بداية الدعوة في سوريا
مقدمة
تعتبر بلاد الشام امتداد استراتيجيا لشمال أفريقيا خاصة مصر، ومن ثم لا عجب إن كانت الشام ومصر مسرح لكثير من صراعات الحكام لبسط النفوذ عليهما، كما كانت ساحة للحروب العالمية التي توحدت فيها جهود البلدين للتصدي لما يجرى على أرضها كمعركة حطين وعين جالوت وغيرها من المعارك العالمية التي غيرت مجرى التاريخ وتوحدت فيها الإرادة المصرية بالإرادة الشامية.
وهكذا .. فما أن ظهرت جماعة الإخوان المسلمين ووضعت الأطر العالمية لها حتى كانت بلاد الشام قبلتهم الأولى لنشر فكرتهم، والتي وجدوا فيها استجابة كبيرة من علمائها وشعوبها. وسوريا تقع في جنوب غرب آسيا على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في منطقة تعتبر صلة الوصل بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، شهدت قيام حضارات عديدة مؤثرة في التاريخ البشري
وتعود أقدم الآثار البشرية في سوريا لمليون عام، وتتالت على أرضها عدد من الحضارات القديمة، بقيت ماثلة من خلال الآثار والأوابد التاريخية الماثلة إلى اليوم، منها حضارات السومريين والآشوريين والفينيقيين، فضلًا عن السلوقيين والرومان فالبيزنطيين والأمويين والعباسيين والصليبيين فالعثمانيين على ذلك.
شعاع الدعوة في الأراضي السورية
كانت انطلاقة دعوة الإخوان من أرض مصر عام 1928م سرعان من انطلق ليشيع بوهجه جنبات البلاد الأخرى، فكانت سوريا من ضمن الدول الأولى التي تلقفت بذور هذه الدعوة المباركة. فقد كان البنا يرى في بلاد الشام أملاً كبيرًا للعرب وللمسلمين، وينظر إليها بعين التقدير والمحبة والرجاء.
وفي الثلاثينيات رحل عدد من طلاب العلم من سوريا إلى مصر لتلقي الاختصاصات في علوم الشريعة في الأزهر الشريف، كان من أبرزهم الشيخ مصطفي السباعي والشيخ محمد الحامد رحمهما الله، فتعرفوا على جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة والإمام البنا.
قال الشيخ مصطفي السباعي في حسن البنا:
- "فوالله ما رأيت إنسانًا أروع في الفداء، وأخلص في النصح، وأنبل في التربية، وأكرم في النفس، وأعمق أثرًا في الإصلاح من حسن البنا رحمه الله" (1)
تنادى أهل الغيرة الإسلامية ممزوجة بالحمية الوطنية من رجال الإسلام وشيوخه وعلمائه، ومن وجهاء البلد وزعمائه كي يلتفوا ويشكلوا جماعات وجمعيات إسلامية تنادي بالعودة إلى رحاب الإسلام، وإلى التمسك بأهدابه، ومباشرة الكفاح تحت رايته.
ومن هنا كانت البداية، بل البدايات في المدن السورية التي رافقها وسبقها تحركات في دمشق وحلب وحمص، وأعقبتها تحركات مماثلة في اللاذقية والساحل ودير الزور والحسكة وحماة، لتكون مقدمة التجمع الكبير والحوارات المستمرة بين رجال الدعوة في سوريا، والتي أفضت في نهاية المطاف إلى تأسيس حركة الإخوان المسلمين في سوريا ولبنان والأردن والمدن الفلسطينية. (2)
فمنذ بداية من عام 1933م كانت بداية ظهور الفكرة الإسلامية عامة، والتي غذتها الأفكار الإخوانية وعملت على نموها وازدهارها، ومرورًا بعام 1935 ذلك العام الذي حرصت فيه قيادة الإخوان على إرسال مندوب لها إلى الأراضي السورية واللبنانية والفلسطينية تأصيلًا لجذور الدعوة الإخوانية.
أما بداية عام 1937 فقد استطاع الإخوان تأسيس أول مركز مرخص للجماعة في حلب تحت اسم: (دار الأرقم)، أي أن النشأة الرسمية للإخوان في سوريا كانت عام 1937م، وكان من أبرز المؤسسين: الأستاذ عمر الأميري، الأستاذ عبد القادر الحسيني، الأستاذ أحمد بنقسلي، الأستاذ فؤاد القطل، الشيخ عبد الوهاب الطوبجي، والأستاذ سامي الأصيل. (3)
العمل التربوي
التحق عدد من كوكبة علماء سوريا بركب الإخوان وانتشروا في العديد من مدنها وكان على رأسها دمشق العاصمة، وقد اختير الدكتور مصطفي السباعي مراقبا لها، حيث عمد الإخوان إلى تحويل مفاهيم الإسلام إلى فعل عملي بعيد عن الكلام النظري والتصريحات الجوفاء.
فنجدهم يرفعون خطابا بحماة إلى معالي وزير المعارف في الجمهورية السورية بمناسبة انعقاد لجنة الأهداف في مجلس المعارف الكبير، تضمن ثمانية بنود تقترحها الجمعية على لجنة الأهداف لدراستها ووضعها موضع التنفيذ، وتتلخص في الاهتمام بدروس الدين في جميع المدارس ومدرسيها وتدريس التاريخ الإسلامي والقرآن مع العناية بتفسيره، وتأمين الوقت الكافي لإقامة الشعائر الدينية، ومضاعفة دروس الأخلاق، وتدبير المنزل في مدارس البنات. (4)
ويمكن القول إن الإخوان المسلمين في سوريا لديهم طابع خاص يميزهم عن بقية الحركات الإسلامية " الإخوانية" الأخرى فهي أكثر من حركة اجتماعية أو جمعية خيرية لأن تطورها الداخلي الفكري وفق تعبيراتها اللاحقة السياسية والإعلامية كان باتجاه الدفاع عن السنة في سوريا. (5)
ولقد لخص السباعي أهداف الجماعة وغاياتها ومراميها في وثيقة بعنوان: (دروس في دعوة الإخوان المسلمين):
- يعتقد الإخوان المسلمون اعتقادًا جازمًا أن في الإسلام كل عناصر النهضة المرجوة، وأنه جاء بمنهج شامل للإصلاح هو الذي قذف بأمتنا في الماضي إلى ميادين الخلود، وبوأها قيادة ركب الإنسانية بضعة قرون، وهو بما فيه من خصائص المرونة والتطور قادر على أن يحمل أمتنا من جديد إلى ميادين الخلود مرة أخرى، وأن يبوئها مكانة جديرة بقيادتها لركب الإنسانية، وتوجيه حضارتها نحو الأمن والرفاهية والاستقرار. (6)
ولقد استطاعت الجماعة بسوريا في هذه المرحلة بمناهجها التربويّة وبرامجها التوجيهيّة المبدعة كالأسرة والكتيبة ومنبر الجمعة ونشر الكتاب الإسلامي، وإنشاء المكتبات، وإحياء المناسبات الدينيّة والتاريخيّة والوطنيّة أن تكسر موجات التغريب والإلحاد والانحلال والأفكار المنحرفة، وظهر جيل من الدعاة ومن المناصرين، وتوسّع انتشار الجماعة في أوساط الطلاب والمثقفين، وأثمرت الجهود عن تيار إسلامي عارم؛ وتمثّل النشاط الإعلامي للجماعة بصدور جريدة المنار السياسيّة اليوميّة عام 1946. (7)
لقد بسط الإخوان نفوذهم على النقابات العماليّة والحرفيّة وتبنوا مطالبها في المجلس النيابي، ودافعوا عن حقوق الفلاحين ورفضوا استغلال كبار الملاك لهذه الطبقة المحرومة، ودعوا الحكومة لتخفيض أسعار الخبز ورفع الضرائب عن الفقراء، ورفضوا تأجيج الصراع الطبقي بين شرائح المجتمع وكانوا أبعد الناس عن استغلال الفقراء والمحرومين. (8)
وعني الإخوان بالتعليم وحالوا دون توسع الزحف التبشيري بإنشاء عدد من المعاهد والمدارس في المدن السورية، واستعانوا بعدد من المربين والمدرّسين الأكفاء، وهيّأ الإخوان الفرص للالتحاق بمدارسهم الليليّة.وكان للإخوان من المشاريع الاستعماريّة والأحلاف الاستعماريّة موقف مشرّف لا يستطيع أن ينكره باحث منصف.
غير أن العمل التعليمي الكبير، الذي اضطلعت به جماعة الإخوان المسلمين في سورية، وسبقت في ميدانه الآخرين، هو إنشاء مدارس ليلية في جميع المدن السورية الكبيرة، حيث أتاحت للألوف ممن لم تسعفهم ظروفهم في الالتحاق بالمدارس النهارية، فتخرج في هذه المدارس حملة الشهادات الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ثم تابع قسم من هؤلاء دراساتهم الجامعية، بل إن فريقا منهم التحق بالدراسات العلي، وحملوا شهادات الدكتوراه في مختلف التخصصات، وتسلموا مناسب التدريس في المعاهد والكليات الجامعية.
لقد قدر بعض الباحثين عدد الطلاب المسائيين من العمال الذين التحقوا بمدارس الإخوان المسلمين في سورية بخمسة آلاف، تلقوا تعليمهم بالمجان، أو بأقساط رمزية (9). كما اعتنى الإخوان بسوريا اعتنوا بالرياضة والتشكيلات الرياضية والعسكرية المنظمة بهدف تقوية البدن، والظهور بالمظهر الحسن.
وكان السباعي رحمه الله يشجع الشباب على ممارسة أنواع الرياضة والفتوة ليكون الشباب قويا في جسمه وروحه ، فساهم في تأسيس عدد من الأندية، ففي دمشق: نادي بدر لكرة السلة في كيوان، والنادي الرياضي في باب الجابية ، والنادي الرياضي في الميدان ، ونادي الفروسية في حمص، والنادي الرياضي في اللاذقية وغيرها. كما وجه الإخوان عنايتهم للقرية، وعملوا على رفع مستوى الفلاحين، وطالبوا بإنصاف الفلاح ، ورفع مستواه ، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ونظموا كذلك في عدد من المدن أياما في السنة باسم الفقير، ألفوا له لجانا، طافت على الأسواق والحياء لجمع التبرعات للفقراء في بدء مواسم الشتاء. (10)
وسائل تربوية
سار إخوان سوريا على نسق إخوان مصر في المنهج التربوي وتشابهت الأطر التربوية بين القطرين، فنجد عندهم:
- الأسرة: وهي الوحدة الأساسية والخلية الأولى في نظام الجماعة منذ نشأتها.
- الكتيبة: تضم الكتيبة عددًا من الأسر ، يعقدون اجتماعًا شهريًا ، يتدارسون فيه كتاب الله وأحاديث رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفصولاً من كتاب ذي أهمية كبيرة ، وغالبًا ما يصومون النهار ، ويفطرون معًا على طعام يغلب عليه التقشف.
- أحاديث الجمعة: في مساء كل خميس يتوجه الأعضاء في الجماعة وضيوفهم وأنصارهم والمرشحون لعضوية الجماعة إلى مقراتها في المراكز والفروع ليستمعوا إلى محاضرة الأسبوع الدائمة التي تبدأ بتلاوة مباركة من القرآن الكريم ، ثم يتقدم المحاضر الذي يكون من العلماء أو الفقهاء.
- الكتاب الإسلامي: شرع الدعاة أقلامهم ، فسطروا صفحات غرًا في مختلف القضايا الإسلامية ، وأثروا المكتبة بالمؤلفات والأسفار.
- الاحتفالات الكبرى: دأبت الجماعة على إحياء عدد من المناسبات الدينية والتاريخية ، لا على أنها فرض أو سنة أو مندوب ، بل للتذكير بمبادئ الإسلام ، وأمجاد المسلمين ، كوسيلة من وسائل الدعوة ونشرها بين المواطنين. (11)
كيف تأثر المجتمع بالدعوة
عمل الإخوان على تقوية الرجولة والاستقامة والنبل في نفوس أبناء الأمة ومكافحة عوامل الضعف والفساد والميوعة ووهن الإرادة وكل ما يضعف نفسية الأمة، ويوهن من عزائمها. وترويضها على محاربة أهوائها وشهواتها، وتنبيه ملكات الخير والشعور بالمسئولية فيها، والاهتمام بتهذيب النفس، وبتذكيرها بيوم الحساب عن طريق العبارة وكر الله ومحاسبة النفس.
كما عمل الإخوان على توحيد جهود الأمة، ومكافحة التفرقة والتحزب الضيق، والاستفادة من مختلف العناصر الصالحة، وتكوين الجيل الجديد الذي يؤدي واجبه، ويعتز برسالته، ويكون طابعه العام: النظام والطاعة والشعور بالتبعة، والعمل على تنظيم المؤسسات الخادمة للمصالح الشعبية وتشجيعها، ومكافحة الجهل والفقر والمرض والرذيلة. (12) كان من أثار هذه التربية المجتمعية أن حمل الشعب الإخوان المسلمين على أعناقه للبرلمان في العديد من الدورات والتي لم يخيبوا ظن الشعب فيهم، بل بلغ عدد منهم منصب وزراء مثل محمد المبارك والشيخ مصطفى الزرقا والدواليبي. (13)
وحينما تعرض الإخوان للاضطهاد من حزب البعث كان للشعب كلمته ضد حملات الاضطهاد. لقد انتشرت مبادئ الجماعة، وعم تنظيمها في المجتمع، وفي كل الأوساط والفئات، ولاسيما في صفوف المتعلمين والمثقفين والطلاب، وصارت قوائمهم في الانتخابات الطلابية في الثانويات والكليات تتقدم على غيرها، وكذا في نقابات المعلمين والمهندسين والأطباء والنقابات العلمية الأخرى.
وقد برز في صفوف هذه الجماعة قامات عالية سواء في المجال السياسي أو الثقافي أمثال الدكتور مصطفي السباعي وسعيد حوى وعصام العطار ومنير الغضبان وعبد الفتاح أبو غدة ومصطفى الزرقا ، والشيخ محمد النبهاني في حلب ، والشيخ محمد الحامد في حماة ، والشيخ عبد العزيز عيون السود في حمص ، والشيخ أبو الخير الميداني وسيد الكتاني وحسن حبنكة وعبد الكريم الرفاعي وغيرهم في دمشق ، وحسين رمضان وولده عبد الرزاق في دير الزور والأستاذ محمد المجذوب والشيخ عبد الستار عيروط في الساحل السوري وغيرهم كثير.
المراجع
- مصطفي السباعي: عظماؤنا في التاريخ، دار الوراق للنشر والتوزيع، 1420هـ - 1999م، صـ 247
- عدنان سعد الدين: الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954م، ط 1 (القاهرة، مكتبة مدبولي، 2010م) ، صـ 23.
- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الجزء السابع، صـ 66.
- مجلة الإخوان المسلمين نصف الشهرية، العدد (15)، السنة الأولى، 28 ربيع أول 1362ه - 4 أبريل 1943م، صـ 13.
- الإخوان المسلمون في سوريا ممانعة الطائفة وعنف الحركة: مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2011م.
- مصطفي السباعي: دروس في دعوة الإخوان المسلمين، مكتب الطلبة بجامعة الإخوان، دمشق، صـ 11.
- د.إسحاق موسي الحسيني: الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة، الطبعة الأولى (بيروت، دار بيروت ، 1952) صـ 125.
- عبدالله خليفة: الصراع الاجتماعي والمذهبية في سوريا (4)، المنبر التقدمي لمملكة البحرين
- عدنان زرزور: مصطفي السباعي، (دمشق، دار القلم ، 1421هـ - 2000م)، صـ 129.
- يوهانس رايسنر: الحركات الإسلامية في سوريا، ترجمة محمد إبراهيم الأتاتسي ، الطبعة الأولى تموز 2005م، رياض الريس للكتب والنشر، صـ 302.
- لائحة النظام الداخلي لإخوان سوريا: قرارات المؤتمر الخامس عام 1945م.
- الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954م، مرجع سابق، صـ 90
- حسني جرار: محمد المبارك العالم والمفكر والداعية، طـ1 (عمان، دار البشير، 1988م) صـ80.
للمزيد عن الإخوان في سوريا
1- الشيخ الدكتور مصطفي السباعي (1945-1964م) أول مراقباً عاماً للإخوان المسلمين بسوريا ولبنان. 2- الأستاذ عصام العطار (1964- 1973م). 3- الشيخ عبدالفتاح أبو غدة (1973-1975م). 4- الأستاذ عدنان سعد الدين (1975-1981م). 5- الدكتور حسن هويدي (1981- 1985م). 6- الدكتور منير الغضبان (لمدة ستة أشهر عام 1985م) |
7- الأستاذ محمد ديب الجاجي (1985م لمدة ستة أشهر). 8- الشيخ عبدالفتاح أبو غدة (1986- 1991م) 9- د. حسن هويدي (1991- 1996م). 10- الأستاذ علي صدر الدين البيانوني (1996- أغسطس 2010م) 11- المهندس محمد رياض شقفة (أغسطس 2010) . |