فلسطين لا تقبل القسمة أبداً .. فإما نحن و إما هم
بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي
لقد كان للعمليتين الاستشهاديتين البطوليتين اللتين نفّذهما كلّ من الشهيد المقدام رامز سلمي عز الدين أبو سليم و الشهيد المقدام إيهاب عبد القادر محمود أبو سليم من قرية "رنتيس" أثر عظيم أبعد و أعمق من نجاحهما الباهر في قتل عددٍ كبير من القتلة اليهود من جنود و مغتصبين ، و جرح العشرات منهم ، و أهم آثار هاتين العمليتين ما يلي :
أولاً :
- لقد جاءتا في ذروة الاستنفار الأمني للعدو الصهيوني فضربتا عمقه في عملية اختراق أمني مذهلة ، و هذا يعني أن الإجراءات الأمنية الصهيونية قد فشلت فشلاً تاماً في منع العمليات الاستشهادية ، مما يعكس بوضوح فشل "شارون" في جلب الأمن لليهود القتلة كما خدعهم بوعوده الطفولية من قبل ، أي أن "شارون" قد هزِم ، بل و سحِق ، أمام ضربات القسام المتتالية و المحكمة زماناً و مكاناً ، و إحصاءات عمليات المقاومة الفلسطينية و نتائجها الوخيمة على الكيان الصهيوني من استنزاف بشريّ و اقتصادي و معنوي تؤكّد أن أسوأ حقبة عاشها اليهود القتلة هي حقبة شارون ، و هذا الفشل و الشعور بالهزيمة من شأنه أن يدفع "شارون" إلى مزيد من الحماقات و التي كان آخرها قصف البيوت على رؤوس ساكنيها من المدنيين الفلسطينيين ، كما فعل في استهدافه منزل الدكتور محمود الزهار ، و منزل الدكتور مروان أبو راس ، و هذا التطوّر الخطير من شأنه أن يفتح ميادين واسعة و سهلة أمام المقاومة ، مما يمكّنها من مضاعفة عملية الاستنزاف للكيان الصهيوني بإذن الله تعالى .
- ثانياً ::
- أثبتت هاتان العمليتان أن قادة اليهود القتلة كانوا غارقين في الوهم يوم ظنوا أن استهداف القادة السياسيين ل حركة المقاومة الإسلامية حماس سيدفعهم إلى الاستسلام و رفع الراية البيضاء أمام الهزيل "شارون" ، فقد أثبتت العمليتان البطوليتان العكس تماماً ، و هذا يعني أن استهداف القادة الذين يبحثون عن الشهادة لا يزيدهم إلا إصرارًا على ملاحقة المفسدين القتلة من اليهود ، و لا يزيدهم إلا تشبّثاً بحق الفلسطينيين في كامل ترابهم الوطني المغتصب منذ عام 1948م ، و من هنا فإنني أبشّر "شارون" أن قرار الحركة كما قرأت في بيان القسام هو الرد بالمثل ، و لذا فكلّ بيتٍ صهيوني أصبح اليوم بحاجة إلى عددٍ من المسلّحين الصهاينة لحمايته ، فهنيئاً للصهاينة "بشارون" .
- ثالثاً ::
- لقد تأكّد "يعلون" بعد هاتين العمليتين أن حماس يوم أعلنت الهدنة حسب الشريعة الإسلامية لم تكن منهزمة كما زيّن له شيطانه ، و إعلان "يعلون" يومها أنه انتصر يدلّ على حالة نفسية محطّمة يعيشها قادة هذا الكيان الزائل عما قريب بإذن الله ، و يدلّ أيضاً أن القادة الصهاينة يجهلون بغباء منقطع النظير حقيقة حماس ، و عظمة الإسلام في صناعة الرجال .
- رابعاً :
- هاتان العمليتان وضعتا الكيان الصهيوني أمام طريقين ، إما أن يعطى الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة كاملة ، أو الانتحار الاستنزافي البطيء و المتواصل إلى أن تستيقظ الأمة الإسلامية فتقوم بشطب هذا الكيان و استرداد أرض و مقدّسات المسلمين .
- و من هنا أحب أن أؤكد أنه لا يوجد للقضية الفلسطينية إلا حلّ واحد و وحيد و هو إعادة السيادة على فلسطين لأصحابها الشرعيين ، و هذا الأمر لن يتمّ إلا بإحراز نصر عسكري على الكيان الصهيوني الذي يغتصب فلسطين ، و الأمة العربية و الإسلامية بما هي عليه الآن من ضعفٍ و هوان لا تستطيع إحراز النصر المطلوب ، و هذا يعني ببساطة أن المقاومة الفلسطينية مستمرة ، و لن تفلح أبداً التدخّلات الجارية سواء من قوى خيّرة متعاطفة كبعض دولنا العربية ، أو قوى شريرة معادية كأمريكا و الاتحاد الأوروبي في نزع فتيل المقاومة ، أو إخماد أوارها حتى تعود الحقوق السليبة إلى أصحابها .
والحلول المطروحة اليوم قائمة على الاعتراف بالكيان الصهيوني ، و من هنا فهي تتناقض مع عقيدتنا العادلة ، التي لا تقرّ شرعية للغصب ، كما أن الحلول المطروحة تصطدم بالمخطّط الصهيوني الذي يتناقض مع قيام كيان فلسطيني مستقل ، و هذا يعني شيئاً واحداً أننا أمام تصعيدٍ حتميّ في المواجهة بين حركة إسلامية لا تجيز التنازل عن السيادة الإسلامية عن شبرٍ من فلسطين ، و بين مخطّط صهيوني خبيث له أهداف أبعد من حدود فلسطين .
و لن تتوقّف المواجهة إلا بحسم المعركة ، أي بانتصار كاملٍ و نهائي لأيّ من الطرفين ، فلسطين لا تقبل القسمة أبداً ..
فإما نحن و إما هم ، و انتصار ساحق لليهود على المسلمين من شأنه أن يضع حداً للصراع أمر مستحيل ، و لذلك سيحسم هذا الصراع يوماً ما و لكن لصالح المسلمين ، و هذه حتمية قرآنية ، و هذا أمر منطقي و واقعي ، ف فلسطين مركز اهتمام كلّ المسلمين في أرجاء المعمورة ، و هي تقع في قلب العالم الإسلامي ، و لا يملك الصهاينة القدرة على مواجهة الأمة الإسلامية إذا استيقظت ، و استيقاظها مسألة وقت و أعتقد أنه سيكون قريباً بإذن الله تعالى ، و حتمية زوال الكيان الصهيوني حقيقة يعتقدها اليهود تماماً كما نعتقدها نحن ،
و لعلّهم يدركون مثلنا أن أجله قد اقترب ، كما أنه ينبغي علينا أن ندرِك أن قبول بعض الفلسطينيين بحلول تصفوية للقضية الفلسطينية لن ينهي الصراع ، و لن يضع حداً للمواجهة مع العدو ، لأن أحداً لا يملك التفويض في أن ينوب عن الأمة بأجيالها القادمة إلى قيام الساعة ، و هذا يعني أن الحلول التصفوية لن توفّر للغاصبين الأمن و لا دوام السيطرة على فلسطين ، لأن الحلول التصفوية لن يقبل بها المسلمون و في مقدّمتهم الشعب الفلسطيني .
و في ظلّ هذا الواقع الذي خلقته المطامع العدوانية الصهيونية سيبقى الصهاينة أمام خيارين :
الخيار الأول :
- أن يستمرّوا في دفع ثمن عدوانهم على الأمة الإسلامية إلى أن يستردّ المسلمون سيادتهم على فلسطين و المقدّسات ، و أعتقد جازماً أن مطامعهم ستدفعهم باتجاه هذا الخيار .
الخيار الثاني :
- رضوخهم لحلّ تسكيني مؤقت ، يقيم فيه الفلسطينيون دولتهم على جزء من وطنهم مع احتفاظهم بحقّهم في باقي وطنهم ، أي دون أن يكون هناك اعتراف متبادل ، لأن الاعتراف بالكيان الصهيوني يتناقض مع الشرع الإسلامي ، و لذا فلن يكون ، كما أننا لسنا بحاجة إلى أن تعترف بدولتنا عصابات غصبٍ و تخريب و عدوان لا شرعية لكيانها .
قد يقول البعض كيف سيقبل الصهاينة قيام دولة فلسطينية لها تطلعات مستقبلية تتمثّل في تصفية هذا الكيان الصهيوني ؟
و جوابنا على هذا السؤال يسير ، فزوال الكيان سيتم على أيّ حال ، أي سيتم إذا أقمنا دولة فلسطينية على جزءٍ من الوطن ، أو لم نقِمْ ، و لكننا نتحدّث عن الفترة الزمنية التي تسبق زوال الكيان الصهيوني ، فإما أن يستمرّ خلالها استنزافهم في ظلّ تشبثهم بالخيار الأول ، أو ينعموا بالأمن في ظلّ رضوخهم للخيار الثاني .
المصدر
- مقال:فلسطين لا تقبل القسمة أبداً .. فإما نحن و إما همالمركز الفلسطينى للإعلام