الإخوان المسلمون والجهاد ضد الإنجليز في القنال 1951م
إعداد: عبد الحليم الكناني
الأمة تناشد الإخوان قيادة المعركة
في يوم الإثنين الثامن من أكتوبر عام 1951 م أعلن مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت إلغاء معاهدة 1936 م مع بريطانيا واتفاقية عام 1899 م بشأن السودان.
وفي العدد 1224 من مجلة (روز اليوسف) كتب الصحفي الشهير إحسان عبد القدوس معبرًا عمَّا يجول بخاطرِ كل أبناء الشعب ونظرتهم للإخوان المسلمين، مناشدًا الإخوان قيادة المعركة: "فيوم يتحرك الإخوان المسلمين ويعرفون كيف يتحركون وإلى أين، فقد اكتملت لمصر قواها الشعبية وضمنت لأيام الجهاد الاستمرار".
تبني الإخوان للمعركة
قررت قيادة الإخوان تبني المعركة في القنال، فتم تكليف الأخ كامل الشريف بدراسة الوضع في منطقة القناة، ثم انعقد مؤتمر خاص بالإسماعيلية برئاسة الشهيد محمد فرغلي رئيس منطقة القناة، وحضره مندوبون عن المناطق المختلفة في القاهرة والقناة ومديرية الشرقية، لدراسة الأوضاع بالتفصيل، واستغرق المؤتمرُ ثلاثةَ أيام وفي نهاية المؤتمر اختُير الأخ كامل الشريف قائدًا لتلك المعركة.
وبدأت حركة الجهاد في الخطوات التالية
1- حركة الحصار والمقاطعة للإنجليز في القناة
نظَّم الإخوان مظاهراتٍ شعبيةً كان من مطالبها منع العمال المصريين من العملِ في معسكرات الإنجليز وتوفير الأعمال البديلة لهم، ولم تكد المصادمات المسلحة تبدأ حتى استجاب آلاف العمال لنداءِ الإخوان وهجروا مدن القناة ومعهم عائلاتهم، وكانت ضربة أصابت المعسكرات البريطانية بالشلل.
وأُجري إحصاء شامل للتجار المتعاملين مع المعسكرات، وأجريت اتصالات سرية معهم فيها تحذير من استمرار التعامل مع الإنجليز وحث لهم على إنقاذ أموالهم وتصفية حساباتهم استعدادًا لتنفيذ الحصار.
وبعد أسبوعين وُجه نداء إلى التجار والمقاولين والمزارعين يدعوهم إلى مقاطعة الإنجليز ويهدد باعتبارِ كل مَن يتعامل مع العدو بعد ذلك خائنًا لقضيةِ الوطن، وكان هذا النداء موضوع خطب الجمعة في المساجد والدروس في القرى والمدن، ونجحت الحركة وانقطع تدفق الأغذية عن المعسكرات الإنجليزية.
2- إقامة معسكرات التدريب
أقام الإخوان عدة مراكز للتدريب، كان منها معسكر في مزرعة الحاج "إبراهيم نجم" قرب فاقوس، وجلبت إليه كميات متنوعة من الأسلحة والذخائر، وفي نفس الوقت كان شباب الجامعة من الإخوان يرتب لإقامة معسكرات للتدريب بالجامعات.
3- بدء حرب العصابات
قرر الإخوان بعد ذلك القيام بحرب العصابات ضد الإنجليز في منطقة القناة، وكان ذلك على أساس العمل في حميع المناطق التي يحتلها العدو بحيث يضرب في السويس و بور سعيد والتل الكبير وفي جميع القرى الواقعة بينها مرة واحدة، واستمرت العمليات الجهادية بأساليب متعددة وضد أهداف مختلفة، منها:
4- نسف مخازن الذخيرة
وكان من أشهر تلك العمليات نسف مخازن الذخيرة بأبي سلطان، على يد ثلاثة من شباب الإخوان يقودهم الأخ المجاهد خطاب السيد خطاب وبإشراف الشهيد يوسف طلعت.. وظلت الحرائق تشتعل في المعسكرِ حوالي عشر ساعات متواصلة حتى أتت على كل ما فيه.
واعترف بلاغ بريطاني أنَّ كميةً كبيرةً من القنابل والذخائر قد انفجرت ولم يعترف إلا بقتل خمسة جنود، ولكن عمال المطابخ في تلك المعسكرات أكدوا أن القتلى تجاوزوا العشرين قتيلاً.. (صفحات من جهاد الشباب المسلم- حسن دوح- ص 82).
5- نسف القطارات
وكان من أشهرها العملية الفدائية الرائعة التي قام بها شاب بمفرده هو المجاهد الشاب عبدالرحمن البنان في جبهة القنطرة، وبعدها قام يوسف علي يوسف بإسقاط قطار حربي إنجليزي في المنطقة الواقعة بين بورسعيد والقنطرة.
وفي جبهة بورسعيد قام علي صديق وإخوانه بنسف قطار إنجليزي آخر عند قرية الكاب القريبة من بورسعيد.. وكان من نتائج تلك العمليات تعطل شبكة المواصلات الحديدية البريطانية تمامًا.
6- حرق مخازن البترول
ومن بين نماذجها إحراق مخازن البترول في سفح جبل عتاقة ب السويس ونفَّذها أحد الإخوان العاملين هناك، واستمرت الانفجارات الناجمة عنها يومين كاملين، حتى أتت على المخازن كلها وأتلفت مخازن البضائع. (المقاومة السرية- كامل الشريف- ص 122).
7- نسف الكباري الحربية
ومن أمثلتها نسف كوبري أبو خليفة الذي أُقيم على ترعة الإسماعيلية في المنطقة الممتدة بين الإسماعيلية والقنطرة غرب، وقام بها مجموعة من رجال الإخوان: محمود حسن ومحسن وسعيد وعبد المنعم، وتمَّ فيها تدمير الكوبري تمامًا.
8- الهجوم على نقاط تفتيش العدو
في 4 يناير 1952 م كان هجوم الفدائيين على الإنجليز عند نقطة تفتيش العباسة، وكانت نتيجته انسحاب الإنجليز بدباباتهم من المعركة وجرح أحد الفدائيين، واستشهد بعد المعركة بأربع وعشرين ساعة، وهو الشهيد عادل غانم الطالب بكلية الطب ومن شباب الإخوان.
9- معركة التل الكبير (13/1/1952)
قامت هذه المعركة يوم 13 من يناير 1952م، واستشهد في المعركة ثمانية من الشباب على رأسهم الشهيدان عمر شاهين وأحمد المنيسي.
وعلقت عليها جريدة (الديلي ميرور) البريطانية بقولها:
"لا نستطيع بعد اليوم أن نقول عن قوات التحرير المصرية المؤلفة من شبابٍ متحمسٍ أنها إحدى الدعايات المضحكة لقد دخلت المعركة في طور جديد، واستمر القتال يوم السبت الماضي اليوم بأكمله، وظلَّ المصريون يحاربون لواء الكاميرون والهايلاندرز باستماتة عجيبة".
10- حركة الجهاد بعد حريق القاهرة
في 25 يناير 1952 م جرت مذبحة كبرى لقوات البوليس المصري بالإسماعيلية على يد القوات الإنجليزية، وفي 26 من يناير كانت مؤامرة حريق القاهرة التي أجهضت حركة الكفاح ضد الإنجليز في القناة.
وأصبح الاتجاه العام لدى الحكومة الجديدة يميل نحو تهدئة الأوضاع في القناة، فعمل الإخوان على إعادة تنظيم حركتهم في الجهاد، كحركة سرية مسلحة، وقامت خطة العمل الجديدة على تقوية العناصر المحلية داخل مدن القناة، وأن يأتي الإخوان بعد ذلك من بقية مناطق القطر المصري في مجموعاتٍ للعمل في فتراتٍ دوريةٍ هناك، وتولي الأخ المجاهد محمود عبده قيادة المجاهدين.
ولم يكد يمر شهران حتى عاود الإخوان عملياتهم في جميع مناطق القناة واندهشت القوات الإنجليزية لهذا العمل المفاجئ الذي شمل المنطقة كلها في وقتٍ واحد.
يقول القائد المجاهد كامل الشريف: "ولقد أحصينا في النصف الأول من عام 1953 م أكثر من 100 حادث اغتيال أو نسف أو اختطاف أسلحة قام رجال الإخوان في منطقة القناة وارتفع هذا الرقم أكثر من ذلك خلال النصف الأخير". (المقاومة السرية- كامل الشريف- ص 203).
من شهادات الأصدقاء والأعداء
1- يقول الدكتور حسن حنفي في مقالٍ بعنوان "ماذا كسبنا من الإخوان المسلمين":
"أثبتت الجماعة وجودها في معاركنا الوطنية وعلى رأسها معارك القناة 1951 م؛ فقد كان متطوعوها في الصفوفِ الأولى، وكان شهداؤها يودعون إلى مثواهم الأخير من الجامعة والشعب، وكان الاستعمار يهاب هذا الجند المسلح الذي يسترخص الموت، وقد كان من شعاراتهم "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا". (جريدة الجمهورية -10/5/1976 ).
2- جوردون واترفيلد في كتاب مصر:
"وحين عاد الإخوان من حرب فلسطين أعلنوا الجهاد ضد النفوذ البريطاني في مصر وقاموا بعملياتهم الفدائية في منطقة القنال وخصوصًا معركة التل الكبير".
3- يقول توم ليتل في كتابه (مصر الحديثة)
"إنَّ كلَّ الحركاتِ النشطة والعاملة في مصر بما فيها حزب الوفد اشتركت في العملياتِ الهجومية ضد قوات الجيش البريطاني المرابطة في قناة السويس, ولكن المصدر الذي انبعثت منه إستراتيجية حرب العصابات ضد الإنجليز, وإثارة الشغب ضدهم، تتمثل في جماعة الإخوان المسلمين, المتوغلة في تطرفها الوطني".