محمد صالح حرب
موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)
النشأة
لا شك أن دراسة الشخصيات التاريخية العامة تلقى بالضوء على أحداث هامة وتاريخية في عمر الوطن، الذي تعددت أحداثه وتنوعت.
ومحمد صالح حرب كان له دور كبير في صناعة تاريخ هذا الوطن، بل وبعض تاريخ البلدان الأخرى.
ولد محمد صالح حرب فى جزيرة الحربياب إحدى قرى مدينة دراو بمحافظة أسوان عام 1889م، وسط عائلة عرفت معنى الجندية الحقة والعسكرية الرائدة.
فقد كان جده محمد بك على مهندساً عسكرياً برتبة مقدم أرسلته السلطات المصرية إلى السودان لعمل الاستحكامات الحربية، وعندما استتب الأمر لمصر هناك اتخذ من مدينة دنقلة بالسودان مقاماً له، حيث تلقى ولده صالح تربية هيأته لأن يكون حاكماً عادلاً لخط دنقلة، فتزوج من أشراف دنقلة ابنة مصطفى عثمان كيكى، وهى أم محمد صالح حرب (عائلة كيكى بدراو وجزيرة الحربياب) ولم تنجب غيره، وعندما قامت الثورة المهدية فى السودان رحل صالح بأهله إلى أسوان حيث تم تعيينه مديراً للجباخانة، وهناك أنجب ابنه محمد صالح حرب، وقد توفيت والدته ودفنت فى أسوان، وتزوج والده من السودان وأنجب، وبذلك أصبح لمحمد صالح حرب إخوة فى السودان، وأطلق عليه ابن النيلين، وابن مصر والسودان.
تلقى اللواء محمد صالح حرب تعليمه الأول بحفظ القرآن الكريم، فكان عاملاً كبيراً فى تكوينه الإسلامي منذ الصغر والتحق بمدرسة أسوان الابتدائية، وتزامل مع المفكر العملاق عباس محمود العقاد فى فصل واحد، ثم التحق فيما بعد بمدرسة خفر السواحل التى تخرج فيها سنة 1903 برتبة ملازم ثان، وترقى إلى أن أصبح الحاكم العسكري والمدنى لمنطقتي مرسي مطروح وسيوة.. جهاده.
في مطروح كانت بداية جهاده فارتبط بحركة الجهاد فى ليبيا ثم بحركة الجهاد الإسلامي فى الأناضول بتركيا عندما قام باستخدام منصبه فى تسهيل تهريب الأسلحة والمؤن والقادة إلى ليبيا لمقاومة الغزو الإيطالي، وقام بالتنسيق مع القيادات التركية بتهريب الضباط الأتراك لتدريب قوات المجاهد الكبير عمر المختار فى ليبيا.
وفى نوفمبر 1915م قام صالح حرب بثورة مسلحة عندما انضم إلى القوات السنوسية ومعه القوات المصرية فى مرسى مطروح ضد القوات الإنجليزية واستطاع أن يؤلب قبائل أولاد علي تجاه الإنجليز، واستطاع أن يحشد عدداً من القبائل فى مرسي مطروح للانضمام إليه وللقوات السنوسية، وأعلن الثورة فى ٢٧/١١/1915م فى صحراء مصر الغربية، وظل حرب بقواته يحارب الإنجليز حتى سنة 1915، وتعد هذه الثورة هى أول ثورة عسكرية يقوم بها مصري ضد الإنجليز منذ الاحتلال البريطاني لمصر عام ١٨٨٢م، حيث استطاع أن يسيطر بقواته على الواحات لمدة عامين، وأصبح قائداً للمجاهدين، وكبد القوات الإنجليزية خسائر فادحة.
غير ان الانشقاقات التي حدثت داخل البيت السنوسي بمخطط من الإنجليز أدى إلى تفكيك جيش المجاهدين، مما دفع صالح حرب للتوجه إلى الأناضول لاستكمال المسيرة الجهادية غير أن هزيمة الأتراك في الحرب العالمية الثانية أوقف هذا الأمر، غير انه في بداية المر أيد حركة كمال اتاتورك -لكونها مجاهدة وإسلامية- ضد اليونانيين حتى تم لهم النصر.
الاستقرار بمصر والعمل السياسي
بعدما تولى سعد زغلول باشا رئاسة الوزراء بمصر عفى عن المنفيين والمسجونين بما فيهم صالح حرب مما دفعه للعودة لمصر ليستكمل مشواره السياسي.
فحينما أجريت الانتخابات رشح نفسه واستطاع أن يحصل على مقعد داخل البرلمان ليكون نائباً برلمانياً فى الفترة من 1926 حتى 1930 وبعدها اختير وكيلاً لمصلحة السجون بين عامي 1930 و1939 ومديراً لخفر السواحل فى يناير 1939 حتى أغسطس 1939 حيث تم اختيار في وزارة علي ماهر باشا الثانية ليكون وزيراً للدفاع عام 1939 إلى 1940م.
ومن الأعمال التي قام بها هي تكوين الجيش المرابط بقيادة عبدالرحمن عزام، وأيضا كان عائقا أمام البعثة العسكرية البريطانية والتي كانت تشرف على الجيش المصري، كما انه كان سببا في تجنيب مصر ويلات الدخول في الحرب العالمية الثانية، مما حدا بالإنجليز إلى الاعتراض على هذه الوزارة بما حوته من وزراء يميلون ميولا إسلامية أمثال صالح حرب وعبدالرحمن عزام وغيرهم.
وأثناء توليه هذا المنصب أيضا شكلت وزارة الدفاع المصرية أوائل العام 1940 لجنة الأناشيد العسكرية واختارت 4 أناشيد من بين 800 نشيد، فازت كل منها بجوائز من الوزارة التي ترأس وزيرها اللواء محمد صالح حرب اللجنة، والفائزون هم الشعراء محمد الأسمر، وعبد الفتاح شلبي، ومحمد الحناوي، محمد عبد المنعم.
رئيسا لجمعيات الشبان المسلمين
نشأت جمعية الشبان المسلمين في عام 1927م، واختير الدكتور عبد الحميد سعيد رئيسا لها، وفي عام 1940م توفى الدكتور عبد الحميد سعيد فاختير اللواء صالح حرب ليكون رئيساً للمركز العام لجمعيات الشبان المسلمين من عام 1940 حتى عام 1967م.
كان اشد ما يؤرقه هى الفرقة التي اختلقتها الحزبية ومن ثم وجه نداء إلى القادة والزعماء للاتحاد في ظل الظروف التي تمر بها مصر، كما كان له موقف شديد من حادث محاصرة الإنجليز لقصر الملك بعابدين في 4 فبراير 1942م وإرغامه على تعيين النحاس باشا رئيسا للوزراء، مما كان سببا في تحديد إقامته بأسوان من 1942 حتى 1945م.
بعد رفع الأحكام العرفية وعودته مرة أخرى ناضل وجاهد، كما كان له دور كبير نحو القضية الفلسطينية وقضايا الشمال الإفريقي.
كان لصالح حرب الفضل في اكتشاف موهبة القارئ الشيخ محمود على البنا وتقديمه لـ الإذاعة المصرية ورئيسها الثاني محمد بك قاسم بعد أن قدمه لوجهاء وأعيان مصر في حفل أقيم بالجمعية بمناسبة العام الهجري عام 1948م.
صالح حرب والإخوان
انتخب اللواء صالح حرب رئيسا لجمعيات الشبان المسلمين خلفا للدكتورعبد الحميد سعيد والذي كان مرتبط بالإخوان بعلاقة طيبة، حيث كانت الشبان المسلمين على علاقة طيبة بجماعة الإخوان، حيث أوضح الإمام البنا هذه العلاقة الطيبة في رسالة المؤتمر الخامس فقال: "كثيرًا ما يرد على أذهان الناس هذا السؤال: ما الفرق بين جماعة الإخوان وجماعة الشبان؟ ولماذا لا تكونان هيئة واحدة تعملان على منهاج واحد؟.
وأحب قبل الجواب على هذا السؤال أن أؤكد للذين يسرهم وحدة الجهود وتعاون العاملين أن الإخوان والشبان، وبخاصةٍ هنا في القاهرة، لا يشعرون بأنهم في ميدان منافسة، ولكن في ميدان تعاون قوي وثيق، وأن كثيرًا من القضايا الإسلامية العامة يظهر فيها الإخوان والشبان شيئًا واحدًا وجماعة واحدة؛ إذ إن الغاية العامة مشتركة، وهي العمل لما فيه إعزاز الإسلام وإسعاد المسلمين، وإنما تقع فروق يسيرة في أسلوب الدعوة وفي خطة القائمين بها وتوجيه جهودهم في كلتا الجماعتين، وإن الوقت الذي ستظهر فيه الجماعات الإسلامية كلها جبهةً موحدةً غير بعيد على ما أعتقد، والزمن كفيل بتحقيق ذلك إن شاء الله.
وقد هنأ الإخوان الرئيس الجديد للشبان المسلمين الذي كان صديقًا للإمام البنا من قبل، وهو اللواء محمد صالح حرب باشا وزير الدفاع السابق، فقد نشرت (مجلة التعارف) ذلك قائلة: "وكان أكبر عزاء للإسلام والمسلمين عامة ومصر والمصريين خاصة في وفاة المجاهد الجليل الدكتور عبد الحميد سعيد أن يخلفه في رئاسة جمعيات الشبان المسلمين صاحب السعادة محمد صالح حرب باشا وزير الدفاع السابق، فكان ترشيحًا موفقًا، واختيارًا صادف أهله، فلا شك أن صالح حرب باشا أفضل خلف لخير سلف، وليس من المبالغة أن نتوقع لجمعيات الشبان المسلمين ثباتًا ورسوخًا، بل وتقدمًا ونهوضًا، ونحن نهنئ الشبان بصالح باشا، كما نهنئ صالح باشا بهذا الميدان الجديد الذي أتيح له ليخدم الإسلام المفدى والوطن العزيز".
ويذكر محسن محمد في كتابه من قتل حسن البنا: أن اللواء محمد صالح حرب باشا كان يعتبر نفسه تلميذًا لحسن البنا رغم فارق السن بينهما، فأعطاه ودعوة الإخوان كل الحب والتأييد، ووقف بجواره في كثيرٍ من المواقف، وكان يقول للإخوان: "أنا واحد منكم؛ لا أحب أن يحدث لكم أبدًا أي محنة تلم بكم، أو ملمة تنزل بالدعوة أو الجماعة".
كما جمعته بالصاغ محمود لبيب وكيل جماعة الإخوان المسلمين صداقة طويلة منذ أن كانا مجاهدين في ليبيا.
وفي عام 1941م أقام الإخوان مؤتمرهم السادس حيث قدمه الإخوان ليلقي كلمة في المؤتمر السادس للجماعة حيا فيها الإخوان ودعوتهم وقائدهم، ووجَّه إليهم كلمته وحثَّهم على العمل والأمل والجهاد النفسي والعملي حتى يكونوا أهلاً لتحقيق الغايات التي آمنوا بها وعملوا لها.
وفى يوم الجمعة الثانى عشر من ذى الحجة سنة 1359 الهجرية والموافق العاشر من يناير سنة 1941 قصد المؤتمرون إلى الأزهر المعمور تتقدمهم جوالة الإخوان المسلمين بموسيقاها وأعلامها لأداء صلاة الجمعة، فأدوها وتعاقب خطباؤهم على المنبر المبارك يشيدون بدعوة الإخوان، ويهيبون بالناس أن ينضموا إلى معسكرهم المجاهد فى سبيل الإسلام الحنيف، ويتعجلون ذلك اليوم الذى تسوى فيه الصفوف، وتتقدم الكتيبة المحمدية يحدوها القرآن الكريم، ويظللها لواء الرسول العظيم ﴿حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾[الأنفال:39].
وعقب الصلاة قصدت فرقة الجوالة إلى دار الشبان المسلمين العامة بشارع الملكة نازلى، حيث عرضها معالى اللواء محمد صالح حرب باشا، وألقى على أعضائها كلمة قيمة حثهم فيها على العمل والأمل والجهاد النفسى والعملى حتى يصبحوا جديرين بتحقيق الغايات التى آمنوا بها وعملوا لها، وكان ذلك مسك الختام.
وأثناء رحلة الحج التي خرج فيها الإمام البنا عام 1945م كان معه اللواء صالح حرب، حيث أقام الإخوان حفلة شاى بفندق بنك مصر بمكة المكرمة فى حج هذا العام، دعوا إليها كثيرًا من الأمراء والعظماء، وكان فى مقدمتهم الأمير منصور وزير الدفاع للمملكة العربية السعودية، وألقى فيه حضرة صاحب السعادة صالح حرب باشا كلمة ممتعة، ثم تبعه حضرة صاحب الفضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين بكلمة قيمة.
وعندما رغب الإخوان في إصدار جريدة يومية عام 1946م اجتمعت لجنة في دار الشبان المسلمين، وكان للإخوان مندوبون فيها، ورأى الإمام البنا اختصارًا لدور الدراسة والتفكير أن يقوم الإخوان بالعبء العملي وفتحوا باب الاكتتاب لجمع المال لشراء مطبعة تمهيدًا لإصدار هذه الصحيفة اليومية.
كما احتفل قسم الأخوات عام 1946م بذكرى الإسراء والمعراج؛ بإقامة حفلها السنوي لهذه الذكرى في دار الشبان المسلمين، وألقت بعض الأخوات كلمات في هذه المناسبة، وقامت فتيات دار التربية الإسلامية للفتاة بتمثيل بعض المقطوعات الإسلامية وإلقاء الأناشيد، ثم اختُتم الحفل بكلمة فضيلة المرشد العام الأستاذ حسن البنا؛ تحدث فيها عن الذكرى وصاحبها صلى الله عليه وسلم، والصلاة وأثرها في النفوس، كما تحدث عن فلسطين الشقيقة وعما يحدث فيها.
وعندما قام البوليس باعتقال عدد من أعضاء جمعية الشبان أثناء توزيعهم نداءً وجَّهه الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين اللواء محمد صالح حرب؛ قام الإخوان باستنكار هذا التصرف وندَّدوا به عبر صحيفتهم.
كما وقفت شُعب الإخوان المسلمين خلف اللواء محمد صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين في الانتخابات في دائرته بأسوان، وقد ندَّدت جريدة الإخوان بالتصرفات الشاذة التي تمارسها الحكومة ضد صالح حرب وأتباعه لحساب منافسه السعدي، وطالبوا الحكومة بالحياد، كما ناشدوا الأسوانيين بالوقوف مع الحق.
وعندما قام صالح حرب بزيارة سوهاج استقبله الإخوان هناك وأنزلوه دارهم، كما قاموا بالطواف معه على الأعيان وبعض الهيئات بسوهاج، كما شاركوا في السرادق المقام بهذه المناسبة.
كما افتتح الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان الموسم الثقافي لجمعية الشبان المسلمين لعام 1367هـ، بمحاضرة ألقاها بدار الشبان، ولقد عبر رئيس الشبان المسلمين عن رأيه في الإخوان؛ حيث قال: "إن دعوة الشبان والإخوان واحدة في الغرض والهدف، ومن يعمل للتفريق بيننا فليس منا، وسنعمل معًا حتى تعلو كلمة الدين وتنال البلاد استقلالها"
ويذكر محسن محمد أنه عندما أصدر النقراشي باشا قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين في 8 ديسمبر 1948م استنكر صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين قرار الحل، قال: "لم يجازف الإنجليز بحل الوفد المصري رغم اتهام بعض أعضائه باغتيال السردار السير لي ستاك باشا حاكم السودان والحكم عليهم بالإعدام ورغم حوادث الاغتيال المتعددة التي نسبها الإنجليز للوفد المصري واعتُقل بسببها مكرم عبيد والدكتور أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي وإبراهيم عبد الهادي وغيرهم، على الرغم من ذلك كله.. فقد بقى الوفد المصري ولم يُحَلّ ولكن السعديين المصريين حلوا جمعية الإخوان".
ولم تُنشَر كلمات صالح حرب إلا في 19 من نوفمبر عام 1949م في جريدة (الكتلة) بعد استقالة إبراهيم عبد الهادي وتولي حسين سري باشا رئاسة الوزراء.
كتابات صالح حرب عن حسن البنا
بعدما استشهد الإمام البنا في 12 فبراير من عام 1949م كتب صالح حرب في ذكراه عدد من المقالات.
فتحت عنوان (كان حسن البنا قليل المثال نادر النظير) كتب في مجلة الدعوة العدد (207) – 22 جماد آخر 1374هـ / 15 فبراير 1955م:
- إنما المرء حديث بعده.
- ما أصدق هذه الكلمة وما أحق تلك الكلمة بالخلود.
- يعيش الإنسان في هذه الحياة ما قدر له أن يعيش، ويأتي من الأعمال ما يأتي ثم يصل إلى خاتمة المطاف، وهي الرحلة من دار الفناء إلى دار البقاء، فلا يترك خلفه من زينة الحياة الدنيا إذا أحسن – إلا الذكرى الطيبة والثناء الحميد – ولقد كان فضيلة المرشد المرحوم الشيخ حسن البنا رجلا داعية، مجاهدًا في دعوته بذل ما بذل في دنياه ورحل كريمًا إلى الدار الآخرة مخلفًا وراءه ذكرًا حميدًا وأثرًا طيبًا وحديثًا مرويًا عن شخصه وجهاده.
- وعندي أن البيئة كان لها أحسن الأثر في تكوين المرشد الشهيد، فقد نشأ في أسرة كريمة فاضلة متدينة تعمل لترضي ربها في دينها وأخلاقها فكان لهذه الأسرة آثارها العميقة في نفس المرشد عليه رحمة الله، ثم درس المرشد دراسة إسلامية أخلاقية صوفية من أول الطريق وأخذ نفسه منذ فجر حياته بآداب الإسلام وتعاليمه التهذيبية وكان لهذا التعيين المبكر أثره الفعال في أن يحيا المرشد – رحمه الله – داخل دائرة تحيط بها العفة والصيانة وتشملها رعاية الله وهدايته.
- ولقد كان رحمه الله قليل المثال نادر النظير في دراسته للإسلام وحفظه للقرآن وتذوقه له وتعمقه في فهم أسراره وإحاطته بالسنة وبراعته في الفقه، وكانت هذه الثروة العلمية عنده أشبه بالينبوع الذي لا يجف ولا ينقطع عن الجريان معينه.
- وأعتقد أن هذه الذخائر الثمينة التي حصلها المرشد الشهيد في حياته وبخاصة أيام شبابه من الكتب والسنة والسيرة والفقه والتاريخ الإسلامي، كان أكبر معين له على الدعوة والإرشاد فكان في حديثه وخطابته وكتابته يغرف من بحر واسع لا يخشى أن يجف أو ينفذ ماؤه.
- وإذا ذكرت الخطابة الدينية المثالية ذكر الشهيد حسن البنا، فقد وهبه الله قدرة فذة على الخطابة وطول نفس عجيب في الارتجال سواء أكان في المسجد أو النادي أو المؤتمر وسواء أكان بين العامة أم بين الخاصة، وهو أحيانًا يعلو في خطابته حتى يكون أسلوبه بليغًا رائعًا، ويتوسط حتى يفهم عنه الجميع، وينزل في تعبيره إلى مستوى العامة إذا اقتضى الموقف ذلك، وكان رحمه الله يدرس نفسيات الجماهير قبل مخاطبتها، ولذلك كان ينجح في خطابها والتأثير عليها.
- وهناك ناحية أخرى لا تنسى في حياة المرشد عليه الرضوان، فقد كان حركة دائبة لا يعرف الكلل أو الملل فهو يرتحل ويسافر، ويخطب ويحاضر، ويتحدث ويحاور، وينظم ويؤسس، ويصل الليل بالنهار ولا يعرف الراحة أو الاستجمام وذلك شأن الداعية الحريص على أن يصل بدعوته إلى ما يريد، فلابد له أن يبذل في سبيلها كل ما يستطيع وقد فعل رحمه الله وأرضاه بقدر ما جاهد وعمل من أجل الإسلام والمسلمين.
كما كتب تحت عنوان (الداعية الموفق) في مجلة الدعوة – العدد (254) – 12رجب 1376هـ / 12 فبراير 1957م:
- إن الله عز وجل الذي أنعم على الإنسانية كلها بالإسلام الحنيف ليخرجهم من الظلمات إلى النور يمتن على عباده بين الحين والحين بالداعية المذكر المرشد الذي يجدد الدين ويبعث اليقين ويذكر بالله ويرشد إلى الحق وإلى طريق مستقيم ويهتف بالناس ويحذرهم من الغفلة ونسيان المبادئ التي دعاهم الله إليها وأمرهم بالاستمساك بها ليسعدوا في حياتهم الأولى ويفوزوا برضاه ونعيمه في الحياة الأخرى.
- ولقد كان الشيخ الجليل المغفور له الأستاذ حسن البنا عليه رحمة الله ورضوانه داعية إسلاميًا موفقًا، هيأ الله له كثيرًا من الأسباب والصفات والمواهب التي تجعله علمًا من أعلام التذكير بالله، والدعوة إليه، وحمل الناس على دينه وطريقه.
- نشأ عليه الرحمة من أسرة إسلامية تعتز بدينها وربها أكثر مما تعتز بمالها أو عرض حياتها، وتربى تربية دينية كانت له من أول الطريق خير رفيق، وكانت عاصمًا له من كثير من الانحرافات والمزالق التي يتعرض لها أبناؤها، لأنهم لا ينهلون من رحيق الإسلام والتدين في وقت مبكر صالح للتأسيس والتوجيه، وقد عكف – رحمه الله – على القرآن الكريم حفظًا وتدبيرًا، وعلى السنة النبوية وعيًا وتأملا، وعلى تاريخ الإسلام استعراضًا وفهمًا، وعلى التراث الإسلامي الضخم يتعرف إليه ويتحصن به، حتى كان الشيخ الجليل دائرة معارف إسلامية حية، يستطيع أن يتكلم في أي مسألة من مسائل الدين، ويفتي في أي معضلة من معضلات الفتوى.
- ولقد كانت الآلاف تعجب فلا ينقضي عجبها من هذا الفيض الغزير الذي وهبه الله للمرحوم الشيخ حسن البنا، والذي كان يظهر كالبحر الزاخر والسيل المنهمر حينما يتناول قلمه ليكتب وحينما يقف ليخطب، ولقد كان عليه رحمة الله ورضوانه يظل الساعات وهو يخطب الجماهير، وفيهم الخاصة والعامة ومن هم وسط بين الخاصة والعامة فيرضى هؤلاء وهؤلاء وأولئك، يرتفع بأسلوبه وتفكيره حينًا حتى يعز على منافسة الخاصة من الخطباء والمفكرين، ويتبسط في عبارته ومعناها حينًا حتى يأتي بالسهل اليسير الممتنع الذي يفهمه الجميع، ويفقهه سائر الناس وإن كان لا يستطيع أن يجاريه فيه كثير من الناس.
- ويبعد أن يكون هذا الفيض أثرًا من آثار المطالعة وحدها فكم من أناس يسرفون في المطالعة والقراءة ولا يستطيعون أن يجيدوا الكتابة أو الخطابة، ولكني أعتقد أنه قد تعاونت على إيجاد هذه الخاصة عند المرشد الشهيد الشيخ حسن البنا رحمه الله رحمة واسعة أسباب كثيرة: منها النفس الصافية والعقل الزكي، والقلب النقي، والإقبال على الله والتعبد في حماه، والتأمل الموصول في آيات الله الكونية، وفي آياته القرآنية، والعناية الفائقة بتطبيق ما يقرأ وما يفهم على حياته الفردية وفي مجال حياته العامة.
- ولقد استطاع طيب الله ثراه أن يخدم الإسلام الحنيف أكبر الخدمات، فاستطاع خلال حياته المباركة أن يبث تعاليم الإسلام ونور القرآن المجيد في أوساط كثيرة كانت بعيدة عن الإسلام وإن انتسبت إليه.
- استطاع عليه الرحمة أن يوقد جذوة الفكرة الإسلامية في صدور الآلاف من الشباب، فأقبلوا على الدين وعكفوا على القرآن وتعلقوا بأسباب الثقافة الإسلامية وكان لهم في ميدانها جهود وجولات، استطاع أن يرد غربة الإسلام بين هؤلاء الجاهلين به إلى معرفة وأنس، وبذل في سبيل ذلك من علمه وجهاده ووقته ونفسه وأعصابه وراحته ما لا تستطيعه إلا العصبة المجتمعة من أقوياء الرجال فجزاه الله خير ما يجزي به المحسنين وأثابه أفضل الثواب بمقدار ما بذل في سبيل الله، وبمقدار ما هدى إلى صراط الله، وجعل مقامه في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
وفاته
ظل اللواء صالح حرب طيله حياته خادما عاملا للإسلام مناهزا عن قضايا الوطن فقد دفع الشباب لحرب القنال عم 1951م، وظل مدافعا عن قضية فلسطين في كل المحافل حتى توفاه الله عام 1968م، فرحمة الله رحمة واسعة.
المراجع
1- ذكريات اللواء محمد صالح حرب دراسة وتحقيق : د.أحمد حسن محمد الكناني مراجعة وتقديم: د. أحمد زكريا الشلق القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2009م.
2- مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا: رسالة المؤتمر الخامس، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
3- الاعتصام، العدد (14)، السنة السابعة، 14 صفر 1365ه- يناير 1946م، ص(5-6).
4- مجلة الدعوة – العدد (254) – 12 رجب 1376هـ / 12 فبراير 1957م.
5- مجلة الدعوة - العدد (207) – 22 جماد آخر 1374هـ / 15 فبراير 1955م.
6- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
7- مقال بعنوان الإخوان المسلمون وعلاقتهم بجمعية الشبان المسلمين –عبده مصطفى دسوقي- موقع إخوان ويكي.
ألبوم صوره
اللواء محمد صالح حرب باشاحفل استقبل أحمد حسين بعد عودته من أمريكا عام 1946م ويرى عزيز المصري والصادف المجددي وصالح حرب رقم 7 وواقفا الفضيل الورتلاني اللواء محمد صالح حرب باشاصالح حرب وأحمد حلمي وسيف الاسلام عبدالله وعلي المؤيد في دار الشورى عام 1953م اللواء محمد صالح حرب باشاصالح حرب وسيف الإسلام يحي ومحمد علي الطاهر أثناء هبوطهم من سلالم دار الشورى بالقاهرة عام 1950م |