الفرق بين المراجعتين لصفحة: «لمصلحة من تعقد هذه الاتفاقية ؟!!»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ط (حمى "لمصلحة من تعقد هذه الاتفاقية ؟!!" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
لا ملخص تعديل
 
سطر ١: سطر ١:
'''<center> لمصلحة من تعقد هذه الاتفاقية ؟!!</center>'''
'''<center><font color="blue"><font size=5>لمصلحة من تعقد هذه الاتفاقية ؟!!</font></font></center>'''
[[ملف:د.عبد العزيز الرنتيسى.jpg|left|220px]]


'''بقلم : الدكتور [[عبد العزيز الرنتيسي]] '''
'''بقلم : الدكتور [[عبد العزيز الرنتيسي]]'''


في كل مرة يمر فيها العدو [[الصهيوني]] بمأزق حقيقي ، نرى أن السلطة تبادر و بشتى الطرق لإنقاذه ، قد لا يكون ذلك هو هدفها الحقيقي، و لكن لا أشك لحظة أن الذي يجري على أقل تقدير يعكس حالة العجز السياسي الذي يحكم مسار السلطة منذ نشأتها الأولى في سراديب أوسلو، و لو كانت السلطة تتمتع بشيء من الحنكة السياسية لاستثمرت المأزق [[الصهيوني]] على أقل تقدير لصالحها، ولا أقول لصالح القضية التي لم تعد على سلّم أولويات اهتمام السلطة .
[[ملف:د.عبد العزيز الرنتيسى.jpg|تصغير|250px|يسار|'''<center>د.[[عبد العزيز الرنتيسي]]</center>''']]


وأما العدو [[الصهيوني]] فنراه ينجح دائما في الخروج من مأزقه عبر استغلال بعض القيادات ذات النفس السياسي القصير ، التي تهتم بتحقيق أهداف مظهرية لا تمس حقيقة و جوهر القضية ، و لا ينكر أحد أن الكيان [[الصهيوني]] يعيش اليوم أزمة حقيقية زلزلت أركانه و ضربت أمنه ، و دمّرت اقتصاده و حطمت معنوياته ، و كان في مقدور المقاومة أن تترجم إلى إنجازات حقيقية لولا رهان العدو [[الصهيوني]] على بعض المتعجلين لقطف الثمار و لو كانت مرّة ، أو المتخوفين على مكتسباتهم الشخصية من استمرار المقاومة ، و بالتالي كان رهانه دائما أنه لا يعدم أن يجد من يقبل بتنفيذ الإملاءات [[الصهيونية]] التي تسمى زورا و بهتانا اتفاقيات أمنية ، بينما هي في واقع الحال مجرد إملاءات ينفّذها الطرف الفلسطيني وحده دون التزام الطرف [[الصهيوني]] بأي شيء في مقابل ذلك .
في كل مرة يمر فيها العدو [[الصهيونية|الصهيوني]] بمأزق حقيقي ، نرى أن السلطة تبادر و بشتى الطرق لإنقاذه ، قد لا يكون ذلك هو هدفها الحقيقي، و لكن لا أشك لحظة أن الذي يجري على أقل تقدير يعكس حالة العجز السياسي الذي يحكم مسار السلطة منذ نشأتها الأولى في سراديب أوسلو، و لو كانت السلطة تتمتع بشيء من الحنكة السياسية لاستثمرت المأزق [[الصهيونية|الصهيوني]] على أقل تقدير لصالحها، ولا أقول لصالح القضية التي لم تعد على سلّم أولويات اهتمام السلطة .


واتفاقية [[غزة]] - بيت لحم أولا" لم تخرج أبدا عن هذا السياق ، فقد تمخضت عن استعداد السلطة للتصدّي للمقاومة في عملية تقاسم وظيفي مع العدو المحتل ، دور السلطة في ذلك حماية سلامة و أمن جنود الاحتلال و قطعان المستوطنين ، فروح و جوهر هذه الاتفاقية توفير الأمن للصهاينة ، بينما لا يوجد في المقابل ما يحفظ أمن و سلامة و حرية الشعب الفلسطيني ، و لقد اعتبر شارون هذه الاتفاقية مجرد مناورة قائلا : "إن الخطة الأمنية الجديدة لا تلزم (إسرائيل) بتغييرات جوهرية على أرض الواقع ، بل تلزم السلطة بوقف العمليات ضد (إسرائيل)" ، و أضاف شارون: "إن ما حدث في بيت لحم لا يعد تغييرا جوهريا ، إذ أن قوات الجيش لم تكن أصلا داخل بيت لحم و ضواحيها" .
وأما العدو [[الصهيونية|الصهيوني]] فنراه ينجح دائما في الخروج من مأزقه عبر استغلال بعض القيادات ذات النفس السياسي القصير ، التي تهتم بتحقيق أهداف مظهرية لا تمس حقيقة و جوهر القضية ، و لا ينكر أحد أن الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] يعيش اليوم أزمة حقيقية زلزلت أركانه و ضربت أمنه ، و دمّرت اقتصاده و حطمت معنوياته ، و كان في مقدور المقاومة أن تترجم إلى إنجازات حقيقية لولا رهان العدو [[الصهيونية|الصهيوني]] على بعض المتعجلين لقطف الثمار و لو كانت مرّة ، أو المتخوفين على مكتسباتهم الشخصية من استمرار المقاومة ، و بالتالي كان رهانه دائما أنه لا يعدم أن يجد من يقبل بتنفيذ الإملاءات [[الصهيونية]] التي تسمى زورا و بهتانا اتفاقيات أمنية ، بينما هي في واقع الحال مجرد إملاءات ينفّذها الطرف ال[[فلسطين]]ي وحده دون التزام الطرف [[الصهيونية|الصهيوني]] بأي شيء في مقابل ذلك .


و ما يجري على أرض الواقع يؤكد ذلك أيضا ، فها هو الأمن الفلسطيني يبدو اليوم في أسوأ أحواله ، طفل يقتل في غزة ، و اغتيال في طولكرم ، يعقبه اغتيال شقيق أحمد سعدات في البيرة ، ثم هجوم على خانيونس بالطائرات و الدبابات ، مع زرع عبوة ناسفة في أحد المنازل و من ثم تفجيرها عن بعد أثناء عودة المواطنين لتفقد منازلهم المدمرة ، مما أدى إلى استشهاد أحدهم و جرح ستة آخرين ، كل ذلك يحدث في الوقت الذي أخذت فيه قوات الأمن الفلسطينية بنصب الحواجز على الطرقات لحماية المستوطنات في [[غزة]] ، و منع المجاهدين من تنفيذ العمليات من بيت لحم ، و مما يزيد الطين بلّة أن هناك عشرات المستشارين الذين يتقاضون مرتبات أثقلت كاهل الشعب الفلسطيني و لا دور لهم إلا هزّ الرأس بالموافقة ، أو ممارسة النفاق السياسي في البحث عن عبارات يدلّسون بها على الشعب ، و يضلّلون بها الرأي العام ، حتى يسوقوا مثل هذه الاتفاقيات الأمنية الخطيرة التي تعطي العدو كل شيء بينما تجرّدنا من كل شيء ، و الكارثة الأخيرة هي أسوأ الكوارث السياسية التي مرّت بها قضيتنا الفلسطينية حتى يومنا هذا .
واتفاقية [[غزة]] - بيت لحم أولا" لم تخرج أبدا عن هذا السياق ، فقد تمخضت عن استعداد السلطة للتصدّي للمقاومة في عملية تقاسم وظيفي مع العدو المحتل ، دور السلطة في ذلك حماية سلامة و أمن جنود الاحتلال و قطعان المستوطنين ، فروح و جوهر هذه الاتفاقية توفير الأمن للصهاينة ، بينما لا يوجد في المقابل ما يحفظ أمن و سلامة و حرية الشعب ال[[فلسطين]]ي ، و لقد اعتبر شارون هذه الاتفاقية مجرد مناورة قائلا : "إن الخطة الأمنية الجديدة لا تلزم (إسرائيل) بتغييرات جوهرية على أرض الواقع ، بل تلزم السلطة بوقف العمليات ضد (إسرائيل)" ، و أضاف شارون: "إن ما حدث في بيت لحم لا يعد تغييرا جوهريا ، إذ أن قوات الجيش لم تكن أصلا داخل بيت لحم و ضواحيها" .


فبمقتضى هذه الاتفاقية سيقوم الجانب الفلسطيني بتوفير الأمن للعدو [[الصهيوني]] الذي لن يتوقف عن ممارسة أبشع صور الإرهاب ضد شعبنا الفلسطيني ، و على رأسها استمرار احتلاله لفلسطين و تدنيسه للمقدسات ، و سيعتبر الجانب [[الصهيوني]] دفاع الشعب الفلسطيني عن نفسه خرقا لهذه الاتفاقية ، أما ما يقوم به العدو من اغتيالات و اقتحامات و مجازر فهو جزء لا يتجزأ من جوهر هذه الاتفاقية المشئومة ، فعلى ما يبدو أن الاتفاقية تهدف إلى تطهير المدن و القرى و المخيمات من المقاومين ، ثم تسليمها بعد ذلك للسلطة الفلسطينية لتواصل شلّ المقاومة و منعها من أداء دورها في حماية الشعب و مقاومة الاحتلال ، ففي بيان صادر عن جيش الاحتلال جاء فيه :
و ما يجري على أرض الواقع يؤكد ذلك أيضا ، فها هو الأمن ال[[فلسطين]]ي يبدو اليوم في أسوأ أحواله ، طفل يقتل في غزة ، و اغتيال في طولكرم ، يعقبه اغتيال شقيق أحمد سعدات في البيرة ، ثم هجوم على خانيونس بالطائرات و الدبابات ، مع زرع عبوة ناسفة في أحد المنازل و من ثم تفجيرها عن بعد أثناء عودة المواطنين لتفقد منازلهم المدمرة ، مما أدى إلى استشهاد أحدهم و جرح ستة آخرين ، كل ذلك يحدث في الوقت الذي أخذت فيه قوات الأمن ال[[فلسطين]]ية بنصب الحواجز على الطرقات لحماية المستوطنات في [[غزة]] ، و منع المجاهدين من تنفيذ العمليات من بيت لحم ، و مما يزيد الطين بلّة أن هناك عشرات المستشارين الذين يتقاضون مرتبات أثقلت كاهل الشعب ال[[فلسطين]]ي و لا دور لهم إلا هزّ الرأس بالموافقة ، أو ممارسة النفاق السياسي في البحث عن عبارات يدلّسون بها على الشعب ، و يضلّلون بها الرأي العام ، حتى يسوقوا مثل هذه الاتفاقيات الأمنية الخطيرة التي تعطي العدو كل شيء بينما تجرّدنا من كل شيء ، و الكارثة الأخيرة هي أسوأ الكوارث السياسية التي مرّت بها قضيتنا ال[[فلسطين]]ية حتى يومنا هذا .


"عملية الانتشار هذه تهدف إلى إفساح المجال أمام الفلسطينيين للتحرك ضد (الإرهاب)" .
فبمقتضى هذه الاتفاقية سيقوم الجانب ال[[فلسطين]]ي بتوفير الأمن للعدو [[الصهيونية|الصهيوني]] الذي لن يتوقف عن ممارسة أبشع صور الإرهاب ضد شعبنا ال[[فلسطين]]ي ، و على رأسها استمرار احتلاله ل[[فلسطين]] و تدنيسه للمقدسات ، و سيعتبر الجانب [[الصهيونية|الصهيوني]] دفاع الشعب ال[[فلسطين]]ي عن نفسه خرقا لهذه الاتفاقية ، أما ما يقوم به العدو من اغتيالات و اقتحامات و مجازر فهو جزء لا يتجزأ من جوهر هذه الاتفاقية المشئومة ، فعلى ما يبدو أن الاتفاقية تهدف إلى تطهير المدن و القرى و المخيمات من المقاومين ، ثم تسليمها بعد ذلك للسلطة ال[[فلسطين]]ية لتواصل شلّ المقاومة و منعها من أداء دورها في حماية الشعب و مقاومة الاحتلال ، ففي بيان صادر عن جيش الاحتلال جاء فيه :


و بمقتضى هذه الاتفاقية فإن الجانب الفلسطيني يحمل نفسه المسئولية الكاملة عن حفظ أمن الاحتلال و وقف كل أشكال المقاومة المسلحة ضده رغم بقائه و استمرار ممارساته الإرهابية ، فإن لم يتحقق الأمن للاحتلال الذي لن يرحل و سيواصل ممارسة الإرهاب ، يكون الجانب الفلسطيني قد أخلّ بالاتفاقية مما يجعله متهما أمام العالم ، و يصبح الاحتلال هو المعتدى عليه من قبل الفلسطينيين ، ليصبح الجلاد ضحية و الضحية جلادا .
"عملية الانتشار هذه تهدف إلى إفساح المجال أمام ال[[فلسطين]]يين للتحرك ضد (الإرهاب)" .


و لقد أعطت هذه الاتفاقية الاحتلال شرعية حرمته إياها الأعراف و المواثيق الدولية ، بينما نزعت هذه الاتفاقية الشرعية عن المقاومة الفلسطينية ، فبناء على هذه الاتفاقية يعطي الجانب الفلسطيني للاحتلال الحقّ الكامل في البقاء ما لم تتوقف كافة أشكال المقاومة ، و كأن المقاومة هي سبب الاحتلال و ليس العكس ، فقد جاء في بيان لجيش الاحتلال : "الجيش سيواصل تخفيف العقوبات المفروضة على الشعب حيث يتم احترام الهدوء" ، مشيرا إلى أن "الجيش سيواصل العمل ضد ما أسماه (الإرهاب) في القطاع الذي سيكون فيه الأمن مهددا" .
و بمقتضى هذه الاتفاقية فإن الجانب ال[[فلسطين]]ي يحمل نفسه المسئولية الكاملة عن حفظ أمن الاحتلال و وقف كل أشكال المقاومة المسلحة ضده رغم بقائه و استمرار ممارساته الإرهابية ، فإن لم يتحقق الأمن للاحتلال الذي لن يرحل و سيواصل ممارسة الإرهاب ، يكون الجانب ال[[فلسطين]]ي قد أخلّ بالاتفاقية مما يجعله متهما أمام العالم ، و يصبح الاحتلال هو المعتدى عليه من قبل ال[[فلسطين]]يين ، ليصبح الجلاد ضحية و الضحية جلادا .


و في ظلّ استمرار الاحتلال و العدوان فإن المقاومة الفلسطينية ستستمر لا محالة ، و ستترجم السلطة استمرارها على أنه تحدٍّ للسلطة و ليس مقاومة للاحتلال ، و لكي تنفّذ السلطة ما التزمت به ستبدأ في مواجهة المقاومين الفلسطينيين ، مما قد يكون له عواقب وخيمة على الوضع الفلسطيني الداخلي ، و هذا ما يراهن عليه الاحتلال ، بل لن أكون متجنّيا إذا قلت إن هذا هو هدف الاحتلال الوحيد من وراء هذه الاتفاقية ، و إذا لم يتحقّق هذا الهدف فلن يتوانى الصهاينة في العمل الحثيث لوضع حدّ لهذه الاتفاقية من خلال ارتكاب مجازر لها أول و ليس لها آخر .
و لقد أعطت هذه الاتفاقية الاحتلال شرعية حرمته إياها الأعراف و المواثيق الدولية ، بينما نزعت هذه الاتفاقية الشرعية عن المقاومة ال[[فلسطين]]ية ، فبناء على هذه الاتفاقية يعطي الجانب ال[[فلسطين]]ي للاحتلال الحقّ الكامل في البقاء ما لم تتوقف كافة أشكال المقاومة ، و كأن المقاومة هي سبب الاحتلال و ليس العكس ، فقد جاء في بيان لجيش الاحتلال : "الجيش سيواصل تخفيف العقوبات المفروضة على الشعب حيث يتم احترام الهدوء" ، مشيرا إلى أن "الجيش سيواصل العمل ضد ما أسماه (الإرهاب) في القطاع الذي سيكون فيه الأمن مهددا" .
 
و في ظلّ استمرار الاحتلال و العدوان فإن المقاومة ال[[فلسطين]]ية ستستمر لا محالة ، و ستترجم السلطة استمرارها على أنه تحدٍّ للسلطة و ليس مقاومة للاحتلال ، و لكي تنفّذ السلطة ما التزمت به ستبدأ في مواجهة المقاومين ال[[فلسطين]]يين ، مما قد يكون له عواقب وخيمة على الوضع ال[[فلسطين]]ي الداخلي ، و هذا ما يراهن عليه الاحتلال ، بل لن أكون متجنّيا إذا قلت إن هذا هو هدف الاحتلال الوحيد من وراء هذه الاتفاقية ، و إذا لم يتحقّق هذا الهدف فلن يتوانى الصهاينة في العمل الحثيث لوضع حدّ لهذه الاتفاقية من خلال ارتكاب مجازر لها أول و ليس لها آخر .


فلمصلحة من تعقد هذه الاتفاقية ؟!!!!! .
فلمصلحة من تعقد هذه الاتفاقية ؟!!!!! .

المراجعة الحالية بتاريخ ١١:١٥، ٢ يونيو ٢٠١٤

لمصلحة من تعقد هذه الاتفاقية ؟!!

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

في كل مرة يمر فيها العدو الصهيوني بمأزق حقيقي ، نرى أن السلطة تبادر و بشتى الطرق لإنقاذه ، قد لا يكون ذلك هو هدفها الحقيقي، و لكن لا أشك لحظة أن الذي يجري على أقل تقدير يعكس حالة العجز السياسي الذي يحكم مسار السلطة منذ نشأتها الأولى في سراديب أوسلو، و لو كانت السلطة تتمتع بشيء من الحنكة السياسية لاستثمرت المأزق الصهيوني على أقل تقدير لصالحها، ولا أقول لصالح القضية التي لم تعد على سلّم أولويات اهتمام السلطة .

وأما العدو الصهيوني فنراه ينجح دائما في الخروج من مأزقه عبر استغلال بعض القيادات ذات النفس السياسي القصير ، التي تهتم بتحقيق أهداف مظهرية لا تمس حقيقة و جوهر القضية ، و لا ينكر أحد أن الكيان الصهيوني يعيش اليوم أزمة حقيقية زلزلت أركانه و ضربت أمنه ، و دمّرت اقتصاده و حطمت معنوياته ، و كان في مقدور المقاومة أن تترجم إلى إنجازات حقيقية لولا رهان العدو الصهيوني على بعض المتعجلين لقطف الثمار و لو كانت مرّة ، أو المتخوفين على مكتسباتهم الشخصية من استمرار المقاومة ، و بالتالي كان رهانه دائما أنه لا يعدم أن يجد من يقبل بتنفيذ الإملاءات الصهيونية التي تسمى زورا و بهتانا اتفاقيات أمنية ، بينما هي في واقع الحال مجرد إملاءات ينفّذها الطرف الفلسطيني وحده دون التزام الطرف الصهيوني بأي شيء في مقابل ذلك .

واتفاقية غزة - بيت لحم أولا" لم تخرج أبدا عن هذا السياق ، فقد تمخضت عن استعداد السلطة للتصدّي للمقاومة في عملية تقاسم وظيفي مع العدو المحتل ، دور السلطة في ذلك حماية سلامة و أمن جنود الاحتلال و قطعان المستوطنين ، فروح و جوهر هذه الاتفاقية توفير الأمن للصهاينة ، بينما لا يوجد في المقابل ما يحفظ أمن و سلامة و حرية الشعب الفلسطيني ، و لقد اعتبر شارون هذه الاتفاقية مجرد مناورة قائلا : "إن الخطة الأمنية الجديدة لا تلزم (إسرائيل) بتغييرات جوهرية على أرض الواقع ، بل تلزم السلطة بوقف العمليات ضد (إسرائيل)" ، و أضاف شارون: "إن ما حدث في بيت لحم لا يعد تغييرا جوهريا ، إذ أن قوات الجيش لم تكن أصلا داخل بيت لحم و ضواحيها" .

و ما يجري على أرض الواقع يؤكد ذلك أيضا ، فها هو الأمن الفلسطيني يبدو اليوم في أسوأ أحواله ، طفل يقتل في غزة ، و اغتيال في طولكرم ، يعقبه اغتيال شقيق أحمد سعدات في البيرة ، ثم هجوم على خانيونس بالطائرات و الدبابات ، مع زرع عبوة ناسفة في أحد المنازل و من ثم تفجيرها عن بعد أثناء عودة المواطنين لتفقد منازلهم المدمرة ، مما أدى إلى استشهاد أحدهم و جرح ستة آخرين ، كل ذلك يحدث في الوقت الذي أخذت فيه قوات الأمن الفلسطينية بنصب الحواجز على الطرقات لحماية المستوطنات في غزة ، و منع المجاهدين من تنفيذ العمليات من بيت لحم ، و مما يزيد الطين بلّة أن هناك عشرات المستشارين الذين يتقاضون مرتبات أثقلت كاهل الشعب الفلسطيني و لا دور لهم إلا هزّ الرأس بالموافقة ، أو ممارسة النفاق السياسي في البحث عن عبارات يدلّسون بها على الشعب ، و يضلّلون بها الرأي العام ، حتى يسوقوا مثل هذه الاتفاقيات الأمنية الخطيرة التي تعطي العدو كل شيء بينما تجرّدنا من كل شيء ، و الكارثة الأخيرة هي أسوأ الكوارث السياسية التي مرّت بها قضيتنا الفلسطينية حتى يومنا هذا .

فبمقتضى هذه الاتفاقية سيقوم الجانب الفلسطيني بتوفير الأمن للعدو الصهيوني الذي لن يتوقف عن ممارسة أبشع صور الإرهاب ضد شعبنا الفلسطيني ، و على رأسها استمرار احتلاله لفلسطين و تدنيسه للمقدسات ، و سيعتبر الجانب الصهيوني دفاع الشعب الفلسطيني عن نفسه خرقا لهذه الاتفاقية ، أما ما يقوم به العدو من اغتيالات و اقتحامات و مجازر فهو جزء لا يتجزأ من جوهر هذه الاتفاقية المشئومة ، فعلى ما يبدو أن الاتفاقية تهدف إلى تطهير المدن و القرى و المخيمات من المقاومين ، ثم تسليمها بعد ذلك للسلطة الفلسطينية لتواصل شلّ المقاومة و منعها من أداء دورها في حماية الشعب و مقاومة الاحتلال ، ففي بيان صادر عن جيش الاحتلال جاء فيه :

"عملية الانتشار هذه تهدف إلى إفساح المجال أمام الفلسطينيين للتحرك ضد (الإرهاب)" .

و بمقتضى هذه الاتفاقية فإن الجانب الفلسطيني يحمل نفسه المسئولية الكاملة عن حفظ أمن الاحتلال و وقف كل أشكال المقاومة المسلحة ضده رغم بقائه و استمرار ممارساته الإرهابية ، فإن لم يتحقق الأمن للاحتلال الذي لن يرحل و سيواصل ممارسة الإرهاب ، يكون الجانب الفلسطيني قد أخلّ بالاتفاقية مما يجعله متهما أمام العالم ، و يصبح الاحتلال هو المعتدى عليه من قبل الفلسطينيين ، ليصبح الجلاد ضحية و الضحية جلادا .

و لقد أعطت هذه الاتفاقية الاحتلال شرعية حرمته إياها الأعراف و المواثيق الدولية ، بينما نزعت هذه الاتفاقية الشرعية عن المقاومة الفلسطينية ، فبناء على هذه الاتفاقية يعطي الجانب الفلسطيني للاحتلال الحقّ الكامل في البقاء ما لم تتوقف كافة أشكال المقاومة ، و كأن المقاومة هي سبب الاحتلال و ليس العكس ، فقد جاء في بيان لجيش الاحتلال : "الجيش سيواصل تخفيف العقوبات المفروضة على الشعب حيث يتم احترام الهدوء" ، مشيرا إلى أن "الجيش سيواصل العمل ضد ما أسماه (الإرهاب) في القطاع الذي سيكون فيه الأمن مهددا" .

و في ظلّ استمرار الاحتلال و العدوان فإن المقاومة الفلسطينية ستستمر لا محالة ، و ستترجم السلطة استمرارها على أنه تحدٍّ للسلطة و ليس مقاومة للاحتلال ، و لكي تنفّذ السلطة ما التزمت به ستبدأ في مواجهة المقاومين الفلسطينيين ، مما قد يكون له عواقب وخيمة على الوضع الفلسطيني الداخلي ، و هذا ما يراهن عليه الاحتلال ، بل لن أكون متجنّيا إذا قلت إن هذا هو هدف الاحتلال الوحيد من وراء هذه الاتفاقية ، و إذا لم يتحقّق هذا الهدف فلن يتوانى الصهاينة في العمل الحثيث لوضع حدّ لهذه الاتفاقية من خلال ارتكاب مجازر لها أول و ليس لها آخر .

فلمصلحة من تعقد هذه الاتفاقية ؟!!!!! .

المصدر

للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.