر تتابعت على باب المسكن طرقات كان صداها يطحن قلب الشيخ.
- كان وحده الذى يعلم وينتظر فإن اشقاء الفقيد جميعا كانوا داخل المعتقلات. فتحوا الباب وأدخلوا لجثة متسليين فلم يشهدها أحد من الجيران . ولم يعلم بوصولها سواه.وظل حصار رجال البوليس مضروبا لاحول البيت وحده بل حول الجثمان نفسه, لا يسمحون لإنسان بالإقتراب منها مهما كانت صلته بالفقيد.
- وقام الأب نفسه بإعداد جثة زلده وتجهيزها للدفن. فإن أحد من الرجال المختصين بذلك لم يسمح له بالدخول..ثم نزلت لاجثة حيث وضعت فى النعش وبقيت مشكلة من يحملها إلى مقرها الأخير.
- طلب إلى رجال البوليس أن يحضروا يحملون النعش فرفضوا قال لهم:ليس فى البيت رجال :أجابوا
فلتحملها النساء!وخرج نعش الفقيد محمولا على أكتاف النساء وفى مقدمتهن فتاة قوية صبور تهتف بأبيها:قر عينا يا ابتاه. فلن نتخلف عن رسالتك . ولئن منعت الحكومة من يشيع جنازتك وأسفاه لنذالة الحكام فحسبنا عزاء وجزاء أن أرواح الشهداء تمشى معنا وتشيع عن أهل السماء , ما عجز عن تشييعه أهل الأرض.
- وسارت الجنازة الفريدة فى الطريق فإذا بالشارع كله قد رصف برجال البوليس.وإذا بعيون الناس من النوافذ والأبواب تصرخ ببريق الحزن والألم والسخط . على الظلم المسلح الذى احتل جانبى الطريق!
- وعندما وصل الموكب الحزين إلى جامع قيسون للصلاة على جثمان الفقيد كان المسجد خاليا من الناس حتى من الخدم.. فإن رجال البوليس قدموا إلى بيت الله. وأمروا من فيه بالإنصراف . كى لا تتم الصلاة على الجثمان.
ووقف الأب أمام النعش يصلى فانهمرت دموعه... فى ابتهالات إلى السماء .ومضى النعش إلى مدافن الإمام الشافعى فوورى البنا التراب وعادالجميع القليل إلى البيت الباكى الحزين...وعادت النساء الثلاث اللائى حملن النعش على أكتفهن وعاد الوالد الواله الحزين.
- وهكذا فى اثنتى عشرة ساعة قتل الشيخ البنا, وشرح, وغسل, ودفن وانطوت صفحة حياته!ومضى النهار وجاء الليل فحرم على أفراد الأسرة أقامة العزاء وتلاوة القرآن ولم يحضر أحد من المعزين لأن الجنود منعوا الناس من الدخول ... أما الذين استطاعوا الوصول للعزاء فلم يستطعيوا العودة إلي بيوتهم .
- فقد قبض عليهم وأودعوا المعتقلات. عدا مكرم عبيد باشا. الذى تعرض لعنت رجال البوليس حين أرادوا أن يمنعوه من واجب العزاء فلم يمكنهم. ودخل البيت وأزجى كلمات العزاء .قال الإخوان إن الحكومة خجلت من القبض على مكرم عبيد لأنه لايجوز أن يكون من الإخوان ولكن المقطوع به أنه ليس من المسلمين!
فى كتابه" معتقلات هاكستب" كتب المناضل العربى الذى اتخذ القاهرة دارا له بعد ضياع وطنه محمد على الطاهر:
- اقترحت على الحاضرين فى مكتبى أن نقوم جميعا ونذهب إلى سرادق التعزية المعتاد فى مثل هذه الظروف, فقالوا منعت الحكومة إقامة سرادق العزاء ولذلك جئنا لنتبادل العزاء عندك وقبيل منتصف الليل لم يبق عندى إلا الكاتب الأديب وكيل وزارة التعليم محمد سعيد العريان, وكان من زملاء الفقيد فى الدراسة فكان يبكى صديقه بكاء شديدا.
- قلت له:
- ما رأيك فى أن نذهب الآن إلى منزل الفقيد لتعزية والده وأهله قال : هيا بنا.ركبنا سيارة الأستاذ العريان فإذا بحى الحلمية الذى فيه دار المرحوم البنا مظلم الجنبات مطفأ الأضواء. وكانت الدكاكين كلها مغلقة.
- أطلقنا الأنوار فإذا بالجنود بألبستهم السوداء يلوحون فى ذلك الظلام كالأشباح وبأيديهم البنادق مشرعة, وإذا بهم يقفون لنا فى عرض الطريق سدا ويشيرون إلى السائق بالإتجاه إلى غير اتجاهنا.
- وتعجبنا من هذه الاحتياطات .وأوعزنا إلى السائق أن يدور ويدخل المنطقة من شارع آخر وليكن ما يكون.ولكن الشرطة لم تسمح بالحركة إل إذا عادت السيارة من حيث أتت وإلا!.... وإلا فإنهم يطلقون علينا النار . وعند ذلك رجعنا ونحن نحمد الله على أنهم اكتفوا منا بالرجوع"!
فى مذكراته قال الماجور سانسوم ضابط الأمن بالسفارة البريطانية
- " إن كل الإجراءات التى اتخذت لمنع المظاهرات بعد اغتيال البنا وفى الجنازة ثم تخطيطها قبل عدة أسابيع"!
بعث جيفرسون باترسون القائم بأعمال السفارة الأمريكية إلى واشنطن يقول:
- " تم فى هدوء دفن الشيخ البنا. وهذا الدفن السريع ليس له سوابق حتى فى مصر التى يقضى فيها القانون بدفن الجثة خلال أربع وعشرين ساعة من الوفاة. وقد تم تحت ضغط الحكومة التى خشيت أن تكون الجنازة العامة للرجل مناسبة لأتباعه والمتعاطفين معه للتجمع وتعكير الأمن.
- وأحاطت حراسة الشرطة المشددة بالنعش من المشرحة إلى المسجد.وأعلنت حالة الطورئ بين قوات الشرطة فى أنحاء البلاد ووضعت قوات الأمن فى حالة تأهب".
قال عباس السيسي فى كتابه " البنا مواقف فى الدعوة والتربية":
- "رد الأطار الطاهر والجسم العزيز إلى أهله ليخرج البنا من الدنيا متواضعا يسير المظهر. كما دخلها , وكما عاش متواضعا يسير المظهر. وساهمت الحكومة المتحضرة فى هذا التواضع واليسر فحرمت على المشيعين أن يقربوه ورأى الناس يومئذ عجبا فى الجنازات.
- وفى وحشة الشارع المقفز من الغادى والرائح إلا من هذه الجنازة المتمهلة الفريدة ارتجت المنازل على الجانبين وأجهشت النوافذ والشرفات بالبكاء, وهم يرون البنا العظيم, يحمل على كتف زوجته وأبنته إلى مقره الأخير"!
بقى ما وقع أثناء الجنازة وبعدها من حوادث أدت إلى اعتقال مئات من الناس لأسباب غريبة تكاد لاتصدق.حشر المعتقلون حشرا فى غرفة ضيقة باردة عفنة هى سجن نقطة الإمامين القريبة من المقابر.
وهذه بعض أسباب الإعتقال:
- هذا الشاب الذى يلبس رباط عنق أسود كرافتة حداد على أبيه المتوفى قبل أيام.أدرك رجل البوليس بفطنته أنه يلبسها حدادا على الشيخ البنا.
- واستبعدت فطنته أن هناك سببا آخر دفع الشاب غلى لبس الكرافتة السوداء, فهو غذن, من غير شك, من أشياع البنا ومريديه الذين كنات تتعقبهم السلطات تنكل بهم أسوأ تنكيل.وقد أودعوه السجن ثم المعتقل.
- وذلك الرجل... ضبطه رجل البوليس يتمتم بالفاتحة من إحدى النوافذ أثناء سير جنازة الشيخ الرهيبة فصعد إليه واقتاده, من بين أطفاله وزوجته, والسلاح فى ظهره مستعد ليسكته إذا حاول الفرار أو المقاومة...
- وفى محضر البوليس سألوه عن صحة التهمة وهل قرأ الفاتحة حقا على روح الشيخ البنا... أجاب بالإيجاب.
هنا ازدحمت الأكف والقبضات والأقدام فوق وجهه وجسمه وعادوا يسألونه:ولماذا قرأت الفاتحة؟فأجاب الرجل:من شعائر الدين أن نقرأ الشهادتين عندما يمر ميت ونقرأ الفاتحة على روحه.
- صرخ أحد رجال البوليس, وقد استقرت يده على وجه المسكين لتصافحه بحرارة, وهو يقول:
- كان لازم تعمل حنبلى النهاردة يا ابن....صاح المتهم البرئ الذى كان احترامه لشعائر دينه ذنبا لا يغتفر قائلا: وهل فى قراءة الفاتحة جريمة يعاقب عليها القانون؟
- ومرة أخرى ..ازدحمت الكف والقبضات والأقدام فوق وجهه وجسمه.وأغمى عليه..وافاق ليجد نفسه فى الغرفة الباردة العفنة, مع عشرات آخرين . لإرساله إلى المعتقل بلا محاكمة.
- ولقد خلع حامد جوده رئيس مجلس النواب .. السواد على النقراشي باشا فى ذلك اليوم بالذات. ولم يكن قد انقضى على مقتل النقراشي باشا أكثر من ثلاثة وأربعين يوما.وشن البوليس حملة عنيفة على المساجد فى العاصمة.
- وقبل أن يغشى الظلام مدافن الإمام الشافعى, كانت ثلة من الجنود تحاصر الطرق المؤدية إلى المقبرة وقوات كبيرة تحيط بمنزل الفقيد لتمنع الداخلين ولو كانو من مرتلى آى الذكر الحكيم. وتقبض على الخارجين , ولو كانوا من جيران الراجل الكريم!
- واشيع ذات مساء أن بعض أصدقاء الشيخ البنا آلمهم أن يدفن الرجل بهذه الصورة المزرية المؤلمة. فاعتزموا اختطاف الجثة من قبرها واخفائها عين أعين البوليس . طير الخبر إلى السلطات المختصة. فأمرت بمضاعفة الحراسة, والتأكيد من كل شخص يمر بالطرقات المؤدية إلى مدافن الإمام الشافعى.
- وكان الجنود المسلحون يتناوبون الحراسة بعيون يقظة خوفا من أن يتمكنوا من سرقة جثمان البنا الذى مزقته الجريمة!فخصصوا فرقا من رجال البوليس للسهر عليه وحراسته خشية أن ينقل الجثمان إلى مكان يليق بمقامه!وابى من بيدهم الأمر إلا أن يضطهدوا الرجل فى موته .. وإلا أن يحرسوه من عندهم .
- وفى الليلة التى ظنوا أنها موعد تنفيذ المؤامرة الخيالية مؤامرة خطف الجثمان امتلأت مقابر الإمام برجال البوليس لأول مرة .وكان رجال البوليس كلما اشتبهوا, فى شخص أو جماعة, من المارة أوقفوهم وفتشوهم. وسألوهم إلى أين هو ذاهبون.. فإذا اطمأنوا إليهم . سمحوا لهم بالإنصراف وإذا ارتابوا فيهم قبضوا عليهم واودعوهم المعتقلات!
- ولمح نفر من رجال البوليس بعض الناس يحملون نعش ويسيرون به بين المقابر ولعلهم كانوا قد قدموا به من مكان بعيد فلم يدركوا المقابر إلا بعد الغروب.وفوجء المشيعون بأسلحة تلمع فى الظلام وأصوات تأمرهم بالوقوف وبوضع لنعش على الأرض للتحقيق من الميت!
- ورفع أحد الجنود غطاء النعش وسلط عليه ضوء مصباح كهربائى فى يده ثم أمرهم بإعادة الغطاء وأن يمضوا فى طريقهم ... بعد أن تبين الجندى أن وجه الميت يختلف عن وجه الشيخ البنا!
- وقدر للأموات أن يلقوا نصيبهم من الظلم الذى حاق بالأحياء .. وهكذا ظلت المقابر تنعم بالراحة والدوء . منذ قديم الأزل حتى جاء ذلك العهد فلم يسلم من ظلمه وجوره وجهله, حتى الأموات , الذين هم فى رعاية الله وبين يديه".
لم يعرف شعب مصر فى تل الأيم إلا أن البنا قتل وأن جنازته شيعت من داره فى الحلمية وصلى على الجثمان فى جامع قيسون ... أما الوصف الذى كتبه مأمون الشناوي بدون توقيع فى جريدة " الكتلة" فإنه لم ينشر إلا فى 11 من نوفمبر 1949 أى بعد تسعة شهور من الجريمة...
لأن الرقابة على الصحف كانت قائمة يوم الجريمة!وظلت الرقابة على الصحف وعلى القبر مستمرة حتى استقالت وزارة إبراهيم عبد الهادي! وقالت صحيفة المصرى فى نوفمبر 49 أيضا إن الحكومة منعت تلاوة القرآن الكريم أثناء دفن الشيخ.وقال الإخوان إن الملك فاروق توجه إلى القصر العينى ليرى البنا قتيلا. ولكن لا يوجد ما يؤكد هذه الرواية.
وقال محمد الجزار فى التحقيقات التى تمت بعد الثورة إن عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية توجه فى اليوم التالى للجريمة إلى قصر عابدين فقابلوه بالعناق والتبريك.
بعد أسبوعين من اغتيال البنا قابل السفير البريطانى السير رونالد كامبل الملك فاروق.قال السفير:
- اعتقد أن الجريمة كانت من فعل اتباع البنا المتطرفين ممن يخشون أو يرتابون فى أنه يفرط فى الأمور بسهولة.
واضاف:
- هل تعتقد جلالتك أن الجريمة من فعل السعديين بدافع الانتقام؟ رد فاروق قائلا: إنها بالتأكيد من فعل السعديين بدافع الانتقام وليس من صنع الإخوان المسلمين.
قال ريتشارد ميتشيل فى كتابه "الإخوان المسلمين"
- " إن عملية الاغتيال كانت مخططة أو على الأقل تم التغاضى عنها من جانب رئيس الوزراء , ربما بدعم من القصر , ونفذت عن طريق البوليس السياسى".
بعد ثورة 23 يوليو قال العميد احمد كامل قومندان شرطة القصور الملكية إنه يعتقد ن الجريمة تمت لحساب الملك والحكومة.
قال التقرير السنوى للسفارة البريطانية تعليقا على اغتيال الشيخ البنا:
- " هناك أسباب تدعو إلى الشك فى أن الحكومة لم ترفض استخدام وسائل أعدائها الإرهابيين. والاعتقاد بأنها فعلت ذلك ينتشر على نطاق واسع بالنسبة لاغتيال البنا"
وقال المقدم طه زغلول المفتش بإدارة المباحث بوزارة الداخلية بعد الثورة أيضا إنه سمع إشاعات كثيرة بان عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية قام لجريمة ارضاء للملك فاروق.وسألت عمر التلمساني المرشد العام للإخوان عن رأيه فيمن قتل البنا وأجبا بكلمة واحدة. فاروق
قلت: وإبراهيم عبد الهادي
قال: لا يستطيع وحده ارتكاب الجريمة.
إن رجال عبد الهادى أعلنوا أنهم يطلبون الثأر وربما كان هناك تحالف بين الملك ورئيس حكومته.
كتب جيفرسون باترسون الوزير الأمريكى المفوض فى القاهرة
- " يوجد ترحيب فى أوساط الرأى العام بزوال الشيخ البنا من المسرح وإن كانت هناك خشية من أن يؤدى مقتله إلى عودة الأنشطة الإرهابية من جديد لأن اختفاء البنا بكل ما كان يتمتع به من سلطة مطلقة على الإخوان المسلمين ومن طموح غير محدود يعنى زوال شخصية اختلف الناس عليها حيث يسهم ذلك فى استتباب الأمن من جديد بعد أن تتبدد آثار صدمة اغتيال البنا من نفوس أتباعه".
حفل تاريخ مصر بزعماء كثيرين منهم أحمد عرابى وجمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده وعبد الله النديم ومصطفي كامل وعبد العزيز جاويش وسعد زغلول.
وكان البنا واحدا من هؤلاء أو حلقة من حلقات هذا العقد الفريد من المناضلين.وقد اضطهد الزعماء. وسجن بعضهم ولكن البنا كان الوحيد بينهم الذى انتهت حياته بالإغتيال.قال بعض المؤرخين إنه كان دائما فى عجلة من أمره .
وقالوا إنه خسر المعركة لأنه خرج للعلن وأذاع أهدافه بسرعة وقالوا إنه لقى مصير اثنين آخرين من الزماء اغتيلا قبله وهما أحمد ماهر والنقراشي ولكن حركتهما والاغتيالات التى قيل أنهما اشتركا فيها كانت موجهة ضد الإنجليز وحدهم. أما بالنسبة للمرشد العام فإن حركته كانت ضد المصريين أيضا. وكانت صراعا من طبقة ضد طبقة أخرى.
وقالوا إنه ما دام قد لجأ للعنف. عن طريق الجهاز السرى. فلابد أن يلاحقه العنف! قبل وفاة المرشد العام سأله أحمد أنس الحجاجي أحد أعضاء الجماعة لماذا لا نختار الرجل الثانى... أعنى من يلى الأمر بعدك.
أجاب على الفور : لا... وإن قلت لى أن أبابكر اختار عمر.. فلست بأبى بكر ... وليس فيكم عمر. وأضاف: الموقف هو الذى سيخلق الرجل لكل موقف رجل .ولاتستطيع أبدا أن " تصنع " رجلا معينا ليلبس موقفا معينا.
فى مقال لجريدة " التايمس" قال مراسل الصحيفة فى القاهرة
- " أهم ما يميز الأحزاب السياسية المصرية أها تعتمد على زعيم أكثر من اعتمادها على مبدأ واعتمادها على شعائر بدلا من برنامج.. فالوفديون موالون النحاس والكتلة الوفدية لمكرم والبنا هو زعيم الإخوان المسلمين.
- والسير على خطى الزعيم هو بمثابة القيام برحلة طبقا لأوامر لا رجعية فيها ولا أحد سوى القبطان يعرف أدنى فكرة عن وجهة الرحلة ولا يزال السحر فى اسم الزعيم".
وقال الكاتبان الفرنسيان أوليفية كارى وجيرار ميشو:
- " وأهم ما يميز حركة الإخوان منذ البداية الولاء المطلق للمرشد العام. ففى عام 1939 قال أحد مسئولى الجماعة للمرشد العام: خذ بنا حيث تشاء.وفى قرارات الجمعية التأسيسية كلها كانت البيعة شخصية للمرشد العام كما أن الجهاز التنفيذى للجماعة كان محصورا فى شخصية"
وفى رسالته الجامعية قال حمادة محمود إسماعيل
- "اعتمدت الجماعة فى تنظيمها على المركزية الشديدة . واستمد البنا سلطاته من خلال تأثيره الشخصى, والقوانين التى حددت وضعه داخل الجماعة وقد استطاع بسلطته هذه. وبتأثيره الشخصى أن يمتص فعالية اللوائح والقوانين الخاصة بالجماعة"
وفى بحثه قال الضابط الكندى هاردى إن وفاة البنا كانت أكبر ضربة بل هى ضربة صاعقة للإخوان بالمعنى الحرفى الكلمة.ولم يكن هناك شخص يملأ فى الحال مكان البنا.وكان هذا هدف الجريمة الأول!
سمع أحمد أنس الحجي عضو الجماعة وكان معتقلا فى الطور باغتيال المرشد العام فقال لزملائه لامعتقلين معزيا نفسه وإياهم:تصوروا تفاهة الموقف لو مات المرشد العام على فراشه تصوروا مهمتنا ونحن نشيعه إلى مثواه الأخير ثم نعود.
تصوروا كل هذا وقارنوه بما اختاره الله .. شهادة فى جنح الظلام.وملك فاجر يعبئ القوى الماكرة كلها لقتل رجل أعزل وجنازة تحرسها الدبابات.. لتشيعها الملائكة!
الملك السجين
امتنع فاروق عن الظهور فى أى مكان أو الصلاة فى المساجد. وأعلنت الحكومة عن مكافأة قدرها ألف جنيه لمن يرشد عن محمد مالك يوسف مالك الموظف بمصلحة التليفونات (27 سنة) أحد المتهمين بالإشتراك فى اغتيال النقراشي الذى اعترف عليه القاتل عبد المجيد أحمد حس .
ولكن المفوضية الأمريكية قالت إن الإخوان عهدوا إلى محمد مالك باغتيال صاحب الجلالة نفسه....وهذا هو السر فى رصد مكافأة لاعتقاله .
لم يهدأ الإخوان بعد اغتيال البنا وزعوا المنشورات ضد الملك والحكومة.بعد 9 أيام من الجريمة بعث جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن أول هذه المنشورات وقد وقعت صراحة باسم " الإخوان المسلمون" قال المنشور وعنوانه " حكومة فاجرة تغتال زعيما إسلاميا"
- " سقط البنا ضحية لمؤامرة جهنمية دبرها أولئك الذين فى السلطة من هو الشهيد القتيل ومن هم الجناة؟الشهيد رجل ظل يدعو الناس إلى الإسلام على مدى عشرين عاما. وراح يحاول نشر روح الحرية والإخاة والمواساة التى يضمنها كتاب الله " القرآن الكريم" أما الجناة المرمون.فهم شياطين يشبعون شهواتهم على حساب الشعب.
- هم أولئك الذين منحوا التراخيص للعاهرات. ونظموا وأشرفوا على بيوت الدعارة وسمحوا ببيع الخمور وترددوا على المواخير. وأباحوا الربا وقبلوا الرشوة وسخروا من الفضيلة وأرسلوا نساءهم إلى الملاهى والمراقص العامة.
- اغتالوا البنا لأنه كان خطرا عليهم يهدد بتقويض سلطتهم ولكن ليعلموا أن البنا ترك خلفه جيشا جيد العدة وكتائب جيدة التدريب. وستتعقب ونطارد هذه العصابة من الآثمين , وسنكبح جماح كل رأس متغطرس وسنلوى كل عنق يتيه خيلاء.
- فليسعوا إذن للإختباء فى أنفاق فى أعماق الأرض .أو ليتسلقوا درجا إلى السماء فما من قلعة محصنة أو قصر منيع سينقذهم.وستتحقق كلمة الله فيهم .والله لهم بالمرصاد".
قال جيفرسون باترسون الوزير المريكى لمفوض تعليقا على هذا المنشور فى برقية إلى واشنطن:
- " هناك ميل بين قطاع معين من الإخوان المسلمين لإلقاء مسئولية الاغتيال على عاتق رئيس الوزراء مباشرة.ويعتمد هذا الإتهام على الطبيعة الإنتقامية التى يتصف بها عبدالهادى باشا.وعلى كفاءته فى تنظيم المظاهرات والجرائم السياسية فى اليام الأولى للنضال الوطنى ضد البريطانيين.ويذكر فى هذا الصدد أن البريطانيين كانوا قد سجنوا عبد الهادى باشا لاشتراكه فى الأنشطة السياسية".
يقصد باترسون بذلك اتهام إبراهيم عبد الهادى عام بالإشتراك فى اغتيال السردار البريطانى السير لى ستاك.بعد يومين اغتيال المرشد العام طلب إلى الإخوان لامسلمين المتطوعين فى فلسطين تسليم معسكرهم إلى الجيش المصرى وجاءت السيارات تحملهم إلى عنبر فى رفح لقضاء الليلة فيها وفى اليوم التالى وجدوا الاسلاك الشائكة وقد أحاطت بالمعسكر فقد رأت السلطات المصرية اعتقالهم خوفا من الانتقام.
أنشأ اللواء فؤاد صادق القائد العام للقوات المصرية فى فلسطين معسكرا حاصا للإخوان قائلا:لا أنسى فضل هؤلاء الشباب على مصر والعرب.واعتقل معهم فى المعكسر نفسه بعض شباب الأقباط الذين حاربوا معهم!
طلب كامل الشريف من اللواء فؤاد صادق الإفراج عن الأقباط قائلا: نحن مسلمون.فما ذنب الأقباط؟ لم يجد القائد العام ما يرد به فقال ضاحكا: هل تريد إقناعى بأن قبطيا يبقى معكم ستين ويظل على دينه؟!
ومع ذلك لم يستطع القائد العام الإفراج عن الأقباط إلا بعد وقت طويل ونقل المعتقلون إلى معسكر آخر فى يونيو. ولم يفرج عنهم إلا بعد إستقالة إبراهيم عبد الهادي.
وعندما اختلف جمال عبد الناصر مع الإخوان أصدر فى 23 من سبتمبر 1954 قرار باسقاط الجنسية عن قيادات الجماعة : سعيد رمضان وسعد الدين الوليلي ومحمد نجيب جويفل وكامل الشريف قائد الإخوان فى حرب فلسطين. وقد رحبت سوريا بهم لاجئينن سياسيين.
وبقى كامل الشريف فى القدس . وظل فى الأردن خمسة عشر عاما تخللتها تقلبات كثيرة منذ أمر جلوب باشا بطرده من القدس , وعاد إليها بعد طرد جلوبواشتغل بالصحافة والنشر وعمل سفيرا للأردن عشرين عاما فى ألمانيا الغربية واليابان وباكستان ونيجيريا والصين الوطنية . واختير وزيرا ثمانى سنوات وأصبح عضوا بمجلس الأعيان ثم ناشرا لصحيفة " الدستور الأردنية".
ووافقت مصر على مساعى الحكومة المريكية بالتفاوض مع الإسرائيليين لعقد هدنة دائمة بين البلدين. جرت المفاوضات بين وفدى البلدين فى فندق " الورود" فى جريدة رودس البريطانية واستمرت ستة أسابيع وعندما اجتمعت الوفود الثلاثة معا كان الوسيط الدولى يجلس فى الوسط والوفد الإسرائيلى إلى يمينه والمصريون إلى يساره.
وكان المصريون يخاطبون بانش كما لو أن الاسرائيليين لا وجود لهم وكان هدف المصريين إنقاذ القوة المصرية المحاصرة فى الفالوجة . وقد رفض الاسرائيليوهن فى البداية لاسماح بادخال الطعام والأدوية ثم سمحوا بها.
وفى المقابل وقع اتفاق لوقف اطلاق النار كمرحلة تسبق الهدنة. واقترح بانش وسيط الأمم المتحدة عقد هدنة بالشروط التالية:
- (أ) تنسحب القوات المصرية المرابطة فى الفالوجة فى اليوم التالى لتوقيع الهدنة.
- (ب) تنسحب جيوش البلدين غلأى الخطوط التى حددها الوسيط.
- (ت) تصبح بئر سبع وبئر العصلوج والعوجة مناطق محايدة تحت إشراف الأمم المتحدة عند انسحاب القوات المتحاربة منها.
- (ث) تصبح بير سبع مركز قيادة لجنة الهدنة المشتركة بينما تصبح العوجة وبئر العلوج مراكز قيادة مساعدة.
- (ج) تخفض القوات المصرية فى قطاعات غزة ورفح وبيت لحم والخليل لتصبح قوات دفاعية فقط بينما تظل القوات الهجومية المصرية فى المنطقة الواقعة شرق العريش.
- (ح) تصبح القوات الدفاعية الاسرائيلية مساوية للقوات الدفاعية المصرية فى منطقة غزة ورفح وكذلك مساوية للفيلق العربى فى قطاع بيت لحم الخليل.
ويرفض اليهود ابقاء بئر العصلوج والعوجة منطقتين محايدتين ويصران على احتلالهما... ومع أن قرارا الأمم المتحدة فى 4 من نوفمبر 1948 يعطى مصرا الحق فى العودة للمنطقتين.
وتوافق إسرائيل على رفع الحصار عن القوات المصرية المحاصرة فى الفالوجة وانسحاب القوة المصرية منها. وتنازلت إسرائيل عن احتلال قطاع غزة.وتوقع مصر يوم 24 من فبراير 1949 على اتفاقية الهدنة الدائمة التى استندت إلى الوضع العسكرى على أرض فلسطين !! بعد 12 يوما من وفاة المرشد العام!
ويكتب السير سارجنت الوكيل الدائم للخارجية البريطانية قائلا:
بعد ستة أسابيع من اغتيال البنا عاد الملك فاروق للظهور فى المجتمعات العامة كما تقول البرقية رقم 50 التى بعث بها السير روزنالد كامبل إلى لندن قال:
- "قام فاروق بعمل نادر الحدوث بظهوره أمام الجمهور فى أول مارس 1949 حين افتتح رسميا المعرض الزراعى الصناعى الذى نظمته الجمعية الزراعية الملكية المصرية. وتم اتخاذ احتياطات امنية بالغة لتأمين حياة جلالته".
وصفت صحيفة التايمس البريطانية يوم 7 من مارس المعرض يوم الزيارة الملكية فقالت إنه كان خاليا تماما من الناس و كما أخليت أيضا الشوارع المؤدية إليه. وفتش رجال الشرطة الحوانيت التى بقيت مفتوحة.
وقالت التايمس إنه تحت الهدوء الظاهرى الذى يسود مصر توجد دولة بوليسية اتخذت كل إجراءات الأمن كما لو أن البلاد فى حالة حرب.وأضافت الصحيفة أن الحكومة تخشى انقلابا عسكريا أو ثورة تقوم بها الخلايا السرية لجماعة الإخوان المسلمين المنحلة . ولا يعرف عدد المعتقلين.
وتراقب السفارة الأمريكية ايضا الإخوان المسلمين.قالت برقية جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى بمناسبة افتتاح مقر جديد لمصر الفتاة
- " يتسرب أعضاء الإخوان حاليا إلى صفوف مصر الفتاة وشوهد عدد كبير منهم يلعبون دورهم الجديد كأعضاء فى مصر الفتاة يرددون هتافهم المألوف .. الله أكبر ولله الحمد".
وتوجه فيليب ايرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية للقاء محمد كامل سليم بك السكرتير العام لمجلس الوزراء فلاحظ شدة إجراءات واحتياطات الأمن حول بيته والمكاتب الحكومية فسأل عن الموقف الأمنى,.
قال سكرتير مجلس الوزراء يوم 11 من مارس 1949 إن جماعة الإخوان المسلمين الارهابيين كسرت. وتسيطر الحكومة الآن على الموقف . رفض ايرلاند أن يسأله عن السر فى تشديد الاحتياطات الأمنية حول بيته والوزارات والمصالح واكتفى بقوله:
هل هناك خطر من أن يظهر زعيم آخر مثل الشيخ البنا ليتولى مسئولية تنظيم الإخوان القائم . وخاصة فى الأقاليم. هز كامل سليم رأسه نفيا فى حزم .وقال:ذلك مستحيل. وإذا وجد مثل هذا الرجل فهو أمر مشكوك فيه.ولن تسمح الحكومة مرة أخرى لفرد أن يحوز مثل هذه السلطة.
فى بحثة قال الضابط لاكندى هاردى:
- " لم يفعل إبراهيم عبد الهادي شيئا لتخفيف صرامة لخطر الذى فرض على الإخوان".
كان النقراشي قد اعتقل 487 من الإخوان ولكن عددهم ارتفع فى عهد إبراهيم عبد الهادي إلى 1688 كما تقول الاحصاءات الرسمية. وكان عدد المعتقلين من اليهود 315.
ولكن ميتشيل قال إن معتقلى الإخوان وصل 4000.وفى اثناء محاكمة المتهمين باغتيال البنا قال عبد القادر عودة المحامى ووكيل الجماعة إن حقيقة الرقم 6000 وكان الخوف دافعا إلى الاعتقال لشبها تافهة
وهذه القصة تعبر عن ذلك:
- اعتقل عضو فى جمعية الشبان المسلمين وساقوه إلى القسم وهناك قال الشرطى: أنتم اعتقلونى ولست من الإخوان المسلمين ولكنى من الشبان المسلمين رد الشرطى قائلا: كلكم مسلمون:خذه يا عسكرى دخله السجن
هذه قصة أخرى
- كان أحد أعضاء الجماعة واسمه عبد البديع صقر ودودا يحب التعرف إلى الناس.وفى أثناء ركوبه القطار كان يقدم نفسه للركاب فيقدمون أنفسهم إليه وجرت عادته أن يكتب أسماء هؤلاء فى نوتة خاصة عرفت باسم " نوتة القطار" فلما قبض على عبد البديع ضبطت النوتة واعتقل رجال الشرطة كل الأسماء التى وردت فيها!
وجرت عدة معارك بين رجال الشرطة والإخوان فى أثناء عمليات الاعتقال وجرى تبادل اطلاق النار فى بعض الحالات.وجد منشور يصف وحشية رجال الشرطة أثناء عمليات الاعتقال وجلد رجال الشرطة ظهور كثيرين من الإخوان وخلعوا أظافرهم وأدموا أجسامهم وكانوا يعتقلون من البيت الواحد أربعة أخزو وثلاثة أصهار. وقدموا للمحاكمة أشخاصا لم يرتكبوا جريمة إلا أنهم يد المساعدة لأحد بيوت الإخوان التى هى فى أشد الحاجة لهذه المساعدة
قال صالح عشماوي وكيل الجماعة:
- " تعرض تلاميذة وأتباع البنا فى عهد فاروق.لأشد فتنة وأعظم بلاء وانصب عليهم من الإضطهاد والعذاب ما لو سلط على جبل لاندك وانهار.تعرضوا للسجن والتشريد والضرب الوحشى وحوربوا فى أرزاقهم وهددوا فى أعراضهم وسقط شهداؤهم واحدا بعد واحد".
ورغم ذلك بقى إبراهيم عبد الهادي خائفا. قرر فى 13 من مايو مد الأحكام العرفية عاما آخر وكانت هذه الأحكام قد فرضت فى 13 ممن مايو 1948 لضمان امن الجيش المصرى وإمدادته فى حرب فلسطين
ووالت الحكومة اعتقال الشيوعيين أيضا.ولم يدخل عبد الهادى مبنى وزارة الداخلية سوى ثلاث مرات خلال الشهور السبعة التى عاشتها وزارته فقد قتل زعيم حزبه... أحمد ماهر داخل البرلمان ومحمود فهمي النقراشي فى وزارة الداخلية.
وكتبت السفارة الأمريكية إلى واشنطن تقول:
- على الرغم من توقف الأعمال العسكرية فى فلسطين فإن قرار مد الأحكام العرفية يشير إلى أن الحكومة والسراى ليستا متلهفتين على التخلى عن المزايا التى تتمتعان بها حاليا بفضل سلطاتهما الاستثنائية.
- وصرح رئيس الوزراء بأن الرأى العام المصرى لابد أن يكون مستعدا لقبول تشريع أمنى دائم يحل الأحكام العرفية القائمة حاليا وعرض على البرلمان بالفعل مشروع قانون لمكافحة الشيوعية "و" الأنشطة التخريبية".
- ولدى السفارة دلائل على أن الحكومة أو السراى تسعى إلى إقامة نظام دائم أكثر استبدادا تحت ستار إدارة المعركة لاخارجية ضد إسرائيل والمعركة الداخلية ضد الإرهابيين.وهناك احتمال بأن تصبح مصر قل ديمقراطية".
رغم هذه الاحتياطات الأمنية فلم تتوقف العمليات الانتقامية ضد رئيس وزراء مصر أو صاحب الجلالة. حاول بعض الإخوان تجربة اغتيال النقراشي بقتل إبراهيم عبد الهادي فى 25 من مايو فاستأجروا شقة بمصر القديمة تطل على طريق موكب رئيس الوزراء وألقوا القنابل على سيارته ولكن كان يستقلها حامد جودة مجلس النواب الذى أفلت أيضا من الموت.أدى هذا الحادث إلى زيادة الاجراءات التعسفية التى اتخذتها الحكومة ضد الإخوان .
وثبت حضور رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي بعض حوادث التعذيب وكان المعذب يطلب شربة ماء فلا يجاب إلى طلبه.وكانوا يحرمون المتهمين من الطعام ويمنعون طبيب السجن من معالجة المرضى منهم.ويهددون المعتقلين من الإخوان بالإعتداء المشين عليهم.
وبلغ الظلم مداه إلى احتلال بيوت وليس فيها غير النساء كما أعلن ذلك عبد القادر عودة فى مرافعته فى قضية اغتيال المرشد العام.
وأغلقت مصر حدودها مع ليبيا لأن سلطاتها رفضت تسليم ثلاثة من الإخوان المتهمين فى الحادث. لجأوا إلى قصر الأمير إدريس السنوسى وهم محمود يوسف الشربيني وعز الدين إبراهيم وجلال أبو سعده.
ويستدعى رئيس الوزراء لمقابلته البكباشي جمال عبد الناصر ويحضر اللقاء اللواء عثمان المهدى رئيس أركان حرب الجيش.حذر رئيس الوزراء الضابط الذى اصبح بعد ذلك رئيسا لجمهورية مصر . من أى نشاط أو ارتباط بالإخوان المسلمين. واتهمه بالإشتراك فى تنظيم سرى داخل الجيش.
دافع عبد الناصر عن نفسه بأنه كان فى كان فى فلسطين خلال الفترة من مايو 1948 حتى مارس 1949 ولذلك كان من المستحيل عليه ذلك.
قصد إيرلاند سكرتير السفارة الأمريكية إلى إبراهيم عبد الهادي باشا رئيس وزراء مصر يودعه بمناسبة سفر إيرلاند عائدا إلى بلاده.كان اللقاء فى 16 من مايو 1949 بعد أيام من محاولة الاعتداء على حامد جودة رئيس مجلس النواب.
قال عبد الهادى باشا لسكرتير السفارة الأمريكية عندما سأله عن الإرهابيين قام رجال الشرطة بعملهم على أفضل وجه ممكن. وأعرب عن سروره لأن الاثنى عشر رجلا الذين حاولوا الاعتداء على حامد جودة فى 5 من مايو تحت تصور أنها سيارة رئيس الوزراء تم القبض عليهم ومنهم 11 شخصا قبض عليهم بعد الحادث مباشرة وفر واحد فقط وتم اعتقاله!!
وقال: ستواصل الشرطة استئصالها لهذه العناصر. سأله ايرلاند:هل هناك قرائن بأن عناصر بجانب الإخوان متورطة فى النشاط الإرهابى؟
أجبا رئيس الوزراء:أعتقد أن جبهة خارجية ترسم الخطط وتقدم الأموال والتنظيم للإخوان المسلمين.
أخذ ايرلاند يضغط على رئيس وزراء مصر كما قالت برقية جيفرسون باترسون القائم بأعمال السفارة المريكية بالقاهرة لتقديم دليل على ما يقوله.
أجاب رئيس وزراء مصر:
- من الصعب الادلاء بقرينة محددة ولكن نموذج فتيل التفجير الذى يستخدمونه ليس معروفا فى مصر.
وقال: ربما يكون الاسرائيليون قد ساعدوا فى تنظيم أنشطة محتلفة فى مصر لاحراج الحكومة!!وهكذا أراد رئيس وزراء مصر الإيحاء بأن الإخوان الذين حاربوا اليهود فى فلسطين متورطون ويتعاونون مع اسرائيل فى عمليات الإرهاب ضد لحكومة مصر!
فى 7 من يونيو كتب السير رونالد كامبل إلى لندن فى البرقية رقم 99:
- " تم القبض على مزيد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المحظورة وبين المعتقلين فى الآونة الأخيرة طالب يشك فى اشتراكه فى مصرع سليم زكى باشا رئيس بوليس القاهرة فى ديسمبر الماضى.
- وتحدثت التقارير عن أموال يتم جمعها ظاهريات لمساعدة اسر الإخوان المعتقلين وتهدف فى الواقع إلى تشجيع أنشطة الإرهاب فى المجتمع ويقول مراقب مصر. كان فى منطقة القناة مؤخرا إن هناك تأييدا قويا للإخوان فى المنطقة".
توالت الاتصالات بين الوفد والقصر.قال فؤاد سراح الدين باشا يوم 30 من مايو 1949 لحسن يوسف باشا رئيس الديوان الملكى بالنيابة: الوفد يطلب ن القصر ضمانا لحرية الانتخاب.
أجاب حسن يوسف باشا:سبق أن صرح رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي باشا بأن الأحكام العرفية سيقتصر سريانها على شئون الأمن فقط طوال فترة الانتخابات انتقل الحديث إلى العلاقات بين القصر والوفد
فقال فؤاد باشا: للملك طلبات كثيرة. أجاب حسن يوسف: الملك يشترك فى شئون الحكم بمقتضى الدستور وله نصيب فى السلطة التشريعية والتنفيذية.
واضاف: متى توافر جو التفاهم فإن هناك دائما حل الوسط . عرض حسن باشا على الملك مضمون اللقاء فأبدى ارتياحا ولكن إبراهيم عبد الهادي باشا أبدى شيئا من العتاب فرد عليه حسن يوسف: أبواب الديوان الملكى مفتوحة أمام المعارضة كما هى مفتوحة أمام الوزارة!
واستمرت الاعتقالات والبحث عن الإخوان شهورا أخرى..وتعيد وزارة الخارجية البريطانية تقييم الموقف فى مصر وهل من مصلحة بريطانيا التدخل لعودة الوفد.نصح كلاتون مدير الإدارة الأفريقية يوم 24 من يونيه 1949 بعدم التدخل لأن ذلك لن يحل مشكلة السودان أو يؤدى إلى عقد معاهدة.
وقال كلاتون:
- " لا يجب أن نتدخل لعودة الوفد إلى الحكم و بل نسعى بكل الجهد,ليشترك الوفد فى الإنتخابات فحسب فإذا فعل فإنه سيحصل على أغلبية مقاعد مجلس النواب.وإذا اصبح الوفد فى المعارضة فإن ذلك يفيدنا أى بريطانيا أيضا لأنه سيمنع توسع خطط الملك العسكرية . إننا لا نريد ان يقوم الملك بتدعيم الجيش بحيث يقيم ديكتاتورية عسكرية"
ويؤشر مايكل رأيت الوكيل المساعد للخارجية البريطانية على هذه المذكرة قائلا:
- " الوفد أكثر الأحزاب عقلانية بالنسبة للسودان وفلسطين. وهو أكثر الأحزاب صداقة لبريطانيا. وهو الوحيد القادر على تحقيق الإصلاح الاقتصادى. ويفكر الملك فى تعيين رئيس وزراء محايد وتشكيل حكومة ائتلافية تجرى الانتخابات .
- ونحن نؤيد إجراء انتخابات حرة وإذا قام الملك بتزوير الانتخابات فإن الجميع سيعرفون انه لا يستطيع ذلك دون تأييدنا وسنتهم بتأييد الحكومة الرجعية للوصول إلى الحكم".
ويحقق صاحب الجلالة ما جاء فى مذكرة رايت بالحرف الواحد.إن ملك مصر يمهد بالفعل لعودة الوفد وتحقيق حالة من الاسترخاء الأمنى أى الإفراج عن الإخوان المعتقلين بعد أن قتل زعيمهم... وكان حسين سرى باشا هو رئيس الوزراء الوحيد فى مصر الذى يستطيع أن يمهد لحكم الوفد كما حدث عام 1942.
دعا الملك فاروق وزير الفريق محمد حيدر باشا فى الثالثة من صباح يوم 25 من يوليو 1949 لمقابلته . وأمره أن يذهب فورا إلى رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي باشا ويطلب إليه أن يستقيل. التمس حيدر باشا تأجيل الأمر إلى الصبح فأصر الملك على التنفيذ فورا بحجة أن "الدنيا رمضان" ون سهرة رمضان ممدة إلى الصباح.
كرر وزير الحربية التماسه .تسامح الملك ووافق على أن ينتظر الوزير حتى السابعة صباحا.توجه حيدر باشا إلى رئيس الوزراء فى بيته بالإسكندرية وأبلغه أن الملك يرى ان تستقبل الوزارة . ورأى الملك ... أمر!
وافق رئيس الوزراء ودعا مجلس الوزراء فى التاسعة صباحا وأبلغهم الأمر الملكى وتلا عليه كتاب الاستقالة.شكلت الوزارة الائتلافية الجديدة برئاسة حسين سرى باشا وضمنت 4 وزراء من كل من الوفد والأحرار الدستوريين والسعديين والمستقلين واثنين من الحزب الوطني.
وأعلن صاحب الجلالة أن الوزارة الجديدة هدية العيد من الملك إلى شعبه وعلق كثيرون على ذلك بقولهم:
- وزارة إبراهيم عبد الهادي هى ضحية العيد.وإن لم يكن عيد الضحية!وزار كريم ثابت المستشار الصحفى لفاروق رئيس الوزراء السابق إبراهيم عبد الهادي مجاملا بعد الاستقالة.
أشار عبد الهادى إلى حكاية " هدية العيد" بانفعال شديد , ثم قال وهو يبتسم ابتسامة مرة: وعلى كدة أبقى أنا اللى طلعت " خروف العيد"!
اختلف وزراء سرى باشا حول تقسيم الدوائر الإنتخابية ولم يستطع رئيس الوزراء التوفق بينهم.ويظهر رجل العملاء أحمد عبود فى الصورة عندما يلتقى بالوزير البريطانى تشابمان اندروز يو 25 من أكتوبر ويقول له:
- سيدعو حسين سرى باشا مجلس الوزراء إلى الاجتماع يوم أول نوفمبر أى فى اليوم التالى لعودة فاروق من رحلته فى الخارج.
- وفى هذا الاجتماع سيطلب سرى من الوزراء الاتفاق على تسيم الدوائر فإذا وافقوا سيصدر المرسوم الملكى بذلك وتجرى الحكومة الائتلافية الانتخابات .
- وإذا حدث العكس ولم يتفق الوزراءسيقدم سرى باشا استقالته إلى الملك ويشكل حكومة إدارية خالصة لإجراء الانتخابات.
ويضيف أحمد عبود قائلا للوزير البريطانى:
- حصل سرى باشا على موافقة الملك مقدما على الاستقالة.ويجمع سرى الوزراء الذين لا يفطنون إلى "الكمين" الذى أعد لهم فيختلفون وينهى رئيس الوزراء الاجتماع غاضبا ويسرع بتقديم استقالته إلى الملك يوم 3 نوفمبر قائلا:
- " تبين لى فشل الجهود التى بذلتها فى محاولة التوفيق, وحرصا على عدم ضياع وقت بلادى سدى فى أمور لا طائل تحتها أرانى مضطرا إلى رفع استقالتى ".
ولكن سرى باشا يضيف هذه الكلمات فى خطاب استقالته قال:
- " مازلت اومن بالإئتلاف وفوائده الجمة. ولا شك عندى فى أنه سيكون مبروك الخيرات بعد الانتخابات وأن فى قيامه مصلحة كبرى للبلاد".
ولم تفطن أحزاب مصر إلى الهدف من هذه الكلمات .. فإن الملك كان يأمل أن ينجح فى تزوير الانتخابات بحيث لا يفوز حزب واحد بالأغلبية فيشكل سرى وزارة ثانية من كل الأحزاب المصرية... برئاسته!
أخذت الخطابات المجهولة تتوالى على النيابة العامة من أشخاص يدعون أنهم من الإخوان المسلمين وأنهم قتلوا البنا لأنه أبلغ الأمن العام عن مخازن الذخيرة وأرشد عن كثير من أعضاء " جمعية الإرهاب".ودلت لغة هذه الخطابات على أنها من " تأليف" رجال الشرطة فالإرهابى لا يصف نفسه بذلك بل يزعم انه فدائى.
ونشرت "جريدة الأهرام" فى اليوم التالى للجرمية أن البنا ارسل لوزارة الداخلية يعلن رغبته فى تسلمي الأسلحة والإذاعة وأنه تلقى خطاب تهديد بالقتل إن هو أذاع شيئا من أسرار الجماعة.
وكانت التحقيقات خالية من هذه المعلومات وقصد من نشر هذه الأخبار توجيه التحقيق وجهة خاصة وهى أن القتلة أعضاء فى جماعة الإخوان. وكان واضحا أن وزارة الداخلية هى التى أوحت بهذا النشر.
روى بكر درويش الذى كان رقيبا بمراقبة النشر بوزارة الداخلية أن بيان " ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين" سلم إلى الرقابة بعد اغتيال حسن لبنا بيومين لتسليمه للصحف لنشره.
وقال توفيق صليب مدير الرقابة للرقباء:
- " الهدف أن يلقى فى الأذهان أن الجناة من الإخوان المسلمين المتذمرين من الشيخ البنا لموقفه من الحكومة وأن هذا التذمر أدى إلى ارتكاب الحادث".
قال البيان الذى كتبه الشيخ البنا قبل وفاته:
- " وقع هذا الحادث الجديد حادث محاولة نسف مكتب سعادة النائب العام وذكرت الجرائد ان مرتكبه كان من الإخوان المسلمين فشعرت بأن من الواجب على أن أعلن أن مرتكب هذا الجرم الفظيع وأمثاله من الجرائم لا يمكن أن يكون من الإخوان ولا من المسلمين لأن الإسلام يحرمها والإخوة تأباها وترفضها .
- ومن المرجح بل من المحقق أنه إنما أراد به أن يتحدى الكلمة التى نشرت قبل ذلك بيومين تحت عنوان (بيان للناس) ولكن مصر لم تروعها أمثال هذه المحاولات الأثيمة وسيتعاون هذا الشعب مع حكومته الحريصة على أمنه وطمأنينته فى ظل جلالة الملك المعظم على القضاء على هذه الظاهرة الحظيرة.
- وليعلم أولئك الصغار من العابثين أن خطابات التهديد التى يبعثون بها إلى كبار الرجال وغيرهم لن تزيد أحدا منهم إلا شعورا بواجبه وحرصا تاما على أدائه فلقلعوا عن هذه السفاسف ولينصرفوا إلى خدمة بلادهم كل فى حدود عمله إن كانوا يستطعون عمل شئ نافع مفيد.
- وإنى لأعلن أنى منذ اليوم سأعتبر أى حادث من هذه الحوادث يقع من أى فرد وسبق له اتصال بجماعة الإخوان موجها إلى شخصى ولا يسعنى ازاءه إلا أن اقدمه للقصاص أو أطلب إلى جهات الاختصاص تجريدى من الجنسية المصرية التى لا يستحقها إلا الشرفاء الأبرياء فليتدبر ذلك من يسمعون ويطيعون وسيكشف التحقيق ولا شك عن الأصل والدخيل.ولله عاقبة الأمور".
لم يظهر الشاب الأسمر الذى ذكر رقم سيارة محمود عبد المجيد رغم ما نشرته صحيفة " المصري" ولم يظهر أبدا حتى بعد قيام الثورة.ولكن السفارة الأمريكية فى برقيتها إلى واشنطن بعد الجريمة ب48 ساعة ذكرت السر الحقيقى لاختفاء هذا الشاهد الوحيد
قالت:
- " شاب مصرى كان يجلس فى مقهى مقابل جمعية الشبان المسلمين وقت الاغتيال تقدم إلى نقطة بوليس كوتسيكا بشارع معروف ابلغ كونستابل " اسمه حسن" وشرطيا اسمه " طه" بأنه يعرف رقم السيارة التى هربت فور الحادث وأنه يمكن أن يتعرف على القاتل إذا عرض عليه بين آخرين.
- أبلغت نقطة كوتسيكا هذه المعلومات تليفونيا إلى المحافظة فانتقل على الفور الصاغ توفيق السعيد من القلم السياسى مباحث أمن الدولة إلى نقطة وتسيكا.ويقول أحد المصادر ان هذا الضابط توفيق السعيد وضع مسدسا فى معطف جيب الشاب واوسعه ضربا وهدده بأنه سيحاكم بتهمة أحراز سلاح غير مرخص.ونقلوا الشاب تحت حراسة الشرطة إلى منزله ولم يفتح فمه بكلمة بعد ذلك حول الحادث"!
وقد تأكدت هذه الرواية مع تغيير فى بعض التفاصيل فى أثناء محاكمة المتهمين باغتيال الشيخ البنا. فقد تلقى عبد الكريم منصور رسالة من مجهول جاء فيها " إن الولد الأسمر لقى تعذيبا من البوليس السياسى الذى وضعه فى سجن الأجانب.واشرف على التعذيب العقيد محمود عبد المجيد فاضطر الولد للإختفاء من القاهرة .. من شدة الرعب"
بعد ستة أيام من الجريمة بعث جيفرسون باترسون الوزير الأمريكى المفوض فى القاهرة إلى واشنطن البرقية رقم 211 وتاريخها 18 من فبراير 1949 .. وفيها تفاصيل الجريمة وأسماء القتلة فإن المجرمين كانوا معروفين لدى القصر وزراة الداخلية والسفارات الأجنبية! وكان الشعب المصرى يهمس بالحقيقة ولكنه لا يستطيع أن يصرح بها .
قال باترسون:
- " تدل المعلومات التى تلقيناها من المصادر الخاصة والموثوقة بما فى ذلك مصادر السفارة البريطانية بما يؤكد الاعتقاد السائد بين الجماهير أن الشيخ البنا ويدعم مساندة اكبر المسئولين فى الحكومة. أشرف على المخطط عبد الرحمن عمار بك وكيل وزارة الداخلية والمسئول عن الأمن العام وأحد أصدقاء النقراشي المخلصين.
- وشارك فيه محمود عبد المجيد بك مدير المباحث الجنائية بوزارة الداخلية وكامل الدماطى مدير مكتب رئيس الوزراء.ويقال إن الإتفاق الذى تم بين الثلاثة على أن يتولى الدماطى تفاصيل التخلص من الشيخ البنا..
- ومن هنا رتب الدماطى أن يتولى هو واثنان من مساعديه الموثوق بهما القيام بعملية نموية على الشيخ البنا وبدأت العملية منذ ثلاثة أسابيع هذان المساعدان الموثوق بهما ملكية.
- كونستابل بوليس فى ملابس ملكية.
- أومباشى سابق فى البوليس نقله الدماطى من البوليس إلى وظيفة كتابية فى رئاسة مجلس الوزراء وعمل معه مؤخرا كسائق لسيارته.
- والأومباشى أسود البشرة وماهر فى استخدام المسدس والبندقية ومساء السبت 12 من فبراير تبع المساعدان الشيخ البنا إلى جمعية الشبان المسلمين فى سيارة سوداء.والجدير بالملاحظة ان رجل البوليس المعين فى المنطقة لم يكن ساعتها فى دركه
- ويقال إن غيابه عن واجبه جرى ترتيبه مسبقا أما سيارة البوليس التى ترافق الشيخ البنا لحراسته فقد سحبت قبل 18 يوما من الحادث ,ومن هنا فالأمر يبدو كأنه مخطط جيد الإعداد والتنفيذ وعلى الرغم مما عرف عن عمار بك بوصفه رجلا " حسن الإسلام" أحيانا لدرجة التعصب فإنه عبر أكثر من مرة لسكرتير السفارة عن كراهيته للشيخ البنا".
وهذه البرقية الخطيرة حددت:
- " كراهية عبد الرحمن لالبنا"
- " ذكرت صراحة اسم محمود عبد المجيد مدير المباحث الجنائية بوزارة الداخلية والذى ثبت بعد خمس سنوات أنه المحرض على الجريمة.ولكن النائب العام محمود منصور لم يأمر بالمضى فى التحقيق إلى نتيجته الطبيعية وهى القبض على الجناة.. وهم معروفون!
ولم يحفظ محمود منصور التحقيق. ولم يقيد الجناية ضد مجهول وبقيت أوراق القضية تنتظر رغم المحققين يعرفون المحرض والقتلة ولكنهم لا يستطعون أن يمدوا إليهم يد القانون!وتوقع الإخوان أن يعيد حسين سري باشا التحقيق ويقدم المتهمين إلى القضاء خاصة وأن بينه وبين إبراهيم عبد الهادي خصومة طويلة.
وكا ما فعله حسين سري أن نقل محمود عبد المجيد من إدارة المباحث الجنائية إلى وظيفة مفتش فى إدارة الشرطة.. فى 14 من أغسطس 1949 , بعد ثلاثة أسابيع من توليه رئاسة الوزارة!..
وظل الرعب يلاحق العهد كله سبعة شهور بعد الجريمة وبعد استقالة إبراهيم عبد الهادي وتولى حسين سري رئاسة الوزارة.
فى 2 من سبتمبر كتب الوزير البريطانى تشابمان:
- " يتضح الدليل على أنه مازالت هناك حياة فى منظمة الإخوان المسلمين المنحلة من تقرير سرى وصلنى حول اعتقال أربعة أشخاص فى محطة القاهرة فى .22 من أغسطس 1949.. وما أعقب ذلك من اعتقال ستة أشخاص آخرين وتم ضبط كتيب مع هؤلاء الأشخاص يهاجم الحكومة السابقة.. ويفند اتهامات معينة عن القيام بنشاط هدام صدر على أساسها قرار حل الجماعة.
- ويزعم أن قرار الحل كان نتيجة لضغوط تعرض لها المغفور له النقراشي باشا من جانب السفارات البريطانية والفرنسية والمريكية.ويزعم لاكتيب أيضا أن النظام لسابق أسا استخدام قانون الأحكام العرفية.
- وينتهى بنداء يوجهه بالسماح للمنظمة بالحرية الكاملة بالعودة مقابل أن يتعهد الإخوان المسلمون بتأييد الحكومة باخلا صفى الحفاظ على الأمن والنظام".
بدأ الحديث عن الثورة يتجدد..
بعث وزير الخارجية الأمريكى إلى جيفرسون باترسون الوزير المفوض فى القاهرة يقول:
- " اطلعت على تحذير وارد من مصدر موثوق فيه بأن انقلابا مشابها لذلك الذى وقع فى سوريا يجرى الإعداد له فى مصر.تابع الموقف عن قرب ووافنا بتقرير عنه".
ولكن الثورة لم تقع فى مصر بل جرت محاولة لاغتيال الملك فاروق.طار مراسل أمريكى من القاهرة .ليتجنب الرقابة على البرقيات فى مصر.ومن طرابلس بليبيا بعث المراسل بقصة محاولة الاغتيال التى لم تنشر فى مصر.
قال:
- " أصيب الحارس الخاص للملك فاروق بعدة رصاصات. ونصح الملك بألا يخرج إلى الشارع بعد اغتيال النقراشي.وفى المرات النادرة التى غامر فيها بالخروج كان يتحرك فى موكب هائل من سيارات الجيب المليئة بالضباط من حرس القصر المسلحين بالرشاشات ... وخوفا على حياته فإن فاروق شبه سجين, منذ عدة شهور فى قصر عابدين"!
قاتلان
كان هناك قاتلان الأول قتل رئيس الوزراء النقراشي باشا وقد قبض عليه واعترف بجريمته وقال إنه ممن الإخوان المسلمين.
والثانى عقيد من ضباط الشرطة قتل أو حرض على قتل رئيس جماعة الإخوان المسلمين وهو القاتل معروف للجميع ولكن أحد لم يجرؤ على القبض عليه.
قدم عبد المجيد حسن قاتل النقراشي وزملاؤه الخمسة, بعد تحقيق استمر سبعة شهور إلى المحكمة العسكرية العليا فى 6 من أغسطس 1949 برئاسة المستشار محمد مختار عبد الله وعضوية المستشارين محمد شكرى طلحة ومحمد غالب عطية والعميدين أحمد صالح أمين وإبراهيم زكى الارناؤطى.
وكان عبد المجيد حسن قد ظل صائما منذ ارتكاب الجريمة وكان يسير كيلو مترات فى الصحراء على الأقدام ليرشد المحققين لأماكن التدريب وهو صائم .. ويرفض الأفطار رغم الألحاح عليه..وظل صائما أمام المحكمة وهو يكرر اعترافاته فطلبت منه المحكمة أن يتكلم وهو جالس . وكان يردد أنه يصوم ليكفر عن جريمته البشعة مثل لانيابة العام محمد عزمى ومحمد عبد السلام الذى أصبح فيما بعد نائبا عاما
هاجم محمد عزمى المتهمين ومن خلالهم الإخوان المسلمين بضراوة فقال إنهم قوم أغواهم الشيطان فتفاقمت أطماعهك ولم يجدوا لتحقيق ما باتوا به يحلمون أيسر من الإفتراء على الله ورسوله خديعة للجهلاء وإسلابا لعقول الدهماء.
وقال محمد عبد السلام: إن مقتل الخازندار بك حمل فى تضاعيفه مقتل النقراشي باشا. وإن جماعة الإخوان تحمل وزر الجريمتين معا. فإن هذه الجماعة قد احتضنت الإرهاب بل على الأصح كمن الإرهاب فى تكوينها نفسه.. فإن شعار الإخوان ينطق بالعنف , فهو سيفان بينهما مصحف وتحتهما الآية الكريمة " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة".
- وكان هذا الشعار حريا بأن يثير الظنون فى هذه الجماعة غداة تكوينها منذ عشرين سنة لولا حرص القائمين عليها, فى مبدأ أمرهم على التظاهر بالتزام الدين وحض على العبادة والبعد بهم عن السياسة.
- واشار إلى كتاب ألفه البنا تحت عنوان " رسالة التعاليم منى لإخوان الكتائب"! وقال إن الشيخ البنا أوصى الإخوان بمقاطعة المحاكم الأهلية.. وهذا يدل على فكرة العنف والتحفز والتربص للوثوب والغدر بالنظام الدستورى.
- وأشار إلى "النظام الخاص" فقال إن أفراده أ‘دوا إعدادا تاما للبطش بأعداء الحركة, وقد أخفوا حقيقتهم وبقى أمرهم سرا لا يعلم أمره سوى قادتهم وزعمائهم.
- وقال إن الإخوان اغتنموا فرصة مطالبة الأمة بحقوقها القومية للفت الأنظار عن طريق العنف والجريمة فألقوا القنابل فى جهاتت متفرقة فى القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية وبورسعيد.
- ثم جاء حادث مقتل الخاوندار بك وهيأ للجماعة استمرار هذا الإرهاب. اندلاع الصراع فى فلسطين, ولما وقع حادث شركة الاعلانات الشرقية , تساءل الناس إلى متى تنتظر الحكومة . وقد بات كل شخص لا يأمن على حياته.
- وأثار الإخوان الشغب فى الجامعة يوم افتتاح الدراسة وتابعوا خطتهم فوقع شغب آخر فى المدرسة الخديوية وقتل الحكمدار وألقيت القنابل على رجال البوليس, وعندئد لم يبق فى قوس الصبر منزع, ولم تجد الحكومة أمامها إلا حل جماتعة الإخوان.
- ولم تقابل الجماعة هذا القرار بالطاعة, بل اعتبرته تحديا لها وقال إن ذاكرة عبد المجيد العجيبة وعت تفصيلات الوقائع فلم تخطئ فيها مرة واحدة, وكان كلما ووجه بمتهم. يذكره بالوقائع الخاصة به تماما, ويعيدها بتفصيل ودقة لا يمكن أن يكونا إلا من شخص انطبعت تلك الوقائع فى ذاكرته.
صدر الحكم بإعدام عبد المجيد حسن فى 13 من أكتوبر عام 1949 وكان حسين سرى باشا رئيسا للوزراء.وتلقى عبد المجيد حسن حكم الإعدام بابتسامة لم يحملها, فى قفص الاتهام سواه!
وقال إن قرار المحكمة هو القرار الوحيد الذى توقعه .. وظل واقفا فى القفص فى ثبات وهو يتكلف الابتسام ويقول : هذا قضاء الله. إن الله هو الذى حكم.وأدانت حيثيات الحكم الجماعة نفسها لا المجموعة التى قتلت النقراشي فحسب.
قال المستشار مختار عبد الله فى حيثيات الحكم
- " اتخذت جماعة الإخوان المسلمين من ظاهرها شكل جماعة مشروعة تعمل للخير ولتحقيق أغراض دينية.
وكان هناك نشاط سرى إلى جانب هذا النشاط الظاهرى يرمى إلى إعداد هيئة مدربه تدريبا عسكريا لتحقيق الأغراض البعيدة للجماعة كما تضمنتها رسائل المرشد العام إلى الإخوان وخطبه العديد صريحة فى إقامة نظام ديكتاتورى شامل".
وكتبت السفارة الأمريكية إلى وشنطن تقول:
- " كان عبد المجيد حسن كما ذكرت الصحف يتوقع أن يحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة مدى الحياة.. وربما كان يعتمد على أن الحكم بالإعدام نادر فى مصر خلال السنوات الأخيرة.أما الأربعة من شركائه وهم محمد مالك, وعاطف عطية حلمى وشفيق إبراهيم أنس, ومحمود كامل سعيد فقد حكم عليهم بالسجن مع الشغل مدى الحياة.
- وكانت أهمية الأدلة المتعلقة باشتراك هؤلاء الأشخاص كبيرة وهناك بعض الدهشة لأنه لم يحكم بإعدامهم أيضا.
وهناك اعتقاد فى بعض الدوائر بأن القضاة لا يميلون إلى التشدد فى القسوة على ضوء اغتيال الخازندار فى عام 1948 بعد أن أصدر حكما بالسجن مدى الحياة على اثنين من الإخوان المسلمين.
- وفى هذا الصدد فإنه كان من الأهمية أن تحاط قاعة المحكمة بحراسة مشددة. أما الدهشة الكبرى للأحكام فتمثلت فى براءة عشرة من المتهمين وهناك اعتقاد عام بأن الدليل الذى قدم كان كافيا لإصدار حكم مخفف صدهم وعلى أية حال فإن مسئولى الأمن فى الحكومة لا يعتزمون أن يستعد أى منهم حريته فورا.
- واختلف رد الفعل الشعبى على الأحكام وفقا للمشاعر السياسية ولا يمكن القول أن هناك مشاعر بغض عامة لعبد المجيد كقاتل"!
فى اليوم التالى لصدور حكم الإعدام نشرت صحيفة " المصرى" الناطقة باسم الوفد:
- " نرجو أن يقضى هذا القرار على وساوس الشيطان التى تدفع بشباب نافعين إلى عالم الجريمة والقتل لمعتقدات سياسية".
وقالت المصرى:
- " صدر من قبل محكمة جنايات مصر حكم يقضى بمعاقبة حسين توفيق بالأشغال الشاقة عشر سنوات لقتله أمين عثمان.وما نريد أن نناقشه هو موقف الحكومة المصرية من حسين توفيق.
- لقد فر حسين توفيق عقب محاكمته. وظل مختفيا بعض الوقت وعرف أنه فى شرق الأردن ثم اختفى.ولا اقل من أن تعمل الحكومة على مساواة الفار حسين توفيق بزملائه هؤلاء فتسعى جادة لتسليمه وتنفيذ العقوبة".
وعبرت برقية للسفارة الأمريكية فى القاهرة عن الموقف الحقيقى للوفد من حكم الاعدام.
قالت السفارة:
- " تردد أن أعضاء كثيرين فى الوفد يشعرون بتعاطف كبير تجاه القاتل بسبب الكراهية والازدراء اللذين يكونهما للنقراشى باشا. وقد ارتدوا أربطة عنق سوداء فى اليوم الذى أعلن فيه الحكم على عبد المجيد حسن"!
ونفذ حكم الإعدام فى 25 من أبريل 1950 عندما كان مصطفي النحاس فى الحكم!كوفئ من قتلة البنا محمود عبد المجيد وحده. بعد شهرين من الجريمة تذكرت إدارة الجنايات بوزارة الداخلية أن محمود عبد المجيد قام بمجهودات للأمن قبل 3 سنوات, وأنه يستحق مكافأة قرر وكيل الأمن العام فى 5 أبريل 1949 منحه مكافأة قدرها 300 جنيه عن جهوده فى جرجا عام 1946!
وعندما عرضت الأوراق على عبد الرحمن عمار قرر زيادة المكافأة إلى 600 جنيه . واقر ذلك المجلس الأعلى للبوليس!وكان المبلغ تافها إزاء بشاعة الجريمة وشخصية المجنى عليه. ولكن محمود عبد لمجيد تمتع بالحماية الملكية فى عهد فاروق وحتى نهاية ذلك العهد.
أنعم عليه فى 4 من يوليو 1949 صاحب الجلالة برتبة البكوية من الدرجة الثانية " لما يبديه من جهود فى خدمة الأمن" وعين مديرا لجرجا فى 3 من أبريل 1952.
أما عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية فإن حسين سرى نقله من وزارة الداخلية ليكون وكيلا لوزارة المواصلات فى أغسطس 1949 . وأصابه مرض قاس وعانى آلام رهيبة وعندما قامت الثورة وجده المحقق المستشار حسن داود فى المستشفى فكان يحقق معه وهو على سرير المرض.
وأمر فؤاد سراج الدين باشا وهو وزير للداخلية عام 1950 يخصم 15 يوما من مرتب المقدم حسيم كامل بعد ان أتهمه مرشح وفدى فى الإنتخابات بأنه ناصر الدكتور نور الدين طراف ففاز على مرشح الوفد.
واستعد محمد محفوظ لاستقبال الترقية فقام بتفصيل بدلة الصول ووضع فوق الأكتاف شرائطها ولكن وزارة الداخلية فى عهد حسين سرى رفضت ذلك ووجدت هذه البدلة وسلمت للجيش بعد الثورة كدليل اتهام!وطلب محمود عبد المجيد ترقية الأمباشى أحمد حسين ولكن إدارة الشرطة أبت لأنه يجهل القرأءة والكتابة كما رفضت منحه علاوة المباحث وهة جنيه شهريا لأنه ليس من قوة المباحث!
ولكن أحمد حسين عقب الجريمة بأيام قليلة زار حرم النقراشي فقدمت إليه صورة لقرينها الراحل وعليها هذه الكلمات:هدية منى إلى البطل الأمباشى أحمد حسين.وأهدته أيضا كما يقول قطعتين من الصوف "الإنجليزى" وحقيبة بداخلها ملابس حريرته لزوجته ورزمة اوراق مالية مجموعها 400 جنيه!
وكانت الأدلة ضد قتلة البنا واضحة ورغم ذلك فإن التحقيق فى مصرع المرشد العام لم ينته إلى شئ... طوال تسعة شهور.وجاءت مناسبة انتهزها الإخوان وهى محاكمة المتهمين العشرة بمحاولة اغتيال إبراهيم عبد الهادى وحامد جودة رئيس مجلس النواب.
طلب عبد المجيد نافع محامى المتهمين ضم قضية البنا.قال إن أحد شهود جريمة اغتيال المرشد العام للإخوان وهو محمد الليثي لاحظ أن سيارة القتلة كانت تحمل لوحة ارقام خاصة بالقائ مقام محمود عبد المجيد بك رئيس إدارة المباحث الجنائية.
وأكد عبد المجيد نافع أن رجال البوليس السياسى دبروا ونفذوا الاغتيال وأن شاهد العيان تعرض " للتخويف " والتهديد عندما ذكر للبوليس رقم سيارة القتلة.نشرت كل الصحف ذلك عدا " الأساس" صحيفة "السعديين" رقم سيارة القتلة.
يوم 6 من نوفمبر 1949. كتب السفير الأمريكى جيفر سون كافرى:
- "كان عبد الهادى باشا رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية فى ذلك لاوقت ونشر القصة لطمة لمكانة السعديين التى اصابها الضعف بالفعل . وخاصة بالنسبة للسمعة التى تتمتع بها صحيفة " الأهرام" وتشير التقارير السرية إلى أن نشر القصة كان من تدبير رجال الوفد . بهدف أضعاف خصومهم الرئيسيين".
ومن هذه البرقية يتضح أن النشر لم يكن لعقاب المتهمين بقدر ما كان الهدف أضعاف الحزب السعدى فى الانتخابات التى تمهد لها ويجريها وزارة حسين سرى!كان نشر القصة مناورة سياسية من فؤاد سراج الدين سكرتير العام للوفد فإن الصحفى الذى كتبها هو أبو الخير نجيب المحرر السابق فى صحيفة " النداء" الوفدية أما نائب رئيس التحرير الذى أقر النشر فكان من الموالين للوفد أيضا وعندما علم رؤساء تحرير الأهرام بنشر القصة استشاطوا غضبا.وبوغتت الرقابة على الصحف بالنشر وهى تغفو.
نشرت " الأهرام" يوم 9 من نوفمبر 1949 أن رئيس الوزراء " طلب ملف التحقيق فى قضية مقتل المغفور له الشيخ البنا".
خاف السائق محمد محفوظ ولكن المقدم توفيق السعيد قال له:
- لا تخش شيئا سيذاع تكذيب لذلك بعد ظهر لايوم. وبالفعل لم يدع رئيس الوزراء ذلك النبأ يمر بلا تعليق بل اسرع بإصدار بلاغ رسمى اذاعته الإذاعة ونشرته صحيفة "الزمان" المسائية فى نفس اليوم .
قال البلاغ:
- " عادت بعض الصحف إلى نشر بيانات عن حادث مقتل المغفور له الشيخ البنا"
واضاف بعضها أن حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء اتخذ فى هذا الموضوع تدابير معينة وأن اجتماعا عقد بمكتب حضرة صاحب المعالى وزير الدولة لبحثه.والحكومة تعلم أن هذه القضية بين يدى النيابة.
وأنها حرة فى اتخاذ ما تراه من إجراءات حيالها والسلطة التنفيذية حريصة كل الحرص على عدم التدخل بحال من الأحوال فيما هو من عمل السلطة القضائية على أية صورة"
وأصدر رئيس النيابة العسكرية العليا فى نفس اليوم أمرا بحظر النشر فى القضية ومن الواضح أن هذه المحاولة السريعة لاسدال الستار على التحقيقات لم تنم بإيعاز من سرى باشا بل لابد أن رئيس الوزراء خضع فى ذلك لرغبات أو أوامر صاحب لجلالة فاروق الأول.
قال لى إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر الأسبق تعليقا على الوثائق الأمريكية التى تتهمه بانه تستر على قتلة البنا عندما كان رئيسا للوزارة عام 1949.
قال إبراهيم عبد الهادي وقد بدأ عليه الألم:
- لا عجب عندى أن يثير الإنجليز حولى جوا من الشكوك والاتهامات كنت من أشد خصومهم... وأقوى الدعاة فى ثورة عام 1919 ... وقد نسبوا إلىّ القدرة على تشكيل التنظيمات ضدهم.اتهمت كذبا فى قضية المؤامرة الكبرى الملفقة عام 1920 ...
- وكان اتهامى نتيجة لنشاطى فى الخطابة ضد الإنجليز فى ثورة 1919 وبالذات فى الأزهر الشريف .. وهى القضية المعروفة بقضية عبد الرحمن فهمى.وبقيت فى السجن نحو 4 سنوات.. نقلونى فى خلالها من سجون الاستئناف إلى الزقازيق وطنطا ومصر ولم يفرج عنى إلا بعد أن تولى سعد زغلول الحكم.
- وسجنت مرة أخرى فى قضية مصرع السردار السير لى ستاك.. وبقيت سجينا 75 يوما وكنت آخر من أفرج عنهم من المحبوسين فى هذه القضية وتم الإفراج عنى بعد أن أعترف المتهمون بقتل السردار.وهذا هو مو ماضى مع الإنجليز فلما قتل محمود فهمي النقراشي كنت رئيسا للديوان الملكى وعرضت علىّ الوزارة فقبلتها..
- وكان قد قبض على قاتل النقراشي متلبسا ولم يكن هناك إذن ما يدعو للإنتقام.ثم لماذا نأخذ عن الوثائق الأجنبية فى قضية البنا ونترك احكام المحاكم المصرية؟إن القضاء المصرى نظر فى قضية البنا ومقتله أكثر من مرة.. وجميع الدوائر التى أحيلت عليها هذه القضية ابتعدت كل البعد عن اتهامى بالتستر على الذين قتلوا البنا.
- وصدر الحكم بعد قيام الثورة.. ولم يتضمن من قريب أو بعيد إشارة لاتهامى بالتستر.وكان يمكن للنيابة أن تطعن فى هذا الحكم خلال 18 يوما ولكن النيابة لم تطعن وبذلك أصبح الحكم نهائيا.وتولى التحقيق فى قضية البنا منذ اللحظة الأولى النائب العام وبقيت رئيسا للوزراء 6 شهور نصفها بعد مقتل البنا .. ولم يظهر الفاعل وقتها مع استمرار التحقيق.
- وجاءت بعدى وزارتا حسين سرى ومصطفي النحاس باشا.وتعاقبت الوزارات حتى قيام الثورة... ولم يظهر القتلة فهل كل رؤساء الوزارات كانوا متواطئين على الصمت أيضا.. أو كانوا متواطئين على التستر علىّ وبينى وبينهم خصومات سياسية؟
- هل كان يمكن أن يتستر مصطفي النحاس باشا على جريمة يمكن أن أكون أنا شريكا فيها أو متسترا على مرتكبيها؟هل كان يمكن أن يتستر علىّ حسين سري ولو كان الملك أيامها يعرف أنى متهم لما سكت عنى .. ولما سكتت عنى الوزارات التالية والتى كانت تؤيده تأييدا كاملا فى كل ما يتخذ من إجراءات..
ولما سكت عنى الإنجليز الذين حقدوا علىّ فسجلوا حقدهم فى وثائقهم التى صدقتموها ورفضتم تصديق كلمة القضاء المصرى.ابعد أن أعطيت عمرى وشبابى وحياتى لمصر تجئ الأيام لتلقى علىّ شبهة اتهام بالتستر على جريمة؟"!
وقدم إبراهيم عبد الهادي إلى محكمةة الثورة برئاسة قائد الجناح عبد اللطيف البغدادي عضو مجلس قيادة الثورة بعدة تهم منها التستر على قتلة البنا .. وأصدرت المحكمة حكما بالإعدام على إبراهيم عبد الهادي ورأى مجلس قيادة الثورة فى 4 من أكتوبر 1953 تخفيف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة ولكن المحكمة لم تحدد هل هو برئ أو أدين فى هذه التهمة.وقد أفرج عنه صحيا بعد أربعة شهور فى 2 من فبراير 1954 ونقل إلى بيته لإصابته بأزمة قلبية.وكان سبب الإفراج الخلاف بين الثورة والإخوان فى ذلك الوقت!
اشارت كل الأدلة إلى أن الملك كان وراء اغتيال البنا.قال أنطون بوللى بك خام الملك فاروق وقواده للماجور سانسوم ضابط الأمن بالسفارة البريطانية:قرار اغتيال البنا اتخذ فى القصر الملكى وخطط له داخل هذا القصر ونفى بوللى الاتهام عن الملك وحده قال:صاحب الجلالة لم يكن يعلم!
وكان فاروق أيامها يحكم مصر ولم يكن فى استطاعة بوللى أن يوجه الاتهام غلأى مولاه! ظل حزب الوفد بعد استقالة إبراهيم عبد الهادي يطالب بإعادة التحقيق فى القضية.وتولى مصطفي النحاس رئاسة الوزارة المصرية فى 12 من يناير 1950 بعد أن اكتسح باقى الأحزاب فى الانتخابات.
وفتحت "جريدة الأهرام" صفحاتها لمحمد الليثي الذى أعيد إلى القوات المسلحة رئيسا للقسم السكرتارية بالسلاح الجوى الملكى ثم نقل إلى إدارة الشئون العامة وأصبح محررا فى صحيفة الأهرام بالإضافة إلى عمله فى السلاح قبل أن يتفرغ بعد ذلك للعمل الصحفى فى الأهرام.
وكان أصحاب المصلحة فى حملة الليثى للكشف عن المتهمين ومحاكتهم هم الوفديون! أو على الأقل هم الذين افادوا من الحملة!ظل محمد عزمى نائبا لمدة عامين دون أن يتحرك التحقيق خطوة واحدة وفى عهدهوبكلماته نفسها , التى أدلى بها بعد الثورة قال:"استمر التحقيق نائما" ولم يفتح الوفد التحقيق فى قضية اغتيال المرشد العام.
وفى مذكراته التى أحال بها المتهمين إلى غرفة الاتهام قال فؤاد سرى رئيس النيابة الذى تولى التحقيقات الأخيرة فى القضية بعد الثورة.
" بيت العميد محمود عبد المجيد النية على قتل المرشد العام ولكن لم يصل التحقيق إلى تحديد ذلك متفقا مع ولاة الأمور فى لادولة, أو أن محمود عبد المجيد كان يعمل لذلك حتى يحظى بتقدير ولاة الأمور ولثقته فى أنهم أهدروا دم الشيخ البنا فبات تنفيذ قتله امنية يتوقون إليها ويرجون تحقيقها".
وعندما حوكم المتهمون باغتيال البنا قال محاموهم:
- لو أن الملك لم تكن له يد فى ارتكاب الحادث ماكان من المعقول اطلاقا أن تلتزم حكومة الوفد الصمت خاصة بعد أن أوضح العداء بين صاحب الجلالة وإبراهيم عبد الهادي عندما اشترك فى توقيع عريضة المعارضة التى أغضبت فاروق.
- إذا كان الوفد يخشى أن تمس التحقيقات صاحب الجلالة ملك مصر أو رجاله فإن الوفد كان يستطيع وله أغلبية برلمانية عارمة فى مجلس النواب, ثم فى مجلس الشيوخ أن يعيد الجماعة ولكن فؤاد سراج الدين وزير الداخلية وضع 3 شروط لاعادة الشرعية للجماعة.
- لا يتم استئناف النشاط الرسمى للجماعة إلا بعد رفع الأحكام العرفية .
- يمكن استئناف النشاط بصورة غير رسمية ولكن تحت اسم جدسد.
- لا يستخدم الاسم القديم إلا بعد رفع الأحكام العرفية وعودة الجماعة. نهائيا إلى الشرعية..
- وقد اضطر مصطفي مؤمن تحت إلحاح الرغبة فى إعادة نشاط الجماعة بأى شروط إلى قبول العرض الوفدى.وقد ذهب مصطفي مؤمن فى ذلك إلى حد اقتراح اسم جديد للجماعة هو (النهضة الإسلامية) ولكن باقى زعماء الجماعة, وصالح عشماوي بوجه خاص رفضوا الاقتراحين بتغيير اسم الجماعة أو تأجيل نشاطها.وانتهى الأمر بفصل مصطفي مؤمن من الجماعة!
كتب السير رونالد كامبل السفير البريطانى إلى لندن يوم أول من أبريل 1950:
- " ما يخبئه المستقبل للإخوان المسلمين مفتوح للتخمين.وقد ظلت سياسة الحكومة حاليا سياسة قمع.
ويبدو أن الإخوان لم يتخلوا بأى شكل عن النضال.بل يبدو أملهم فى الحياة تبلور الآن فى تصميم على استمرار الجماعة سواء حظرت أم لا"
ويرى السفير الخدعة التى لجأ إليها الوفد لإقناع الإخوان بأ، بريطانيا تضغط على الوفد لعدم الغاء قرار الحل. وأن ارنست بيفن وزير خارجية بريطانيا هو الذى نصح بذلك عند زيارته لمصر.
قال السفير:
- " انتشرت شائعة فى دوائر الإخوان المسلمين باحتمال احياء الإخوان المسلمين.ولكن بمجرد وصولك تغير الموقف ومن هذا نستنتج بوضوح أن الحكومة استمعت إلى نصيحتك المزعومة بعدم تشجيع إحياء حركة الإخوان.
- ومن المحتمل أن يؤدى ذلك إلى تشجيع اعتقاد بين الإخوان بأن انتعاش ركنهم أمر مستبعد نتيجة للضغط البريطانى لأن الوفد إلى حد ما خدع الإخوان فى الحملة الإنتخابية للحصول على اصواتهم لذلك فإنهم يرحبون بأى عذر لحجب المكافأة التى ينتظرها الإخوان نتيجة لتأييدهم".
ظلت وزارة الوفد فى إشارتها للإخوان تصفهم بهاتين الكلمتين: " الجماعة المنحلة".
وقدمت الحكومة إلى البرلمان القانون رقم 50 لعام 1950 يعلن رفع الأحكام العرفية وكل القرارات المرتبطة به, باستثناء ما تعلق منها بالإخوان المسلمين.
ومرة أخرى يصف ميتشيل ما جرى قال:
- " فى أول مايو 1950 تم رفع الأحكام العرفية واجتمع مكتب الإرشاد بقادة الإخوان وصرح بأن جماعة الإخوان المسلمين تنعم الآن بالوجود الشرعى.وارتفعت راية الجماعة فى جميع انحاء البلاد.
- ولكن بادرت قوات الأمن الحكومية إلى العمل على الفور فمزقت الرايات وانزلتها هى وكل (الشعارات) الأخرى المرتبطة بالجماعة, واحتلت المركز العام وأصر الإخوان على موقفهم.
- اصبح الخلاف علينا بين الحكومة والجماعة بسبب ما أعلنه وزير الداخلية عن عزمه شراء (مبنى) المركز العام للجماعة لتحويله إلى نقطة شرطة".
ويحاول فؤاد سراج الدين التخفيف من حدة الأزمة بين الوفد والجماعة فيعلق فى حديثه لصحيفة " الأهرام" يوم 26 من أكتوبر عام 1950:
سيباشر الإخوان نشاطهم.انتهى العام الأول لوزارة الوفد فأعلن فؤاد سراج الدين أن الحكومة تفكر فى استبدال قرار حل الإخوان بقانون جديد للجمعيات!
- وأعد مشروع القانون وهو يسرى على الجمعيات التى تسعى لتحقيق أغراض اجتماعية أو دينية أو علمية أو أدبية إذا كان عدد أعضائها يزيد على 20 باستثناء الجمعيات النشاط المدرسى.
- ولا يجوز للجمعيات أن تكون لها تشكيلات عسكرية او شبه عسكرية وألزمت الجمعيات بتسجيل معلومات تفصيلية عن كل عضوا وإيداع صورة فوتوغرافية. لدى السلطات المختصة.
- تبين الإخوان المسلمون أن المشروع موجه ضدهم بالذات ويمنع حركتهم يفرض عليهم رقابة بوليسية رغم أن فؤاد سراج الدين قال إن المشروع لا يعنى جمعية بذاتها وإنما ينطبق على الجمعيات المحتلفة.
- وقدم مشروع القانون يوم 16 من أبريل 1951 إلى البرلمان. وخلال مناقشة القانون أمر صالح عشماوي الأعضاء بالخروج فى مظاهرة ضخمة أمام مبنى البرلمان.
- ونوقش المشروع فى مجلس النواب يوم 17 نمن أبريل 1951 ويتوجه السفير البريطانى الجديد السير رالف ستيفسون إلى فؤاد سراج الدين وزير الداخلية يسأله عن الجماعة
ثم بعث السفير إلى لندن فى 23 من أبريل 1951 يقول:
- " فى حديث مع وزير الداخلية أمس أثرت مسألة الإخوان المسلمين قال سراج الدين باشا إنه لا يشعر بالقلق على الإطلاق إزاء مستقبل نشاط هذه الجماعة ولم ينكر أنها كانت خطرة فى الماضى . ولكنه يرى أن ذلك يرجع إلى تشجيع القصر لها كسلاح ضد الوفد وإلى شخصية الشيخ البنا. ولا يوجد الآن زعماء يتمتعون بسمات القيادة والمبادرة.
- وعلاوة على ذلك فإن التشريع المقترح سوف يمنع الإخوان من أن يجعلوا من أنفسهم شيئا مزعجا. وهو يتفق معى فى احتمال حدوث تغلغل فى الإخوان من جانب الشيوعيين. الين تتجه ارتباطهم التقليدية إلى التسلل داخل المنظمات القومية المتطرفة واستغلال هذه المنظمات كوسيلة لإثارة المتاعب بوجه عام"
ويعلق مسئول فى وزارة الخارجية البريطانية فى نفس اليوم 23 من أبريل على حديث سراج الدين فيقول فى مذكرة سرية:
- " تصريح سراج الدين بأنه لا يوجد بين قيادات الإخوان من هو فى قدرة البنا أمر صحيح تماما.إن مشروع قانون الجمعيات الجديد سوف يمضى طويلا فى التصدى لتوسع الإخوان المسلمين. ولكنه يخشى أن تقم العناصر المتطرفة فى المنطقة بعمليات إرهابية.
- ومن ملامح القانون الجديد الذى سيكون له تأثيرا شديد شرط عدم السماح لأى شخص تحت 21 سنة أن يصبح عضوا عاملا فى الإخوان . ويقصد من ذلك بطبيعة الحال التصدى لقوى الإخوان فى الجامعات وعلى اى حال فإنه يتفق معنا فى أننا لم نشهد أسوأ من الإخوان الذين يعدون بالنسبة لمصر أكبر عائق للأمن العام أكثر من الشيوعية"!
تم التصديق على القانون وأعلنت الجماعة على رءوس الأشهاد أنها لن تسجل نفسها طبقا للقانون أو تنفيذا له. وأكدت الجماعة تصميمها على المطالبة بإستعادة مقارها التى يتلها البوليس وعياداتها الطبية وأموالها المصادرة.
ويبعث السفير البريطانى إلى لندن البرقية رقم 79 بتاريخ 27 من يونيو 1951 .. وفيها يقول:
- " التزم الإخوان المسلمون الهدوء فى الفترة الأخيرة . ولا يبدو ان هناك تغييرا فى موقفهم إزاء قانون الجمعيات .وبالتالى لا يبدو أنهم اقترفوا بأى شكل من استعادة مقارهم وأموالهم".
لم يعد الإخوان إلا بعد صدور حكم من مجلس الدولة كانت هناك دعوى معلقة أمام المجلس منذ نوفمبر 48 قدمها البنا وعبد الحكم عابدين السكرتير العام بالتظلم من قرار إغلاق فرعين لجماعة فى بورسعيد والإسماعيلية!استؤنف نظر الدعوى بعد التماس جديد قدمه عبد الحكيم عابدين برئاسة المستشار سامى مازن فى 15 من أغسطس 1951.
بحثت المحكمة المبررات القانونية لقرار الحل وما تلاه من إجراءات. وصدر الحكم بتأييد الجماعةوبطلان أمر بيع المركز لاعام وإعادة ممتلكات الجماعة وأرصدتها المالية.وكان من نتيجة الحكم من الجهة القضائية المسئولة أن اعتبر بمثابة تصديق قانونى على الوجود الشرعى للجماعة.
ولم ينفذ الحكم إلا بعد الغاء حكومة الوفد لمعاهدة عام 1936 مع بريطانيا وحاجة الوفد للتأييد فصدر القرار فى 17 من ديسمبر 1951 بالإفراج عن ممتلكات الإخوان المصادرة بما فى ذلك الصحف والمنشآت جميعها.
وهذا كله يقطع بدور الملك فى حل الجماعة واغتيال البنا فإن الوفد عجز,. أو رفض الوقوف مع الإخوان إلا بعد الغاء معاهدة عام 1936 وبعد أن أخذ الوفد موقف التحدى لكل من الملك والإنجليز.
وكان الوفد يعرف , مثل الجميع أن القاتل الثالث.. أو المحرض القاتل .. أو القاتل الحقيقى.. صاحب الجلالة نفسه وإن كانت يده لم تطلق رصاصة ولكنه الذى أصدر حكم الإعدام .. على المرشد العام!
القصاص
قامت ثورة 23 يوليو 1952.وقبض على المقدم محمد الجزار يوم 25 من يوليو. قبل اعتزال فاروق العرض وخروجه من مصر.
نشرت "صحيفة الأخبار" أن أحد كبار المعتقلين أدلى باعترافات هامة فى قضية البنا فلما سأل السائق محمد محفوظ, العميد محمود عبد المجيد عن صحة الأمر قال الرجل فى ياس: اللى يحكم بيه ربنا:اللى مكتوب له شئ حايشوفه!
وأضاف:ما تعملش شوشرة. اسكت!وفى 29 من يوليو 1952 بعد خروج الملك بثلاثة أيام أرسلت قيادة الجيش إشارة باستدعاء العقيد محمود عبد المجيد مدير جرجا إلى القاهرة فقبض عليه داخل مكتبه فى ديوان المديرية المحافظة بقرار من البكباشى زكريا محيي الدين مدير المخابرات وقتئذ. وقال إن ذلك بأمر قائد الثورة.وألقى القبض على المخبرين الأربعة المتهمين باغتيال البنا.
وكانت هذه العجلة فى أشد أيام الثورة خطورة دليلا على أنها قضية الجيش وهدف من أهداف الثورة!قال لى زكريا محيي الدين رئيس وزراء مصر الأسبق إنه لم يصدر قرار القبض على محمد الجزار فقد سافر يوم 24 من يوليو إلى الإسكندرية وبقى بها حتى طرد الملك السابق على الباخرة المحروسة فعاد إلى القاهرة يوم 27 من يوليو.
وكان مقررا أن تصر الثورة على طرد فاروق يوم 25 من يوليو ولكنه أى زكريا محيي الدين طلب تأجيل التنفيذ 24 ساعة فإن القوات المسلحة التى وصلت من القاهرة لحصار قصر رأس لاتين كانت مرهقة.
وقال إن الثورة كانت قد أعدت قائمة بأسماء كبار ضباط الجيش والسياسيين ورجال الشرطة الذين سيقبض عليهم لتأمين الثورة وكان بين ضباط الجيش الثائرين من يتعاطف مع الإخوان كما كان الإخوان متعاطفين مع الثورة ولابد أن أحد قد اقترح الاهتمام بقضية اغتيال البنا والقبض على الجزار فصدر الأمر بذلك فقد كانت تضاف أسماء باستمرار.وقال زكريا محيي الدين إنه بعد عودته للقاهرة لم يصدر قرارا باعتقال محمود عبد المجيد.
وقال زكريا محيي الدين إنمه يعتقد أن القرارين لم يصدروا قرارا باعتقال محمود عبد المجيد . وقال زكريا محيي الدين إنه يعتقد أن القرارين صدرا من جمال عبد الناصر فإنه الذى كان يملك القرار فى ذلك الوقت ويصدره من كوبرى القبة حيث توجد القيادة.
قال أنور السادات:
- " كان أول إجراء اتخذته الثورة إزالة آثار الماضى البغيض ومحاسبة المسئولين عنه بالحق والعدل إعادة التحقيق فى قضية البنا".
جرى التحقيق مع المتهمين فى السجن الحربى وتولاه نائبا الأحكام الضابطان السيد جاد إبراهيم وإبراهيم سامى جاد الحق فردد محمد محفوظ سائق سيارة محمود عبد المجيد يوم 30 من يوليو 1952 أقواله الأولى.
ولكن قيادة الجيش تلقت بلاغات متعاقبة بأسماء القتلة . وفى 6 من أغسطس انهار محمد محفوظ وكان فى الثانية والأربعين واعترف بتفاصيل الجريمة. وأكد اعترافه بعد ذلك مرة أخرى أمام نائب الأحكام.ثم كرر الاعتراف أمام النيابة.
وعاد يردد الاعراف ست مرات أخرى أمام المستشار حسن داود الذى حقق القضية فى دار القضاء العالى وفى مواجهة المتهمين الآخرين. وقال محمد محفوظ إنه مظلوم ينفذ أوامر رئيسه وكان يظن أنه بذلك يفلت من العقاب وأنه يسمع كشاهد لا كمتهم.
ونفى محمد الجزار أنه ضغط على الليثى لتغيير رقم السيارة.وقال:لا يوجد عداء شخصى بينى وبين أية هيئة. الحكومة هى التى توجه رجال الشرطة بما فيهم القسم السياسى.
وقال إنه علم بتدبير الجرمية بالإشتراك بين لسراى مع عبد الرحمن عمار وأن عمار أحضر محمود عبد المجيد من جرجا. وهو بدوره أحضر المخبرين. وروى كل التفاصيل عن وجود ضابط الشرطة قرب المكان لاستلام المتهمين فى حالة ضبطهم ولكنه قال إن كل معلوماته عرفها بعد وقوع الحادث ولم يتقدم بها لأن أحدا لم يكن يستطع أن يفعل ذلك.. عام 1949!
واعترف بأن عبد الرحمن عمار كلف المقدم توفيق السعيد من القسم السياسى أيضا بمنع الليثى من تأدية الشهادة وأن توفيق السعيد اقترح عليه القيام بهذه المأمورية لأن هذه المسالة تهم السراى الملكية فاعتذر.واعترف بأنه قابل الليثى. وزعم أنه نصحه بذكر الحقيقة كاملة!
أحسّ الجزار بأن اعترافه يدينه فاحتطف موسى حلاقة وحاول قطع شرايين رقبته قاصدا الانتحار فى السجن الحربى. وطلب الادلاء بأقوال أخرى بعد ثمانية أيام فعدل عن اعترافه السابق قال: كنت فى حالة غير طبيعية .. أهذى ولا أعرف بماذا أجبت.. وما قلته يصلح مادة للتحقيق والبحث!! ووقعت على الأوراق دون قرأتها وكل ما قلته مجموعة إشاعات مما كان يتردد فى دوائر الشرطة وليست لدى معلومات يقينية إطلاقا.
وقال: وضعونى وحدى.. دون غيرى من امتهمين . فى زنزانة منفردة!وأكد أن الليثى كان يعمل مرشدا لديه.ولكن لم يقم دليل واحد على ذلك التأكيد . وقال الليثى إنه عرف الجزار بمناسبة القبض عليه فى قضية اغتيال أحمد ماهر واتهامه بالقاء القنابل على " أخبار اليوم"
وظلب الجزار أن يلتقى باللواء محمد نجيب قائد الثورة.ظل محمود عبد المجيد ينكر صلته بالجريمة ولكن وجدت ورقة بخط يده فى وزارة الداخلية تبين أنه كتبها لمحمد وصفى عندما كان يدبر لقتل ضابط جيش اسمه عبد القادر طه. وهو من خصوم الملك.
فى هذه الورقة كتب محمود عبد المجيد اسماء " القتلة" الذين عمل على نقلهم إلى وزارة الداخلية وهم البكباشى حسين كامل واليوزباشى عبده أرومانيوس والأمباشى أحمد حسين والجاويش محمد سعيد والأمباشى حسين محمد سعيد.
وكان يريد أن يستعين بهم محمد وصفى لقتل الضابط عبد القادر طه وتعرف عبد الكريم منصور فى عرض قانونى على الأمباشى أحمد حسين ووكيل الباشجاويش محمد سعيد إسماعيل وقال إنهما أطلقا الرصاص على المرشد العام.
رأت إدارة الجيش أن التهمة ثابتة قبل المتهمين فأرغمتهم على ارتداء ملابس السجن الزرقاء قبل الحكم عليهم!وأحالت قيادة الجيش القضية يوم 17 من أغسطس أى بعد أقل من شهر على قيام الثورة إلى النيابة العمومية للتولى التحقيق فيها.
وبعد شهر فى 29 من أغسطس 1952 جرى البحث عن مصطفى من الأوصاف التى أدلى بها السائق محمد محفوظ وتبين أنه مصطفى أبو غريب الذى كان يعمل قبل ذلك بالمباحث وأنه يتجر بالمخدرات ويتخذ من عمله بالمباحث ستارا يحميه من القانون فقام ضابط من المباحث العامة بالقاهرة بالسفر إلى سوهاج واستطاع القبض عليه فى طما وكان قد مضى على الجريمة ثلاث سنوات ونصف سنة.
نشرت صحيفة " الجمهور المصرى" صور جميع المتهمين يوم 20 من سبتمبر فارتفع توزيعها إلى 75 ألف نسخة!وطلب النائب العام إلى وزير العدل ندب أحد مستشارى محكمة استئناف القاهرة للتحقيق.
ويسمع محمد وصفى قائد حرس الوزارات الذى أصبح برتبة عميد بأنباء التحقيقات فيسرع إلى دار السفارة البريطانية يطلب اللجوء السياسى.
وقال للمسئولين بالسفارة:
- إعطونى إحدى السيارات الدبلوماسية إلى معسكرات القوات البريطانية فى فايد ومنها أستقل إحدى الطائرات السلاح الجوى الملكى البريطانى إلى قبرص أو عدن.
قال الماجور سانسوم ضابط أمن السفارة للسفير:
- انقذوا حياة هذا الرجل الذى ساعدنا كثيرا.
وفى مذكراته قال سانسوم إن السفارة أبرقت إلى وزارة الخارجية التى رفضت وقالت:
- لا نريد أن نبدأ تعاملنا مع النظام الجديد بخطوة خاطئة . ولا يوجد ما يدعونا للمخاطرة بانقاذ رجل شرطة.وهكذا تركت السفارة البريطانية محمد وصفى لمصيره فتوجه إلى مكتبه يجمع اوراقه الخاصة فى "جوال" لم يعثر عليه أبدا وقيل إنه نقله إلى أحد منازله الثلاثة فى القاهرة والإسكندرية.
وانتحر وصفى فى منزله بالقاهرة بتناول كمية من الحبوب المنومة مؤثرا الموت على مواجهة الموقف بعد أن علم أن ضابط الجيش عبد العزيز صادق كلف بالتفتيش عليه.
وتنشر صحيفة " المصرى" تحت عنوان فى صدر الصفحة الأولى يوم 20 من سبتمبر نبأ الانتحار. قالت " المصرى" إن محمد وصفى علم قبل موته بساعات قليلة أن التحقيقات الدائرة فى قضية مصرع البنا تناولته ولعلاقته أيضا باغتيال الضابط عبد القادر طه".
ندبت محكمة القاهرة المستشار حسن داود فأعاد التحقيق كله فى أول أكتوبر 1952 فى السجن الحربى بقشلاقات الجيش فى العباسية بمدينة القاهرة وكان هذا هو التحقيق السادس فى القضية.
التحقيق الأول بدأه عبد العزيز حلمى رئيس النيابة يعاونه وكيلان هما محمد زكى عصمت ومحمود حسن عمرو وكيلا النيابة عقب الجريمة مباشرة فى عهد وزارة إبراهيم عبد الهادي.والتحقيق الثانى تولاه النائب العام محمد عزمى فى وزارة حسين سرى كما جرى تحقيق آخر أثناء حكم النحاس.
وبعد الثورة جرى التحقيق الرابع بواسطة الجيش عن طريق نائبى الأحكام.وتولت النابة التحقيق الخامس وانتهت منه فى الثامنة من مساء يوم 18 من ديسمبر عام 1952.. أى فى نفس الساعة تقريبا التى قتل فيها المرشد العام. ولكن بعد ثلاث سنوات وعشرة شهور وخمسة أيام و23 ساعة وخمسين دقيقة من اغتيال الشيخ!
أحال فؤاد سرى رئيس النيابة إلى محكمة الجنايات تسعة من المتهمين باغتيال الشيخ البنا منهم ثمانية من رجال الشرطة وواحد من الفلاحين.
بين رجال الشرطة عميد هو محمود عبد المجيد مدير المباحث الجنائية ومقدمان هما محمد محمد الجزار وحسين كامل واليوزباشى عبده أرمانيوس والباشجاويش محمد محفوظ ووكيل الباشجاويش محمد سعيد إسماعيل واثنان من الأومباشية: أحمد حسين جاد وحسين محمدين رضوان.والفلاح مصطفى محمد أبو الليل يوسف غريب. من طما بمحافظة سوهاج.
وجهت النيابة إلى الإمباشى أحمد حسين جاد والفلاح مصطفى أبو الليل تهمة قتل الشيخ البنا عمدا مع سبق الإصرار والترصد والشروع فى قتل عبد الكريم محمد أحمد منصور المحامى مع سبق الإصرار والترصد أيضا.
ووجهت إلى باقى المتهمين من ضباط الشرطة والجنود عدا الجزار تهمة التحريض والإتفاق والمساعدة فى الأعمال المجهزة والمسهلة والمتممة لارتكاب الجريمة فذهبوا يشدون أزر المتهمين ويردون عنهما من يتصدى لهما أو يحاول ضبطهما أو يحول بينهما وبين إتمام الجريمة ويسر لهما السائق سبيل الفرار ونسب إلى لمقدم الجزار تهمة معاونة الجناة على الفرار وإخفاء أدلة الجريمة وتقديم معلومات يعلم بعدم صحتها.
استاء الإخوان لأن قرار الاتهام لم يشمل إبراهيم عبد الهادي ضمن الجناة كما استبعد القرار أيضا عبد الرحمن عمار.عرضت القضية على غرفة الاتهام فى 28 من يناير 1953 برئاسة مرسى فرحات رئيس محكمة استئناف مصر وعضوية المستشارين محمد على جمال الدين وعبد الرحمن جنينة وممثل النيابة أحمد فؤاد سرى رئيس النيابة العسكرية.
ندبت الغرفة فى 11 من فبراير عضو اليمين المستشار محمد على جمال الدين لاستكمال التحقيق فقام بذلك ثم عرضت القضية مرة أخرى فى 11 من مارس.فطن محمد محفوظ إلى أن اعترافاته العديدة لا تعفيه من العقاب بل تدينه فعدل عنها جميعا وقال إنه عذب ليعترف.
وطلب محفوظ رد المستشار المحقق على جمال الدين فاعتذر عن الاشتراك فى الهيئة التىتفصل فى طلب الرد. ندب بدلا منه المستشار محمد كامل البهنساوى.قال المتهم إن المستشار محمد على جمال الدين انطوت نفسه على موالاة شديدة وعطف جامح على أفراد أسرة البنا المدعويين بالحق المدنى يقابلها عداء ظاهر للمتهمين الأمر الذى يرجح معه عدم استطاعته الحكم بغير ميل.
وبنى طلب الرد أيضا على أن لمستشار صهر لسعيد رمضان وكيل وزارة العدل السابق وهو على صلة وثيقة بالإخوان.نفى محمد على جمال الدين أن لصهره علاقة بالإخوان قال هناك تشابه فقط بين اسمه واسم سعيد رمضان عضو الجماعة.
نظرت طلبا لرد هيئة برئاسة المستشار غبراهيم حلمى فقررت رفض الطلب وتغريم المتهم خمسين جنيها. حاول المتهمون المرافعة أمام غرفة الاتهام ولكنها رفضت ذلك فى 31 من مارس.
قالت إنها هيئة تحقيق وليست هيئة محاكمة وتعقد جلساتها فى غير علانية وليس للخصوم المرافعة أمامها. واصلت الغرفة نظر القضية وقررت تقديمها إلى محكمة الجنايات مع الإفراج عن جميع المتهمين عدا أربعة وهم:
- العميد محمود عبد المجيد.
- الامباشى أحمد حسين جاد.
- الفلاح مصطفى أبو الليل.
- سائق السيارة محمد محفوظ.
ورفضت الغرفة طلب ادخال إبراهيم عبد الهادي. وعبد الرحمن عمار كتهمين وأحالت القضية محكمة الجنايات برئاسة المستشار كامل أحمد ثابت.وكان مقررا أن تنظر القضية أمام محكمة الثورة العسكرية للتعجيل بمحاكمة المتهمين ولكن الخلافات بدأت بين الإخوان ومجلس الثورة فرأى المجلس أن من الأفضل نظر القضية أمام القضاء العادى لتؤجل ويعطى الدفاع الفرصة للهجوم على الجماعة طبقا لأصول وقواعد وإجراءات المحاكمات أمام محاكم الجنايات !
ورأى مجلس الثورة أن محاكمة القتلة أمام الثورة يؤكد الرابطة بين مجلس الثورة والإخوان فى حين أراد المجلس أن يمهد للإنفصال والقطيعة النهائية مع الجماعية!بدأت محاكمة المتهمين التسعة فى 10 من نوفمبر عام 1953 واستمر نظر القضية فى 11 جلسة.
كرر السائق محمد محفوظ ما قاله أمام غرفة الاتهام من أن ضابط الشرطة طه زغلول أركان حرب الأمن ورجل البوليس كان يأخذه غلى غرفة فى السجن الحربى يضربه ويعذبه ليعترف وهدده بالإعتداء على زوجته وبناته.
نفى ممثل النيابة ذلك قائلا:
- ولماذا لم يعذ باقى المتهمين ليعترفوا أضاو إنهم جميعا فى السجن الحربة وفى دار القضاء العالى وهنا امام المحكمة انكروا تتهمة القتل أو الاشتراك أو التحريض.
استمعت المحكمة إلى 11 من شهود الإثبات أيدوا اعترفات السائق ودور الجميع فى الجريمة.وفى جلسة من نوفمبر 1953 طلب عبد القادر عودة رد رئيس محكمة الجنايات لأن المحكمة تجامل المتهمين.
قال عبد القادر عودة:
لم أر محكمة بهذا الشكل . ورئيس المحكمة فى حرج لا يستطيع أن يحكم فى هذه القضية بغير ميل: وقد بدت منه أمامنا بعض الظواهر ولو شاء الرئيس أن تنحى.. وإذا لم يتنح فستتخذ الإجراءات لرد المحكمة.
وانسحب عبد الباسط البنا شقيق الشيخ البنا من قاعة الجلسة احتجاجا وأبرق إلى مجلس قيادة الثورة يقول:
- "انسجينا من قضية شقيقنا البنا , محتجين رسميا على ما دار فيها من مهازل. غن قضية الشهيد سياسية وشعبية من الدرجة الأولى, سببها العهخد البائد, من ملكه المخلوع إلى بوليسه السياسى.
وإن تجريدها من هذه الصفة.
- وقبرها أمدا طويلا وإخفاء معالمها يتضليل لبوليس السياسى . وما كان للجناة من سيطرة وإرهاب يجعل نظرها أمام محاكم الجنايات عقيما فضلا عن هذه الدائرة بالذات التى دل ماضيها ومسلكها بوضوح على عدم تمشيها مع العهد الجديد.
- احفظوا هذا الدم العزيز عليكم , وعلى الشعب وعلى العالم الإسلامى بنظرها أمام محكمة الثورة... ومنحها حقها التاريخى فى سجل الثورة المجيدة".
ونشرت صحيفة " الدعوة " التى تصدرها الجماعة مقالا عنوانه " دين فى عنق الرجال " جاء فيه
- " يجب أن يصدر الشعب حكمه على القتلة وإلا فسينهض جيل بأسره يطالب بهذا الدم وتحقيق الانتصار.
والأمر اليوم بين يدى المسئولين إن شاءوا ظفروا بهذا الفخر". وتضمن المقال إهانة لرجال القضاء الذين ينظرون القضية!
- طلب محاموا الإخوان رد المحكمة نظر طلب الرد أمام مرسى فرحات رئيس محكمة الاستئناف فرده المحامون أيضا لأنه كان رئيسا لغرفة الاتهام.طعن المدعون بالحق المدنى فى هذا الحكم أى حكم رفض طلب الرد أمام محكمة النقض التى قضت بعدم الاختصاص.
لاحق سوء الحظ, الذى لازم المرشد العام فى سنوات حياته الأخيرة الشيخ البنا ميتا فحال دون توقيع القصاص المناسب على قتلته.اختلف جمال عبد الناصر مع الإخوان فقرر مجلس الثورة فى 12 من يناير 1954 أن الإخوان حزب سياسى مما يجعل جماعتهم منحلة تلقائيا.
وأذيع قرار الحل فى ساعة متأخرة من مساء 14 من يناير واتهم البيان الإخوان بالإصرار على معاداة ثورة 23 يوليو, محاولة التسلل إلى صفوف الجيش والشرطة واعتقل المئات من أعضاء الجماعة بما فيهم المرشد العام الجديد الشيخ حسن الهضيبي وخمسة من أعضاء مكتب الإرشاد.
وفى ظل هذا المناخ العدائى للإخوان المسلمين استأنف محكمة الجنايات نظر القضية!اعتذر عبد القادر عودة عن كلماته امام المحكمة فى جلسة حضرها عمر عمر نقيب المحامين الذى أكد تقدير كل المحامين للمحكمة ولقضاء مصر. وتقبل كامل أحمد ثابت الاعتذار ولكنه وجد حرجا فى نظر الدعوى فتنحى فى 22 من مارس 1954. وبذلك ضاع شهر وستة عشر يوما فى طلب لارد ونظره.
أحيلت القضية إلى دائرة عبد الغنى يحيى ولكنها كانت مختصة بالقضايا المدنية فلم تنظر القضية. وأخيرا نظرت القضية دائرة الجنايات برئاسة المستشار محمود عبد الرازق وعضوية المستشارين محمد شفيع الصيرفى ومحمد متولى عتلم. وكانت أول قضية تنظرها ثلاث دوائر.
عقدت المحكمة خلال شهرين 24 جلسة عدلت النيابة خلالها وصف.التهمة بالنسبة للجزار واتهمته بانه شريك فى جريمة القتل وليس مجرد مساعد للمتهمين على الهرب.وطالب المدعون بالحق المدنى بإدخال الملك السابق فى الدعوى بوصفه محرضا وفاعلا أصليا.
كانت أدلة الاثبات اعترافات محمد محفوظ التى عدل عنها.ولم يكن بالقضية شاهد رؤية واحد .. أى شاهد واحد رأى المتهمين أثناء ارتكاب الجريمة. وكان الليثى العمود الفقرى فى القضية ولكنه لم ير شيئا وعرف رقم السيارة من شاهد اختفى او تلاشى ولذلك تركز هجوم الدفاع على الليثى !
قالوا إنه مرشد الشرطة اختلق القضية خوفا من أن يقتله الإخوان فهو الذى حمل الدعوة إلى الشيخ البنا وكان مع الناغى يعرفان وحدهما موعد حضور المرشد العام إلى مقر جمعية الشبان المسلمين.
وجاءت السيدة منيرة عامر مطلقة صالح حرب رئيس جمعية الشبان المسلمين مرتين لتدلى بشهادتها.وكانت تعرف الصلة بين مطلقها ومحمد الليثي فايدت أنه كان مرشدا للبوليس السياسى.وقالت: الليثى لا يوثق به.
حدث فى أحد أيام المحاكمة أن اقتربت زوجة محمد محفوظ من القفص الذى يوجد فيه وهمست فى أذنه بكلمات فانتفض الرجل يصيح قائلا:
- ده حرام... ده إرهاب .. بيهددونى بخطف أولادى. ابعدوا عنى كفاية اللى عملتوه فىّ ... أنا بأبلغ القيادة أى مجلس الثورة عن التهديد ده. وكانت هذه الكلمات أشبه باعتراف جديد يدين محفوظ وكل المتهمين فى القفص!
وجرت محاولة لتضليل العدالة .. بعث على حسنين الذى حكم عليه بالأشغال المؤبدة فى قضية اغتيال الضابط عبد القادر طه إل المحكمة يقول إنه يريد الادلاء بشهادة حاسمة فاستدعته المحكمة.جاء بملابس السجن. ولم تطلب إليه المحكمة أداء اليمين لأنها طبقا للقانون لا تثق بيمينه.
قال إن كل المتهمين فى القفص أبرياء وأن القتلة من أعضاء الحرس الحديدى الذى أسسه الملك السابق لقتل خصومه , وذكر بعض الأسماء. ووضح من اقواله أنه أراد الخروج من السجن ساعات او أن بعض المتهمين دفعوا له مالا ... لمحاولة انقاذهم.
بلغ عدد محاضر الجلسات 1100 صفحة وأوراق القضية أكثر من 500 صفحة.وبلغ شهود الاثبات 23 واستدعت المحكمة عشرة آخرين مثل النيابة على نور الدين الذى أصبح نائبا عاما فيما بعد فقال إن الدولة كرست جهودها للقضاء على رجل أعزل من السلاح.. ودبرت الجريمة بواسطة الحكومة ونفذت بواسطة رجال الأمن.
فعادت الحكومة بمصر إلى عصور البربرية وعاد السيف لمناقشة أى فكرة لا تروق للحاكم.وقال إنها جريمة اغتيال بشعة, كان لها أسوأ الوقع فى نفوس المواطنين سواء من يؤيد دعوة الشيخ , أو لا يؤيدها
ترافع فى الدعوى 21 محاميا منهم ستة من المدعين بالحق المدنى ومستشار عن إدارة قضايا الحكومة قال:إنها ليست مسئولة عن الجريمة!طلبت أرملة الشيخ البنا تعويضا قدره ثلاثون ألفا من الجنيهات أما والده فاكتفى بتعويض مؤقت قدره قرش صاغ واحد.
قالوا إن الشيخ البنا استشهد وعمره 42 سنة وهو رجل لا مورد له عن الاطلاق إلا جهده وعرق جبينه. وكان يصدر "مجلة الشهاب" وهى مصدر رزقه الوحيد. وعمل مدرسا ثم استقال . وركز كل جهوده فى سبيل الفكرة وحاولت الجماعة أن تعطيه مرتبا أو تبنى له بيتا فرفض. وأنفق من جيبه فى سبيل الفكرة التى اعتنقها.
ولم يترك بعد موته شيئا على الإطلاق!وقالوا محاموا السرة إن البنا رجلا زاهدا ولكن أولاده يجب أن يعيشوا فى مستوى حسن وهم فى حاجة إلى مورد ومعين.وطلب الأستاذ عبد الكريم منصور تعويضا قدره ثلاثون ألف جنيه .
قضت المحكمة 26 يوم فى المداولة وكتابة الحيثيات ثم اصدرت حكمها فى 2 من أغسطس 1954 ذلك بعد خمس سنوات وخمسة اشهر و21 يوما و14 ساعة و15 دقيقة من وقت وقوع الجريمة.
قضت المحكمة:
- أولا: بمعاقبة أحمد حسين جاد بالأشغال الشاقة المؤبدة وكل من الباشجاويش محمد محفوظ محمد والأمير الاى محمود عبد لمجيد بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة والزامهم بطريق التضامن والتكافل مع الحكومة المسئولة عن الحقوق المدنية.
- (أ) بأن يدفعوا عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض للسيدة لطيفة حسين زوجة المرحوم الشيخ البنا وأولاده القصر منها وهم:وفاء وأحمد سيف الإسلام وسناء ورجاء وهالة واستشهاد المشمولين بولاية جدهم الشيخ عبد الرحمن البنا.
- (ب) وبأن يدفعوا للشيخ عبد الرحمن البنا والسيدة أم السعد إبراهيم صقر والدى القتيل " قرش صاغ واحد" على سبيل التعويض المؤقت.
- (ت) وبأن يدفعوا للأستاذ عبد الكريم محمد أحمد منصور مبلغ الفى جنيه على سبيل التعويض.
- ثانيا: بمعاقبة البكبكاشى محمد محمد الجزار بالحبس مع الشغل لمدة سنة ورفض الدعاوى المدنية قبله
- ثالثا: براءة كل من مصطفى محمد أبو الليل واليوزباشى عبده أرمانيوس والبكباشى حسين كامل والجاويش محمد سعيد إسماعيل والومباشى حسين محمدين رضوان مع رفض الدعاوى المدنية الموجهة إليهم.
كان الحكم مفاجأة للعميد محمود عبد المجيد الذى أسند رأسه على يديه وعلت وجهه صفرة شديدة وظل فى مكانه بالقفص إلى أن قاده الحراس إلى السجن.أما أحمد حسين جاد فظل يبتسم ابتسامة عريضة بعد سماع الحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة وكأنه لا يدرى ما يدور حوله.
وانفجر مصطفى أبو الليل الذى حكم عليه ببراءته باكيا وأخرج منديله من جيبه ليجفف به دموعه. ... وكان يقول إنه يبكى على العميد محمود عبد المجيد الذى عمل معه فترة طويلة!بعد صدور الحكم أمر جمال عبد الناصر بالإفراج الصحى عن محمود عبد المجيد فى 29 من يونيه 1955 أى بعد عام تقريبا من صدور الحكم.
وطعن محمد الجزار فى الحكم بطريق النقض ,لكن محكمة النقض قبلت الحكم شكلا ورفضته موضوعا.وقررت الحكومة رد اعتباره بعد أن صدر حكم لصالحه من محكمة جنايات القاهرة فى 25 من نوفمبر عام 1957, وقد اشتغل بعد ذلك بالمحاماة ثم بشركة الشرق للتأمين.
والتقى المخبران أحمد حسين جاد ومحمد محفوظ فى السجن بأعضاء جماعة الإخوان الذين اعتقلهم جمال عبد الناصر أو صدرت ضدهم أحكام من المحاكم التى شكلتها الثورة.وأفرج صحيا عن سائق محمود عبد المجيد الرقيب محفوظ عام 1960 . وافرج صحيا عن الرقيب أحمد حسين جاد فى 4 من سبتمبر عام 1967 دون أن يمضى مدة العقوبة كلها.
وافتتح عبده أرمانيوس محلا لتجارة الموبيليا بعد أن أمضى عاما فى الحبس الاحتياطى قبل نظر القضية... واختفى نص الحكم وحيثياته حتى التى كتبها رئيس المحكمة بخط يده!
وظل الإخوان طوال السنين يتساءلون: اين القصاص؟ كانت قرينة الشيخ البنا حاملا عند وفاته فوضعت بنتا أراد والده أن يسميها " دماء" ولكن مكتب السجل المدنى رفض هذا الأسم فاختار لها اسما آخر :"استشهاد".
تخرجت استشهاد محامية.ووفاء وسناء درستا التعليم النسوى ولم تعملا ورجاء مهندسة كهرباء. وهالة طبيبة وقد اختيرت عضوا فى هيئة التدريس بكلية البنات بجامعة الأزهر.
وهذا يدل على أن المرشد العام كان يؤمن بتعليم المرأة وأوصى بذلك أما أحمد سيف الإسلام فكان محاميا وقد اشترى بقيمة التعويش بيتا وحاكمه جمال عبد الناصر واعتقله.
وتزوجت كبرى بنات الشيخ وفاء من سعيد رمضان أحد قادة الإخوان السابقين وعاشت معه فى سويسرا.وكان فاروق بعد اعتزاله العرش وخروجه من مصر فى 26 من يوليو 1952 يعيش منفيا فى غيطاليا بلا اتباع لا أحد يحفل به أو ينافقه أو يتملقه . لا أحد يخطب وده إلا لماله.
اختفى الذين يطليون الأوسمة والألقاب والمناصب, ومن يحاول الاتصال به من المريين يلقى العنت كل العنت فى مصر من نظام الحكم الثورى الجديد.كان فاروق أشبه بالبنا عن اغتياله.
كان الإثنان فى أيامهما الأخيرة وحيدين تغير المناخ فأصبحا فى شبه عزلة منعت الحكومة الاتصال بالبنا أما فاروق فانفض من حوله المنافقون والرعايا.وجاءت ليلة فاروق الأخيرة.
كان يتناول عشاءه فى ملهى بمدينة روما عندما سقط فى غيبوبة ونقل إلى المستشفى فى سيارة اسعاف حيث توفى فى الثانية و8 دقائق من صباح 18من مارس عام 1965 بعد 35 يوما من احتفاله بعيد ميلاده الخامس والأربعين.
وإذا حسبنا فروق التوقيت بين القاهرة نجده قد مات تقريبا فى نفس ساعة اغتيال البنا.ونقل فاروق إلى المشرحة فى روما كما حدث للبنا لمعرفة سبب الوفاة وتحنيط الجثة.وشعيت الجنازة من المشرحة إلى قاعة الموتى فى مقبرة " فيرانو" الخاصة بالروم الكاثوليك.
سارت وراء لانعش الملكة فريدة مطلقة فاروق وبناته الثلاثة: فريال وفوزية وفادية ومغنية الأوبرا الإيطالية إيرما صديقة فاروق خلال السنوات العشر الأخيرة التى عاشها فى المنفى بعد رحيله عن مصر!
وشيع الجثمان أيضا ابن فاروق الملك السابق أحمد فؤاد وكان فى الثالثة عشرة من عمره ... وهى سن تقارب عمر أحمد سيف الإسلام ... ابن الشيخ البنا الذى كان فى الرابعة عشر عند اغتيال أبيه!وبقى جثمان فاروق 12 يوما فى روما فى القسم الخاص بغير المسيحيين فى المقبرة ينتظر موافقة رئيس جمهورية مصر جمال عبد الناصر على السماح بدفن الملك السابق فى مصر تنفيذا لوصيته.
وافق عبد الناصر ولكن بشروط قاسية: ألا يشيع كملك وألا يدفن فى مقابر الإمام الشافعى.نقل جثمان الملك فى طائرة كوميت .... تابعة لشرطة مصر للطيران وتأجل سفر الطائرة عمدا فى مطار أثينا لتصل إلى مطار القاهرة بعد منتصف الليل 31 من مارس فاستقبلته شقيقات فاروق وهن يرتدين السواد. وتأخر وصول الجثمان إلى المقابر نتيجة إجراءات الأمن . فلم تشيع الجنازة إلا فى التاسعة صباحا وسط حراسة البوليس وتحذير الناس من الاقتراب.
كانت جنازة فاروق فى نفس موعد جنازة البنا ومشابهة لها... تماما!دفن صاحب الجلالة كما أصر رئيس جمهورية مصر فى صمت وبلا احتفال ولم يدخل المقبرة ساعة الدفن من رجال الدولة إلا جندى شرطة برتبة جاويش!
وشعيت الجنازة... النساء وحدهن!وتولى الرئيس أنور السادات رئاسة جمهورية مصر فتقدمت الأميرة فوزية شقيقة فاروق تطلب التصريح بإعادة دفن أخيها فاروق فى مسجد الإمام الرفاعى بجوار أبيه.
وافق أنور السادات . ولكنه أيضا وضع شروط نفسها .. ينقل الجثمان فى سيارة الموتى السوداء وأن يعاد الدفن سرا, بلا موكب وتحت الحراسة الشديدة وفى الصباح بين الصلوات حتى لا يتجمع المصلون وصل ما تبقى من هيكل الجثمان فى كفنه , إلى مسجد الإمام الرفاعى فى التاسعة صباحا من باب الأضرحة.
قام عمال المسجد بالصلاة عليه.وتولى الدفن الشيخ محمد حسن الذى يطلق على نفسه " حانوتى الملوك والأمراء"!ولم يحضر عملية الدفن سوى الأميرة فوزية شقيقة فاروق .ولم يوضع شاهد على القبر إلا بعد دفن فاروق بأسبوع حتى لا يعرف الناس شيئا عند الدفن.
لقد دفن صاحب الجلالة مرتين وكانت الثانية بعد عشر سنوات من الأولى بنفس الأسلوب وفى نفس الساعة التى دفن فيها الإمام الشهيد .. البنا.