نشأة الجماعة واهتمامها بالقضية الفلسطينية
مقدمة
سيطرت "الدولة العثمانية" على دول العالم العربي والإسلامي لعدة قرون، ولكن الضعف بدأ يدب فيها في نهاية القرن الثاني عشر الهجري - الثامن عشر الميلادي؛ مما دفع أوربا المسيحية إلى إعادة محاولاتها القديمة للسيطرة على العالم الإسلامي، والتي كانت تتمثل في "الحروب الصليبية" على بلاد "الشام" و"مصر"، وفي العصر الحديث بدأت "فرنسا" أولى هذه المحاولات سنة (1213 هـ - 1798م)، بفرض سيطرتها على "مصر" وبعض أجزاء من بلاد "الشام"، ثم أعقبها الاحتلال البريطاني لمصر سنة (1299 هـ - 1882م)، وأعقبه الاحتلال الأوربي لكل الدول العربية والإسلامية في "آسيا" و"أفريقيا".
نشأة الجماعة
وفي أعقاب "الحرب العالمية الأولى" صدر وعد "بلفور" الذي يتعهد البريطانيون بموجبه بإنشاء وطن قومي لليهود في "فلسطين"؛ مما أثار غضب العرب والمسلمين في كل مكان؛ لما تمثله "فلسطين" من أهمية خاصة في قلوبهم، بما تتميز به عن غيرها من البلاد الأخرى، فهي أرض "المسجد الأقصى"، وأولى القبلتين، وثاني الحرمين الشريفين، ومسرى النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- ومهد الأنبياء؛ فهي ليست موضع تقديس المسلمين فحسب، وإنما هي أيضًا موضع تقديس أهل الكتاب من المسيحيين واليهود.
وفي ظل هذه الظروف التي قاست الأمة الإسلامية والعربية فيها من الاستعمار الذي عمل على تمزيقها وإضعاف وحدتها وتماسكها، ولدت "جماعة الإخوان المسلمين" على يد مجدد هذا القرن الشيخ "حسن البنا"- رحمه الله تعالى- الذي تميز بوطنيته الصادقة ووعيه العميق بقضايا أمته وحرص مخلص على النهوض بها، وقد هدف من وراء هذه الجماعة إلى إقامة دين الإسلام، نظامًا شاملاً للحياة، وتوحيد العالم الإسلامي، وتحرير بلاد المسلمين من الاحتلال الأجنبي بكل صوره وأشكاله، وتطهير البلاد من عملاء الأجانب الذين كانوا يقومون بخدمة أغراضه الاستعمارية في العالم العربي والإسلامي.
وقد عمل الشيخ الإمام على تربية الفرد المسلم الذي يعتبر إحدى لبنات المجتمع المسلم، مع إحياء فريضة الجهاد ضد الاستعمار لتحرير ديار الإسلام، وكان يرى أن من أهم واجبات الجماعة الإسلامية الدفاع عن الإسلام وتحرير البلاد الإسلامية من الاستعمار؛ ولذلك فقد لبَّت الجماعة نداء الشيخ "محمد أمين الحسيني" مفتي "فلسطين" للدفاع عن أرض فلسطين ضد المستعمرين من اليهود، وتجاوب الإخوان المسلمون بقيادة مرشدهم الإمام "حسن البنا"- رحمه الله- وانطلقت قوافل الدعوة من كل مكان تلبي النداء.
اهتمام الجماعة بالقضية الفلسطينية
وكان من أهم الأعمال التي تحركت في ظلها الجماعة الإسلامية في "مصر": أنها كونت جماعة كبيرة من الفدائيين والمجاهدين المصريين والعرب، وقامت بتدريبهم على مختلف الأسلحة الحربية، في العديد من المعسكرات التي أقامتها على الأرض المصرية، بتصريح رسمي من الحكومة الملكية ال[مصر]ية آنذاك.
كما قام الإخوان بتوجيه من المرشد العام بالانطلاق في قوافل للدعوة؛ لتبصير المسلمين في كل مكان من العالم الإسلامي بالخطر الصهيوني الذي تدعمه "أوربا" وخاصة "بريطانيا" و"الولايات المتحدة الأمريكية" الذين ساعدوا اليهود في إقامة وطن قومي لهم في "فلسطين".
كما كان من الضروري إحياء فريضة الجهاد المقدس ضد الصهاينة ومن والاهم من دول "أوربا"، وقد اتخذ الجهاد صورًا متعددة، فكان من خلال جمع التبرعات لتدعيم الجهاد الفلسطيني دعمًا ماديًّا عمليًّا، إما بالمال أو بالسلاح والذخيرة، وكانت الخطوة العملية الأولى في هذا الاتجاه سنة (1354 هـ = 1935م) عندما قام المجاهدون بالسفر إلى "فلسطين" والاشتراك مع المجاهدين الفلسطينيين بقيادة الشهيد "عز الدين القسام"، واقترن هذا بإعداد المجاهدين عقديًّا وجهاديًّا، مع مطالبة السلطات الحاكمة بالسير في نفس الاتجاه وتسهيل الطريق أمامهم لتنفيذ مهماتهم، فأسس الإخوان المسلمون فرعًا لهم في "فلسطين" سنة (1364 هـ - 1945م)؛ لإيقاظ الوعي الإسلامي على الأراضي الفلسطينية، وتحقيق الترابط العربي الأخوة الإسلامية فيما بينهم.
وعندما اضطرت "هيئة الأمم المتحدة "- تحت ضغط "بريطانيا " و"الولايات المتحدة الأمريكية"- إلى الموافقة على تقسيم "فلسطين" بين كلٍّ من العرب واليهود في (15 من المحرم 1367 هـ - 29 نوفمبر 1947م)- وذلك كمرحلة أولى من مراحل التهام الأراضي العربية كلها بداية من "فلسطين"- قامت المظاهرت في كل مكان من العالم العربي والإسلامي تطالب برفع السيطرة الأوربية عن "فلسطين" وعدم قبول "وعد بلفور"، ونتيجة للمساعدة الأمريكية والبريطانية في تكوين جيش كبير للصهاينة وتدريبه على أحدث أنواع الأسلحة، قام "الإخوان المسلمون" بقيادة المرشد العام للإخوان المسلمين بفتح باب التطوع أمام متطوعي المسلمين؛ من أجل تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتدفق كثير من المتطوعين، فقام الإخوان المسلمون بإقامة معسكرات التدريب في "القاهرة" وضواحيها، كما قام بعض الإخوان بالسفر إلى "سوريا" حيث تم إقامة معسكر في جنوبي "دمشق" لتدريب المتطوعين من أهل "فلسطين" على حمل السلاح والمشاركة في الجهاد.
وتكونت فرقٌ من الإخوان لجمع الأسلحة والذخيرة من مخلفات الحرب العالمية الثانية، والتي تركها الحلفاء في الصحراء الغربية، وقاموا بإنشاء بعض المصانع لتنظيفه وإعداده جيدًا للاستعمال، وكان ذلك بتصريح من الحكومة المصرية.
واستيقظت الصهيونية و"أوربا" على جهاد المجاهدين المسلمين، ونصرتهم للشعب الفلسطيني، بعد أن أخفق الاحتلال البريطاني في إسكات هذا الصوت، وبرغم التضييق على متطوعي "الإخوان المسلمين" فقد وصلت طلائع كتائبهم إلى "فلسطين" وشاركت في الحرب مع الجيوش العربية، وكبدت هذه القوات المسلمة الصهاينة كثيرًا من الخسائر في الأرواح، واستولَوا على العديد من الأسلحة والذخيرة، ولكن فرحتهم بهذا النصر لم تدم طويلاً فقد فوجئ الجميع بأن أصدر رئيس الوزراء المصري "النقراشي" قرارًا بحل "جماعة الإخوان المسلمين" في "مصر" ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم.