الجهاد والاستشهاد هما طريق العزة والنصر
رسالة من الأستاذ محمد مهدي عاكف - المرشد العام للإخوان المسلمين
الجهاد والاستشهاد هما طريق العزة والنصر
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..
﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (الحج: 39).
تمرُّ البلادُ العربيةُ والإسلاميةُ بفترةٍ من أصعب الفترات في تاريخها الحديث، ويشهد على ذلك ما حدث في حروب الخليج، وما آلت إليه أحوال العراق من احتلالٍ سلبَ ثرواتِه، وانتهكَ أعراضَه، ويتَّمَ أطفالَه؛ وثكَّل نساءَه؛ فضلاً عن إثارة الفوضى في كل أرجائه نتيجة القضاء على مؤسساته، وكذلك المحاولات المستمرة لإهانة وإذلال شعبه، وإثارة الفرقة بين طوائفه، وما هم ببالغيه بإذن الله.
هذا بالإضافة إلى ما يحدث على أرض فلسطين الحبيبة من مجازرَ وحشيةٍ لأطفالِه ونسائه ورجاله، وتجريفِ أرضِه، وهدمِ منازلِه، وإقامةِ المستوطناتِ عليها، والاعتداءِ على مقدساته، وعدمِ احترامِ المواثيقِ الدولية، ونكثِ الوعودِ، والاستهانةِ بكل عُرفٍ ودين، وما قصةُ الجدارِ العازلِ منَّا ببعيد.
وبفضل الله وكرمه، فإن كل ما حدث- ويحدث- أيقظ الشعوب، ووحَّد القلوب، وألهب المشاعر، ووحَّد الأهداف والمقاصد بين جميع طوائف هذه الأمة، بالرغم من الصَّمت المُريب من معظم الأنظمة العربية!!، التي كنا نودُّ من حكامها أن تتبادل هذه المشاعر، وتتجاوب مع شعوبها، وتتترَّس بهم؛ حتى يصير الجميع كالجسد الواحد، الذي: "إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعى له سائرُ الجَسدِ بالسَّهر والحمَّى"، ويومها يكون الحكامُ حماةَ الأوطان، الذين يُضَحَّى من أجلهم.
ألا يستحق ما يجري على أرض العراق، وما حدث في مدينة الفلوجة بالذات من عدوان غاشم واعتداءٍ وحشيٍّ على يد المحتل الأمريكي الغاصب، موقفًا موحدًا من الجامعة العربية، وعلى وجه السرعة؛ ليشعر المعتدي أن وحدة الصف ووحدة الهدف كفيلان بردعه ومراجعة حساباته؛ كي يحترم هذه البلاد وشعوبها، فيكفَّ أذاه، ويعلم أن قواه المادية لا تغني عنه شيئًا أمام وحدة الصفوف والقلوب، التي هي من أهم عوامل النصر، والأمل في الله كبير.
الشعوب هي الأمل
لقد ثبت في كل المواقف- خاصة تلك التي تهدد الأمن والاستقرار، والتي تحاول أن تنال من ثوابت الأمة- أن الشعوب كانت على مستوى الحدث، وأن رؤيتها كانت هي الصائبة، وأن إيجابياتها في مواجهة التحديات كانت مرتفعة.. ولأن الأنظمة تخلَّفت عن تحقيق- ولو بعض- ما هو مطلوب منها، فقد أصبحت الشعوب هي الأمل ومعقد الرجاء، وبالتالي فهي الأَوْلَى بالخطاب، وهي الأَوْلَى بالاهتمام؛ لعل حكامَّها يتجاوبون معها، ولو أن حركةَ هذه الشعوب كانت واعيةً، منضبطةً، مستمرةً، منظمة، محيطةً بكل ما يجري حولها، ولديها أهداف واضحة، فهي إذن المرشحة- في هذه الحال- للقيام بدور الريادة وتحقيق الآمال، والانتقال بالوضع العربي من التشرذم إلى الوحدة، ومن التخلف إلى التقدم، ومن الانكسار إلى الانتصار، ومن الإحجام إلى الإقدام، ومن التردُّد إلى الحَسمِ، ومن الضَّعف إلى القوة.
لذلك لابد أن تستمر الشعوب في الوقوف إلى جوار النخب والقوى السياسية والوطنية التي تنادي بضرورة تأييد ودعم المقاومة؛ ماديًّا ومعنويًّا، في فلسطين والعراق وأفغانستان؛ لعدة أسباب:
أولاً: حتى تشعر الشعوب الواقعة تحت الاحتلال- والتي تعاني من الاعتداء الوحشي والعدوان الهمجي- بمن يهتم بأمرها، فتزداد صمودًا وثباتًا.
ثانيًا: حتى تشعر الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني أن الشعوب- صاحبة الحق الأصيل- لا تستكين ولا تلين حتى تنال حقوقها كاملة مهما كانت التضحيات.
ثالثًا: حتى تعلم الأنظمة الحاكمة بفشلها، وأنها ليست على مستوى المسئولية.
ولابد أيضًا أن تواصل الشعوبُ الاستمرارَ في الضغط المعنوي على الأنظمة الحاكمة، من خلال التظاهرات المنضبطة، التي لا تؤدي إلى فوضى؛ كي تقوم بالإصلاحات الداخلية المطلوبة (وعلى رأسها الإصلاح السياسي) من جانب، وكي تقف بإيجابية تجاه القضايا القومية من جانب آخر.
ولابد كذلك من المشاركة في المؤتمرات والندوات التي تتم وتقوم بها مؤسسات المجتمع المدني والقوى الوطنية، وقد جاء في النداء الذي أعلنه علماء المسلمين أنهم ينظرون بعين الإعجاب والاعتزاز للتلاحم الوطني الذي أظهره الشعب العراقي على اختلاف مذاهبه وتوجهاته، والشعور العالي بالمسئولية لإحباط مؤامرة افتعال حربٍ أهلية طائفية، يأبى العراقيون أن ينزلقوا إلى شَرَكِهَا المنصوب لهم، ويتمنون أن يزداد هذا التلاحم الصلب؛ لأن العدو لا يميز بينهم، كما أنهم يناشدون العالَمَ المتحضرَ والمجتمعَ الدوليَّ التدخلَ الفوريَّ والحازمَ لثني الإدارة الأمريكية عمَّا تقوم به من أعمال وحشية في العراق، ويعتقدون أن من الواجب أن تأخذ الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية دورًا فاعلاً في نصرة الشعب العربي إزاء المحنة التي يمر بها.
أمَلُنا أن تقوم الحكومات التي تؤيد وتدعم الإدارة الأمريكية بسحب قواتها من العراق؛ لأن وجود مثل هذه القوات يعمل على هدم القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، كما يؤكد تكريس المبدأ الذي تستهدفه الإدارة الأمريكية؛ وهو شرعية القوة.. شرعية الغاب..، أمَلُنا أيضًا أن تكون مؤسسات المجتمع المدني في كل بقاع الأرض لها موقف قوي، تندد فيه بالسياسة الأمريكية.
وللعلماء دور
إن للعلماء دورًا في استنهاض الهمم، وتقوية العزائم، وتجميع الصفوف، وتوجيه الطاقات، وتحديد الأولويات لدى الشعوب، خاصةً إذا كانت التحديات خطيرة وكثيرة، وعليهم أن يعملوا على نشر ثقافة الجهاد والاستشهاد.
إن المقاومة ضد الاحتلال حقٌ مشروع لأهل البلد المحتل، كَفَلَهُ الإسلامُ، وأكدت عليه القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، ويعتبر الإسلام المقاومة جهادًا في سبيل الله، وأنه فرضُ عينٍ على أهل البلد الذي يتعرض للاحتلال، وهو مقدَّم على غيره من الفرائض، حتى إن المرأة لتخرج إلى الحرب بغير إذن زوجها، ويؤذن للصبيان بالقتال، وقد شرع الجهاد في هذه الحالة للدفاع عن العقيدة والشريعة بمقاصدها الخمسة (الدين والنفس والعقل والعرض والمال)، والذود عن الأوطان، وحماية المقدسات والمحرمات، وتعتبر المشاركة في الجهاد (القتال) فرض كفاية على البلدان المجاورة للبلد المحتل، فإذا فشل الأخير في طرد المحتل الغاصب وتحقيق الاستقلال، تحوَّل فرضُ الكفايةِ إلى فرضِ عينٍ على هذه البلدان، فإذا لم تستطع هذه تحقيقَ الهدفِ المرجو، فإن فرض الكفاية يتحول إلى فرض عين على كل بلاد المسلمين كما جاء في الأحاديث.
إن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وإنه فريضة ماضية إلى يوم القيامة، "وما ترك قومٌ الجهادَ إلا ذلُّوا"، و"إن الأمة التي لا تجيد صناعة الموت لا تستحق الحياة"..
لقد كان العدوان الهمجي والاعتداء الوحشي الأمريكي على العراق سببًا في توحد الشعب العراقي سُنَّةً وشيعةً تحت مظلة واحدة، كما كانت المجازر الوحشية، وآخرها استشهاد الشيخ "أحمد ياسين" على يد العدو الصهيوني سببًا في توحد فصائل المقاومة الباسلة على أرض فلسطين ؛ بل في يقظة الأمة كلها..
لقد بدا واضحًا تهافُت وتردِّي هذا الطابور الخامس، الذي يدعو إلى ثقافة الاستسلام والارتماء في أحضان الإدارة الأمريكية؛ إما عمالة وخورًا وبُعدًا عن الإسلام، وإما عجزًا وفشلاً وخوفًا وفزعًا..
وفي النهاية فإن النصر للإسلام مهما كاد له الكائدون: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21).