أعداء الله لا يقيمون حرمة لدماء المسلمين ولا لعقيدتهم فمرحى للمقاومة
بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي
إنها ليست المرة الأولى في تاريخ البشرية التي يقف فيها المفسدون موقف السفاهة فيرجمون الصالحين بالفساد، وذلك على قاعدة المثل العربي القائل "رمتني بدائها وانسلت"، فقد سبق فرعون الصهاينة من اليهود في هذا المضمار عندما قال لنبي الله موسى عليه السلام (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر:26)، في الوقت الذي أكد فيه رب العزة سبحانه أن فرعون لم يكن إلا أحد رموز الفساد (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:4).
واليوم يطل علينا صهيوني قاتل من الذين ولغوا في دماء المسلمين، وشاركوا بأنفسهم في مذابح لا حصر لها، وكل همهم أولا إشباع غريزتهم التلمودية الوحشية الدموية، وثانيا تشريد شعب بكامله بهدف اغتصاب وطنه، وطمس هويته، ومحو تاريخه، وإقامة دولة يهودية عنصرية تلمودية متوحشة على أرضه، يخرج اليوم علينا هذا الصهيوني الصغير الذي يعمل وزيرا ضمن عصابة شارون الإرهابية، وأحد أذرع عصابة "موليدت"، تلك العصابة التي أسسها العنصري المتوحش والمتعطش لسفك دماء المسلمين الهالك "رحبعام زئيفي"، فبأي شيء خرج علينا هذا القاتل الصهيوني "بني ألون"، لقد طلب من المبشرين المسيحيين الأميركيين في لقاء معهم العمل على تنصير المسلمين فقال لهم:
"عليكم بالتنقل من مسجد إلى مسجد، لجلب النور إلى المسلمين !!، والتوضيح لهؤلاء القتلة المسلمين أنهم نسوا تحريم الله للقتل". وطلب منهم:
"حوّلوا المسلمين إلى مسيحيين مؤمنين وأناس أخيار!! ".
قائلا لهم "إن التبشير المسيحي في صفوف اليهود أمر محظور"، كان الأولى بهذا القاتل أن يبحث عن الإسلام كي ينقذ نفسه من فساد معتقده، فيتخلص من أحقاده السوداء وهذا ما نرجوه له، ولكن لا ندري لعل الله ختم على قلبه فلم تعد عيناه التي طمست عليها غشاوة الحقد على الإسلام أن ترى نوره الساطع.
ولولا المقاومة الفلسطينية الباسلة لما نفث هذا الأفعى الصغير سمومه بهذه الطريقة التي تنم عن حقد متغلغل في قلبه المربد على الإسلام منهجا وعقيدة وقيما، إن الضربات الموجعة التي تسددها المقاومة الفلسطينية لهؤلاء القتلة الصهاينة هي التي كان لها الفضل في كشف حقيقة ما يعتمل في صدورهم من غل على الإسلام، فهذا القاتل الذي ينفث اليوم سمومه ينتمي لعصابة إرهابية صهيونية "موليدت" هدفها الأول والأخير اقتلاع الفلسطينيين من وطنهم، ولقد ارتكبت من أجل تحقيق ذلك جرائم يندى لها جبين البشرية، فكم من مذبحة نفذتها تلك العصابة الجبانة فسفكت دماء العزل من الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء من أبناء شعبنا الفلسطيني المسلم.
ولولا المقاومة الفلسطينية الباسلة لما أفاق الأوروبيون على جرائم الكيان الصهيوني المسخ، مما دفع الشعوب الأوربية التي طمست على عقولها طويلا الدعاية الصهيونية الكاذبة إلى تصحيح نظرتها لترى هذا الكيان بوجهه الحقيقي المقيت، حيث اتضح في استطلاعات الرأي لدى أوروبا أنهم يضعون هذا الكيان الزائل بإذن الله تعالى في مقدمة دول العالم التي تهدد السلام الدولي، فنجحت المقاومة بفضل الله في إساءة الوجه الصهيوني (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً) (الاسراء:7)
كما أن المقاومة الفلسطينية كان لها الفضل في نقل الصراع إلى داخل الساحة الصهيونية، فمن خلاف حول السور وجدواه وتكلفته وآثاره السلبية على الساحة الدولية، إلى خلاف حول عمليات الاغتيال التي لم تجلب لهم سوى الموت الزؤام، إلى خلاف حول جدوى بناء المغتصبات والتكاليف الباهظة التي تنفق لتوفير الأمن لها في ظل المقاومة الفلسطينية الباسلة، حتى أصبحنا نسمع قائد الإرهاب في العالم، والمنظِّر الأول للاستيطان في فلسطين شارون وهو يدعو إلى إخلاء المغتصبات من قطاع غزة،
وسواء كانت هذه الدعوة حقيقية أم تكتيكية، أو كانت محاولة منه للاحتفاظ بمكاسب في الضفة الغربية على حساب وجوده في غزة، فهي في النهاية لم تكن لتكون لولا المقاومة الفلسطينية الباسلة، فلولا قذائف الهاون وصواريخ القسام التي سخر منها دعاة الهزيمة طويلا لما فكر شارون ولو للحظة واحدة بإخلاء المغتصبات في قطاع غزة، لأن شارون يدرك أن الفرار من غزة وإخلاء مغتصباتها سيعقبه لا محالة فرار من الضفة الغربية عاجلا أم آجلا، والحبل على الجرار كما يقولون.
ولولا المقاومة اللبنانية الباسلة لما أخرج الصهاينة من جنوب لبنان، ولما خرج المعتقلون من معتقلات الاحتلال، فقد حققت المقاومة في لبنان ما عجزت عن تحقيقه المفاوضات مع الكيان الصهيوني، تلك المفاوضات التي شكلت إهدارا للحق والكرامة والمال والوقت والجهد الفلسطيني، كما شكلت فرصة للاحتلال كي يرسخ أقدامه في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويعمل على تهويد المقدسات، وبناء المغتصبات، وشق الطرق الالتفافية، وعزل الفلسطينيين في كانتونات متباعدة متناثرة.
ولولا المقاومة الباسلة في العراق لما وقع بوش في الحرج الشديد، ولو اقتصر الأمر في العراق على صور الترحيب المزيفة بالغزو الأمريكي كما كان يتمني بوش والصهاينة في البيت الأبيض لما وجدنا هذه الضجة الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية حول الدوافع الحقيقية لغزو العراق، ولما سمعنا عما يجري من محاسبة لبوش، ولما بلغت شعبيته من التدني في الشارع الأمريكي ما بلغت اليوم، فليست القيم والأخلاق هي التي دفعت الشعب الأمريكي لمحاسبة بوش، لأن الذين هتفوا للحرب وصفقوا لبوش كانوا على يقين أن العراق لا يهدد أمن أمريكا، وكانوا واثقين من صحة تقارير فريق التفتيش الدولي عن خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، ولكن المقاومة الباسلة في العراق التي أرعبت الأمريكان وأذهلتهم، وجعلتهم في وضع لا يحسدون عليه وهم يشيعون قتلاهم بالمئات،
وتكتظ مستشفياتهم بآلاف الجرحى، هي التي أيقظت الضمير الأمريكي من سكرته، وقد شعروا بالمهانة والإذلال، خاصة أن الاستمتاع بغرور الاستعلاء ونشوة التفوق العسكري كان الدافع من وراء تأييد الشعب الأمريكي للفريق الصهيوني المتربع على عرش البيت الأبيض في غزوه للعراق، إنه جنون العظمة، إنها العنصرية المقيتة التي خلقت شعورا بالتفوق العرقي لدى الإنسان الأمريكي، إنها عقلية "الكاو بوي"، ولذا لم نر الشارع الأمريكي قد تحرك احتجاجا على الدمار الهائل الذي أحدثته آلة التخريب والإفساد في العراق، لم نسمع عن احتجاج الشارع الأمريكي وثورته غضبا للدماء العراقية المسلمة الطاهرة التي سفكت على يد قواتهم المتوحشة، ولكنه تحرك فقط عندما انهار الجندي الأمريكي وخارت قواه وتحطمت معنوياته أمام المقاوم العراقي المقدام.
من هنا نهتف مرحى للمقاومة فهي السبيل الوحيد أمام الشعوب المقهورة المعتدى عليها من قبل أشرار العالم ومفسديه، الذين لا يقيمون وزنا ولا حرمة لعقيدة المسلمين ولا لدمائهم.
المصدر
- مقال:أعداء الله لا يقيمون حرمة لدماء المسلمين ولا لعقيدتهم فمرحى للمقاومةالمركز الفلسطينى للإعلام