منهجية الإمام البنا بين النهجين:الإصلاحي والتغييري
النهجين:الإصلاحي والتغييري
من أعظم الأخطار على العمل الإسلامي أن لا يعرف العاملون منهجيّة عملهم، فيتخبّطون خبط عشواء ويُسيئون وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً ولقد باتت الحاجة ماسّة إلى تحديد مؤصّل لمنهجية العمل الإسلامي حيال الأخلاط الشتى من المنهجيات الموغلة في هذا الجانب أو ذاك. فهناك استغراق في صلاح دون إصلاح، وهناك قفز إلى سلطة بدون إعداد، وهنالك غلوّ وتطرّف من غير وسطية أو اتّزان.
فماذا نعني بالمنهجيّة الإصلاحية والمنهجيّة التغييريّة؟
- المنهجية الإصلاحية: هي التي تعتمد إصلاح الواقع وتجميله وتحسينه وترميمه دون اللجوء إلى تغييره، فهي تدعو إلى إشاعة الحريّة وصيانة الديمقراطية وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وهي تطالب بإصلاح المناهج التعليمية والبرامج الإعلامية... إلخ، على قاعدة (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله).
- المنهجيّة التغييريّة: هي التي تعتمد تغيير الواقع تغييراً جذرياً، فترفض أنصاف الحلول وتأبى الترقيع.
ولهذه المنهجيّة مدرستان:
- الأولى: تعتمد التغيير الجذري بدون مقدمات، وترفض الإسهام في أي عمل إصلاحي تحت سقف الواقع الجاهلي. فلا مشاركة في نقابات أو بلديات أو برلمانات أو حكومات أو غيرها. وعلى قاعدة أن (الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم).
- الثانية: تنشدُ التغيير الجذري، إنما تعمل على تسخير كل الوسائل الإصلاحية المتاحة لبلوغ مرحلة التغيير:
- فهي لا تقفز في الهواء لتحقيق التغيير.
- ولا تسير إليه بدون أسباب ومقوّمات.
ثم هي في كلّ ذلك لا تركن إلى الواقع ناسية مهمتها التغييرية الأصيلة..، فهي تعي دلالة قوله صلى الله عليه وسلم: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي، نهاهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وآكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داوود وعيسى ببن مريم. ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون. فجلس رسول الله، وكان متّكئاً، فقال: والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق إطراً".
هل الإسلام منهج إصلاحي أم تغييري؟
- الإسلام منهج تغييري في مراميه وأهدافه البعيدة الإستراتيجية، وهو إصلاحي في خطواته المرحلية.
- والإسلام ليس منهجاً ترقيعياً لواقع الحياة، ويرفض أنصاف الحلول: عندما عرض المشركون على رسول الله أن يعبد آلهتهم شهراً ويعبدون إلهه شهراً، نزل قول الله تعالى: (قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد...(الكافرون) وعندما جاؤوه يعرضون عليه المال والملك والسلطان على أن يخفف من دعوته، نزل قوله تعالى: (فلذلك فادع واستقم كما أُمرت ولا تتّبع أهواءهم) الشوري - 15.
- المضمون العقائدي للإسلام لا يقبل المرحلية، فلا تساهل في شهادة أن لا إله إلا الله، مصداقاً لقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء - 48، ومصداقاً لقول رسول الله "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإن قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقّها، وحسابهم على الله" البخاري ومسلم، وهو متواتر.
- المضمون التشريعي يمكن أن يتحقق تطبيقه بحسب الاستطاعة ومن خلال منهجية مرحلية تهدف بالنتيجة إلى تطبيق شرع الله وبلوغ التغيير الكلّي.
هل يجمع الإسلام بين المنهجيتين؟
- الإسلام يجمع بين المنهجيتين الإصلاحية والتغييرية.
- كل مقومات الإصلاح وخطواته يجب أن تخدم المشروع التغييري.
- المطالبة بالحرية والعدالة والمساواة ليست بديلاً عن شرع الله.
- الديمقراطية ليست بديلاً عن نظام الشوري.
- دولة الإنسان ليست بديلاً عن دولة الإسلام .
- الجماعة الإسلامية ليست بديلاً عن الدولة الإسلامية.
- الساحة الإسلامية ليست بديلاً عن الأُمّة الإسلامية.
- الأمة الإسلامية ليست بديلا عن الجماعة الإسلامية.
ما هي منهجيّة الإمام الشهيد حسن البنا؟
ذكر الإمام الشهيد أن من خصائص الدعوة التدرج في الخطوات، وحدد مراحل كل دعوة بثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج..
المرحلة الأولى: دعوة العامة
هدفها:
- تربية الأمة، وتنبيه الشعب، وتغيير العرف العام، وتزكية النفوس، وتطهير الأرواح، وإذاعة مبادىء الحق والجهاد والعمل والفضيلة بين الناس.
وسائلها:
- إقامة الدروس والمحاضرات والخطب والمقالات والوفود والرحلات والمجامع والزيارات وغيرها، وهذه من وسائل التعريف.
- استخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الدعوةد وضم بعضها إلى بعض، وهي عملية التكوين. ومن وسائلها الأسر والكتائب التربوية وفرق الكشافة والجوالة والرياضة وغيرها.
- القيام بأعمال البر والخدمة العامة من بناء المساجد وعمارتها، وفتح المدارس والمكاتب والإشراف عليها، وإنشاء الأندية، والإصلاح بين الناس في القرى والبلدان، والتوسط بين الأغنياء الغافلين والفقراء المعوزين بتنظيم الإحسان وجمع الصدقات لتوزع في المواسم والأعياد، وإنشاء المؤسسات، والقيام بسائر الخدمات الاجتماعية. وهي من وسائل التنفيذ بمفهومه العام، وتعتبر جزءاً من عملية التعريف ذاتها.
المرحلة الثانية: دعوة الخاصة
هدفها:
إيصال الدعوة إلى المسؤولين من قادة البلد وزعمائه ووزرائه وحكّامه وشيوخه ونوابه وأحزابه، ودعوتهم إلى مناهج الجماعة، ووضع برنامجها بين أيديهم، ومطالبتهم بأن يسيروا ببلدانهم في طريق الإسلام في جرأة لا تردد معها، وفي وضوح لا لبس فيه، ومن غير مواربة أو مداورة.
فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة والروغان كنا دعوة وتقويما على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجده.
ومن أمثلة هذا النشاط:
- تأليف لجان دستورية وقانونية وغيرها لدراسة النظم القائمة، والموازنة بينها وبين النظم الإسلامية، وبيان نواحي الخلاف معها.
المرحلة الثالثة:
- إقامة الدولة وهي مرحلة لم تنتقل إليها الجماعة في عهد الإمام الشهيد.
ومهما يكن الأمر، فإننا نستطيع أن نستخلص من رسائل الإمام الشهيد الملامح التالية لمرحلة إقامة الدولة:
هدفها:
تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي غير إسلامي، سياسي أو اقتصادي أو روحي، وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، عن طريق النصح والإرشاد، فإن أبت فالتغيير.
المرحلة الرابعة: تحقيق الكيان الدولي للأمة الإسلامية
وهي مرحلة وضع الإمام الشهيد خطواتها بشكل نظري، فبيّن أنه عندما تقوم الحكومات الإسلامية في مختلف بلدان العالم الإسلامي، لا بد من حصول تعاون ثقافي واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها. يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات، وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد. ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية.
حتى إذا تم ذلك للمسلمين، نتج عن هذا الاجتماع على الكيان الدولي المنشود الذي هو واسطة العقد ومجتمع الشمل ومهوى الأفئدة .. ولقد حرص الإمام المؤسس على أن يرسى دعائم الإصلاح والتجديد فى رسالته الجامعة (رسالة التعاليم) وهى الرسالة العلمية العملية التى كتبها بعد أن عانى العمل الإسلامى فى كل ميادينه الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدعوية والحركية والتنظيمية ..
فكانت رسالة التعاليم مرحلة عليا من مراحل الدعوة إلى الله والحركة من أجل الإسلام وتنظيم الصفوف، وإعداد العاملين من أجل الإسلام والمجاهدين فى سبيل الله لتكون كلمة الله هى العليا، لذلك كانت هذه الرسالة موجهة إلى صفوة الإخوان المسلمينالذين اجتازوا مرحلتى التعريف والتكوين، ووقفوا على أبواب مرحلة التنفيذ يريدون أن يترجموا الإسلام إلى عمل وجهاد ... هذا.. وقد جعل الإمام لركن العمل مراتب ودرجات كل واحدة منها تعتبر ركيزة لما بعدها، وإن كانت جميعا يأخذ بعضها بحجز بعض وتمثل تكاملا بحيث لا يغنى بعضها عن بعض
ولئن قضى الإمام شهيدا فى سبيل الله وفى طريق الدعوة والحركة والتنظيم، فإن الصحوة الإسلامية المعاصرة، وحركة الإحياء والتجديد التى تعم العالم الإسلامي اليوم، لتؤكد لكل ذى بصيرة أو بصر أن المسلمين ب الإسلام لابد بالغون نهاية الطريق محققون تلك الآمال بإعادة الكيان الدولى للخلافة الإسلامية أو للحكم الإسلامي، وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام فى ربوعه .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى بشرنا بتلك البشارة التى حملها إلينا الحديث النبوى الصحيح الذى رواه الإمام مسلم والإمام أحمد وابن حبان والبيهقى رحمهم الله تعالى بأسانيدهم عن أبى بن كعب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بشر هذه الأمة بالسنا، والرفعة، والدين، والنصر والتمكين فى الأرض ...)
إن هذه البشارة قد أحس بها الإمام البنا ووضع البرامج التى تخرجها من حيز الأمل إلى حيز العمل، فى هذا الركن الراسخ من أركان البيعة وهو ركن العمل . نسأل الله تعالى إن يوفقنا إلى شرحه وتفسيره ووضع مفرداته حية نابضة أمام شباب العالمالإسلامى اليوم، ليدركوا من خلالها علما وعملا أن الإسلام الحنيف هو الحل لكل مشكلات المسلمين فى أى زمان وأى مكان ...،
أولا: إعداد الفرد المسلم، لكي تتوفر فيه:
- قــوة الجســم .
- متانــة الخلــق .
- ثقافـــة الفكـــر .
- القدرة على الكسب .
- سلامــة العقيـدة .
- صحـــة العبــادة .
- مجاهدة النفــس .
- الحرص على الوقت .
- النظام فى الشئون كلها .
- النفع للغـــير .
ثانيا: إعداد البيت المسلم الذي تتوفر فيه الخصائص التالية:
- احترام أهله لفكرتـه .
- المحافظة على آداب الإسلام فى كل مظاهر الحياة .
- حسن اختيار الزوج أو الزوجة .
- توقيف الزوجة على حقوقها وواجباتها .
- حسن تربية الأولاد .
ثالثا: إرشاد المجتمع.. عن طريق اتباع مناحي العمل التالية:
- نشر دعوة الخير فى المجتمع.
- محاربة الرزائل والمنكرات .
- تشجيــع الفضائــل .
- الأمر بالمعروف .
- المبادرة إلى فعل الخير .
- كسب الرأى العام إلى جانب الفكرة الإسلامية .
- صبغ مظاهر الحياة بالفكرة الإسلامية .
رابعا: العمل السياسى فى الوطن المحلى
- (1) الشق الأول: تحرير الوطن من أى سلطان أجنبى غير إسلامى ويتناول
- (أ) السلطان الروحى .
- (ب) السلطان العقلى والثقافى .
- (ج) السلطان الأدبى .
- (د) السلطان الإجتماعى .
- (هـ) السلطان الاقتصادى .
- (و) السلطان السياسى .
(2) الشق الثانى : العمل على قيام الدولة الصالحة التى تنفذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليا وتحرسها فى الداخل وتبلغها فى الخارج:
وهذا الشق مما شغلالجماعةمنذ نشأتها، وظل هكذا مند أن أصبح عنوانا فى قانون النظام الأساسى للجماعة، وبعد أن زادها الإمام المؤسس إيضاحا فى رسالة التعاليم، حيث تحدث عن الحكومة – وهى (نظام إدارة الدولة، أو أداة السلطة على الشعب وتصريف أموره وتوجيه جهوده وتنظيمها وضبط سلوك أفراده وجماعاته عن طريق القوانين التى يضعها صاحب السلطة المختصة فى الدولة) ... وهذا هو التعريف الإصطلاحى للحكومة
وبما أن الحكومات قائمة فى المجتمعات الإسلامية فليس المطلوب إيجادها ولكن المطلوب صلاحها وإصلاحها فى كل شأن من شئونها لا يتفق مع الشريعة الإسلامية، مع إدراك الفارق بين التعريف السابق ومفهوم دور الحكومة فى الإسلام في مجال سن القوانين وهو أن القوانين فى النظام الإسلامي لا يضعها الحاكم صاحب السلطة وإنما يتكفل بها الوحى المتمثل فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجد نصا فيها كان له ولمن يختار من علماء المسلمين أن يجتهدوا فيضعوا قوانين لا تختلف فى شئ مع أصول الإسلام وأركانه وآدابه وقيمه الخلقية .
ولذلك نادى الإمام المؤسس فى هذا المجال بـ (إصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق) وبهذا تؤدى مهمتها كخادم للأمة وأجير عندها وعامل على مصلحتها .
وربما كان وصف الحكومة بأنها إسلامية وصف عام يحتاج إلى تحديد وتخصيص، ولذلك جاء فى كلمة الإمام المؤسس فى هذا المجال قوله:
- (والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين للفرائض غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه، ولا بأس بأن تستعين بغير المسلمين في إطار حقوق المواطنة التي أقرتها وثائق الجماعة، ولا عبرة بالشكل الذى تتخذه ولا بالنوع ما دام موافقا للقواعد العامة فى نظام الحكم الإسلامي ..
(أ) صفات الحكومة المسلمة:
- الشعور بالتبعــة .
- الشفقة على الرعية .
- العدالة بين الناس .
- العفة عن المال العام .
- الاقتصاد فى المال العام .
(ب) واجبات الحكومة المسلمة الصالحة:
- صيانة الأمن .
- إنفاذ القانون .
- نشر التعليم
- إعداد القوة .
- حفظ الصحة
- رعاية المنافع العامة .
- تنمية الثروة
- حراسة المال .
- تقوية الأخلاق .
- نشر الدعوة .
(ج) حقوق الحكومة الصالحة:
- الولاء والطاعة
- المساعدة بالنفس والمال .
- النصح للحكومة وإرشادها
منهجية الإمام البنا في التعامل مع الحكومة
يقول الإمام البنا: هناك جملة قواعد تحكم سياستنا مع الحكومة:
- نحن لا نطلب الحكم لأنفسنا، فإن وجدنا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني، فنحن جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم نجد فالحكم الإسلامي من منهاجنا، وسنعمل لتحقيقه بدلا من أي حكومة لا تنفذ أمر الله .
- نحن نتقدم إلى الحكومة ببرامج الإصلاح، ونخاطب الحكومة بلسانها وبالأدب الرسمي حرصاً على تأليف القلوب. وقد يقتضي الإصلاح التوجه بالخطاب إلى غير المسلمين، ومع هذا فلا بد من لزوم أدب المخاطبة دون تذلل.
- وقد تتعرض الجماعة إلى الكيد من الحكومة بعد انطلاقها في العمل السياسي، فعلى الجماعة أن تلين مواقفها وتحاول أن تجعل الزوابع تمر بشيء من الانحناء لا يمس ظاهر كرامتها، إذا رأت القيادة فيه الخير الآجل.
منهجيّة الإمام البنا تجاه وسائل التغيير السياسي
تعرض الإمام البنا في كتاباته لعدد من وسائل الإصلاح والتغيير السياسي التي تستخدمها الجركات والدعوات السياسية، وأبان بشأنها فكر الجماعة:
- النضال الدستوري: بأن يتقدم مرشحو الجماعة لتمثيل الأمة في الهيئات النيابية، فيرتفع صوت الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها، وتنحاز إليها القوة التنفيذية.
- القوة: القوة شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته، وأول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعد ذلك قوة الساعد والسلاح. ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفّر لها هذه المعاني جميعاً.
- والقوة لا تكون أول علاج وإنما آخر دواء، ومن الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف، ولا يصح أن يستخدم الإنسان القوة وليكن بعد ذلك ما يكون.
- الثورة: الثورة وتعد أعنف مظاهر القوة، ولكنها ليست من وسائل الإخوان، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها. فانطلاقا من سنة التدرج في الإصلاح، وليس الهبّات العفوية والانقلابات العنيفة، واجه الأستاذ البنا "المتعجلين" الذين يريدون الوصول السريع إلى "المقاصد"، دون المرور "بدرجات السلم" الموصلة إلى هذه "المقاصد"، ونبّه البنا على خطورة التطلع إلى تحقيق "الغايات" دون التأسيس لمقومات هذه الغايات، وسلوك طريق "المراحل" التي تفضي إلى هذه الغايات.
ذلك أن المنهاج الإسلامي في الإصلاح ليس منهاج القفز المباشر على "الدولة"، وإنما هو منهاج التربية "للأمة" أولا، لتأتي "الدولة" بعد ذلك ثمرة ناضجة نضوجا طبيعيا، ولتجد هذه "الدولة" "أمة" مهيأة ومتقبلة للمنهاج الإصلاحي لهذه الدولة الجديدة، فضلا عن رجالات هذه الدولة الجديدة وإطارات مؤسساتها.
وأما الثورة الشعبية التى يقوم بها الشعب الأعزل ضد السلطة الحاكمة المستبدة، فإنها فى رأى الإمام البناغير مأمونة العواقب، نظرا لأن السلطة المستبدة لن تسلم بسهولة مما يتبعه استخدام العنف وإراقة الدماءوالقمع
حيث يقول رحمه الله في رسالة المؤتمر الخامس:
- "وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجهاوإن كانوا يصارحون كل حكومة في مصر بأن الحال إذا دامت علي هذا المنوال ولم يفكر أولو الأمر في إصلاح، عاجل وعلاج سريع لهذا المشاكل، فسيؤدي ذلك حتما إلي ثورة ليست من عمل الإخوان المسلمين ولا من دعوتهم، ولكن من ضغط الظروف ومقتضيات الأحوال، وإهمال مرافق الإصلاح، وليست هذه المشاكل التي تتعقد بمرور الزمن ويستفحل أمرها بمضي الأيام إلا نذيراً من هذه النذر، فليسرع المنقذون بالأعمال .
خامسا: العمل السياسى على مستوى العالم العربى والإسلامي وله هدفان
- الهدف الأول: العمل على تحرير البلاد العربية والإسلامية جميعا من كل سلطان أجنبى عن الإسلام .
- الهدف الثانى: تأييد الوحدة العربية والإسلامية تأييدا كاملا .
(أ) دلالة وثائق الجماعة على تأييد الوحدة العربية:
- فى رسالة دعوتنا
- فى رسالة المؤتمر الخامس .
(ب) أهم الأعمال التى قامت بها الجماعة فى تأييد وحدة العرب:
- عملت الجماعة على تحرير الأوطان العربية ما وسعها العمل .
- عملت على عقد الصلات الطيبة بالأقطار العربية .
- عملت على إيجاد علاقة طيبة بقيادة الجامعة العربية .
- قامت الجماعة بإنشاء فروع لها فى كثير من البلدان العربية .
- كان للجماعة موقف فى جهاد الصهيونية فى فلسطين.
- عملت على توجيه ميثاق الجامعة العربية إبان نشأته .
سادسا: العمل السياسى على مستوى العالم كله
القسم الأول: دلالة وثائق الجماعة على تأييد الوحدة الإسلامية:
- ما جاء فى القانون الأساسى للجماعة .
- ما جاء فى رسالة عقيدتنا .
- ما جاء فى المؤتمر الثالث .
- ما جاء فى رسالة إلى أي شىء ندعو الناس .
- ما جاء فى رسالة رسالة إلي الشباب .
- ما جاء فى وثيقة المطالب الخمسون .
- ما جاء فى رسالة المؤتمر الخامس .
- ما جاء فى خطاب الإمام المؤسس أمام مسئولى الشعب والمناطق .
- ما جاء فى رسالة بين الأمس واليوم .
- ما جاء فى رسالة التعاليم .
القسم الثانى: أهم أعمال الجماعة من أجل الوحدة الإسلامية
- جهود الجماعة من أجل الشمال الأفريقى:(المغرب،الجزائر،تونس،ليبيا) .
- جهود الجماعة فى تخليص اليمن من الحكم الإمامى المستبد .
- جهود الجماعة فى دعم استقلال أندونيسيا .
- جهود الجماعة من أجل فلسطين .
فكر الجماعة بين الغاية والوسيلة
أوضح ما عبر عنه الإمام الشهيد حسن البنا من فكر الجماعة بين غايتها ووسيلتها، ما جاء على لسانه فى المؤتمر الخامس المنعقد فى 1357 هـ - 1938 م بعد مرور عشر سنوات على إنشاء الجماعة، قال: " ... ولهذا أحببت أن أتحدث لحضراتكم فى ايجاز عن معنى الإسلام وصورته الماثلة فى نفوس الإخوان ؛ حتى يكون الأساس الذى ندعوا إليه "
ونعتز بالانتساب له والإستمداد منه واضحا جليا:
أولا: نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شامله، تنتظم شون الناس فى الدنيا وفى الآخرة، وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم، إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية، دون غيرها من النواحى، مخطئون فى هذا الظن ؛ ف الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف، والقرآن الكريم ينطق بذلك كله، ويعتبره من لب الإسلام ومن صحيحة، ويوصى بالإحسان فيه جميعه، وإلى هذا تشير الآية الكريمة (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة، ولاتنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك)
... وإنك تقرأ القرآن: فى الصلاة وفى العقيدة وفى العبادة وفى الحكم والقضاء والسياسة وفى الدين وفى التجارة وفى الجهاد والقتال وفى غيرها من الآداب العامة وشئون الإجتماع . وهكذا اتصل الإخوان بكتاب الله، واستلهموه واسترشدوه، فأيقنوا أن الإسلام هو المعنى الكلى الشامل ...
ثانيا: يعتقد الإخوان المسلمون، أن الإسلام ومعينها، هو كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اللذان إن تمسكت بهما الأمة فلن تضل أبدا، وأن كثيرا من الآراء والعلوم التى اتصلت ب الإسلام وتلونت بلونه ؛ تحمل لون العصور التى أوجدتها، والشعوب التى عاصرتها ؛ (ما فعله المسلمون في العصور الأولى حول أرض السواد في العراق) ..
ولهذا يجب أن تستقى النظم الإسلامية التى تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافى، معين السهولة الأولى، وأن نفهم الإسلام كما كان فهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية والنبوية، حتى لانقيد أنفسنا بغير مايقيدنا الله به، ولا نلزم عصرنا لون عصر لايتفق معه، و الإسلام دين البشرية جميعا .
ثالثا: يعتقد الإخوان المسلمون أن الإسلام كدين عام انتظم كل شئون الحياة فى كل الشعوب والأمم، لكل الأعصار والأزمان، جاء أكمل وأسمى أن يعرض لجزئيات هذه الحياة، وخصوصا فى الأمور الدنيوية البحتة، فهو إنما يضع القواعد الكلية فى كل شأن من هذه الشئون، ويرشد الناس إلى الطريق العملية للتطبيق عليها والسير فى حدود ها.
ولضمان الحق والصواب فى هذا التطبيق، أو تحريهما على الأقل، عني الإسلام عناية تامه بعلاج النفس الإنسانية وهى مصدر النظم ومادة التفكير والتصوير والتشكل، فوصف لها من الأدوية الناجعة مايطهرها من الهوى، ويغسلها من أدران الغرض والغاية ويهديها إلى الكمال والفضيلة، ويزجرها عن الجور والقصور والعدوان، وإذا أستقامت النفس وصفت فقد أصبح كل مايصدر عنها صالحا جميلا ...
كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين، أن شملت فكرتهم كل نواحى الإصلاح فى الأمة، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الإصلاحيه، وأصبح كل مصلح مخلص غيور يجد فيها أمنيته، والتقت عندها آمال محبى الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها .
تستطيع أن تقول ولاحرج عليك: إن الإخوان المسلمين
- دعوة سلفية: لأنهم يدعون إلى العودة ب الإسلام إلى معينه الصافى من كتاب الله وسنة رسوله .
- وطريقة سنية: لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة فى كل شىء وبخاصة العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا .
- وحقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب والمواظبة على العمل والإعراض عن الخلق والحب فى الله والارتباط على الخير .
- وهيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم فى الداخل، وتعديل النظر فى صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم فى الخإرج، وتربية الشعب على العزة والكرامة والحرص على قوميته إلى أبعد حد .
- وجماعة رياضية: لأنهم يعنون بجسومهم، ويعلمون أن المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف وأن النبى يقول: " إن لبدنك عليك حقا " وأن تكاليف الإسلام كلها لايمكن أن تؤدى كاملة صحيحة إلا بالجسم القوى، فالصلاة والصوم والحج والزكاة لابد لها من جسم يحتمل أعباء الكسب والعمل والكفاح فى طلب الرزق، ولأنهم تبعا لذلك يعنون بتشكيلاتهم وفرقهم الرياضية عناية تضارع وربما فاقت كثيرا من الأندية المتخصصة بالرياضة البدنية وحدها .
- ورابطة علمية ثقافية: لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة على كل سلم ومسلمة، ولأن أندية الإخوان هى فى الواقع مدارس للتعليم والتثقيف ومعاهد لترببة الجسم والعقل والروح .
- وشركة اقتصادية: لأن الإسلام يعنى بتدبير المال من جهه، وهو الذى يقول نبيه " نعم المال الصالح للرجل الصالح " ويقول: " من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له "، " إن الله يحب المؤمن المحترف "
- وفكرة اجتماعية: لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامى ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها . وهكذا نرى شمول معنى الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولا لكل مناحى الإسلام، ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحى، وهم فى الوقت الذى يتجه في غيرهم إلى ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليمها جميعا ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعا ...
وكما حرص الإمام البنا على استقامة غايات الجماعة، فقد دأب على أن يتسم عملها كذلك بعدد من الخصائص المميزة لها عن غيرها من الدعوات والمحققة أيضا لاستقامة وسائل عملها:
- البعد عن مواطن الخلاف .
- البعد عن هيمنة الأعيان والكبراء .
- البعد عن الأحزاب والهيئات .
- العناية بالتكوين والتدرج فى الخطوات .
- إيثار الناحية العملية الإنتاجية على الدعاية والإعلانات .
- شدة الإقبال على الدعوة من الشباب .
- سرعة الانتشار فى القرى والبلاد .
أهمية توحيد الجهود حول الفكرة الإسلامية عند الإمام البنا
إن صاحب الدعوة في جماعة الإخوان وهو يسعى للتعريف بالفكرة الإسلامية والعمل على إرشاد المجتمع إلى تعاليم الإسلام وقيمه وأخلاقه، فإنه على يقين من أنه لا يعمل منفردًا؛ لتحقيق هذه الغاية السامية، وهي إعلاء كلمة الله عزَّ وجلَّ والتمكين لدينه في ربوع العالم
كما أنه يعلم تمام العلم أن الإخوان المسلمين ليست جماعة المسلمين، ولكنها جماعة من المسلمين، وهذا يعني له أن هناك كثيرًا من العاملين؛ لتحقيق نفس الغاية والفكرة الإسلامية، وإن اختلفت الميادين التي تعمل من خلالها لتحقيق ذلك؛
لذلك فقد وجب على صاحب الدعوة أن يكون مبادرًا دائمًا لتوحيد هذه الجهود والطاقات والتنسيق بينها والعمل على جمع كلمتها وتحقيق الأخوة الإسلامية بينها، والعمل على إزالة أسباب الفرقة والاختلاف تحقيقًا لقوله تعالي: ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا﴾ (الأنفال: من الآية 46)، وقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2).
إن الإمام المؤسس حسن البنا (رحمه الله) حرص منذ نشأة هذه الدعوة على توحيد الجهود، ونبذ الفرقة والخلافات بين كلِّ العاملين المخلصين لدعوة الإسلام
ولقد حدد- رحمه الله - موقف الإخوان المسلمين من الهيئات الإسلامية بقوله رحمه الله:
- "أحب كذلك أن أفصح لحضراتكم عن موقف الإخوان المسلمين من الهيئات الإسلامية في مصر، وذلك أن كثيرًا من محبي الخير يتمنون أن تجتمع هذه الهيئات وتتوحد منها جبهة إسلامية ترمي عن قوس واحدة، ذلك أمل كريم وأمنية عزيزة يتمناها كل محب للإصلاح في هذا البلد
- والإخوان المسلمون يرون هذه الهيئات على اختلاف ميادينها تعمل لنصرة الإسلام، وهم يتمنون لها جميعًا كل النجاح، ولم يتفهموا أن يجعلوا من منهاجهم التقرب منها، والعمل على جمعها، وتوحيدها حول الفكرة العامة".
وعندما يتأمل صاحب الدعوة هذه الكلمات الواضحة الدقيقة، والتي تحرص على تحقيق الوحدة الإسلامية ونبذ عوامل وأسباب الفرقة والاختلاف - يجد أنها لم تخرج قيد أنملة عن منهج الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - في توحيد المسلمين ونبذ الفرقة بينهم
وكما أوضحت كتب السيرة المواقف الرائعة في تحقيق الإخاء والنصرة بين المهاجرين والأنصار، فقد أوضحت أيضًا محاولات أهل الكفر والنفاق للنيل من هذه الرابطة، والعمل على إحداث الفرقة بين المسلمين، وكيف عالج الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ذلك بمقولته المشهورة "أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم"، وبحرصه - صلى الله عليه وسلم - على توجيه المسلمين إلى الأهداف العليا لهذا الدين بإعلاء كلمة الله في الأرض.
وعندما يدقق صاحب الدعوة في الأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث الفرقة والاختلاف بين العاملين للإسلام يستشعر عظم المسئولية الملقاة عليه؛ لتحقيق جوانب الوحدة والحب والإخاء بينهم، كما يستشعر أهمية الحرص على الالتزام بالمبادئ والآداب الإسلامية التي تحض على ذلك، ويحرص أيضًا على اتباع القواعد الحاكمة، والضوابط الأساسية التي تمنع حدوث الفرقة والخلاف.
ومن هذه القواعد الحاكمة تلك القاعدة الذهبية التي تحدث عنها الفقهاء والعلماء وردَّدها الإمام حسن البنا رحمه الله - وعمل على تحقيقها عمليًّا: نتعاون فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.
ومن أبرز سمات وخصائص دعوة الإخوان المسلمين ما ذكره الإمام البنا (رحمه الله) :
البعد عن مواطن الخلاف: حيث يقول (رحمه الله):
- "فأما البعد عن موطن الخلاف الفقهي، فلأن الإخوان يعتقدون أن الخلاف في الفرعيات أمر ضروري لا بد منه، إذ أن أصول الإسلام آيات وأحاديث وأعمال تختلف في فهمها وتصورها العقول والأفهام، لهذا كان الخلاف واقعًا بين الصحابة أنفسهم وما زال كذلك، وسيظل إلى يوم القيامة، وما أحكم الإمام مالكًا - رضي الله عنه؛
حيث قال لأبي جعفر وقد أراد أن يحمل الناس على "الموطأ":
- "إن أصحاب رسول الله تفرقوا في الأمصار وعند كل قوم علم، فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة"، وليس العيب في الخلاف، ولكن العيب في التعصب للرأي، والحجر على عقول الناس وآرائهم. وهذه النظرة إلى الأمور الخلافية جمعت القلوب المتفرقة على الفكرة الواحدة، وحسب الناس أن يجتمعوا (على ما يصير به المسلم مسلمًا) كما قال زيد - رضي الله عنه.
ولقد فقه الإمام البنا - رحمه الله - هذه المسألة منذ نشأة الدعوة وتأسيسها، وكان حريصًا أشد الحرص على عدم الخوض في الخلافات الفقهية في الأمور الفرعية لأسباب عدة أوردها - رحمه الله - في رسالة دعوتنا بقوله:
ونحن مع هذا نعتقد أن الخلاف في فروع الدين أمر لا بد منه ضرورة، ولا يمكن أن نتحد في هذه الفروع والآراء والمذاهب لأسباب عدة:
- منها اختلاف العقول في قوة الاستنباط وضعفه، وإدراك الدلائل والجهل بها، والغوص على أعماق المعاني، وارتباط الحقائق بعضها ببعض، والدين آيات وأحاديث ونصوص يفسرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها، والناس في ذلك جد متفاوتين فلا بد من خلاف.
- ومنها سعة العلم وضيقه، وأن هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك والآخر شأنه كذلك.
- ومنها اختلاف البيئات، حتى إن التطبيق ليختلف باختلاف كل بيئة، وإنك لترى الإمام الشافعي - رضي الله عنه - يفتي بالقديم في العراق، ويفتي بالجديد في مصر، وهو في كليهما آخذ بما استبان له وما اتضح عنده لا يعدو أن يتحرى الحق في كليهما.
- ومنها اختلاف الاطمئنان القلبي إلى الرواية عند المتلقين لها، فبينما تجد هذا الراوي ثقة عند هذا الإمام تطمئن إليه نفسه وتطيب بالأخذ عنه، تراه مجروحًا عند غيره لما علم من حاله.
- ومنها اختلاف تقدير الدلالات، فهذا يعتبر عمل الناس مُقدمًا على خبر الآحاد مثلاً، وذاك لا يقول معه به.
كل هذه أسباب جعلتنا نعتقد أن الإجماع على أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل، بل هو يتنافى مع طبيعة الدين نفسه، وإنما يريد الله لهذا الدين أن يبقى ويخلد ويساير العصور، ويماشي الأزمان، وهو لهذا سهل مرن هين لين، لا جمود فيه ولا تشديد
ومن القواعد الحاكمة لتحقيق هذه الوحدة بين العاملين للإسلام ما ذكره الإمام البنا - رحمه الله - في رسالة دعوتنا بقوله:
- "نعتذر لمخالفينا: نعتقد هذا فنلتمس العذر كل العذر لمَن يخالفوننا في بعض الفرعيات، ونرى أن هذا الخلاف لا يكون أبدًا حائلاً دون ارتباط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخير، وأن يشملنا وإياهم معنى الإسلام السابغ بأفضل حدوده، وأوسع مشتملاته".
ثم يتطرق - رحمه الله - بعد ذلك لعدة أسئلة مهمة وأساسية وتحتاج إلى إجابات واضحة، ومحددة من كل العاملين للإسلام بقوله:
- "ألسنا مسلمين وهم مسلمون؟ وألسنا نحب أن ننزل على حكم اطمئنان نفوسنا وهم يحبون كذلك؟ أو لسنا مطالبين بأن نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا؟ ففيم الخلاف إذن؟ ... ولماذا لا يكون رأينا مجالاً للنظر عندهم كرأيهم عندنا؟ ولماذا لا نتفاهم في جوٍّ من الصفاء والحب إذا كان هناك ما يدعو إلى التفاهم؟".
ثم أوضح الإمام البنا - رحمه الله - ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح والتابعون رضوان الله عليهم من آداب الاختلاف، بقوله رحمه الله:
- "هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخالف بعضهم بعضًا في الإفتاء، فهل أوقع ذلك اختلافًا بينهم في القلوب؟ وهل فرق وحدتهم وفرق رابطتهم؟ اللهم لا، وما حديث صلاة العصر في قريظة ببعيد.
- وإذا كان هؤلاء قد اختلفوا وهم أقرب الناس عهدًا بالنبوة، وأعرفهم بقرائن الأحكام، فما بالنا نتناحر في خلافات تائهة لا خطرَ لها؟ وإذا كان الأئمة وهم أعلم الناس بكتاب الله وسنة رسوله قد اختلف وناظر بعضهم بعضًا، فلما لا يسعنا ما وسعهم؟ وإذا كان الخلاف قد وقع في أشهر المسائل الفرعية وأوضحها كالأذان الذي ينادى به خمس مرات في اليوم الواحد، ووردت به النصوص والآثار، فما بالك في دقائق المسائل التي مرجعها إلى الرأي والاستنباط؟
- يعلم الإخوان المسلمون كل هذه الحيثيات، فهم لهذا أوسع الناس صدرًا مع مخالفيهم، ويرون أن مع كل قوم علمًا، وفي كلِّ دعوة حقًّا وباطلاً فهم يتحرون الحق، ويأخذون به، ويحاولون في هوادة ورفق إقناع المخالفين بوجهة نظرهم، فإن اقتنعوا فذاك، وإن لم يقتنعوا فإخوان في الدين، نسأل الله لنا ولهم الهداية.
ثم أجمل الأستاذ البنا - رحمه الله - هذه القواعد في كلمات معدودة بقوله رحمه الله:
- "ذلك منهاج الإخوان المسلمين أمام مخالفيهم في المسائل الفرعية في دين الله، يمكن أن أجمله لك في أن الإخوان يجيزون الخلاف، ويكرهون التعصب للرأي، ويحاولون الوصول إلى الحق، ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب".
وبعد أن تبين لصاحب الدعوة موقف الإخوان المسلمين من الهيئات الإسلامية الأخرى، ينبغي عليه أن يقوم بدوره في تحقيق وحدة العاملين بالحركات الإسلامية، وتوحيد الجهود حول الفكرة الإسلامية؛
في إطار الآداب والواجبات التالية:
- الفهم الدقيق والوعي العميق بموقف الجماعة وسياستها في التعامل مع الهيئات والقوى الإسلامية الأخرى.
- المبادرة والإيجابية في تحقيق رؤية الجماعة على أرض الواقع في الدوائر المحيطة به، وتحديد القواسم المشتركة مع الهيئات والقوى الإسلامية الأخرى.
- التعاون والتنسيق مع الهيئات الإسلامية والتي لا تنتهج العنف وسيلة لها بآليات ووسائل مناسبة لكل منها.
- الالتزام العملي بالآداب الإسلامية حين الاختلاف في الرأي، والعمل على إشاعتها في جميع الدوائر المحيطة.
- القيام بالواجبات الاجتماعية والأخوية مع جميع الهيئات والقوى الإسلامية الأخرى من منطلق أخوة الدين والعقيدة والعمل للإسلام.
وختاما...
فإنه لا بد لصاحب الدعوة من أن يكون هو القدوة والنموذج العملي المؤثر فيمن حوله، وأن يكون عاملاً على توحيد الجهود والطاقات حول الفكرة الإسلامية، حتى وإن أصابه الأذى أو الضرر أو الألم من جراء ذلك، فالأمر ليس بالسهل ولا اليسير ولكن يحتاج لتوفيق الله عزَّ وجلَّ أولًا ثم همة عالية وصبر جميل وأدب جم وإخلاص لله تعالي قبل وأثناء وبعد كل خطوة يخطوها صاحب الدعوة؛ لتحقيق هذا الأمل المنشود، والذي يسعد قلوب أبناء هذه الأمة.
نخلُص من كل ما تقدّم إلى ما يلي:
- أن الإسلام منهج تغييري يشمل كل جوانب الحياة.
- وأن لا حرج من اعتماد كل الخطى الإصلاحية طالما أنها تؤدّي بالنتيجة إلى تحقيق التغيير المنشود، شريطة موافقتها للشرع.
- وأن منهجيّة الإمام الشهيد حسن البنا متوافقة بشكل كامل مع طبيعة الإسلام ومنهجه، ومنهجيّة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إليه سبحانه وتعالى.
- وأن هذه المنهجيّة ترفض اعتماد (الثورة) طريقاً لتحقيق التغيير الإسلامي.
- وأن هذه المنهجيّة لا تلجأ إلى استخدام القوّة إلا ضمن شروط وضوابط محدّدة وصارمة.
- وأنها تعتمد "النضال الدستوري" أي التغيير من خلال المؤسسات الدستورية (كالبرلمانات والحكومات، وكل مؤسسات المجتمع المدني) كما ورد في رسالة المؤتمر الخامس.