سنوات التعذيب والهوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سنوات التعذيب والهوان
تأليف
صادق امين
أبو جهاد


الطبعة الثانية
1437 هـ ـ 2017 م

المقدمة

إن الحمد لله وحده القاهر فوق عباده ، والصلاة والسلام علي أنبيائه وصفوة خلقه .. وبعد .

فإن الإسلام وضع قواعد ومبادئ لكي يعيش المجتمع المحلى و المجتمع العالمي في أمن وسلام فكرم الإنسان ، أي إنسان علي كثير من خلقه { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } [ الإسراء : 70 ] وكفل للإنسان أي إنسان ، حقوقًا ومبادئ أساسية .. منها حق الحياة .. وتوفير الضمانات الكافية لحمايته ، وكذا حق المساواة في المعاملة " كلكلم لآدم وأدم من تراب .. لا فضل لعربي علي عجمي إلا بالتقوي .. " وحق العدالة في القضاء .. فقد نزلت تسع آيات من القرآن تبرئ يهودي اتهم ظلمًا { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } [ النساء : 105 ] وقد كاد النبي يحكم حسب ما لديه من الشهود .. لولا نزول الآيات .. حتي قال تعالي : { وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ } [ النساء : 112 ـ 113 ] .

ولا يجوز تعذيب المجرم .. كما لا يجوز حمل إنسان علي الاعتراف بجريمة لم يرتكبها ، وكل ما ينزع بواسطة الإكراه فهو باطل " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ..

وفي خطبة الوداع يقرر النبي صلى الله عليه وسلم حرمة الدماء والأموال والأعراض " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا .. " .

ولكل إنسان حق المشاركة في الحياة العامة { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } [ الشوري : 38 ] ، والشوري أساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم .

وكفل الإسلام كذلك حرية التفكير والتعبير والاعتقاد وحرية العبادة لجميع الناس { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } .

وعمر بن الخطاب دعا عمرو بن العاص من مصر .. لمعاتبته وأحيانًا لمعاقبته .. من ذلك ما تقدم به أحد المصريين ضد ابن عمرو بن العاص ؛ لأنه ضربه بالسوط مما جعل عمر بن الخطاب يستدعي عمرو وابنه ثم يأمر ابن المصري بالقصاص من ابن عمرو ، ويقول له : لو ضربت أباه عمرو لما حلنا بينك وبين ذلك ، والتفت عمر إلي عمرو بن العاص وقال قولته المشهورة : متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا .. وهذا تطبيق عملي لمفاهيم الإسلام في حرية الإنسان أي إنسان .

وكان من وصايا عمر بن الخطاب للولاة : ألا وإني لم أرسل عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم ، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم .. فمن فعل به سوي ذلك فليرفعه إليّ فوالذي نفسي بيده إذن لأقصنَّه .

التعاون والتعايش السلمي : ففي حلف الفضول كان بين قبائل المشركين قبل البعثة وحضره النبي صلى الله عليه وسلم وقد تعاهدوا علي أن لا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها أو غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا علي من ظلمه حتي ترد عليه مظلمته .. وبعد أن أكرمه الله بالرسالة ، قال : " لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أدعي به في الإسلام لأجبت " ..

وإن أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هو التحالف بين المسلمين والمشركين واليهود وهي وثيقة ودستور دولة للتعايش السلمي بين فئات ذات عقائد مختلفة .. وقد تضمنت هذه الوثيقة بنودًا كثيرة ، منها أنه كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار ، وادع فيه اليهود وعاهدهم وأقرهم علي دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم .. وأن اليهود أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، إلا من ظلم وأثم .. وأن بينهم النصر علي من حارب أهل هذه الصحيفة .. وقد جعل هذا أساس بين المسلمين وجيرانهم اليهود .. وإن هذه الوثيقة تدل علي العدالة مع اليهود أو أي ديانة أخرى .

وتدل كذلك علي قبول الأخر والتعايش السلمي والتعاون ، وأن تؤتي هذه المسالمة ثمارها فيما بين المسلمين وغيرهم .. وعلي ذوبان جميع الفوارق والمميزات فيما بينهم .. في نطاق الوحدة الشاملة .. وفي صلح الحديبية بين المسلمين والمشركين يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " والله لا تدعوني قريش إلي خطة توصل بها الأرحام وتعظم فيها الحرمات إلا أعطيتهم إياها .. " .

فهذه مبادئ قررها الإسلام من خمسة عشر قرنًا ..

واليوم أهدرت هذه المبادئ عالميًا حتي بين المسلمين ، فلا تجد المسلمين إلا منبوذين مبعدين معتقلين مهاجرين محتلين معذبين مقتولين .. يضرب بعضهم رقاب بعض في حروب لا يعلم مداها إلا الله .. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض " ، والله يقول : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً } [ النساء : 92 ] فكيف يقتل المسلم أخاه المسلم !؟ لا يكون ذلك إلا خطأ .. فما بالك بمن يتعمد القتل ! .

وحين قتل ابن آدم أخاه ظلمًا وعدوانًا نزلت { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } [ المائدة : 32 ] لا فرق بين نفس ونفس { وَمَنْ أَحْيَاهَا } أي حرم قتلها بلا سبب ولا جناية .. أو عفا عن قاتل .. أو بأن أنجاها من غرق أو حرق أو هدم أو هلكة .. فمن قتلها عظم وزره ومن أحياها عظم أجره .. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا التقي المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار " قالوا : هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : " إنه كان حريصًا علي قتل صاحبه " .

ولا مخرج من هذا كله إلا بالعودة إلي الله .. ومبادئ الإسلام السابقة وفي حوار جاد خالص لله يسوده المحبة والمودة والأخوة بدلاً من الحوار بالسلاح الذي يهلك الأمة .

قد يظن القارئ أن في كتابتي في ( سنوات ) مغالاة .. لكن الواقع أكبر من ذلك ، والذي كتبته ونقلته هو مختصر وخلاصة حفاظًا علي وقت القارئ ، ومن أراد مزيدًا فليرجع إلي المصادر التي ذكرتها .. والله يهدي من يشاء إلي الصراط المستقيم .

تمهيد

نتكلم هنا عن سنوات التعذيب في عهد ثورة 1952 وخاصة عن أحداث 1954 حتي محنة 1965 وما بعدها .. وقد كان التعذيب قبل الثورة ، لكن لم يكن بالقسوة والشدة والعدد وطول التعذيب .. وعدم الإفراج عن الضحايا حتي الموت أحيانًا .. ولقد كانت محنة 1954 ثم 1965 أما ما قبل ذلك فلم أحضره ولكنه مكتوب ومسجل بمن حضره وشاهده .

وسوف يظل التعذيب والهوان طالما أن الاستبداد والظلم موجود ومستمر وطالما أن الشعب مغيب بالإعلام المتسلط ... لكن الأيام دُوَل ، فعندما يستيقظ الشعب من غفلته وينتفض ويقوم بالثورة .. فسوف يكون الدرس لما حدث .. وهذا معروف وتاريخ الأمم يشهد بذلك { وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } [ آل عمران : 140 ] .. ولأن دوام الحال من المحال .. إنك تستطيع أن تضحك علي الشعب بأجهزتك .. سنة أو سنين .. لكن لا بد أن يأتي يوم يظهر الحق ، ينتصر فيه المظلوم ولو بعد حين .. في الدنيا قبل الآخرة ..

وقد كتب الأحرار الكثير عن التعذيب ... منهم من عاش هذه الأحداث .. ومنهم من سمع عنها من مصادر موثقة ... ومن كتب في هذا الموضوع ، إنما كتب عن حالات أمثلة .. أما وسائل التعذيب فلا يمكن تصورها ولا حصرها .. فهي فوق الوصف .. ولا يمكن تصور كيفية ما كان يحدث من تعذيب ..

وقد كنا لا نصدق ما يحدث من تعذيب .. حتي رأينا بأعيننا .. ليس في يوم وليلة ... ولكن سنوات ورأيت بعيني من عُذّب حتي أُغمي عليه .. ومن عذب حتي مات !! ولذلك لا أقول إلا ما رأيته .. أو سمعته .. أو قرأته ممن عُذّبوا ..

إنها سنوات تعذيب .. لأعداد لا حصر لها ، فقد اعتقل في سنة 1954 ما يقرب من 24 ألفًا أو يزيدون .. وفي سنة 1965 اعتقل ما يقرب من 60 ألفًا أو يزيد .. هذا بخلاف من اعتقل عشوائيًا أو لشبهة .. لسبب كيدي أو لأسباب أخرى .. ثم يخرج ويفرج عنه وهكذا .. وارد .. وخارج .. وكل واحد رأي بعينه وسمع بأذنه ولقد شاهد بعضهم التعذيب في سجن حربي مصطفي كامل بالإسكندرية سنة 1954 .. ثم في القاهرة في السجون الحربية .. أهمها سجن 2 ، 3 ، 4 وأضخمها السجن الكبير الذي يتسع لحوالي 300 زنزانة .. وقد كانت هناك سجون في المحافظات والأقاليم .. وحين يكثر الرواد الضحايا تكون الزنزانة مثل علبة السردين .. وكان الناس تحشر فيها .. ولك أن تتصور كيف ينامون .. كيف يقضون حاجاتهم وفي الزنزانة قصرية واحدة !! والزنزانة ( متر ونصف في مترين تقريبًا ) وفيها ما يقرب من 8 أشخاص !! ..

وكان يحضر التعذيب أعلا سلطة .. ومنهم من كان يقوم بنفسه بالتعذيب .. ومنهم من كان يتابعه .. وكانت فئات أخري في السجن .. ولكنهم لم يتعرضوا لمثل ما تعرض له الإخوان ..

وكنت أتعجب لشدة التعذيب وقسوته .. ومع ذلك كنت لا أتمني لمن قاموا بالتعذيب أن يعذبوا مثلنا .. لا أتمني ذلك للحيوان ، فكيف أتمناه للإنسان .. أي إنسان مسلمًا كان أو غير مسلم .. لأن الله تعالي كرم الإنسان .. وحرم وجرم تعذيبه ، لكن الإنسان هو الذي خالف تعاليم ربه .. إن الله لا يظلم الناس شيئًا ولكن الناس أنفسهم يظلمون .. أين تعاليم الإسلام .. بل أين حقوق الإنسان التي كفلتها الدساتير والقوانين .. وأن الهيئات العالمية .. التي لا تتحرك للمسلمين المعذبين .. ! لقد وعد الله المسلمين بنصره .. ووعد الظالمين بالعذاب والهلاك .. ووعده سبحانه لا يتخلف .. ووعده آت لا محالة ، بل قريب .. والقرآن يحكي هلاك الأمم الظالمة .. والتاريخ خير شاهد ، وصدق الله ..

والذين قاموا بالتعذيب يحاولون إخفاءه وينكرون وجوده ، لأنهم يخشون الملاحقة ، فيعيشون في خوف ورعب وقلق .. لأنهم يعلمون أنهم ارتكبوا جرائم محرمة .. وانتهكوا حقوق الإنسان .. ولكن الله يمهلهم لعلهم يتوبوا .. وإنه تعالي يمهلهم لا يهملهم ..

ويجب علي المظلوم أن يذكر ما حدث له ويكشف عمن قاموا بالتعذيب .. وانتهاك كرامتهم حتي يرتدع الظالم ويتخلي عن ظلمه { لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } [ النساء : 148] ..

وسوف نذكر أحكام القضاء العادل الذي أثبت التعذيب وانتصر للمظلوم من الظالم وبعض أقوال الكُتاب الأحرار ..

إنه سوف لا يكون إصلاح إلا بكشف الفساد ومحاسبة المفسدين .. وحتي تعود كرامة الإنسان ..

وما كان هدفي من ذكر هذا الموضوع إلا إصلاح هذه الأوضاع الشاذة وكشف جرائم الظالمين .. وما كتبته إلا ليكون { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [ الأعراف : 164] .. أما موضوعات الكتاب فقد ذكرتها في الفهرس في نهاية الكتاب ..

الباب الأول

القبض والاعتقال

نتكلم هنا : أولاً : عن الإعداد للاعتقال . ثانيًا : القبض والتفتيش . ثالثًا : حفل الاستقبال . رابعًا : ما بعد الاستقبال .

أولاً : الإعداد للاعتقال : قبل وأثناء الاعتقال تبدأ السلطة بحملة إعلامية وتسخر فيها كافة أجهزة الدولة لبث الكراهية في المطلوب اعتقالهم ، وتهيئة الجو للتمهيد للاعتقال لتبرير ما يحدث من انتهاك الحريات وحقوق الإنسان .. ونشر الأكاذيب والتهم بالمعارضين .. وفي هذه الظروف قد تفتعل السلطة حادثًا .. وفي ذات الوقت تكون قد أعدت كشوفًا بأسماء المراد التخلص منهم .. وتلفيق التهم ، وتقديمهم للمحاكمة .. وقد يكون هناك من تم اعتقاله قبل هذا الحادث المفتعل .. لكي يدخل في القضية الملفقة ..

ففي حادث المنشية سنة 1954 كانت الكشوف جاهزة ومعدة .. وكانت أصوات الطلقات هي ساعة الصفر للقبض والاعتقال .. وقد اعتقل في ذلك عددًا كبيرًا في وقت وجيز .

وفي سنة 1965 وعند اكتشاف التنظيم المزعوم .. خطب عبد الناصر من الاتحاد السوفيتي أنه تم القبض علي ( 18 ألف ) في ليلة واحدة .. لأن الكشوف كانت معدة .. وتم عمل اللازم ..

وفي هذه الظروف تقوم السلطة بحشد الإعلام بكافة أنواعه الذي تغدق عليه بالأموال الطائلة .. والكتاب المنافقون ومنهم علماء الدين أو علماء السلطة .. بتشويه الإخوان والسخرية منهم والاستهزاء بهم .. وباستخدام الكاريكاتير وغير ذلك وتكتب المقالات وتؤلف الكتب .. بالاتهامات الكاذبة .

ويقوم علماء السلطة باتهام الضحايا بجرائم تملي عليهم .. وذلك لأنهم سمعوا الدعاية السوداء .. فصدقوها .. سمعوا من طرف واحد ، والآخر محروم من الدفاع عن نفسه .. فاتهموا الأبرياء بالخروج على الدين ، وأنهم ( خوارج ) ، مفسدون في الأرض ، وبالذين { يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا } [ المائدة : 33 ] .

وهذا يذكرني بقول فرعون لقومه : { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } [ غافر : 26 ] ، وقوله عن موسى ومن معه : { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } [ الشعراء : 54 ـ 56 ] .

هذا وقد أعلنت هيئة كبار العلماء بالأزهر : رأي الإسلام في ( عصابة الإخوان ) !! فاستنكرت في بيان صدر في 17/11/1954 انحراف هذه ( العصابة ) !! عن منهج القرآن في الدعوة .. وأن غاية هذه الجماعة ومطامعها هي الحرب علي الإسلام أشد عليه من حرب خصومه وأعدائه ... !! وكان ذلك في مقال طويل جاء في جريدة الأهرام 18/11/1954 ..

هذا وقد أصدرت وزارة الإعلام عدة كتب ( كتب قومية ! ) تشوه فيها صورة الإخوان .. بأسلوب ماكر ، نفاقًا وتزلفًا للسلطة ، ورضًا بكل الإجراءات التي اتخذتها السلطة مخالفة بذلك الدساتير والقوانين ... ولم يسمحوا للإخوان أن يدافعوا عن أنفسهم فيبينوا حقيقة هذه الاتهامات .

ثم تقدم السلطة بعد تهيئة الجو بتلفيق الاتهامات .. وتصدر الأحكام بالعقوبات المشددة التي تناسب الجريمة المزعومة ..

أضف إلي ذلك أن فرق الهمس التابعة للسلطة المدسوسة بين الشعب توهم أن الشعب غاضب على هؤلاء الإخوان .. وقد شاهدنا عند وصولنا إلي محطة مصر القاهرة بعض النسوة وكن يجلسن علي أبواب المحطة من الخارج .. ونحن في حراسة الشرطة وفي أيدينا الحديد .. وفي إشارة إليهن .. قامت هذه النسوة وهن يتفوهن بألفاظ لتبرير هذا الإجراء .. وحتي لا يتعاطف الناس معنا ..هذا على سبيل المثال .

ثانيًا : القبض والتفتيش : وعند القبض يحضر الجند المسلحون وعربات الشرطة في الشارع .. في آخر الليل .. ومعهم ضابط .. أو هم زوار الفجر يحاصرون المنزل .. ويدخلون بطريقة مرعبة .. ينتشرون في الشقة .. وخارج المنزل .. ويبدأ التفتيش أولاً في حجرة النوم والمكتب .. ويأخذون الكتب والأوراق والأموال ونحوها مع البحث في الدولاب وإخراج محتوياته ، وتمزيق المراتب ..

ثم يقولون للضحية : تعال معنا خمس دقائق .. فقط وتعود ! .. وإذا كان الضحية ممن يهتمون به .. يضعون مع الكتب أي سلاح .. ويحرز مع المضبوطات .. !! .

من يقبض عليه .. يدخلونه سيارة .. ويعصب العينين .. ويساق إلي مكان غير معروف ، ثم يبحث أهله عنه في كل مكان .. لا يستدلون عليه .. لقد ذهب وراء الشمس !

وعلي سبيل المثال : فإن الذين قبض عليهم في سنة 1965 ، لم يعرف أهلهم مكانهم إلا بعد نكسة 1967 .. وقد يقبض علي ضحايا بسبب تشابه الأسماء .. وقد يقبض علي غير المسلم ولا يسأل ، ولا يستطيع الكلام .. ثم بعد فترة .. وبعد التحقيق والتحري عنه .. يفرج عنه ويكون ذلك بعد سنة أو أقل أو أكثر ..

وفي سنة 1967 قبض علي بعض اليهود من منازلهم وليس من الميدان وأودعوهم المعتقل ثم قامت الدنيا ولم تقعد بسبب اعتقالهم .. ثم سمحوا لهم بكتابة خطابات إلي أهليهم ليطمئنوا عليهم .. وعوملوا معاملة حسنة .. لم يعامل بها الإخوان .. وفي حين سمحوا لليهود بعد اعتقالهم مباشرة بالكتابة إلي ذويهم .. ولم يسمحوا للإخوان بذلك .. ثم سمحوا لأهالي اليهود بالزيارة .. وهنا طلب الإخوان أن يعاملوا بمثل معاملة اليهود .. !! فسمحوا لهم بكتابة خطابات من ثلاثة أسطر فقط ثم بعد ذلك سمحوا لهم بالزيارة .. !! هكذا .. وطبعًا فإن الخطابات تراجع بمعرفة الضباط وتحضر كذلك في الزيارة .. !! .. ويسمح بالمأكولات بعد تفتيشها وقد لا يُسمح .. هذا حدث بعد سنتين من الاعتقال ، سنتين لا يعرف عنا أهلنا شيئًا ..

ثالثًا : حفل الاستقبال : عند دخول الضحية في المعتقل .. يستقبلوه بالركل والضرب بالكرباج .. الوجه إلى الحائط .. والضرب على القفا ولا يستطيع الضحية أن يلتفت يمينًا أو شمالاً .. والشتائم والسباب بألفاظ قذرة .. ثم يساق إلى الزنزانة .. فمثلاً إذا سيق إلي السجن الحربي في القاهرة .. هذا السجن له بوابة .. لكن بداخله سجون أخري في مباني أكبرها السجن الكبير .. وكل سجن له باب .. فإذا دخل من البوابة العامة للسجن فسيري فناءًا واسعًا فيه طرق وزروع ومباني أخري للسجون أهمها سجن 2 ، 3 ، 4 والسجن الكبير الذي يسع حوالي 300 زنزانة والزنزانة تملأ بحسب الوارد من الضحايا ..

عند دخول السجن يفاجأ الضحية بعيون براقة من الذعر والرعب من خلال الزروع تريد معرفة الضحايا الجدد .. وهي في هذا المكان .. تنتظر دورها في التعذيب والتحقيق .. ومن المباني مكاتب للتحقيق بمعرفة ضباط العسكر وقد تنصب بجوارها خيام لوكلاء النيابة للتحقيق مع الضحية بعد تحقيق الضباط ، والنيابة تسمع الصراخ والتعذيب .. ويشاهدونه .. ويرون أثر الجروح والكسور في العظام ونزف الدم .. ولا يتم إثبات ذلك في محضر التحقيق ! ووكلاء النيابة مختارون مقربون ملتزمون بتحقيقات الضباط وهم يعلمون كيف أخذت هذه الاعترافات .. بل هم في نفس السجن الحربي .. وليسوا في مقارهم !! . مصطفى أمين يصف حفل الاستقبال : هذه الحفلة عبارة عن أن يعلق المتهم كالذبيحة تكريمًا واحتفاءًا بمقدمة السعيد .. ثم تنهال عليه السياط والصفعات واللكلمات وأقذر الشتائم أو السباب ..

كان في استقبالي اللواء حمزة البسيوني مدير السجن الحربي .. وملكها المتوج والخبير العالمي في شئون التعذيب والإرهاب .. يقول مصطفى : استقبلني ومعه ( ميمي ) و ( ليلى ) وهما الكلبان المعدان لاستقبال النزلاء من المسجونين السياسين والترحيب بهم .. والتف الكلبان ينهشان لحمي ويمزقان ملابسي ثم صحبني اللواء إلى زنزانة في المعتقل رقم (2) وعاد يطلق علىّ الكلبان ..

كان اللواء ينقلب وجهه بصور متعددة ، يبدو أحيانًا بصورة ثعبان .. وأحيانًا بصورة الوحش المفترس .. أشبه بشيطان انطلق من عقاله ، في صوته مزيج من فحيح الأفعى وعواء الذئب .. [ سنة أولى سجن ص 20 ، 21 ] .

رابعًا : ما بعد هذا الاستقبال : بعد هذا الاستقبال ، يدخل الضحية السجن الذي سيقيم فيه .. فيجد حجرة علي يمين الداخل .. فيها مكتب لقيد الأمانات وما معه من نقود وخلافه .. وبعد خروجه ، إن خرج حيًا .. لا يجد شيئًا ..

وأذكر أننا حين دخلنا السجن الكبير رأينا اللواء حمزة البسيوني وأمامه منضدة مثل خشبة تغسيل الموتي وعليها بطانية مفروشة وفي وسطها كرباج .. ثم يقف الضحايا صفًا .. ويسألهم واحدًا واحدًا .. ما اسمك .. من أين ؟ فإذا رأي أحدًا لم يعجبه شكله أو كلامه .. أمر بضربه .. فمثلاً : سأل أحدهم : فرد عليه بأدب : معيد بكلية الهندسة .. ثم سأله : عامل اللحية دي علي سنة حسن البنا أم علي سنة الهضيبي ؟ .. فرد بأدب : علي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم .. فهاج حمزة .. ونادي صفوت الروبي .. اضربه ( 50 كرباج ) علشان يعرف السنة كويس !!

بعد ذلك يؤخذ الضحية .. وهو في غاية الإرهاق .. فلم يعرف النوم منذ قبض عليه ، وسفره ليلاً وتنقله من مكان لآخر .. وبعد أن تعرض لحفل الاستقبال والتعذيب والإهانة .. يؤخذ إلي مكان .. يفتح له الباب ثم يدخل في الظلام .. لا يعرف أين هو .. ثم يتحسس بحذر ، يتحسس الجدران فإذا هو في حجرة .. ويتعثر .. فإذا بطانية ، وقصرية كاوتش ذات رائحة كريهة ..

ولما كان الضحية في غاية الإرهاق .. فيلقي بنفسه في الزنزانة يريد النوم والراحة بعد طول عناء .. وما يكاد .. حتي يفاجأ بفتح الزنزانة .. فهو مطلوب للتحقيق أو للتعذيب أو لعدم الراحة .. إرهاق علي إرهاق .. وأرق علي أرق .. ثم يعود من التحقيق مرهقًا ..

وفي الفجر تفتح الزنزانة لتفريغ القصرية .. ودخول دورة المياه ، لمدة لحظات .. مع الضرب بالكرباج .. وهكذا لا يستطيع أن يقضي حاجته ! .. وقد تعود الضحايا عند سماع صوت أقدام العسكري متجهة صوب الزنزانة أن يقوموا مذعورين .. وإلا انهال عليهم بالكرباج ..

وفي الصباح يؤخذ إلي طابور الحلاقة .. والحلاقة نوع آخر من الإهانة والسخرية .. يحلق الرأس وجانب من اللحية مع ترك الجانب الآخر ، ويحلق الحاجب عكس حلاقة اللحية ، ويحلق نصف الشارب ويترك النصف الآخر .. وهكذا حتي يكون منظر الضحية مخيفًا .. مثيرًا للسخرية .. شاعرًا بالإهانة والاحتقار ..

الباب الثاني

وسائل وأدوات التعذيب

لا أستطيع الكتابة عن جميع وسائل وأدوات التعذيب ، فهي وسائل متعددة ، وتختلف من مكان لآخر ، والسجون تتبع جهات متعددة ، وكل جهة تتسابق وتتنافس علي أخذ اعترافات .. أي اعترافات ، وإن كانت تملي عليهم وترضي الجهة العليا .. ومن هذه الوسائل :

1 ـ التعليق : ويكون في أشكال متعددة ، منها ما يكون علي الشجر أو في حجرة ويتدلي الضحية ويُضرب .. وهذا كان في السجن الحربي أو علي قضبان السجن من الداخل ، فيعلقون كالذبائح .. وقد كان ذلك في سجن أبو زعبل .. أو في فلكة ، ويربط فيها الضحية من يديه ورجليه معًا .. ثم يعلق فتكون رأسه متدلية ويديه ورجليه في الأعلي .. وتنهال عليه مجموعة من العسكر بالكرباج أو بالعصي .. وقد رأيت ذلك في حالات كثيرة منها : زكريا المشتولي في سجن القلعة حيث ضرب ويغمي عليه .. حتي مات .. ومنها ما يربط من رجليه .. أو من يديه .. ثم يعلق .. ثم يترك حتي يعترف بأشياء لم يرتكبها .. وهذه تؤثر علي يديه فلا يستطيع استعمال يديه إلا بعد فترة .. أو يعلق في سقف حجرة بعد أن يقف الضحية علي كرسي ثم يزيحوا الكرسي .. أو يربط من وسطه ... فيكون الضحية كالذي يسبح في الهواء .. ثم يكون الضرب .. بلا رحمة .

2 ـ الكرباج : الذي يكون من أسلاك كهربائية مجدولة .. أو كرباج آخر وهي مستوردة .. والضرب بالكرباج ضرب فني .. فقد يضرب الضحية ضربة واحدة .. يلف الكرباج فيها علي صدره وظهره فتحدث له دوخة ويكاد أن يقع .. فإذا تكررت الضربات أغمي عليه .. ناهيك عن الجروح .. ونزف الدم .. فإذا تكرر الإغماء .. فقد يموت .. فشعارهم : اقتل وادفن !! .. ولا حسيب ولا رقيب .

3 ـ الضرب علي الأذن بالكف : وهو كذلك ضرب فني ، بحيث يقع الضحية من أول ضربة ، فيشعر بصفارة في الأذن .. وقد يضعف السمع .. وقد يفقده إذا تكرر الضرب .. مع ملاحظة عدم الاهتمام بالعلاج .. وقد يترك ويهمل حتي تتقيح الأذن وينزل الصديد .. هذا وإذا لم يقع الضحية من ضربة واحدة تعرض العسكري الضارب من الأمباشي بالضرب ليريه كيف يكون الضرب ..

4 ـ حجرة المياه القذرة : في السجن جعلوا زنزانة تسمي الثلاجة لأنها في الشتاء تكون باردة بالدور الأرضي مبنية ووضعوا فيها مياه قذرة تصل إلي الركبة أو فوقها ، ويلقي بالضحية وهو عريان ويظل واقفًا لا يستطيع الجلوس .. وكان بالدور الأرضي في السجن الكبير في الحربي الزنزانة رقم ( 9 ) يعرفها من دخل هذا السجن .. ويترك حتي يعترف علي أشياء لا يعلمها .. فهكذا تكون الاعترافات الكاذبة للخلاص من التعذيب .

5 ـ الكلاب المدربة : وهذه الكلاب ضخمة مثل الحمار تقريبًا متوحشة شرسة .. كانت توضع لها اللحوم ... فيأكلون ، والباقي يأكله المعتقلون .. وهذه الكلاب المرعبة المدربة بإشارة من العسكري .. تنهش في الجسد .. أو تهجم علي المناطق الحساسة .. قد يحبس الضحية في الزنزانة ومعه كلب أو أكثر .. أو خمسة .. فكيف يأكل أو ينام ..

6 ـ الكي بالنار .. وبالكهرباء : فيؤتي بالفحم الملتهب ويضعوه علي الجسد .. أو تطفأ السجائر المشتعلة في جسده .. وقد يكون بصب مادة حارقة .. ثم إطفائها .. ومن الذين تعرضوا لذلك : حبيب عثمان من سنفا دقهلية .. ومحمد مؤمن من الإسكندرية رحمه الله ..

وقد تكون حديدة مدببة متصلة بالكهرباء .. وعن الذين تعرضوا لذلك فاروق الصاوي من محافظة المنيا وطاهر سالم من طنطا رحمه الله ، وكان له أخ اسمه ماجد سالم رحمه الله .. قبض عليهما معًا وكانا في السجن الحربي ثم السجن الآخر ..

7 ـ الدفن أحياء : يؤتى بالضحية ، ويقال له صدر عليك حكمًا بدفنك ، ثم يحفر له حفرة ويلقوه فيها .. ويتم إهالة الرمال عليه .. ويتركوه .. ثم يرفعوا عنه التراب ويساومونه علي تركه في القبر أو الاعتراف بما يريدون ؟ .

8 ـ استخدام الطوق : وضع ما يشبه الطوق حول الرأس .. ويقفل ويضغط علي رأسه حتي يكاد يصيبه الجنون .. وقد ذكر الكاتب أحمد أبو الفتح في كتابه ( جمال عبد الناصر ) ص 430 .. وسأل لماذا ؟ هذه الإهانة والإذلال ؟ وذكر ذلك غيره ..

9 ـ النفخ في الدبر : حتي تكاد تنفجر الأمعاء .. وقد رأيت شخصًا من الإسكندرية بعد التعذيب منتفخًا فلم أعرفه وقد يُدخلون عصا في الدبر .. وما ينتج ذلك من جروح .. وقد حكي لنا المرحوم ( ج . ف ) وكان شاعرًا كيف ضربه شمس بدران بالركل بالحذاء في أسفل البطن .. وتعرض للأذي الكثير حتي تهتك جسده وكان يحتاج عمليات في الظهر وفي المثانة والبطن .. وكان صابرًا محتسبًا ..

10 ـ البئر والفسقية : يلقون الضحية في البئر والماء فيه يغطي جزء من الرأس .. فإذا أراد أن يتنفس ويرفع رأسه ، تنهال عليه العسكر المحيطون بالبئر بالكرابيج وبالعصي أو بالجاروف أو بدبشة البندقية ، فيعود إلي الماء لحماية نفسه من الضرب ثم يحتاج إلي التنفس فيرفع رأسه .. فتنهال عليه العسكر ... ثم يغمي عليه فيخرجوه فينزل اللباس الساتر لعورته الذي ثقل لتشبعه بالماء فيرفعه ليستر عورته .. وفي هذه الحالة قال له صفوت .. حتي في حالتك هذه يا ابن..... وكلام نحو هذا .. ومن الضحايا من يغمى عليه .. ثم يضرب ، وقد يموت .. ولا شيء .. ولا حساب ، ويدفن .. وكان من هؤلاء ( م . ع ) من الزواملة .

11ـ العروسة : يُشبح الضحية علي العروسة .. ويتم التعذيب.....

12 ـ الدحرجة من علي السلم : وقد حدث هذا في سجن مكون من دورين أرضي وعلوي .. فكانوا يدحرجون الضحية مثل الكورة علي السلالم من الدور الثاني إلي الأرض وقد يصاب من الحديد .. وكان ذلك في ليلة محاكمته .. وفي المحكمة إذا اشتكي الضحية وأظهر جروحه .. فلا يسمع له أحد !!

13 ـ دق مسامير في الأذن : وتعرض لذلك عبر الرحمن مخيوم وجاءت قصته في أخبار العدد 1649 يوم 27/6/1976 في الدعوى المرفوعة من عبد الرحمن مخيوم ضد صلاح نصر و شمس بدران .. وقد ذكر المدعي تعرضه لبعض وسائل التعذيب التي تعرض لها ومنها : دق مسامير في أذنه .. إدخال خابور محمي بالنار في سمانة قدمه .. ضرب يديه بعصي حديدية .. يطلقون الرصاص بالقرب من رأسه .. توصيل جسمه بدائرة كهربائية وكان المدعي قد حكم عليه من محكمة الدجوي بالأشغال الشاقة 15 سنة بتهمة العمل على قلب نظام الحكم وأفرج عنه السادات عام 1972 .. ثم رفع هذه القضية .

14 ـ القتل بالسم : وهذا كان يستعمله صلاح نصر .. وثبت ذلك واعترف صلاح نصر وذلك أمام القضاء ، وقال : إنها كانت أوامر عليا ! [ راجع ج3 / 105 وراجع ما كتبه مصطفي أمين في كتابه سنة ثانية سجن ص 333 والمادة هي التي استخدمها صلاح نصر مع المشير عامر ومع الملك فاروق ] .

15 ـ السحل علي الأرض ... والانبطاح علي الوجه : ثم تقوم مجموعة من العسكر بالقفز والجري علي الضحية بالبيادة .. وقد تأتي الأحذية علي الوجه أو الأذن أو ... وهم يسخرون ويضحكون ويستهزئون بالضحية .

16 ـ الخطف من الدول الأجنبية : مثال ذلك : خطف زغلول عبد الرحمن الضبع ففي سجن مصر وجد الإخوان أحد الضباط ، وكانت قصته أنه كان في لبنان وانتقد حكم عبد الناصر .. واستدرج هذا الضابط إلى السفارة المصرية .. وتم تخديره .. ووضعه في صندوق .. واستيقظ فوجد نفسه في السجن الحربي .. وفي جريدة الوفد العدد 172 لسنة 4 بتاريخ 18 /6/ 1987 جاء عنوان ( سلامة ) رائد المخابرات المتخصص في خطف خصوم عبد الناصر من أوربا ، وشحنهم أحياء داخل الحقائب الدبلوماسية إلى القاهرة .. وذكر سلامة عدة أسماء آخرهم زغلول عبد الرحمن الضبع الذي اختطفه ليلاً من أحد شوارع روما .. فقد ظل يراقبه .. حتى ضربه بعصا غليظة على رأسه أفقدته الوعي .. ثم حمله إلى سيارة وقام بتخديره وأنزله في مكتب الملحق العسكري بسفارة مصر بروما .. وشحنه في صندوق دبلوماسي .. وفي سجن المخابرات قام عبد الناصر بفتح الصندوق .. وفوجئ الضحية بـ حذاء عبد الناصر فوق رأسه فأغمى عليه .. ثم انتبه فوجد أنه ليس في روما وإنما في السجن وجهًا لوجه مع عبد الناصر وكان ( سلامة ) يروي القصة كأنه قام بعمل بطولي !![ ق 4/124 وج 3/39 والبوابة 248 ] لقد كان كل ذلك بسبب أنه انتقد حكم عبد الناصر !!

وسيأتي هذا في الذين تعرضوا للتعذيب ..

وقد يكون خطف وإخفاء قسري .. ثم يبحث الأهل عن الضحية فلا يجدوه .. وقد يجدوه مقتولاً .. أو غير ذلك .

17 ـ الاغتصاب والاعتداء الجنسي : كما سيأتي تحت عنوان : الذين تعرضوا للتعذيب [ زينب الغزالي 382/183 ] .

18 ـ وسائل أخري : لم أذكرها الآن وستأتي في سياق الكتاب .

الباب الثالث

أهداف التعذيب

تمهيد : تكلمنا عن وسائل التعذيب الرهيبة القاتلة .. ومن أهدافها ذوبان الحركات المناهضة للاستعمار وإبعادها عن التأثير في الشعب وتحجيمها .. ولما كانت حركة الإخوان من أقوي هذه الحركات وأصلبها في تمسكها بالإسلام وإعادة الخلافة .. فقد استخدموا ضدها أشد ألوان التعذيب .. والمؤامرات ، للقضاء عليها .. وقد كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي منذ معاهدة سايكس بيكو ، وكانت الحكومات المصرية تسعي لرضاء المستعمر وساروا علي منواله .

جاء في كتاب ( سراديب الشيطان ) لأحمد رائف ص 289 وما بعدها تحت عنوان : عبد الناصر يفكر في القضاء على الإخوان منذ قبل الثورة وجاء ذلك على لسان أحد ضباط الثورة الذين تابوا وندموا على ما فعلوا .. وقد سأله رائف ، ومتى بدأ الصدام بينكم وبين الإخوان ؟ .

قال : إن الصدام بين عبد الناصر والإخوان كان منذ صباح 23/7/1952 أي بعد ساعات من قيام الثورة .. وتأكد ذلك بعد طرد الملك في 26/7/1952 .. فقد قال هذا الضابط لـ عبد الناصر : قد تخلصنا من القوي المناوئة لنا .. فقال عبد الناصر : لقد تخلصنا من أضعف أعدائنا وهو الملك وخلف الملك طابور يجب التخلص منه .. ثم قال عبد الناصر : أمامنا .. الإخوان المسلمين .. علينا القضاء علي كل القوي الموجودة بمصر حتي نستطيع تحقيق أهدافنا .. وأهم هذه القوي هي الإخوان .. لأن لديهم برنامج واضح المعالم مستمد من الإسلام وعندهم قواعد شعبية .. وفي البلاد العربية .. ومشروع متكامل .. وعلينا بالصبر والانتظار ..

وفي ص 291 من ( سراديب ) وتحت عنوان : الجيش هو العدو الذي تبقّى .. لقد اكتشف عبد الناصر بعد قضائه علي الإخوان أن عدوًا أخطر من الملك والإخوان .. هو الجيش .. وفشلت كل محاولاته للتخلص من عبد الحكيم عامر وصار يتحين الفرص ويرسم الخطط حتي كانت مأساة يونيو 1967 .

وفي ص 292 عنوان : عبد الناصر يفكر في قتل محمد نجيب ..

وفي ص 302 عنوان : الشعب المصري نمرود ويجب إذلاله .

وفي ص 304 عنوان : المخابرات نشات علي تلفيق القضايا .. فقد نشأ هذا الجهاز هزيلاً كان يقوم عليه أحمد أنور مدير البوليس الحربي ، وحسين عرفة أول رئيس للمباحث الجنائية ... وكان مجال عملهم هو الجيش والبحث بين ضباطه وجنوده عن أعداء الزعيم للتنكيل بهم ، ثم اتسع نشاطهم فشمل الشعب كله ... وأساس القضايا السياسية هو التلفيق في المقام الأول .. وأشهر هذه القضايا ، البكباشي حسين الدمنهوري .. وقد عذبه صلاح سالم وزكريا محيي الدين .. وحوكم أمام المجلس الذي يرأسه عبد الناصر ، وحكم عليه بالإعدام .. وثار الجيش وسلاح الفرسان .. وخفف الحكم إلي المؤبد .. [ انتهى بتصرف واختصار ] .. وقد جاء تعذيب الدمنهوري في كتاب أحمد أبو الفتح وفي مذكرات محمد نجيب .. كما سيأتي في هذا الباب .

وسنتكلم في هذا الباب عن التعذيب والتلفيق .

تلفيق اتهامات للقضاء علي الإخوان : ومن الأعمال التي اتخذت للقضاء على الإخوان : تلفيق الاتهامات ، وهي كثيرة نذكر منها :

1 ـ اتهام الإنجليز للإخوان بقلب نظام الحكم سنة 1942 ، فقد اقتنع المستعمر بأن العنف والبوليس لن يقف أمام المد الإخواني ، بل سيتعاطف معهم الشعب ، فلا بد من تهمة وتدبير محاكمة بحيث يكون حكم القضاء بإدانة الإخوان مضمونًا ، فينزع الثقة من نفوس الشعب ، وتكتسب الحكومة تأييد الشعب .. واستغل الإنجليز عملاءهم لتلفيق قضية لاثنين من الإخوان بتهمة تكوين جيش لمعاونة ( رومل ) القائد الألماني الشهير .. والبلاد في حالة حرب .. وطالبت النيابة الحكم بالإعدام ، وقيدت القضية جناية عسكرية برقم 882 لسنة 1942 قسم الجمرك .. المحقق خادم للإنجليز .. وشهود زور . والحكام موالين .. والحكم سوف يلوث سمعة الإخوان بالخيانة العظمي وتضافرت الجهود في الداخل والخارج للقضاء علي الإخوان ..

لكن للحق فقد كان للقضاء قدسية .. القاضي يري أنه السلطة العليا .. وبعد سماع المحكمة للمرافعات .. ودراسة القضية .. حكمت ببراءة المتهمين .. وكان الهتاف ( يحيا العدل ) وكان أحد المتهمين موظفًا من طنطا والآخر مهندسًا .. وأتم دراسته حتي حصل علي الدكتوراة ثم أستاذًا ثم عميدًا بكلية هندسة أسيوط .. [ مختصر من أحداث جـ 1/264 ـ 299 ] .

2 ـ استغلال حرب فلسطين للقضاء علي الإخوان : وقد عمل الاحتلال الإنجليزى علي توطين اليهود في فلسطين وأمدوهم بالمال والسلاح .. فقتلوا وشردوا وأقاموا المذابح في أهل فلسطين .. وأدرك الإخوان ذلك .. فتطوعوا للحرب في سبيل الله ورفع الظلم عن إخوانهم .. ومن هنا .. استعدي اليهود حلفاءهم في الغرب ونبهتهم علي خطر الإخوان .. ومن ثم كانت المؤامرات العالمية ..

وكان حلفاء اليهود يتوقعون القضاء علي الإخوان في هذه الحرب .. وطلب الإخوان من النقراشي باشا الخروج إلي فلسطين للدفاع عن أهلها .. ورفضت الحكومة .. ثم لما طلب اللواء المواوي قائد جيش فلسطين مددًا من المجاهدين الإخوان .. رفضه كذلك .. [ مختصر من أحداث 1 / 488 وما بعدها ] .

3 ـ تعذيب محمد شمس الدين الشناوي المحامي لإرغامه علي اتهام الشيخ محمد الأودن بما لم يحدث للتخلص من الشيخ ، وكان التحقيق خلال 1965 ـ 1966 وقد تعرض للتعذيب بالفلكة مرفوع اليدين والرجلين ورأسه متدلي وكان التعذيب بمعرفة شمس بدران وحمزة البسيوني وغيرهما .. وقال له شمس أنت في السجن الحربي ، لا قانون ، ولا رقيب ونفعل ما نشاء فقل كل ما تعرفه ! .. وقد استمر الجلد وسال الدم وتهتك اللحم وتناثر .. وكان صفوت يأخذ من اللحم ويضعه في فمي رغمًا عني ويقول ذق لحمك النجس ! .. وغبت عن الوعي ..

وكان كاتبا التحقيق جلال الديب ومصطفي الجنزوري نائبا الأحكام .. في نفس الغرفة .. وكان بدران يكره الشيخ الأودن الذي بلغ الثمانين من عمره في ذلك الوقت ..

يقول الشناوي : وبعد فترة طلبوني وقد تورمت قدماي .. وعليها الضمادات وأثر الدم والصديد .. وخرجت حافي القدمين .. وقد نقص وزني حوالي 30 كيلو .. وأمرني بالجري وأنا لا أستطيع المشي .. ثم ادخلوني علي مكتب وكيل النيابة وجيه قناوي .. الذي حقق معي ولم ير أن هناك جريمة وكتب مذكرة بحفظ التحقيق .. وبعد 15 يومًا حضر ضابط يطلبني لاجراء الإفراج عني ..

ولما ذهبت إلى المكاتب وجدت عددًا من المعتقلين منهم أولاد الشيخ الأودن الأربعة .. لإجراء الإفراج عنهم ، وبعد استلام الأمانات وكتابة إقرارات بأننا لم نعذب ، وليست بنا آثار تعذيب ..

وأثناء إتمام الإجراءات حضر شمس بدران .. وقال لي : رايح فين يا ولد فقلت بيقولوا مروحين .. فقال للعسكري : هاته .. إذا كنت تريد الإفراج مثلهم فعليك أن تقول ما أطلبه منك عن الشيخ الأودن ثم تخرج .. فقلت : لم يحصل ولن أقوله .. ثم استدعي الأخ محمد عبد الفتاح الشريف .. وطلب منه أن يذكر شئ عني وعن الشيخ الأودن .. ولما قال له إن ذلك لم يحصل .. قال أنا لم أسألك حصل أم لا إنما اطلب منك أن تقول ذلك وإلا عدنا إلي التعذيب ..

وقال لي : لا بد أن تقول هذه الأقوال عن الأودن حتي تخرج .. ولما رفضت اتصل تليفونيًا بجمال عبد الناصر واستأذنه في عدم الإفراج عني ووعده أنه سيحصل مني في تلك الليلة علي اعترافات تدين الأودن ففوضه في ذلك وأمر أن أجلس وجهي للحائط حتي يعود في المساء ..

ولما عاد أمر صفوت بإحضار الفلكة ، وعلقوني وكان في الحجرة جلال الديب ومصطفي الجنزوري نائبا الأحكام .. وأتي بالكلاب الشرسة المدربة .. والكلاب تنهش .. وكان شمس بدران يرغب في أن يسمع عبد الناصر عن الشيخ الأودن .. وقرب المايك من فمى للتسجيل .. ولم يسمع إلا أزيز السياط واللعنات التي أصبها عليهم .. وغضب بدران .. وكان يقول : أقول للراجل إيه وأودي وشي فين وزاد في الضرب .. حتي أغمي علىّ .. وكانوا يفوقونني بالكي بالنار وإطفاء السجاير .. وإلقائي في حوض الماء القذر .. فإذا أفقت بدأت المساومات والوعود .. وكنت أتحمل التعذيب حتى لا أفتري علي الشيخ .. ويردد ( كسفتني .. أقول للراجل إيه ) ثم قال للديب والجنزوري كملوا معاه يا يقول يا نخلص منه .. وكنت أذكر إذا قلت شهادة زور يقتل بها برئ .. ثم كانت المساومة من الديب والجنزوري .. ثم أعيد التعذيب حتي فقدت الوعي .. ولما علم دكتور السجن الضابط ماجد حمادة .. قال لهم أنتم تضربون جسدًا ميتًا والضرب في الميت حرام .. وأسعفني الطبيب من الموت ونقلت إلي مستشفي السجن ..

وفي الصباح جاء الجنزوري بالمستشفي .. وقال : إن الدولة من مصلحتها أن تتخلص من هذا الرجل المجرم ( الأودن ) وإذا ساعدتنا فإن الدولة .. ستكافئني أي ستكافئ الشناوي ، وهي لا تنسي من يخدمها .. فلوح لي بتهديد من نوع آخر جديد .. وقال : إذا لم يهم الضرب ، فهناك طرق أخرى ، وفهمت المقصود ! .. أنهم سيحضرون زوجتي .. وفي اليوم التالي أحضر سيدة وأخذ يكلمها أمام الزنزانة بصوت خافت .. حتى لا أميز الصوت .. وأمر الجندي باصطحابها إلى سجن 4 وساورني القلق : لكني أصررت واستعنت بالله .. ثم سألت أحد جنود العيادة فوصفها لي فعلمت أنها لم تكن زوجتي .. انتهي .. [ مختصرًا من أحداث جـ 3 : 636 / 643 ] .

4 ـ تعذيب المستشار مصطفي كامل وصفي للاعتراف علي عبد القادر عيد بأنه يعمل مؤامرة لقلب نظام الحكم .. فقد روي في المحكمة التي حكمت لصالح مصطفي أمين كشاهد علي تعذيبه بمعرفة صلاح نصر .. وتعرض للتعذيب وقالوا له عامل بطل إسلامي وتقول إن الاشتراكية ضد الإسلام وأعطوني حقن أفقدتني بعدها الشعور .. وكانوا يسألون عن عبد العزيز كامل وعايزين أشهد علي عبد القادر عيد أنه يعمل مؤامرة لقلب نظام الحكم [ مختصر من : أخبار اليوم 3 / 7 / 1976 بقلم إبراهيم سعدة ] ، [ ج 2 / 93 وما بعدها ] .

5 ـ تعذيب الحاجة زينب الغزالي للاعتراف باغتيالات واستيلاء علي الحكم .. فقد جاء مندوب رئيس الجمهورية إليها وقال لها : نحن عرفنا أن الجماعة هنا أتعبوك ، وأنا من مكتب رئيس الجمهورية .. البلد كلها تحبك ونحن أيضًا نحبك .. لو تفاهمتي معنا سنخرجك اليوم .. كلهم اعترفوا .. يحاولون تخليص أنفسهم وتحميلك أنت المسئولية .. كانوا يريدون الاستيلاء علي الحكم .. وأنت رسمت الخطة للاستيلاء علي الحكم وقتل عبد الناصر وأربعة وزراء ! نحن نريد توضيح موقفك ودور سيد قطب والهضيبي في الموضوع ! .. قلت : الإخوان لم يدبروا خطة .. ثم هددوني بقتلي إذا لم أقل له ما يريد .. ثم كان الضرب والتعذيب .. [ أيام من حياتي : 61 / 62 مختصرًا ] .

وجاء في صفحة 100 / 101 أن حمزة البسيوني قال لزينب الغزالي  : إنا عرفنا منهم إن الهضيبي أمرك أن تقولي لعبد الفتاح إسماعيل بأن دم عبد الناصر مباح لأنه كافر .. وكل واحد اتكلم ، وانقذي نفسك ، ثم قال : ستعرفين كيف انتزع منك كل ما نريده .. وأمر صفوت وقال : نفذ الأوامر .. وتولي صفوت افهام الجنديين مهمتهما البشعة بأسلوب داعر صارخ الفجور .. بلا حياء .. فقال لأحدهما .. نفذ التعليمات يا ابن الكلب بعد إغلاق الزنزانة .. وبعد أن يتم التنفيذ ادع زميلك ليقوم بدوره .. مفهوم ؟

وجلس الرجل يتوسل إلي أن أقول ما يريدون ؛ لأنه لا يريد أن يؤذيني .. فهددته سأقتلك .. ولم أدر إلا ويداي حول رقبته ، وأنا أصرخ : بسم الله .. الله أكبر .. وغرزت أسناني في عنقه .. فإذا به ينفلت بين يدي .. ويسقط تحت قدمي .. سقط الوحش ، جثة هامدة هذا رغم الإعياء والجراح .. في جسمها .. لقد بث الله فيها قدرته ..

وكان يقول شمس بدران لها : افهمي أنه لا يقف أمامنا أي شي .. إننا ندفن منكم كل يوم عشرين كلبًا ، وصحراء السجن بطنها مستعدة لبلع مئات الألوف .. وقسمًا برأس عبد الناصر تسلكي ما نريد وإلا لأدفنك مثل الكلاب التي أدفنها كل يوم !! [ السابق : 129 ـ 130 ] .

وكان يقول أيضًا أنت صعبانة علينا ، والرئيس عبد الناصر قلبه كبير وسيغفر لك ، إذا قلت الحقيقة .. يريد أن تعترف أيضًا علي فؤاد سراج الدين باشا رئيس الوزراء وعلي الشيخ محمد الأودن !!

6 ـ تعذيب مصطفي أمين للاعتراف بما يملي عليه : فقد قالوا له أثناء التعذيب : اسمع ! بشرفي ، إن لم تكتب الاعتراف فسنأتي بخطيبتك إلي هنا وسأجعلها تخلع ملابسها مثلك وسأعطيها للحرس يضاجعونها أمام عينيك .. وانهرت أمام هذا التهديد ، وقلت إني مستعد أن أكتب ما يملوه عليّ ، وكانت حصة إملاء .. هم يملون وأنا أكتب أشياء لم تحدث ، بغير اعتراض ، أحداث لم تقع ، أكاذيب واضحة .. وبعد أن كتبت ما أملوه علىّ ، صدر الأمر بعدم الضرب .. ثم دخل ولد صغير في سن 15 سنة ومعه الشاويش وقال له : سخنه .. وأشار إلي الكلاب ، فهجموا علىّ .. وكنت أبكي وأصرخ والولد الصغير يضحك ويقهقه .. وعرفنا سر الولد الصغير ، هو ابن أخت اللواء حمزة البسيوني ملك التعذيب .. [ مختصر من سنة أولي سجن ص 23 / 24 ] .

وقد اعترف صلاح نصر بأن مصطفي أمين برئ وأدين ظلمًا وزورًا .. وذلك من تهمة التخابر أمام محكمة الدجوي .. وأنه صارح جمال عبد الناصر بأن مصطفي أمين برئ .. وأنه صدرت الأوامر إليه بتلفيق القضية ضده ، وأنه لم يستطع مخالفة الأمر .. وانتزع منه اعترافات كاذبة بعد تعذيبه عذابًا يفوق عذاب جهنم ، هكذا قال .. وقد صدر الحكم علي صلاح نصر في هذه القضية بالسجن لمد عشر سنوات أشغال شاقة .. [ أخبار اليوم في 3 / 7 / 1976 بقلم إبراهيم سعدة ج 2 / 93 ] .

وقال أ. شوكت التوني المحامي في مرافعته أمام محكمة الجنايات بجلسة 28 / 4 / 1976 ، إن رجال المخابرات عذبوا مصطفي أمين حتي لا يقول إن اتصاله بالأمريكان كان بأمر جمال عبد الناصر .. [ الأخبار العدد 7446 لسنة 24 يوم 29 / 4 / 1976 ج 2 / 91 ـ 92 ] .

وكانت القضية الملفقة لـ مصطفي أمين برقم 10 / 1965 والتي حكم فيها الدجوي بتاريخ 10 / 2 / 1966 علي مصطفي أمين بالأشغال الشاقة المؤبدة لاتهامه : بالتخابر مع دولة أجنبية وتحويل نقد أجنبي للخارج ، والتعامل مع أجنبي بالنقد الأجنبي ..

ثم رفع مصطفي أمين تظلمًا للسادات حقق فيه المدعي الاشتراكي وسأل الشهود منهم المحجوب رئيس وزراء السودان السابق .. وأصدر السادات قرارًا بالعفو عن مصطفي أمين .. وصدرالحكم علي صلاح نصر بالأشغال الشاقة عشر سنوات عن التهمة المسندة إليه وإلزامه بأن يدفع لمصطفي أمين 51 جنيهًا علي سبيل التعويض المؤقت + أتعاب المحاماة ..

وقالت المحكمة : ... ومن ثم فإن المتهم الأول ـ صلاح نصر ـ يكون في الفترة من 23 / 7 / 1965 إلي 4 / 8 / 1965 بدائرة حدائق القبة محافظة القاهرة بصفته رئيسًا لجهاز المخابرات العامة أمر بتعذيب مصطفي أمين يوسف المتهم في القضية 10 / 1965 جنايات أمن الدولة العليا لحمله علي الاعتراف بالجريمة المسندة إليه .

وقد أمكن جمع نماذج مختلفة من أنواع التعذيب في القضية رقم 3842 / 180 كلي سنة 1975 حدائق القبة المرفوعة من مصطفي أمين والتي حكم فيها علي صلاح نصر كما جاء في جريدة الأخبار [ العدد 7469 سنة 25 يوم 27 / 6 / 1976 ج 2 / 379 ، 381 ، وراجع سنوات الهوان ... إبراهيم سعدة ص 118 ] .

7 ـ تلفيق للصاغ حسين حمودة : وذلك للاعتراف علي أن يشهد زورًا ضد اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية : ففي يوم 22 / 11 / 1954 يقول حمودة : استدعيت لمكتب حمزة البسيوني فوجدت علي شفيق صفوت الذي قال لي : المطلوب منك أن تشهد ضد اللواء محمد نجيب وتذكر أنه كان يتعاون مع حسن الهضيبي ضد جمال عبد الناصر ومجلس الثورة .. فقلت أنا لا أعرف محمد نجيب ولم أقابله في حياتي مطلقًا ولا أعرف حسن الهضيبي .. فيرد علي شفيق : أنا كل يوم باتشتم من تحت رأسك . فقلت مين اللي بيشتمك قال : عبد الناصر وعبد الحكيم .. بيقولوا أنت خايب مش عارف تمضيه علي ورقة يقول فيها إن نجيب هو اللي بيحرض الإخوان ضد مجلس قيادة الثورة .. ثم أتعرض للضرب .. وأصبح لون جسدي لون الكبدة .. طلبوني فوجدت علي صبري في مكتب حمزة البسيوني .. وقال لي علي صبري : عبد الناصر عارف إن موقفك سليم ومفيش حاجة عليك بس عايزك تروح المحكمة تشهد إن محمد نجيب هو المحرض للإخوان ضد عبد الناصر ومجلس الثورة !! وأدخلت حجرة وجدت زكريا محيي الدين وزير الداخلية ، فقلت له في السجن ضرب وإهانة وفيه ناس ماتت من التعذيب .. فقال : وماله يا سيدي لما تتضرب ... [ أسرار : 110 ] .

8 ـ تلفيق لـ عبد المنعم عبد الرؤوف : وفي ص 212 ـ 213 يقول حمودة : رأت الثورة اعتقال الضباط المنتمين للإخوان ، فاعتقل عبد المنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبد الحي ومعروف الحضري وكاتب هذه السطور ، وأراد عبد الناصر أن يقدم عبد المنعم عبد الرؤوف لمحاكمة عسكرية عليا .. بتهمة محاولة تدبير انقلاب فكلف شمس بدران بتدبير شهود زور لهذه المحاكمة .. وكان شمس يوزباشي ، معدوم الضمير ، وكان عبد الناصر يعلم ذلك تمامًا .. فحاول شمس مع جمال ربيع ليشهد زورًا ضد عبد المنعم أمام المجلس العسكري إنه سمع عبد المنعم ينتقد مجلس قيادة الثورة .. ورفض ربيع .. وأخذ يفضح شمس بين ضباط الجيش .. فانتقموا منه فالقوه في السجن وحكمت محكمة الشعب عليه بـ 15 سنة أشغال شاقة ! انتهي ..

9 ـ تلفيق لسيد قطب : وفي ص 217 يقول حمودة : حاول جمال ربيع إقناع الإخوان بالهروب من سجن الواحات الخارجة ، ولكن تم الرجوع عن هذه الفكرة .. وتم دس كلام في التحقيق علي سيد قطب .. ورأي حمودة أن يستكمل هذا الموضوع فسأل جمال ربيع وأطلعه علي الموضوع .. فقال ربيع : سامحهم الله .. ولكني ابتداء أبرئ أستاذي سيد قطب من أن يكون ورد علي لسانه .. أي شيء من هذا الخيال .. في موضوع الخروج من السجن .. وهو أمر مضحك !! انتهي مختصرًا .

10 ـ تلفيق اتهامات للعقيد المتقاعد نصر الدين محمد الإمام : فقد جاء في ( الموتي يتكلمون ) في ص 65 أن تعذيب العقيد نصر كان لتلفيق اتهامات له ولتسعة من زملائه أنهم كانوا يدبرون انقلابًا لنظام الحكم .. في مؤامرة مدرسة المشاة .. فقد كان المتهمون معروفون بشدة تمسكهم بالدين .. وكان ذلك يثير الخبراء السوفييت .. الذين انتشروا في الجيش بحجة تدريب قواتنا علي السلاح السوفييتي واستطاعو أن يحركوا أعوانهم في مكتب المشير عامر وسكرتارية عبد الناصر .. وكان المتهمون يناقشون حرب اليمن هل من يموت يعتبر شهيدًا .. لأنها حرب يقاتل فيها المسلم أخاه المسلم ! ففوجئوا بالقبض عليهم بتهمة تدبير انقلاب عسكري .. يقول نصر الإمام : ودخلت السجن الحربي .. وجدت مايسترواالتعذيب صفوت الذي رقي إلي مساعد .. ثم رقي إلي رتبة الملازم لمهارته في التعذيب .. وأغمي عليه وأسعفوه .. ودخل عليه ( الديزل ) العسكري في الزنزانة يضربه .. فارتميت علي الأرض .. وانهالوا عليه ضربًا بعد تجريده من ملابسه عريانًا .. وقال شمس : زملاؤك اعترفوا وما تحاولش تنكر .. ثم كان التعذيب ... ثم قالوا لي : تعرف عفت ؟

وقلت : هذا اسم زوجتي فقالوا : إنهم أحضروها وسيهتكون عرضها إن لم ترح شمس بك وتوافقه وتحكي له كل شيء .

ولم أصدق إن النذالة تبلغ بهم تلك الدرجة .. وكلمت شمس .. ولم يعجبه كلامي فانهالوا عليّ بالكرابيج .. وأفقت فوجدت الكلب عنتر يلعق جراحي بلسانه ..

ثم أخرجوني .. ووجدت خلفي العسكري سعد درويش .. وكان سعد يقوم بنفس دور العسكري الأسود الذي استخدمه إبراهيم عبد الهادي ـ وزير مصر قبل الثورة ـ ووقف صفوت أمامي .. وسأل سعد : هل اعتديت عليه يا سعد !؟ .

فأجاب سعد : لسه يا أفندم .. وسألني شمس : إيه الاتفاق الذي تم بينك وبين محمد نجيب .. وأجبته صادقًا .. محمد نجيب لم أره منذ عام 1959 .. ورد شمس : أنت كذاب ! أنتم كنتم حتجيبوه رئيس جمهورية لما تنجح حركتم مع الإخوان وأجبته صادقًا : أنا ماليش دعوة بالإخوان أو بمحمد نجيب .. وفي ثوان كنت معلقًا كالذبيحة .. ثم تعرضت للتعذيب حتي فقدت الوعي ..

وبعد أيام .. شعر الحرس بأني أتحرك .. وجاء صفوت وقال : أنت صدر الحكم عليك بالإعدام رميًا بالرصاص .. ولكن شمس بك قرر أن أدفنك حيًا .. وألقوني في حفرة وأهالوا علي الرمال حتي غطتني تمامًا .. ورددت الشهادتين .

وجاء حمزة .. إزاي تبعثوه إلي ربنا وفي جسمة حتة سليمة ؟ ثم خلعوا ملابسي تمامًا .. ونظر حمزة إلي عضوي التناسلي وأشار ضاحكًا : ده لسه سليم ليه .. احرقوه .. وعلي الفور أحضروا سيجارة مشتعلة وبدأوا يحرقون العضو التناسلي .. وأغمي علىّ ..

ثم اسعفوني .. وجاءني جلال الديب نائب الأحكام .. ونصحني أن أكتب كل شيء .. وطلبت منه أن يكتب أي شيء وأنا مستعد للتوقيع !!

ثم يقول نصر : إنهم كانوا يتفننون في ألوان التعذيب .. لا يتركون وسيلة من وسائل التعذيب إلا واستخدموها ..

ثم أتبعوا هذه الوسائل مع العقيد بهي الدين مرتضي رئيس مجلس مدينة رأس سدر حاليًا .. ودخل علي شمس فاحتضنه شمس معلنًا أسفه .. وضحكا معًا .. ثم قلب شمس المنضدة .. وقال : اضربوه حتي يموت .. وحدث معه ما حدث معي .. وهذا ما حدث للإخوان .. وكانت التقارير ترسل إلي الرئيس عبد الناصر باعترافاتهم قبل أن يدلوا بها .. انتهي .. [ ص 65 ـ 72 بتصرف ] .

11 ـ تلفيق للكاتب الصحفي أنيس منصور : وكتب إبراهيم سعدة في سنوات الهوان ص 127 أن أنيس منصور تعرض للتعذيب علي أيدي زبانية مراكز القوي بسبب جريمة لم يرتكبها ..

12 ـ تلفيق للدكتور عبد المنعم الشرقاوي : وقبل أن يحكي أ . جلال الدين الحمامصي هذا الموضوع فقد طرح أسئلة نختار منها :

هل يجوز أن يسمح لأفراد قلائل يديرون جهازًا للمخابرات ؛ بأن يتولوا إرغام الفرد بكل وسيلة من وسائل الإرهاب والتعذيب علي تسجيل اعترافات لا تمت إلي الواقع بصلة ، وإنما هي تنفيذ لخطة إجرامية ؟

وهل يجوز أن يتجمع زبانية في زي رسمي للاعتداء علي عرض سيدة تأبي أن تعترف بشيء ضد آخرين ؟

ثم بدأ يتكلم عن قصة عبد المنعم الشرقاوي أستاذ بكلية حقوق القاهرة .. رجل قانون ورجل علم ، من أسرة اختلفت مع النظام ففصل من الجامعة .. ثم هاجر إلي الكويت ، وكانت مرارة الغربة .. وأرادت قوي الشر أن تدخله في مؤامرة .. أو يشهد علي آخرين وقبض عليه وهو في زيارة لأسرته بالقاهرة .. وبدأت عملية الإغراء للاعتراف علي الآخرين .. لم يعلم عن المؤامرة شيئًا .. فكان التعذيب .. واحتمل الرجل فوق ما يحتمل ؛ لأنه لا يريد أن يشهد ظلمًا ضد آخرين .. وبدأ التعذيب ، إلي أن هددوه بالاعتداء علي أقرب الناس إليه .. وكادت الجريمة ترتكب أمام عينيه .. ولم يحتمل ، فصرخ صرخه يعلن فيها أنه علي استعداد أن يوقع علي بياض .. وانتصر الزبانية كما لو كانوا انتصروا علي العدو في سيناء .. وهذه القصة نشرها الأهرام وفاحت في مصر بل والخارج !! وحاول هيكل أن يدفع التهمة .. لتظل صورتهم في التاريخ بريئة .. [ حوار وراء الأسوار : ص 120 ] .

13 ـ تلفيق لفؤاد سراج الدين باشا : يحكي أحمد أبو الفتح في كتابه ص 392 أنه قد زاره عبد الناصر يومًا وتطرق الحديث عن حكم محكمة الثورة ضد فؤاد سراج الدين .. وراح إخوة فؤاد باشا يستعطفون أعضاء مجلس القيادة .. وذهب أخوه إلي عبد الناصر يستعطفه .. فقال عبد الناصر : لا تتعب نفسك الحكم سينفذ .. وكان مفهومًا أن المحاكمة لا تستند إلي أي أساس وأن التهم قد ثبتت بشهادة من خصوم سراج الدين .. وأنها جميعًا باطلة ، بل أكثر من باطلة فإن عبد اللطيف بغدادي نفسه رئيس المحكمة قال أثنا المحاكمة لسراج الدين : ( إننا لا نشك في نزاهتك ) .. ولم يشفق عبد الناصر لحال إخوة سراج الدين وقال : ( لو أفسحنا المجال للتأثير والشفقة ، فإننا لن نسير أبدًا ) .. وكان يقول : إننا دولة يزداد سكانها بسرعة مخيفة ، فماذا لو أنقصنا تعدادها 100 ألف من الملايين الـ 24 .. انتهي مختصرًا ..

14 ـ تلفيق للدمنهوري : روي أحمد أبو الفتح في ص 188 وما بعدها من كتابه : أنه ضغط علي عبد الناصر لأسباب : منها أنه يعلم أن البكباشي حسني الدمنهوري ليس من الضباط الذين يقومون بانقلاب ومؤامرة لقلب نظام الحكم ، وأنهم عندما قبضوا عليه قبضوا علي شقيقه وهو ضابط الجيش أيضًا .. وأن ما صدر عن حسني لم يزد عن حديث مع زملائه انتقد فيه ترك بعض الضباط الجيش للعمل في وظائف مدنية ..

ولكن التحقيق استمر وقدم المتهمون لمحاكمات سرية .. وكانت الأحكام مفجعة ، كان الإعدام رميًا بالرصاص فجر اليوم .. لكن الحكم لم ينفذ وإن استمر في السجن .. وكان تشكيل المحكمة في الثانية من صباح 22 / 1 / 1953 وكانت التهمة الموجهة لـ الدمنهوري .. هي سعيه باغراء عسكري بخروجه عن الطاعة وأنه بتاريخ 14/1/1953 سعى مع آخرين على إحداث فتنة بين القوات العسكرية .. وصدر بيان بذلك .. وواضح منه أنها لم تكن محاكمة بل كانت مجرد اجتماع لإصدار الأحكام .. وواضح أن المتهمين لم يدافع عنهم أحد .. المحاكمة يوم 19 يناير والحكم نفسه اليوم .. والتصديق عليه في نفس اليوم ..

وفي الحيثيات أن القرار والحكم تقررا بناءًا علي شهادات أدلي بها ضباط .. وهو كلام غير محدد ، ولا يمكن لمحكمة أن تصدر حكمًا بالإعدام يستند إلي مثل هذه الشهادات .. انتهي .

وجاء في مذكرات نجيب ص 186 ، تعرض البكباشي الدمنهوري لتعذيب شرس وإهانة قاسية من صلاح سالم .. حتي يدفعوه لمؤامرة لم يرتكبها ، ولم يفكر فيها .. وتحمل هذا العذاب البدني والنفسي ورفض الاعتراف ! واعتقل ضباط المدفعية وصدر حل الأحزاب .. وعادت الرقابة علي الصحف .. وسيأتي في موضوع الدمنهوري في فصل الذين تعرضوا للتعذيب والذين تخلص منهم عبد الناصر ..

15ـ تعذيب عادل سليمان : فقد جاء في سنة ثانية سجن للكاتب المعروف مصطفي أمين : في ص 331 عن تعذيب المحرر عادل سليمان .. فقال : ربطوه من جهازه التناسلي بخيط نايلون وشدوه .. ووضعوا علي رأسه آنية من معدن وسلطوا عليها الكهرباء .. فكان يصرخ كالمجنون .. أطفأوا عليه السجاير .. اطلقوا عليه الكلاب .. علقوه من ذراعيه وكووا جسمه .. وضع الحارس حذاءه في فمه .. أغمي عليه غمسوا رأسه في قصرية تواليت أفرنجي ..

16 ـ تعذيب الرائد بدر عباس : وجاء في الأخبار العدد 7485 السنة 24 يوم 24 / 6 / 1976  : استمعت المحكمة العسكرية العليا صباح أمس إلي الرائد بدر عباس قال : قبضوا عليّ وأنا ملازم سن 22 سنة ، ضربوني وأهانوني .. دخلت علي اللواء محمد صادق ، قلت أنا هنا ليه ؟ .. قال : الواد ده عايز يتوضب .. فأخذوني وسحلوني ، ووضعوني في الفلكة ، ضربوني وتعبوا من الضرب .. دخل صفوت الروبي وقال : مش بتضربوه ليه ، ده مصروف له 200 كرباج حسب الأوامر العليا .. كنت أصلي فهجم علي الروبي ، أخرجوني من الصلاة .. ضربوني بالكرباج .. وقال الرائد بدر عباس : قابلت حسين الشافعي رئيس المحكمة ، ولما عاتبه قال : ( والله يا بني ، مش أنا اللي حاطط الجزاء بتاعك ولا باقي الأحكام .. والله الاحكام دي جت من أعلا مستوي ) يعني مفروضة عليه ، وما هو إلا منفذ ، وقال الشاهد : اسألوه .. واستدعوه فهو ما زال حيًا يرزق .. [ ج جـ 3 / 56 ] .

17ـ تعذيب الشيخ الأودن : فقد وضعوه في زنزانة .. ومعه خمسة كلاب متوحشة ، والشيخ الأودن من العلماء المجاهدين في الأربعينات والخمسينيات ، وكان تعدي الثمانين ، وكان بيته مقصدًا لكبار الضباط الوطنيين مثل الشهيد أحمد عبد العزيز قائد المتطوعين في حرب فلسطين في سنة 1948 ، و معروف الحضري الذي أنقذ قوات الفالوجا من الحصار اليهودي ورشاد مهنا الوصي علي العرش .. وكان عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وغيرهم يزورونه في بيته .. وكانوا يعرضون عليه المشكلات .. وكانت الكلاب تتآلف مع الشيخ !!.. [ ق جـ 4 / 76 ] .

18 ـ تعذيب وقتل الضابط محمد وصفي : يقول نجيب في ( مذكراته ) عن صلاح سالم .. أنه وصل الأمر إلي حد أن ضرب صلاح سالم بحذائه ضابط مخابرات مطروح اسمه محمد وصفي ابن الاميرالاي وصفي مدير سلاح الحدود الأسبق ، أثناء التحقيق معه حتى نزف الدم منه ، ومات بعد ذلك .. [ مذكرات نجيب : ص 215 ] ..

ونكتفي بهذه الأمثلة ..

تعقيب وتعليق على التلفيق :

1 ـ لا يمكن حصر الذين اعترفوا تحت التعذيب للتخلص منه فذكروا جرائم لم تكن في نياتهم ولم يفكروا فيها .. لأن الذين تعرضوا لذلك التعذيب ما يقرب من 60 ألفًا ولنفرض أن الذين اعترفوا عن جرائم لم يرتكبوها كانوا ربع هذا العدد يعني 15 ألفًا تقريبًا .. وإنما الذي ذكرناه مجرد أمثلة لأنهم كتبوا أو رووا عما حدث لهم أما الباقي فلم يتكلم إلا لذويه وقد لا يتكلم .. وكانت الشخصيات التي لفقت لهم اتهامات هي التي كانت تؤرق النظام أو كان يخشي علي نفسه منهم .. وكل من كان له نشاط في الإخوان فهو يؤرقهم فكان لا بد من التلفيق .. مع أنهم أبرياء .. وربط بعضهم ببعض في الاتهامات ..

2 ـ أن العدد الذي تعرض للتعذيب والتلفيق عدد كبير .. في سجون متعددة من جهات مختلفة .. الأمن ، المخابرات ، الشرطة العسكرية في محافظات متعددة .. في أوقات متغايرة ، علي مدي سنوات متعاقبة .. وحكومات مختلفة .. علي أشخاص وضحايا متفرقة .. في وقائع متكررة ..

وكان التعذيب والتلفيق علي خط واحد وطريقة واحدة لاستخلاص الاعترافات الكاذبة .. وهذا يدل على التواتر الذي يفيد اليقين .. فمن غير المعقول أن يتفق هؤلاء الكثرة التي تسكن في أماكن متفرقة علي هذا الموضوع الواحد .

3 ـ خطوات التعذيب : هذه الخطوات مختلفة حسب الأماكن وسلطات التعذيب ، لكن في الغالب كانت هكذا :

(1) القبض والاعتقال المفاجئ .. وفي الفجر .. كما سبق آنفًا .
(2) حفل الاستقبال الذي سبق ذكره عند القبض والاعتقال .. والتعذيب ؛ وذلك لإحداث الخوف والرعب والتحقير من شأن الضحية ، وحتي يعلم أنه في مكان لا يأمن فيه .. ولا مغيث .. وقد تكتمل هذه الخطوات وقد لا تكتمل وذلك حسب درجات تحمل الضحية للتعذيب ..

ثم يكون التعذيب عند التحقيق ، بالضرب والشتائم القذرة .. وتمزيق الملابس من الضرب ثم التعليق المختلف .. وأهمه التعليق في الفلكة كما تعلق الذبائح .. والضرب بقسوة وبلا رحمة مع صراخ الضحية .. وقد لا يصرخ .. وقد يرهق الجنود من الضرب .. وقد يغمي علي الضحية .. فيُصب عليه الماء .. فإذا تحرك أعادوا الضرب .. فإذا أغمي عليه نقلوه إلي الزنزانة .. فيتعرض للتجويع وحرمانه من الماء أو يكوي بالنار .. وهو في أشد الحاجة للماء .. فقد دخلت علي ضحية في محنة 1965 في زنزانة انفرادي فحكي لي أنه استمر علي هذه الحالة 13 يومًا ، وكانوا ينقلوه من الزنزانة إلي مكاتب التحقيق علي نقالة .. ويستمر الضرب وتستمر المساومة .. ويقومون بتسجيل ما يتحدث به من هلوسة وهو مغمي عليه .. ثم لما يفيق يقولون له أنت قلت كذا .. ويعجب من قولهم وينكره .. وكانت تسيل الدماء من الضحية .. وتتقيح الجروح .. تعذيب يعجز القلم عن وصفه .. فلو مات دفنوه وانتهي .. لا يهم .. قد يتعرض الضحية للكي بالنار .. أو الصعق بالكهرباء أو بنهش الكلاب إلي غير ذلك .. قد يحضر التعذيب رئيس الحكومة .. أو أعلا سلطة .. ويتابعه كما رأينا وكما سنري ..

4ـ خطوات التلفيق : إما أن يكون التلفيق عند القبض والاعتقال وذلك بوضع أسلحة أمام المتهم عند اعتقاله وتصويره وأمامه الأسلحة وتنقل ذلك وسائل الإعلام للشعب .. ويرغم علي التحدث باعترافات كما سبق .. وإما أن يُحضروه أمام الفضائيات ويتكلم عن تفاصيل المؤامرة حسب ما كان يملي عليه فإذا أخطأ فإنهم يقومون بإلغاء هذا التصوير .. ثم يعيدوه إلي التعذيب .. ولا يعلنون اعترافاته في الفضائيات إلا بعد أن يتكلم بما يريدون .. وهذا الإعلان إنما هو لتبرير الاعتقال .. وللمصداقية عند الشعب .. والتلفيق عند التحقيق يكون بالاعتراف علي نفسه أو علي غيره بجرائم من الخيال لا الواقع فإذا اعترف زورًا علي غيره ، يواجهون هذا الغير باعترافات الأول عليه ويفاجأ الغير بهذا الكذب ، وقد يضطر هذا الغير إلي الموافقة خوفًا من التعذيب وقد لا يوافق .. وهنا يقدم أيضًا إلي المحاكمة علي اعتبار أن الأول شاهد علي جريمة الآخر .. هكذا تكون المحاكمة بالتلفيق وبشهادة الزور ..

ويتخلل هذا التعذيب مساومات ، وخداع .. وتهوين بكلمات الاعتراف .. مثلاً ، يقال للضحية : أنت تقول كذا .. ونحن نعتبرك شاهد ملك .. إيه يعني لو كتبت إن فلان عاوز يعمل مؤامرة لقلب نظام الحكم .. !!

أنت تقول أو تكتب كذا .. ونبعدك من القضية .. ونسفرك للخارج ..

أنت تقول كذا .. والرئيس طيب وعارف إنك برئ .. إيه يعني لو كتبت كذا .. يدين نفسه أو يدين غيره .

أنت شخصية معروفة .. وهؤلاء اعترفوا .. فقل كذا ونخلصك .. كلهم اعترفوا عليك .. المطلوب منك أن تقول في المحكمة إن فلان قال لك علي مؤامرة كذا .. فإذا لم ينفذ كلامهم .. إذا لم يقل ما يريدون .. أعادوا التعذيب .. وإذا قال لهم ما يريدون .. ثم غير كلامه في المحكمة .. أو تكلم عن التعذيب .. أعادوه إلي السجن لتعذيبه .. بمعني أن المحكمة تقول له : أنت قلت في التحقيق كذا .. فإذا أنكر .. تؤجل المحكمة القضية لأي سبب .. مثل أن تقول : تؤجل المحكمة حتي تتبين صحة أقواله .. ثم يعود إلي السجن للتعذيب .. حتى يقول في المحكمة ما أراده العسكر في التحقيق ..

وقد رأيت من أنكر في المحكمة وعاد إلي السجن الحربي في قضية 1965 في الصباح وقد أنزلوه في البئر المعروف بالسجن الحربي .. والماء تكاد تغطي رأسه .. ويضرب .. وكلما أراد أن يلتقط أنفاسه ضربوه علي رأسه .. فيغطي رأسه في الماء.. وهكذا تتكرر المأساة حتي يخرج فيقول ما يريدون .. وقد يموت فلا يهمهم ذلك .. يخرجوه وينقلوه إلي الزنزانة وفي الليل تطفأ الأنوار .. وتدخل العربة من باب السجن .. وينقل إلي الصحراء فيدفنوه .. ثم يعلنوا أنه هرب من المعتقل !! ولا حساب عليهم ولا رقيب .

5 ـ درجات تحمل التعذيب : رأينا من الضحايا المتهمين زورًا من لا يتحمل أي تعذيب فيقول في بادئ الأمر كل ما يريدون .. ومن الضحايا عكس ذلك .. فهو يتحمل التعذيب أيَا كان ولو أدي ذلك إلي الموت ، وقد ذكرنا أن المحامي شمس الدين الشناوي تحمل من التعذيب .. أيامًا ... ولم يرض أن يعترف بما يقولون له علي الشيخ محمد الأودن لأنه كان يذكر حديث النبي " شاهداك قاتلاك " فيُقتل الشيخ بسبب شهادة زور ! .. ومنهم من يتحمل التعذيب ولا يريد أن يقول ما يريدون .. فهو يتحمل التعذيب من ضرب وإهانة .. والفلكة .. والكلاب .. والتعليق .. والكي بالنار .. وإلخ .. لكن عند موقف معين لا يتحمل .. وهو تهديده بالاعتداء علي عرضه أو عرض أقرب الناس إليه ، ومن هؤلاء الكاتب الكبير مصطفي أمين .. وكذا أستاذ الحقوق عبد المنعم الشرقاوي وغيرهم ممن ذكرنا في هذا التلفيق .. فيكتب ما يملي عليه .. فيفدي نفسه أو أهله .. وكان يحدث ذلك في السجن الحربي سنة 1954 ما يعرف بالسفاح .. العسكري الأسود الذي جاء ذكره في [ أحداث : جـ 2 ص 264 ] .. وكذا ما حدث في 1965 مما أشرنا إليه في التعذيب والتهديد مع الكثير .. ومع زينب الغزالي التي مكنها الله من العسكري الوحشي الذي أراد أن يعتدي عليها .. وأعانها الله عليه فخنقته وقتلته .. وكان ذلك بأمر من قائد السجن الحربي حمزة البسيوني !! كما سبق أن ذكرنا .. [ راجع : أيام من حياتي : 100 / 101 ] .

وقد ذكرنا إثبات التعذيب والتلفيق في عهد الاستعمار ، والحكومات التي قبل ثورة يوليو سنة 1952 ثم استمر ذلك بعد الثورة .. كما رأينا .. وصدرت الأحكام بعد ذلك بإثبات التعذيب والتلفيق كما ذكرنا في قضية مصطفي أمين وفي قضية المستشار علي جريشة .. وهذا غيض من فيض ..

هذا وسوف يأتي ذلك في فصل خاص عن إثبات التعذيب والتلفيق .. وإدانة عهد وإدانة نظام .. كما صدرت الأحكام بذلك ..

هذا بعض ما في الذاكرة وما سجله بعض الكتاب المنصفين ، من التعذيب والتلفيق والأحكام التي تصدر ظلمًا علي حسب هوي الحكام .. هكذا كانت الاعترافات .. وأكثر الضحايا تم تلفيق اتهامات ظلمًا ومحاكمات .. مما لا يتحمل ولا يتصوره إنسان .. فكتبوا بأيديهم اعترافات عن جرائم هي مجرد ظنون في ذهن الحكام الظلمة الذين كانوا يقولون : ( أتغدي به قبل أن يتعشي بك ) ..

فهذه الاعترافات التي تمت بالطرق السابقة .. كان الضحية يفدي نفسه من التهديد بقتله .. وسوء العذاب وشدته بما لا يتحمله إنسان .. قد يدفعه إلى القول بأي اعترافات للتخلص من سوء العذاب .

المؤرخ المنحاز : بعد كل ما سبق يأتي من يدعي أنه مؤرخ أو من يدعي الحيدة .. ويحصل من جهات التعذيب علي اعترافات متهم أمليت عليه أو كتبها تحت التعذيب والتهديد ولا يبذل جهدًا ويتحري الحقيقة ولا يذكر كيف أخذت هذه الاعترافات ، ولا يلتزم بالحيدة .. فينقل هذه الاعترافات في هذه الظروف على أنها حقائق !! وينشرها في ظروف معينة على أنها ( وثيقة ) .. ويركب الموجة ويكتب بلا ضمير كما قال الشاعر :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

وعين السخط تبدي المساويا

ويدعي هذا المؤرخ أنه محلل للتاريخ ، ودارس له .. إنه حصل علي ( وثيقة ) اعترافات من التحقيقات عن الدكتور ( م . ب ) ... ثم ينشر ( وثيقة ) تدين الضحايا وتبرئ الجلاد .. القاتل .. ينشر شهادة زور .. وأكاذيب .. دونت في عهد الظلام .. علي أنها ( وثيقة ) وأنها حقائق حصل عليها .. من أين حصل عليها ؟ .. إنها جرائم تعذيب لا تسقط بالتقادم .. كيف يدافع الضحية عن نفسه في هذه الظروف .. أين الدستور ؟

أين الدستور الذي ينص في : م : 42 كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ، ولا يجوز إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا ، كما لا يجدد حجزه أو حبسه في غير الأمكان الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون .

وكل قول يثبت أنه صدر من مواطن تحت وطأة شيء مما تقدم أو التهديد بشي منه يهدر ولا يعول عليه ..

م : 44 للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقًا لأحكام القانون .

فهذه نصوص الدستور وغيرها من نصوص القانون التي تكفل الحريات .. ويبدو أن المؤرخ والمحلل .. يظن أننا في عهد الحريات التي كفلها الدستور .. ولم يعلم أن هذه النصوص لا تطبق إلا في الدول الحرة الديمقراطية .. ولا يعلم أنها مجرد نصوص .. مجرد حبر على ورق ..

إن هذا المؤرخ المنحاز سوف لا يؤمن بذلك إلا حين يتعرض للتعذيب والتلفيق أو يرى ذلك في أهله أو أصحابه ..

الباب الرابع

التعذيب للإهانة والتعذيب الجماعى وأماكنه

  • أولاً : التعذيب للإهانة والانتقام .
  • ثانيًا : التعذيب الجماعي .
  • ثالثًا : أماكن التعذيب وإخفاؤه ونوادره .

أولاً : التعذيب للإهانة والانتقام

أولاً : التعذيب للإهانة والانتقام . ويشمل :

1 ـ التعذيب للإذلال والإهانة .
2 ـ التعذيب للانتقام والتشفي .

وهذا النوع من التعذيب غريب ، فإذا سلمنا جدلاً أن التعذيب كان لأخذ الاعترافات ( الكاذبة ) ! فما بالك بالتعذيب بعد التحقيق .. ومن الغريب أيضًا التعذيب للتشفي والانتقام .. فهذا شذوذ يحتاج إلى عالم نفسي لتحليل هذه الشخصيات .. والله يهدي من يشاء ..

ولماذا الاعتقال لمدد طويلة ولماذا لا يفرج عن المحكوم عليه بعد قضاء مدة العقوبة ؟ ثم يحول إلى الاعتقال ؟!

1 ـ التعذيب للإذلال والإهانة :

بالاضافة إلي ما كتبناه في الباب الأول عن حفل الاستقبال في السجن من إهانة وإذلال ، فنذكر هنا ما كتبه حسن دوح ، في ص 67 ، يقول : دخلت السجن الحربي في الظلام فاستقبلنا عند الباب الداخلي بوابل من الكرابيج .. كان الضرب على رؤسنا .. وفقد بعضنا أبصارهم .. وكانت الشتائم ومنها عبارة ( يا مختلس الوطن ) محفوظة شائعة بين الجنود ، ثم جري تفتيشًا بدقة وتحت وابل من الكرابيج والشتائم ، ثم أوقفونا في طابور طويل ، وطلب منا العسكري أن نذكر أسماءنا فلما ذكرنا ضربنا وطلب منا أن نتسمي بأسماء مسيحية ، ولاحظ العسكري أحد إخواننا الملتحين .. فأمره أن ينتف لحيته شعرة شعرة .. وأمر آخر أن يرقص رقصة القرد .. وهكذا ! انتهى مختصرًا من [ 25 عامًا في جماعة الإخوان ] .

وفي أحوال أخري يطلب العسكري أن يسمي الضحية نفسه باسم امرأة .. ! وفي أحوال أخرى ، سئل الضحية عن شخص وكان الضحية شخصية مؤدبة فذكر أنه الأستاذ فلان .. فتغيظ المحقق العسكري وطلب الأستاذ من الزنزانة .. وجاء الأستاذ يجري أمام العسكري وحضر أمام المحقق .. وطبعًا حين يطلب ضحية للتحقيق معناه أنه سيسأل .. ويُعذب .. ويُهان .. وإما يرجع بعدها إلى الزنزانة .. وإما يقتل ولا يعود .. وبعد السؤال وما يتبعه .. كان الأستاذ يقول : يعني يا فلان لازم تقول الاستاذ ؟ ليس هنا أستاذ قول عائشة قول خديجة !!

ومن الإهانة أن يدخل العسكري الزنزانة فيضرب كيف يشاء ، وقد يأمر بالوقوف ساعات .. أو يجلس رافعًا يديه ووجه الضحية إلي الحائط .. وكذا في التحقيق قد ينتظر الضحية من الصباح إلي المساء .. واقفًا أو جالسًا.. ومن يتحرك أو يلتفت تنهال عليه الكرابيج !!

ومن الإذلال والإهانة : مشكلة دورة المياه .. لقد تحمل الإخوان ألوان التعذيب وغير ذلك مما سبق ، لكن دورة المياه وقضاء حاجة الإنسان الطبيعية ، غير ميسرة .. وغير إنسانية .. فمثلاً في دورة مياه مزرعة طرة .. ( كان هذا السجن عبارة عن عنابر أرضية ، وليس له أدوار عليا .. وكان العنبر الواحد مساحته 20 في 4 متر تقريبًا .. وكان يسكن في هذا المكان ـ في كل عنبر ـ 120 معتقل تقريبًا ، ينامون علي الأرض .. ) ودورة المياه في ركن العنبر عبارة عن حجرة أو حاجز مباني يغطي طول الرجل وليس لها باب .. وهذه تسمي دورة المياه !! وهذه الحجرة ليس بها ماء ولا قصرية ولا صرف صحي لتصريف الفضلات والطهارة ، ولا نافذة للتهوية .. لأنها داخل العنبر ، ولا قصرية !! ولك أن تتصور كيف يقضي المعتقل حاجته الضرورية .. وكيف تخرج الروائح فتملأ العنبر المكتظ بالضحايا .. فأين تذهب هذه الفضلات !! فهذا إذلال وإهانة .. وهل هذا مقصود لكي تنتشر الأمراض والأوبئة .. والمعيشة الملوثة بكل أسباب الأوبئة والهلاك .. أضف إلي ذلك أن الأطعمة والوجبات التي يأكلها المعتقل معظمها لا تعرف .. واللحوم تقدم في الأواني الكبيرة يأكل منها كلاب السجن أولاً .. وما يتبقي يوزع علي المعتقلين !! والطعام المقدم لا يكفي .. والخضروات مزروعة في أرض بجوار السجن .. تُسقي بمياه الصرف الصحي .. ويأتي الخضار الطازج وعليه أثر الصرف الصحي .. وكم من المعتقلين من أصابته الدسونتاريا الأميبية .. وغير ذلك من الأمراض .. فهل كان المطلوب القضاء عليهم .. أي من لم يمت تحت التعذيب والضرب حتي الموت .. فبدلاً من ذلك يموت بالأمراض القاتلة .. ولا شيئ في ذلك .. فالمعتقل مات ولا عزاء .. [ راجع في ذلك : أحداث 3 / 496 ] .

ولم تتوقف الإهانة علي المعتقلين .. فما يحدث في زيارة الأهالي للمعتقلين ذل وإهانة .. في استخراج الإذن من المباحث .. والوقوف أمام المعتقل .. والسفر والمشقة .. وتفتيش الزيارة .. هذا بالإضافة إلي إهانة أقاربهم من الجيش أو البوليس يحالون إلي الاستيداع من الخدمة وفي ذلك قصص وحكايات .. [ ق : 4 / 49 ] .

2 ـ التعذيب للانتقام والتشفي :

مصطفي أمين الصحفي الكبير يقول : الجلادون يهرولون بسياطهم علي الأجساد ، أحذية الزبانية تغوص في البطون ، كلاب تنهش من لحم الرجال ، أنين الجرحي ، صراخ المصلوبين ، حشرجة الموتي .. إنها مذبحة 1965 .. ملك التعذيب حمزة البسيوني .. هو الذي يملك وحده حق إصدار الحكم بالموت .. يجلد من يشاء .. تقدم حمزة وأشار إلي أحد المسجونين المقيدين بالأغلال ، وقال لشمس بدران متوسلاً : أرجوك يا شمس بك والنبي ، من فضلك أرجوك تتركني أعذب أنا هذا الشاب !! ما الذي يجعل هذا اللواء يتذلل ويستعطف ويتوسل إلي ضابط أصغر منه رتبة ليعطيه شرف تعذيب مسجون .. ؟ !! ورق قلب شمس بك وسمح له أن يعذب هذا الشاب .. وأشرفت أسارير اللواء حمزة .. ظهر في بريق عينه نشوة ، تهلل وجهه .. وبدأ يعذب الشاب بلذة عجيبة .. وحينما يري الدم ينزف من الضحية ، ويسمع صرخاته المفجعة ويراه أمامه يتلوي من الألم ، يشعر بلذة .. وكلما كان العذاب أشد كانت اللذة أكبر .. إذلال الرجال ونشوة الانتقام من رجال لا يستطيع أن ينازلهم في أي ميدان .. إن تجريد الإنسان من إنسانيته تثير اشمئزاز الرجل العادي ، ولكنها تبهج الرجل الشاذ ويشعر بالتعويض عما في نفسه من ذل ومهانة .. [ سنة أولي سجن ص 35 بتصرف ] .

ومن الانتقام أنهم جمعوا الكتب التي كانت في القلعة وفرموها ومزقوها وحرقوا منها .. وسرقوا .. وهي كتب في العلوم والأدب والإعلام .. فهل حدث ذلك في التاريخ !! هذا بدلاً من توزيعها علي المكتبات العامة !! .

ويقول أحمد أبو الفتح عن عبد الناصر : إن الذي كان يطالب بالحرية أو بحياة ديمقراطية أو كتب ذلك في صحيفة المصري .. إلا سجنه وعذبه وطارده في رزقه ، لقد اعتقل الكثيرين .. ومن بقي بعد ذلك منهم تصيدهم الواحد تلو الآخر ، إما باتهامهم بتدبير مؤامرات أو باعتقالهم دون إبداء الأسباب .

ولعل المثل الصارخ علي حب جمال عبد الناصر في الانتقام وشذوذ مزاجه في التنكيل بخصومه ، هو الإجراء الشاذ الذي اتبعه مع أسر المعتقلين من الإخوان المسلمين ؛ ذلك أنه حرّم علي أي إنسان أن يمد يد العون إلي هذه الأسر ... والذي راح يتبرع .. قدم لمحاكمة عسكرية سرية دون حضور محامين أو شهود أو ممثلي الصحافة .. وصدرت ضدهم أحكام بين الأشغال الشاقة المؤبدة أو السجن .. والأعجب أن تصدر هذه الأحكام بمصادرة المبالغ المضبوطة مع هؤلاء .. وينص الحاكم علي أن المصادرة ( لصالح الشعب ) .. [ جمال عبد الناصر : 410 ـ 411 ] .

السادات يثبت التعذيب والإهانة : عندما قيل إن هناك مؤامرة يدبرها الإخوان تولي أمرهم البوليس الحربي ، وشمس أهم معاوني عامر .. وكما اتضح بعد ذلك كان هناك تعذيب وإهانة وامتهان لكرامة الإنسان .. لا أستطيع ان أجزم بأن عبد الناصر كان علي علم بما كان يحدث .. ولكن في الوقت نفسه لا أستطيع تبرئته من المسئولية .. [ البحث : 215 ] .

ويقول : عندما كان الشعب يتململ .. يفسر تململه علي أنه ثورة مضادة ، فتقع الحراسات والاعتقالات .. هذا هو التطبيق الفعلي لامتهان كرامة الإنسان .. [ البحث : 289 ] .

ويقول محمود عبد الحليم : الاستقبال نوع من التعذيب .. لما سوف يقابله من عنت وإرهاق وإهانة .. ومن طوابير الإهانة .. طابور في شكل دائري بالخطوة السريعة .. مع الضرب والركل .. ويوجه إلينا كلام ما معناه ، أننا لم يعد إلينا قيمة .. والأوامر صدرت باستئصالنا من الوجود .. ومن شدة الموقف نتمني الموت .. كان معنا من تخطي 60 سنة .. لا رحمة لهؤلاء .. يسوقونهم بالسياط فيجرون .. يعود الإنسان إلي الزنزانة لاهثًا من العطش .. وطابور الطعام .. وطابو النظافة .. إهانات .. [ أحداث : 3 / 417 ، ق : 3 / 56 ] ..

ومن الإذلال أن معتقلاً حبسوه 3 أيام بلا طعام ولا شراب .. ثم يفتح الباب ومع العسكري زمزمية .. ثم يصب الماء علي الأرض .. ثم يلحس المعتقل الماء .. [ ق : 3 / 131 ] .

صورة أخري .. ينبطح المعتقل علي الأرض .. وتقوم مجموعة من العسكر بالجري عليه ، بأحذيتهم الغليظة .. ويضحكون ويستهزؤن [ ق : 3 / 132 ] .

ثانيًا : التعذيب والقتل الجماعي

نتكلم هنا عن التعذيب والقتل الجماعي .. وهو انتقام ( وتأديب ) وإهانة .. هو تعذيب لجماعة .. سواء في السجن أو في قرية .. هكذايحدث علنًا أمام الشعب الذي لا حول له ولا قوة .. وهذا وقد حدث التعذيب ( والتأديب ) الذي يتصف بالوحشية والقسوة .. والفاعلون في مأمن من العقوبة ؛ لأن أجهزة الدولة كلها بين فرد .. حكم مطلق .. لم يأت هذا الفرد عن طريق الشعب ، بل هو مفروض عليه بطرق الخداع والحيلة .. ثم هو يفعل ما يشاء .. فهو الحَكَمُ والخصم وهو القانون وهو القاضي وهو السجان ، وهو .. أما أفراد الشعب فهم العبيد !

وحوادث كهذه تذكرنا بالحوادث التي كان يرتكبها الاستعمار .. مثل حادث دنشواي .. ومن هذه الحوادث :

(1) إبادة مظاهرة الطلبة : الذين خرجوا في مظاهرات يطالبون بالحرية و .. ومنها مظاهرات كوبري عباس الأولي ثم تكررت في عهد النقراشي باشا .. ولم يُحاسب أحد !! وسيأتي هذا في الباب السادس .

(2) مذبحة ليمان طرة : وقد كتب عنها الكثير ... من ذلك ما جاء في سنة ثانية سجن للكاتب الراحل مصطفي أمين في ص 131 وما بعدها ، حيث قال : في أحد أيام شهر يوليو 1957 تكلمت إذاعات العالم عن مذبحة في سجن ليمان طرة ، وأكثر من 20 قتلوا في الزنازين ، وأكثر من 50 جريح .. فاتصلت بوازرة الداخلية ، فأكد لي مسئول في الوزارة أن الخبر كاذب واتصلت برئاسة الجمهورية فقال لي : إنها أكذوبة استعمارية لتشويه سمعة مصر .. في العالم .. !

قال : وصدقت الخبر الرسمي ، إلي أن دخلت السجن ، وإذا بأحد الحراس يعترف بأنه اشترك في المذبحة وأن الأوامر كانت بقتل جميع الإخوان !! وعندما نقلت إلي ليمان طرة لا حظت علي جدران الزنزانة خروق !! وسألت فقيل إنها رصاص مذبحة طرة !! .

وبدأت أحقق بنفسي .. كان يوم المذبحة 1 / 6 / 1957 ، وبدأت القصة من أكتوبر 1955 واستمرت حتي يوم المذبحة .. فقد كانت التعليمات لمعاملة الإخوان باستعمال أقسي طرق العنف معهم .. لا راحة للمسجون من الإخوان .. التفتيش مستمر .. يدخل الضابط الزنزانة ويرمي محتوياتها خارجًا .. يدوس علي الطعام .. يتعمد إثارة المسجون وإهانته وإذلاله .. المنع من دورة المياه أحيانًا .. مطلوب من كل مسجون أن يكسر كمية من الأحجار .. ويفرّغها في عربات السكة الحديد .. وأي نقص في الكمية يتحول للتأديب .. والجلد .. لا مراعاة للضعيف أو كبير السن .. من يتعرض لضربة شمس .. ويسقط مغمي عليه ، فلا إسعاف .. يقولون : سيارات الإسعاف لا تحمل الكلاب !! إذا حدث تذمر ، نفخ الضابط في البوق ( كبسة ) .. !! يحاصر المسجونون بالجند المسلح .. جو من التهديد والإرهاب ! .. ثم تفتيش الزنازين ورمي محتوياتها .. وصدر قرار بمنع الإخوان من صلاة الجمعة .. ومن وجد في الزنزانة يصلي يُضرب هو وبقية الإخوان .. الاحتكاك مستمر والاعتداء مستمر .. إذا تاخروا عن الخروج إلي الجبل ، تكاد تحدث مجزرة ..

وفي أوائل عام 1956 اشتدت المعاملة .. الاحتكاك أثناء الصلاة ، الزيارة للإخوان .. عندما ذهب عدد من الإخوان يحتجون .. قال لهم : ( أنا حخلي حجراتكم كلها برك دم ) ! وفي أثناء الزيارة يحرمون من استلام طعام .. والزيارة دقائق .. وكان المسجونون اليهود المحكوم عليهم في فضية فضيحة لافون .. كانت معاملتهم أفضل .. فهو محترم .. ينتقلون كما يشاءون في أنحاء السجن ، أما الإخوان فتقفل عليهم الأبواب .. الأدوية تصل إلي اليهود من الخارج .. ولا يجد الإخوان الدواء .. صدر قرار لكل مسجون أمضي 24 شهرًا في أشغال الجبل أن يطلب ( التخزين ) أي : النزول من الجبل .. ويقدم عدد من الإخوان الذين أمضوا 24 شهرًا يطلبون إنهاء عملهم في الجبل .. لكن صدر أمرًا برفض الإخوان من هذا القرار .. وفي عادة السجون احترام شهر رمضان فيتوقف التفتيش .. ما عدا الإخوان !!

وفي ص 137 وما بعدها يقول : في يوم 28 / 5 / 1957 حضر الأهالي للزيارة .. المسجون من الإخوان يعامل معاملة الحيوان .. لا ينفرد بأسرته ، الزيارة من وراء السلك .. بل يدخل كل 20 منهم في القفص كالقردة تختلط الأصوات .. تضيع الكلمات .. إذا أخذ بعض المأكولات ، وكأنه ارتكب جريمة .. أي خطأ .. يمنع الضابط الزيارة .. أقسم الضابط أن يسكب البترول عليهم ويحرقهم .. ثم صدر الأمر بتأديب 14 من الإخوان في غرف التأديب وقيدت أيديهم بالحديد خلف ظهورهم .. وصدر الأمر بالقبض علي الأهالي ، النساء والأطفال ! ثم في المساء أفرجوا عنهم ! .. في اليوم التالي جردوا الإخوان الذين في التأديب من ملابسهم .. ثم جاء إليهم المأمور وقال : إحنا مبيتين لكم دقة حنخليكم تمشوا علي العجين ما تلخبطوهوش .. وفي يوم 29 / 5 / 1957 استدعي المأمور الأطباء لإخراج جميع المرضي من الإخوان من الملاحظة الطبية ، ومعني ذلك الخروج إلي تكسير الحجارة في الجبل وهو عمل شاق ، وقال الأطباء إنهم مرضي ، وخروجهم من الملاحظة خطر علي حياتهم ! فقال لهم مدير السجن إن هذه أوامر من فوق ! .. وإن الطبيب الذي لا ينفذ التعليمات سيجد نفسه في الزنزانة !

وشاع بين المسجونين الإخوان أن الغرض من الخروج للجبل هو قتلهم واتهامهم بمحاولة الهرب .. [ سمعت أيامها أن ضابطًا صغيرًا طيبًا هاله ذلك فأخبر أحد الإخوان عما يبيّت لهم ، وأنهم إذا خرجو للجبل فسوف يُقتلوا ، ويُتهموا بأنهم تمردوا .. وقانون السجن يجيز قتلهم في حالة التمرد في الجبل ، ولذلك لم يخرج الإخوان من الزنانين .. فقتلوهم في الزنانين !! .. ] , وفي هذا الجو المشحون المكهرب بالإرهاب والاستفزاز جعل أعصاب المسجونين الإخوان متوترة ! .. وجوه الضباط عابسة .. الحراس يؤكدون أن النية متجهة للتخلص منهم ! قيل لهم أنتم أعداء الدولة ، وذبحهم حلال ! ظنوا أن ذلك تهديد .. في اليوم التالي فوجئوا بأنه ليس تهديد .. وإنما واقع فعلي !! ..

في صباح السبت 1 / 6 / 1957 طلب من الإخوان الخروج للجبل .. ورفض الإخوان .. وطلبوا وكيل النيابة .. بأن الخطر يهددهم ؛ لأن الأوامر صدرت بذبحهم ويطلبون التحقيق .. ووعدهم مدير الليمان بعرض الموضوع .. وبعد نصف ساعة أنزلوا الإخوان إلي الدور الأرضي .. وهمس المسجونون العاديون أن الجنود تتسلح بالبنادق و ... استعدادًا للهجوم .. !! ..

وفي الساعة الواحدة ظهرًا فوجئ الإخوان بفرقة مسلحة .. تصطف في الطابق الثاني .. وصاح اللواء إسماعيل همت : اضرب !! وانهال الرصاص علي الإخوان .. بلا إنذار .. ولا مقدمات ! ولم يصدق الإخوان وظنوا أنه صوت رصاص فشنك ! ودخل الإخوان الزنازين .. وضُربوا بالرصاص من خلال قضبان الزنازين ! وسقط القتلي داخل الزنازين ، ثم صدر الأمر بالإجهاز عليهم .. وفي الساعة الثانية ظهرًا توقف إطلاق النار ..

وقال الأطباء يجب نقلهم إلي مستشفي القصر العيني ، لكن المأمور قال : الأوامر أن يبقوا هنا !! وصدرت الأوامر بنقل الجثث إلي خارج الزنازين .. وأوهموا النيابة بأنهم قتلوا في حالة تمرد .. لكن النيابة وجدت الدماء علي جدران الزنازين ، يعني أن القتل حدث داخل الزنازين ! وأوهموا النيابة أنه حدثت معركة بين المسجونين [ وقد سمعت في المعتقل أن جثث القتلي أخرجوها من الزنازين إلي حوش السجن ، ثم جاءوا بأدوات منها زجاجات مكسورة ورشقوها في الجثث .. وهكذا وجاءت النيابة وأوهموهم بأن معركة حدثت .. ثم فهمت النيابة الحقيقة .. ولكنها كتبت ما أملي عليها .. !!! ] , وذكر مصطفي أمين أسماء الشهداء القتلي في صفحة 142 ـ 143 وأنه سيكتب في الفصل القادم كيف عوقب القتلي وكوفئ القتلة .. [ انتهي بتصرف واختصار .. وراجع : حمودة في ( أسرار ) : 124 ] .

وجاء في كتاب ( سنة ثانية سجن ) للكاتب مصطفي أمين ص 145 تحت عنوان محاكمة القتيل .. ومكافأة القتلة بأنه : صدرت الأوامر بمعاملة قتلي مذبحة طرة معاملة المحكوم عليهم بالإعدام .. لا تشيع جنازة ولا يسمح لأسرته بإقامة مأتم .. الدفن سرًا وشهود زور بأن القتلي هم المعتدون ! وأنهم كانوا مسلحين .. وأن الجنود قتلوهم دفاعًا عن النفس !! .

وصدرت الأوامر بإخفاء أنباء المذبحة واعتبارها من أسرار الدولة العليا .. وصدرت الأوامر بترحيل الأحياء منهم إلي سجن القناطر .. رحلوهم الساعة 3 صباحًا ، في جنازير من حديد واستقبلوا بحفلة استقبال .. وصدر الأمر بالجري حول أسوار العنبر وتنهال عليهم الكرابيج .. وعاش الإخوان 3 أشهر في ( تكديرة ) أي : الضرب والإهانة ومنع الزيارات والخطابات وشراء حاجاتهم من الكانتين ، وكان يمر الضباط بعريضة تحوي شكر ولاة الأمر علي المعاملة الطيبة !! وتأييد الحكومة !!

وحدثت كارثة : أحد الإخوان أذن للصلاة ، وقامت الدنيا ولم تقعد .. هذه جريمة كبري وتحول السجن إلي جحيم .. وأصيب ثلاثة بإنهيار عصبي .. ثم نقل بعضهم إلي سجن الواحات .. وبعضهم إلي سجن المحاريق وكانت جريمتهم أنهم رفضوا أن يشكروا الحكومة علي المعاملة الطيبة !! انتهي بتصرف ..

(3) مذبحة كمشيش : رأينا أثناء وجودنا في طابور الجري في صباح يوم من أيام عام 1966 مجموعة من الشباب والوجهاء والفلاحين ، حضرت إلي السجن الحربي ، ومن خلفهم الجنود يلهبون ظهورهم بالسياط .. بعضهم يتساقط علي الأرض .. وذلك بسبب قرار المشير عبد الحكيم بالقبض علي عائلة صلاح الفقي وبعض أهالي كمشيش علي أثر قتل مصطفي حسين العضو بالاتحاد الاشتراكي وقد حدث في بلدهم أهوال من الرعب واستبيحت منازلهم وأموالهم وأهينت كرامتهم بصورة لم يسبق لها مثيل .

وقامت إدارة السجن بتوزيعهم علي الزنازين .. حبس انفرادي أكثر من خمسة أشهر حتي إن بعضهم أصابه الجنون .. وقد صدرت أحكامًا بعد ذلك تدين الحكومة .. [ ق : 4 / 125 ] .

وجاء في جريدة الوفد العدد 124 يوم 18 ذي القعدة 1406 هـ 24 / 7 / 1986 حيثيات الحكم في قضية تعويض أهالي كمشيش .. إن محكمة الجنايات تسجل للتاريخ أن الفترة التي جرت فيها أحداث هذه القضية المثيرة ، هي أسوأ فترة مرت بها مصر .. !! ففيها ذبحت الحريات وديست كرامة الإنسان المصري .. وإن المحكمة تسجل للتاريخ أيضًا .. أن ما حدث .. لم يحدث في شريعة الغاب .. وأن المباحث العسكرية الجنائية أمرت الرجال بالتسمي بأسماء النساء ووضعت ألجمة الخيل في فم رب العائلة .. ولطمت الرؤوس والوجه بالأيدي وركلتها بالأقدام .. وهتكت أعراض الرجال .. وهددوا بهتك أعراض النساء ، ودربت الكلاب علي وطأ الرجال .. وإخراج جثة والدتهم وكانت حديثة الدفن ، للتمثيل بها أمام الناس ، والتشهير بهم وإذلالهم أمام أهلهم .. [ انتهي بتصرف من : ق : 4 / 245 ] .

شهادة محافظ المنوفية  : جاء في أخبار اليوم 16 / 11 / 1974 في الصفحة الخامسة بقلم إبراهيم بغدادي أن محافظ المنوفية قال : رأيت التعذيب والتلفيق في كمشيش .. وأود أن أوضح للتاريخ بعض الوقائع المتعلقة بهذه القضية التي عاصرت أحداثها أثناء عملي كمحافظ للمنوفية من نوفمبر 1965 إلي أغسطس 1967 :

  1. أن قضية مقتل صلاح حسين في كمشيش كانت مشاجرة عادية ، وانتهت بمقتله وليس لها خلفية سياسية وكل ما قيل غير ذلك مخالف للحقيقة .. وقد اتخذتها السلطة ذريعة لتصفية الإقطاع .
  2. تدخل المباحث الجنائية العسكرية كانت بناء علي تعليمات المشير عبد الحكيم عامر الذي كان زوج ابنته الطيار حسين عبد الناصر شقيق الرئيس الراحل .. زميلاً لشقيق القتيل في القوات الجوية .
  3. أن المباحث الجنائية العسكرية كانت تتولي توجيه التحقيق .. والطبيب الشرعي أثبت غير الحقيقة ..
  4. ساهمت أجهزة الإعلام .. وغيرها في الحملة ضد الكثير من المواطنين الأبرياء .. والذي حكم القضاء العادي ببراءتهم بعد إهانة كرامتهم واغتصبت أموالهم .. وأعراضهم .. وتشويه سمعتهم .
  5. تحت تصفية الاقطاع نهبت منازل واختفت أموال .. والحلي ..
  6. في اجتماع مع المشير عامر .. حاولت إثارة الموضوع ، ولكنه رفض .
  7. كتبت تقريرًا عن حقيقة ما حدث ورفعته للرئيس عبد الناصر شخصيًا ولم يقتنع .. وكان تعليقه : ( يظهر إنك مش عارف إيه اللي بيجري في محافظتك ) ! .
  8. قسمت الدولة المواطنين ، إلي فئات : إقطاع زراعي ، إقطاع إجرامي ، إقطاع النفوذ .. وتركوا مواطنين يستغلون آلاف الأفدنة لصلتهم مع ذوي النفوذ .
  9. استغلت جهات أجنبية حادث كمشيش وعرفت سيارات السلك السياسي طريقها إلى القرية.. واشترت أعدادًا من البسطاء ذوي النفوس الضعيفة . وحذرت من ذلك ..
  10. بعض الأفراد احتلوا نقطة بوليس القرية وأخذوا أفرادها رهائن ، وضاعت هيبة الحكومة .. واتصلت بالرئيس عبد الناصر شخصيًا .. وحضر وزير الداخلية وثلاثة آلاف من قوات الأمن المركزي .. لتحرير نقطة الشرطة ..
  11. شكا المرحوم الإمام حسن مأمون شيخ الأزهر في إهدار كرامة الإنسان ومنهم شيخ أزهري ليس له صلة بالإقطاع .. وحقق الفريق عبد المحسن مرتجي .. وحكم بإدانة عدد من أفراد المباحث الجنائية العسكرية في عمليات الإرهاب والبطش التي قاموا بها ضد مواطنين أبرياء .
  12. أثبت القضاء تبرئة المتهمين في قضية كمشيش ـ رغم الضغوط ـ علي صحة الوقائع .. وصدق الرئيس السادات علي رفع الحراسة ، وأمر بإعادة الحقوق إلي أصحابها [ ج 3 / 24 ] .

وجاء في سنة ثانية سجن ص 325 تحت عنوان : لماذا منع الرقيب حيثيات التعذيب ؟ فقال : منع الرقيب نشر حيثيات الحكم في قضية كمشيش ؛ لأن الحكم أدان المذبحة والحيثيات فيها وأن الاعترافات كانت تحت التعذيب والإكراه ولا يؤخذ بها .. وهذه تجعل قضايا كثيرة لفقت تحت التعذيب .. باطلة .. وكان ذلك كالآتي مختصرًا :

( كان الأقدمون يرون أن الاعتراف سيد الأدلة حتي لو صدر نتيجة التعذيب أو الإكراه .. وأن المتهم إذا اعترف أنه ( مذنب ) فقد أقر بإدانته .. فكان المحققون يلجأون للتعذيب لحمل المتهم علي الاعتراف .. ثم اتضح أن معظم الاعتراف لم تكن تمثل إلا الكذب إرضاء للمحققين .. وهذا يؤدي إلي اعترافات يترتب عليها إدانة أبرياء .

لهذا اشترطت التشريعات الحديثة ومعها أحكام القضاء والفقه علي أنه يشترط للأخذ بالاعتراف أن يكون واضحًا .. أما الاعتراف الذي يجئ نتيجة إكراه مادي أو أدبي فإنه يبطل تمامًا .. ويستوجب براءة المتهم .. والإكراه المادي يتمثل في التعذيب ، الضرب .. أو هجوم الكلب البوليسي .. والأدبي يتمثل في التهديد بالإيذاء .. أو بإفشاء أسرار عائلية أو الاعتداء علي قريب .. وفي جميع هذه الحالات يبطل الاعتراف ؛ لأنه لم يصدر عن طوع واختيار ..

والتعذيب جناية عقوبتها الأشغال الشاقة .. حسب المادة 126 .. أما إذا مات المجني عليه فالعقوبة هي القتل لمن كان سببًا في موته ..

وقد جاء في المؤتمرات الدولية أن الاعتراف لا يعد من الأدلة القانونية .. وأنه لا يجوز استجواب المتهم إلا بحضور محامي .. المادة 124 إذا تمسك المتهم بحضوره وذلك لضمان عدم التأثير علي المتهم عند استجوابه أو عدم إيقاعه في الخطأ ..

وحيث أنه بإنزال تلك المبادئ علي الدعوي الحالية وما ثبت فيها من وقائع تعذيب إلي اعتراف متهمين بارتكاب الحادث .. فإن المحكمة .. ترفض كافة الاعترافات سواء من المتهمين أو الشهود مكتفية بما انتهت إليه تحقيقاتها في الجلسة .

هذا هو نص حيثيات محكمة أمن الدولة العليا في قضية كمشيش ، فلماذا منع الرقيب نشرها في الصحف !؟

السبب أنه لو طبقت هذه القاعدة القانونية لخرج جميع المسجونين السياسيين من السجون !؟ [ انتهي بتصرف ] .

وجاء في ( سنوات عصيبة ) للمستشار محمد عبد السلام ، ذكريات نائب عام ص 145 : يهمني أن أضع بعض لمسات تلقي ضوءًا علي قضية كمشيش : إن المشير عبد الحكيم عامر اتصل بي .. مبديًا اهتمامه ، أن القتيل صلاح الدين محمد حسين كان صديقًا شخصيًا لأحد أصهاره وأن قاتليه هم إقطاعيون من عائلة الفقي .. فاتصلت بمدير مصلحة الأمن العام اللواء محمود الركابي ، وانتقلنا معًا إلي مكان الحادث وأشرفت علي التحقيق ، وتبينت أن القتل وقع لدوافع شخصية ، لا صلة له بالإقطاع ..

وعلمت أن الشرطة العسكرية تجري تحقيقًا .. ثم أعيدت الأوراق إلي النيابة العامة وبدأت تحقيقًا من جديد .. ولكن يبدو أن جو الإرهاب جعل المتهمين لا يذكرون التعذيب وكانت اعترافات .. ظهر فيما بعد أنها غير صحيحة .. ولم يجرؤ واحد منهم أن يتفوه بكلمة عن التعذيب ! إلي أن أثير الأمر أمام المحكمة وفي تحقيقات النيابة عن وقائع التعذيب ..

ومن طرائف القضية أن أحد المتهمين دلل علي كذب اعترافه بأنه كان موجودًا في المعتقل في تاريخ الواقعة ! .. وبالاتصال بوزير الداخلية شعراوي جمعة فتبين أن المعترف كان موجودًا في السجن حقيقة .

هذه هي القضية التي اتخذت وسيلة لتشكيل ما سمي بلجنة الإقطاع وبرياسة المشير عبد الحكيم عامر لتطيح بما رؤي الإطاحة به سواء بالاعتقال أو بالحراسة ! [ انتهي ] ..

ومن هذا يتبين كيف كانت الاتهامات .. وكيف كان التلفيق .. واعتقال أو فرض الحراسة علي الأبرياء .

(4) مذبحة كرداسة : جاء في ( الموتي يتكلمون ) في ص 63 وما بعدها الحديث عن مذبحة كرداسة فقد كان السجن الحربي مفتوحًا تتوافد عليه الضحايا التي أخبر عنها علي عشماوي ـ في اعترافاته في التحقيق في السجن الحربي ـ وكان من الضحايا السيد نزيلي .. يقيم في كرداسة ..

وفي يوم 21 / 8 / 1965 توجهت مجموعة من زبانية المباحث الجنائية العسكرية بملابس مدنية إلي القرية وسألوا عن السيد نزيلي وكان زفافه قبل ذلك بأيام .. واقتحموا المنزل ولم يكن السيد موجودًا .. فأخذوا يفتشون وينهبون كعادتهم .. فاعتقد أهله أنهم عصابة لصوص .. وأرادوا اصطحاب أهله إلي السجن الحربي ، حتي يضطر السيد نزيلي إلي تسليم نفسه .. ونشبت معركة بين اللصوص وبين أهل القرية .. وانتهت بهروب أكثرهم وقتل أحدهم ..

بعد ساعة جاء 2000 جندي وعربات مصفحة وذلك لتأديب أهل القرية .. التي تحولت إلي ساحة معركة .. مع إطلاق الرصاص .. وجمعوا منهم الرجال وربطوهم بالحبال كقطيع الماشية .. ونقلوهم إلي اللوريات إلي السجن .. ولوريات أخري للنساء والأطفال ..

وفي فناء السجن الحربي .. وقف الفريق محمد فوزي يستعرض السبايا .. كأنه انتصر علي أسري أعداء !! وصرخ فيهم صفوت الروبي .. اركعوا أمام القائد واسجدوا .. وانهالت الكرابيج علي ظهورهم .. وأن يحبو والنساء فوقهم .. وتعذيب آخر للبعض الآخر .. حتي الضعفاء يضربوهم .. ووقفوا وصدرت الأوامر أن يصفع كل منهم جاره ويبصق في وجهه ، 29 يومًا تتكرر عمليات التعذيب ! أما أهل القرية فقد صدرت الأوامر أن لا يغادر أحد منزله .. وأغلقت المساجد .. وتعطلت الصلاة .. وحدث أن مات أحد شيوخ القرية وهو محمد عبد العزيز حيدر ورفض رجال المباحث الجنائية العسكرية دفنه ..

أما المتهمون بالانضمام إلي تنظيم الإخوان فقد تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب .. حتي يعترف كل واحد منهم بما يريدون .. [ انتهي بتصرف ] .

وفي محكمة الدجوي .. صدرت أحكام قاسية .. بالإعدام شنقًا علي ثلاثة والمؤبد حتي الحبس سنة بخلاف أكثر من 20 ألفًا ظلوا في الاعتقال لأكثر من 6 سنوات .. لم يفرج عنهم إلا بعد وفاة الرئيس عبد الناصر ..

وقد جاء في رواية السيد نزيلي لـ ( المصري اليوم ) في 8 / 3 / 2010 .. أن النساء تعرضن للتهديد بهتك العرض .. وكانت اللوريات تدور بالقرية .. والجنود يلهبوننا بالسياط .. وكان التعليق في السجن كالذبيحة .. وكان الضرب حتي تتطاير الأظافر وتتورم الأقدام .. ثم يكتب الضحية كل شيء يملي عليه .. وفي النيابة من يريد أن يقول الحق .. يرد إلي التعذيب .. وضربوا السيد نزيلي حتي تمزق الشاش الملفوف حول قدمه .. والجراح لم تندمل بعد وأشاروا إلي أن أذهب إلي النيابة ـ التي كانت داخل السجن الحربي ـ وأتكلم كويس .. مما يوحي أن هناك تنسيقًا بين حماة القانون !! [ انتهي بتصرف ] ..

وللأسف الشديد أن البعض كتب عن هذه الاعترافات التي أخذت تحت هذه الظروف علي أنها حقيقة وهو يعتبر نفسه ( مؤرخ محايد ) وأنه حصل علي ( وثيقة ) !! .

وجاء في الأخبار العدد 7629 السنة 25 يوم 29 / 11 / 1976 أن مكتب التحقيق في قضايا التعذيب تحت إشراف المحامي العام هاشم قراعة .. يحقق في تعذيب أهالي كرداسة .. إن ما تعرضت له قرية كرداسة يفوق عشرات المرات ما حدث من 70 سنة لدنشواي علي يد المحتل .. ففي مساء 21 / 8 / 1965 جاء رجال بملابس مدنية يحملون مسدسات .. وسألهم من أنتم ، ولا جواب .. ثم بعد معركة الاهالي معهم بثلاث ساعات .. جاءت المدرعات تحاصر كرداسة .. وجنود الصاعقة ..

كذب الصحافة : وكتبت الصحافة عن الأوكار الخطيرة وعن سلاح .. الإخوان الإرهابيين .. وفي التحقيق ثبت التعذيب والإصابات .. كمال الفرماوي أصيب بكسر في الساق ، وفي الأسنان وإصابات أخري .. واتهموه بأنه قائد التنظيم السري الإخواني في القاهرة كلها !! عائلة بأكملها اعتقلت .. اعتقلوا طالبًا صغيرًا رغم أنه لا يعرف شيئًا اسمه الإخوان .. جاء الضابط وصفوت الروبي وأقاموا 3 معسكرات للاعتقال والتعذيب .. !! [ ج جـ 3 / 26 ] .

ثالثًا : أماكن التعذيب وإخفاؤه ونوادره

(1) أماكن التعذيب : كان التعذيب في أماكن متفرقة في الجمهورية وأهمها ، السجون الحربية بما في ذلك سجون القاهرة وسجن مصطفي كامل بالإسكندرية الذي بني مكانه عمارات للضباط ، وسجن مجلس قيادة الثورة ، والمخابرات الحربية ، والبوليس الحربي والشرط العسكرية والمحاكم العسكرية ونيابة أمن الدولة ومحاكم أمن الدولة .. وسجون المباحث العامة وخاصة سجن القلعة والمحافظات وسجن أبو زعبل والأقاليم ومراكز الشرطة ومقارها ..

وهذه الأماكن تتنافس وتتسارع في فنون التعذيب .. والضحايا بالأساليب التي ذكرتها في هذه الأوراق .. وغيرها ، وذلك للحصول علي اعترافات ولو كانت غير صحيحة .

(2) إخفاء التعذيب : كان التعذيب في أمكان بعيدة عن الجمهور حتي لا يراها الجمهور ، ولا يسمع أحد عن عنف الشرطة إلا في فض المظاهرات فيكون القمع والضرب وغيره .. وطالما أن التعذيب في أمكان خفية وبعيدة عن الجمهور ، فيكون التعذيب لأخذ اعترافات كاذبة فيتهم الضحية نفسه وأنه أتي بأفعال يعاقب عليها وفي الحقيقة فإنها اتهامات كاذبة ، وفي حالات يكون التعذيب لاتهام الآخرين .. وإن كان ذلك لم يحدث إلا للتخلص من وطأة التعذيب فيقول الضحية .. أي كلام لكي ينجو من التعذيب .

وإخفاء التعذيب .. لإخفاء الجريمة .. لأنهم يعلمون أنهم اجرموا وفي حالة تصفية الضحية يخفون معالمها .. ويضعون معه أسلحة لإيهام الناس أنه استخدم السلاح وكانت الشرطة في حالة دفاع عن النفس ؟ أو لكي يظن الناس أنهم قتلوا أنفسهم . كما فعل في حادث سجن طرة سنة 1957 ..

وكما يخفون التعذيب .. يخفون القبض والاعتقال .. فيكون ذلك في وقت السحر والسكون .. لذلك سموا بـ ( زوار الفجر ) .. والذي يموت من التعذيب في السجن .. تطفأ الأنوار .. ويفتح علي زنزانته ليلاً .. ويحمل علي عربة مقفولة والدفن يكون في الجبل .. في مكان يعرفونه .. ولا يعرفه أحد !! ولذلك فإن الذين قاموا بالتعذيب .. وقاموا بإخفائه ، ظنوا وصدقوا أنفسهم أنهم لم يرتكبوا جرائم .. ولذلك إذا سئل أحدهم عن التعذيب أنكره ونفاه وجحده .. لكن التعذيب ثابت بأحكام المحاكم ، والقضاء الحر .. وإذا هم أفلتو من عقوبة الدنيا وقاضي الدنيا ، فكيف يفلتون من يد أحكم الحاكمين ، الذي لا تخفي عليه خافية .. المنتقم الجبار .. يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا مال ولا سلطان .. إلا سلطان الواحد القهار !! .

(3) نوادر :

1 ـ نوادر في القبض والاعتقال والتحقيق : لقد قبض علي عدد من المهندسين .. ولما عذبوهم وسألهم عن التنظيم فقالوا نعم وأخبروا عن أسماء زملائهم في التنظيم .. وبعد التحقيق تبين أنهم يعملون في إدارة تنظيم البلدية ! .

2 ـ وقبض علي ( م . ف ) ؛ لأنه لم يصفق في مجلس الأمة وكان عضوًا به ولما سألوه قال : هو مهمتنا التصفيق ؟ .. وبعد انتهاء المجلس .. طلبوه ، وسألوه عن اتصاله بدولة أجنبية وكان من بين المعتقلين في مزرعة طرة ..

3 ـ وقبض علي أحد الضحايا لم أذكر اسمه وذلك بسبب أنه أثناء شراء كرنب ، فقيل له وماذا تحشية .. قال: نحشيه اشتراكية .. وكانت الإشتراكية تدرس ، وتذاع .. وتملأ مصر وإعلام مصر وفي ذات الوقت كانت السلعة غير متوفرة أو أسعارها عالية .. مع ندرة الأرز .. فكانت هذه نكتة .. وكانت سببًا للاعتقال .. وكان في مزرعة طرة ..

4 ـ وتقرأ في جريدة الأخبار العدد 7994 لسنة 26 يوم 29 / 1 / 1978 في فكرة لمصطفي أمين ، جاء فيها : منذ أيام زرت مدرسة شبرا الثانوية للبنات ورأيت هناك السيدة / نبيلة زكي المدرسة قبض عليها في عام 1965 .. ورفض الذين خطفوها أن يقولوا ما هي جريمتها .. وعجز زوجها أن يعرف مكانها .. واستمر سجنها 3 شهور وكانت تصرخ خلالها ماذا فعلت ؟ فلا أحد يجيب .. وفي نهاية الأمر قال لها وكيل النيابة إنها متهمة بأنها من الإخوان ، فصاحت انا مسيحية ! .. وذهلوا .. وحققوا واكتشفوا انها قبطية وزوجها قبطي وأولادها أقباط !!

وفي نفس جريدة الأخبار المشار إليها يوم 29 / 1 / 1978 أن علي سلامة النائب ، قبض عليه هو و22 شخصًا بينهم نواب وصحفيون ومحامون .. بأغرب تهمة في العالم ، وهي أنهم شيعوا جنازة النحاس باشا .. ووضعوا في معسكر القلعة ورموهم في الزنازين بلا غطاء ولا مقاعد .. وكانوا موجودين بعد ذلك في مزرعة طرة .. وقال أحدهم لأحد المعتقلين وهو يحكي هتافات الجنازة : وحملنا النعش وقلنا : يحيا النحاس باشا !؟

ومن نوادر القبض والاعتقال ما كتبه جلال الدين الحمامصي في ( حوار ) ص 124 عن قصة ( بتوع الأتوبيس ) قال : في فترة من الفترات انتقلت مهمة الإشراف علي مؤسسة النقل العام إلي شخصية عسكرية .. وحدث أن ركب الأتوبيس مواطنان .. وجاء الكمساري ، فلم يدفعا الأجرة علي أساس أنهما واقفان .. وبعد الحوار بينهما .. اتجهت السيارة إلي قسم الشرطة .. وفي زحمة القبض علي أعضاء في هيئة دينية .. دخل المواطنان معهما .. وتم الترحيل مع أعضاء الهيئة .. إلي معتقل الوادي الجديد .. وصرخا : نحن ( بتوع الأتوبيس ) ولم يعرف مصيرهما .. ومر عام .. وعام آخر .. وكلما قالا : ( احنا بتوع الأتوبيس ) انهال الحرس عليهما بالضرب .. واستسلما بدون أمل .. فلم تكن هناك وسيلة للاتصال بمن يدافع عنهما ويخرجهما من المعتقل ..

وأين كانت الصحافة ؟ كانت في أجازة مثل القانون .. [ انتهي مختصرًا بتصرف ] .

ومن نوادر التعذيب والتلفيق والتزوير ما جاء في كتاب ( سنة ثانية سجن ) للكاتب مصطفي أمين ص 330 فقد كان مصطفي أمين يستمع للسجناء زملائه في ليمان طرة ، وقد سمع من أحدهم أنهم ضربوه حتي فقد النطق فظنوا أنه مات .. فأبلغوا نيابة أمن الدولة انه مات بالكوليرا .. فأمرت النيابة كتابةً بحرق جثته خوفًا من العدوي .. ثم ظهر أنه لا يزال حيا ، فأرسلوه إلي المعتقل ، ولكنه بقي ميتًا رسميًا ، فحرموه من معاش والده لأنه مات ! وفصلوه من كلية الطب لأنه مات ، وبقي معتقلاً في المعتقل ، وميتًا في الأوراق الرسمية ؟!

5 ـ وجاء في نفس الكتاب ص 326 : أن قاضيًا .. كان يشاهد جريمة قتل من نافذته ، رأي بعينه أن القاتل فر هربًا .. ثم جاء خباز فوجد جراب الخنجر ملقي علي الأرض فأخذه ، فضبطه البوليس معه ، فاتهموه بالقتل مع أنه برئ ، وبواسطة التعذيب اعترف بقتل لم يرتكبه ، ثم جئ به أمام القاضي الذي شاهد الجريمة بعينه ، ورأي الجاني الحقيقي هاربًا ، وشاهد الخباز يلتقط جراب الخنجر ، ويعرف انه لم يقتل ، ولكنه قضي بإعدامه آخذًا بالاعتراف نتيجة التعذيب .. لأن الاعتراف سيد الادلة .. !! انتهي بتصرف .

وهكذا يُكتب التاريخ .. وهكذا يصدق المؤرخون الوقائع المزورة كما صدقها هذا القاضي !

6 ـ وفي نوادر التحقيقات أن حامد البطل سئل في التحقيق : انت بتدفع وكان طيبًا .. وكان يضع طرف السماعة في أذنه .. والسماعة كالعلبة في جيبه .. فقال : مدفع ! .. وكانت هذه مفاجأة للمحقق .. وظن أنه سيخبر عن المدفع والأسلحة .. وأحب أن يقدم له شراب ، ليغريه بأن يتكلم عن الأسلحة !! ثم قالوا له : قل لنا عن المدفع والأسلحة .. فقال : المدفع موجود أمام باب المديرية وأشار بإصبعية !! ..

7 ـ ومن نوادر التعذيب في ( أبو زعبل ) كان القائم بالتعذيب الصول الجوهري وكان صوته جهوري وكان لما يعذب الضحية .. يقول له : اصرخ بصوت عالي .. وفهمنا بعد ذلك أن هناك تسجيل يسجل أصوات الضحايا .. فقد كان في القائمين بالتعذيب من تأخذه الشفقة !! .

8 ـ ومن نوادر الأحكام أنه جاء في أخبار اليوم 16 / 11 / 1974 عن أمين سوكة .. السفير السابق : قبضت عليّ المخابرات العامة أثناء تواجدي بمنزلي الساعة 3 صباحًا ثم نقلوني إلي سجن الاستئناف .. وقدمت للمحاكمة وصدر الحكم ببراءتي في 19 / 6 / 1969 وغادرت السجن إلي منزلي في نفس اليوم .. وفي 23 / 6 / 1969 أثناء تواجدي بالمباحث العامة بناء علي طلبهم ، صدر أمر شفوي باعتقالي ، ونقلت إلي معتقل طره ، وأعيدت محاكمتي لعدم التصديق علي حكم البراءة .. وحكم ببراءتي للمرة الثانية في 14 / 5 / 1970 .. انتهي من [ ج 3 / 20 ] .

وكان في مزرعة طرة ـ وكانت إقامته في مستشفى المزرعة ـ وكانت ابنته انتصار سوكة في كلية الحقوق وكانت تشبهه وكانت متقدمة علي زملائها في الدراسة .. وذكرته بها .. فضحك .

9 ـ ومن نوادر الإفراج بعد التعذيب أن محمود حسين ، وكان في الشرطة البحرية قبض عليه وأودع السجن الحربي بمصطفي كامل إسكندرية .. وقام بتعذيبه ضابط اسمه مدحت وكسر رجله وأصبع قدمه وتورمت قدمه وتقيحت .. ثم ثبت أنه برئ .. وكان مدحت يدوس علي وجهه بالحذاء .. ولما جاء الإفراج فرح المعتقلون له ؛ لأنه برئ .. لكنه لم يستطع الوقوف .. ولما علم الذين قاموا بتعذيبه .. خافوا علي أنفسهم .. ثم أودع المعتقل ولم يفرج عنه إلا في أغسطس 1956 أي بعد سنتين .

10 ـ ومن نوادر أسباب التعذيب : أن صفوت الروبي يطلق صفارته ، فيسرع الإخوان إلي حوش السجن ـ كالعادة ـ ثم يصعد للمرور علي الأدوار ليتأكد أن الجميع قد نزلوا .. ثم ضبط مجموعة تؤدي صلاة العصر ، فأمر لكل واحد منهم بـ 30 كرباجًا .. طبعًا لأنهم لم ينفذوا الأوامر ولم يتركوا الصلاة .. بعدها عجز بعضهم عن الحركة .

11 ـ وفي الطوابير لا يتحرك أحد من الصف ولا يلتفت .. لكن لاحظ العسكري أن بعض الضحايا يحرك شفتاه .. يسبح ويستغفر .. فيخرجه من الطابور ويضربه .. ثم يقول : بتدعوا علينا يا ولاد كذا .. وهكذا ..

(4) ـ آيات الله :

ومن آيات الله في فترة التعذيب والاعتقال أن تحدث أحداثًا تطمئن الإنسان وتصبره علي البلاء : " ومن يتصبر يصبره الله " .. من ذلك علي سبيل المثال :

1 ـ أن حمزة البسيوني قدم السجن وقد خطر عليه أن يمر علي المعتقلين بدون سبب .. وبعد مروره علي الدور الثاني وجد 8 في زنزانة .. وأمر بنزولهم إلي فناء السجن .. وكان منهم د. مصطفي عبد الله مفتش بوزارة الصحة بمحافظة القليوبية .. وكان رجلاً تقيًا ورعًا .. وخصص لهؤلاء الثمانية زنازين انفرادي ، دون سبب ولا ذنب .. ولم يكتف بالحبس الانفرادي بل اختار أضعفهم جسمًا وأكبرهم سنًا وهو د. مصطفي عبد الله ، وأمر أن يوضع معه في الزنزانة كلبه المتوحش الذي في هيئة الحمار .. وظن المعتقلون أنه سوف لا يصبح الصباح إلا وقد مزقه الكلب وفتك به ، وأصبح الصباح ولم يحدث شيء .. ومضي اليوم الثاني .. ونحن نتوقع الموت له أو لنا في كل لحظة ، فنحن في أيدي من لا يخافون الله .. ولا أدب عندهم ولا قانون .. ومر علينا الحارس ليلقي بلقيمات الافطار ، وكان الحارس علي خلاف الحرس الآخرين .. فقال : لقد كنا جميعًا نتوقع أن يصرعه الكلب ، ولذا كان همي طول الليل أن أنظر إليه من ثقب الباب .. لكن رأيت عجبًا .. لقد أمر قائد السجن أن لا نقدم طعامًا للكلب طول الأسبوع ، فلما ادخلت الطعام ، ثم نظرت من ثقب الباب ، رأيت الكلب جاثيًا أمام الباب ووجهه نحو الباب .. كانه يحرس الزنزانة من داخلها ، ورأيت الدكتور يقدم الطعام للكلب والكلب لا يقربه .. والدكتور يكلم الكلب كأنه إنسان ، ويعزم عليه أن يأكل والكلب يرفض ، فيأكل الدكتور ثم ما بقي يقدمه للكلب فيأكل ، ويقدم له جردل الماء ليشرب فلا يشرب الكلب ، وينتظر حتي يتوضأ الدكتور ثم يلحس الكلب الماء الذي وقع علي الأرض من الوضوء !! وكان الدكتور يكلم الكلب .. ويضع يده علي ظهره فينيخ الكلب ويبسط أقدامه بجانب الدكتور كانه ولد صغير ..

وبعد الليلة الثالثة سأل قائد السجن الحارس عما حدث فأخبرته فاغتاظ ، ثم أمر بإنهاء الحبس الانفرادي .. وتعجب من أمر هذا الظالم كيف لا يخشي الله ، وينحني ساجدًا لقدرة الله ! [ أحداث : 3 / 435 بتصرف ] .

2 ـ ومن آيات الله في تعذيب الحاجة زينب الغزالي أن أخذها العسكر في ستر الليل .. وتقول : وكانت أمعائي تصرخ من الجوع وحلقي يكاد يتشقق من العطش ، وآلام جراحي تضرب في كل جسدي بعنف وشراسة .. وكانت الحاجة زينب في زنزانة الماء التي ذكرتها في وسائل التعذيب .. قالت : أخذتني سنة من النوم .. فإذا بخلق جميل ، يرتدون حللاً من الحرير .. يحملون صحافًا من ذهب عليها ما طاب من الأطعمة من لحوم وفاكهة لم أر لها مثيلاً !! فأخذت آكل من هذه وتلك ، واستيقظت من سِنة من النوم ، فوجدت نفسي في شبع وري فلا جوع ولا عطش .. ومذاق الاطعمة ما زالت في فمي .. مكثت في الماء إلي اليوم الثالث .. ودخل صفوت وهو يهزني .. ويقول لي :

احكي الحكاية ، كيف اتفق سيد قطب مع الهضيبي علي قتل عبد الناصر ومتي قالا لك أن تأمري عبد الفتاح إسماعيل بقتل عبد الناصر ؟ فقلت كل هذا لم يحصل ، فخرج يلعن ويسب ... واتجهت إلي الله بكل إيماني أن يحفظني مما يدبرون !! [ أيام من حياتي : 98 بتصرف ] .

3 ـ في معتقل السجن الحربي بالقاهرة 1954 حدثت أحداث وآيات ، فقد حدث أن المعتقل علي أبو خضرة وشهرته علي خصر كانت فاجأته الزايدة وآلامها .. ولا طبيب ولا مستشفي .. حيث هذا معتقل ليس له دية وحتي لو طلب الطبيب .. فلا حياة لمن تنادي .. وكادت تفتك به .. لكن آية الله ان كان موجود الطبيب العالمي صاحب الزمالة في الجراحة .. وكان من المعدودين في مصر وهو الطبيب أحمد الملط المعتقل في نفس السجن .. فكيف تمت العملية .. أحضروا للطبيب إبرة خياطة وفتلة وموس .. وفتح الطبيب واستأصل الزايدة باسم الله وبدون بنج .. وتمت العملية .. وبعدها شفي علي خضر والحمد لله وقد زاره الناس في منزله بعد خروجنا من المعتقل وكان يسكن في باكوس شارع إسحاق رمل إسكندرية .

4 ـ ولقد كان التعذيب آلام وشدة .. لكن بعده كان يشعر احدنا بالرحمة والسكينة .. وهذا من فضله سبحانه ..

(5) الرؤيا :

لا أستطيع ان احصي عدد الرؤيا التي رأيتها ورآها المعتقلون في المعتقل .. فقد كانت الرؤيا نراها ، وتتحقق ، وكانت الرؤيا إما واضحة تتحقق كما هي في الواقع وإما كانت رمزية تحتاج تفسير ، وكان موجودًا معنا من علمه الله تفسير الرؤيا ، وكان ذلك من فضل الله تعالي .. وقد كانت الرؤيا في سورة يوسف وقد علمه الله تفسير الرؤيا وهي آيات وجزء من أربعين جزءًا من النبوة { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ .. } [ يوسف : 6 ] ، فهي من فضل الله ونعمه .

وكنا نعرف أحوال الأهالي من الرؤيا وأحوال البلاد والسياسة وما سيحدث وكنا نري الأنبياء والرسل .. والابتلاءات التي تعرضوا لها وعلي سبيل المثال : رأيت موسي عليه السلام وهو يمشي معنا في الطابور .. وهذه تحمل معاني كثيرة .

ورأينا أن أهلنا يزورننا في المعتقل قبل أن تفتح الزيارات .. وكان ذلك مما لا يتوقع وتحقق ذلك ورأيت صور الحجرات التي كانوا يزوروننا فيها .. ورؤية ما يحدث وما يستجد في الكانتين من أطعمة وخضروات .. وكان هذا من فضل الله .

ومن العجيب أن كان حسين الروبي في معتقل مصطفي كامل بإسكندرية وهو سجن صغير للعسكر وفي يوم كان حسين الروبي يبشر إحوانه في المعتقل برؤيا وكان ذلك في الضحي وقد أخبر بأنه وهو يصلي الضحي رأي ابنه أمامه .. فأولها علي أنه سيخرج اليوم ! وكان الإخوان لا تصدق أن يكون له إخراج في هذه الظروف ولكن فوجئنا بمن ينادي عليه في وقت الظهر بالإفراج .. وعجب الإخوان أن يري هذه الرؤيا في هذه الظروف العصيبة وتتحقق .. في نفس اليوم .. بل في وقت وجيز .

مع العلم أن حسين الروبي من محر بك وهو أخو صفوت الروبي الذي كان يعذب ويقتل الضحايا بدون حساب .. ولم يعلم أحد أنه أخو صفوت إلا بعد الخروج من المعتقل بعد محنة 1965 !! وإن كان بعض إخوان إسكندرية يعرفون حسين وصفوت الروبي ..

الباب الخامس

الاغتيـــــــــــالات

  • ثانيًا : تلفيق اغتيال أحمد ماهر باشا للإخوان .
  • رابعًا : حادث سيارة الجيب .
  • سادسًا : اغتالات قامت بها ثورة 1952 .

أولاً : حادث اغتيال البطل أحمد عبد العزيز

جاء في كتاب لعبة الأمم وعبد الناصر لـ محمد الطويل ص 29 وما بعدها عن حرب فلسطين 1948 : وكانت الصهاينة تعلم خطورة الإخوان المسلمين عليهم وأنها تقف حجر عثرة أمام توسع اليهود في فلسطين .. فشنت دعاية وحرب إعلامية .. وألصقوا بها الاتهامات المختلفة وأنها خطر على مصالح أوربا وأمريكا .. وأنه ستقوم دولة إسلامية كبرى .. هذه الدعاية السوداء دائمًا تكون مقدمة لضرب أي حركة إسلامية تتنامى .. فيتم التشويه والتشهير وتلفيق التهم والعمل على التحذير منها وكراهية قادتها واعضائها .. والناس تصدق هذه الأكاذيب .. ولم تتأثر قوى الإخوان المسلمين بهذه الدعاية بل زادت من نشاطها .. ولما اشتد الحصار على مدينة القدس مما دعا المحاصرين إلى مناشدة تل أبيب لإنقاذهم .. إلا أن بن جوريون رد عليهم قائلاً : لا تيأسوا .. اصبروا وسينتهي هذا الموقف المتأزم ! .. فكانت الخطة : فك الحصار وعدم الاستيلاء على القدس ، وتم استدعاء البطل أحمد عبد العزيز .. للقاهرة لأمر عاجل .. وذهب إليه صلاح سالم أحد أعضاء مجلس ثورة يوليو في سيارة جيب يقودها صلاح سالم وبجواره أحمد عبد العزيز .. ولما اقتربت السيارة من عراق المنشية من قطاع الفالوجا التي كان فيها رئيس أركان حربها جمال عبد الناصر .. وهنا انطلقت رصاصة فجأة تصرع أحمد عبد العزيز ..

وفي ص 32 من الكتاب السابق وما بعدها يقول حسن التهامي : إن استدعاء أحمد عبد العزيز كان هدفه استبعاده عن جبهة القتال على وجه السرعة .. وعزله عن قوة المتطوعين المعدة للاستيلاء على القدس الإسرائيلية .. وكان ذلك بأمر حكومة النقراشي باشا .. وكان أحمد عبد العزيز يسرع ليتمكن من إقناع القيادة بعدم الموافقة على قرار الهدنة .. لكن تحققت المؤامرة والخيانة واغتيل أحمد عبد العزيز ..

أما اغتيال أحمد عبد العزيز فيثير علامات استفهام :

  1. كيف تصيب الرصاصة الجانب الأيسر لأحمد عبد العزيز ولم تصب السيارة أي سوء ..
  2. كيف لم تصب الرصاصة سائق السيارة صلاح سالم رغم أنه في وضع حماية وساتر لأحمد عبد العزيز الجالس بجواره .
  3. لماذا لم تقم كتيبة عراق المنشية بإسعافه .. وتركته ينزف ؟
  4. لماذا لم يكشف عن نوع الرصاصة ..
  5. لماذا ذهب صلاح سالم لإحضاره عاجلاً ؟ مع أن هناك اتصال بين مركز القيادة ومركز تجمع المتطوعين ..
  6. ولماذا اصرار مركز القيادة على استدعائه في هذه الليلة وهي تعلم أنهم يحاصرون القدس ؟ .. وعدم إتاحة الفرصة لتحقيق هدف أحمد عبد العزيز .. ولا ننس كلام بن جوريون لليهود بان الحصار سنتهي فاصبروا ..

ويقول أ / محمد الطويل في ص 36 وما بعدها : وهذا يفسر لنا في فصول لاحقة كيف تخلصت الثورة من الإخوان المسلمين .. لقد كانت الإخوان عقبة أمام السلام مع إسرائيل وأنها قوة وطنية هامة في مواجهة أي قوى أخرى .

لقد شدد اليهود حصارهم بعد الفالوجا وهجموا على بئر سبع .. وأصبح لليهود القدرة على الحركة وأصبح موقف القوات المصرية حرجًا للغاية .. مما دعا اللواء المواوي قائد حملة فلسطين أن يطلب رسميًا في عدة خطابات .. تجنيد أكبر عدد من شباب الإخوان المسلمين لإرسالهم فورًا إلى الميدان ، وقد كلف اللواء المواوي الأستاذ محمد فرغلى رئيس متطوعي الإخوان بالسفر إلى القاهرة لتجهيز المتطوعين .. ولما سمع النقراشي باشا رئيس الوزراء .. رفض ذلك ؛ لأنه كان يعد خطة لضرب الإخوان ، ولو أدى الأمر لتعريض الجيش للخطر وأفدح الخسائر .. وقررت الحكومة المصرية سحب المواوي وتعين اللواء أحمد فؤاد صادق قائدًا لحملة فلسطين .. ثم أصدر النقراشي قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين .. وتم اعتقال عدد كبير منهم وكان من بينهم الشيخ محمد فرغلي .. وكذلك أصدر النقراشي أوامر مشددة إلى اللواء فؤاد صادق ان يسحب قوات الإخوان من مواقعهم وأسلحتهم واعتقالهم وارسالهم كأسرى حرب إلى معتقلات مصر .. ولكن اللواء فؤاد صادق رفض بشدة اعتقالهم واكتفى بسحبهم من مواقعهم .. ثم فوجئ الإخوان بحصار المعسكر الذي يتحركون فيه برفح .. وقد ترتب على سحب الإخوان المسلمين من مواقعهم انطلاق الصهاينة فورًا لاحتلالها واحتلال مواقع أخرى وأصبحت إسرائيل طليقة بصحراء النقب .. وبهذا رأى شباب الإخوان أنه لا بد من اغتيال النقراشي لموقفه الغريب .. فهو يخدم الاستعمار وأدى لإسرائيل خدمات جليلة .. وكان النقراشي يبرر إجراءاته بإشاعة مؤامرات وهمية تدبر في الخفاء لقلب نظام الحكم !! ولم يسمح للإخوان بالدفاع عن أنفسهم .. لكي يعرف الشعب حقيقة الأمور ..

وهذه الهجمة الإعلامية الشرسة ، والتعتيم أيضًا قد تقرر وتكرر بعد الثورة في حادث المنشية .. عام 1954 وزادت الاتهامات التي وجهت للإخوان لقلب نظام الحكم وفي الدعوتين كانت الأسباب الحقيقية واحدة .. وهي الخلاص والقضاء على الإخوان ؛ ولأنها قوة وطنية مانعة من تحقيق أي غرض استعمارى وتعطيل الاتفاق بين بريطانيا وبين مصر ..

وفي ص 40 يقول : ولذلك وبعد 44 يومًا من اغتيال النقراشي .. اغتيل المرشد العام للإخوان المسلمين حسن البنا في 12 / 2 / 1949 .. ويعتقد البعض ان الصهيونية قد ساهمت من وراء ستار في تدبير اغتياله لدوره الخطير في حرب فلسطين وتعبئة الشعور الإسلامي وإيقاظ العقيدة الإيمانية لدى شعوب المنطقة كما أنه يمثل خطورة على المصالح الاستعمارية والصهيونية وإسرائيل الوليدة .. انتهى باختصار شديد من كتاب لعبة الأمم .

وجاء في الأهرام يوم 22 / 4 / 1984 في الصفحة رقم (5) مقالة للضابط محمد حسن التهامي نائب رئيس الوزراء برئاسة الجمهورية توضيحًا لمقتل البطل أحمد عبد العزيز .. تحت عنوان : ( إخلاء الأرض من أقوى عناصر في مواجهة اليهود ) .. استدعت القيادة المصرية بأوامر من القاهرة البطل أحمد عبد العزيز ليترك الجبهة التي كان يسيطر عليها تمامًا .. وكان أحمد عبد العزيز في حالة من الغضب لما جرى من تواطؤ في هذه الحرب لصالح إسرائيل .. ونزل في سيارة جيب يقودها الرائد صلاح سالم .. وأثناء دخوله عراق المنشية التي كان جمال عبد الناصر أركان حربها ، قُتل أحمد عبد العزيز .. وكان موشى ديان يعمل له ألف حساب ويخشاه أكثر مما كان يخشى كل القوات العربية المقاتلة في 1948 ، فهل كان استدعاؤه مصادفة ؟ أو إبعاده عن ميدان القتال مصادفة ؟ ثم استشهاده على هذه الحال .. ألم يكن هذا كله حلقة من حلقات الحرب .....

هذا وقد أشاعوا عنه أنه لم يعرف كلمة السر ! وهذا تبرير ساذج !

ثانيًا : تلفيق اغتيال أحمد ماهر باشا للإخوان

تمهيد : إن الحكومات كانت تنسب الاغتيالات إلى الإخوان ، وذلك لتكوين وترسيخ عقيدة لدى الناس أن الإخوان قتلة وأصحاب اغتيالات ومؤامرات ليكون ذلك مبررًا للتعذيب والتلفيق والقضاء عليهم ، والحكومات تصر على ذلك حتى لو تبين إن الإخوان برآء .. وذلك لكي تبرر الإجراءات الاستثنائية من القبض والاعتقال والتعذيب والتلفيق .. والعقوبات المشددة .. والقسوة في المعاملة .. ومن ذلك : حادث اغتيال أحمد ماهر باشا وحوادث أخرى .

فقد تولي مصطفي النحاس باشا الوزارة في 4 فبراير 1942 بطلب من الإنجليز حيث حاصروا قصر الملك بالدبابات .. ولم توافق وزارة الوفد علي طلب الإنجليز علي إعلان الحرب علي دول المحور ( ألمانيا وإيطاليا ) فقد كانت الحكومات ترى أن لا مصلحة لمصر في إعلان الحرب علي دول لم تمسنا بأي نوع من أنواع العدوان .. لذلك عقد الإنجليز الصفقة مع السعديين وجاء أحمد ماهر باشا مطمئنًا إلي تأييد الإنجليز لرئاسة الوزارة في 9 / 10 / 1944 متحديًا بذلك إرادة الشعب .. لكن الشعب غضب عليه وقام شاب فدائي اسمه محمود العيسوي ويعمل محاميًا وأطلق الرصاص علي أحمد ماهر باشا فقتله .. ولما سئل العيسوي عن الدافع في ذلك قال بصريح العبارة : إنه اعلن الحرب علي دول المحور وهذا يجرّ البلاد إلي دار الحرب التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل ، وأن إعلان الحرب كان بتدخل الإنجليز ..

وكان العيسوي من الحزب الوطني الذي أسسه مصطفي كامل باشا الذي توفي في منفاه ، والمعروف بوطنيته والذي كان يسعي لتحرير مصر من المستعمر الإنجليزي .. وكان في وزارة أحمد ماهر باشا من الحزب الوطني وزير العدل واسمه حافظ رمضان باشا .. إلا أن الدعاية الحكومية نسبت هذا الاغتيال إلي الإخوان المسلمين وادعت أن العيسوي من الإخوان .. حتي يستقر في الأذهان أن الإخوان قتلة وأرباب الاغتيالات .. ولكي تؤكد ذلك فقد قامت بتعذيب بعض الإخوان من النظام الخاص حين قبض عليهم في سنة 1954 مستغلة في ذلك عقد محكمة الشعب بعد ما يقرب من عشر سنوات من حادث المنشية وقدمتهم للمحاكمة بعد إرغامهم علي أن العيسوي كان عضوا في التنظيم الخاص للإخوان ! وفوجئ الناس بذلك ودهشوا .. وصدرت الصحف وأُلّفت الكتب علي هذا التلفيق .. !!

وزيادة في نسبة وثبوت هذا الحادث الملفق إلي الإخوان .. كان مسلسل الجماعة في عهد الرئيس مبارك الذي عُرض في الفضائيات لترسيخ هذه العقيدة في أذهان الناس .. بأن الإخوان قتلة .. وإرهابيون .. يدبرون الاغتيالات .. وقد أخرج هذا المسلسل السينارست وحيد حامد مع أنه كان يدعي أنه محايد .. مع أن أعماله تدل علي أنه كاره للإخوان ، وكان يقول إنه استغرق في كتابة المسلسل 6 سنوات مع أن فيه أخطاء تاريخية ودينية ولما كان ذلك كله من الافتراء والكذب علي جماعة الإخوان .. وأن الحقيقة لا بد أن تظهر ولو بعد حين وأن الكذب ليس له بقاء .. فإن حفيد أحمد ماهر باشا ـ رحمه الله ـ وكان وزيرًا للخارجية في عهد الرئيس الأسبق مبارك وكان اسمه أحمد ماهر أيضًا أراد أن يشهد شهادة حق قبل وفاته .. فأعلن أن العيسوي الذي قتل جده أحمد ماهر باشا ليس من الإخوان .. وبذلك فقد بطل السحر .. { مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } [ يونس : 81 ] .

وكان الخبر كالآتي : في يوم ( 29 / 9 / 2010 ) ( 20.59 مكة المكرمة ) أدلي السفير أحمد ماهر وزير الخارجية السابق بشهادة خطيرة حول جماعة الإخوان المسلمين قبل وفاته بأيام حيث برأ جماعة الإخوان من قتل جده أحمد ماهر باشا ، وقال السفير ماهر في برنامج القاهرة اليوم علي قناة ( اربت الفضائية ) من 4 سبتمبر الماضي ردًا علي مسلسل ( الجماعة ) أن العمل نسب إلي الإخوان أعمالاً لم يكن للإخوان يد فيها .. موضحًا أن حادث اغتيال جده أحمد ماهر باشا نفذه شاب من ( الحزب الوطني الجديد ) [كان الحزب الوطني يعمل علي قطع أذناب المستعمر الذين يخدمونه ويتقربون إليه ولو كان علي حساب الشعب وكانت الحركات الوطنية كذلك تحارب المستعمر وأذنابه الذين ينفذون أغراضه .. فقد كانت الحركات الوطنية تكون الفدائيين للأعمال الفدائية في القتال .. ومن هنا كانت الاغتيالا قبل ثورة 1952 ، من ذلك أن السادات الرئيس الأسبق شارك فيها ، واتهم هو وحسين توفيق باغتيال أمين عثمان .. وكان الضباط الأحرار كذلك .. فقد قال السادات في البحث عن الذات : أذكر مثلاً في سنة 1951 طرأت فكرة لـ عبد الناصر أن تبدأ الثورة بحركة اغتيالات واسعة ... فقلت له : غلط يا جمال .. نبذل الجهد في قيام الثورة .. وليكن هذا هدفنا المباشر ) .. وعندما عزم الملك في 18 مايو تغيير الوزارة .. يقول السادات في البحث : 139 ، ( وأنه سيكون اللواء حسين سري عامر الذي يعرف الكثير عن الضباط الأحرار والذي سوف يكون أول ما يفعله أن يقضي عليهم .. لكي يثبت للملك قوته وولاءه .. فقد ( وصل عبد الناصر إلي حقيقة ، إما نحن وإما حسين عامر الوزير القادم ) انتهي .. ومن المعروف أن عبد الناصر اشترك في محاولة اغتيال حسين سري وذلك قبل الثورة ] .. يدعى محمود العيسوي ، إلا أن المسلسل قدمه علي أنه عضو بالجماعة !! .. انتهى .

فهل بعد هذا البيان ، يعلن الأستاذ وحيد حامد الحقيقة ، ويصحح الاخطاء ، وياخذ بثقافة الاعتذار ! .

ولما كان الهدف من المسلسل هو ترسيخ أن الجماعة إرهابية .. وجاء هذا التصريح .. فقد انقلب السحر علي الساحر ، وظهرت الحقيقة .. [ راجع أحداث : جـ 1 / 331ـ 341 والقافلة : جـ 1 / 113 ـ 114 بتصرف ] .

ثالثًا : تلفيق حادث المنشية

قامت الثورة في يوليو 1952 وفي فترة وجيزة تخلص عبد الناصر ممن ساندوه في قيام الثورة من زملائه الضباط الأحرار وغيرهم ممن عارضه .. ولم يبق إلا محمد نجيب رئيس الجمهورية والإخوان المسلمين .. وكان لنجيب شعبية يحسده عليها عبد الناصر وكانت الإخوان قوة منظمة ولها شعبية .. وقد استطاع عبد الناصر لكي ينفرد بالحكم أن يتخلص من نجيب والإخوان بتدبير حادث المنشية في 26 / 10 / 1954 بمساعدة الأمريكان كما سنرى .. وهذا الحادث أثار جدلاً واسعًا بين المراقبين وقد كان هناك خلاف بين نجيب والإخوان من جانب وبين عبد الناصر .. وقد قامت ثورة الإخوان في عابدين لإعادة نجيب إلي السلطة .. وإعادة الحياة النيابية وكانت هذه الثورة بقيادة عبد القادر عودة من قادة الإخوان .. وكان ذلك من أسباب الصراع بين عبد الناصر والإخوان ومن هنا كان تدبير حادث المنشية للتخلص من عبد القادر عودة والإخوان .. ورئيس الجمهورية محمد نجيب ..

وفي يوم 26 / 10 / 1954 وقف عبد الناصر في احتفال بمناسبة اتفاقية الجلاء في 19 / 10 / 1954 التي لم يوافق عليها الإخوان ولا محمد نجيب ولا استفتاء شعبي .. وقد أطلق الرصاص علي عبد الناصر في هذا الحفل .. وكانت قد أعدت كشوف بأسماء الإخوان فكانت أجهزة السلطة تعرف شُعب الإخوان .. وخاصة أفراد الجهاز الخاص .. وكان إطلاق الرصاص هو ساعة الصفر للقبض علي الإخوان .. ويلاحظ الآتي :

1 ـ تم القبض علي الإخوان في ظرف ( نصف ساعة ) من وقت الحادث .. ( 24 ألفًا ) قبض عليهم تقريبًا ..

2 ـ لماذا سمحت أجهزة الأمن بالسفر لـ محمود عبد اللطيف الذين زعموا أنه أطلق الرصاص من القاهرة إلي الإسكندرية ويجلس في الصفوف الأولي التي لا يجلس فيها إلا الشخصيات الأمنية والمقربة من السلطة ! ثم يطلق الرصاص على عبد الناصر .. وقيل إن محمود غُرر به ، وقيل خطف .. وأجلسوه في الصفوف الأولي وأحاط به ثلاثة من الحراس أحدهم أطلق الرصاص .. ثم قبضوا علي محمود ليلفتوا أنظار الجمهور أنه هو المجرم !

3 ـ إن إعداد السرادق وتنظيم المقاعد في حفل المنشية كان كما قال إبراهيم الطحاوي أن هيئات ثلاث كانت مكلفة باحتلال المقاعد :

ـ هيئة التحرير . ـ عمال مديرية التحرير . ـ الحرس الوطني .

ولم يترك للجمهور إلا المقاعد الخلفية فكيف تسلل مغامر ليجلس في الصفوف الأولى ؟!

4 ـ الاختلافات في المسدس والأعيرة التي انطلقت منه .. وأن سلاح الجريمة قد اختفي ثم ظهر المسدس مع عامل بناء .. وفي تمثيلية أنه سافر من الإسكندرية إلي القاهرة .. وسلّم المسدس إلي عبد الناصر شخصيًا !! ثم اتضح أنه غير الذي ضبط مع المتهم ! وأن الأعيرة مختلفة !! .

5 ـ بعد يومين أعلن تشكيل محكمة الشعب بلا محامين .. ومحامي واحد أحضروه ، لا لكي يدافع .. ولكن ليتهم !! وصدرت الأحكام في 4 / 12 / 1954 وتم التصديق بعد 15 دقيقة .

6 ـ هناك تضارب في الوقائع .. فقد قيل إن الشعب قبض على الجاني وفي يده المسدس ! وقيل : قبضوا على الجناة وكانوا ثلاثة .. ولم يعرف عنهم شيء ولم يقدموا للمحاكمة ! وهكذا .. وقيل إن ضابطًا اطلق الرصاص .. وكوفئ بأن كان محافظًا ثم وزيرًا .

تضارب أقوال من أطلق الطلقات والمسدس :

ـ قيل ضبط مع محمود .

ـ لما ظهر عدم تطابق الرصاص مع مسدسه .. كانت قصة عامل البناء .. وأنه كلاً من محمود وهنداوي تعرفا علي المسدس .. فكان ذلك بالتعذيب طبعًا ، إبراهيم الطيب مسئول القاهرة في الجهاز نفي أن هذا المسدس يتعلق بالنظام .. ولم تسمع أقوال الثلاثة الذين تم القبض عليهم وقت الحادث ولم تسمع أقوال عامل البناء الذي سافر من الإسكندرية إلي القاهرة .. ! رغم أهمية شهادتهم لعل ذلك خوفًا من إظهار الحقيقة !! .

يوسف طلعت رئيس الجهاز الخاص .. لم يعلم .. وقال إن الحادث ملفق .

7 ـ قال حسن التهامي ضابط المخابرات وزميل عبد الناصر بعد 20 سنة من الحادث أن خبيرًا أمريكيًا في الدعاية .. قد اقترح اختلاف محاولة لإطلاق الرصاص علي عبد الناصر ونجاته منها .. لكسب عاطفة الشعب .

8 ـ قال حسن التهامي : لما تأخر الرداء الواقي قال عبد الناصر عندما رآه في اليوم التالي بعد الحادث أمام المهنئين : إن المحاولة قد انتهت ولا داعي للقميص الواقي .. وكل شيء انتهي .

9 ـ يبدو أنه كان هناك قميصًا واقيًا آخر ، فقد قال العقيد عبد الرحمن مخيوم وكان مديرًا لمكتب عبد الناصر سنة 1961 : أنا الذي ألبست عبد الناصر القميص ولما تأخر ( ربع ساعة ) أخر الحفل ( ربع ساعة ) .

10 ـ كان الأمن يجمع المعلومات .. ثم تملي علي المتهم ليكتبها بخط يده ومن يرفض يعذب عذابًا لا يطاق حتي يعترف كذبًا ..

11 ـ المعلومات كانت تصدر من الصحف وهي تخضع للتأميم والرقابة .

12 ـ حسن التهامي تكلم في روز اليوسف بتاريخ 1 / 5 / 1978 بأن تمثيلية المنشية أخرجها أحد رجال المخابرات الأمريكية .

13 ـ د. أحمد شلبي في موسوعته في جـ 9 قال : إنه بعد تفكير ربع قرن رأي أن الحادث ملفق وساق الأدلة . منها ما كتبته في الفقرات السابقة .

14 ـ محمد نجيب كان يقسم أن الحادث مفتعل وأن هنداوي دوير أغراه عبد الناصر .. ووعده بالسفر إلي البرازيل .. وقال يوسف طلعت فور الحادث .. إنه ملفق وعملها عبد الناصر وغدًا يتهم الإخوان .. وكيف يحدث هذا ولم يكن مع محمود شريك .. ودون تأمين ! وذكر البعض أن هنداوي دوير كان يتردد علي جمال عبد الناصر قبل الحادث .. ومن المعروف أن عبد الناصر كان يعرف أعضاء الجهاز بالاسم .. فإنه كان معهم ..

حادث المنشية تمثيلية مدبرة : فقد جاء في ( سراديب ) ص 555 لأحمد رائف عنوان : أن حادث المنشية من صنع المخابرات وفي ص 557 كان الحوار مع حسن التهامي رجل مخابرات عبد الناصر فقال التهامي : حادث المنشية ليس بالغريب أو العجيب وتلفيقه أمر يسير مع منطق الأحداث .. وهذا الحادث يستبين تلفيقه إذا علمنا أنها إرادة الغرب في القضاء على الإخوان المسلمين ، وأن أمريكا تخطط لمائة عام أو يزيد وهم يرسمون السياسة للمستضعفين ويرغمون المدربين على تنفيذها .. انتهى .

وكتب جلال الدين الحمامصي في جريدة الأحرار 26 / 1 / 1987 أنها تمثيلية حادث المنشية هى خطة مرسومة لذبح التيار الإسلامي ؛ لأن هناك اتجاهات خارجية تسعد لهذا الأمر ..

15 ـ وجاء في مذكرات نجيب ص 269 أنها كانت مسرحية مدبرة لتحويل عبد الناصر إلى بطل شعبي وأن الرصاص الذي أطلق كان فشنك واستطاع عبد الناصر بهذا الحادث أن يضرب عصفورين بحجر واحد ، ضرب الإخوان وضربي .

وقال حسن التهامي في روز اليوسف في 24 / 4 / 1978 إن خبيرًا أمريكيًا في الدعاية والإعلام .. حضر إلى مصر واقترح اختلاق محاولة لإطلاق الرصاص على عبد الناصر لتأهيله للحكم .. وراجع روز اليوسف العدد 2601 ، 2003 في أول مايو 1978 .

وفي لعبة الأمم وعبد الناصر للطويل ص 95 روى حسن التهامي : كان اقتراح بول لينبارجر افتعال محاولة للاعتداء على عبد الناصر .. حيث يتاح لـ عبد الناصر ان يفعل ما يريد .. وبعد 3 أشهر من هذا الاجتماع تمت العملية .

ويقول الصاغ حمودة في ( أسرار ) ص 163 : كانت التمثيلية مبررًا للفتك بمحمد نجيب لإجهاض الحركة الشرعية التي سوف يؤيدها الإخوان ويؤيد ذلك ما جاء في ( واقعنا المعاصر ) لمحمد قطب ص 397 من أن أحد المحامين قال لقطب : نريد أن يكف الإخوان عن نقد المعاهدة ـ اتفاقية الجلاء ـ بين الحكومة والإنجليز .. وإلا سيؤخذ المرشد وأشخاص بارزين في الإخوان ويعدموهم .. وكذا ألف شاب ويعذبوهم .. وتكون الدعوة قد انتهت .. انتهى بتصرف .

وفي ( سراديب ) لأحمد رائف ص 670 إن صاحب حادث المنشية أحد ضباط الجستابو . وفي ( أسرار ) ص 164 كان حادث المنشية تمثيلية لا شك فيها لتبرير عمليات القمع والتعذيب والمشانق .

رابعًا : حادث سيارة الجيب

في جلسة 19 / 12 / 1950 استمعت المحكمة إلي ثلاثة من المتهمين .. منهم عبد الفتاح ثروت الذي قال أمام المحكمة : إن اللواء طلعت بك هدده بالتشريح إذا لم يعترف قائلاً : إن البلد في أحكام عسكرية .. وقال المتهم .. وأخذوني ونزلوا فيّ ضرب من الساعة 9 مساء إلي 4 صباحًا والفلكة انكسرت .. أخذوني إلي إبراهيم عبد الهادي .. هددوني إن لم لأعترف فسيتعرض للإعتداء .. وفعلاً تقدم واحد يريد الاعتداء عليّ ! .

وسأله رئيس المحكمة : هل طلبوا منك أقوال معينة .. قلت نعم : أن أقول إنني أعرف مالك وعاطف وأنني مشترك في الاعتداء علي حامد جودة .

وقال المحامي في مرافعته عن الاعترافات والتعذيب : إن التواتر يعتبر حجة ، والذي تواتر أن حوادث التعذيب كانت مروعة علي كثير من المتهمين .. وأن التعذيب كان يقع بأوامر من إبراهيم عبد الهادي باشا [ أحداث : 2جـ : 251/254 ] .

وفي قضية جودة والأوكار في 6 / 11 / 1949 أثبت الطبيب أن أحد المتهمين نزعت أظافره .. [ أحداث : 2 / 255 ] .

وقال المتهم عبد الرحمن عثمان : اعتدي عليّ الصاغ العشري بالضرب .. وما كان الضرب والتعذيب يحملاني علي الاعتراف ، وإنما التهديد بجريمة خلقية ، وقد لمست في ذلك الوقت أن مبادئ القانون قد ديست .. [ السابق ص 262 ] .

وقصة العسكري الأسود معروفة ، وهو آلة في يد البوليس السياسي ، لتهديد المتهمين بهتك عرضهم لحملهم علي الاعتراف بما يريدون ! .. وقد ذكر ذلك أمام المحكمة .. [ السابق ص 264 ] .

وقد اعترف هذا العسكري .. عن طريق الصحافة بأنه كان يعذب المتهمين .. [ السابق ص 266 ] .

وشهد القاضي محمد أسعد محمود أنه لما كان وكيلاً للنيابة ، أثبت التعذيب سنة 1949 .. واتصل بي الصاغ توفيق السعيد ، وأخبرني أن القلم السياسي يتعجب لأني أثبت إصابات .. وغضبت لذلك ..

وقال القاضي الشاهد : وإنني بدأت التحقيق في سيارة الجيب ، وحيل بيني وبين الاستمرار فيها في 4 / 1 / 1949 .

وشهد كذلك أ. عصام حسونة .. وقال : كنت أشهد بعيني بعض المتهمين مصابين بإصابات ظاهرة .. [ أحداث : 2 / 269 وما بعدها ] .

وأمام المحكمة اعترف المتهم الأول مصطفي كمال أنه تعرف علي عادل كمال ، وأنه اشترك معه في سيارة الجيب .. وأنه دبر مؤامرة لقتل إبراهيم عبد الهادي باشا !!..

ولما شك القاضي في شهادته ، أراد أن يتحقق ، فصحب هذا المتهم المعترف للإرشاد عن منزل عادل كمال .. فإذا به لا يستطيع الإرشاد عنه بل أرشد عن منزل آخر .. ثم عدلت المحكمة عن اعترافاته .. لأنه عذب فور القبض عليه .. وأن التعذيب ترك بجسمه آثارًا .. [ السابق : 294 ] .

ثم أعلنت المحكمة ثبوت التعذيب وبطلان الاعترافات ... وأنها لا تطمئن إلي أقواله .. وهذه الأقوال لا تعول عليها المحكمة .. [ السابق 294 ] .

وفي صفحات من التاريخ ص 92 وما بعدها : في مارس 1948 اغتيل الخازندار بيد اثنين من الإخوان وحكم عليهما بالسجن المؤبد في 22 / 11 / 1948 .. وقد تم هذا الحادث بدون علم المرشد وبغير الرجوع إليه مما أثر فيه تأثيرًا بالغًا .. وغضب من هذا العمل .. وقال : هذا يعني تدمير الجماعة التي قضي عمره في بنائها ، وأن الرصاصات التي اطلقت علي الخازندار إنما أطلقت عليه ..

وأراد المرشد أن يتحقق من الذي قام بالحادث ، هل من الطلبة غير المسئولين أم من رئيس النظام الخاص السندي ؟ وقد كان هذا الحادث ردًا علي أحكام قاسية أصدرها الخازندار ضد أشخاص ضبط معهم قنابل لم تفجر بعد ، في حين أصدر حكمًا علي حسن قناوي سفاح الإسكندرية الذي ارتكب جنايات قتل وهتك عرض وأثار الفزع والرعب العام فقضي عليه بالسجن 7 سنوات !

وفي شهر أكتوبر 1948 ضبط مخزن أسلحة في عزبة الشيخ فرغلي قائد حركة الإخوان في معركة فلسطين .. وقد كانت الأسلحة والذخيرة لاستخدامها في حرب فلسطين ..

وفي 8 / 12 / 1948 أصدر النقراشي باشا قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين بناء علي أن الجماعة تهدف لقلب نظام الحكم .. ونسبت إليها وقائع مبالغ فيها لتبرير حل الجماعة ... انتهي مختصرًا ..

ولما علم المرشد أصدر بيانًا عن الذين قاموا بقتل النقراشي باشا فقال : ( ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين ) [ أحداث : 2 / 81 ] .

الحكم ببراءة الإخوان وأن الجهاز الخاص غير إرهابي  : وفي صفحات من التاريخ ص 96 : حكمت المحكمة ببراءة الإخوان في سيارة الجيب مع الإشادة بأعمالهم والدور المشرف في خدمة مصر .. أما في قرار الحل ، فقد وجهت اللوم للحكومة لانتهاكها حقوق الإنسان حيث ثبت التعذيب أمام إبراهيم عبد الهادي باشا رئيس الحكومة ، الذي حضر التحقيق ورأى المتهم معلقًا في الهواء ويُضرب بالسياط ، فلم يحاول منع التعذيب .. وهذا يعتبر تدخلاً من الحكومة في التحقيق وتجريمًا للعدالة ، وخطأت المحكمة وصف الجهاز الخاص بأنه جهاز إرهابي .. وأن الجهاز هدفه تحرير وادي النيل والدول الإسلامية .. وإن كان بعض أفراده كونوا من تلقاء أنفسهم مؤامرة إجرامية .. وقد صدر الحكم في سيارة الجيب في 17 / 3 / 1951 ، واعتبرت ثناء اللواء أحمد المواوي واللواء أحمد صادق في شهادتهما للإخوان علي البذل والفداء الذي قدمه الإخوان في الصراع الفلسطين ي .. وعلى مستوى التدريب .. والدور البطولي للجماعة في فلسطين ، كل ذلك جدير بالتقدير في الحكم .. انتهي مختصرًا .

كنت أحاكمهم فأصبحت منهم : هكذا قال المستشار الذي حاكم الإخوان وكذلك انضم للإخوان الشاهد اللواء أحمد المواوي قائد الجيش المصري في حرب فلسطين .. ففي تحقيق صحفي لجريدة أخبار اليوم في يوم 12 / 7 / 1952 مع سعادة المستشار أحمد كامل الرئيس السابق لمحكمة جنايات مصر .. ورئيس المحكمة في سيارة الجيب .. أنه قد اختير رئيسًا للجنة الاستشارية للإخوان في الإسكندرية ، وهو الذي قال : كنت أحاكمهم فأصبحت منهم .. وقال : كنت أنا وزميلي اللواء أحمد المواوي بك قائد حملة فلسطين والذي انضم إلي الإخوان المسلمين ... لما بذله الإخوان من الجهاد والتضحية والبطولات .. لتحرير فلسطين .

وقال المستشار كنت أعيش القضية لتحديد مصير الإخوان ، ولتحديد مصيري وأنا أعتقد أن هذه القضية وحدها التي هدتني إليهم ، وهي التي دفعتني إلي أن أصبح عضوًا عاملاً في الجماعة أسير معهم وأدافع عنهم .. [ أحداث : 2 / 322 وما بعدها مختصرًا ] .

خامسًا : اغتيالات اشترك فيها الضباط الأحرار

تمهيد : كان الاتجاه الوطني هو اغتيال الخائنين لمصر أو عملاء الإنجليز في الوزارات ، وقد شارك الضباط الأحرار في ذلك قبل الثورة .

السادات والجمعية السرية : يقول السادات في ( البحث ) ص 82 وما بعدها : كان أول عمل قمت به ـ بعد خروجي من المعتقل ـ هو تكوين الجمعية السرية .. لكي يتحرر الوطن ، كان ذلك في سبتمبر 45 ... وتعرفت على شاب اسمه حسين توفيق .. كان يمارس قتل الجنود الإنجليز في المعادي قبل أن ينضم إلينا .. ولكن هذا ليس هو الطريق إلى تحرير الوطن .. المهم أن نتخلص ممن يساندون الإنجليز ..

(1) محاولة اغتيال مصطفى النحاس باشا : ويقول السادات : كان على رأس هؤلاء في نظرنا مصطفي النحاس باشا رئيس حزب الوفد .. الذي فرضه الإنجليز بقوة السلاح في 4 فبراير 42 .

لقد كنا نخرج ونحن طلبة إلى الشارع مرتين كل يوم ننتظر ذهاب النحاس إلى بيت الأمة وعودته ، ونهتف ونصفق له ... أما بعد 4 فبراير .. أصبح في نظرنا خائنًا لمصر ولشعبها يحتم واجبنا الوطني أن نزيله من طريقنا ولذلك قررنا التخلص منه .

كانت عادة النحاس أن يذهب في يوم مولد النبي إلى النادي السعدي وهو مقر حزب الوفد ليلقي خطابًا بهذه المناسبة وصادف ذلك يوم 6 سبتمبر سنة 45 فخرجت أنا وبعض أفراد الجمعية السرية ننتظر خروج النحاس ... كنت قد دربت اعضاء الجمعية على استعمال القنابل اليدوية .. وسيقوم بذلك حسين توفيق ، وفعلاً ألقى القنبلة في الوقت المناسب ، ولكن سائق النحاس فوجئ بعربة الترام تكاد تصطدم به فأسرع لكي يتحاشاها .. وعندما انفجرت القنبلة كان النحاس وعربته خارج منطقة الانفجار .. فأصابت الشظايا عربة أتوبيس .. كنا وبعض أفراد الجمعية السرية في مواقعنا نراقب العملية فانسحبنا في هدوء .. وتوجهنا إلى مقهى ( أسترا ) مكاننا المفضل .

(2) اغتيال أمين عثمان : ويقول السادات : في نفس المقهى قررنا التخلص من أمين عثمان الذي تولى وزارة المالية طوال حكم النحاس .. وكان أمين أكثر من صديق للإنجليز .. ومساندًا لبقائهم في مصر بشكل لم يسبق له مثيل .. وقد أعلن أمين عثمان أن مصر وإنجلترا قد تزوجا زواجًا كاثوليكيًا فحتى لو تركتنا هى يتحتم علينا أن لا نتركها ..

هذا التصريح كان بمثابة حكم الإعداد عليه ، كان ذلك في يوم السبت 6 يناير سنة 46 وأمين عثمان قد عاد من إنجلترا قبل ذلك بيومين ، وزار المندوب السامي البريطاني .. في ظهر نفس اليوم ، وفي المساء ذهب إلى مقر الرابطة .. وكان حسين توفيق في انتظاره عند باب العمارة حسب الخطة ، وقبل ان يصل إلى المصعد ناداه حسين : ( يا امين باشا .. التفت إليه أمين ، فأطلق عليه حسين رصاصة مسدسه .. جروا وراءه واشتد حصارهم .. ففجر قنبلة يدوية كنت أعطيتها له ..

كنت في هذه الأثناء أجلس في مقهى قريب .. ثم أخذت الترام وذهبت إلى بيتنا في كبري القبة .. في الصباح قرأت اغتيال أمين عثمان في الجرائد .. كان أمين في حماية ورعاية من الحكومة البريطانية ومن يمثلها في مصر .. ومع هذا تم اغتياله .. ولا شك أن الإنجليز فقدوا القدرة على حماية أنصارهم .. وهكذا تحقق لنا ما نريد باغتيالنا لأمين عثمان .

وقد تحرى البوليس بمعرفة من شاهد حسين ووصفه .. وقبض عليه .. صمت في أول الأمر .. ثم اعترف .

(3) القبض على السادات : ويقول السادات : في يوم 10 يناير سنة 46 اعترف حسين توفيق ودل البوليس هو وبعض أفراد الجمعية على مخزن السلاح الذي كان في جبل المقطم .. قلت لقد انتهى الأمر تمامًا ..

وجاء البوليس في ليلة 11 ـ 12 يناير 46 قرعوا الباب .. دخلوا ، فتشوا البيت حجرة حجرة وبعد التفتيش اخذوني معهم إلى سجن الأجانب .. تمامًا كما حدث في سنة 42 .

وفي ص 87 يقول : وفي سجن الأجانب وضعوني في زنزانة بمفردي سألت عن حسين توفيق فعرفت أنه في زنزانة رقم (1) وهي حجرة كبيرة جدًا .. اما بقية اعضاء الجمعية فوزعوهم على حجرات أخرى .. كل فرد على انفراد .. عرفت أن وكيل النيابة يلتقي بالأولاد كل ليلة حيث يجري معهم التحقيق ، ويسهر معهم إلى مطلع الفجر .. يتناولون العشاء معًا على حساب وكيل النيابة !! المسألة أصبحت مسألة صداقة .. بين حسين توفيق ووكيل النيابة !! .. كنت أوصيهم بالإنكار .. فهي الطريقة الوحيدة لعدم إدانتهم ..

وفي ص 90 وما بعدها يقول : وفي التحقيق ، قال وكيل النيابة : لا داعي يا أنور للإنكار كلهم اعترفوا .. بل أخذوني إلى مخزن السلاح .. القضية اكتملت ، ففيم الإنكار ؟!

قلت : هل تريدني أن أعترف .. قال : نعم .

قلت : وهل عندك شك في أننا قتلنا أمين عثمان ؟ نعم قتلناه .؛ لأنه خائن يستحق الذبح !

قال مستنكرًا : أمرك غريب والله هل نسيت أن في البلد قانون ؟

قلت : أعرف أن هناك قانون ، ولكنه لا يسري على الخونة ، ولذلك يتحتم علينا نحن أن نتولى أمرهم .

قال : على أي حال انا سعيد إنك اعترفت .. وفجأة التفت إليه وقلت هل صدقت أننا قتلنا أمين عثمان حقًا ؟

ثم ادعى السادات أن مأمور السجن والجزار وتوفيق السعيد عذبوه .. طلب السادات مأمور السجن ، وحضر إلى زنزانته .. وطلب ورقة وقلم ..

فقال له المأمور : مرة أخرى ؟ ما الذي جد ؟

قال السادات : هذا شأني .. وأحضر له الورقة والقلم .. وكتب إلى النائب العام يستغيث من وكيل النيابة من التعذيب .. وأضرب عن الطعام .. بسبب التعذيب .. وحضر وكيل النيابة .

وفي ص 122 يقول السادات : أثناء وجودي في السجن قامت حرب فلسطين في منتصف 48 .. كانت جيوشنا تشق طريقها إلي نصر أكيد .. ولكن فجأة عقد الملك عبد الله الهدنة التي أنقذ بها رقبة إسرائيل .. من أجل ذلك وحتى لا يتكرر ما حدث .. فلا مجال للمجاملات .. ويجب أن نضع النقط فوق الحروف .. فلا نسمح للعناصر غير الصالحة أن تشكل مصيرنا وأنه لزام علينا أن نردع كل من تسول له نفسه العبث بمصيرنا .

وفي ص 135 يقول السادات : كان عبد الناصر يضع تجربتي محل تقدير .

وفي ص 136 يقول : أذكر مثلاً أنه في سنة 1951 طرأت له فكرة أن تبدأ الثورة بحركة اغتيالات واسعة ، وسألني في هذا فقلت له : غلط يا جمال .. ما هي النتيجة ؟ إلى أين سنصل ؟ إن الجهد الذي سيبذل في حركة الاغتيالات يساوي تمامًا الجهد الذي نبذله في قيام الثورة ، ولذلك دعنا نأخذ الطريق المباشر المستقيم ، وليكن هدفنا المباشر هو الثورة وقد اقتنع بهذا الرأي فورًا وأخذ به ..

(4) اغتيال حسين سري عامر : وفي ص 139 يقول السادات : أبلغ أحمد أبو الفتح ( الصحفي الوفدي ) جمال عبد الناصر ، وكان صديقًا شخصيًا له ، بأن الملك يعتزم تغيير الوزارة ، وأن وزير الحربية في الوزارة الجديدة هو اللواء حسين سري عامر الذي يعرف الكثير عن الضباط الأحرار ، والذي سيكون أول ما يفعله بالتأكيد هو أن يقضي عليهم ويجهض كل مشروعاتهم بمجرد توليه الوزارة لكي يثبت للملك قوته وولاءه .

وكان عبد الناصر يري حقيقة تفرض نفسها علينا وعلى مستقبل الثورة والبلاد .. إما نحن وإما حسين سري عامر الوزير القادم ، والذي يعرف الكثير عنا .. ولم يتردد جمال عبد الناصر .. فقد اتخذ قرار قيام الثورة قبل تولي هذا الوزير لمهام منصبه ، وقبل أن يفلت زمام المبادرة .. انتهى من ( البحث ) .

وقال صلاح شادي في ( صفحات ) في ص 73 وما بعدها تحت عنوان : اخفاء حسين توفيق : في أوائل 1946 قام حسين توفيق بقتل أمين عثمان بسبب صلته الوثيقة بالإنجليز ، على إثر تصريح له قال فيه : ( إن مصر وإنجلترا تزوجا زواجًا كاثوليكيًا ) .. !! واتهم معه الضابط أنور السادات الذي أوقف من خدمة الجيش من ديسمبر 1942 إلى أكتوبر سنة 1944 حيث استطاع الهروب من معتقل الزيتون .. وكون جمعية سرية من المدنين ومنهم حسين توفيق .. أفهمهم أن الطريق إلى تحرير مصر هو التخلص ممن يساندون الإنجليز ، وعلى رأسهم مصطفى النحاس باشا .. وفي سبتمبر 1945 ألقى حسين توفيق قنبلة على سيارة النحاس باشا لم تصبه بأذى .

وتمكن حسين توفيق بعد ذلك من قتل أمين عثمان فتحقق للسادات بهذا التخلص من أحد أنصار الاستعمار .. وقبض على السادات ليلة 12 يناير متهمًا بتدبير الحادث .

وفي ص 75 يقول : ثم هرب حسين توفيق من السجن ليواصل كفاحه ضد الإنجليز والصهانية وأعوانها من العرب ..

وفي ص 76 يقول صلاح عن حسين توفيق : رأيته يعود إلينا في سجن المزرعة بعد نحو 25 عامًا بعدالحكم عليه في قضية قلب نظام عبد الناصر متهمًا مع الإخوان في قضية 1965 .

وتركته في سجن المزرعة عند الإفراج عني في 1974 .. وعلمت أن السادات قد أفرج عنه مع من أفرج عنهم في قضايا الإخوان الذين سجنوا 1965 .

وفي ص 77 يقول : أما ما يتعلق بمقتل أمين عثمان فلم اعرف ما إذا كان هذا الحادث قد وقع بإيحاء من القصر خدمة لاهدافه المتعلقة بتقليم اظافر الوفد ، بالقضاء على أمين عثمان حلقة الوصل بالإنجليز أم وقعت بعيدة عن توجه القصر بدافع وطني ..

وفي ص 79 يقول : ولعل لون المعاملة التي عوامل بها المتهمون في قضية أمين عثمان تلقى ضوءًا على حماية القصر لهم ، فلم يصب أحد منهم بسوء ، ولم يعرف أن أحدًا ذاق مرارة السياط التي ذاقها الإخوان المتهمون في قضايا مماثلة مثل قضية الجيب والأوكار .. انتهى من ( صفحات ) مختصرًا ..

(5) اشتراك عبد الناصر في الاغتيالات : وجاء في ( السيرة الذاتية سيرة تاريخية للرئيس جمال عبد الناصر ) إعداد د. هدى جمال عبد الناصر : أن في 8 مايو 1951 رقي جمال عبد الناصر إلى رتبة البكباشي ( مقدم ) وفي نفس العام اشترك مع رفاقه من الضباط الأحرار سرًا في حرب الفدائين ضد القوات البريطانية في منطقة القنال التي استمرت حتى بداية 1952 وذلك بتدريب المتطوعين وتوريد السلاح الذي كان يتم في إطار الدعوة للكفاح المسلح من جانب الشباب من كافة الاتجاهات السياسية .. وإزاء تطورات الحوادث العنيفة المتتالية في بداية عام 1952 اتجه تفكير الضباط الأحرار إلى الاغتيالات السياسية لأقطاب النظام القديم على أنه الحل الوحيد ، وفعلاً بدأوا باللواء حسين عامر أحد قواعد الجيش الذين تورطوا في خدمة مصالح القصر ، إلا أنه نجا من الموت ، وكانت محاولة الاغتيال تلك هي الأولى والأخيرة التي اشترك فيها عبد الناصر فقد وافقه الجميع على العدول عن هذا الاتجاه ، وصرف الجهود إلى تغيير ثوري إيجابي ... انتهي .

(6) عبد الناصر يطلب وضع السم للإنجليز : يقول حسن العشماوي في كتابه ( الإخوان والثورة ) ص 17 : في ديسمبر سنة 1951 طلب مني عبد الناصر أن نقدم له شابًا من الإخوان ميت القلب .. شجاعًا ثابتًا لا يضطرب ، ليقوم بعملية في بور سعيد فقدمنا له محمود عبد اللطيف .. الذي أعدمه عبد الناصر بعد ذلك بـ 3 أعوام بتهمة الشروع في قتله بالمنشية بالإسكندرية ! واتضح أن العملية هي تسميم الجنود الإنجليز في معسكر بور سعيد على أساس أن يلتحق محمود عبد اللطيف كأحد العمال .. ثم يضع كمية من السم في اللحوم المخزونة بالثلاجات .. وليكن ضحاياها من يكون .. ورفضنا العملية لأن القتل بالسم أمر غير إنساني ولو كان ضد الأعداء .. وعرض الموضوع على الأستاذ المرشد الذي رفض بشدة هذا الأسلوب في المعارك وبقى السم عند مندوب عبد الناصر في بور سعيد ، واتجهنا نحن إلى القتال الصريح في معارك القناة .

سادسًا : اغتيالات قامت بها ثورة 1953

[ 1 ] اغتيال الملك فاروق : فقد جاء في كتاب اعتماد خورشد .. شاهدة على انحراف صلاح نصر في ص 26 أنها ذكرت للرئيس تفاصيل اغتيال الملك فاروق السابق في روما وكيف تلقيت التمام من شخصية مهمة في إيطاليا قال بعدها صلاح نصر إنها مدير المخابرات الإيطالية .

وفي ص 189 وما بعدها تقول : تم اغتيال الملك السابق فاروق نظير مليون دولار !! خطط صلاح نصر لجريمة الاغتيال تحت إشراف صديقه مدير المخابرات الإيطالية ، وتنفيذ مجموعة مرؤوسيه .. وتلقيت اغتياله في الساعة الثانية بعد منتصف ليلة 19 مارس 65 .. حضر صلاح نصر في الليل زائغ العينين .. احتسى العديد من كئوس الويسكي .. وكان قلقًا .. وفجأة قال لي : لا تقربي التليفون فإني انتظر مكالمة هامة مكالمة هامة .. وسألته هل أعطي تليفوني لأحد .. وازداد قلقه مع مرور الساعات .. وقال لي فجأة : سيموت الليلة .. ودق التليفون .. وقال المتحدث باللغة الإيطالية التي اعرفها .. ما معناه : أخبري ( سنيور صلاح ) إن المهمة انتهت بنجاح .. وناولت السماعة لـ صلاح ودار بينهما حوار بالإنجليزية .. أكد فيها وفاة الملك فاروق ... واتصل بالمشير عامر يخبره بالنبأ ..

وابتسم الشيطان وطلب كأس ويسكي احتفالاً بالمهمة .. ثم اتصلوا .. كيف يتصرفوا في الجثة ! فقال صلاح : اتركني أفكر المهمة صعبة : وروى صلاح تفاصيل العملية .. قال : استطعنا أن نصل إلى عشيقة الملك الإيطالية وتدعى ( إيرما كابتيش ) وهي امرأة في غاية الجمال .. والعشيقة الوحيدة للملك .. كان الملك قد تعرف عليها في مطعم ( بلفدير دي روز ) كان عمرها 18 سنة .. وليلة تعرفها بالملك فاروق كانت تحاول الاشتراك في مسابقة للجمال .. واشترطت العشيقة أن تتقاضي مليون دولار عن أتعابها قبل التنفيذ بوقت كاف .. وفي ليلة الاغتيال .. تسلمت حبة ( الأكونتين ) السم الذي ستقتل به الملك .. وهذا السم لا يظهر بعد التشريح .. وكان الملك ذهب هذه الليلة إلى شقة عشيقته .. وذكر لى صلاح أن هذه العملية من أقوى العمليات التي نفذها في حياته وتعاون فيها مع مخابرات من الخارج واكتشفت ان صلاح لم يبلغ عبد الناصر إلا بعد اتمام العملية .. ولم يتم تشريح الجثة بسبب تدخل مدير المخابرات .

[ 2 ] التخلص من الدكتور سعيد : كذلك قال أيضًا : أنه خلص من الدكتور سعيد صديق جمال .. وأقنعه أنه يعرف موضوع الجنون والسحر ، والقسيس ، وأنه من الضروري أن ينتهي .. واستطرد قائلاً : وبهذا أكون قد قطعت صلتك بالرئيس جمال عبد الناصر .. مش هو ده الدكتور اللي بيوصلك بيه .. وريني حتوصلي إزاي لجمال إلا عن طريقي ..

[ 3 ] اغتيال حسن سعد توفيق من الضباط الأحرار بالسم : قال حمودة في أسرار حركة الضباط ص 85 : الدور الذي قام به الرائد سعد حسن توفيق الذي كان الضابط النوبتجي ليلة قيام الثورة .. وكان في المخابرات الحربية بمبني رئاسة هيئة أركان حرب الجيش بكوبري القبة .. لاحظ سعد وصول الفريق حسين فريد الساعة 9 مساء يوم 22 / 7 / 1952 وبدأ يستدعي قادة الجيش تليفونيًا للحضور لاجتماع عاجل .. فترك سعد النوبتجية وذهب إلى منزل عبد الناصر في كوبري القبة وأخبره بأن الثورة قد انكشف أمرها وطلب من عبد الناصر سرعة التصرف .. للقبض على المجتمعين .. وكان سعد من الضباط الأحرار المنتمين للإخوان المسلمين .

وفي ص 195 يقول حمودة : وقتل سعد بالسم بعد أن دسوا له السم في كوب شاي ورفض عبد الناصر تسليم جثته لشقيقه إسماعيل توفيق .. دفنت الجثة بمعرفة الحكومة لإخفاء معالم الجريمة .. واعتمد عبد الناصر على فئة من معدومي الضمير .. فساعدوه ثم انقلبوا عليه وأصبح الأمر إليهم فطغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد ..

كان حسن يعمل سكرتيرًا لعبد الناصر بعد الثورة واطلع على أسرار كثيرة عن عبد الناصر وأراد عبد الناصر لأسباب غير واضحة ـ حتى الآن ـ التخلص من سعد ، وقد علمت من شقيقه اللواء إسماعيل بوفاة سعد غرقًا بالإسكندرية فذهب لاستلام جثته فأبت السلطات .. وعلم أنه أنقذ من الغرق وأعطى كوب شاي شربه فمات .. ودفن بمعرفة السلطات لإخفاء الحقيقة .. انتهى .

[ 4 ] محاولة اغتيال اعتماد خورشد : تقول اعتماد في كتابها [ اعتماد خورشد . شاهدة على انحرافات صلاح نصر . مؤسسة آمون الحديثة طبعة 1988 ] ص 221 : واكتشفت أن الله عز وجل أنقذني من جريمة اغتيال .. عندما كشف الوزير أمين هويدي خلال لقائي معه .. أنه ثبت من التحقيقات أن صلاح نصر دبر جريمة لاغتيالى بسم الأكونتين في الطعام في حفل شبرد .. وعرفت أن الحفل الذي دبره صلاح نصر تكلف 12 ألف جنيه تحملتها ميزانية الدولة .. وقامت حرب يونيو 67 واختفي شبح الشيطان .. كانت تطارني أخطار الحرب .. واحتمال عودة صلاح نصر ومرّ بخاطر هاتف غريب .. أن الهزيمة التي حاقت بمصر ، لا بد أن يدفع ثمنها أمثال الشيطان وشركائه .. وتحقق هاتفي ، فقد قادت الهزيمة والمؤامرة الشيطان وأعوانه إلى السجن في محاولة انقلاب المشير وقضية الانحراف .. انتهى مختصرًا .

وفي كتابها ، في صفحة 57 تقول اعتماد : وكشف لي المستشار على نور الدين أن صلاح نصر دبر جريمة لقتلي بعد عودتي من العراق في المهمة السرية التي أرسلني إليها لتسليم رسالة خاصة للرئيس العراقي عبد الرحمن عارف ..

وأن الشيطان أعد لي حفلاً في فندق شبرد بالقاهرة لاغتيالي وسط الحاضرين .. ولتبدوا الوفاة وكأنها طبيعية .. وأن الشخص الذي دعاني للحفل كان أحد أعوانه ..

[ 5 ] انحراف صلاح نصر : وجاء في كتاب انحرافات صلاح نصر ، لاعتماد خورشد ص 227 وما بعدها : في حيثيات الحكم ضد صلاح نصر : ومن المؤسف أن تصرفات صلاح نصر الشخصية وانحرافه في سلوكه قد أساءت إلى سمعة جهاز المخابرات العامة في نظر الشعب بينما الواقع أن جهاز المخابرات انشيء ليحمي الشعب من أعدائه في الداخل والخارج .. وأن المحكمة إذ انتهت من نظر القضية فإنها بذلك تطوي صفحة مضت بما فيها من مآخذ وعبر .. والحقيقة أن الشعب هو صاحب الكلمة العليا ، وأن جميع أجهزة الأمن تعمل في خدمة الشعب .

كان رئيس المحكمة حسين الشافعي .. وصدق على الحكم من الرئيس عبد الناصر في 22 / 8 / 1968 .. وخرجت الصحف في اليوم التالي تلعن الشيطان .. المسئول الأول عن انحراف جهاز المخابرات وأنه استغل وظيفته وسلطاته في أغراض شخصية .. وأنه تخلى عن واجبه في المحافظة على الأمن وانصرف إلى تحقيق أطماعه وشهواته .. قالت عنايات : يحيا العدل .. ولكل ظالم نهاية .

وأقول : هل كان عبد الناصر لا يعلم انحرافات صلاح نصر .. ولماذا قدمه للمحاكمة في ذلك الوقت .. بعد هزيمة يونيه 1967 ؟!

وفي كتاب ( سنة ثانية سجن ) ص 333 يتحدث مصطفى امين في فصل ( القتل بغير محكمة ! ) فيقول : في خطابي إلى الرئيس جمال عبد الناصر ، الذي كتبته له من سجن الاستئناف في أول ديسمبر 1965 أنني قلت له بالحرف الواحد : ( هددوني بأن صلاح نصر سيقتلني بالسم ، وقالوا إن لديه سمًا لا يمكن أن يكتشفه أي طبيب شرعي في العالم ) .

وجاءت تحقيقات النيابة في حادث مصرع عبد الحكيم عامر بالسم .. تؤيد بعد سنتين كل ما قلته في خطابي للرئيس عن السم الذي يستعمله صلاح نصر والذي قتل به الملك فاروق ! .

إن أحد تلاميذي اطلع على تحقيق النائب العام محمد عبد السلام في حادث السم ، وأرسل نص مذكرة وضعها النائب عن هذا الحادث وهى مذكرة مكتوب عليها ( سري للغاية ) ولقد استطعنا الحصول عليها .. ( لمناسبة قيام الصلة بين سم الأكونيتين الذي انتحر به المشير عبد الحكيم عامر .. وإدارة المخابرات العامة .. تطرق التحقيق إلى بحث مصدر حصول هذه الإدارة علي السموم ، ومقدار كمياتها .. وأوجه استعمالها .. ) .

وقد توليت بنفسي تحقيق هذا الجانب ، وتبين من الاطلاع على سجلات الإدارة أنه في 24 ديسمبر 1963 استوردت من خارج البلاد ، دون تحديد مصدر معين ، خمسة جرامات من مادة أكونيتين ، وبالإنجليزية الأولى : Digiroxine .

والثانية : Aconitine وكلتاهما مادة سامة .. وتتميز الثانية بانها سريعة الذوبان في الماء ، وفيها مرارة بسيطة ، لا يشعر بها الإنسان ، إذا تناولها مع الماكولات أو المشروبات وبخاصة أنواع العصير ، وأن بضعة ملليجرامات منها تكفي غالبًا لإحداث الموت .. ونظرًا لاحتمال تطاير بعضها أو التصاقه بالورق ، فإن 25 ملليجرام تكون قدرًا مضمونًا لإحداث الوفاة .. وأثبتت في السجلات أنه في يوم 9 من أبريل 1967 سلم 600 ملليجرام من كل المادتين إلى ( وجيه ) والمقصود بهذا الاسم السيد / وجيه محمد عبد الله مدير مكتب السيد / صلاح نصر ، وقد قسم هذا القدر إلى ستة أجزاء ، كل جزء 100 ملليجرام ، وضعت في العبوات المعدة لتثبيت الريتالين في الورق المفضض .. وقد سبق القول بأن واحدة من هذه الورقات المفضضة تبين أنها تكمل الورقة التى وجدت على جسد المشير ، ووضح في الصور الشمسية التي أخذها الطبيب الشرعي أن أجزاء الحروف المكتوبة في كل من الورقتين كمل بعضها بعضًا تمامًا ..

[ 6 ] الاغتيال بالسموم .. : [ راجع جـ 3 : ص 107 وما بعدها :

وتبين من التحقيق أنه يوجد بإدارة المخابرات العامة قسم للسموم ، يرأسه الكميائي مختار أحمد ذكري وأن هذا القسم يتبع إدارة البحوث التي يرأسها السيد / محمد حلمي القاضي ..

وأنه في يوم 9 من أبريل 1967 اتصل وجيه عبد الله مدير مكتب صلاح نصر بمحمد حلمي القاضي رئيس إدارة البحوث ، وكلفه ان يرسل إلي صلاح نصر ـ بناء على امره ـ جانبًا مما لديه من سموم ـ فأبلغ هذه الأمر إلى مختار احمد ذكري فوضع في الفجوات الخاصة بحبات الريتالين 600 م.ج ، من كل من مادتي الديجنوكين .. والاكونتين ، مقسمة إلى مقادير متساوية قدر كل منها 100 م . ج .. وسلمها مختار ذكرى في اليوم التالي إلى وجيه عبد الله ومعها ورقة بالتعليمات المتضمنة خواصها ، وكيفية استعمالها ، على النحو السابق .. وسلمها وجيه بدوره إلى مدير إدارة المخابرات ( صلاح نصر ) .

وقد قرر السيد / ( صلاح نصر محمد ) في التحقيق أنه طلب حقيقة ، ولكن في تاريخ لا يذكره ، مادة سيانور .. أو سياتيد البوتاسيوم .. وأنه تسلم بالفعل مادة سامة .. وكان يظن انها إحدى هاتين المادتين .. وأنه وضعها في مكتبه .. وظلت فيه بحالتها .. إلى أن مرض يوم 13 / 7 / 1967 ، وانتقل من مكتبه في 23 / منه إلى إحدى الاستراحات ولم يعد إلى مكتبه إلى أن أعفى من منصبه في 26 من أغسطس .

ومن المحقق في هذا الصدد ، الإشارة إلى أن الأكونتين الذي وجد على جسد المشير يزيد على 150 م . ج ، ولا يعرف مصير باقي الـ 600 م . ج التي سلمت إلى صلاح نصر .. ولكن لماذا تحتفظ إدارة المخابرات العامة بهذه السموم ؟! ولماذا يوجد قسم خاص للسموم بالذات .. وفي أي غرض كانت تستعمل هذه السموم ؟!

إن أقوال رجال المخابرات العامة لا تدع مجالاً لأي شك في أن هذه السموم أعدت .. واستعملت بالفعل للقتل .. فقد قرر مختار أحمد ذكري رئيس قسم السموم أنه كان يعمل في هذا القسم منذ سنة 1959 .. وأن سُمِّي الديجينوكين .. والأكونتيتن ، استحضرا في سنة 1963 من الخارج .. وغالبًا من ألمانيا أو سويسرا وأنهما ( لا يستخدمان إلا كسم قاتل ) .

أما التحاليل وغيرها من البحوث العلمية فإن إدارة المخابرات كانت تستعمل فيها سمومًا من أنواع أخرى ..

وقال في موضع آخر : ( إحنا محضرين السموم دي ، لا لأغراض علمية ، وإنما لهدف القتل لمصلحة الدولة ! ) .

وعاد وجيه محمد عبد الله مدير مكتب صلاح نصر ، فقرر ( أن هذه السموم تستعمل في أغراض لمصلحة الدولة ، وبأوامر دائمًا من مستويات الدولة ) و .. ( أن السموم هذه وسيلة ضمن وسائل أخرى ، مما يمكن استعماله للتخلص ممن تقتضي مصلحة الدولة التخلص منه ) .. !!

وقرر محمد حلمي القاضي مدير إدارة البحوث أن وجيه عبد الله طلب منه بناء على أمر المدير ( صلاح نصر ) سُمًا سريع المفعول .. وأن هذه السموم تستخدم لأغراض المخابرات ، وقد تسلم لأي مندوب للقيام بعملية لمصلحة امن الدولة ، وقد تستخدم ضد العملاء في الداخل أو في الخارج ..

أما السيد / صلاح نصر .. فقد وردت عباراته في هذا الخصوص بالصيغ الآتية :

( إنني لا يمكنني أن أدلي الآن بأسماء السموم وأين استعملت .. وأعترف بأنه أنشأ قسمًا للسموم منذ سنين طويلة .. والغرض منه عمل تجارب على أنواع السموم التي قد تستعمل ضد الخونة من أعداء البلاد .. وإن ذكر أي أسرار أو أسماء الذين استعملت ضدهم هذه السموم ، قد يضر المصلحة العليا للدولة ، أو يمس كثيرًا من المسئولين ) !؟ .

واعترف : ( إنني طلبت سمومًا كثيرة للأغراض التي ذكرتها ) وأعترف بالحرف الواحد في التحقيق .. ( إنني طلبت كمية من سيانور البوتاسيوم أو سياتيد البوتاسيوم لاعمال لا أستطيع أن أفصح عنها .. ) .

وقال صلاح نصر بالحرف الواحد : ( إنه كان يعد هذه السموم ويسلمها بنفسه لبعض العمليات .. وكان يسلمها بنفسه للذين يقومون بسم الذين تقرر قتلهم .. ) ولما سئل صلاح نصر عن السبب في أنه لم يسلم المادة السامة التي ضبطت في مكتبه قال : ( العميل كان مسافرسويسرا وكنت غير مطمئن إليه ) .

وقال : إن ذكر تفاصيل هذه العمليات قد يكشف عن أسرار خطيرة .. ! .

[ 7 ] اغتيال الدكتور المفتي : ويقول مصطفى أمين : وهنا تذكرت ، وأنا اقرأ هذه الاعترافات كيف دسوا السم للدكتور أنو المفتي الطبيب الخاص للرئيس جمال عبد الناصر .

ويقول مصطفى أمين : هل سيجىء يوم يؤلف مجلس الأمة ( لجنة برلمانية ) للتحقيق ونسأل صلاح نصر .. من هم الذين قتلهم .. وكيف يجوز قتل إنسان بغير محاكمة .. وبغير حكم ؟؟ .. إن الله وحده هو الذي يحيي ويميت .. فمن الذي أعطى الفرد سلطة الألوهية ! ويقول : إنني مؤمن أنه سيجيئ يوم ، يكشف الله عن كل هذه الجرائم ، مهما أحيطت بالسرية .. والكتمان ..

[ 8 ] اغتيال المشير عبد الحكيم عامر  : تقرير رسمي يؤكد أن المشير قُتل : نشرت جريدة الوفد العدد 179 السنة 4 في 6 / 8 / 1987 الخبر الجديد التالي : تقرير رسمي يؤكد أن المشير عبد الحكيم عامر لم ينتحر .. وأنه قتل عمدًا مع سبق الإصرار .. لماذا تجاهلت سلطات التحقيق تحليل وفحص علبة عصير الجوافة المسموم ؟ بعد 20 عامًا من وفاة المشير عبد الحكيم عامر ، هل تظهر الحقيقة ؟

نص تقرير خبير السموم بالمركز القومي للبحوث .. المشير مات مقتولاً بالسم ، ولم ينتحر كما زعمت التقارير الرسمية ..

[ 9 ] اتهام عبد الناصر : بتاريخ 13 / 8 / 1987 جاء في الوفد : خبير السموم يتكلم : إني اتهم عبد الناصر بقتل المشير عامر ، والدليل إخفاء الحقيقة عن الرأي العام ..

المحامي العام الذي كلفني بدراسة القضية نقل إلى القضاء بعد يومين من تسليمه التقرير ، لإبعاده عن فتح ملف القضية ، أتحدى من يشكك في سلامة التقرير ، ومستعد لتجريب السموم عليه ..

وسئل الدكتور علي دياب أستاذ تحاليل السموم بالمركز القومي للبحوث : هل عبد الناصر كان يعلم ؟ قال : لا يمكن استبعاد ذلك ؛ لأن غير ذلك هو المستحيل .. وإذا لم يكن عبد الناصر هو المسئول عن ذلك .. فمن المسئول إذن ؟ّ! ؛ لأنه إذا كان المسئول شخصًا آخر غيره ـ لكان الوضع مختلفًا تمامًا ـ فإخفاء الحقيقة هو أكبر دليل على مسئوليته عما حدث .. واستبعد الدكتور علي دياب النتيجة التي توصل إليها أساتذة الطب الشرعي ؛ لأنه صادر من غير المتخصصين ، ولأنهم ليس لديهم علم بهذه المادة السامة .. وكافة السموم الواردة بتقريرهم ليس لديهم علم بها .. وليست لهم أبحاث عليها ..

وهذا بعض ما جاء في مقال الأستاذ مصطفى شردي تحت عنوان : من الذي قتل المشير عبد الحكيم عامر ؟

والمشير عبد الحكيم عامر شريك جمال عبد الناصر في الثورة وصديق عمره الوحيد قتل أيضًا قبل عشرين عامًا وبعد أسابيع قليلة من كارثة هزيمة يونيو 1967 وقيل إنه انتحر .. وقيل إنه مات اغتيالاً ليذهب إلى القبر وأسراره معه .. وخلال السنوات الأخيرة أصبحت احتمالات القتل أقوي ألف مرة من قصة الانتحار التي لم يصدقها أحد .. وصدرت كتب عديدة حول هذا الموضوع .. وقيل كلام كثير .. حتى تلقت ( الوفد ) ذلك التقرير العلمي الخطير الذي أعده الدكتور علي محمد دياب الباحث ومدرس التحاليل والسموم بالمركز القومي للبحوث .. الذي انتدبه المحامي العام في ذلك الوقت ، لدراسة الحادثة من جانبها العلمي البحت .. وقد قدم الدكتور دياب تقريره المطول إلى المحامي العام .. واختتمه بفقرة لها وقع الزلزال ، هي نتيجة الأبحاث والتحقيقات التي قام بها العالم المصري الكبير .. وقد جاء في نصها :

( مما سبق .. لا يستطيع الباحث المنصف المدقق إلا أن يقرر أن وفاة السيد المشير عبد الحكيم عامر لم تكن انتحارًا .. وإنما كانت قتلاً ، بإعطائه سُم ( الأكونتين ) بطريقة أو بأخرى ، بعد الساعة السادسة من مساء يوم 14 / 9 / 1967 .. وإنني أقرر مطمئنًا أن هذه الوفاة جنائية مكتملة لشروط الجناية من التعمد إلى سبق الإصرار والترصد .. ) .

ويسأل مصطفى شردي عدة أسئلة :

  1. من قتل المشير عامر ؟ من الذي أمر ؟ ومن الذي نفذ ؟ ومن الذي أشرف على إتمام التنفيذ ؟
  2. لماذا تقرر اغتيال المشير عبد الحكيم عامر ؟ ولماذا تم التنفيذ على هذه الصورة التي حيرت الناس منذ عشرين سنة ؟
  3. أين ذهب تقرير الدكتور علي محمد دياب بعد ان سلمه إلى المحامي العام .. وبعد أن قرر العالم الكبير أن المشير عامر قتل مع سبق الإصرار والترصد ؟ ولم ينتحر على الإطلاق .. وقد استطاع أن يثبت تلك الحقيقة بصورة قاطعة ، من خلال الوثائق ، والمستندات التي أوردها تقريره ؟ بل إننا نسأل : أين ذهبت تحقيقات مصرع المشير عامر برمتها ؟ ومن الذي يحتفظ بها حتى الآن ؟ ومن الذي كان صاحب المصلحة في إخفائها عن الناس ؟

ويقول أيضًا : إن إعادة فتح ملف التحقيق في مصرع المشير عبد الحكيم عامر .. أصبحت ضرورة وطنية ؛ لأنه سيحدد القاتل ؛ ولان القاتل هو المسئول عن الهزيمة التي ما زلنا حتى هذه اللحظة نغرق في مصائبها ، ونتجرع مرارتها ، على الرغم من انتصار أكتوبر الكبير ..

ويقول : كيف نقنع شعب مصر .. بأنه عندما يتحرك في مسيرة واحدة أخرى لن يكون من بين المشتركين في هذه المسيرة القتلة الذين أفلتوا من العقاب ، والمجرمون الذين أسقطوه في متاهات الذل والهوان ، والطغاة الذين جلدوه ، ومزقوه .. وشربوا من دمائه عبر السنين ؟ ...

ثم قال : ونحن لا نتحدث عن قتلة المشير عبد الحكيم عامر وحده .. أو قتلة الدكتور المفتى ، أو قتلة المئات من المعتقلين الأبرياء الذين دفنهم الطغاة في رمال الصحراء .. أو قتلة عشرات الألوف من شباب مصر في مغامرات اليمن وغيرها .. وأيضًا في هزيمة 1967 .. وإنما تتحدث قبل ذلك كله عن الذين قتلوا مصر نفسها ، أو حاولوا ذلك .. وأثناء المحاولة الإجرامية .. أثخنوها بالجراح .. وأقعدوها عن الحركة ، ثم راحوا يصرخون حول ضحيتهم : أين الانتماء .. أين الانتماء ؟

اسألوا أنفسكم أيها السادة .. ! .

[ 10 ] التحقيق في مقتل الدكتور المفتي : وسئل الدكتور علي دياب : هل هناك قضايا أخرى سياسية قمت بالاشتراك فيها ؟ أجاب .

ـ أخذ سؤالي في إعادة فتح التحقيق في قضية وفاة الدكتور المفتى .. الطبيب الخاص للرئيس عبد الناصر .. والتحقيق أعيد فتحه في نفس التوقيت الذي أعيد فيه فتح ملف المشير عامر ( 1974 ) وكان حاضرًا الجلسة زوجة الدكتور المفتي فاطمة العبد .. وابنته ماجدة .. والمرحوم الأستاذ شوكت التوني المحامي عن أسرة الدكتور المفتي ..

وكان التحقيق تحت إشراف المحامي العام لنيابات استئناف القاهرة .. وكان واضحًا من أوراق ملف القضية .. ومن أقوال الدكتور المفتي لزوجته ولأولاده قبل الوفاة مباشرة من أن وفاته مؤكدة خلال 48 ساعة .. والغريب في الأمر أن الجهات المسئولة تجاهلت توقيع الكشف الطبي على الدكتور المفتي بعد الوفاة ..

وكان قد سبق الوفاة ، زيارة الدكتور المفتي لأحد المسئولين .. وشرب فنجانًا من القهوة في هذه الزيارة .. ويبدو أن المادة السامة وضعت له مع القهوة ..

وكان قد أشيع أن الدكتور المفتي ألمح في تاريخ سابق ، لصديقه المشير عامر بضرورة أن يأخذ الرئيس عبد الناصر إجازة من العمل ؛ لأن أعصابه متوترة بسبب مرض السكر الذي أصيب به ، وقد يتسبب المرض في اتخاذ الرئيس قرارات غير ملائمة و ..... بحسن نية نقل المشير عامر هذا الرأي إلى الرئيس عبد الناصر .. فكان جزاء الدكتور المفتي هو : التخلص منه .. فكيف يجرؤ على القول بأن عبد الناصر يمكن أن يخطئ في اتخاذ قرار !! .

وللعلم كان المحامي العام الذي قام بالتحقيق في قضية الدكتور المفتي هو المستشار المحمدي الخولي ..

وكانت هناك قضايا وشكاوى أخرى كان ينوي فتح التحقيق فيها .. وكان متوقعًا فتح ملف ( الاغتيالات السياسية ) ( السرية ) ولكن الملف أغلق بإبعاد المستشار المحمدي عن عمله بالنيابة .. انتهى [ من ج : جـ 3 / 112 ـ 113 ] .

وفي كتاب ( حكايتي مع عبد الناصر ) لاعتماد خورشيد في ص 119 : أن عبد الناصر أعطى أمرًا صريحًا للتخلص من الدكتور المفتي ـ الذي يعالج عبد الناصر ـ وقال صلاح نصر إن عبد الناصر أعطاني الأمر الصريح .. بأن أخلصه منه وحدث وخلصنا من المفتي ..

إدانة نظام حكم : المسألة أمام الشعب .. والمجتمع المصري .. ليست مسألة أشخاص .. بقدر ما هي مسألة نظام حكم .. سمات نظام .. وتجربة حكم ..

لما جاء دور المحاكم أدانت في أحكامها ، النظام والعهد .. والحكم .. بسماته وصفاته .. وأعماله وأفعاله ، وطبيعته ، وهذا هو المهم ، أن نظام حكم فشل .. وأسلوب حكم سقط ، لقد جرب الشعب النظام الملكي فحكم عليه بالفساد ..

حتى جاء نظام ، ظن أنه سيحقق له الآمال .

فأثبتت السنون والأفعال ، عكس ما كان يأمن الظلم ، والعسف ، والاضطهاد ، وذلك بسبب ( الخماسي ) الذي كان يحكم مصر وهو : الجهل ، والحقد ، والريبة ( الشك ) والمرض ، والانتقام .

الباب السادس

التخلص من الإخوان وفئات أخرى

سنتكلم في هذا الباب عن التخلص من الإخوان ونسبة من الشعب ، وبالموت البطئء ، وبتكوين team والتخلص من الضباط الاخرار وإبادة المظاهرات .. وذلك كالآتي :

  • أولاً : التخلص من الإخوان ونسبة من الشعب .
  • ثانيًا : التخلص من الإخوان بالموت البطئ .
  • خامسًا : إبادة المظاهرات .

أولاً : التخلص من الإخوان ونسبة من الشعب

في محنة 1965 .. كنا نسمع من حمزة البسيوني والضباط : أنتم عددكم كم ؟ ربع مليون .. إيه يعني لو قتلتم ويستريح الباقي ! .

وكان حمزة يقول : احمدوا ربنا إن أنتم عايشين ، ده فيه اللي بيقول نبيدهم كلهم ونتخلص منهم ! وكان الذي يتردد من العسكر .. إنتم ليس لكم دية .. اللي نقتله ندفنه في الجبل هذا !! .. وغير هذا كثير .

ومن العجيب أن عبد الناصر كان يقول في مقابلة له مع حسن العشماوي في مايو 1953 بعد الثورة بأنه ـ أي عبد الناصر ـ يريد أن يتخلص من عشرين أو ثلاثين في المائة من الشعب إذا لزم الأمر ليستقيم حال البقية .

وقد كتب ذلك حسن العشماوي بعد أن رأى ( أن الحركة العسكرية بدأت تتجه اتجاهًا استبداديًا لا ترضى بوجود اتجاهات تعارضها في البلاد ) .. وبعد أن صدرت أوامر اعتقالات منها اعتقال حسن العشماوي في يناير 1954 .. [ راجع : الإخوان والثورة ص 26 ] .

ويقول أبو الفتح في كتابه : إن انعدام العواطف وعوامل الشفقة لدى إنسان يعتبر غير مفهوم ولا مقبول .. وفي كثير من الأزمات التي كان يبطش فيها عبد الناصر بقسوة رهيبة وكنت أحدثه عن تلك القسوة والبطش فكان يقول لي في هدوء وكأنه يمزح : ( إننا دولة يزداد سكانها بسرعة مخيفة ، فماذا لو أنقصنا تعدادها مائة ألف من الملاين الأربعة وعشرين ؟ .. ] .. [ جمال عبد الناصر : 392 ] .

إنها مشكلة السكان التي تؤرق الغرب وأمريكا .. والحكام المتأثرين بهم ويكون التخلص بوسائل مختلفة وخاصة من الفئات صاحبة الفكر وأهل الإخلاص .

يقول محمد نجيب في كلمتي للتاريخ ص 239 : بدأ عهد الإرهاب ( إرهاب الدولة ) واعتقل الآلاف من شباب مصر وزج بهم في السجون واهدرت آدميتهم وتعرضوا للتعذيب بأحداث آلات التعذيب .. كانت دولة المخابرات .. ومن هم الذين كانوا يعذبون ؟ هم صفوة شباب مصر .. وسيأتي ذلك في الباب الثامن عن الذين قاموا بالتعذيب ..

وكنا نسمع ونحن في زنازين السجن الكبير في الحربي بالقاهرة في سنة 1965 ، نسمع الضباط في حفل أٌقيم لهم بجوارنا بالميكروفون بصوت مسموع : إننا نريد القضاء على الإخوان حتى نتفرغ لإسرائيل والقضاء عليها !!

ثانيًا : التخلص من الإخوان بالموت البطئ

لا شك أن القبض والاعتقال .. والتعرض لوسائل التعذيب المختلفة .. فإن الضحية بعد ذلك يصبح مرهقًا تنزف الدماء من الجروح ثم تتقيح الجروح .. وتنمو فيها الحشرات والديدان .. والطوابير المرهقة .. وقد يُلقي في زنزانة الموت وهو كيوم ولدته أمه وقد يتعرض للدفن حيًا .. وقد يموت أو يخرجوه من قبره .. كل هذا التعذيب والإرهاق وتحطيم الأعصاب تحتاج غذاء .. ولا غذاء .. وتحتاج علاج .. ولا علاج .. وترك المرضي بلا علاج [ كان إبراهيم عبد الستار الأسرج من ( الإسكندرية / محرم بك ) أصيب بالبولينا من كدمات علي الكلية .. والتعليق وهو مربوط اليدين والرجلين ثم يلقوه من فوق على ظهره .. وذهبوا به لمستشفي القصر العيني وكان هذا في عنبر المعتقلين بالمستشفي وكان ضابط الحرس يدعي مرسي علي ما أذكر .. وكان يكتب له العلاج حتي إذا بدأت تنخفض البولينا .. منعوا عنه العلاج .. ولما تدهورت حالته .. حتي توفي رحمه الله وهو في المستشفي .. ] ، وكذا ترك كبار السن بدون علاج .. هذا مع عدم التغذية الكافية .. وجوه شاحبة وعيون زائغة وجروح غائرة .. نفوس تشرف علي الموت .

ومن يموت بعد ذلك يدفن في الجبل .. ثم ينادي عليه .. فلان .. فلان .. وذلك للإيهام بأنه هرب .. ثم يكتب في سجل السجن أمام اسمه : هارب .. تصور ؟ كيف يهرب إنسان من سجن له بوابات وحراسات !! وقد يسلمون لأهله بعد وفاته بزعم أنه انتحر .. ويكون التحذيروالتهديد إذا شيعوه في جنازة ..

ولا ينتهي الأمر عند ذلك .. فالضحية يمكث في المعتقل مدة طويلة .. في الاعتقال .. ثم يخرج إن كتب له الخروج .. أما الذين صدرت إليهم أحكام وتنتهي مدة الحكم فإنه يكتب في كارتته أن يعود إلي المعتقل .. لا يفرج عنه .. أي أنه يظل في محبسه مدي الحياة .. بمعني أنه قد حكم علي الضحية بالإعدام !

وقد كتب صلاح نصر كتابه ( الحرب النفسية ) .. عن معاملة الإخوان .. والتعذيب وغيره .

وكتب هيكل في الأهرام ما يفيد أنه في روسيا يعتقل الإنسان .. ولا يري الحياة مدة طويلة .. ثم يفتح عليه باب الزنزانة فإذا سألوه عن اسمه .. فيقول ( محمد ) فتغلق عليه الزنزانة ثانيًا .. ويمكث حتى إذا سألوه عن اسمه .. فهو لا يدري .. لقد نسي اسمه .. حينئذ يخرجوه إلي الحياة .. وذلك بعد 30 سنة تقريبًا هكذا .. لاحظ اسم ( محمد ) .

وجاء في تقرير المخابرات والأجهزة الأخري أن هؤلاء لا ينفع فيهم سجون أو معتقلات .. لأنهم إذا خرجوا في مدد صغيرة .. فسوف يعودون إلي فكرهم .. فلا أمل في خروجهم ..

ثالثًا : التخلص من الإخوان بكوين team

وبذلك بتكوين فريق من مجلس الثورة لقتل الإخوان : ففي جلسة مجلس الثورة المنعقد في الرابع من مارس 1954 كان يخطط لتصفية زعماء الإخوان .. فاقترح حل المجلس وأن يعمل كل فرد من أعضائه علي تكوين فريق teamمكون من عشرة أفراد ، مهمته التخلص من العناصر الرجعية من الذين يناهضون الثورة وعلي رأسهم الإخوان .. لم يجد عبد الناصر حرجًا للتصفية الدموية للإخوان وتقديمه هذا الاقتراح لأعضاء المجلس ؛ فإذا حاز أغلب الأصوات نفذه وإذا جري غير ذلك نفذه أيضًا بمفرده ، كما جري قبل ذلك بمحاولة قتل اللواء سري عامر بدون علم أصحابه ، وكما قرر أيضًا تنفيذ قتل محمد نجيب في 23 مارس ..

وهكذا كان عبد الناصر يصارع خصومه في الرأي قبل وبعد تولي الحكم [ حصاد : 269 ومذكرات البغدادي جـ 1 ص 119 ، جـ 1 ص 14 ] .

رابعًا : التخلص من الضباط الأحرار وغيرهم

تخلص عبد الناصر من الضباط الأحرار : يقول نجيب في كلمتي ص 226 : بعد قرارات مارس التي لم تنفذ وكانت القرارات تعد الشعب بالحياة الديمقراطية .. تبدد الأمل في عودة الديمقراطية وبدأ في إجراءات عنيفة .. محاكمة أبي الفتح رئيس تحرير المصري .. حرمان وزراء الوفد والسعدين من حقوقهم السياسية .. وحل مجلس نقابة الصحفيين وعين فكري أباظة نقيبًا ، ومجلس نقابة المحامين وعبد الرحمن الرافعي نقيبًا .

ووضع عبد الناصر الضباط الذين وقفوا بجانبي في السجون .. أما الضباط الذين وقفوا بجانبه في هذا الصراع وتفانوا في نصرته فكان مصيرهم السجن أو الإبعاد : أحمد أنور وأحمد طعيمة .. ومجدي حسنين ووحيد جودة رمضان وحسين عرفة .. وغيرهم كثيرون ، كان تطبيقًا جيدًا لما كتبه ميكيافلي في كتابه الأمير .. وسقط السنهوري من رئاسة مجلس الدولة ولما قام عدد من رجال سلاح الفرسان بإعداد خطة .. لإعادة الديمقراطية .. قام باعتقال 25 ضابطًا أو أكثر .. وخالد محيي الدين إلي الخارج .. وضباط الإسكندرية تشردوا .. واعتقل عدد كبير من الضباط ..

وفي ص 249 يقول نجيب : كمال الدين حسين خرج من مجلس الرئاسة فجأة وكان يتولي تسع مناصب مختلفة .. ووجد نفسه بلا عمل ، ولم يبلغ الخمسين ..

وخرج جمال سالم وصلاح سالم .. وحسن إبراهيم و عبد اللطيف البغدادي وزكريا محيي الدين ثم تخلص من عبد الحكيم عامر .. خرجوا جميعًا ليبقي الحاكم الفرد وحده وهم الذين ساندوه في تركيز السلطة بيده كحاكم مطلق .. وكل أعضاء المجلس أسهموا في خلق شخصية الحاكم الفرد .. تحولت مصر أكبر الدول العربية إلي ضيعة يتحكم فيها واحد .. إنه عندما تسلب إرادة الإنسان ويصادر رأيه ويحجر علي حريته ، يتحول إلي كيان سلبي لا يقدم للمجتمع ما يفيد .. [ كلمتي : 249 وراجع مذكرات نجيب ص 367 ] ..

وفي مذكراته يقول نجيب في ص 202 : لقد تخلص من كل من سانده .. وبقي هو وعبد الحكيم عامر وأنور السادات وحسين الشافعي .. تخلص منهم .. ولم يبق إلا السادات الذي كان يعرف بدهاء الفلاح المصري كيف يتجنب الأهواء والعواصف .. وكان يقول علي كل شيء ( صح ) .. ثم تكلم نجيب عن بعض الانحرافات التي نتجت عن استيلاء الضباط علي السلطة دون أسماء .

وفي ص 204 من المذكرات يقول نجيب : صدمت هذه النتائج باقي الضباط الأحرار الذين يتصفون بالمثالية وعرف ضباط القيادة هذه الفضائح .. فلم يسمعوا لهم .

وكان لا بد لكي يتخلص ضباط القيادة من المعارضين .. أن يلفقوا لهم التهم للقضاء عليهم وتطور أسلوب التلفيق من تحضير شهود الزور ، كما في قضية المدفعية ، إلي العنف والقسوة في معاملة المعارضين لهم ، داخل السجون حتي يعترفوا بجريمة لم يرتكبوها كما حدث مع حسني الدمنهوري .. حتي أصبح ضباط القيادة ديكتاتوريين !! ..

وفي ص 214 يقول نجيب : ووصل الأمر أن قرر عبد الناصر إبعاد من يتصور أنهم أنصاري أو من الممكن أن يقفوا معي .. فأمر بنقل عدد كبير منهم إلي الصعيد .. وحدث نفس الشئ مع ضباط البوليس .. وكان يتولي هذه الاعمال نيابة عن عبد الناصر ، الضابط صلاح دسوقي الذي كان مقربًا من عبد الناصر .. وقد عينه أركان حرب الوزارة وأعطاه صلاحيات الوزير لكي لا يترك زكريا محيي الدين ينفرد بها ثم أصبح صلاح محافظًا للقاهرة ثم سفيرًا ، حتي تخلص منه ، فترك مصر ورفض العودة إليها .. انتهي ..

ويذكر أن صلاح دسوقيس اشترك في تدبير حادث المنشية .. وأنه هو الذي اطلق الرصاص بعيدًا عن عبد الناصر طبعًا ..

ويقول نجيب في كلمتي ص 86 وما بعدها : كان رأي بعض ضباط المدفعية أن يكون تمثيل الجيش في مجلس قيادة الثورة بالانتخابات لكن المجلس تبين خطر هذه الآراء علي أنفسهم .. وأذكر أن أحد قيادة المجلس سأل يوسف صديق .. هل تضمن أنت النجاح في الانتخابات ..

وأجاب يوسف : هذا لا يهم .. إنما المهم هو الاطمئنان ..

قال نجيب : وفوجئت أن يوسف بعد اعتقال ضباط المدفعية يقدم استقالته ...

وبعد أيام من الاعتقال أُبلغت أن البكباشي حسني الدمنهوري كان يعد مؤامرة للانقضاض علي مجلس القيادة .. وأبلغني عبد الناصر أن محاكمته سوف تتم أمام مجلس القيادة .. واعترضت حيث لا يعقل قانونًا أن يكون الخصم هو الحكم !!

ورأس جمال عبد الناصر المحكمة .. وصدر الحكم بالإعدام .. وأعلنت رفضي للتصديق وحاول أن يقنعني ولكني تمسكت برأي وصرخت فيه قائلاً : ( إنني لا أريد أن أمضي في طريق مفروش بدماء الزملاء الضباط .. وزدت تشبثًا برأي عندما أبلغني اليوزباشي محمد رياض ، أنه شاهد حسن الدمنهوري يعذب عذابًا شديدًا أمام لجنة التحقيق لحمله علي الاعتراف بأنه كان يدبر مؤامرة ضد مجلس القيادة .. ورفض ذلك رغم قسوة التعذيب [ وفي مذكرات نجيب ص 186 حتي يدفعوه بمؤامرة لم يرتكبها .. ولم يفكر فيها .. وتحمل التعذيب ، ورفض الاعتراف بما يريدون ! ] ... وكان رأي قيادة الثورة أنهم يدافعون عن أنفسهم ؟ .. وأصبح مجلس القيادة أكثر حرصًا علي السلطة وتخوفًا من الانقلابات المضادة !

وأصبح دخول الجيش في السياسة تحت إغراء السلطة أمرًا لا يحتاج مناقشة وكانوا يحبون الظهور علي المسرح بعد أن كانوا يؤدون أدوارهم خلف الكواليس ..

تنظيم جديد من الضباط : ويقول في ص 180 : وكان عبد الناصر وعبد الحكيم يبذلان كثيرًا من الوقت والجهد لعمل تنظيم خاص بهما داخل القوات المسلحة ، وليس هو تنظيم الضباط الأحرار السابق .. ولكنه تنظيم جديد من الموالين لهما شخصيًا والذين كانوا يعينونهم في مراكز قيادية .. وكان أغلبية ضباط الجيش ترفض السلطة التي تجنح إلي الديكتاتورية .. وكانت النشرات تتوالي بإخراج خيرة ضباط الجيش إما إلي المعاش أو الوظائف المدنية .. انتهي ..

ومن المعروف أن الضباط الأحرار كان عددهم ما يقرب 200 والذين قاموا بالانقلاب ما يقرب 100 لم يبق منهم إلا السادات ، كما سبق .

يقول نجيب في كلمتي ص 251 : كل ضابط في الجيش حاول أن يقول كلمة لا ، أو يعترض علي أسلوب الحكم ، كان مصيره السجن أو التعذيب .. وقد عمل عبد الناصر علي حل تنظيم الضباط الأحرار بعد ذلك ولم يبق عدد منهم في الجيش أو مراكز السلطة إلا عدد لا يتجاوز أصابع اليد .. وكان عبد الناصر يطبق ما كتبه ميكيافلي في كتابه الأمير بأن الحاكم يجب أن يتخلص من الذين ساعدوه .. وقد قهر عبد الناصر الشعب .. انتهى .

خامسًا : إبادة المظاهرات

تمهيد : والمظاهرات وسيلة من وسائل : التعبير عن مشكلة يريد المتظاهرون توصيلها للحكومة أو رئيس الدولة ، وفي البلاد الحرة التي تحترم الحريات ، والمحافظة علي أبناء الشعب ، واحترام القائمين عليها .. فإنها تقوم بدراسة المطالب وتلبيتها أو مناقشتها .. ثم تهدأ المظاهرة وينصرف الناس أما في الدول المستعمرة .. أو الديكتاتورية .. فإن الدولة تخشي ذلك ، وتحاول منع مسيرتها أو فضها بأي طريق .. ولو أدي ذلك إلي استعمال القوة وإطلاق الرصاص علي المتظاهرين .. ! .

(1) أما مظاهرة كوبري عباس الأول ، فقد كانت في عهد وزارة أحمد نسيم ضد القصر والحكومة القائمة ، ومن ورائهما الإنجليز .. وكان الطلبة قد تأثروا بالخطب التي كان يلقيها النحاس باشا .. وكان يحضر إلي الجامعة السكرتير العام لحزب الوفد مكرم عبيد ، وكان يلهب الطلبة ..

خرج من الطلبة عدة آلاف من الجامعة بالجيزة .. في مظاهرة سلمية .. فلا تخريب ولا عنف .. كانت تهتف بسقوط الوزير البريطاني صمويل هور ؛ لأنه هو الذي أوحي بإلغاء دستور سنة 1923 .. مطالبين بإعادة الدستور ، وسقوط الحكومة .. خرجت المظاهرة من ميدان الجيزة واتجهت إلي كوبري عباس ..

دخلت الجموع كوبري عباس حتي إذا كانت في منتصفه .. فتح الكوبري فجأة ، فقسْم عبر الكوبري .. وقسْم حال فتح الكوبري بينه وبين زملائه .. فحاول الرجوع فإذا به يجد نفسه محاصرًا بقوات تطلق النار عليه .. وحاول القسم الآخر مغادرة الكوبري فوجد نفسه محاصرًا كذلك .. وتطلق النار عليه .. !! .. والذي دبر هذه المؤامرة ضباط الإنجليز علي رأسهم حكمدار القاهرة الإنجليزي ( رسل باشا ) وكان الجنود المغلوبة علي أمرها تضرب الرصاص على الأبرياء العزل !

امتلأت الأرض بالمصابين وقتل اثنان من الطلبة .. فريق من الطلبة نزل تحت الكوبري وسار في الطين حتي نجا .. [ أحداث جـ 1 ص 42 ] .

(2) مظاهرة كوبري عباس الثانية : حدثت هذه المظاهرة في 9 فبراير 1946 في وزارة النقراشي باشا وكانت السياسة المتخاذلة سببًا في حفيظة الشعب والهيئات ؛وذلك بسبب فشله في استعادة حقوق البلاد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وخاصة بإلغاء معاهدة 1936 .

وقد وقعت مصادمات عنيفة بين البوليس والشباب في القاهرة والإسكندرية .. وكان يومًا مشهودًا تكررت فيه مأساة كوبري عباس التي حدثت في 1936 .. ولكن الفرق بينهما هو أن أمر ضرب الطلبة بالرصاص فوق الكوبري في 1936 كان انجليزيًا في حين أن الذي أمر بضرب الرصاص هذه المرة ـ للأسف ـ كان مصريا .. وكان المنفذ هو اللواء سليم زكي باشا .. وقد أصيب 160 طالبًا إصابات شديدة وفقد 28 حيث كانوا يلقون بانفسهم من الكوبري في مياه النيل من شدة الرصاص .. وفي نفس الوقت قامت قوات كبيرة من البوليس بمحاصرة المركز العام للإخوان ودور الإخوان بالقاهرة .. وقد أصدر وكيل الإخوان برقية احتجاج إلي جريدة المصري محملاً الحكومة نتيجة هذا التصرف الجائر ، وقد صادرت الحكومة جريدة المصري يوم 11 / 2 / 1946 وبعد هذه المقاومة الشعبية ، قدمت الحكومة استقالتها في 14 / 2 / 1946 .. [ أحداث جـ 1 ص 361 ] .

هكذا كان كبت الحريات وكتم الأنفاس ، وإسالة الدماء .. وقتل المصريين من عهد الاستعمار حتى الآن !!

الباب السابع

إحداث الفتن للقضاء على الإخوان

  • أولاً : إحداث الفتن والوقيعة .


أولاً : إحداث الفتنة والوقيعة

(1) إحداث الفتن قبل الثورة : لما كانت مصر دولة إسلامية ، وكان الإنجليز يخشون الإسلام ووحدة المسلمين ، وكانت سياسة الإنجليزالاستعمارية تقوم علي أساس فصل الدين عن السياسة وعلى فصل مصر عن الدول العربية .. علي زعم أن المصريين فراعنة وليسوا عربًا .. واقتنع الناس بذلك .. واقتنع أهل البلاد العربية بذلك وكانت استراتيجية الإنجليز ( فرق تسد ) ولأن فصل مصر رأس العروبة عن الجسد هو فقد الجسد عن الحياة .

وخدع المصريون بذلك روحًا من الزمن .. واقتنع بذلك سياسين لتحقيق بيع فلسطين لليهود .. فإذا طلب من أحد أن يتبرع لفلسطين .. قال : ما لنا ولفلسطين ، حتي إن رئيس وزراء مصر حين سأله أحد الصحفيين عن فلسطين قال : أنا رئيس وزراء مصر وليس فلسطين .

ولكن الإخوان يركزون علي وحدة المسلمين ، وأن ضرب فلسطين ضرب للجميع .. وقد استطاع الإخوان توجيه الدعوة لقيام مؤتمر لدراسة مشكلة فلسطين وكان من الزعماء الذين استجابوا : فارس الخوري ومع أنه مسيحي لكنه كان من المفكرين غير المتعصبين .. وكان زعيمًا لسوريا .. تولي رئاسة الوزارة .. وكان خطيبًا مفوهًا .. وخطب في المؤتمر في المركز العام .. وكان آخر الخطباء المرشد العام .. وانتهي المؤتمر بمطالبة الدول العربية بالتدخل لإنقاذ فلسطين .. من مؤامرة الإنجليز واليهود .. [ أحداث : 1 / 180 ] .

ويقول أحمد أبو الفتح : رفض الإخوان الانضمام إلى هيئة التحرير ، فبدأ عبد الناصر يعد العدة للقضاء عليهم .. وأدرك الإخوان ذلك فبدأ تأييدهم للحركة ينصرف إلى تأييد محمد نجيب ، وقد أغضب ذلك عبد الناصر ، وأخذ يكيد لهم ويحاول التفريق بين صفوفهم .. [ جمال عبد الناصر : ص 246 ] .

فتنة فصل أعيان مصر عن الإخوان : كانت عائلة عبد الرازق تحوي شخصيات بارزة في الصعيد بقرية أبي جرج إحدي قري مركز بني مزار بمحافظة المنيا وكانت من الأسر الشهيرة بالثراء والتعليم والمناصب الكبيرة وكان من هذه الأسرة الشيخ مصطفي عبد الرازق وكان مدرسًا بأحد المعاهد الأزهرية ، وعلي عبد الرازق الذي وضع كتاب ( الإسلام وأصول الحكم ) فنفي فيه صلة الإسلام بالحكم .. وقد ثار الأزهر لهذا في حينه .. وكان لوضع هذا الكتاب في ذلك الوقت دوافع سياسية .. وقد أرضي المستعمر ؛ لأن أهداف الإنجليز تجريد الإسلام من الحكم ، لكنه أغضب الملك الذي كان يريد زيادة في السلطة والحكم .. وكان للماسونية اليد الطولي بإصدار هذا الكتاب ..

وكان حسين عبد الرازق قد عرف الدعوة عن طريق عبد الحكيم عابدين .. وبعد التحاقه بالدعوة أخذت السراي الملكية في احتواء أسرة عبد الرازق حتي لا تزداد الدعوة بالأشخاص ذوي المكانة في المجتمع .. فاختارت الشيخ مصطفي عبد الرازق في 1944 وزيرًا للأوقاف في وزارة أحمد ماهر .. ثم عينه الملك شيخًا للأزهر .. وهو شرف ما كانت تحلم به الأسرة .. [ أحداث : 1 / 465 ] .

وكان هناك اختلاف بين أحمد السكري وعبد الحكيم عابدين وكان أحمد أيضًا علي خلاف مع المرشد وفي ليلة أثار المرشد الموضوعات الخلافية في الهيئة التأسيسية .. وكانت مناقشات واسعة استغرقت الليل كله .. ثم أذن لصلاة الفجر .. وطلب السكري الكلمة بعد الصلاة وتكلم حديثًا طيبًا فيه اعترافًا باخطائه وتوبة إلي الله وطلب الصفح من مقام الجميع في فرح ودموع .. وتعانق الجميع .. ثم وقف المرشد فحمد الله وأثني عليه وقبل اعتذار السكري وأشاد بفضله .. وانقضي الاجتماع ..

ولكن ما كاد أعضاء الهيئة التأسيسية يصلون إلي بلادهم حتي سمعوا من صحيفة الوفد أنها تشن حملة علي الإخوان .. وأن السكري استقال من الإخوان .. فما هو لغز الاستقالة ؟ ولماذا لم يقدم استقالته في الليلة الماضية .. بحثنا فلم نجد مبرر للاستقالة .. فلا بد من عامل خارج عن الموضوع قد تدخل .. قد يكون تفسير ذلك أن حسين عبد الرازق كان يعلم مآخذ الإخوان علي السكري .. ويعلم أن اجتماعه مع الهيئة سيؤدي إلي الانفصال لكن الجلسة انتهت بالوفاق .. فلا بد إذن من توسيع شقة الخلاف بينه وبين الإخوان .. لقد كان الجميع يتربصون بالإخوان شرًا وبالسكري .. بالاضافة إلي حزب الوفد ، والقصر وأحزابه .. ومن وراء ذلك كله الإنجليز .. فهو العدو الماكر الذي يجد في المصريين ما يغنيه عن أن يضرب بيده ! كان في حسين عبد الرازق خير .. لكن لم يثبت أمام هذه العناصر .. وكأن أسرته أرادت أن تثبت للملك ، سيد البلاد .. الذي احتضن ابنها وولاه مشيخة الأزهر .. أن تثبت ولاءها .. وبدأت صحيفة الوفد تنشر مقالات لـ السكري .. أوغرت صدور الإخوان ..

كان الوفد يري أن الإخوان جماعة دروشة وأن المرشد يريد الوصول إلي البرلمان .. ثم رأي أن اتباعه .. يتبعون دعوة الإخوان .. فجن جنون الوفد .. كيف سحب الإخوان البساط من تحت قدميه ؟ .. ومن هنا كان شعور الوفد بخطورة الإخوان ! لأنها تنازعه الزعامة الشعبية التي هي كل رأسماله .. فكان الوفد يحشد كل الوسائل المتاحة ضد الإخوان .. [ أحداث : 1 / 472 وما بعدها بتصرف واختصار وراجع كذلك ص 481 ] .

(2) الفتن والوقيعة في عهد ثورة 1952 : وهذه الفتن كثيرة نذكر منها :

فتنة التمرد على القيادة : هذه سياسة عبد الناصر في تنفيذ مخططه ضد الإخوان .. فكان يقرب إليه من يري فيه استعداد لمناوأة الدعوة أو التمرد علي قيادتها .. من ذلك احتضان الأخ : د ( ع . س . ا ) الذي أصبح أستاذًا بكلية الآداب .. وفعل معه كما فعل بالشيخ أحمد الباقوري .. [أحداث : 3 / 197 ] .

كان عبد الناصر من أعضاء الجهاز الخاص في الإخوان .. ويعرف عنهم وعن قادتهم مواضع الضعف وقد كان النظام من أهم أعمدة الإخوان وكان يدين لرئاسة المرشد .. لكن حدثت فترة كان بعض أفراد النظام قد تمرد .. ومع أن عبد الناصر كان يطعن في القيادة ( السندي ) وفي كفاءتها .. إلا أنه كان يري من مصلحته أن يهتم بها .. ويشعرها أنها شريكة له في الحكم وأنه وهذه القيادة هم الإخوان القدماء .. ولا بد من العمل للتخلص من الرجل ( الدخيل ) الذي أصبح المرشد الجديد .. وتعجب حين تري أنه يجلس مع رئيس النظام أمام رجال الحكم بالساعات ولا يسمح لأحد بالدخول عليهما .. وأحيانًا يصحبه إلي منزله .. ! وعلي دوام بالاتصال التليفوني !

وكان هذا الأسلوب من عبد الناصر يستعمله مع كثير من أفراد النظام حتي الطلبة .. وكان من هؤلاء الطلب أخ اسمه حسن عبد الغني كان طالبًا بكلية الحقوق .. وكان مخلصًا لدعوته .. فكان يحكي ما دار بينه وبين عبد الناصر .. وكان السندي رئيس النظام علي خلاف مع المرشد العام ، فقد كان يعتقد أن المرشد قد سلبه سلطة لا حدود لها .. وبدا بعض الإخوان يتأثرون بتوجيهات عبد الناصر ويتكتلون .. ثم أصبحوا يتجمعون في كان آخر .. وأصبح هذا المكان ملاذ كل المتمردين علي الدعوة .. والعجيب أن صاحب هذا المكان قد حطمه عبد الناصر كما حطم غيره !

كان عبد الناصر حريصًا علي أن تكون هذه الاجتماعات سرية .. وكانت كل خيوط هذه المؤامرة بين رئيس النظام الخاص وعبد الناصر .. [ أحداث : جـ 3 / 197 ـ 199 بتصراف ] .

ولما علم المرشد حسن الهضيبي بذلك دعا السندي ونصحه ، ولكنه أصر .. ثم استشار محمود عبد الحليم .. فبدأ الأخير بالاتصال بوكيل السندي أحمد زكي فلم ينكر ما يبذلونه لتغيير المرشد وقال أن المرشد دخيل علي الدعوة وهو عقبة في التفاهم مع الثورة ، وهذا التفاهم يهم الدعوة لنشرها وأن الثورة مستعدة للتفاهم مع الإخوان لكن الهضيبي هو العقبة .. !! وقد كان السندي يلتقي بالإخوان بالمركز العام .. وينفرد مع بعضهم ولما سأل محمود عنه اتضح أنه يمهد للقيام بإنقلاب في المركز العام ..

لقد انبهر بعضهم ببريق السلطة .. وكان هناك تيار مضاد لهذه الفتنة .. فأجمعوا علي الوقوف ضده .. ونجحت الفكرة .. وهي تحذير الإخوان عند حضورهم إلي المركز العام من هذه الفتنة ... وأمام هذا كله .. لم يكن إلا عزل السندي من رئاسة النظام .. وهذا حق المرشد .. [ أحداث : 3 / 201 ] .

فضل السندي : من حق السندي أن نذكر له في مرحلة عصر المرشد البنا ، أنه استطاع بوفرة جهده أن يقيم الكيان الذي صنع جيلاً مقاتلاً في صفوف الجماعة وتدريبهم علي صنوف القتال بأسلحة مختلفة .. واستطاع تنظيم الجهاز الخاص وتخزين المعلومات .. لإعداد جيل مقاتل لمواجهة الصهاينة والحكومات العميلة .. وقد شهدت معارك فلسطين بذلك ..

ولا يغيب عنا الأخطاء والاعترافات واستخفافه بواجب الطاعة للمرشد الجديد الهضيبي وأخطر مما سبق حادثين : مقتل سيد فايز وإرساله أفراد من النظام الخاص إلي منزل مرشده حسن الهضيبي لإرغامه علي الاستقالة .. [ حصاد : 104 / 141 ] .

هذا وقد اجتمع مكتب الإرشاد في 22 / 11 / 1953 وتداول الموضوع الخطير ، وبحثه من جميع جوانبه ، وانتهي إلي قرار جماعي بفصل رئيس الجهاز الخاص وثلاثة من معاونيه الذين اشتركوا في هذه الأخطاء .. [ أحداث : 3 / 207 ] .

قال صلاح شادي : عرفني حسن البنا بالسندي قائد النظام الخاص الذي يضم مدنين لأعمال فدائية في محاربة الإنجليز ومن يخدم مصالحهم أو الجهاد في فلسطين ثم ضُمّ إليه بعض الضباط من الجيش منهم عبد الناصر وكمال الدين حسين وغيرهما .. ولما تكاثر عدد الضباط .. جعل المرشد ضباط تحت قيادة خاصة يرأسها الصاغ محمود لبيب ..

وأراد المرشد أن يعرفني بالسندي فصحبني إلي منزله .. وهنا صارح السندي المرشد بأنه كان يلزم إخطاره بهذه الزيارة مسبقًا .. وكان يتحدث السندي إلي المرشد كما لو كان الحديث بين ندّين .. وليس بين مرشد الجماعة ورئيس أحد أقسامها ! .

ومما لاحظه صلاح أن السندي يحب الظهور .. فإن حادث القطار الذي انفجر بالقوات الإنجليزية كان قد قام به قسم الوحدات التابع لصلاح .. إلا أن السندي نسبه إلي نفسه .. وكانت صدمة لصلاح ! .. [ حصاد : 70 ] .

لكن أدرك صلاح أن المرشد يعلم ذلك ولم يكن مخدوعًا .. وكان يريد العلاج ووضع الرجل الصالح في مكانه المناسب .. لكن عاجلته المنية واستشهد .. [ حصاد : 72 ] .

وفي مارس 1948 أغتيل الخازندار بيد محمود زينهم ، وحسن عبد الحافظ وحكم عليهما بالمؤبد وقد تم هذا الحادث بغير علم المرشد وبغير إذنه مما أثر عليه تأثيرًا بالغًا وأراد المرشد أن يتحقق عن فاعل هذا الحادث .. وأخذ الغضب والأسف من المرشد كل ماخذ وهو يقول : إن هذا يعني تدمير الجماعة التي قضي عمره في بنائها ، وأن الرصاصات التي اطلقت علي الخازندار إنما أطلقت علي صدره هو ! .

كان السندي يشعر في هذا الوقت باستقلاله هو ومن يتولي قيادتهم من الإخوان عن سلطان الجماعة ومرشدها .. وقد كان أفراد النظام الخاص لا يستطيع أحد منهم أن يتصل بالمرشد إلا عن طريق السندي .. وبذلك يكون السندي قد عزل إخوان النظام تمامًا عن قيادة الدعوة وكان السندي يتصرف تصرفات غير مسئولة ، ثم يترك المرشد لكي يبحث عن مخرج [ حصاد : 92 ] .

وفي يناير 1949 وبعد مقتل النقراشي بأيام وقع حادث محكمة الاستئناف الذي كان له أسوأ الأثر في نفس حسن البنا ..

دعوة الإخوان سلمية : لا إكراه في الدين ، ولا يعني إعداد القوة للتخريب وقلب نظام الحكم كما يدعي البعض ، لقد نجح الاحتلال البريطاني وأعوانه من المصرين في تركيز مفهوم خاطئ في عقل الشعب ووجدانه ، أن استكمال القوة جريمة ! .. والاحتلال يسمى نفسه استعمار، وهو في الحقيقة خراب لطاقات الأمة وضياع الشباب ونهب الثروات ، وإهدار الكرامة ..

إن حسن البنا دعا إلي تكوين الفرد علي عقيدة التوحيد .. وإلي تكوين أمة بشريعة القرآن ، لتحفظ لنفسها القوة والمنعة .. ودعا الحكومات إلي توحيدها تحت راية الخلافة الإسلامية .. فلا يتصور أن يكون ذلك مظهرًا من مظاهر العنف .. أو صورة من الاستعلاء بالقوة علي الحق .. أو حملهم بالإكراه علي التبعية للجماعة ، ومن يظن غير ذلك فقد جانب الصواب .. [ حصاد : 131 ] .

ولما وقع حادث محكمة الاستئناف أصدر المرشد بيانًا قال فيه : إن أي عمل يعتبر كأنه موجه لي شخصيًا ، إذا صدر من شخص ينتمي إلي الجماعة [ حصاد : 139 ] .

وعقب اغتيال النقراشي باشا : أصدر حسن بيانًا يستنكر هذا العمل وكان البيان تحت عنوان ( بيان للناس ) نشر في الصحف في 11 / 1 / 1949 وجاء فيه إن هدف الإخوان : العمل لخير هذا الوطن وإعزاز الدين ، والتزام حدود الإسلام ، لا الإرهاب ولا العنف وسيلة الإسلام في الدعوة { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } [ النحل : 125 ] والحديث : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " .. وقد حدثت أحداث من بعض الذين لم يتشربوا روح الدعوة أو يلتزموا بمنهجها .. فحدث اغتيال النقراشي باشا .. فنحن نبرأ من العنف بل ننكره .. [ أحداث : 2 / 57 وما بعدها بتصرف ] .

2 ـ إحداث الوقيعة في الجماعة : قام عبد الناصر بزيارة قبر الشهيد حسن البنا في 12 / 2 / 1954 ... وكان المقصود بها في الحقيقة إحداث شرخ في كيان الإخوان ، مع أن الإخوان كانوا في المعتقلات بعد حل الجماعة !!

ويقول صلاح شادي : عندما سمعنا ونحن في السجن الحربي في فبراير 1954 عن ذلك ، أدركت أن وراء هذه الزيارة تقسيم الإخوان إلي فريقين ، فريق راضٍ عنه وفريق آخر غاضب عليه .. وكان عبد الناصر يقول إنه لا يعارض الإخوان ، ولكن يعارض الأفكار المنحرفة فيها : العصاة !! كما كان يقول ـ أي الذين لم يسيروا على هواه .. ويلاحظ أن مجلس الثورة قد أصدر قرارًا بضرب الإخوان بعضهم ببعض والإيقاع فيما بينهم وذلك في 18 / 12 / 1953 .. [ حصاد : 268 ومذكرات البغدادي ص 88 ] .

أخطاء الجماعة : وقد تحدث صلاح شادي في ص 339 عن أخطاء الجماعة .. وكيف نبصر الخطأ .. ابتداء من مرشدها حتي صلاح نفسه في ترك المعوج حتى يستفحل أمره ويشتد شره ويزداد سلطانه .. وكيف ترك السندي بعد أخطائه .. وكيف كان أفراد النظام يقولون إذا حزبهم أمر أنه : ( ما دام السندي موجود إذن فالدعوة بخير ) إلا القلة القليلة التي واجهته داخل الجماعة .. فأطاح بمن عارضه وشدد النكير عليه .. [ حصاد : 339 ] .

3 ـ مؤامرة لاحتلال المركز العام وإعلان مرشد جديد : هذه المؤامرة استعانت بسلطة الحكومة ضد هيئة الإرشاد .. وتواطأت مع السلطة .. وكانت أداة منفذة لخطة وضعتها السلطة وكانت خطة المؤامرة أن يقوم فريق من الشباب لاقتحام بيت المرشد الهضيبي لإرغامه علي كتابة الاستقالة وفريق آخر يقتحم المركز العام واحتلاله .. أما الفريق الأول فقد فشل في الحصول علي استقالة المرشد .. وكان المخطط الحصول علي الاستقالة .. ويكون الفريق الآخر قد احتل المركز العام .. وإعلان ذلك في الصحف بعد تعيين المرشد الجديد .. ولكن هذا كله فشل بمجهود بعض الأخوة المخلصين للدعوة .. وهناك عدة ملاحظات نختار منها :

أـ أن أكثر الشباب الضالع في الفتنة كانوا مخدوعين .. ولذلك اعتذر بعضهم .
ب ـ أنه جاء أحد الكبار من عند عبد الناصر ليبلغ السندي أنه موافق علي الانقلاب .
جـ ـ أن المرشد العام أبلغ صلاح سالم وزير الإرشاد بعدم نشر هذه الأنباء في الصحف ، ووافق صلاح سالم .. إلا أن عبد الناصر قال له : إن الصحف حرة ، ولا نتدخل في شئونها .. وكان عبد الناصر يخشى ألا ينشر وزير الإرشاد هذه الأخبار ، فاستدعي أحمد أبو الفتح صاحب جريدة المصري لنشرها .. ثم دق جرس التليفون فلاحظ أن المحادثة نقلت إليه أخبارًا سارة .. فأنهي عبد الناصر المحادثة قائلاً : ( إن الفريق المعارض للهضيبي قد احتل المركز العام للإخوان وطرد من الدار أنصار الهضيبي وأعلنوا أنهم وحدهم الذين يمثلون الإخوان المسلمين ، وأنهم أجبروا الهضيبي علي الاستقالة من منصبه كمرشد عام وسمح عبد الناصر لأحمد أبو الفتح بنشر هذه الأخبار .. كانت هذه تفاصيل الخطة ، وقد أمكن إفشالها وفض الاعتصام .. ولم يتغير شيء .. [ راجع أحداث : 3 / 209 ـ 214 وجمال عبد الناصر لأحمد أبو الفتح من ص 197 ] .

4 ـ فتنة تفكيك الأسرة : لما صدرت أحكام المؤبد وما دونها علي بعض الإخوان الذين تزوجوا قبل القبض عليهم .. فقد كانت عملاء المباحث العامة يوسوسون للزوجة والأهل .. كيف ترضون بالإرهابي المحكوم عليه بالمؤبد .. ثم يفاجأ الأخ المحكوم عليه بأن زوجته تطلب الطلاق ومعها أهلها والمأذون الشرعي أثناء زيارته في السجن !! ثم يعود المحكوم عليه إلي إخوانه ، فيواسونه .. ويزداد البلاء عليه وخاصة إذا كان له منها أولاد .. ومن العجيب أن بعض هؤلاء عقدوا علي بنات بعض الإخوان وهم في المعتقل .. وما لبثوا أن أفرج عنهم .. وكان لهم أولاد من الزوجة الثانية !! وهكذا تحدث الفتن .. [ وراجع ق 4 / 191 ] .

فتنة التأييد : وفي داخل المعتقل .. توسوس عملاء المباحث للمعتقلين بأنهم سيتم الإفراج عنهم لو أنهم كتبوا التأييد للسلطة .. وكذلك يقولون لأهالي المعتقل : إن المعتقل مخه مقفول ومتعصب ضد الدولة .. وهذا يُحدث قبول عند الأهالي حتي تنتهي معاناة السجن والفرقة ومعاناة الزيارة والموافقة عليها ، والسفر إلي المعتقل ..

ومن هنا يكتب بعضهم هذا التأييد : ثم ينتظر فلا يحدث الإفراج المنشود بل تحدث الفتنة بين المؤيدين والمعارضين للتأييد .. ثم يقال لمن قام بكتابة التأييد .. إنك لا بد أن تبدي حسن النية وصدق التأييد بأن تكتب تقارير عن زملائك وعن فلان ، وفلان ومدي نشاطه وتمسكه بالجماعة .. هل يصلي مع الجماعة .. ومن هؤلاء من كتب التقارير عن إخوانه .. ثم لا يفرج عنه .. وقد سأل أحد المؤيدين أحد المعارضين .. لماذا لا تكتب تأييد للرئيس ، فكان رده : لقد حكم علىّ بالمؤبد أو بكذا ، لأني طالبت بتطبيق الشريعة الإسلامية والرئيس يعارض تطبيقها بل ويحارب من يطالب بها .. وقد أصدر الميثاق الذي يدرس في الجامعات والمدارس .. فإذا كتبت التأييد فكأني تخليت عن تحكيم كتاب الله .. [ راجع ق : 4 / 191 ـ 193 ] . ويقول حسن دوح : ابتلينا في السجن بـ عبد العال سلومة قائد المعتقل .. كان قادرًا علي اللعب بأعصابنا والتسلي بنا وكان يستمتع بإثارة أعصابنا والضغط علينا .. وكان هو من أسباب حادث مذبحة طرة .. الذي قتل فيه ما يقرب من 23 من الإخوان رميًا بالرصاص وهم في الزنازين .. وقد انتدب لكي يلاحقنا في معتقل طرة الأخيرة .. وكان يحاول تجزئة الإخوان إلي مؤيدين ومعارضين ، فبدأ يقرب منه فريق المؤيدين وأبعد الآخرين .. كان يفعل ذلك لإثبات ولاءه للنظام القائم .. وقد فهمت من المؤيدين أن الخروج من السجن هو الهدف ، أما التأييد فهو وسيلة لا غاية .. وكانت الفتنة بين المؤيدين والمعارضين والخوض في مسائل وفلسفات لا مبرر لها .. وكان معظم المعارضين من زعماء الإخوان .. وكانوا يميلون للتشدد مع الحكومة .. وقد كنت أعتبر أن كتابة التقارير عن زملائي حرامًا لأن فيه ضرر بالآخرين .. وهو عمل ينتقص من قدر الرجل وشهامته ... [ راجع : 25 عامًا في جماعة الإخوان ص 95 .. دار الاعتصام ] .

وبث الفتن والفرقة والوقيعة بين الإخوان لا تنتهي فكلما اجتمع الإخوان على شيء كلما اجتمع المتآمرون على إفساده .. وإبعاد الناس عنهم وإحداث الفتنة ، ومن دعايتهم .. أن هناك فرق بين حسن البنا والهضيبي .. وهناك فرق بين كبار الإخوان المتمسكين بالدعوة والشباب .. وبين ذوي الأفق الضيق من كبار السن وبين أهل الخبرة .. وبين المعتدلين والمتطرفين ، وأنهم يعملون بمبدأ الثقة قبل الكفاءة ..

ثانيًا : مؤامرة حل الجماعة

(1) أمر الحل الأول ، قبل الثورة : فقد صدر أمر عسكري بالحل برقم 63 / 1948 بتاريخ 8 / 12 / 1948 .. وهو خطة من سلسلة خطط التآمر العالمي علي الدعوة .. وقد اختار المتآمرون لتنفيذ هذه الخطة ، رئيس الوزراء في ذلك الوقت ، النقراشي باشا ، لما يعلمون عنه من قصر النظر وضيق الأفق .. مع أن رئيس الوزراء في الدول المتحضرة لا يكون إلا الرجل الكفء ، بعيد النظر واسع الأفق .. أما في مصر .. وفي تلك الحقبة .. كان الملك منغمسًا في الشهوات .. يتحكم في رقاب الشعب .. وكان الحزب من الأحزاب المصطنعة .. فكان يختار الحاكم الذي يصدع بأمره .. ويتنافس علي إشباع نزواته ..

والنقراشي هو صاحب موقعة كوبري عباس .. وقد ثبت الاحتلال البريطاني أقدامه في عهده .. وفقدنا السودان في عهده .. وضاعت كذلك فلسطين .. وكانت هزائم الجيش الباسل نتيجة سوء تصرفه وقصر نظره .. فقد كان ألعوبة في يد المستعمر .. وأصدر الأحكام العرفية ، في وجه من يشاء .. وظن أنه في مأمن .. واستعان بمن هو شر منه ليكون وكيلاً للداخلية .. هكذا قاد البلاد في أحرج الظروف .. [ أحداث : 2 / 19 ] .

ويظهر من نصوص الأمر العسكري ومذكرته التفسيرية أن الذين أصدروا هذا الأمر ينظرون إلي شباب الإخوان أنه متهور لا يبالي بشىء .. كأنه إعلان الحرب علي الشباب واستفزازه ، ونظرًا لأن الحكومة تعلم مدي تاثير المرشد علي هذا الشباب .. فقد اتخذت ضده : نقله إلي قنا .. ورفض ترشيحه في عهد الوفد لمجلس النواب .. ويلاحظ أن مخططي المؤامرة من غير المصريين .. وهم علي مستوي في الخبرة بالشعب .. وهم مجرد مخططون .. يشعلون فتيلها ويتركون الآخرين ينفذون .. ويأكل بعضهم بعضًا ، حتي تتحقق أهدافهم دون أن يظهروا علي المسرح ..

وقد اغتيل النقراشي في 28 / 12 / 1948 .. رغم أن مصطفي أمين حين قابل النقراشي باشا وحذره من الإقدام علي حل الإخوان ؛ لأنه سيقتل .. وكانت الصحف تنشر أن حل الإخوان معناه قتل النقراشي ..

لقد ذهب الرجل ضحية صلفه وضيق أفقه ، واستبداه برأيه واستسلامه للغاصب المستعمر ، وتأليه للملك الغارق في شهواته .. [ أحداث : 2 / 31 ] .

(2) من هو الآمر الحقيقي بالحل : في مرافعته في قضية سيارة الجيب أمام محكمة جنايات القاهرة في 21 / 1 / 1951 قال شمس الدين الشناوي المحامي : هذه الفضيحة الكبري والدليل المادي .. هذه وثيقة مكتوبة بالإنجليزية وسلمها للمحكمة .. هذه الوثيقة تتضمن إشارة من السفارة البريطانية تقول : ( إن خطوات دبلوماسية ستتخذ لإقناع السلطات المصرية بحل الإخوان المسلمين في أقرب وقت ) وهذه الوثيقة صادرة بتوقيع : موري جراهام المستشار القانوني للسفارة البريطانية .. وهذه الوثيقة تدل علي التدخل السافر للإنجليز في مصر .. وقد كانت هناك وثائق أخري وقرائن تدل علي ذلك .. [ راجع في ذلك : أحداث : 2 / 31 ـ 43 ] .

كان قرار الحل يتضمن وقائع مختلقة .. وكان لا بد من تفنيد هذه الاتهامات .. التي اتخذتها الحكومة ذريعة للحل .. والحقيقة أن عمار بك وكيل الداخلية قد صرح بعد أن ضغط الأجانب علي الحكومة فأقر : بأن سفراء بريطانيا وأمريكا وفرنسا قد اجتمعوا في فايد وكتبوا لدولة النقراشي باشا في صراحة بأنه لا بد من حل الإخوان المسلمين .. وكان في وسع دولته أن يزجرهم عن مثل هذا التدخل في شأن داخلي بحت .. وهكذا كانت الشواهد كل يوم علي أن مصر للأجانب قبل أهلها ، وأن علي شعبها تقديم حرياته قربانًا لإرضاء السفراء ورعايا الدول .. [ راجع أحداث : 2 / 55 ] .

إن تصرفات الحكومة من وسائل تعذيب وغيره .. واعتبار الشعب أنه قطيعًا من الغنم .. فالإرهاب يولد الإرهاب والعنف مع الشباب يولد العنف .. لقد قبض على قاتل النقراشي باشا وعدد من الإخوان ، واتبع في التحقيق معهم أساليب لا يقرها القانون ، وانتزعت منهم اعترافات بوسائل دنيئة .. وقد خيل للشباب ممن ينتسبون إلى الإخوان .. خيل إليهم أن إنقاذ إخوانهم الذين عذِّبوا في هذا التحقيق لا يكون إلا بنسف المحكمة .. ونسف أوراق التحقيق .. وذلك ردًا على استفزازات الحكومة .. فالشباب معزول عن المرشد العام .. وهو يفكر وحده .. ومن هنا قد يتفتق ذهنه عن أعمال خاطئة غير مسئولة .. [ راجع أحداث : 2 / 74 ] .

(3) الحكم ببطلان أمر الحل :

حكم القضاء برئاسة السيد على السيد بك وكيل مجلس الدولة ببطلان الأمر العسكري رقم 63 بحل جماعة الإخوان وإلغائه وإلغاء وجميع الآثار المترتبة عليه .. وذلك بعد سماع مرافعة أ. عبد الحكيم عابدين و أ . عبد القادر عودة المحاميان فقد حكمت المحكمة الإدارية في 30 / 6 / 1952 : في الموضوع بإلغاء الأمر العسكري بحل جمعية الإخوان المسلمين فيما تضمنه من أحكام ترمي إلي القضاء علي ذات الجمعية وإنهاء حياتها القانونية وتصفية الأموال المكونة لذاتها المالية وكذلك جميع الآثار المترتبة علي أمر الحل .

وفي 4 / 7 / 1952 نشرت حيثيات الحكم .. وقد كانت هذه الأحكام خالدة .. فإن القضاء هو السلطة العليا لإحقاق الحق .. وأنه وإن كان نظام الأحكام العرفية في مصر استثنائيًا لكنه ليس مطلقًا .. بل هو خاضع للقانون فإن كان مخالفًا للقانون وجب رقابة المحكمة .. وأن هذه الأمة لن ينصلح حالها إلا إذا وضع القضاء حدودًا ظاهرة بين الحاكمين وحق المحكومين ، وإذا علم الحاكمون أن وراءهم قضاء يحاسبهم .. فإنهم لا يعتدون علي حقوق الأمة .. [ أحداث : 2 / 302 ـ 313 بتصرف واختصار ] .

(4) حكم تاريخي :

لقد صدر قرار الحل بناء علي وقائع مختلقة أو مبالغ فيها ونسبتها إلي الجماعة تبريرًا لاتخاذ قرار الحل .. غير أن المحكمة لم تقض فقط ببراءة الجماعة مما تسب إليها ، بل أشادت بها وأظهرت دورها المشرف في خدمة مصر ... ووجهت اللوم إلي الحكومة لانتهاكها حقوق المواطنين ، حيث ثبت تعذيب الأخ مصطفي كمال عبد المجيد .. وقد رآه إبراهيم عبد الهادي ( رئيس الوزارة ) معلقًا في الهواء ويضرب بالسوط ، فلم يحاول منع التعذيب ، واعتبرت المحكمة ذلك تدخلاً من الحكومة في التحقيق وتجريحًا للعدالة .. وخطأت المحكمة كذلك وصف النيابة بأن الجهاز الخاص إرهابي .. و ذكرت أن تدريب الجهاز كان لتحرير وادي النيل ، والبلاد والإسلامية .

واعتبرت المحكمة أن ثناء اللواء الموادي واللواء فؤاد صادق في شهادتهما أمام المحكمة .. ( علي البذل والفداء الذي قدمه الإخوان في فلسطين .. كل ذلك جدير بالتقدير في الحكم علي نوايا الجماعة وحقيقة أهدافها ) .. ومن هذا فإن قرار الحل الذي أصدره النقراشي باشا ، وادعاء أن الجهاز كان يهدف لقلب نظام الحكم .. وأن الجماعة قامت بأعمال قتل وتخريب .. كان ذلك تحت قهر الأحداث .. [ راجع : حصاد : 95 وما بعدها ] .

(5) أمر الحل الثاني في عهد الثورة :

وقد صدر هذا الأمر في 14 / 1 / 1954 في عهد الثورة وكان يستند إلي أكاذيب واتهامات للإخوان ـ كما فعل النقراشي باشا ـ منها : الاتصال بالإنجليز .. وقد كان الاتصال بالإنجليز بموافقة عبد الناصر ، وكان الإخوان يريدون الجلاء طبقًا لمعاهدة 1936 .. وكانت شروط الإنجليز مجحفة بمصر .. فهم يريدون العودة إذا حدث هجوم علي تركيا .. وترك جنود إنجليز بمصر وكأن الإنجليز يجددون الاحتلال .. وكان الإخوان لا يوافقون .. ولا رئيس الجمهورية محمد نجيب ولم تعرض الاتفاقية علي الشعب ليقول كلمته وكانت الصحافة مؤممة لا تظهر الحقائق وكذا لم تعرض الاتفاقية علي مجلس الوزراء بحيث يناقشها ويوافق عليها .. وحدثت ضغوط الإنجليز وأمريكا لتمرير الاتفاقية .. [ راجع الوثيقة رقم 8 ردًا علي الاتهامات عن الاتفاقية في : حصاد : ص 427 ] .

ومن الاتهامات أن الإخوان يعملون علي قلب نظام الحكم .. وهذا لا دليل عليه ومنها أن الإخوان عندهم أسلحة .. وقد ضبطت هذه الأسلحة في منزل حسن العشماوي بمركز هيهيا بالشرقية .. وقصة هذه الأسلحة أنها كانت مملوكة للضباط الأحرار ولما خاف الضباط من كشف هذه الأسلحة في عهد الملك .. خبأها عبد الناصر في منزل حسن العشماوي حتي لا تكشف ويحاسبون .. وقد تم رسم المخزن لوضع الأسلحة بمعرفة عبد الناصر نفسه ، فهو يعرف أين هذه الأسلحة .. وكان الضباط الأحرار يستخدمون هذه الأسلحة في قتال الإنجليز بالقناة .. ولاستخدامها في حرب فلسطين .. وكان ذلك من الأسرار التي يذكرها حسن العشماوي لوكيل النيابة ، وحين سئل عنها فلم يتكلم إلا أن يأذن عبد الناصر بنفسه .. ثم اتهم حسن العشماوي بعد ذلك بحيازة هذه الأسلحة وحكم عليه !! ..

ومن الاتهامات أن المرشد لم يؤيد الثورة مع أن الثورة لم تقم إلا بعد موافقة المرشد .. ومع أنه بعد قيام الثورة بأسبوع واحد أعلن المرشد عن الإصلاح المنشود .. [ راجع الوثيقة رقم 3 صفحة 391 وراجع في الرد علي الاتهامات : حصاد : 226 وما بعدها ] ..

كان الهدف من الحل : هو الظن بأنه سيقضي علي وجود الجماعة .. ثم تجريم الانضمام إليها ..

ثالثًا : اغتيال حسن البنا

كان من أهم الخطط للقضاء علي الدعوة الإسلامية ، اغتيال حسن البنا ، وكانت أول محاولة : في عهد النقراشي باشا .. كان مجلس الأمن ينظر قضية مصر .. وخطب مصطفي مؤمن باسم الشعوب العربية والإخوان عن مطالب مصر .. وفي نفس يوم اجتماع مجلس الأمن كان الإخوان قد دعوا الهيئات الوطنية والشعب لإعلان تضامنها مع الحكومة في مطالبها عن حقوق البلاد .. خرج الشعب في مظاهرة يقودها الإخوان بتاريخ 26 / 8 / 1936 خرجت من الجامع الأزهر ..

وقد لاحظ الإخوان أن البوليس يهاجم المرشد ، وأصيب المرشد ، لكن سرعان ما أنقذه الإخوان من خطة مرسومة لاصطياده منفردًا للتخلص منه أثناء المظاهرة [ أحداث : 1 / 394 ] .

التمهيد للجريمة : ثم كان التمهيد للاغتيال بعد ذلك .. فقد كانت أصابع خفية تنسج خيوط المؤامرة العالمية للقضاء علي الدعوة الإسلامية باغتيال مؤسس الدعوة ، حيث أعياهم الاقتحام عليه بكل ما يملكون من وسائل الترغيب والترهيب .. وكان هو العقبة ، فإذا أمكن نسفه انهارت الدعوة بانهياره .. وقد قال الضابط محمد الجزار لأحد الإخوان المتهمين في إحدي القضايا : كنتم تستندون علي وجود الجماعة وعلي وجود المرشد ، فالجماعة حللناها والمرشد قتلناه ، فليس لكم سند بعد ذلك ؟ وكان من الخطط هي :

الأول : حل الإخوان المسلمين : ويندرج تحت هذا :

  1. عدم الوقوف أمام العمل الفدائي ، وذلك لاستنزاف قوتهم .. ثم القبض عليهم .
  2. ضبط مخازن الاسلحة ليكون ذلك مبررًا للقبض عليهم .
  3. إدخال الجيوش العربية إلي فلسطين .. لهزيمتهم بسبب عدم التسليح وعدم التدريب .. ولإعلان الأحكام العرفية .
  4. اختيار النقراشي باشا لاصدار أمر الحل .. لدوافع الانتقام عنده من الإخوان .. مما يدفع الشباب لأعمال انتقامية ..

الثاني : عدم اعتقال المرشد .. حتي إذا اغتيل ، فلا ينسب ذلك إلي الحكومة ..

الثالث : قطع الصلة بينه وبين الإخوان : حتي يستفزوا الشباب فيقوم بأعمال انتقامية باغتيال النقراشي .. وتتأجج العداوة بين السعديين والإخوان .

الرابع : تجريد المرشد من الحماية الشخصية ، ومن مسدسه الخاص ، والاستيلاء علي سيارته أو عدم السماح له بمغادرة القاهرة .

وقد حاول اللواء صالح حرب باشا التوفيق بين الحكومة والمرشد .. فلم يتمكن وكان يزور المرشد ..

والحكومة كانت تخادع المرشد وتستدرجه إلي حيث تغتاله .. وكانت تراقبه وتراقب منزله وتحركاته وكان المرشد علي موعد في جمعية الشبان المسلمين .. وهو خارج من الجمعية ومعه آخرين اشاروا إلي عربة أجرة .. وما كادوا يركبوا حتي أحاط بهم البوليس السياسي وأطلقوا النيران .. وكان ذلك مساء يوم 12 / 2 / 1949 .

ويلاحظ أن الجناة ، وقد كانوا معروفين للحكومة ، لكنها لم تقبض عليهم .. ؟!

رابعًا : صرف الشباب عن الإخوان

صرف الشباب عن الإخوان : وتشمل : الحملات التبشيرية ، جمعية إخوان الحرية ، محاربة جريدة الإخوان ، التوعية وغسيل المخ ، تشويه الإخوان والتشهير بهم والتحذير منهم وتزييف التاريخ .. وغير ذلك ..

1 ـ الحملات التبشيرية : كان المستعمر الإنجليزي يستهتر بمقدرات هذه الأمة وبعقيدتها ، فقد تجاهل أن هذه الأمة مسلمة .. ففتحوا البلاد للحملات التبشيرية ، بعد أن مهدوا بنشر الجهل والفقر والمرض ، وبعد أن اطمأنوا أن البلاد في يد فئة تدين لهم بالولاء .. فقد انتشر المبشرون في الوجه البحري والقبلي ، في المدن والقري ، وكان الحكام يسهلون لهم دخول هذه المناطق ، والاتصال بالأهالي وفعل ما يشاءون من اجراءات ، بل وإقامة منشآت ، بل واختطاف الأطفال والنساء .. وضرب كل من يعترض .. فصار الشعب نهبًا مباحًا للمبشرين .

وكان من وسائلهم هي استغلال فقر الناس وحاجاتهم وجهلهم .. وينفقون عليهم ببذخ علي أن يظلوا معهم داخل كنائسهم ويقولون مثلما يقولون .. أما شباب الأغنياء فكانوا يغرونهم بالنساء .. كانت وسائلهم أخس الوسائل وأحطها .. كانت صورة بشعة للاستعمار أمام شعب أعزل مغلوب علي أمره .. كان الناس يرون انتهاك حرمة عقيدتهم ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم لأن حكامهم يعتبرون الدفاع عن النفس جريمة يعاقب عليها ..

حضر المبشرون من أمريكا وفرنسا وبلجيكا وغيرها .. بعد دراسة طبيعة البلاد .. وكان الصعيد مرتعًا خصيبًا لهم .. وكانت أسيوط مركزًا لهم .. !! ، فيها مستشفي يطعمون الأطفال والنساء من القري وينقلونهم إليه .. ولا يعلم عنهم أهلهم شيئًا .. حتي الصحف لم تكن تشير إلي ذلك ، وإن كانت الصحافة حرة لكن تحت مراقبة الإنجليز .. وأي صحيفة تذكر شيئًا ، يسحب ترخيصها .. وكانت أموال أمريكا وانجلترا وفرنسا ودول أوربا تنفق علي هذه الصحف بسخاء لقد فكر الطالب حسن البنا في ذلك .. وكان يحترق ألمًا .. لكنه حول هذا الألم إلي عمل .. فرأي أمامه في الأزهر شخصيات يرجي نفعها كالشيخ يوسف الدجوي .. فاتصل به .. وكذا اتصل بشخصية هامة : أحمد تيمور باشا وكان عالمًا صديقًا للملك فؤاد .. استصحب حسن البنا عددًا من هيئة كبار العلماء .. وقابلوا تيمور باشا الذي استقبلهم أحسن استقبال ، فهو يعرفهم .. وتكلم حسن البنا الطالب عن عبث المبشرين والسعي في البلاد فسادًا تحت سمع وبصر الحكومة وبكي .. وأبكي الحاضرين .. وبمجهود تيمور باشا وتدخل الملك فؤاد صدرت مجلة الفتح وأسندت إلي الكاتب الإسلامي أ . محب الدين الخطيب .. أخذت المجلة في فضح مؤامرات الإنجليز .. ووجدت الحملة الصليبية مقاومة .. ثم تكونت لجنة برياسة الشيخ محمد مصطفي المراغي .. لمقاومة التبشير ..

ثم تكونت جمعية الشبان المسلمين : كان القصد من الحملات التبشيرية تقسيم البلاد ، كما فعلوا بالسودان في الشمال مسلمون وفي الجنوب مسيحون .. لكن شاء الله أن تنشأ جمعية الشبان المسلمين .. وقد وجدت الرياضة في هذه الجمعية لجذب الشباب المسلم .. ثم أصدر محب الدين الخطيب كتابه : الغارة علي العالم الإسلامي .

2 ـ جمعية إخوان الحرية : من أساليب السياسة الإنجليزية الماكرة أنها لا تخطط للحال إنما للاستقبال في آن ، فلم تخطط للدفاع عنها في الحرب العالمية بل تخطط كذلك لمقاومة التيار الجديد الذي أخذ يكتسح مصر والبلاد العربية والإسلامية ، وهو الإخوان .. لقد ابتعد الشباب عن الزعامات التي صنعها الاستعمار والموالية له ، لينضم إلي الإخوان ، وتبين للشباب أنهم كانوا مخدوعين .. لذلك اتجه الاستعمار إلي خدعة أخري لجذب الشباب إلي أحط الغرائز .. فأنشأوا جمعية أطلقوا عليها جمعية الحرية .. أخوة وحرية .. ورؤساء هذه الجمعية إنجليز مؤهلين تأهيلا خاصًا .. علي درجة عالية من الثقافة .. يتكلمون العربية .. مزودون بالمال والنساء ، وقد بدأت باتخاذ مقر لها بشارع الكومي بالسيدة زينب .. ثم فتحت لها فروعًا في طول البلاد وعرضها ، مقتفية في ذلك طريق الإخوان .. ولما كان التقرب إلي الإنجليز في ذلك الوقت هو البضاعة الرائجة ، وكانت خزائن الحكومة البريطانية مفتوحة لهذا .. فقد تضخمت هذه الجمعية وضمت إليها من ذوي المصالح والمنافقين وأصحاب المراكز ..

ومقر الجمعية مؤثث بأفخر الأثاث .. ووسائل الترفيه .. وتوجه الجمعية دعوات للشباب في الجامعات والنوادي لحضور المحاضرات .. ويقدم للحضور المشروبات والحلوي الفاخرة .. ثم يزداد عدد الحاضرين .. وتدور المحاضرات عن الحرية .. وحرية الاختلاط بين الفتيان والفتيات .. ثم تتدرج المتعة من المباح إلي الحرام .. ثم تتجه سهام النقد إلي العقيدة .. وتبرز أن المتمسك بعقيدته فهو متعصب متزمت .. وأن لا تكون العقيدة حائلاً بين الحرية والأخوة بين الناس من مختلف العقيدة .. لذلك تجد أن خطوات الانحدار تتوالى في سرعة مذهلة .. وفي النهاية تجد الشباب جثة هامدة فقدت آدميتها وإنسانيتها ..

بعد ذلك تكون الحفلات التي تضم الجنسين وتُقدم الخمور وتعزف الموسيقي المثيرة .. حتي يغيبوا عن وعيهم .. وتطفأ الانوار .. ولا يفيق أحدهم إلا وقد وجد نفسه في حضن فتاة .

ثم يطلب من الشباب إحضار أخواتهم .. ويمرون بالخطوات التي مر بها إخوتهم حتي يصلن إلي الحضيض .. ثم تصل الحال إلي أن يصبح الشباب ليجد نفسه في حضن أخته !! .. وبعد فترة يحقد الشباب الذي فقد آدميته علي الشباب الآخر .. فيلحون عليهم بكل الوسائل إلي جرّهم إلي الجمعية لسماع المحاضرات .. ثم ما بعدها .. الإغراء بالمال .. ثم ...

أما الكتاب الكبار فقد كان بعضهم يتحلي بالفضيلة .. والبعض كان مطية ذلولة لترويج هذه الأفكار الدنيئة .. وبعضهم آثر في الشباب الخلاعة والميوعة والتخنث .. حتي إنهم يصففون شعروهم بطريقة مثيرة .. ويلبسون بنطلونات ملفتة للنظر .. وأخذوا ينشرون أفكارًا تدعو إلي التخنث .. يهاجمون المتدينين بأنهم رجعية .. ومن العجب أن يجئ أستاذ متأثر بالغرب .. ويؤيد هذه الحرية .. فيشعل سيجارة في المحاضرة ، في شهر رمضان .. فيقوم بعض المتدينين بالحديث معه .. ويحتد الأستاذ بأن هذا ضد الحرية .. وأن الطالب متعصب وينتهي الحادث إلي عميد الكلية الذي يذكره بأنه مخطئ وأنه لم يراعي الدين والعرف والأخلاق .. ويكون هذا درسًا لهؤلاء !! وكانت هناك وسائل للحد من نشاط الجمعية وتبصير الشباب بخطورتها .. [ أحداث : جـ 1 / 438 ـ 444 ] .

3 ـ الحرب علي جريدة الإخوان :

كان لدي الإخوان .. المال .. والمثقفين .. والحصول علي الأخبار والطبع والتوزيع .. وأغلب الكتاب متطوعون .. والإخوان موجودون في أنحاء البلاد .. فاشتروا الأرض وأحدث المطابع من الخارج .. لكن الإخوان فوجئوا بعقبات .. واكتشفوا أن اعداء الإسلام أقوي مما كنا نظن .. فقد كانوا يخشون وصول الإخوان للحكم ليس في مصر بل في العالم العربي ! .. ولم يتورع الإنجليز وصنائعهم من استخدام أقذر الأساليب في محاربة الجريدة .. فاتفقوا علي حرمان الإخوان من هذه الجريدة .. وأخذت وسائلهم في الحرب صور ثلاث :

(1) حرب التحرير : كان الجمهور المصري يحب ان يقرأ لبعض الشخصيات الصحفية .. فاختار الإخوان أحدهم ممن ليس له لون حزبي .. فاعتذر وهكذا .. اختاروا آخرين من الصحفيين المحترفين فاعتذروا .. وخطر للأستاذ المرشد اختيار حافظ رمضان باشا رئيس الحزب الوطني وكان علي صلة طيبة بالمرشد .. فإذا به يفاجأ باعتذاره .. والحزب الوطني كان أقرب الاحزاب إلي الإخوان .. فقد أسسه مصطفي كامل باشا المعروف بجهاده في سبيل الحريات .. ولكن حافظ رمضان قد دخل الوزارة وكان في عداد عبيد القصر .. واخيرًا اختاروا أ . محمد الشافعي الذي استجاب وكان من كبار الموطفين .

(2) حرب الإعلان : وضع المستعمر خطة لإخضاع الصحف لسلطانه .. فأنشأوا شركة للإعلان تخضع لوزارة المستعمرات البريطانية .. واطلقوا عليها ( شركة الاعلانات الشرقية ) ! وكل العاملين فيها من رجال المخابرات البريطانية ومدبري المؤمارات من اليهود .. وكان فيها مصريون باعوا أنفسهم لمن سخروهم لتدمير أهلهم وبلادهم ..

وقد جاء في بعض الصحف المصرية كشفنا الستارعن الألعبان ( جان ليجول ) داعية الاستعمار والصهيونية الذي ينفث سمومه من شركة الاعلانات الشرقية التي يتولي إدارتها العامة ( هنري حاييم ) الصهيوني تحت إشراف ضباط انتدبتهم القيادة العليا البريطانية ..

ومن المؤلم أن الصحف التي كانت تصدر في مصر .. لم تكن إلا نشرات تصدرها شركة الاعلانات الشرقية .. والكتاب يلتزمون بالطاعة والامتثال .. وإلا حرموا من أجورهم .

(3) حرب التوزيع : إن إصدار جريدة يومية يقتضي أن تصل نسختها إلي القارئ مهما كان مكانه في نفس يوم صدورها ، ولا يتأتي ذلك إلا بجهاز متخصص للتوزيع .. وقد تعاقدت الجريدة مع شركة توزيع .. لكي تاخذ مسارها مع الاهرام والأخبار ..

ومن المفاجأة أن تجد الجريدة مرتجعات بالآلاف .. ثم كانت شكاوي الإخوان بأن الجريدة لم تصل إليهم .. وكشف الإخوان السر في ذلك .. فشركة التوزيع تقوم بمهمتها .. لكن تهدد بعدم إظهارها .. وتقوم بإغراء الموزع بمكافأة .. ولاحظ أحد الإخوان وكان له أيادي علي أحد الموزعين ، ولما ضغط عليه في ذلك بكي وقال إنه يقع تحت أسلوب التهديد والإغراء من شركة التوزيع واعترف بأنه يحجز النسخ .. [ احداث : 1 / 446 ـ 456 ] .

4 ـ التوعية وغسيل المخ : كان الهدف من هذه التوعية صرف الإخوان عن أفكارهم .. و كان من نظام السجن : أن الذين سيفرج عنهم .. بعد هذا التعذيب المستمر ، عليهم أن يحضروا محاضرات التوعية .. وكان الإخوان يجلسون علي الأرض ، والمحاضر علي المنصة .. كان من المحاضرين هو الاستاذ كمال رفعت .. وكان وزيرًا ، أو رئيسًا للجنة الفكر في الاتحاد الاشتراكي وكان من عتاولة التعذيب في 1954 .. وكان ملتزمًا حين يتكلم أن لا يمس دعوة الإخوان .. وكان اهتمامه أن يُظهر رجال الثورة علي انهم يحملون فكر الإسلام .. ولا داعي لوجود انشقاق بين الاخوة لأن مصدرهم واحد وهو الإسلام .

وكان من المحاضرين د. عبد العزيز كامل ، وكانت محاضرته تدور علي :

(1) الميثاق وإثبات أن نصوصه مستقاة من الفكر الإسلامي .
(2) نقد كتاب معالم في الطريق للأستاذ سيد قطب وأنه قد خرج علي حدود الدعوة الإسلامية .. والإخوان الحاضرون أصيبوا بصدمة .. واساءوا به الظن ، فهو اصلاً من كبار الإخوان .. إلا أن البعض ظن انه مكره علي ذلك .

ومن المحاضرين : الشيخ محمد سعاد جلال د. بجامعة الأزهر ، وتكلم عن الإسلام وعما آلت إليه الامة وقد تأثر الإخوان لذلك .. وساهموا في الأسئلة .. ومنهم الشيخ صلاح أبو إسماعيل .. فقال إن فضيلتك تشكو إلينا حال المسلمين .. وتطالب انقاذهم .. فهل هذا الوضع الذي وصل إليه حال الشباب المثقف الواعي ؟! .. وهنا لم يملك الرجل دموعه التي انهمرت .. فكشف ذلك عن وعيه وإيمانه .. ورد إلينا ما افتقدناه من ثقة في الأزهر ورجاله .. وأن هذه الأمة ما زالت بخير وإن طفا علي سطحها من شر .. [ أحداث : 3 / 497 ـ 499 ] .

بالإضافة إلي ما سبق فإنه قد صدرت كتب تشوه الإخوان والتشهير بالدعاة في سنة 1954 وكذا في الصحف اليومية .. وهي كتابات متحيزة .. تعمل ( من الحبة قبة ) وتزيف التاريخ .. وتتصيد الأخطاء وتجعل الحسن سيئًا .. ومع تاويل النصوص وبترها وتتجاهل الأحداث وتسلسلها ، وقلب الحقائق ، وليس له مصادر صحيحة .. إنما يستقي معلوماته من أصحاب النفوس المريضة ومن المستشرقين الذين لا يريدون بالإسلام وأهله خيرًا .. وهذه الكتابات تهتم بتصوير الإخوان بصورة مشوهة منفرة .. والجاهل الذي لا يبحث عن الحقيقة ، يصدق ذلك .. ولا يتثبت .. أهذا الكلام صادق أم كاذب ؟

والإعلام لا يقول الحقيقة إنما يلصق الاتهامات ويلفق القضايا .. يهئ الرأي العام لتقبل ما تفعله الحكومة ضد شباب الإخوان من اعتقال وتعذيب وتنكيل ، وكذلك لكي يقرب الشباب من هؤلاء القتلة المجرمين .. !! .

وكذلك لكي تستفز شباب الإخوان ليقوموا بأعمال إرهابية لا ترضي عنها القيادة .

الباب الثامن

الذين قاموا بالتعذيب .. وتعرضوا .. و ماتوا

نتكلم في هذا الباب عن ثلاثة فصول :

  • الفصل الأول : الذين قاموا بالتعذيب
  • الفصل الثاني : الذين تعرضوا للتعذيب
  • الفصل الثالث : الذين ماتوا من التعذيب

الفصل الأول : الذين قاموا بالتعذيب

السلطات العليا تشارك في التعذيب : الذين قاموا بالتعذيب هم فئات من أعلي سلطة ومنهم من يصدر الأوامر بالتعذيب .. ومنهم من يقوم بالتعذيب بنفسه مثل علي صبري ، وكمال رفعت .. وغيرهم في سنة 1954 .

وفي سنة 65 كان الوزير شمس بدران وأعوانه واللواء حمزة البسيوني قائد السجن الحربي وأعوانه وكان يسمي ملك التعذيب ، وهو لا يقل قسوة من شمس بدران .. ويذكر أن شمس كان يعذب وهو سكران ..

وكان حمزة يختار زبانيته بشروط معينة مثل الأمية .. والغباء .. وضخامة الجسم .. ويلحقهم بفرقة خاصة اسمها فرقة الانتقام .. يتدربون فيها 3 أشهر علي القسوة والوحشية وكيفية استخدام الكرباج .. وكان الكرباج عبارة عن أسلاك كهربائية مجدولة ، مكسوة بالقماش ، وكان القماش يمزق من الاستعمال ، فيظهر منها أسلاك رفيعة كالإبر ، تمزق الجلد وكأنها لسعات النار ، وكانت هناك أنواع من الكرابيج ، كرابيج مكهربة مستوردة .. وأخرى .

وكان من حق صاحب الرتبة الأعلي ان يضرب بالسوط صاحب الرتبة الأقل دون الرجوع إلي المسئول فكان الشاويش يضرب الامباشي ، ينام علي الأرض ويرفع ساقية مثل أي مسجون .. هذا الحق اعطاه حمزة وكذا وكيل الأمباشي يضرب الجندي البسيط .. وكان يامر الاعلي الأقل بالزحف علي الأرض ويلهبه بالسياط ..

وكان الجنود مشحونون بالأكاذيب عن الإخوان .. وكان الجنود يُضربون بالكرابيج .. فينعكس ذلك علي المعتقلين فيضربونهم كما يُضربون وأشد .. ولأن المعتقلين هم السبب في تعذيبهم وهكذا ..

مكافآت على التعذيب : ويقول حمزة للزبانية : لو صدر أمر بجلد مسجون 100 جلدة فتجلده 200 .. وهكذا وأنا اعطيك مكافاة علي ذلك .. وقال أحد الشهود في المحكمة .. أنه سمع من أحد الجنود أنهم يأخذون 12 جنيه شهريًا بدل تعذيب .. [ سنة أولي سجن : ص 25 وأخبار : 10 / 1 / 1979 راجع : ج : جـ 3 / 52 ] .

وكانت هذه المكافآت للجنود أضعاف أضعاف مرتباتهم هذا بخلاف مكافآت الضباط وسلطاتهم !

وكان من الجنود من هو شرس عنده شراسة وقسوة .. من هؤلاء أمين في سنة 1954 وشعبان في سنة 1965 .. وزغلول وكنا نسميه ( ذا .. غلول ) ومنهم الأسود والسامبو وغيرهم .. وكان يرأس هؤلاء الأمباشي نجم ويرأسهم كلهم صفوت الروبي الذي رقي إلي ملازم لاحترافه الضرب والتعذيب والقسوة .. وكان من الجنود من هو علي خلق .. يؤدي خدمات .. وهم نوادر .. وإذا ضبط حوكم عسكريًا أو ضرب ضربًا مبرحًا ..

كان رجل مسئول من جهاز السلطة يقول : كانوا يوفدون بعثات خاصة للتدريب علي آخر ابتكارات فنون التعذيب ، واستخدام الادوات المستخدمة لهذا الغرض .. [ راجع الاخبار العدد : 7311 لسنة 24 يوم : 24 / 11 / 1975 ج جـ 3 / 51 ] .

هذا وقد أعطي قادة التعذيب الأوامر للجنود بانه إذا عذَّبوا أو قتلوا فسوف لا يحاسبهم أحد .. فيعذب ويقتل وهو مطمئن ..

وكان الجنود يقولون للمعتقلين : ليس لكم دية .. من يُقتل ندفنه في الجبل !

وتكلم محمد نجيب في كلمتي ص 239عن دولة المخابرات .. ويشرف علي تنظيمها ضباط المخابرات الأمريكية وكذلك بعض الضباط الألمان الذين كانوا من الجستابو .. !!

ويقول : فقد بدأ عهد الإرهاب .. إرهاب الدولة .. واعتقل الآلاف من شباب مصر وزج بهم في السجون واهدرت آدميتهم وتعرضوا للتعذيب بأحداث آلات التعذيب .. كانت دولة المخابرات ، وكان الناس يعتقلون لأقل وشاية ويتعرضون لتعذيب وحشي لم تعرفه مصر ولم يسمع به العالم من قبل إلا زمن محاكم التفتيش .. وتفنن رجال المخابرات في وسائل التعذيب التي كانت تتم تحت إشراف الخبراء الالمان الذين سبق أن عملوا في الجستابو في ألمانيا في عهد هتلر ، ومن هم الذي كانوا يُعتقلون ويُعذبون .. صفوة شباب مصر من محامين وأطباء ومهندسين وضباط .. وكان بعض هؤلاء يعترفون بجرائم لم يرتكبوها حتي يتخلصوا من التعذيب .. انتهى .

ويقول : وجاء أنور السادات إلي الحكم وانتهي عهد الإرهاب وتنفس الناس الصعداء .. [ السابق : 258 ] ..

وكلام محمد نجيب رئيس الجمهورية يصرح بـ :

  1. أن هذا العهد كان عهد الإرهاب .
  2. التعذيب كان علي يد دولة المخابرات المدعومة من ضباط الأمريكان والجستابوا من ألمانيا من عهد النازية .
  3. أن آدمية الناس أهدرت .
  4. الاعتقال لأقل وشاية .
  5. استخدام أحدث آلات التعذيب .
  6. أن الذين تعرضوا للتعذيب صفوة شباب مصر .
  7. أن التعذيب كان لتلفيق الجرائم والاعتراف بجرائم لم يرتكبوها حتي يتخلصوا من التعذيب .
  8. إثبات التعذيب الذي ينفيه قادة التعذيب في الفضائيات وغيرها .. حتي لا يقعوا تحت طائلة القانون الذي لم يطبق في شأنهم إلا نادرًا !!

أما عن إثبات التعذيب فسيأتي في باب مستقل ..

والتعذيب سلوك الضعفاء .. لأنهم لا يواجهون الفكر بالفكر .. ولأنهم يريدون اعترافات حسب أهوائهم ..

المسئول عن التعذيب : قال السادات في البحث عن الذات : اتضح أن هناك تعذيب وإهانة وامتهان لكرامة الإنسان .. لا أستطيع ان أجزم بأن عبد الناصر كان علي علم بما حدث .. ولكني في الوقت نفسه لا أستطيع تبرئته من المسئولية .. [ البحث : 215 ] .

وسيأتي في باب مستقل أن عبد الناصر كان يعلم بالتعذيب .. بل كان يأمر به .. ويشاهده .. ويتابعه بوسائل ، منها سماع التسجيلات ..

الأجهزة العسكرية : كانت الأجهزة العسكرية السابق ذكرها لها سلطات واسعة في القبض والاعتقال وكل من يشتبه فيه .. لقد كان القانون في إجازة وكان اللواء حمزة البسيوني يقول : أنا القانون ...

وكان الذي يتولي التحقيق والتعذيب كذلك أجهزة الشرطة مثل جهاز المباحث وأمن الدولة ... وكان يتم التعذيب في سجن القلعة وأبو زعبل ولاظوغلي .. وأماكن أخري .. وقتل في سجن القلعة سنة 1965 زكريا المشتولي وكان مجموعة من الضباط والعسكر .. يضرونه بالكرباج والعصي .. حتي يغمي عليه .. ثم يلقون عليه الماء من جردل .. ثم يعيدون الضرب حتي لفظ أنفاسه الأخيره .. ثم أدخلونا الزنانين .. وساد الصمت .. ثم نودي عليه .. للإيهام بانه هرب !! .. ومن الذين قتلوا في القلعة أحمد شعلان ، ومحمد القصبي وغيرهم ..

وقد تغير اسم الجهاز في الشرطة عدة مرات ، كما لو كانت المصيبة في الاسم ، فمن القسم المخصوص ، إلي البوليس السياسي إلي المباحث العامة إلي أمن الدولة إلي جهاز الأمن الوطني .. تغير الاسم وبقي المعني والمضمون والضباط هم .. هم .. ووسائل التعذيب هي هي !!

كان التعذيب وإهدار الحريات في القسم المخصوص ، فلما ضج الناس وطلبوا إلغاء القسم المخصوص .. تغير إلي اسم البوليس السياسي .. وزادت الانتهاكات .. وجاء اسم المباحث العامة .. والحال هو الحال فتغير إلي أمن الدولة .. فالاسماء تتغير ويبقي الجوهر .. يبقي القمع والإرهاب والإذلال والإهانة .. والتعذيب والتلفيق والقتل .. بل قد يزداد القمع والتعذيب وإهدار الحريات ..هذا لا يحدث إلا في الدول المتخلفة والشعوب المستضعفة ، لكن حين يستيقظ الشعب وتقوم دولة القانون .. تنتهي هذه الأوضاع الشاذة .

ألفاظ تدل على عدم الإيمان : كانت تصدر من القائمين علي التعذيب ألفاظًا تدل علي نقص الإيمان أو عدمه : فقد قالت الحاجة زينب : وفي اليوم التاسع من التعذيب ، وكانت في حجرة الماء .. جاء رياض الضابط ومعه صفوت الروبي وضابط آخر .. وأخرجوني من الماء وبدأ رياض يهددني بأن هذه الفرصة الأخيرة لإنقاذ نفسي ، فإما أعترف كما يريدون وإما الخلاص مني نهائيًا .

وقال : أنت فاهمة ربكم عنده جهنم صحيح !! جهنم هنا عند عبد الناصر .. الجنة عند عبد الناصر موجودة حقيقة وليست جنة وهمية خيالية مثل الذي يعدكم بها ربكم !! [ أيام من حياتي : 103 ] ..

وقالت : علقوني .. وقد صدر أمر إلي صفوت بضربي 500 جلدة .. وأنا أقول : يا الله .. ويقول شمس : أين هو الله ! الذي تناديه ، فلينفعك إذا كان موجودًا ، لو استغثت بـ عبد الناصر لأغاثك في الحال ! .. ثم أخذ بلسانه يتطاول علي الله .. مما تأبي ألسنة المؤمنين التلفظ به .. [ السابق : 111 ] .

وكان حمزة البسيوني يقول إذا استغاث أحد الضحايا بالله .. أين الله .. هو في الزنزانة هذه .. ويقول : لو جاء ربكم لوضعته في الزنزانة .. تعالي الله عما يقولون .. [ ق : 49] .. ما أحلمك يا ربي على هؤلاء ! .. تركتهم في طغيانهم حتى جاءهم انتقامك منهم ! .

وكان عسكري في السجن الحربي يدعي ( الديزل ) وهي أسماء مستعارة .. وهو يعذب العقيد متقاعد نصر الدين محمد الإمام وبعد أن عذَّبه ألقاه في الزنزانة فرفع رأسه إلي سقف الزنزانة وصرخ ( يا رب ) فدخل عليه العسكري الديزل مستنكرًا قول يا رب .. فقال له يا ابن ..... هنا ما مفيش رب .. ويضربه بالكرباج !! [ أحداث : 3 / 632 ] .

وكانوا يسخرون من اللحية ومن سنة النبي صلي الله عليه وسلم ومن البخاري .. وفي محكمة جمال سالم 1954 كانت السخرية من فاتحة الكتاب بقراءتها بالمقلوب ..

آلهة التعذيب : وكان القائمون علي التعذيب يشعرون أنهم قد ملكوا الدنيا فهم القانون والسجانون والنيابة والقضاة .. يفعلون بالضحايا ما يشاءون ..

يقول مصطفي أمين : دخل الفريق حمزة إلي زنزانة يعذبوني فيها في سجن المخابرات وهو يتفحصني وهو يراني عاريًا تمامًا وثلاثة من الضباط ينتزعون شعر جسدي .. فقال : لا .. لا .. لا .. أنتم تدلعونه هنا ، هاتوه إلي السجن الحربي ليري التعذيب الحقيقي .. وركبت سيارة معصب العينين .. وطول الطريق يهددني حمزة ويقول : أنا أتسلم المسجون بغير إيصال .. وأنه لا يحاسبه أحد علي من يموت تحت التعذيب وأنه إذا دفن مسجونًا سياسيًا تلقي خطاب شكر .. أنا في السجن الحربي القانون والنيابة والمحكمة ... ] سنة أولي سجن ص 17 ] .

لجنة حقوق الإنسان : واشتكي أهالي الإخوان إلي لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة .. وتحدد يوم للحضور إلي المحكمة .. وكان الضحية يتعرض ليلة المحاكمة إلي صنوف من التعذيب .. حتي لا ينكر شيئًا مما أملي عليه .. ثم علم الضحايا من الأهالي بحضور مندوب من حقوق الإنسان يوم المحاكمة .. ولما دخل أحدهم علي المحكمة المكونة من ثلاثة ضباط ممن يسمون الضباط الأحرار رأى أشخاصًا على غير المعتاد ، وسأل الضباط المتهمين واحدًا واحدًا . هذا توقيعك ، قال : نعم ولكني لم أرتكب هذه التهمة ، فكيف إذن وقعت عليها ؟ قال المتهم سأريك لماذا وقعت عليها .. ، فخلع ملابسه وكشف عن آثار التعذيب .. ورأى الحاضرون ظهره مشرحًا بطريقة مثيرة .. ونادى على الآخرين وكل واحد يكشف عن الاصابات ، وعن آثار التعذيب .. والمحكمة لم تتوقع ذلك .. لذا أوقفت المحاكمة للتحقيق في ما زعمه المتهمون .. !! .

وذهبت الضحايا إلي السجن ... وفي الليل .. دخل حمزة السجن وبطريقة هستيرية أمر بخروج المعتقلين جميعًا إلي فناء السجن .. وكان في فناء السجن نارًا تتأجج حتي كانت أعلي من الدور الثالث .. وكان حمزة يمسك الكرباج .. وأمامه من كان في المحكمة صباح اليوم وقال حمزة : اسمعوا ، إن كنتم تريدون القانون ، فأنا القانون .. انظروا إلي هؤلاء الكلاب وأشار إلي من كانوا يحاكمون في الصباح .. لقد ظنوا أنهم يستطيعون أن يشكونني ... أنا أحيي وأميت .. كما كان يقول النمرود .. أما عن قوله إنه القانون فإننا كنا نعلم أنه ليس في البلاد قانون ، والقانون هو الأهواء .. أهواء القائمين بالتعذيب الذين ادعوا الألوهية .. ثم بعد ذلك أمر بربط كل واحد في السارية ثم أمر لكل واحد بـ 400 كرباج .. وقرر حمزة أن يضرب بنفسه وبلا رحمة أول الضحايا .. ولم يكمل الـ 100 حتى انهار وسقط الكرباج من يده .. المضروب في ثبات .. فقال له : يا ابن .... كل ده وأنت لا تحس !! .. [ أحداث : 3 / 421 ـ 424 بتصرف .. وراجع : الصروي ص 76 ] .

الأجهزة المساعدة للقائمين علي التعذيب : وهذه الأجهزة المساعدة .. هي التي تشارك في التعذيب أو تأمر به أو تمضي عليه أو تعتم عليه أو تببره أو لا تحاسب عليه ..

ومن هذه الأجهزة :

1 ـ البوليس السياسي الذي يشارك في القبض والاعتقال والتعذيب .. والتلفيق ..

2 ـ الحكام الظلمة الموالين للاستعمار .. الذين يخططون للقضاء علي المعارضين .. فيصدرون القوانين التي تحميهم وتحمي شركاءهم .. ويكونون اللجان التي تكتب التقارير في الظلام وترسم خطط الإبادة ..

3 ـ الجيش الذي كان يملك زمام الأمور .. والقمع .

4 ـ المحاكمات الظالمة والقضاء الذي يخضع للسلطة التنفيذية ..

5 ـ الصحافة والإعلام .. المجند للسلطة المبرر للظالم ، الذي يزيف الوقائع .

يقول كوبلاند في ( لعبة الأمم ) ص 186 : تقديم مجدي كامل : فقاعدة القمع التي تعتبر ركيزة الحكومات الثورية للبقاء ، يجب أن تعتمد علي المؤسسات التالية :

التشريعات ، البوليس ( قوي الأمن الداخلي ) أجهزة المخابرات الدقيقة ، أجهزة الدعاية .. القوة العسكرية أو الجيش ..

1 ـ التشريعات : لابد من الأحكام العرفية .. ليتمكن من فرض إجراءات رادعة .. وكان عبد الناصر ينشر الرعب والفزع .. والاعتقالات لبعض العناصر التي لا تسالمه أو لا تهادن النظام .

2 ـ البوليس ( قوي الأمن الداخلي ) .. وقد استلم عبد الناصر وزارة الداخلية واعتني بالبوليس بشكل خاص بعد تسريح بعض الضباط ، والمشكوك في ولائهم .. مع معاملة من يشك في ولائه بمنتهي القسوة ، ومن عمل المباحث تجنيد البوابين وسائقي التاكسي وعمال التليفون والشحاذين والبائعين الجوالين وغيرهم .. ويمنحون بعض القروش لإعطاء أي معلومات للأمن .

3 ـ أجهزة المخابرات .. لم يشغل عبد الناصر وزارة الداخلية اكثر من 4 أشهر .. وقد نظم اجهزة المخابرات والمباحث العامة .. ثم أدخل عليها زكريا محيي الدين .. وأسسها علي غرار ـ المخابرات المركزية الأمريكية ـ ثم مخابرات الجيش .. واشتري سلسلة كاملة من الأجهزة الاليكترونية من امريكا للتجسس ومكافحة التجسس ، واستعانوا بعدد من ضباط المخابرات الألمان النازيين .. وفي سنة 1960 أمكنهم تركيب ميكروفونات دقيقة في الفنادق أو موائد الضباط .. والسيارات الخاصة .. والتنصت علي المحادثات في الشوارع عن بعد ، والتصوير عن مسافات بعيدة وفي الليل ..

4 ـ وسائل الدعاية : استعان عبد الناصر بخبراء من امريكا .. لإبراز صورة الثورة مشوقة للرأي المحلي وللعالم العربي بل وللعالم كله .. وهذا يحتاج إلي جانب كبير من الدهاء والخبث .. وجري تصنيف المراسلين في درجتين ، موثوق بهم والذين يعملون لصالح الثورة ، والثانية تحوي الصنف المعاكس .. وكانت الدعاية منصبة علي أعداء النظام .

5 ـ الجيش : كان الجيش الحصن الحصين لعبد الناصر وقاعدة قمعه .. وقد استبعد الضباط غير الموالين .. والذين كانوا يستدرجون عن طريق المدسوسين ـ يقصد الإخوان ـ .. واستخدم عبد الناصر الجيش كقوة قمع .. واخيرًا ، فبالقوانين وبالبوليس واجهزة المخابرات والدعاية والجيش شكل عبد الناصر قاعدة للقمع تمكنه من حكم مصر .. ولضمان بقائه .. وقد طلب عبد الناصر في أيامه الأولى بـ 40 مليون دولارًا كمساعدات عسكرية .. [ انتهى من ( لعبة الأمم ) تقديم مجدي كامل من ص 186 ـ 193 باختصار شديد ] .

بيان عن الأجهزة المساعدة : هذا وقد ذكر محمود عبد الحليم بيانًا عن هذه الأجهزة المساعدة السابقة في ( أحداث ) .. ومنها :

(1) البوليس السياسي : أنشئ البوليس السياسي .. في مصر ليكون أداة لتثبيت أقدام الاحتلال البريطاني .. فهو من ناحية الشكل جهاز من أجهزة وزارة الداخلية المصرية وأعضاؤه من ضباط وجنود مصريين .. لكن أعمالهم وولاءهم للمستعمر ..

وكانت الرياسة لهذا الجهاز لغير المصرين .. فلما أبدت شخصيات منهم تفانيًا في الإخلاص للسفارة البريطانية أسندت الرياسة الرسمية للمصريين .. والحكومات المتعاقبة تعلم ذلك ، ولم تجرؤ واحدة منها علي المساس به .. وبدأ البوليس في أعمال بسيطة .. ولما بدأت اعماله تتسع بالتجسس ونقل الاخبار للمستعمر .. كان موضع سخط من الشعب .. فلما فوجئ المستعمر بحيوية الشعب .. وهذا يهدد المستعمر .. أشار إلي حكومة عميلة حاقدة ، فأتته طائعة .. ووضع في خدمتها رجاله المخلصين من البوليس السياسي .. علي أن يهيئ لهم الجو بإعلان الاحكام العرفية ، وعلي فتح الخزائن لهم .. ففعلوا بالشباب الطاهر من الوطنيين ما يعجز عنه الخيال .. غير عابئين بشرف أو قانون .. باستخدام الأساليب الوحشية .. مما لا يتسع له كتاب .. [ أحداث : ج2 ص 245 ] .

وهذا البوليس ورجاله يندسون في المجتمعات لأجل نقل أخبارهم إلي الحكومة .. ومن هؤلاء ذوي ضمائر ميتة ، يختلقون كلامًا وينسبوه إلي الضحايا ليشعروا رؤساءهم بأنهم يعملون .. ومن العجب أن تأخذ بهذا الكلام .. وقد تتهم الضحية في قضايا .. وقد يقضي القاضي فيها علي الضحية دون تثبت أو تحقيق .. وكان البوليس السياسي لا يعمل لحساب الحكومة فقط .. بل كان لحساب السفارة البريطانية .. وكان الضباط لهم صلة بالسفارة .. [ أحداث : 1 / 437 ] .

وقد كان من الفخر أن تنشر الصحف صورة مدير البوليس السياسي محمد إبراهيم مع السفير البريطاني السيد رونالد كاميل وهو يسلمه نيشان الامبراطورية البريطانية في 21 / 5 / 1947 تقديرًا لخدماته !! [ أحداث : 1 / 437 ] .

وكانت وزارة الداخلية فرعًا من السفارة البريطانية .. فقد كان وكيل هذه الوزارة بالذات ترشحه في حقيقة الامر هذه السفارة من المصريين الموالين لها ، فهو مصري الجنسية بريطاني النزعة ، وكان هذا الوكيل فيما يمس مصالح الإنجليز ، سلطة الوزير ، وفوق سلطة رئيس الوزراء ... وكان لحسن البنا دوسيه بالسفارة البريطانية ، جمعوا فيه تاريخ حياته .. وأخذوا يعدون العدة للقضاء عليه .. [ أحداث : 1 / 176 ] .

وضباط البوليس السياسي لم يكونوا خاضعين للحكمدار ـ مدير الأمن ـ وإنهم يكتبون التقارير من 3 صور إحداها ترسل للسفارة البريطانية ، والثانية للسراي ، والثالثة للوزارة .. [ أحداث : 2 / 160 ] .

إن البوليس هم حفظة الامن الداخلي وهم جزء من الامة .. ويجب أن يطهّر من العناصر الفاسدة التي عاونت الطغاة علي إذلال الأمة لزج أبنائها في ظلمات السجن والمعتقلات وأشاعت في البلاد جوًا من الفزع والإرهاب .. والبوليس السياسي هو أثر من آثار الاستعمار .. ويجب توثيق الروابط بينهم وبين رؤسائهم من ناحية وافراد الامة من ناحية اخري ، ويجب رد المظالم إلي أهلها ويأخذ كل ذا ذي حق حقه .. وأن يُقتص من الظالمين .. وأن تغير الأوضاع التي مكنت الظالم من ظلمه ، وأن يكون التغيير شاملاً لكل مرافق الحياة .. [ أحداث : 3 / 124 ] .

وقد اغتال البوليس السياسي أحمد شرف الدين .. بزعم انه كان يحمل مدفعًا .. وكان قتله دفاعًا عن النفس مع أن شرف الدين كان ضابطًا فكيف لم يصب أحدًا من البوليس أثناء مهاجمتهم ! [ أحداث : 2 / 261 ] .

البوليس السياسي يمنع إسعاف المعذبين .. وكانت هناك شهود علي ذلك ، من مصلحة السجون [ أحداث : 2 / 268 ] .

وكان دور البوليس السياسي أن يلفق ويعذب .. فهو دولة داخل الدولة ، وأنه يتعالي علي القانون ويري من حقه تسخير أجهزة الدولة لتنفيذ أغراضه ، حتي النيابة العامة والتحقيق .. ولا يعترف بحقوق المواطنة .. [ أحداث : 2 / 273 ] .

المطالبة بإلغاء البوليس السياسي : الدفاع يطالب حكومة الوفد بإلغاء البوليس السياسي : حيث قال المحامي عبد المجيد نافع : في جلسة 27 مارس 1950 في قضية الاوكار إن البوليس السياسي في مصر هو منظمة إنجليزية اسمًا ودمًا ولحمًا .. صنيعة الإنجليز ، فالإنجليز هم الذين أوجدوه ... والمحامون يجأرون بالشكوي من البوليس السياسي ... فلماذا لا يلغون القلم السياسي ؟ .. وقد أنشيء في عهد اللورد كرومر ليكون في عون الإنجليز ، وسوط عذاب علي المواطنين وفي الميزانية مبلغ ... للإنفاق عليه .. لقد أصبح نقمة علي هذه البلاد .. وهم سبب فتح كوبري عباس علي الطلبة ، والهجوم عليهم بالمدافع الرشاشة والبنادق والعصي ، وراح الطلبة يتساقطون في النيل .. أصيب 160 طالبًا .. وفقد 28 طالبًا لم يعرف مقرهم حتي الآن .. [ أحداث : 2 / 274 ـ 276 ] .

تأثير البوليس على النيابة : وفي قضية جودة والأوكار : قال المحامي : إن التعذيب يبدأ بالفلكة والكرباج وينتهي بالقتل .. وأن رئيس النيابة إسماعيل عوض بك .. كان متخصصًا في التزوير وقلب الحقائق فكان لا يثبت في التحقيق إلا ما يملي عليه رجال البوليس السياسي .. والنائب العام لا يثبت الاصابات .. [ أحداث : 2 / 255 وما بعدها ] .

محمد نجيب يرفض تعاون أجهزة الامن مع المخابرات الأمريكية : وبعد ثورة الضباط في يوليو 1952 ، كان لقاء السفير الأمريكي جيفرسون كافري وأربعة من السفارة ورجال المخابرات المركزية .. برجال الثورة .. في منزل البكباشي عبد المنعم أمين .. وتكلم السفير الأمريكي عن ضرورة وجود أجهزة أمن قوية لحماية الشعب ـ من الشيوعية ـ وعرض السفير معاونة أجهزة المخابرات المركزية لها ..

ورد محمد نجيب عليه .. برفضه فكرة تعاون أجهزة الامن مع المخابرات الامريكية قائلاً : ( إنني لا أريد تقييد حرية المواطن ، وإن تقوية هذه الأجهزة يجعلها في آخر الأمر هي التي تحكم فعلاً .. وكفي ما عانيناه وعاناه شعب مصر من القلم السياسي ... ) وصدق نجيب .. [ كلمتي : 127 / 128 ومذكرات نجيب ص 312 ] .

(2) النيابة : وقد سبق أن تكلمنا عن تأثير البوليس السياسي على النيابة قبل الثورة أما عن أمن الدولة في 1965 ، فقد كان للجيش دوره في التعذيب والتلفيق عن طريق المباحث الجنائية العسكرية فمثلاً : بعد أن تم التحقيق بمعرفة المباحث الجنائية العسكرية نودي علي كل ضحية .. فيدخل الضحية فيقدم له أوراق التحقيق للتوقيع عليها .. وبالطبع فلا مراجعة ولا مناقشة .. ثم يوقع ويعود كل واحد إلي الزنزانة .. داخل السجن الحربي .. والتحقيق يكون ليلاً حتي الفجر .. ثم يستدعي الضحية ليمثل أمام نيابة أمن الدولة .. وهي في خيام مجهزة ويحقق معه وكيل النيابة فيظن الضحية أنه سيبدأ التحقيق من جديد .. وأن النيابة لا سلطان عليها وسيتم التحقيق دون تأثير من أي سلطة .. ولكن يفاجأ بأنه يواجهه بتحقيق المباحث الجنائية وبتوقيعه عليها .. فيقول الضحية هذه اعترافات تمت تحت التعذيب كما تعلم ، وهذه آثار التعذيب الظاهرة .. فيقول رئيس النيابة : ما هو انتم ما ينفعش فيكم إلا كده !! فيشعر الضحية أن المؤامرة مستمرة .. وقد خاب ظنه .. [ ق : 4 / 54 ] . فالجنائية العسكرية تسيطر على تحقيقيات البوليس ، والنيابة .

وقال المستشار علي جريشة عن نيابة أمن الدولة أنه حين أجرت تحقيقاتها داخل السجن الحربي ، فقد فقدت الإدارة وفقدت النزاهة والعدالة .. وكانت تسمع النيابة وتري جرائم .. تحت أصوات السياط وأنين الجرحي وحشرجة المعذبين يلفظون أنفاسهم الأخيرة ، الأمر الذي يعاقب عليه القانون بالإعدام .. وهي تحقق في : هل قرأت القرآن مع فلان .. هل دفعت مساعدة تالية لأسرة غاب عنها عائلها في السجن .. وأن الذين أنكروا التهمة أمامها ترسلهم مرة أخري للتعذيب .. ليعودوا إلي الاعتراف .. [ في الزنزانة ص 108 ] .

(3) المحاكمات : يقول محمد نجيب الرئيس الأسبق : بعد جاءت المنشية بدأت مهزلة اعتقال ومحاكمة الإخوان .. ورأسها جمال سالم .. وتمت في جو من الإرهاب والضغط والسخرية .. بالإنسان .. بالقيم وبكتاب الله أيضًا ... ودفع الجيش الثمن ، ودفعته مصر أيضًا من حريتها وكرامتها ودماء أبنائها .. [ مذكرات نجيب : 357 ، ج : جـ 1 / 403 ] .

ويقول التلمساني : لم تكن محاكمة ؛ لأن الأحكام كانت مقررة ومعروفة قبل صدورها .. وكان من ينكر ما ذكر علي لسانه تحت إكراه التعذيب .. ترفع الجلسة ويحيل المتهم إلي السجن الحربي .. فيعودون به بعد قليل ، عادلاً عن أفكاره معترفًا بما جاء في أوراق التحقيق .. لأن المتهم ظن أنه أمام محكمة .. وليس أمام مهزلة وفي الصامتون يتكلمون : كان من تشكيل المحكمة أن لها جميع السلطات .. ولا يشترط وجود محامين للدفاع .. ص 57 ، 67 ، ج : جـ : 1 / 405 ] .

مهزلة المحاكمات : وتحت هذا العنوان كتب حسين حمودة في ص 111 : شكل مجلس الثورة 3 دواير لمحكمة الشعب ، كل أعضائها من العسكريين .. وحوكمت امام دائرة منها .. وكان الاتهام الذي قدمت به وآلاف من الإخوان .. أتي أفعالاً ضد نظام الحكم باشتراكه في تنظيم سري مسلح .. كان هذا الاتهام باطل .. ويأتي الضحية أمام المحكمة ويسأل مذنب أم لا .. فيقول : غير مذنب ثم يأتي في اليوم التالي ليسمع الحكم عليه بالشنق أو رميًا بالرصاص أو السجن المؤبد أو المؤقت !

وقد حكمت محكمة الشعب علي 1000 شخص من الإخوان .. وحكم علي 6 بالشنق .. وقد واجهوا الموت بشجاعة ..

وقد حكم علي حمودة 15 سنة مع الأشغال الشاقة .. وعجبت ، لأني برئ 100 % وما كنت متآمرًا علي عبد الناصر ولا غيره .. وما كنت اتصور ان يصل الامر بجمال عبد الناصر إلي هذا الحد الخطير من الطغيان والظلم .

وقد حاولت تقصي الحقائق في موضوع الشروع في قتل عبد الناصر في المنشية عام 1954 فما وجدت أحدًا من المحكوم عليهم له يد في الجريمة ، مما يغلب علي الظن أنه كان مدبرًا لدفع عبد الناصر إلي الانقضاض علي جماعة الإخوان المسلمين والفتك بهم بهذه الوحشية ، والمحكمة لم تستهدف العدل .. أو تتحري الحقيقة وإنما قصدها توقيع أحكام ، لتصفية جماعة الإخوان تصفية نهائية فهي اشبه بمذبحة القلعة التي نفذها محمد علي ضد المماليك .. انتهي بتصرف .

وكان جمال سالم يعتبر المتهم عدو له وكذا الشاهد .. ذلك لأن الأوراق تقول إنهم سيقتلونه مع بقية أعضاء الثورة .. [ حصاد .. صلاح شادي : 71 ، ج : جـ 1 / 408 ] .

والأحكام كانت مشددة .. إعدام ، مؤبد .. أشغال شاقة .. إعدام 7 وأشغال شاقة مؤبدة علي 7 آخرين وأشغال شاقة مؤبدة 15 سنة ، وبراءة 3 بدأت المحكمة من 9 / 11 / 1954 ، وكان حادث المنشية في 26 / 2 / 1954 ، وانتهت المحاكمات في 4 / 12 / 1954 !! .

ثم بعد 5 / 12 / 1954 بدات دوائر محكمة الشعب تحاكم المئات من خيرة شباب مصر .. [ ج : جـ 1 / 412 ] . فهل يجوز للحاكم أن يضع القانون ويكون هو القاضي .. ؟

وجاء في أخبار يوم 14 / 6 / 1976 ما يفيد أن الرائد بدر عباس حوكم في عهد عبد الناصر وكان رئيس المحكمة حسين الشافعي ثم شهد أمام المحكمة العسكرية العليا في 13 / 6 / 1976 أنه تعرض للتعذيب وحكم عليه حسين الشافعي رئيس المحكمة .. ولما قابل حسين الشافعي بعد ذلك قال له حسين ( والله يا ابني مش أنا اللي حاطط الأحكام دي .. الأحكام جت من أعلي مستوي .. [ ج : جـ : 3 / 56 ] .

  • تقرير هيئة العفو الدولية عن المحاكمات :

صدر التقرير للصحف في 15 / 4 / 1966 عن محاكمات 1965 بمعرفة عضو البرلمان البريطاني ، وعضو المجلس التنفيذي البريطاني للهيئة العالمية لرعاية المسجونين السياسيين وكان أبرز ما في التقرير :

  1. أنه بمقتضي قانون خاص صدر في 24 / 3 / 1964 أعطي للرئيس سلطة الاعتقال دون محاكمة ..
  2. المحكمة يعينها الرئيس .. وليست لسلطتها أي حدود .. والرئيس له حق التصديق علي أحكامها .. والمحكمة عسكرية ..
  3. المتهمون يعلنون وقوع التعذيب عليهم والمحكمة ترفض سماع ذلك أو أدلة أو شهود إثبات .
  4. المتهمون حرموا من حق اختيار المحامين للدفاع عنهم .
  5. منع الجمهور والصحافة من حضور الجلسات وفرض رقابة علي أخبار المحاكمات .
  6. الهيئة تدعو الحكومة المصرية لإقامة محاكمات عادلة حرصًا علي سمعتها الدولية .
  7. أن المحاكمات فرض عليها قانون استثنائي صدر بعد وقوع الاعتقالات ليطبق بأثر رجعي ، وهذا يخالف مبدأ عدم رجعية القوانين .
  8. السلطات المصرية خالفت قرارات مؤتمر المحامين العرب في حقهم في المرافعة .. [ ق 4 / 121 ] .

هذا وقد صدر قرار رئيس الجمهورية 119 لسنة 1964 الذي يخول لرئيس الجمهورية سلطات في القبض و ... ويسري علي الجرائم التي تم اكتشافها في مايو 1965 حتى آخر سبتمبر 1965.. وفيه لا يجوز الطعن بأي وجه من الوجوه أمام أية جهة كانت في قرارات رئيس الجمهورية .. [ ق 4 / 90 ] .

أحكام عادلة : هذا وللحق ، أن المحاكمات قبل ثورة 1952 كانت تسمع المتهمين عن التعذيب وإثباته غالبًا وكانت تحكم .. وليس لأي سلطة التدخل فيها .. وعلي سبيل المثال :

1 ـ جاء في حيثيات الحكم في قضية سيارة الجيب في 13 / 4 / 1951 : أن المحكمة تعلن .. وهي مطمئنة أن تعذيبًا وقع المتهمين .. وكان التحقيق فوضي ، تارة تتولاه النيابة ، وأخري يتولاه عبد الهادي باشا .. المحكمة تشيد بمبادئ الإخوان المسلمين ، ولكن المتهمين اعترفوا بدوافع وطنية كأبناء بلد محتل مغلوب علي أمره .. ثبوت التعذيب وبطلان الاعترافات التي كانت تحت التعذيب .. [ أحداث : 2 / 291 ] .
2 ـ جاء في حيثيات حكم مجلس الدولة بإلغاء الأمر العسكري بحل الإخوان المسلمين وبطلانه في يوم 4 / 7 / 1952 .. وكان ممن ترافع فيها أ . عبد القادر عودة ، ومما قاله : إن هذه القضية ليست قضية الإخوان المسلمين ، وإنما هي قضية الأمة .. وأن هذه الأمة لن تنصلح إلا إذا وضع القضاء حدودًا ظاهرة بين حق الحاكمين وحق المحكومين ، وإلا إذا علم الحاكمون أن وراءهم القضاء يحاسبهم .. كلما اعتدوا علي حقوق الأمة .. [ أحداث : 2 / 302 ] .
3 ـ صدر حكم قضائي في قضية المستشار علي جريشة في القضية 12 لسنة 1974 مدني كلي جنوب القاهرة ، والتي عرفت بقضية تعذيب المستشار علي جريشة .. عن التعذيب الذي كان في عهد عبد الناصر .. وتناشد المحكمة رئيس الجمهورية بهدم وإزالة السجن الحربي .. الشاهد علي تعذيب وإذلال الشعب .. وجاء في حيثيات الحكم .. عذبوه بوحشية .. شوهوا وجهه .. مزقوا جسده بالسياط .. أذلوه حسًا ومعني .. وكان غاية الإذلال والتفنن في القسوة والتعذيب والإهانة والهوان .. طلبوا منه أن ينبح كالكلاب .. [ راجع : في الزنزانة للمستشار علي جريشة ص 119 ، ق : 4 / 241 ] .

(4) التقارير الأمنية : كانت تصدر تقارير من أجهزة المخابرات والمباحث العامة .. موقع عليها من رئيس الحكومة ووزير الداخلية .. يتضمن اسلوب التعامل مع جماعة الإخوان للقضاء عليها أو وقف نشاطها .. والذي تم الحصول عليه في سنة 1954 قبل حادث المنشية .

يقول حسن العشماوي : وكان اخطر ما حصلنا عليه في هذه الفترة ذلك التقرير المصري الذي أعدته إدارة المخابرات الحربية والمباحث العامة .. وقد استطعنا أن نحصل علي صورة رسمية منه وعليه توقيعات ..

بدأ التقرير كالمعتاد بالتحدث عن الإخوان .. وأن وجه الخطر في هذه الجماعة .. أن أعضاءها يعتقدون أن لهم الحق في كل حكم لا يقوم علي الإسلام .. ولا ينفع فيهم الفصل من الوظائف أو السجن المحدد المدة .. ويعتبرون أن هذا في سبيل الله .. مما يحتاج معه إجراءات أكثر صرامة وقسوة لا تراعي فيها القوانين ولا مبادئ العدالة في المحاكمات ، ولو احتاج الأمر إلي افتعال الوقائع ونسبتها إلي أفراد من الإخوان ويقترح التقرير اعتقال عدد كبير .. لمدد طويلة جدًا ، ومدي الحياة بغض النظر عن التهم المنسوبة إليهم من ثبوتها أو عدم ثبوتها .. فيكفي للإدانة مثلاً أن تقول تحريات البوليس ، ولو دون دليل ، أن المطلوب محاكمته خطرًا علي الأمن لأنه يؤمن بصلاحية فكرة الإخوان .. ويوضع هؤلاء في سجون خاصة ، دون الأمل في الإفراج عنهم .. حتي تنزع من عقولهم هذه الأفكار .. وإلا فهم باقون حتي الموت .. أي أن الإبادة هي الوسيلة الوحيدة لاتقاء خطر هذه الجماعة .. وأوصي بأن من يفرج عنه يوضع تحت رقابة شديدة ولا يفرج عنه إلا من يتلاءم مع الحكومة ..

وكان هذا التقرير واقع في 9 صفحات مؤرخ يوم 11 / 8 / 1945 .. أي قبل أن ينسب لأي أحد من الإخوان أي تصرف .. [ الإخوان والثورة ص 66 وما بعدها ] .

ومن العجب أن هذا التقرير يؤيده الواقع من قبل الثورة وحتى الآن ، عن الذي حدث للإخوان في الاعتقالات والسجون والبقاء في السجن لمدة طويلة ومدى الحياة .. حتى يتلاءم مع سياسة الاتهامات بدون أدلة لمجرد تحريات البوليس ، وقلة التغذية .. والأمراض .. وعدم العلاج .. والموت الحالي والبطئ ..

ومن العجيب أيضًا أن يصدر الأهرام في محنة 1965 يقول فيه هيكل .. إن روسيا تعتقل الإنسان لمدد طويلة قد تصل إلي 30 سنة ثم تُفتح عليه الزنزانة ، فإذا كان يذكر اسمه ( محمد ) فلا يفرج عنه حتي ينسي اسمه ..

وفي أهرام 28 / 11 / 1965 جاء فيع أن قضايا الإرهاب سوف تعرض علي مجلس الأمة .. وذلك لبحث التادبير الاستثنائية ضد جماعة الإخوان الذين سبق لسلطات الضبط والتحقيق التحفظ عليهم في الفترة من مايو إلي آخر سبتمبر 1965 .

وقد قرأ تقرير اللجنة التشريعية أ. محمد عطية إسماعيل .. وتكلم عن تاريخ الجماعة ثم وجه اتهامات باطلة وأقوالاً مزيفة .. وأن هذه الجماعة لها صلة بالاستعمار واتصالات مشبوهة بالاستعمار البريطاني .. !! نشر هذا في الصحف يوم 21 / 21 / 1965 .

(5) كبت الحريات : يقول السادات في البحث ص 206 : كان مجموع الشعب مازال يفتقد شيئًا هامًا في حياته .. وهو الحرية ، فعندما لا يكون الإنسان آمنًا علي نفسه لا يمكن أن يعوضه شيء عن هذا ، هذه حقيقة لم يدركها عبد الناصر إلي أن مات .. كان يري الناس تهتف له وتهلل وتصفق .. لكنه نسي أن في ضمير كل مواطن حقيقة أخري .. وهو الإحساس بالحاجة إلي الحرية والأمن .

وفي ص 216 : كانت تجربتي مع لجنة تصفية الإقطاع .. قصصًا رهيبة تدل كلها علي مدي امتهان السلطة للإنسان المصري ، فمثلاً ، كانوا يفتحون البيوت بالليل ويطردون النساء فيخرجن مع أطفالهم في الطرقات .. يبحثن عن ماوي يسترهن ..

وفي ص 220 يقول : كان واضحًا أن عبد الناصر كان علي معرفة بما جري في البلد .. المشاكل متراكمة .. وما تفعله لجنة الإقطاع بالناس ومراكز القوي .. وحجرهم علي الحريات واحتكارهم لجميع الامتيازات . وفي ص 289 يقول : لا وجود لوزارة الخارجية أو سياسة مدروسة ومخططة .. لم يكن هناك سوي الرئيس الذي ينفعل فيصدر قراراته بناء علي هذا الانفعال .. وهو راضٍ سعيد ما دام كل ما يقوله يصفق له .

(6) الصحافة والصحفيون : إن الصحف المصرية كانت مجندة لخدمة المستعمر تنعم بإغداقه عليها .. وكانت واقعة تحت سيطرة شركة الاعلانات الشرقية التي أنشأها الإنجليز .. [ أحداث : 1 / 487 ] .

يقول أحمد رائف  : ولما جاءت ثورة 1952 : إن الصحف المصرية كانت مجندة لخدمة المستعمر تنعم بإغراقه عليها .. وكانت واقعة تحت سيطرة شركة الاعلانات الشرقية التي أنشأها الإنجليز .. [ أحداث : 1 / 487 ] .

يقول أحمد رائف  : ولما جاءت ثورة 1952 قضي عبد الناصر علي كل القوي التي يتكون منها المجتمع .. وكان للصحافة دور كبير في نجاح حركته ، فالمقالات مهدت للتغيير وهيأت الناس له ، وكانت بعض دور الصحف فيها ضباط مثل أنور السادات الذي عمل في روز اليوسف .. وجاء دور الصحافة والصحفيين بعد أزمة مارس 1954 تنتصر للديكتاتورية وتهتف بسقوط الديمقراطية والمتعلمين وضرب رئيس مجلس الدولة الدكتور السنهوري ... وسجن من الصحفيين وهرب من هرب وأغلقت بعض دور الصحافة .. مضت مصر من نكبة إلي نكبة .. ومن كان له دور صحافة يمتلكها أصبح موظفًا وطرد بعضهم من داره .. لقد تم تاميم الصحافة وتكميم الأفواه .. ونشرت الصحف الأكاذيب .. وتعود الصحفيون كتمان الحقائق .. كان العالم كله يعلم أن إسرائيل انسحبت من سينا بعد حرب 1956 بعد أن أخذت الحق في المرور من مضايق تيران إلي خليج العقبة ، وهلل الصحفيون بالنصر العظيم .. العالم يعرف أن إيزنهاو هو الذي أجبر بريطانيا وفرنسا علي الانسحاب .. وهللت الصحافة أن بولجانين رئيس روسيا هو الذي أجبرهم علي الانسحاب !! .. ثم كانت الصحافة تنشر أكاذيب عن الإخوان لتشويههم .. ولتبرر ما يحدث لهم من اعتقالات وتعذيب .. [ البوابة من ص 271 ـ 275 بتصرف ] .

وكانت تصدر الصحف لتأييد القرارات الظالمة .. وأن الحرية ليست لأعداء الشعب ولا أعوان الاستعمار هكذا يقصدون الإخوان !! .

وجاء في سنوات الهوان لإبراهيم سعدة في ص 129 عن تعذيب مصطفي أمين الكاتب المعروف .. وعُذب كذلك من الصحفيين الإخوان وسجنوا ، منهم حسن دوح .. رجاء مكاوي .. ومن الشيوعيين كذلك محمد سيد أحمد ، وفيليب جلاد ، وصلاح حافظ وعادل حسين ...

وفي صفحة 181 وما بعدها يقول إبراهيم سعدة : كمموا الصحافة .. قتلوا المواهب .. كان النفاق والتزوير ... لا حرية للصحافة بعد ثورة 1952 ، الجمهورية أصدرها مجلس قيادة الثورة وصاحب الامتياز هو جمال عبد الناصر .

السادات .. الجمهورية .. الضباط الأحرار الذين لم يحترفوا الصحافة .. خالد محيي الدين لصحيفة المساء .. ثروت عكاشة ، مجلة التحرير .. وحيدر رمضان يتولي مجلة الثورة ، أمين شاكر مجلة بناء الوطن .. صلاح سالم .. دار الشعب .. وهكذا لضباط آخرين ..

وفي ص 143 يتكلم عن سنوات التزييف وفي ص 151 عن سنوات الهبش وفي ص 171 عن سنوات الهوان .. وفي ص 191 عن سنوات العار ، والهزيمة ، والتهجير وفي ص 213 عن سنوات الحراسة وفي ص 243 الهروب ...

ويقول محمود عبد الحليم : لا عمل لوسائل الإعلام إلا إطراء الحاكم بنسبة كل المحاسن إليه ، وإلقاء المساوئ كلها علي من سواه ، ونفث السموم في عقول الشباب بما تعرض من مقالات وتمثيليات ومسلسلات وأغاني .. فمن نجا من مسخ المدارس لأفكاره .. لم ينج من وسائل الإعلام التي تلاحقه حينما كان ... والمجتمعات في المصانع والشركات والنوادي والمقاهي والمساجد .. أصبحوا لا يأمن أحدهم علي نفسه إذا تكلم .. فيؤخذ إلي مكان لا يصل إليه قريب أو صديق ..

والحاكم بث في المجتمع من ينقل إليه كلام أصحاب الفكر .. لا كلام وجرائم المجرمين .. بل إذا ألمح احدهم بشيء اعتبروه اعتداء عليه ومؤامرة للإطاحة به .. فقد تحدث أحدهم في مسجد عن عدالة عمر بن الخطاب فاستدعي من الضباط .. وقالوا له : إن كلامك هذا فيه إشارة إلي ظلم الحاكم !! [ أحداث : 3 / 520 ] .

هكذا كان يفعل القائمون علي تعذيب الإخوان .. وهكذا كانت الأجهزة التي تساعده وتعاونه وتشاركه في الظلم .. من البوليس السياسي والمباحث وغيرها .. والنيابات .. أمن الدولة وغيرها .. والمحاكمات الجائرة .. والقوانين .. والتقارير التي ترسم خطط التعذيب وتغطيه .. وقد كانت الحريات مفتقدة كما ذكر السادات في البحث عن الذات .. والصحافة والصحفيون يؤيدون السلطة .. ويكونون الرأي العام حسب ما يحب الحاكم المستبد .. الإعلام يقلب الكذب إلى حقيقة : وجاء في كتاب ( جمال عبد الناصر ) لـ أبو الفتح ص 414 : أن عبد الناصر يؤمن بأن الكذب يصبح حقيقة إذا ما تولت أجهزة الدعاية ترديده علي أنه حقيقة .. وينتهي الشعب إلي تصديق كل ما تردده أجهزة الدعاية .. وهو يتصور انها الوسيلة التي يقنع بها الناس بكل ما يريد .. لذلك حرص منذ بداية الحركة بتنظيم وسائل الدعاية .. وأصدر جريدة باسمه هي ( الجمهورية ) ثم أصدر بعدها عدة صحف .. وباقي الصحف أصبحت طيعة في يده تتباري في إرضائه .. حتي استولي عليها باسم الشعب ..


واهتم كذلك بالإذاعة .. وجعلها تخضع لوزارة الإرشاد القومي .. ثم أصبحت تحت رياسته مباشرة .. وفي كثير من الاحيان يتصل برؤساء تحرير الصحف ليوحي إليهم بما يكتبون .. أو يبلغ الصحف عن طريق مدير إدارة الاستعلامات ، بكل ما يريده عبد الناصر .. فإذا أراد مهاجمة شخصية سياسية أو دولة ، تنطلق الصحف والإذاعة مركزة كل جهودها في تنفيذ أغراضه ، في الهجوم والحملات .. في وقت واحد .. فمثلاً عندما اختلف عبد الناصر مع الحبيب بورقيبة .. كانت الصحف والمقالات مركزة ضد بورقيبة .. وكذلك ينطلق الخطباء من رجال عبد الناصر يخطبون ضد بورقيبة ، وكذلك تنتشر فرق الهمس تشيع عنه كل الاتهامات .. انتهى .

الفصل الثاني : الذين تعرضوا للتعذيب

تمهيد : لا نستطيع إحصاء الذين تعرضوا للتعذيب أو الذين تخلص منهم عبد الناصر .. أو الذين ماتوا من التعذيب .. لأن عدد الإخوان الذين اعتقلوا في 1954 و 1965 كان عددهم يفوق الـ 100 ألف علي أقل تقرير .. وهي أكبر فئة تعرضت للتعذيب والموت .

لكن كان هناك فئات أخري من الإسلاميين : جماعة أنصار السنة ، والجمعية الشرعية والتبليغ وعلي رأسهم محمد العراقي ، وإبراهيم عزت وغيرهم .. وشباب محمد وعلي رأسهم الحاج حافظ سلامة من السويس وغيرهم .

الفرق في المعاملة بين الإخوان وغيرهم : وكان من الشيوعيون .. الذين اعتقلوا في أول الثورة 1952 وظلوا في السجون حتي سنة 1964 .. وبعض اليهود المصريين .. والنشاط المعادي .. الذين لم تكن لهم هوية سياسية .. وكانوا يعارضون السلطة .. وهؤلاء من فئات مختلفة .

أما الشيوعيون : فقد كانو في معتقل الواحات الخارجة والسجون .. ولما دعي خروشوف لافتتاح السد العالي في مايو 1964 ، اشترط الإفراج عن جميع الشيوعيين في السجون قبل أن يضع قدمه في مصر وقال : أنا زعيم الشيوعيين في العالم .. وهنأ الإخوان الشيوعيين بالإفراج عنهم وقالوا لهم : موعدنا في فلسطين فرد الشيوعيون : ما لنا ولفسلطين .. موعدنا في فيتنام !

وكان رد الفعل من الدول الإسلامية والعربية ، كيف يفرج عبد الناصر عن جميع الشيوعيين ولم يفرج عن الإخوان المسلمين ؟! .. وخرج الشيوعيون ليحتلوا المراكز في الدولة وخاصة الإعلام .. وكانت أكثر كتاباتهم عبارة عن منشورات عن الشيوعية .

وبدأوا يحاربون الإخوان في المقالات والتقارير .. ونشروا مبادئ الشيوعية حتي تكاد بعص الصحف تصدر نشرات عن الشيوعية .. وكانوا يكتبون التقارير في السجون عن الإخوان ويرسلونها إلي السفارة الروسية .. [ راجع : ج : جـ : 3 / 353 وما بعدها ] .

وكان الشيوعيون مع الإخوان في الواحات ، وكانوا لا يهتمون بالأعياد الإسلامية مثل عيد الفطر والأضحي .. وقد حدثت حوارات بينهم وبين الإخوان .. وكان أشهرها ما سجله عبد الحليم خفاجي في كتابه : حوار مع الشيوعيين تحت أقبية السجون .. وكان ممن تأثر بهذه الحوارات د. مصطفي محمود الذي كان بعد خروجه من السجن يحارب الشيوعية في كتبه وكذا في الفضائيات ويتكلم عن الإيمانيات رحمه الله ، ومنهم الصحفي جلال كشك .. ومؤلف كلمتي للمغفلين .. وغيرهم .

وأما اليهود : فإنه لما قامت حرب يونيه 1967 ، اعتقلت السلطة بعض يهود مصر وليس من الميدان .. وأودعتهم في معتقل أبو زعبل ، وقد ضربت إسرائيل جميع مطارات مصر في 6 ساعات وكانت الهزيمة .. ليست هزيمة الجيش ، ولكن هزيمة القيادة !! .. وكان عبد الناصر قد أعلن في موسكو أنه اعتقل في سنة 1965 ( 18 ألف ) إخواني في ليلة واحدة مع أنه هزم في 6 ساعات ! . ولم يمض علي اعتقال اليهود شهر ، ودماء الجنود تسيل في صحراء سينا ، والقناة ، حتي أرسل عبد الناصر مندوبًا إلي حاخام اليهود في مصر يهنئه بالعيد .. وتحسنت معاملة اليهود .. وجاءت لليهود في المعتقل مبالغ من النقود ، والملابس ومعلبات وأدوية ، وسمح لهم بالخطابات .. ورأي الإخوان ذلك وهم لم يسمح لهم بالخطاب ولم يعرف عنهم ذويهم شيئًا منذ 1965 فقالوا للحراس : عاملونا كاليهود !! ثم فتحت لليهود الزيارات بدون حواجز .. وقال الإخوان عاملونا كاليهود !! وسمح لليهود بإنشاء ملاعب رياضية في المعتقل بعد نقلهم إلي مزرعة طرة وكذا الكانتين وغير ذلك .. فقد كانت الدولة تحسن المعاملة معهم .. !! لم ينعم بها الإخوان المسلمون ! ..

الإفراج عن اليهود : وقبل ظهور مبادرة روجرز .. تم الإفراج عن جميع اليهود !! وبقي الإخوان ولم يفرج عنهم إلا في 1971 بعد موت عبد الناصر ، وأفرج عن بعضهم فقط .. ثم أفرج عن الباقين حتي 1974 .. وللعلم أنه لما قامت حرب يونيو 1967 .. تأثر الإخوان .. وتبرعوا للمجهود الحربي .. حتي بدمائهم وذلك في حرب 1956 ثم 1967 !! [ ج : جـ 3 / 369 وما بعدها ] .

الفصل الثالث : الذين ماتوا من التعذيب

لا أذكر عدد من مات من التعذيب .. ولكن كنت أسمع أن من مات من التعذيب في محنة 1954 وما بعدها حوالي 60 ، أما في محنة 1965 وما بعدها فهم حوالي 120 هذا بخلاف من مات في مذبحة طرة فقد قيل عددهم 23 وقيل ذلك بخلاف من مات متأثرًا بعد ذلك من الإصابات و التعذيب ..

وقد كنا نسمع من الجنود وغيرهم من الضباط ( اقتل وادفن ) أو ( انتم مالكوش دية .. نقتلك وندفنك في الجبل ) ! .

ودخل حمزة قائد السجن الحربي يومًا وهو يركب الحصان يقول : احمدوا ربكم إن انتم لسة عايشين ، ده فيه ناس ، أو رأي ، بالإبادة لكم .. أو هكذا .

وقد ذكرنا سابقًا في التعذيب للقضاء علي الإخوان ، أن عبد الناصر قال لحسن العشماوي في مايو 1953 .. أنه يريد التخلص من 20 أو 30 % إذا لزم الأمر ليستقيم حال الباقين .. [ راجع : الإخوان والثورة ص 26 ] .

وقال أيضًا لـ أحمد أبو الفتح ( إننا دولة يزداد عدد سكانها بسرعة مخيفة ، فماذا لو أنقصنا من تعدادها 100 ألف من الـ 24 مليون ) .. [ راجع : جمال عبد الناصر ص 392 ] .

وكان شمس بدران وغيره يقول : أنتم كام عددكم ؟ ربع مليون ، إيه يعني لو نتخلص منكم والباقي يستريح !! .

ومعني ذلك أن الاتفاق كان بينهم علي الإبادة الجماعية وهذا يدل عليه ما سبق من المذابح والمعاملة السيئة .. واعتبار الإخوان أعداء .. أما الأعداء الحقيقيين فهم أصدقاء !

ولما فتح باب التظلم من التعذيب .. ذهبت إلي مكتب التحقيق في التعذيب بدار القضاء العالي .. وجلست علي باب المكتب وجلس بجواري عسكري .. ولما سألته عن سبب وجوده قال لي : إنه جاء يشهد لصالح الضابط رشاد مهنا الذي اعتقل .. ثم حكي لي موضوع شهادته .. فقال : كنت في السجن الحربي .. وطلب مني أن أركب سيارة جيب وكان في أرضية السيارة بطانية وكان البرد شديدًا في الصحراء فحاولت أن آخذ البطانية استدفئ بها .. فإذا بي أفاجأ بأن بها جثة .. فأصابني الرعب والخوف ..

ومن المعروف لمن دخل السجن الحربي .. أنه يقيد في دفتر الأحوال أما من مات فيؤخذ إلي الزنزانة بالدور الأرضي ، وينتظرون حتي يأتي المساء ثم تُطفأ الأنوار وتدخل سيارة جيب وتحمل الضحية ملفوفًا بالبطانية ، وتخرج إلي الجبل حيث يدفن .. ثم إذا كان تم تسجيله عند دخول السجن .. فإنه يكتب أمام اسمه أنه هارب !! فإذا لم يسجل اسمه .. دفن ولا أحد يعلم عنه شيئًا ، وتنكر كل وجهات الدولة معرفته وقد تذهب قوة إلي منزله للتفتيش بحثًا عنه !! وأحيانًا يعتقل والده أو أحد أقاربه لإبعاد الشبهة عنهم ..

وقد رأيت أحد الضحايا يعذب حتي أغمي عليه .. ثم يلقون عليه الماء .. وهكذا حتي لفظ أنفاسه الأخيرة .. ثم اقفلت الزنازين .. ثم سمعنا من ينادي علي اسم الضحية !! . للإيحاء بأنه هرب !! . وأذكر من الذين ماتوا تحت التعذيب في محنة 1965 محمد عواد وإسماعيل الفيوم ي ، وزكريا المشتولي وأحمد شعبان .. وغيرهم كثير ..

وأذكر من الذين ماتوا من أثر التعذيب أحد الضحايا الذين كانوا يعلقونه من رجليه ويديه ثم يلقونه علي ظهره من علٍ علي الأرض .. وقيل إن الكلية تهتكت .. ثم أصيب بالباولينا وكانوا إذا رأوه يتماثل للشفاء .. منعوا عنه الدواء ، وذلك في القصر العيني في مكان احتجاز المعتقلين .. ثم نقل إلي قسم الغسيل الكلوي .. ثم مات في القصر العيني ..

الباب التاسع

ثبوت التعذيب وعلم عبد الناصر به

الفصل الأول : ثبوت التعذيب

التعتيم على التعذيب وإنكاره : إن المسئولين عن التعذيب يخافون إفشاءه ؛ لأنهم يعلمون أنها جريمة .. وإساءة للنظام .. ولذلك فهم يعملون في سرية تامة علي إخفائه ، وذلك بأن يكون التعذيب بين جدران أربعة في أماكن محصنّة .. بعيدة عن الاحياء السكنية واعين الناس .. ويختارون العسكر من العناصر التي تكتم الاسرار ولا تتحدث عن التعذيب .. ويعتمدون علي أن ذاكرة الشعب ضعيفة .. تنسي وتتسامح مع مرور الوقت .. والعمل علي إلهائه بكل السبل .. وخداعه .. وإخفاء الجريمة .. وإذا علم الشعب بالتعذيب .. ينشرون وقائع ملفقة .. وأن الضحية كان مجرمًا معتديًا .. أو حدثت معركة ، وكان رجال الأمن في حالة دفاع عن النفس .. حتي لا يتعاطف الشعب مع الضحية المجني عليه بل الجاني .. وإذا مات الضحية دفنوه .. وإذا جاء الإفراج عنه .. يعتذرون إليه إنها كانت ظروف .. ونحسن الظن بك .. أو يهددوه إن تكلم وإلا أعادوه .. أو ينقلوه قبل الإفراج عنه إلي مكان هادئ .. ويعاملوه معاملة حسنة حتى ينسى ما مضى .. وتصدر الأوامر إلي أجهزة الإعلام بحظر النشر عن التعذيب .. والتعتيم .. وتتحدث منظمة حقوق الإنسان عن الحريات وكرامة الإنسان وأن ليس هناك تعذيب .. بل يعلنون زيارتهم للسجون ، وأنهم رأوا المعاملة الحسنة ، ويخرج الضحية من الزنزانة ، ويلبس أحسن الملابس .. ويقعد في الشمس تحت شمسية .. رجل علي رجل ويتم التصوير للإعلام .. ثم يعاد إلي الزنزانة !! .. وتعد برامج وياتي مسئول الأمن .. ويُسأل .. هل فيه تعذيب ؟ فينكر إنكارًا تامًا وبأن ذلك كذبًا لتشويه سمعة الدولة .. وأن ذلك مؤامرة .. وقد يكون ذلك المتحدث الضيف في البرامج من الذين اتهموا بالتعذيب وقد يكون من الذين قتلوا الضحايا من التعذيب .. من ذلك أن ( ف . ع ) وكان مفتش مباحث في سنة 1965 وكان يقوم بالتعذيب هو ومجموعة من ضباط المباحث ، سُئل في برنامج 48 ساعة يوم الجمعة 4 / 6 / 2010 عن التعذيب فأنكر ذلك تمامًا .. وطبعًا ينكر ؛ لأنه لا دليل .. كما رأينا .. والشعب يصدق !

وكذلك ما حدث في السجون الحربية .. لا دليل علي التعذيب .. والذين قاموا بالتعذيب .. في حماية السلطة .. وهي التي تأمرهم بذلك وتعدهم بالحماية لهم وعدم تقديم أحدًا منهم إلي المحاسبة ؛ ولذلك فإنهم يقومون بتعذيب الضحايا وهم آمنون .. ويظل هذا الموضوع مدفونًا ؛ حتي تنتهي هذه الحقبة وينتهي الحاكم .. ويأتي حاكم آخر يريد أن يحدث انفراجة .. وأن النظام السابق كانت تحدث فيه مظالم ..

فتح باب التحقيق في التعذيب :

ثم يفتح باب التحقيق في التعذيب .. وتنهال الشكاوي وترفع القضايا علي الذين قاموا بالتعذيب .. ترفع من الضحايا .. من كل محافظة ومن كل قرية .. ويحقق معهم حتي أصبح امام قضاة التحقيق خريطة تبين لهم أسماء من قاموا بالتعذيب في الأماكن المختلفة وأدوات ووسائل التعذيب .. وكيفية التعذيب والإصابات وخطوط سير التعذيب .. حتي تتضح للقضاة الحقائق التي تعرض لها مئات الضحايا .. حينئذ يستقر في ضمير القاضي مدي كان التعذيب حتي إذا جاء أمامه صاحب شكوي وعرف أنه تعرض للتعذيب في مكان كذا .. عرف القاضي من الذين قاموا بالتعذيب .. وأنه استعمل معه كذا وكذا من أدوات التعذيب .. لأن هذا الجمع الغفير من هؤلاء الضحايا قد أتوا من محافظات مختلفة وقد تواترت أقوالهم .. لا يمكن أن يتفقوا علي الكذب .. أضف إلي ذلك الشهود .. والإصابات .. إلي غير ذلك من الشواهد والقرائن .. والأدلة .. ومن هنا صدرت الاحكام العادلة .. وأحسَّ الناس ان في مصر قضاء وسلطة قضائية مستقلة .. بخلاف الأحكام التي حوكم بها الضحايا .. بالإعدام ، بالمؤبد .. بالسجن .. والتي كانت تغطية للتعذيب .. فشتان بين قضاء تابع للسجان وقضاء يعمل في حرية .. قضاء ومحاكم استثنائية وقضاء ومحاكم عادية ..

ثبوت التعذيب : والتعذيب ثابت من جهات مختلفة وتعرض له أشخاص كثيرة ومن هنا نحيل إلي ما ذكرته في التعقيب والتعليق علي التعذيب والتلفيق فيما سبق .

والتعذيب ثابت كذلك فيما كتبه المسئولون في مقالات أو في شهاداتهم أو في مذكراتهم وكذلك ما كتبه غيرهم من الكتاب والمفكرين الذين هالهم هذا الأمر وتحدثوا وكتبوا عنه ، ونذكر امثلة من ذلك باختصار وتصرف .

1 ـ ما كتبه السادات رئيس الجمهورية الأسبق في كتابه ( البحث عن الذات ) حيث قال في ص 206 : مجموع الشعب كان يفتقد شيئًا هامًا في حياته .. وهو الحرية .. فعندما يكون الإنسان غير آمن علي نفسه لا يمكن أن يعوضه شيء .. هذه حقيقة لم يدركها عبد الناصر إلي أن مات .. هذه حقيقة أخري وهي الإحساس بالحاجة إلي الحرية والأمن .

وفي ص 215 سمعت قصصًا رهيبة كلها عن امتهان السلطة للإنسان المصري ، والقيم التي نشأ عليها .

وفي ص 288 كان يجب علي عبد الناصر أن يعطي للشعب المصري بعد 1956 حريته كاملة ولكنه لم يفعل .

وفي ص 289 وهكذا أصبح الناس مساخيط ، وأصبحوا دمي في أيدي حكامهم .. كانت أرزاق الناس كلها ملكًا للحاكم ، إن شاء منح وإن شاء منع .. لا يقول الناس كلمة تختلف عما يقوله الحاكم وإلا اعتقلوا أو صودروا في أرزاقهم .

2 ـ وقال رئيس الجمهورية الأسبق محمد نجيب في ( كلمتي للتاريخ ) في ص 239 بدأ عهد الإرهاب واعتقل الآلاف من شباب مصر ، وزج بهم في السجون وأهدرت آدميتهم وتعرضوا للتعذيب بأحدث آلات التعذيب .. تعذيب وحشي لم تعرفه مصر ، ولم يسمع به العالم ..

3 ـ النائب العام يؤكد وقائع التعذيب : فقد كتب رياض سيف النصر بجريدة الوفد 29 / 9 / 1986 تحت عنوان : عجلة التعذيب تدور داخل السجون ، فقد اعلن المستشار محمد الجندي النائب العام إحالة 41 ضابط شرطة و 4 مساعدين إلي محكمة الجنايات بتهمة التعذيب لحمل المتهمين علي الاعتراف وإحداث إصابات مختلفة أكدتها تقارير الطب الشرعي ، ومما جاء فيه : والذين يديرون التعذيب .. يعتقدون أن ذاكرة الشعب ضعيفة وأن جرائمهم ستظل في دائرة الكتمان ، ولذلك يتمادون في جرائمهم دون خوف .. ومن هنا تأتي أهمية فتح ملفات التعذيب .

وقال : إننا ندافع عن القاعدة القانونية التي تقول : إن المتهم برئ حتي تثبت إدانته ، وأنه لا ينبغي إهدار آدمية الإنسان أبدًا .

4 ـ محافظ المنوفية تكلم عن التعذيب في حادث مذبحة كمشيش وقت أن كان محافظًا للمنوفية .. فقد سبق أن ذكرنا ذلك تحت عنوان : التعذيب الجماعي : مذبحة كمشيش .

5 ـ مذبحة كرداسة .. وقد كتب عنها سامي جوهر في ص 63 .. وعن التعذيب والإهانة والإذلال .. والتلفيق .

6 ـ وعن تعذيب حسن دوح كتب مصطفي أمين في الأخبار العدد 8630 السنة 18 يوم : 10 / 2 / 1980 : كان زميلي حسن دوح المحرر في أخبار اليوم .. وقد حكمت المحكمة لحسن دوح بتعويض 30 ألف ... [ ج : جـ 2 / 375 ] .

وعن الكتب التي صدرت عن التعذيب : لا نستطيع إحصاءها ولكن نذكر منها :

  1. أسرار الضباط الأحرار .. الصاغ حسين حمودة .. وكان في أوائل الأربعينات من القرن الماضي زميلاً لـ عبد الناصر وكانا في خلية واحدة في الإخوان المسلمين .. وتكلم عن التعذيب في ص 108 ، ص 143 .
  2. موسوعة الدكتور أحمد شلبي في المجلد رقم 9 ..
  3. ( سنة أولى سجن ) و ( سنة ثانية سجن ) للكاتب المعروف مصطفي أمين .
  4. في الزنزانة المستشار علي جريشة والذي تعرض للتعذيب وحكم عليه ثم لما تغيرت الظروف رفع دعوي وحكم له بالتعويض مع إدانة التعذيب وإدانة عهد ونظام .
  5. سنوات الهوان . إبراهيم سعدة .
  6. أحداث صنعت التاريخ . محمود عبد الحليم 3 أجزاء .
  7. مصطفي أمين والفخ . فاروق فهمي .
  8. الموتى يتكلمون . سامي جوهر .
  9. أيام من حياتي . زينب الغزالي .
  10. 25 عامًا في الإخوان . حسن دوح .
  11. عندما غابت الشمس . عبد الحليم خفاجي .
  12. البوابة السوداء . أحمد رائف .
  13. سراديب الشيطان . أحمد رائف .
  14. صفحات من التاريخ ، حصاد العمر . صلاح شادي .
  15. جمال عبد الناصر . أحمد أبو الفتح .
  16. حوار وراء الأسوار .. جلال الدين الحماصي .
  17. سنوات عصيبة . النائب العام المستشارمحمد عبد السلام .

لقد صدرت هذه الكتب وغيرها .. تثبت وتوثق التعذيب والتلفيق .. وقد ذكرنا بعضها .. ونذكر كذلك الآتي :

(1) ثبوت التعذيب في تحقيات النيابة :

وفي كتاب : ( سنوات عصيبة ) للنائب العام محمد عبد السلام يقول تحت عنوان : حوادث التعذيب ص 135 : سبق أن قررت أن البلاغات علي النيابة العامة إنهالت متضمنة وقائع تعذيب حدثت في السجون والمعتقلات .. وقد خصصت لذلك عددًا من رؤساء واعضاء النيابة .. قيدت تحت رمز ( ع . ت ) أي عرائض تعذيب ، أرقامًا مسلسلة ، مع ندب اطباء مصلحة الطب الشرعي للكشف عن وجود إصابات .. وكانت الحصيلة أكداسًا من البلاغات وأوراق التحقيق والتقارير الطبية مما يثير الأسي ويسجل ان البلاد كانت تحكم حكمًا ظالمًا استبداديًا .

وفي ص 138 يقول : جاءني في التحقيقات رقم : 38 و 90 ، 117 / 1968 ( ع . ت ) أن الشرطة العسكرية اعتقلوا المواطن محمد نظمي .. وفي السجن الحربي ظلوا يعذبونه أيامًا متوالية ، ضرب بالأيدي وركل بالأقدام .. والوضع في ماء مثلج ، والتعليق في وضع مقلوب .. وكان أثر ذلك الإصابات .. وكسر نتيجة ضرب بجسم صلب ..

وفي ص 138 تحقيقات عن تعذيب برقم 60 ، 93 / 1968 ( ع . ت ) عن أربعة مواطنين ..

وكذا برقم 200 / 1968 ( ع . ت ) عن تعذيب .. وكان الغرض من التعذيب إكراهه علي الشهادة ضد بعض من سموا بالإقطاعيين ..

وفي ص 140 في التحقيقات : رقم 9 / 1968 ثم التحقيق رقم 40 / 1968 عن محمد أحمد ، حافظ داود .. عذبا بالضرب وإطلاق الكلاب عليهم .. وكان الغرض حملهم علي إبداء أقوال غير صحيحة ، ونكتفي بذلك ..

وكان المستشارالنائب العام يذكر أسماء الضباط والعسكر وأسماء الضحايا .. والمكان وآثار التعذيب .. ثم يذكر ، ولعل أبشع أنواع التعذيب ما سجلته التحقيقات .. في قضية الجناية رقم 23 / 1967 أمن دولة عليا المعروفة بقضية كمشيش .. انتهي .

(2) الأحكام التي ثبت فيها التعذيب والتلفيق : وهذه الاحكام منها علي سبيل المثال :

1 ـ الحكم ببراءة الإخوان في سيارة الجيب : وقد سبق الكتابة عنها في [ أحداث : 2 / 294 وصفحات : 96 ] .

2 ـ الحكم بثبوت التعذيب والتلفيق في القضية رقم 3842 / 180 كلي سنة 1972 لصالح مصطفي أمين ضد صلاح نصر مدير المخابرات .. وقد سبق الكتابة عن التعذيب والتلفيق الذي حدث لمصطفي أمين .

3 ـ الحكم في قضية تعويض أهالي كمشيش بإدانة العهد والنظام وثبوت التعذيب والإهانة والتلفيق وهتك الأعراض .. وقد سبق الكتابة عنه .

4 ـ الحكم في القضية 1305 جنايات المعادي . فقد جاء في جريدة الوفد العدد 146 لسنة 3 يوم 25 / 12 / 1986 أن 44 ضابط وصف من الشرطة .. وحضر المحامون ، وتقرر قبول الطعن الخاص بضم أوراق المحاضر بكمال السنانيري وآخرين وبعض المحاضر الإدارية بقسم المعادي وتأجلت الجلسة إلي 24 / 12 / 1987 [ ج : جـ 3 / 230 ] .

5 ـ الحكم في تعذيب وتلفيق للمستشار علي جريشة ، فقد حكمت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الدائرة (6) مدني بالجلسة المدنية المنعقدة يوم الأحد الموافق 30 مارس سنة 1975 تحت رئاسة الأستاذ محمود عبد الحافظ هريدي رئيس المحكمة ضد وزير الحربية ، وشمس بدران وورثة حمزة البسيوني .. وغيرهم من زبانية التعذيب .. وشمول الحكم بالنفاذ ..

وأثبت الحكم التعذيب والإذلال .. والأمر بهدم السجن الحربي .. [ في الزنزانة من ص 117 ـ 156 ] .

6 ـ وجاء في أخبار يوم 24 / 12 / 1976 العدد 7651 لسنة 25 : كتب سامي جوهر إدانة جميع المتهمين في قضية تعذيب ضباط الجيش [ ج : 2 / 372 ] .

7 ـ الحكم بإدانة تعذيب الضابط متقاعد عبد الحميد الذي عذب في السجدن الحربي بتهمة محاولة انقلاب الحكم سنة 1967 .. وحكم له بالتعويض .. وأثيرت في هذه القضية جقائق يندى لها الجبين . [ راجع أهرام : 22 / 2 / 1979 ، ج : جـ 2 / 375 ] .

8 ـ الحكم بإدانة تعذيب حسن دوح ، وقد نشر هذا في أخبار اليوم العدد : 8630 / 28 يوم 10 / 1 / 1980 فكرة ، لمصطفى أمين [ راجع ج : جـ 2 / 373 ] .

9 ـ وجاء في الأخبار العدد 7587 السنة 25 يوم 11 / 10 / 1976 في فكرة بقلم مصطفي أمين ... أنه في يوم 18 / 1 / 1968 أصدر المستشار عبد اللطيف أحمد الضباعني حكمًا من أخطر الاحكام في تاريخ مصر .. سجل فيه أن المتهمين تعرضوا لتعذيب وحشي من جانب الشرطة العسكرية ... وأن اثنين من رجال المخابرات هددا زوجة المستشار ... ونأمل من رئيس الجمهورية أن يضع حدًا لهذا الجهاز الرهيب والذي يمارس ألوان التعذيب علي المواطنين ، وأصبح المواطن غير آمن علي نفسه أو عرضه أو سلامته أو ماله ..

وكان هذا الحكم أحد أسباب مذبحة القضاة .. وكان المستشار عبد اللطيف أحد المستشارين الذين فصلوا من وظائفهم وظل مفصولاً حتي أعاده الرئيس السادات بعد ثورة 15 مايو 1971 [ ج : جـ 2 / 371 ] .

10 ـ حسين الشافعي يدين النظام : فقد جاء في مجلة آخر ساعة بتاريخ 28 / 2 / 1996 ، قال حسين : نحن فقدنا جزءًا كبيرًا من نهضتنا ، لأننا تخلينا عن المنهج الإلهي وذهبنا شرقًا وغربًا نتلمس المذاهب الوضعية والقوانين البشرية وتركنا منهج الله الذي حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم  : " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا كتاب الله وسنتي " [ ج : جـ 2 / 403 ] .

وقد حضر حسين الشافعي مسجد السلام باستانلي بإسكندرية .. وتكلم بعد صلاة الجمعة وقد قدمه الشيخ محمود عيد وقتها فألقي كلمة وكان من ضمن كلامه : ( إنه ليس عربي إلا شرقي أو غربي ) .. وكان المسجد ملئ بالمصلين .

الفصل الثاني : هل يعلم عبد الناصر

كان المدافعون عن عبد الناصر ونظامه .. يروّجون لعامة الناس أن عبد الناصر لم يعلم بالتعذيب في السجون .. فهم يعترفون أنه كان فيه تعذيب .. لكنهم يدافعون .. ويروجون بأنه لا يعلم .. حتي إن السادات قال : في ( البحث ) وأنه يشك أن عبد الناصر كان يعلم ! ثم يقول : لكن لا أعفي عبد الناصر من المسئولية ! وقد ذكرنا ذلك في الباب الثامن .

لكن قال السادات في ( البحث ) في ص 220 : كان واضحًا أن عبد الناصر كان على معرفة بما يجري في البلد .. المشاكل متراكمة .. وما تفعله لجنة الاقطاع بالناس ، وضراوة مراكز القوى .. هذا وقد كتب السادات في البحث في مواضع متفرقة أنه كان فيه تعذيب .. واهدار كرامة المواطن .. والإهانة . [ راجع ص 215 ، ص 289 ] وتكلم كذلك عن الحريات في ص 206 ، 216 وغيرها .

لكن ثبت تعذيب الآلاف .. وكان عبد الناصر يعلم به .. بل كان يحضره .. ويأمر به .. وهذا ثابت من طريق رفاقه من ضباط الثورة وأصدقائه من الصحفيين .. وكذلك من الضحايا الذين سمعوا من العسكر .. ومن ذلك :

1 ـ أن أحمد أبو الفتح كان علي صلة بعبد الناصر وكان الأخير تصل إليه الأخبار فيتصل بأحمد أبو الفتح لينشرها في صحيفته ( المصري ) الأوسع انتشارًا ..

وقد جاء في كتاب : ( جمال عبد الناصر ) لأحمد أبو الفتح ص 518 : أن الاعتداء علي مصر في 1956 قد فتح الباب لتحقيق الثراء الفاحش .. فكل طامع وضع يده علي شركة من الشركات الفرنسية أو الإنجليزية أو اليهودية التي صادرتها الحكومة .. من ذلك قصص تفوق في غرابتها قصص ألف ليلة وليلية .. وكان عبد الناصر أطلق فريق الضباط .. وعلي الرغم من عمله وقناعته بما يرتكب هذا الفريق من أعمال فاضحة فإنه لم يحاول أن يقدم واحدًا منهم إلي المحاكمة ، وقد يظن البعض أن عبد الناصر لا يعرف من أمر هذه الجرائم شيئًا .. لكن هذا الظن مخالف للواقع لأنه وضع جميع أعوانه تحت رقابة جاسوسية كاملة ترفع له التقارير عن كل ذلك .. [ انتهي ] .

وفي ص 410 أبو الفتح : فقد اشترك اثنان من المحامين في المطالبة بالحريات .. فأمر عبد الناصر باعتقالهما .. وفي اليوم التالي للاعتقال طلبني عبد الناصر تليفونيًا وقال : أحمد .. تعرف العساكر عملوا إيه بعبد القادر عودة وأحمد حسين في السجن ؟؟ .. ضربوهما بالأحذية حتي كان صراخهما يسمعه من بالسجن ، وفي مقابلة بعد ذلك قال عبد الناصر لأحمد أبو الفتح : لن أستريح حتي ( يسيح دمه ) يقصد عبد القادر عودة .. وفعلاً عقب حادث المنشية اعتقله .. وقدمه للمحكمة العسكرية .. وصدر الحكم بالإعدام .. وتدخلت الدول .. ورغم ذلك نفذه ... وذلك مثل علي حب عبد الناصر للانتقام .. والتنكيل بخصومه .. [ انتهي بتصرف ] .

وفي ص 392 يقول : وقد أدهشني أن تكون هذه قسوته .. بل إنه يفخر بأنه يتمتع بمثل تلك القسوة .. وذلك في الحديث عن اعتقال فؤاد سراج الدين ..

2 ـ وقال أحمد رائف في كتابه ( سراديب الشيطان ) ص 284 أنه التقي واحدًا من ثوار 23 يوليو 1952 مصادفة في حفل جمعهما .. وعرف أن أحمد كان من ضحايا التعذيب ! ولم يذكر أحمد اسم الضابط وسماه الضابط الثائر .. وقال الضابط الثائر : كان عبد الناصر يعمل حساب الشعب .. ويخشي المظاهرات .. ويقول إنها أقوي من أي سلاح .. وضرب مثالاً علي ذلك ..

وقال أيضًا كان فسادنا أكبر من فساد فاروق .

وقال رائف في ص 287 عن الضابط الثائر التائب : كل الجرائم كانت بعلم عبد الناصر .. كل الجرائم التي ارتكبت بسجون مصر ومعتقلاتها تمت بأمر عبد الناصر ، وبعلمنا جميعًا .. ونحن نخشي أن يصيب الدور واحدًا منا فسيجد نفسه في هذا الأتون لن يرحمه أحد ، وكانت تأتينا أخبار التعذيب كل يوم .. ولا أنسي يوم كان يلقي أوامره إلي أحمد أنور قائد البوليس الحربي .. وكان الضحية هو أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة .. وقال لـ عبد الناصر أمامي وعايزك ( تطرشه الدم ) خلي العساكر تضربه بالجزم ، بعد أن تشبعه أنت الضرب بإيدك ، ومتنساش عمر التلمساني وعبد القادر عودة .. وقد كان ..

وفي ص 302 تحت عنوان : الشعب المصري نمرود ويجب إذلاله .. قال الضابط الثائر : قد سألتني عما كان عبد الناصر يعلم عن جرائم التعذيب التي ارتكبت ، وقد عرفت الحقيقة ، لقد كان هو يمارسها بنفسه .. ثم ذكر حادث كفر الدوار الذي قتل فيه خميس والبقري .. وكان رئيس المحكمة واحد من الثورة اسمه عبد المنعم أمين .. وطلب محاميًا ! ولم يكن في القاعة أحدًا من المحامين .. وكان الصحفي موسي صبري موجود لتغطية أحداث المحكمة .. وكان يحمل ليسانس الحقوق .. فقال له رئيس المحكمة .. ليسانس حقوق تبقي محامي .. وهيا قل كلمتين .. وإياك وكلام المحامين الفارغ !! [ انتهي من ( سراديب ) ص 302 ـ 303 بتصرف ] .

3 ـ وجاء في ( أسرار ) للصاغ حسين حمودة : ص 110 : إن علي شفيق صفوت كان يعذبه .. ويكرر التعذيب حتي تورمت قدماه .. وأصبح جسده كله كلون الكبدة .. وطلبوني لمكتب حمزة البسيوني فوجدت علي صبري وصلاح الدسوقي الششتاوي .. وأخذني علي صبري خارج المكتب وقال : الرئيس عبد الناصر عارف إن موقفك سليم ومفيش حاجة عليك بس عايزك تروح المحكمة تشهد إن محمد نجيب هو المحرض للإخوان ضد عبد الناصر ومجلس الثورة .. ثم أخذوني إلي مجلس الثورة بالجزيرة ، وأدخلت إلي حجرة فوجدت زكريا محيي الدين وزير الداخلية .. وقلت : فيه تعذيب .. فابتسم زكريا محيي الدين وقال وماله يا سيدي لما تتضرب ... [ انتهي بتصرف ] .

فهؤلاء علي صبري .. وزكريا محيي الدين .. كانوا في الوزارة وصلاح كان محافظًا .. فكيف لا يعلم عبد الناصر ؟ . . وهو هنا الذي أمر .. ويريد اعترافًا ملفقًا ! .

4 ـ وفي ص 111 يقول : أنه بعد رجوعه من المحكمة ـ وقال علي غير ما يريدون ـ كان حمزة البسيوني في انتظاره ، وقال له : إيه اللي قلته في المحكمة ده ، لقد جاءت أوامر من عبد الناصر شخصيًا بضربك علقة جامدة علي كده ..

وفي ص 112 من نفس الكتاب : أنه حكم عليه بـ 15 سنة مع الأشغال ... وما كنت أتصور أن يصل الأمر بجمال عبد الناصر إلي هذا الحد من الطغيان والظلم ..

5 ـ وجاء في كتاب ( محاكمات الدجوي ) : لـ أ. شوكت التوني المحامي عن تعذيب أ. محمد شمس الدين الشناوي في ص 392 وما بعدها : خلال عامي 1965 ، 1966 .. أن الشناوي عذب حتي أغمي عليه .. وبعد انتهاء التحقيق .. كان شمس بدران يحقد علي الشيخ الأودن الذي يبلغ من العمر 80 سنة .. فتح باب الزنزانة .. ونادوا عليّ ( الواد شمس الشناوي ) وأخذه إلي وكيل النيابة وكان قد أصدر قرارًا بالإفراج .. فرآه شمس بدران .. فطلبه وقال له : إذا كنت تريد أن تخرج فعليك أن تقول ما أطلبه منك ، يريد أن يعترف علي الاودن وآخرين .. ولما رفضت اتصل بجمال عبد الناصر واستأذنه في عدم الإفراج عنه .. ووعده أنه سيحصل مني في تلك الليلة علي اعترافات تدين الأودن .. ثم عذبه حتي فقد الوعي .. ولما رأي إصراره علي موقفه وأنه يشرف علي الموت .. قال شمس بدران  : أقول للراجل إيه وأودي وشي منه فين .. وكان التعذيب بوحشية وكانوا يفوّقوني بالكي بالنار .. فإذا أفقت بدأت المساومة .. ثم كانت الشتائم والسباب ويقذف بسلسلة مفاتيحه الذهبية .. ويردد ( كسفتني يا ابن ........ ) .. ( أقول للراجل إيه بعد ما وعدته ) .. كان الموت أهون عليّ .. يدعونني إلي شهادة زور يُقتل بها رجل فاضلاً وشيخًا كبيرًا .. وكان يحضر الشناوي في ذلك الوقت الحديث الشريف : " شاهداك قاتلاك " . وقد سبق ذلك في اعذيب الشناوي المحامي .

6 ـ وجاء في كتاب ( أيام من حياتي ) لـ زينب الغزالي .. قالت في ص 60 تحت عنوان : مندوب رئيس الجمهورية : إنها بعد التعذيب أخذوها إلي مكتب يجلس عليه رجل أبيض طويل القامة .. قال لها : الإخوان لبسوك كل التهمة .. لذا جئت اليوم بنفسي بأمر من الرئيس عبد الناصر حتي نتفاهم وتخرجي معنا ، وسأوصلك إلي بيتك بعربيتي ..

وفي ص 104 قالت : جاء رياض ـ أحد أقطاب التعذيب ـ  : تريدين أن تكوني قديسة ؟ الجنود الذين أعددناهم لك ذهبوا إلي المستشفي ، وغدًا سينهشو لحمك نهشًا ، في المستشفي حقنوهم وأصبحوا كالكلاب المسعورة .. وإنها إوامر عبد الناصر .. لن يتركك أبدًا .

وفي ص 143 تقول زينب : إنها بعد التعذيب ، أغمي عليها .. ثم أفاقت .. وهي ما زالت علي الأرض جثة هامدة .. إنهم أسعفوني ، وبصعوبة شديدة حاولت النظر في الحاضرين فإذا بجمال عبد الناصر يتكئ علي كتف عبد الحكيم عامر ويمسك في يده نظارة سوداء .. وعندما رأيت عبد الناصر وعبد الحكيم نسيت آلامي ..

7 ـ وفي ص 166 من ( ق ) أن حمزة البسيوني وقف خطيبًا ، إنه كان من رأيه شخصيًا إعدام جميع الإخوان حتي لا يبقي أحد ، ولكن صاحب القلب الكبير ـ يقصد عبد الناصر ـ رفض اقتراحه ..

8 ـ هذا وقد كانت الشكاوي الكثيرة ترسل إلي عبد الناصر ومجلس الشعب ومسئولين .. عن التعذيب للإفراج عن ذويهم .. وعلي سبيل المثال : ما نشر في جريدة الأخبار العدد 7497 لسنة 25 يوم 28 / 6 / 1976 .. وما نشر في أخبار يوم 6 / 2 / 1975 وذلك عما كتبه توفيق الحكيم إلي عبد الناصر عن شكوي الشاعر عبد الرحمن الشرقاوي أخو عبد المنعم الشرقاوي عن تعذيب الأخير ، وكتب الحكيم إلي عبد الناصر ( إن التعذيب لطخة في جبين العهد ووصمة لا يمكن الدفاع عنها .. ) [ ج : جـ 3 / 50 ] .

والأخبار العدد 7311 لسنة 24 يوم 24 / 11 / 1975 .. وجاء في هذا العدد : هل صحيح أن القيادة العليا .. لا تعلم شيئًا عما يجري لآلاف المواطنين علي أيدي زبانية الجحيم ؟ والمذابح والفظائع ؟ .. إنهم كانوا يأمرون باستيراد أحدث أدوات التعذيب ، بالعملات الصعبة التي كانت البلاد أحوج إليها في ذلك الحين [ ج 3 / 50 وما بعدها بتصرف ] .

وجاء في الأخبار العدد : 7497 لسنة 25 يوم 28 / 6 / 1976 أن الدكتور وحيد حامد بعث رسالة إلي رئيس مجلس الشعب .. وفيها : أنه لا شك أنك وأعضاء مجلس الشعب تتابعون بشيء من الاهتمام ما تنشره صحفنا يوميًا عن وقائع التعذيب فيما قبل ثورة التصحيح ، عن إخوان مسلمين وشيوعيين .. وغيرهم مواطنون كانوا يشغلون أعلى المناصب القضائية ، ومن العسكريين من أحرزوا فيما بعد بطولات في حرب أكتوبر 1973 .. هؤلاء وأولئك جميعًا أفرادًا وجماعات ، تعرضوا لأشكال مختلفة من التعذيب يندي لها الجبين علي أيدي سفاحين عتاة ، تجردوا من أبسط معاني الإنسانية ، يشرف عليهم رؤساء .. ماتت ضمائرهم .. والمطلوب تشكيل لجنة للتحقيق في تلك المآسي المتصلة بالحرية الشخصية ، وبأغلي ما لدي الإنسانية من قيم .. حياته وعرضه .. والمطلوب ليس الفصل في دعاوي فردية ، بل النفاذ إلي لب الموضوع وجوهرة .. بتقصي كيف تحولت بعض أجهزة الدولة إلي أدوات لتعذيب المواطنين حتي الموت في السجن الحربي .. وسجن القلعة .. وطرة ، وأبو زعبل ومبني المخابرات العامة بكوبري القبة .

وأصبح التعذيب جزءًا من نظام الحكم .. وكيف نؤّمن المواطنين في الوقت نفسه ضد تكرار مثل هذه المآسي مستقبلاً .

وفي نفس العدد : أصدرت محكمة مصر الابتدائية حكمها بتعويض 15 ألف جنيه للمحامي حافظ موسي ـ عقيد متقاعد بالقوات المسلحة ـ لما أصابه من أضرار مادية وأدبية نتيجة تعذيبه في سجن أبي زعبل .. [ انتهي مختصرًا من ج : جـ 3 / 47 وما بعدها ] .

الباب العاشر

تحريم وتجريم التعذيب

(1) تمهيد :

إن الله تعالي خلق الإنسان وكرّمه ونهي عن تعذيبه وإهانته وامتهان كرامته ، ومن هنا حرم التعذيب وجعله جريمة توجب العقاب والقصاص .. وجاءت القوانين كذلك باحترام الإنسان وتكريمه وحرمة ماله وعرضه ..

والتعذيب درجات بحسب السبب .. واخطر درجات التعذيب أن يكون لشخص برئ مع العلم ببراءته ولحمله علي اعترافات كاذبة ويليه إذا كان التعذيب بالظن في ارتكاب جريمة .. ثم يكون للإهانة فهذه حالات :

1 ـ أن يقوم بتعذيب شخص برئ وهو يعلم أنه برئ لحمله علي اعتراف بجريمة لم يرتكبها ولم يفكر فيها .. وذلك هو الاعتراف الكاذب .. إما ليعترف علي نفسه كذبًا فيحاكمه الظالم .. وإما ليعترف علي غيره زورًا وبهتانًا فيحاكم هذا البرئ علي جريمة بسبب شهادة الزور .. أو يعاقبهما معًا في قضية واحدة ! وهذا يعتبر إثمًا وبهتانًا عظيما ..

وقد تقع جريمة ولا يعرف مرتكبها فيقبض علي برئ ويعذبه ليعترف بالجريمة التي لم يرتكبها وذلك تحت التعذيب !! وهذا أيضًا من البهتان ..

يقول تعالي : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } [ الأحزاب : ] .

والأذى يكون بالأفعال والأقوال القبيحة كالبهتان والكذب الفاحش .. والمعني : أنهم ينسبون إليهم ما هم برآء منه وما لم يفعلوه ، فمن البهتان أن ينقل عن المؤمن والمؤمنات ما لم يفعلوه .

والبهتان من البهت : بأن نقذفه بذنب وهو منه برئ فرمي البرئ بهت ومنه قوله تعالي : { وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } [ النساء : 112 ] .

والغيبة : أن تذكر أخاك بما يكره وإن كان فيه ، فإن لم يكن فيه .. فذلك البهتان ..

وقوم بُهُت أو بُهْت ، جمع بهيت كقضيب وقضب ، وهو الذي يبهت السامع بما يفتريه عليه من الكذب وكان من بنود بيعة النساء { وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } [ الممتحنة : 12 ] .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم  : " أيما امرأة أدخلت علي قوم من ليس منهم فليست من الله في شئ ، ولن يدخلها الله جنته ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه الله علي رؤوس الأولين والآخرين " [ رواه أبو داود ] .

والمعني : أدخلت علي قومها بالانتساب الباطل .. فليست من دين الله أو رحمته في شئ ولن يدخلها الله جنته مع المحسنين بل يعذبها ويؤخرها ما شاء .

أما من يعذب بما لا يطيق واكره علي أن يقول بلسانه كلمة الكفر كقوله تعالي { إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } [ النحل : 106 ] .. فلا شيء عليه إذا كان مطمئنًا بالإيمان .

قال القرطبي : أجمع أهل العلم علي أن من أكره علي الكفر حتي خشي علي نفسه القتل أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان .. والآية نزلت في عمار بن ياسر فقد عذبه المشركون حتي سبّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ، ولما اشتكي عمار إلي رسول الله قال له : " إن عادوا فعد " ..

وقال ابن كثير : والأفضل والأولي أن يثبت المسلم علي دينه ولو أفضي إلي قتله ، وضرب مثلاً بالصحابي ابن حذافة السهمي .. [ راجع ابن كثير في تفسير آية النحل ] .

فالذي يكره بالتعذيب والتهديد بالقتل قد يقول ما لا يرضي ولا يطمئن قلبه به أي يقول شيئًا غير الحقيقة وذلك ليرضي من يعذبه ويتخلص من التعذيب .. وقد يثبت علي الإيمان ويفضل أن يموت علي أن يقول كلمة الكفر .. مثل بلال الحبشي ، وحذافة السهمي وغيرهم .. [ راجع : تفسير ابن كثير للآية السابقة ] .

2 ـ أن يقوم بتعذيب شخص بالظن أنه ارتكب جريمة أو ليعترف علي شئ بدون بينة أو دليل من ذلك أنه في غزوة بدر ، بعث النبي صلى الله عليه وسلم استخباراته لمعرفة أخبار جيش المشركين بمكة .. فذهبوا إلي ماء بدر فوجدوا غلامين يستقيان لجيش مكة ، فألقوا عليها القبض وجاءوا بهما إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة ، فاستخبرهما القوم ، فقالا : نحن سقاة قريش بعثونا لنسقيهم من الماء ، فكره القوم ورجوا أن يكونا لأبي سفيان [ لما علم أبو سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يعترض عير قريش ليغتنمها عوضًا عما أخذه المشركون من المسلمين في مكة قبل الهجرة . اتجه إلي الساحل وفلت من جيش النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان ظن الاستخبارات أن هذين الغلامين لابي سفيان .. وقد أرسل أبو سفيان لأهل مكة بخروج النبي صلى الله عليه وسلم فجهزوا جيشًا لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم .. وكانت الاستخبارات تريد الغنيمة فهي أسهل عليهم من قتال جيش مكة ، الذي لم يستعدوا له ! ] .

فضربوهما موجعًا حتي اضطر الغلامان أن يقولا : نحن لأبي سفيان فتركوهما ..

ولما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال لهم كالعاتب : " إذا صدقاكم ضربتموهما ، وإذا كذباكم تركتموهما ، صدقا والله ، إنهما لقريش " ، ثم خاطب الغلامين قائلاً ، " أخبراني عن جيش قريش " ، قالا هم وراء هذا الكثيب .. فقال لهما : " كم القوم ؟" قالا : كثير ، قال : " ما عدتهم ؟ " قالا : لا ندري ، قال : " كم ينحرون كل يوم ؟ " قالا : يومًا تسعًا ، ويومًا عشرًا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القوم بين التسعمائة والألف ... " فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلي الناس وقال : " هذه مكة ألقت إليكم أفلاذ كبدها " ..

وهكذا استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستخلص الحقيقة بأسئلة غير مباشرة ودون ظلم أو تعذيب .

والتعذيب بالظن ممنوع لقوله تعالي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } [ الحجرات : 12 ] .

وللحديث : " إن الظن أكذب الحديث " ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا ظنتت فلا تحقق " .

3 ـ أن يقوم بتعذيب شخص أو جماعة لمجرد الإهانة والإذلال والانتقام وهذه جريمة ..

4 ـ أن يقوم بتعذيب متهم قامت القرائن والشبهات علي ارتكابه الجريمة وهذا ظن ويعتبر المتهم برئ حتي تثبت عليه الجريمة .. أما من قامت ضده الأدلة .. فهذا مختلف في تعذيبه بين العلماء والراجح عدم تعذيبه ..

(2) آراء الفقهاء في التعذيب :

يرى بعض الفقهاء جواز تعذيب المتهم لحمله علي الاعتراف استدلاً بما قال علي رضي الله عنه للمرأة التي كانت تحمل خطاب حاطب بن بلتعة إلي المشركين عن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم فقد هددها علي بقوله : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب ..

وبعض الباحثين اليوم ينسب هذا الرأي إلي الإمام مالك .. وهذا لا دليل عليه ..

والحق الذي عليه الأئمة الأربعة وجمهور العلماء أنه لا يجوز تعذيب المتهم الذي لم تثبت عليه الجريمة ببينة وأدلة شرعية كافية حملاً له علي الإقرار ، فالمتهم برئ حتي تثبت إدانته .. أما خبر المرأة التي أرسلها حاطب إلي مكة ، وتهديد عليّ لها ، ليس من هذا في شيء .. ذلك لأن اتهامها دل عليه خبر أصدق الناس محمد صلى الله عليه وسلم وهو أقوي في دلالته من الأدلة والاعتراف .. وقد بعث عليًا بهذه المهمة .

وأما الزعم بأن هذا مذهب مالك .. فهو زعم باطل ؛ لأنه جاء في المدونة من رواية سحنون عن مالك قوله ( قلت أرأيت إن أقر بشيء من الحدود بعد التهديد أو القيد أو الوعيد أو الضرب أو السجن ، أيقام عليه الحد أم لا ؟ قال مالك من أقر بعد التهديد أقيل .. وقال : لا أقيم عليه الحد إلا أن يقر بذلك آمنًا لا يخاف شيئًا [ المدونة : 16 / 93 .. وراجع فقه السيرة للبوطي ص 402 ] .

وجاء في نظرية المصلحة : عن فتوي مالك أن من أقر بعد التهديد أقيل .. وأن مالكًا لم يثبت عنه أنه قال بجواز ضرب المتهم أو سجنه ليقر بالجريمة التي ادعي عليها بها ، .. وقال سحنون : إن الإقرار من شخص من أهل التهم في سجن سلطان ، لا يحبس إلا بسبب يستوجب الحبس إقرار صحيح ، ومعني ذلك أنه لو كان الإقرار بعد الحبس لمجرد التهمة ـ وهذا لا يكون من سلطان عادل ؛ لأن السلطان العادل لا يأخذ الناس بمجرد التهم والدعاوي ، بل بقرائن تحيك في النفس وتصلح سببًا لحبس المتهم منعًا لشره وحفظًا لأموال الناس .. فإنه لا يؤخذ به .

ويقول ابن راشد البكري : وشرط الإقرار أن يكون طوعًا وأن يتمادي عليه ، وإن أقر بعد أن هدد فقال مالك : لا يؤخذ به [ راجع : نظرية المصلحة .. حسين حامد ص 163 / 167 باختصار ] .

(3) النهي عن التعذيب : فقد جاءت النصوص بحفظ كرامة الإنسان والنهي عن تعذيبه .. بل جاءت النصوص أيضًا لا بالنهي عن تعذيبه بل بالرحمة به ..

ومن الأحاديث التي جاءت بالنهي عن تعذيب الإنسان .. نذكر منها :

1 ـ حديث البخاري : " ... إن النار لا يعذب بها إلا الله .. " [ البخاري ] ، ولا يجوز تحريق الإنسان أو الحيوان بالنار ولو كان قصاصًا أو عدوًا محاربًا غير مسلم ولو كان في حالة حرب ! .. وفي رواية : " لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار " والنهي هنا للتحريم .

2 ـ حديث مسلم : عن هشام بن حكيم أنه مر علي أناس قد أقيموا في الشمس .. فقال : ما هذا ؟ قيل : يعذبون في الخارج .. فقال : أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يعذب الذين يُعذبون في الدنيا " [ رواه مسلم ] هذا محمول علي التعذيب بغير قصاص أو الحدود أو التعزير وغير ذلك مما نُص عليه .. فلما سمعوا الحديث : " خلوا سبيلهم " .

3 ـ حديث مسلم : عن أبي مسعود قال : كنت أضرب غلامًا بالسوط ، فسمعت صوتًا من خلفي ، فلم أفهم الصوت من الغضب ، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول : " اعلم أبا مسعود " فألقيت السوط من يدي فقال : " اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك علي هذا الغلام " فقلت : لا أضرب مملوكًا بعد أبدًا .

وفي رواية ، قلت : يا رسول الله ، هو حرٌ لوجه الله ، فقال : " أما لو لم تفعل ، للفحتك النار ، أو لمسَّتك النار " .. وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأعتقه " قال : فأعتقته .

4 ـ حديث مسلم : " من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه " ..

5 ـ حديث مسلم : " صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون الناس ... لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " وهذا من معجزات النبوة فقد وقع هذان الصنفان .. وفيه ذم هذين الصنفين ولم يكتف الإسلام بالنهي عن تعذيب الإنسان .. بل الحيوان .. فلا يحبس .. ولا يعذب ..

فقد أمر رسول الله برحمة الحيوان ونهي عن تعذيبه :

1 ـ حديث البخاري ومسلم : " بينما رجل يمشي بطريق ، اشتد عليه العطش ، فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب ، ثم خرج ، فإذا كلب يلهث ، يأكل الثري من العطش . فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني .. فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتي رقي ، فسقي الكلب ، فشكر الله له ، فغفر له " قالوا يا رسول الله : وإن لنا في هذه البهائن لأجرًا ؟ فقال : " في كل كبد رطبة أجر " ! معناه : في الإحسان إلي كل حيوان حتي يسقيه ، ونحوه ، أجر ، وسمي الحي ذا كبد رطبة لأن الميت يجف جسمه وكبده ..

هذه هي حضارة الإسلام التي لم يصل إليها من يزعم الحضارة .. والرفق بالحيوان حتي الآن فالذين يقولون بالرفق بالحيوان لا يتحركون لتعذيب الإنسان ولا لإهدار كرامته .. فحضارة الإسلام سابقة منذ قرون بما لم تصل به الإنسانية حتي اليوم !!

2 ـ حديث البخار ومسلم : " عذبت امرأة في هرة سجنتها حتي ماتت ، فدخلت فيها ـ أي : بسببها النار ـ لا هي أطعمتها وسقتها ، إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " خشاش : هي هوام الأرض وحشراتها .

الحاكم الظالم والحاكم العادل :

1 ـ الحاكم الظالم والتعذيب : التعذيب ظلم لا يقوم به إلا ظالم وكل من القبض والتفتيش والاعتقال وكل ما ذكرناه من التعذيب ووسائله من ضرب وكي بالنار واعتداء علي النفس .. وكذا المصادرة وكل ما يهين الإنسان .. إلا ما كان من قصاص أو إقامة حد من حدود الله .. أما العقوبات التي شرعها الله فهي عادلة وزاجرة بالنسبة لمن ظلم وتعدى .

وإذا كان الظالم قد ارتكب جريمة وهو في امان ! فكيف يفلت من عذاب الله ، وعين الله لا تنم ، وكما قال النبي : ( البر لا يبلي والذنب لا ينسي والديان لا يموت ، اعمل ما شئت كما تدين تدان ) .

ويقول الله تعالي : { وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ } [ إبراهيم : 42 ] .

ويقول تعالي : { وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } [ آل عمران : 178 ] وإن الله يملي للظالم حتي إذا أخذه لن يفلته .

ويقول : { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ } [ البقرة : 165 ] .

والظالم وأعوانه سواء في الجريمة والعقوبة { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ } [ القصص : 8 ] .

والظالم في سكرة ، يظن أن الدنيا اصبحت له .. وينسي أن الأيام دول ، فيوم لك ويوم عليك .

وقد يمكن الله للمظلوم فيقتص لنفسه في الدنيا .. وإذا لم يكن القصاص في الدنيا .. ففي الآخرة : { يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [ غافر : 52 ] .

إن التعذيب كان بزعم تحقيق الأمن ، ولكن تحقيق الأمن إنما يأتي بإقامة العدل وليس العكس وإن العنف يولد العنف والإرهاب يولد الإرهاب .. لأن طبيعة الإنسان أن يدافع عن نفسه وينتقم .. وهو الدفاع الشرعي ولا بد من مقابلة الاعتداء بمثله .. { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 194 ] ، .. وهذه هي الفطرة .. لكن مقابلة العنف بالعنف ضد الدولة لا يقره قادة الإخوان المسلمون ، فقد استفزت حكومات ما قبل الثورة بعض الشبابب ، فتحمس لأعمال كانت خارجة عن تعليمات القيادات الإخوانية ولم ترضي عنها بل أدانتها .. ولما أصدر النقراشي باشا أمره بحل الجماعة واعتقال زعماء الإخوان وعودة الإخوان من فلسطين ونزع السلاح منهم ومعاملتهم أسري حرب .. كان موقف المرشد حسن البنا بعدم مقابلة ذلك بالعنف ؛ لأن دعوة الإخوان سلمية عالمية .. إن الظالم لا يحقق الأمن لنفسه بالتعذيب .. إنما هو في خوف وقلق .. يحسب كل صيحة عليه .. فإذا أراد الأمن فعليه بالعدل وصدق من قال لعمر بن الخطاب : حكمت فعدلت فنمت فأمنت يا عمر ..

ومع ذلك ، فإن باب التوبة مفتوح .. وإلا كان العذاب { فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ المائدة : 39 ] .

(5) مسئولية الحاكم وأعوانه : يقول تعالي : { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ } [ القصص : 8 ] ، الحاكم الظالم مسئول عما يحدث من تعذيب لأي إنسان في ولايته وكذا أعوانه ، فهم الذين ينفذون أوامره .. وهم الذين يقومون بالتعذيب .. ومن هنا فهم شركاء في الجرائم التي ترتكب في حق المواطنين ، إذا كانوا راضين عن ذلك غير مكرهين .. وإذا أكره علي قتل برئ فلا يجوز .. فإذا اكرهوا علي ضرب الأبرياء وهم غير راضين .. فإنهم إما يمتنعوا عن تنفيذ هذه الجريمة .. وإما يقوموا بطريقة ما بمحاولة التعذيب شكلاً فقط .

وقد كان في المعتقلات من يضرب .. لكن لا يصيب الضحية .. ويقول له : اصرخ ؛ لأنه يريد أن يُسمع القيادة ذلك .. وقد كان هنالك تسجيل يسمعه الظالمون .. ومنهم من كان لا يؤذي المعتقل بل يرحمه ويشفق عليه ..

من ذلك أن الجندي رشاد كان من بلدة الفيوم ، وكان يعرف الدكتور محمد عامر وفضله وكرمه فلما رآه في السجن الحربي تعجب لذلك !! .. ورأي تعذيبه وأنه كان لا يستطيع المشي علي رجليه من العذاب .. حمله ليذهب إلي الزنزانة .. ورآه الامباشي .. فضربه ضربًا مبرحًا علي ذلك .. ! .

وجمال فؤاد كان دكتور الوحدة الطبية في ميت عقبة قبل القبض عليه في سنة 1965 ، وجاء أحدهم يستغيث ؛ لأنه والدته مرضت وذهب بها إلي الأطباء .. فلم يرضي أحد منهم إسعافها .. وكان ذلك بعد منتصف الليل .. ولما طرق باب الدكتور جمال فاهتم بها كأنها والدته وأسعفها بل واشتري الدواء لها .. وكان المستغيث جنديًا بالسجن الحربي .. ولما رأي الدكتور جمال فوجئ به .. لم يصدق .. فكان يخدمه سرًا لأنه صاحب فضل عليه [ ومن فضل الله على الدكتور جمال فؤاد أنه خطب فتاة ، قبل الاعتقال ، وكان يؤكد أنه سوف يرزق منها بـ هشام وأروى .. ولما خرج من المعتقل ، عقد عليها وأنجب منها هشام وأروى فعلاً .. ومنذ السبعينات لم أعرف عنه شيئًا بعد ذلك ] .. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان .

وكان صفوت الروبي من ملوك التعذيب في السجن الحربي وكان يعرف ناسًا من الإخوان من الإسكندرية ( ص . ع ) .. فكان يتغاضي عن تعذيبه وإهانته ..

وجاء في جريدة آفاق عربية 24 من شوال 1424 هـ 18 / 12 / 2003 م ما ملخصه أن بعض ضباط أمن الدولة ذهبوا إلي ليمان أبي زعبل للقيام بالتعذيب ، فاعترضهم بعض الضباط الذين وردت أسماؤهم في القضايا ومنعوهم .. فشكوا إلي اللواء حسن أبو باشا .. وتقابل حسن مع اللواء مدير المباحث حسن طلعت الذي أعطي أمر المنع من تعذيب المسجونين .. وتمر الأيام ويعين أبو باشا وزيرًا للداخلية بدلاً من النبوي إسماعيل .. وفي أول حركة للشرطة تخلص من الرجل العظيم حسن طلعت .. ولما سئل الوزير عن ذلك قال : تريدون أن تمدوا خدمة هذا الضابط .. إنه لا يصلح أن يكون ضابط شرطة .. هكذا ، من يحترم كرامة الناس لا يصلح أن يكون لواء شرطة !! وهكذا يبتلي الشعب ..

ويحكي حسن دوح في كتابه ( 25 عامًا في جماعة الإخوان المسلمين ) ص 90 وما بعدها : عن تعامل بعض العسكر مع الإخوان وأن منهم من كان علي غباء وقسوة .. ومنهم من كان مؤدبًا ..

فيذكر الصول علي شلقاني الذي كان يستمتع بقدر وافر من الإجرام والغباء والجهل .. ثم ذكر التعذيب والمعاملة السيئة اللا أخلاقية .. ثم يقول : إنه معذور لأنه آلة تنفيذية يؤمر فيستجيب للأمر !! وليس معني هذا انني ألتمس له عذرًا في تعذيب المسجونين ؛ لأن التعذيب لا يقره القانون أو الدين ، والمطلوب منه أو من غيره أن ينفذوا إرادة الحاكم .. وإذا لم ينفذ سيجازي من رؤسائه .. وكان معهم عسكري يرفض التعذيب .. فنقل إلي مكان آخر ..

ثم يذكر حسن دوح بعض جنود السجن الحربي ممن مستهم الإنسانية .. كانوا يتحايلون للإفلات من تعذيبنا وكان جزاؤهم الإبعاد وحرمانهم من مكافآت هزيلة .. ويقول : وقد صادفنا مثل ذلك في معتقل سنة 1965 ولقد سمعت بأذني أحد مخبري المباحث وهو يدعو الله علي زميل له كان يشتد في تعذيبنا ، كان هذا المخبر يضرع إلي الله ان يخلصه من العمل المشين ويدعو .. فيقول : أنا يا رب مش عاوز بدل الإجرام اللي بيدوه لنا ، الله الغني .. وهذا نقل إلي جهاز أمن إحدي الشركات .. كما علمت أن أحد ضباط المباحث اعتقل لأنه اقتنع بما يدعوا إليه شباب التبليغ .. وفي معتقل أبو زعبل لمست تعاطف بعض ضباط البوليس معنا فكانوا يحاولون جهدهم التخفيف عنا ومساعدتنا ، لقد أبكاني أحد الضباط في السجن وهو يناديني بصوت خفيض وأنا في أبو زعبل وقد تورمت قدماي مش عاوز حاجة يا ( أستاذ حسن ) ثم عرض علي لشراء رداء لي علي حسابه ، هذا الضابط الإنسان أخشي أن أذكر اسمه ولا أملك إلا أن أدعو له بالخير والبركة .. [ انتهي بتصرف ] .

2 ـ الحاكم العادل : الحاكم العادل يخشي الله ويكره الظلم والاعتداء والتعذيب وهو يختار الولاة وأعوانه ممن يقيمون العدل .. وهو كذلك يحاسبهم إذا ظلموا .. ويسمع شكوي المظلوم ..

فقد روي ابو داود عن فراس قال : خطبنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال : إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم ، فمن فُعل به ذلك فليرفعه إليّ أقصه منه ، قال عمرو بن العاص ، لو أن رجلاً أدب بعض رعيته أتقصه منه ؟ قال : إي والذي نفسي بيده أقصه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقصّ من نفسه !

وفي حديث الإمام أحمد بزيادة : " ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنة نبيكم فمن فُعل به شيء .." ، وفيه : " ألا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تجمرونهم فتفتنونهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفرونهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم " ..

ولا تجمروهم : تجمير الجيش ، جمعهم في الثغور وحبسهم عن العودة إلي أهلهم ، ولا تنزلوهم الغياض : من غاض ، تنقص وغاض ، اجتماع الماء فينبت فيه الشجر أي لا تنزلوهم الأماكن المليئة بالماء والشجر .. وغيض من فيض : قليل من كثير .

أما الشكاوي فكانت تصل إلي عمر بن الخطاب بعضها من الجنود وبعضها من أهل البلاد من الأقباط ، مما دعا عمر رضي الله عنه إلي استدعاء عمرو بن العاص لمعاتبته بل وأحيانًا لمعاقبته ، ومن ذلك ما تقدم به أحد المصريين ضد ابن لعمرو بن العاص ضربه بالسوط مما جعل عمر بن الخطاب يستدعي عمرو وابنه ثم يأمر المصري بالقصاص من ابن عمرو ، ويقول له : لو ضربت أباه عمرو لما حلنا بينك وبين ذلك .. والتفت عمر إلي عمرو وقال قولته المشهورة : متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارًا ومثل هذا كثير .. [ راجع الفاروق ـ الصلابي ص 384 ] .

الباب الحادي عشر

الدعوة السلمية وعدم الانتقام

أولاً : الدعوة الإسلامية دعوة سلمية

وهي دعوة الله الذي من أسمائه سبحانه السلام المنزه عن كل عيب وسلمت أفعاله من كل شر ، الذي يحقق السلامية في الكون ووضع السلامة والامن في الحياة { الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } [ الأنعام : 82 ] والله جعل للمؤمن دار السلام { لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الأنعام : 127 ] { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ يونس : 25 ] لا وصب فيها ولا نصب .. ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .. ودعوة السلام تحقق السلام للفرد ، وللجماعة ، وللعالم ..

ودعوة الإسلام ربانية ، بدأت بعيدة عن العنف .. والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده .. وهي دعوة تخاطب الفطرة السليمة والوجدان والعقل السليم .. منطلقة من قوة الإيمان والحجة والبرهان وقوة الإقناع ، تبين الحق من الباطل لا تملك القوة المادية لرد العدوان ، فهي تتعرض للإعراض ، والتكذيب والأذى .. وتتحمل ذلك في سبيل الله .. وتعتمد عليه وحده .. وتنتظر الفرج ، وإنما تملك قوة الاحتمال والصمود والصبر على الأذى .. وقوة الحق ، وكلمة الحق .. وهذا جهاد النفس وهو أهم من جهاد الميدان .. وكلمة الحق عند سلطان ظالم من أعظم الجهاد .. وهي كلمة تنطق بالحكمة والموعظة الحسنة .. فقد بعث الله موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون طاغية زمانه { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } [ طه : 44 ] .

ليس لها قوة مادية .. لا تجبر على الإيمان { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } ..

ولا تملك المال والسلطان .. حتى قال المشركون { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] ، ومحمد صلى الله عليه وسلم عظيم ، فهو أزكى الناس خلقًا وعقلاً وقلبًا ونفسًا وأشرفهم نسبًا وهذه القيم العليا هي مقياس العظمة عند الله وعند العقلاء لكن القوم أرادوا المال والجاه .. والآيات الخوارق فمن يتطلع إلى المال أو يطمع في جاه أو سلطان أو الخوارق لا يصمد ولا يصبر على الشدائد والمحن ، ولا يصلح لحمل أمانة الدعوة .. حيث يغريه المال والجاه ..

ولهذا فقد كانت الرسل تقول وتعلن { وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ } [ هود : 31 ] هذا نوح عليه السلام وكذا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ } [ الأنعام : 50 ] وهذا دليل على صدق الرسالة والرسول .. لا يعتمد في نشر دعوته على أي مؤثر .. غير الإقناع العقلي والرضا النفسي والاطمئنان القلبي ، وتوصيل الحق للناس { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] .

ولما كان شعيب عليه السلام لا يملك القوة المادية قالوا له : { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } [ هود : 91 ] .. لا يعتمد على شيء من قوة ، إلا على قوة الله تعالى وقدرته .. فإذا أقام الحجة على قومه .. استخدموا القوة المادية ..

فهذا إبراهيم عليه السلام عندما أقام الحجة على قومه { قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } [ الأنبياء : 68 ] .. وأقام إبراهيم الحجة على قومه { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } [البقرة : 258 ] .. { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } [ الأنعام : 83 ] .. { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ الجاثية : 25 ] .

وموسى أعطاه الله تسع آيات بينات خوارق ، إلى فرعون وملئه .. فجحدوا بها واستكبروا {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } [ النمل : 12 ـ 14 ] ومن أظلم ممن يعلم يقينًا أنها آيات واضحة ثم يزعم أنها سحر ..

ويقول فرعون لقومه : { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } [ غافر : 26 ] .. { فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ } [ يونس : 76 ] .

ونوح عليه السلام لما ألزم قومه الحجة { قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ } [ هود : 32 ـ 33 ] وهود { قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ } [ الشعراء : 136 ـ 139 ] .

فكل نبي يعرض دعوة الله على الناس ويدخل في حوار عقلى مخاطبًا الفطرة فيؤمن له بعضهم ويكفر أكثرهم وهؤلاء يملكون القوة المادية عددًا وعدّة ويكون منهم الاعراض والجحود والتكذيب .. ويحاولون الخلاص من المستضعفين .. { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [ الذاريات : 22 ـ 53 ] .

والتكذيب والجحود والأذى .. يقابله الصبر والاحتمال وانتظار الفرج وهذه سنة الله في الدعوات { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } [ الأنعام : 33 ـ 34 ] ثم يذكر القرآن العظيم أن هذه سنة لا تتخلف ولا مبدل لها { وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ } وهذه أخبار المرسلين .

وفي أول الوحي ، ذهبت خديجة والنبي صلى الله عليه وسلم إلى ورقة ابن نوفل وكان عالمًا شيخًا .. فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم قال ورقة : هذا الناموس .. جبريل الذي نزل على موسى ، ياليتني كنت جذعًا شابًا قويًا حين يخرجك قومك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أومخرجيّ ؟ " قال : نعم ، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي .. ثم بدأ النبي في الدعوة في سرية وتكتم .. تعليمًا لمن يأتي بعده للأخذ بالحيطة والأسباب في ظروف معينة ، في الجهر أو التكتم ، في اللين أو القوة .. حسب مصلحة الدعوة والمسلمين [ البوطي : 91 ] .

ولهذا اجمع الفقهاء على أن المسلمين إذا كانوا في ضعف ، في العدد أو العدة ، ويغلب عليهم الظن بأنهم سيقتلون .. فينبغي أن تقدم مصلحة حفظ النفس .. وحفظ الدين [ البوطي : 94 ] .

وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أقوياء في حمل الامانة وتبليغها وفي صبرهم وتحمل الأذى .. لكن كانوا مستضعفن لا يملكون رد العدوان عنهم .. فهذا خباب يعذب .. ويستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تدعو لنا ألا تنتصر لنا .. ولا يملك نصرهم .. وغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : قد كان من قبلكم .. أي يتعرضون لأكثر من هذا .. ثم لا يصرفه ذلك عن دينه ثم يعدهم النصر من الله تعالى .. ثم يقول : " ولكنكم تستعجلون " .

ويرى النبي صلى الله عليه وسلم آل ياسر يعذبون ويقتلون ويقول : " صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة لا يعدهم بشيء إلا الجنة !! " .

لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة من أحد أن ينتقم من أبي جهل أو أبي لهب ؛ لأنه لم يؤمر بقتال .

وكانت بيعة العقبة الثانية على حماية النبي صلى الله عليه وسلم .. وعلى القتال .. وبعد تمام البيعة قال عبادة بن الصامت : لو شئت لنميلن على أهل منى غدًا بأسيافنا .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لم نؤمر بذلك " .

( ومن رحمة الله أن لا يحمل المسلمين واجب القتال إلى أن تُوجد لهم دار إسلام .. دولة بمثابة معقل يأوون إليه ويلوذون به ) [ البوطي : 173 ] .

( وكان الجهاد في أول الإسلام في فترة الضعف مقتصرًا على الدعوة السلمية من الصمود في سبيل الله وتحمل المحن والشدائد ، ثم شرع القتال الدفاعي ورد القوة بمثلها .. وهذا واجب المسلمين في كل عصر إذا توافرت لديهم القوة والعدة اللازمة [ البوطي : 174 ] .

وحالة الضعف واردة في التاريخ ، فالتاريخ دورات ، والأيام دول والتاريخ يعيد نفسه .. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء " ..

والحديث لا يعني الإحباط ، وإنما كما بدأ غريبًا وانتشر .. سيعود غريبًا ثم ينتشر ، وتكون له الغلبة والقوة .. ثم يعود .. وهكذا .

وفي أحداث سنة 1948 ابتلى الإخوان ابتلاء شديد من حكومة النقراشي باشا بسبب انتصاراتهم في فلسطين .. يقول حسين حمودة في ص 58 وما بعدها : كان الإخوان يحتلون المواقع المحيطة بمستعمرات اليهود .. وصدرت الأوامر بسحب الإخوان من مواقعهم ووضعهم في معسكر رفح ، وبمجرد سحب الإخوان من مواقعهم احتلها اليهود ! ثم احتل اليهود مواقع أخرى .. بسبب الإجراءات الشاذة التي اتخذتها حكومة النقراشي قبيل حل الجماعة في مصر .. وكان الملك يشعر بخطر الإخوان على عرشه ، بعد أن تبين خطرهم في فلسطين .. وقد اشتكى اليهود للإنجليز .. فأوحى الإنجليز إلى الملك بأن حسن البنا يجاهد في فلسطين وسيكون جيشًا ، ثم يجاهد في مصر .. فأمر الملك النقراشي باشا بالبطش بالإخوان واستئصال شأفتهم .

وكان عبد الرحمن عزام باشا قد استدعى الصاغ محمود لبيب ورجاه أن يعمل على تجنيد أكبر عدد من الإخوان لخطورة الموقف في فلسطين ، ولما علم النقراشي بذلك رفض هذه الفكرة .. فقد كان مشغولاً بخطة للفتك بالإخوان وسحب الإخوان من فلسطين ولو أدى ذلك إلى تعريض الجيش للخطر .. وتسليم الأرض لليهود بلا قتال .. وأصدر النقراشي إلى اللواء فؤاد صادق لسحب الإخوان بأسحلتهم وإرسالهم كأسرى حرب إلى المعتقلات في مصر .

وفى ليلة 7 / 12 / 1948 حوصر معسكر الإخوان برفح .. ثم صدر قرار حل الجماعة ، وكان قرار الإخوان البقاء للجهاد مع الجيش .. وأمام هذه الظروف أرسل حسن البنا خطابًا للإخوان يتضمن :

1 ـ لا شأن للمتطوعين بما يجري في مصر ما دام فيه يهودي واحد يقاتل ، فإن مهمتهم لم تنته .
2 ـ أوصى بالهدوء وعدم مقاومة الحكومة في تعسفها حتى لا يستفيد الإنجليز واليهود من الفتنة ؛ لأن الإخوان لو قاوموا الحكومة لتحولت الفتنة إلى حرب أهليه لن يستفيد منها إلا أعداء مصر .
3 ـ أمر الإخوان أن يتحملوا المحنة ويسلموا أكتافهم للسعديين ليقتلوا ويشردوا كيف شاءوا حرصًا على مصلحة شعب مصر ، وإبقاء على وحدة الامة ، وتفاديًا لحرب أهليه .

وصدع الإخوان للأمر .. يُعتقلون ويعذبون .. كانت الحكومة تبرر ذلك بإشاعة أن الإخوان تدبر مؤامرات في الخفاء لقلب نظام الحكم .. وصدرت الصحف المختلفة عن مؤامرات وهمية .. ولم يسمح للإخوان بالدفاع عن أنفسهم .. وفرض التعتيم الإعلامي حتى لا يعرف الشعب الحقيقة في ظل الاحكام العرفية .. وترك الإخوان فلسطين وتغيرت نتيجة الحرب .. [ انتهى من ( أسرار الضباط الأحرار ) من ص 58 وما بعدها بتصرف ] .

وفى رسالة المؤتمر الخامس ص 256 أوصى حسن البنا الإخوان وخاصة المتحمسون ، المتعجلون : اسمعوها عالية داوية ، إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده ، ولست مخالفًا هذه الحدود التي اقتنعت بها بأنها طريق الوصول .. قد تكون طريقًا طويلة ، ولكن ليس هناك غيرها ، إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب ، فمن أراد منكم أن يستعجل الثمرة قبل نضجها .. فلست معه ، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها .. ومن صبر معي حتى تنمو البذرة ، فأجره على الله .. انتهى .

ويقول صلاح شادي في ( حصاد ) ص 130 وما بعدها : وإعداد القوة مطلوب .. والدعوة إلى إعداد القوة لا تعنى بالضروة التخريب وقلب أنظمة الحكم كما كان يدعى الاحتلال البريطاني وأعوانه .. وقد دعا البنا الحكومات إلى توحيد قوتها تحت راية الخلافة .. وليس هذا استعلاء بالقوة على الحق ، وإبراز العضلات هذا يؤدي إلى كبت الحرية عند الناس أو حملهم بالإكراه على التبعية للجماعة ..

ويقول حسن البنا في المؤتمر الخامس .. أما القوة فشعار الإسلام ... وهكذا استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مظاهر الضعف ... وأول درجات القوة العقيدة والإيمان ، ويلي ذلك قوة الوحدة .. ثم بعدها قوة الساعد والسلاح .. [ انتهى من ( حصاد ) بتصرف ] .

ويقول الصابوني في صفوة التفاسير في تفسير { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } [ الأنفال : 60 ] يأمرنا الله تعالى بإعداد القوة لقتال الأعداء .. وإن العدو يطمع بالدول الإسلامية ؛ لأنها تعد القوة .. بل يشتري المسلمون السلاح من بلاد العدو .. انتهى بتصرف .

وجاء في كتاب ( الإخوان والثورة ) ص 72 وما بعدها أن حسن العشماوي قابل يوسف طلعت رئيس الجهاز الخاص ، قبل حادث المنشية .. وكانت قيادات الإخوان بعضهم تحت رقابة البوليس وبعضهم في السجن .. وسمعوا مساء يوم 26 / 10 / 1954 من الراديو خطاب عبد الناصر بالمنشية وإطلاق الرصاصات .. وكان ذلك مفاجأة للإخوان وقال أحدهم : إن أمورًا شاذة تحدث في ظلام لتورطنا واتفقوا أن حادث المنشية أسلوب ساذج مجنون وليس من أسلوب الإخوان .. وقال آخر : إن الحكومة تريد التذليل بنا والإبادة .. وسيتهم الإخوان بأفعال غيرهم لقد كانت الخطة المعدة من الإخوان هي القيام بمظاهرة .. وليس هذا الحادث المفتعل .. ولأن رئيس الإخوان لم يكلف هنداوي .. إن المسافة بين مطلق النار وموقف عبد الناصر ، والميل الشديد في الاتجاه ووقوف عبد الناصر وراء حاجز وذهاب محاول القتل وحده ، ودون شريك يسنده بمسدس أو قنبلة ، وعدم إصابة الهدف من شخص معروف بمهارته في التصويب والحائط المواجه لإطلاق النار ليس به أثر للإصابات .. كما أن قصة الرجل الذي عثر على المسدس وجاء من الإسكندرية إلى القاهرة سيرًا على الأقدام قصة من تأليف البوليس يقول العشماوي : ثم تركنا موضوع الحادث .. وسألت يوسف بصفته المسئول عن الجهاز الخاص ، ماذا تنوون بعد ذلك ؟ .

لم أجد إجابة ولكن يوسف كان يتخوف من أمرين ، التدخل الأجنبي والتشفي ممن داخل السجون .. وقرر يوسف أن يستمر التنظيم .. دون مقاومة .. [ انتهى من ص 72 / 78 بتصرف واختصار ] .

وفي ( صفحات من التاريخ ) لصلاح شادى ص 336 قال : لقد توهم البعض أن الإخوان عندما استمرت بعد حادث المنشية ، في الإبقاء على السلمية ، ولم تتحول إلى المقاومة المسلحة ، كان ذلك إيثارًا منها للسلامة ، أو جبنًا منها عن السعي لخلع عبد الناصر وهذا غير صحيح .. ثم ذكر الحوار الذي دار بين يوسف وحسن العشماوي آنفًا .. [ انتهى بتصرف ] .

هذا وقد أصدر المرشد حسن الهضيبي في معتقل مزرعة طرة كتاب ( دعاة لا قضاة ) ردًا على الفئة القليلة التي مالت لفكر التكفير .. لتصحيح مسار الدعوة وأنها لا تحمل هذا الفكر ولا العنف .

وجاء في ظلال القرآن لسيد قطب ص 712 وما بعدها ، في تفسير الآية { كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ } [ النساء : 77 ] .

لم يؤمر المسلمون بالمقاومة في مكة ، لم يكن مأذونًا بالقتال لحكمة يعلمها الله ، فلما جاء الوقت المناسب ، كتب القتال ، إن أشد الناس حساسية وحماسًا واندفاعًا وتهورًا هم أشد انهيارًا وهزيمة عندما يجدّ الجد .. قد يتهور من ليس عنده قوة احتمال ، والرسول صلى الله عليه وسلم يتريث .. وينتظر .. لأن الفترة المكية كانت تربية وإعداد ، التربية على الصبر ليتجرد عن ذاته واحتمال الأذى .. ضبط للأعصاب فلا يندفع لأول مؤثر ..

الدعوة السلمية أشد أثرًا وأنفذ في مجتمع مثل قريش ، قد يدفعها القتال إلى ثارات ومعركة دموية في كل بيت ويقال إن محمدًا يفرق بين الوالد وولده ، ويتحول الإسلام من دعوة إلى ثارات تُنسى معه فكرته الأساسية والدعوة السلمية تجعل فئة من الناس تنحاز لهم ، وكان عمر بن الخطاب منهم .. انتهى .

وجاء في ( التاريخ مواقف وعبر ) جـ 2 / 63 أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمنع المسلمين من الرد آنذاك على المعتدين ، ويأمرهم بالصبر على الأذى ؛ لأن وضعهم لم يكن يسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم بالقوة ، ولا شك أن وراء ذلك حكم عظيمة .. ثم ذكر كلام سيد قطب آنفًا .

ثانيًا : الإخوان لم ينتقموا

إن الإخوان لم ينتقموا ممن قام بتعذيبهم وإهدر كرامتهم واعتدي عليهم ، وأكرههم علي الاعتراف بتهم لم يرتكبوها ولم يفكروا فيها .. وعندما مضي عهد الظلم والتعذيب وفتح السادات باب التظلم والتحقيق في التعذيب .. تسامح الآلاف منهم ولم يتظلموا ولم يرفعوا دعاوي عما أصابهم .. وبعضهم لم يرفع الدعوي بسبب الخوف الذي سيطر عليهم من أثر سنين التعذيب .. لكن بعضهم رفع الدعوي لمجرد إثبات الظلم والتعذيب .. وهؤلاء حكم لهم القضاء العادل بإدانة النظام والتعويض عن الضرر الذي أصابهم ، بعد أن ثبت للقضاء أن التعذيب والتلفيق كما كان في عهد الملك والاستعمار كان سمة من سمات ذلك النظام .. وقد أشرنا إلي بعض هذه الأحكام ..

والإخوان عامة لم ينتقموا ممن عذّبهم ولم يحدث رد فعل منهم بأعمال عنف قد توصف بأعمال إرهابية ، فكثير من الإخوان قابلوا من عذّبوهم وتحدثوا معهم ولم ينتقموا منهم .. وسيأتي ذلك ..

والسبب في عدم انتقام الإخوان .. أنهم يعلمون أن الابتلاء سنة من سنن الدعوات .. وقد اعتبروا أن ما أصابهم إنما هو في سبيل الله .. فاحتسبوا ذلك عند الله وعسى لهؤلاء المجرمين أن يهتدوا .. وتركوا من عذبوهم لانتقام الله الذي بيده الخلق والأمر ، وإليه يرجع الأمر كله .

والذين أوصلهم التعذيب إلي الموت ، فإن ذويهم لم يرفعوا دعاوي ولم يقتصوا من الجناة ، فقد عرفنا أن الذي يموت من التعذيب يشطب من سجل الوارد أو يكتب أمام اسمه هارب .. وقد رأينا المهازل في ذلك .. بل إن قائد السجن كان يفتخر بأنه لا يستلم المعتقلين بإيصال وأنه لو قتل أحدهم أخذ مكافأة .. وأنه هو الحاكم والقانون والسجان والقاضي .. ولذلك كان يقال : الداخل مفقود والخارج مولود .

فانظر كيف كان الاستهتار بدماء المسلمين .. مسلم يقتل مسلمًا ولا يبالي وقد حرم الله قتل النفس بغير حق .. يقتله ظلمًا وعدوانًا وقد حرم الله ذلك في كتابه في مواضع متفرقة .

قال تعالي : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } [ المائدة / 32 ] .

فمن قتل نفسًا ظلمًا وعدوانًا .. أو استحل قتلها بلا سبب ولا جناية .. لا فرق بين نفس ونفس .. فهذا قد وجب عليه القصاص .. { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } ومن أحيا نفسًا بأن عفا عن قاتل أو أنجي نفسًا من غرق أو حرق أو هلكة فكأنما أحيا الناس جميعًا .. والآية في حادثة هابيل وقابيل ، بسبب قتله لأخيه ظلمًا ، من أجل ذلك كتبنا وفرضنا وحكمنا علي بني إسرائيل أن من فعل منهم ذلك فيستحق القصاص .. وقيل : إنه من حيث أنه هتك حرمة الدماء وسنّ القتل .. والمقصود تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب ترهيبًا عن التعرض لها وترغيبًا في المحاماة عليها .. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ومن سنة سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلي يوم القيامة .. " .

هذا فما بال من يقتل مؤمنًا بسبب إيمانه متعمدًا ذلك .. { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [ البروج : 8 ] فهذا عقوبته من أشد العقوبات ، عقوبات متعددة { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } [ النساء : 93 ] . العقوبة الشرعية والعقوبة القدرية : إذا ظُلم إنسان أو قتل ولم يستطع أن يأخذ حقه في الدنيا حسب شرع الله وما فرضه من عقوبات شرعية كان لا بد أن يلحق هذا الظالم عقوبة قدرية من السماء .. فالعقوبة القدرية تلحق الظالم إذا لم تطبق عليه العقوبة الشرعية .

يقول ابن القيم في ( الجواب الكافي ) ص 98 : وعقوبات الذنوب نوعان : شرعية وقدرية ، فإذا أقيمت الشرعية رفعت القدرية أو خففتها .. ولا يجمع الرب تعالي علي عبده عقوبتين .. وإذا عطلت العقوبات الشرعية استحالت قدرية ، وربما كانت أشد من الشرعية .. والعقوبة الشرعية تخص ، والقدرية تقع عامة وخاصة .. فإذا رأي الناس المنكر فاشتركوا في ترك إنكاره أوشك أن يعمهم الله تعالي بعقابه .. الحديث .

ويقول في ص 103 : والمقصود أن عقوبات السيئات تتنوع إلي عقوبات شرعية وقدرية هي إما في القلب ، وإما في البدن أو فيهما معًا ، وعقوبات في دار البرزخ بعد الموت .. فالذنب لا يخلو من عقوبة ألبتة .. وترتب العقوبات علي الذنوب كترتب الإحراق علي النار ... وقد تقارن المضرة الذنب وقد تتأخر عنه .. فإن تدارك العبد نفسه .. وإلا هو صائر إلي الهلاك .. [ انتهى مختصرًا ] . والواقع التاريخي يشهد بذلك .. وكان هلاك الظالمين والأمم الظالمة بالعقوبات القدرية { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً } [ الحاقة : 5 ـ 10 ] والقرآن مملوء بذلك .

هذا بالنسبة للذي قام بمعصية ولم يتب منها ولم يرجع إلي الله ويندم علي ما فعل واستمر وتمادي في المعاصي والذنوب ، ومنها تعذيب الإنسان ..

أما بالنسبة للضحية المظلوم فلا بد أن يعوضه الله مما فاته بسبب التعذيب وإهانته ومصادرة ماله وغير ذلك .. ذلك لأن الإنسان إذا أصابته مصيبة فاسترجع عندها بأن قال : اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها .. عوضه الله ، ذلك قوله تعالي : { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [ البقرة : 156 / 157 ] .

انتقام الله من الظالم : من أسماء الله الحسني ( المنتقم ) وانتقام الله عقوبة ، والله ينتقم من الظالم ليحد من ظلمه وليريح الناس من ظلمه .. ينتقم ليؤدب وليربي .. وينتقم ممن يشاء .. ويعاقب من يشاء ، لكن إذا انتقم لا يظلم ، ولكن الإنسان إذا انتقم فقد يظلم .. والله يعاقب من يشاء أما الإنسان فلا يستطيع أن يعاقب من هو أقوي منه .. والإنسان قد ينتقم للتشفي .. والله ينتقم ليحقق العدل فيشعر الناس بعدل الله .. ويشعروا بالطمأنينة ..

فإذا كان الظالم يملك القوة .. أو دولة عظمي بيدها سلاح إبادة وتظلم .. وترهب .. وتدمر .. فالله يمهل ولا يهمل .. وهو سبحانه ينذرها ببركان يدمر أجزاء منها فيشرد أهلها .. أو يبعث عليهم الطوفان ـ التسونامي ـ فيشردهم .. عسي أن يتوبوا من المعاص .. إنذار من الله تعالي .. فهذا قارون الظالم .. كان من قوم موسي عليه السلام .. ماذا فعل مع قومه { فَبَغَى عَلَيْهِمْ } .. نصحه العلماء فقالوا له : { وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } [ القصص : 77 ] ؛ لينذروه ويحذروه من بطش الله وانتقامه .. فلم يرتدع ولم يقبل النصيحة .. ماذا كان انتقام الله تعالي { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ } [ القصص : 81 ] .

وفرعون وقومه كذلك : { فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } [ الأعراف : 136 ] .

فالظالم جاهل يعطيه الله من المال والجاه والسلطان .. فلا يشكر وإنما يطغي ؛ لأن الله أعطاه وأغناه .. فالعطاء ابتلاء واستدراج { كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى } [ العلق : 6 ـ 7 ] .. فالمال معه والقوة والسلطة .. يبطش بها .. فيظن أن الله أعطاه لأنه يحبه أو لأنه شخصية فذة وأن هذا ما يستحقه أو أنه حقه .. ولا يشكر نعمة ربه ، بل ينسبها إلي علمه وذكائه .. نسوا الله فأنساهم أنفسهم .. ولا يفكر أنه ابتلاء .. للاستدراج .

قال أحد العلماء : إذا رأيت العبد يعطيه الله علي معاصيه وهو ظالم ، فاعلم أن ذلك استدراج { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [ الأعراف : 182 / 183 ] .

فالاستدراج أن يفتح الله علي إنسان ظالم ، يفتح عليه من المسال والسلطان والجاه .. وكلما ظلم فتح عليه .. يقول تعالي : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الأنعام : 44 ـ 45 ] .

والمشركون في مكة فعلوا الأفاعيل بالمسلمين ، من الأذي والتعذيب .. والصد عن سبيل الله ومحاربة المؤمنين .. والله يقول للرسول صلى الله عليه وسلم : { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ الزخرف : 41 ـ 42 ] .

فالانتقام وارد سواء ننتقم منهم وأنت موجود علي قيد الحياة .. وتري انتقام الله .. وإما لو ذهبت أنت فنحن عليهم قادرون .. ولم يقبض الله رسوله حتي أقر عينه من أعدائه .. ولم يكن نبي قط إلا رأي العقوبة في أمته ، وقيل : ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة ، وما على الرسول إلا التمسك بالقرآن فإنه الحق يهدي إلى الحق وإلي الصراط المستقيم وإن هذه الأمة علي الهداية والطريق .. منصورة بإذن الله ما دامت متمسكة بالقرآن العظيم الباقي علي مرّ الزمن إلي أن يشاء الله ..

والقرآن العظيم ملئ بالانتقام من الظالمين والأمم الظالمة ، ولكن الناس في غفلة ، في ضلالهم وفي طغيانهم يعمهون .

لماذا لم ينتقم الإخوان من الظالمين ؟ : في مكة وفي أول الدعوة لم يأمر الله بقتال ، ولا بالانتصار من الظالمين ، أو الرد علي الاعتداءات ، فقد كان المسلمون يلقون الأذي من المشركين ، ومن العذاب ما لا يطاق وبعضهم لا يحتمل التعذيب فيموت ، وبعضهم يفتن عن دينه .. وقد أمر المسلمون بالكف عن القتال وأن يقيموا الصلاة .. { كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } [ النساء : 77 ] .. فقد كانوا مستضعفين يتحملون الأذي .. ليس لهم دولة ، يتطلعون إلي الخلاص ، مستضعفين ، يبحثون عن مخرج .. وينتظرون النصر ، والفرج من عنده سبحانه .

لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا أن ينتقم من أبي جهل أو من غيره .. وقد كان يمكن ذلك ولعل الحكمة في ذلك أن وراءها أسباب لا نعلمها ... ولعل في ذلك الخير والمصلحة .. ولأن فترة مكة كانت إعدادًا وتربية وضبط أعصاب ؛ ولأن الدعوة السلمية أشد أثرًا وأنفذ .. وقد يدفع القتال إلي مزيد من العناد والثارات الدموية ، ويتحول الإسلام من دعوة سلمية إلي ثارات وقتال ، وحتي لا تكون العداوة في كل بيت في المجتمع الواحد ..

انتقام الله من الذين عذبوا الإخوان المسلمين : يقول حسن دوح في كتابه ص 102 وما بعدها ( إن ربك لبالمرصاد ) لقد قتل عبد الناصر شعبه ليحي هو .. قتله في سينا واليمن وسوريا ، وقتله في السجون والمعتقلات وقتل حريته وإرادته وكرامته ، وقتل تاريخه وكرامته ، فهل عاش .. عبد الناصر مات كما يموت الناس .. لم يعد يصدر الأوامر بقتل غيره .. لقد دعا عليه المظلومون .. هذه الدعوة أصابت جمال سالم الذي حاكم المؤمنين .. وأصابت حمزة البسيوني حتي جندلته بأسياخ الحديد في حادثة عجيبة مروعة .. ومضت الدعوة تحرق صفوف الظالم وشركائه ، وتشتت شملهم .. وقتل عبد الحكيم عامر .. وتآمر رفاق الظلم ليقتلوا كبيرهم فعجل بهم .. انتهي الظالم .. ولم يعد له جنود .. ولا هتاف ولا تصفيق ولا ثورة ولا ثوار .. ويوم القيامة حزن وندامة حيث لا ينفع الندم .. يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم .

ولن تستطيع أمريكا بأساطيلها ولا روسيا بصواريخها ولا .. ولا حمزة ، ولا شمس أن يدفعوا عن الظالم العذاب والانتقام .. وسيسأل عن قتل من قتل .. ومذبحة طرة .. هل كان يستحق هؤلاء الابطال .. الذين حاربوا اليهود والإنجليز .. هل كانوا يستحقون القتل .. أم كانوا يستحقون أمانة هذه الأمة .. هل سيد قطب الذي كان بوسعه تربية أمة بأكملها .. أم عبد القادر عودة .. عالم القانون .. أم الشيخ فرغلي المجاهد البطل في قيادة الإخوان في فلسطين والذي كان الإنجليز يرصدون مكافأة ضخمة لمن يقتله ! هل هؤلاء يستحقون الإعدام شنقًا ..

هؤلاء الأبطال الذين يحمون الأمة من عدوان الإنجليز والصهيونية العالمية يستحقون ذلك !؟

ثم تحدث دوح عن الأمراض التي لحقت بجمال سالم والتي حيرت الأطباء وهو الذي كان في صولجانه يستهزئ بالقرآن ، وقال ليوسف طلعت أن يقرأ الفاتحة بالمقلوب .. لقد أدرك أن عبد الناصر خدعه .. فقد أشاع عبد الناصر أنه لا يوافق علي الإعدامات إلا بعد أن هدده جمال سالم بالقتل !! يريد أن ينسب الإعدامات إلي جمال سالم .. !

كان حمزة البسيوني يقول للإخوان : لو نزل الله في الأرض لسجنته في هذه الزنزانة .. وهكذا كان يقول غيره من زملائه الطغاة .. وحمزة انقلب علي سيده فسجنه في القلعة .. ومما يذكر عنه أنه لما سجن في القلعة ألبسوه ثياب امراة .. وكان مهزومًا وكان يقول لأحد الذين كان يعذبهم وانتقل من الحربي إلي القلعة وهو الشيخ مسعود .. كانت أوامر .. ويتنصل من التعذيب . ويقول دوح : وتصادف أن التقيت بعلي شفيق الذي كان يقوم بتعذيب الشباب .. ثم قرأ في الصحف أن علي شفيق قتل في لندن بعد أن سُرق منه مليون جنيه استرليني وانه أرسل إلي مصر في صندوق خشبي .

أما الذين قتلوا الشباب في ليمان طرة .. وارتكبوا أبشع جريمة في تاريخ مصر وسجون مصر أن أحدهم انتحر ، وآخر أصيب بالسرطان .. وأن أحد أبطال مذبحة طرة ـ الأبطال الذين قاموا بالمذبحة ـ تطاول علي عبد الناصر فأمر بإلقائه في بالوعة القاذورات .. في السجن الحربي .. ثم أخرج منها فتاب وأناب فرضي عنه سيده وأسند إليه وظيفة هامة !! وصفي عبد الناصر كل العناصر التي أعانته علي ظلمه .. { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا } [ الأنعام : 129 ] ، { فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ }[ العنكبوت : 40 ] انتهي .

مصرع السفاح : جاء في ( سنة أولى سجن ) ص 39 وما بعدها عنوان : مصرع السفاح : أن مصر رقصت فرحًا ، لمصرع السفاح المجنون ؛ لأن سيارة قتلت أكبر قاتل شهدته مصر ، الرجل الذي دفن عشرات الأحياء تحت رمال صحراء مدينة نصر ، وأعلن أنهم فروا من السجون ، كان يجلد الأبرياء ..الذي سلط الكلاب البوليسية لتنهش لحم المتهمين .. الذي كان يحمل الكرباج ويثير الفزع في ملايين المصريين .. الذي عذّب أهل مدينة كرداسة .. أمام أمهاتهم وزوجاتهم وأطفالهم .. وأهل كمشيش .. ليعترفوا بجرائم لم يرتكبوها .. الرجل الذي كتبت كثير من الصحف العربية .. عن التهم التي ذكرها سعيد فريحة في مذكراته في الأنوار .. من هو هذا الرجل : إنه اللواء حمزة البسيوني قائد السجن الحربي في القاهرة .

كان الناس يتساءلون ، ما مصير هذا الرجل بعد أن أعلن الرئيس السادات سيادة القانون وبعد أن وافق الشعب بأغلبية حوالي مائة في المائة علي أن عقوبة جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم ؟

في أول يوم من العيد حدث مقتل حمزة .. وفي اليوم الثاني نشرت جريدة الأهرام في صفحتها الأولي خبر مصرع السفاح حمزة البسيوني وشقيقه عقيد الشرطة عندما اصطدمت سيارته مع سيارة نقل كانت تسير في الاتجاه المضاد .. ما الحكمة أن يقتل السفاح في أول يوم عيد يقضيه المعذبون في بيوتهم ؟ .. والحكمة ان يقع الحادث في المحافظة التي يتحدث أهلها عن الأهوال والجرائم التي شاهدوها في السجن الحربي ؟

إن الألوف الذين كانوا مسجونين في السجن الحربي يذكرون يوم جمعهم اللواء حمزة يوم 4 يونيو 1967 قبل النكسة بيوم واحد ووقف خطيبًا يقول لهم :

اعلموا أنني هنا الجزار ! أنا القانون ! أنا الدولة ! أنا الذي استطيع أن أحيي وأميت ! أنا القاضي ! أنا الجلاد ! أنا الطبيب الشرعي ! أنا ! .... أنا الحانوتي الذي يستطيع أن يدفنكم جميعًا أحياء ! أنا من رأيي إبادة جميع المسجونين السياسيين ، وللأسف لم يأخذ الرئيس جمال عبد الناصر برأيي هذا ، ولكني في هذا المكان أملك السلطات جميعًا ! من حقي أن أحكم علي أي واحد منكم بالإعدام وأنفذ الحكم ! إنني لا أتسلم المسجونين بإيصال ! لا أحد يعلم عدد المسجونين عندي ! أستطيع أن أقتل مائة منكم في يوم واحد ولن يحاسبني أحد ! إنكم باقون هنا تحت سلطاني ولن يخرج منكم واحد حيًا من هنا ! أنا إله السجن الحربي ! وبعد أسبوع واحد علي هذا الإنذار والتهديد والوعيد ( الإلهي ) فوجئ حمزة بقرار جمهوري بطرده من منصب قائد السجن الحربي وإحالته إلي المعاش .. ثم القبض عليه ووضعه في معتقل القلعة .. ثم التحقيق معه في جرائم التعذيب التي ارتكبها .

وفجأة صدر الأمر بوقف التحقيق .. فقد أصرّ حمزة أن يذكر في التحقيق أنه قتل فعلاً .. ولكنه قتل كل واحد منهم بأمر صدر له من مراكز القوي .. وكان يحدد اسم كل قتيل واسم الكبير الذي أمره بالقتل أو التعذيب . ورأت مراكز القوي وقتئذ أن التحقيق .. سوف يدخلهم جميعًا السجن .. فأسرعوا بحفظ التحقيق ، وبقي حمزة في معتقل القلعة ، ولم يقدم مع الذين حوكموا في قضية المشير عامر مع صلاح نصر وشمس بدران وزير الحربية السابق و ... ثم صدر قرار بالإفراج عنه بعد أكثر من عامين في المعتقل .

ولم يفرح حمزة بالإفراج عنه .. كان يموت كل يوم من الرعب .. لا يستطيع أن يمشي وحده في الشارع .. يعتقد أن أحد الذين عذبهم سيقتله انتقامًا لجرائمه البشعة أصبح كالمجنون .. يحدث نفسه .. يقول لكل من يراه إنه مظلوم ، إنه كان ينفذ أوامر صحيحة صدرت إليه .. كان مضطرًا أن ينفذ الأوامر وإلا قتلوه ، كان يري أحلامًا مفزعة ، أشباحًا تطارده .. أيدي قوية تخنقه ..

ذات يوم دخل حمزة غرفة الزوار في سجن طرة ليزور ابن عمه في قضية مخدرات وفوجئ بي في نفس الغرفة لزيارة أسرتي .. وهجم عليّ حمزة يقبلني ! ويقول لي : أنا لم أعذبك .. قلت له : سلطت عليّ الكلاب .. وصلبتني وقلت ستقتلني وتدفني في السجن كما دفنت العشرات ، وقلت إنهم هربوا من السجن !!

وبكي حمزة ، وقال : والله هذه كانت أوامر ، كنت انفذ الأوامر ، سامحني .. سامحني .. ويكرر : كنت انفذ الأوامر ، لو حاكموني فسأقول لهم اسم كل من أصدر لي أمرًا بالقتل أو التعذيب ..

كيف وقع الحادث ؟ : في يوم 17 / 11 / 1971 أول أيام العيد .. كان حمزة البسيوني يقود سيارة ماركة فيات في طريق إسكندرية الزراعي وإلي جواره شقيقه المستشار حسن البسيوني وفي المقعد الخلفي كان يجلس شقيقه الثاني العقيد شرطة العباس البسيوني وابنة شقيقته مهجة علي بدر ( 22 سنة ) وكان الجميع في طريقهم إلي كفر ربيع بالمنوفية ..

وأثناء انطلاق السيارة بسرعة كبيرة عند قرية أبنهس انحرفت إلي أقصي اليسار وتخطت الجزيرة التي تتوسط الطريق .. وفي نفس اللحظة كانت سيارة نقل قادمة من الإسكندرية في طريقها إلي القاهرة ، فاصطدمت بسيارة حمزة البسوني ولقي هو وشقيقه ضابط الشرطة مصرعيهما !! وأصيب شقيقه المستشار وابنة شقيقه ..

وأبلغ الحادث إلي شرطة قويسنا .. قدمت النيابة سائق سيارة النقل للمحاكمة بتهمة القتل الخطأ ، وأقام ورثة حمزة دعوي التعويض .. استمرت القضية 4 سنوات .. وأصدرت محكمة جنح قويسنا برئاسة القاضي محمود مختار حكمها ببراءة السائق .. وأن حمزة قد تسبب في قتل نفسه ورفضت المحكمة دعوي التعويض .. [ راجع جريدة الاخبار العدد 7324 لسنة 24 يوم 9 / 12 / 1975 ] .

يذكر أن سيخ حديد دخل في رقبة حمزة البسيوني فلم يستطع التحرك منه ، ولم يستطع أحد أن يخلصه من هذا السيخ الحديد ، وهو ينظر بعينه .. !! .

وكذلك أخذ ربك للظالمين ، فقد قتل حمزة المئات وعذب الآلاف .. وكان يدعي أنه الإله الذي يعذب ويحي ويميت .. يفعل ما يشاء ولا أحد يحاسبه .. وكان يظن أنه في حصن حصين من المحاسبة والمحاكمة .. ولم يجرؤ أحد أن يحاسبه أو ينتقم منه .. وإذا كان أصحاب الحق لم يستطيعوا محاسبته .. وإذا لم تطبق على الظالم العقوبة الشرعية .. فلا بد من عقوبة السماء ، التي لا تحابي أحدًا ، وهي العقوبة القدرية { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] وإذا لم يأخذ المظلوم حقه من الظالم في الدنيا ؛ فإن حقه محفوظ ليوم القيامة يوم القصاص العادل .

الإخوان يقابلون الجلادون : منذ نشأت جماعة الإخوان في سنة 1928 والإخوان يتعرضون لمحاولات القضاء عليهم منذ عهد الاستعمار الإنجليزي وما بعد ثورة يوليو 1952 .. وهم يعرفون تمامًا الجلادين الذين عذبوهم ..

ومع ذلك فإذا تصادف أن قابل أحد من الإخوان أحد الجلادين ؛ فإنه لا يحاول الانتقام منه وكان هؤلاء الجلادون معروفين لدي الإخوان فإذا رأوهم لم ينتقموا منهم ، فمثلاً : كان قبل الثورة قد استدل بعض الصحافيين في سنة 1954 علي العسكري الأسود الذي كان يقوم بالاعتداء علي الضحايا .. في السجن ولكن لم يحدث أن انتقم منه أحد ..

وكان العسكري شعبان والشاويش محمود عبد الجواد من الجلادين في سجن 4 في السجن الحربي ، وكان كل من الشاويش أمين والشاويش ياسين في السجن الكبير في الحربي ، هذا في سنة 1954 ولم يمسهم احد من الإخوان بعد خروجهم من السجن .. وكان العسكري شعبان من الإسكندرية وقابله واحد من الإخوان وقد رأي شعبان يبيع الخضار علي عربة يد .. وذكرّه بما حدث منه في السجن .. واعتذر وقال : إنها كانت أوامر .. وكان هناك من الضباط المعروفين بالتعذيب .. وكان الجوهري يكاد يحرج في تعذيب الإخوان .. وكان ( ف . ع ) مفتشًا في المباحث ويقوم بنفسه ومعه مجموعة بضرب الإخوان .. وقد تصادف أن قابله مأمون الهضيبي وكلمه عن التعذيب الذي كان يمارسه ، فأنكر .. ولم ينتقم منه أحد .. والضباط والصف والعسكر الجلادون في السجن الحربي سنة 1965 .. لم ينتقم الإخوان من أي واحد منهم ..

وقد تكلمنا عن موقف الإخوان بعد فتح باب التحقيق في التعذيب وكان منهم المحتسب عند الله ومنهم من كان يقول حسبنا الله ونعم الوكيل .. ومنهم من رفع الدعوي .. وقد صدرت بعض الأحكام علي الجلادين .. التي أثبتت التعذيب .

ويذكر أن أحد رجال المباحث سأل أحد الإخوان أثناء التحقيق معه ماذا ستفعلون بنا ؟ أنتم ستقولون لنا : اذهبوا فأنتم الطلقاء .. فالمباحث تعرف تمامًا أن الإخوان لا تنتقم .. ولا تستخدم العنف .. وهذا هو تاريخ الإخوان ... وهذه كانت تربية المرشد الأول ومن بعده أن الدعوة سلمية ، ونحن دعاة لا قضاة .. وإذا حدث شيئًا من العنف من بعض الأفراد .. فكان هذا انعكاسًا للاستفزاز والطغيان ..

وقد كان يقول المرشد حسن البنا : من يعتدي علي أحد .. فهذا اعتداء عليه مباشرة .. وكان يقول عن هؤلاء المتحمسين : ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين .. ذلك لأن هذه الدعوة عالمية لتجميع الناس وليس لتفريقهم .. ولأن دعاة الإسلام في مكة لاقوا من الأذي والتعذيب .. ولم يامر الرسول صلى الله عليه وسلم أحدًا بالانتقام من ( أبو جهل ) أو بالانتقام من ( أبو لهب ) أو غيره وكان الأمر الرباني للمسلمين { كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } [ النساء : 77 ] .

والرسول لم ينتقم لنفسه .. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم ( ... ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، إلا أن تنتهك حرمة الله عز وجل ) .

وفي كتاب ( شمس بدران ومؤامرة 1967 ) لـ فاروق فهمي ص 22 : أن شمس بدران دافع عن نفسه ، وقال : أبدًا ده أنا كنت عضو في جماعة الإخوان عام 1944 واسمي موجود في سجلاتها .. مع أنه هو الذي أمر صفوت الروبي بتحطيم رأس المعتقل الإخواني محمد عواد .. وهو مشرف علي الموت .. حيث ضربه بحديدة علي رأسه فيفتت عظام الجمجمة ، ويلقي حتفه ، بأمر الوزير شمس .. وحمزة البسيوني ألقي بمسؤلية التعذيب علي شمس .. [ ق 4 / 255 ] .

غرور .. وانتقام : في معتقل السجن الحربي تم حفل للعسكر خلف السجن وكان صوت المتحدث في الميكروفون يقول : نريد أن نتخلص من الإخوان حتي نتخلص من اليهود ! وهكذا .. وكان ذلك بحماس شديد ! ولما بدأت حرب يونيو 1967 وكنا يومئذ في معتقل أبو زعبل ونخشي أن لو انتصر عبد الناصر .. أن يتخلص من الإخوان في السجون كما حدث في مذبحة طرة ! .. وكان لذلك شواهد كما سيأتي .

وقد كتب البعض عن المعاملة التي عوملوا بها في سجن قنا عن الفترة قبل يونيو 1967 يقول أحدهم : وضعونا في زنازين انفرادي .. عزلونا عن الاتصال ببعض أو بالمساجين الجنائين .. حرمونا من الكانتين .. منعوا الزيارات .. ويدخل علينا مأمور السجن شامتًا يقول بأعلي صوته : سوف ندخل تل أبيب .. الجيش المصري أقوي جيش في الشرق الاوسط .. كان يطلق الرصاص من مسدسه من الفرح .. وكان المساجين في السجن يتعاطفون مع الإخوان ..

ظل المأمور في غروره وكبريائه يتوعد الإخوان إذا انتصر عبد الناصر في حرب يونيو .. كان يعد الإخوان بمذبحة ـ كما حدث في ليمان طرة سنة 1957 ـ لكن لم يمهله القدر في غروره حتي كانت هزيمة يونيو في ساعات .. وبعد الهزيمة بدأ الضباط يتراجعون ويندمون .. وقد أثرت فيهم الهزيمة حتي قالوا إن الهزيمة كانت جزاء وفاقًا لما حل بالإخوان من ظلم { وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ } [ إبراهيم : 42 ] { فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } [ إبراهيم : 47 ] .. وهكذا ويمكرون ويمكر الله .. [ ق : 4 / 217 ] .

النظام الديكتاتوري المستبد : كتب بعض الكتاب والمفكرين والمسئولين عن النظام المستبد في العهد الناصري : ونذكر أمثلة من ذلك :

(1) فقد كتب الشيخ حسن الباقوري وزير الأوقاف في العهد الناصري في مذكراته التي نشرتها له مجلة المسلمون الدولية في العدد التاسع والعشرين يوم السبت 8 من ذي الحجة 1405 ـ 24 أغسطس 1985 : أن عبد الناصر يحكم بالنظام الهتلري ويستعين بالمخابرات النازية .

وقد كانت بطانة عبد الناصر من أسوأ البطانات في الأرض إلا قليلاً ممن عصم الله .. كان قربهم منه إما رجاء خيره أو اتقاء شره .. لقد اخذ عبد الناصر بالنظام الهتلري في حكم الشعب مستعينًا برجال المخابرات النازية الذين صنعوا بمصر ما كانوا يصنعونه بألمانيا في عهد هتلر ..

لقد كان عبد الناصر في البداية متزن عميق الفكر محبوبًا .. ولو أنه سار علي هذا الطريق لبلغت مصر به أكرم الغايات ، ولكنه انحرف عن سواء السبيل .. وكان المظهر الصارخ يتجلي في أمور :

1 ـ حرصه علي الاستبداد بالرأي الذي أفقده أفضل زملائه .
2 ـ إيثار سوء الظن بالناس في الإسراف في التجسس عليهم بكل الوسائل العلمية .. [ ق : 4 / 247 ] .

(2) ـ وكتب أ. أنيس منصور في أخبار اليوم العدد 2209 الصفحة السابعة في 28 / 2 / 1987 بمناسبة إعدام سيد قطب فقال : سيد قطب العالم الجليل والشهيد الكريم صديقي في حب أ. العقاد والإعجاب به ، أحد الأنوار الكاشفة للإيمان والغضب النبيل من أجل الله وفي سبيله .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. لم تشفع له شيخوخته الحكيمة .. لم يشفع له مرضه ..

ومن بعده ألوف غيره من الأبرياء في السجون ، وغرف التعذيب ، وهتك الاعراض للأمهات والبنات أمام الأزواج والآباء .

إنه المسرح الرسمي للرعب الأكبر ، كلاب وكرابيج ، ومسامير وجرادل البول والبراز تيجانًا علي رؤوس المؤمنين بالله .. الكافرين بالطاغية [ ق : 4 / 248 ] .

(3) وكتب د. فاروق عبد السلام في جريدة الأحرار العدد 480 الاثنين 9 / 2 / 1987  : أن من المخضرمين من الرعيل الأول أ. عبد الحميد متولي الذي يقول في كتابه ( نظرات في أنظمة الحكم في الدول النامية ص 640 ) علي أن مما يقضي به الإنصاف أن نذكر أن ذلك الفساد تمتد جذوره .. كما قدمنا إلي الوراء ، إلي عهد عبد الناصر ومراكز القوي حيث ساد الاستبداد إلي الحد الذي يوصف بنظام حكم الإرهاب ، كما كان شأن ستالين وروبسبير حيث لم تكن توجد لدينا أية رقابة علي تصرفات رجال الحكم ..

إن عبد الناصر في نظر د. عبد الحميد متولي .. لا يختلف عن نيرون و روبسبير وستالين ! .. [ ق : 4 / 249 ] . ملحق عن التعذيب والتلفيق

في رسالة تنفرد ( المصريون ) بنشرها .. محمود شعبان يفضح المسكوت عنه في طرة

الأحد ، 26 يونيو 2016 : 00.44 يكشف تفاصيل مفزعة حول 16 من المحتجزين السياسيين .. ويوجه رسالة نارية لشيخ الأزهر والنظام كشف الداعية الإسلامي والأستاذ بجامعة الأزهر الشريف ، محمود شعبان ، تفاصيل مفزعة عن أحوال المعتقلين السياسيين بسجون طرة ، متناولاً بشيء من التفصيل رسالة موجهة للمسئولين وعلى رأسهم شيخ الأزهر أحمد الطيب ، أوضاع 16 ممن قال إنهم ( محتجزين ظلمًا وزورًا ) وفي رسالته التي تنفرد ( المصريون ) بنشرها ، وجاءت بعنوان : ( أليس في الظالمين رجل رشيد ) حذر ( شعبان ) من أن ( مصر أصبحت على حافة الهاوية بسبب ظلم يستحيل معه أن تحيا أمة ) .. وطرح شعبان أوضاع 16 من المحتجزين في طرة ، والذين جاءوا كالتالى بحسب نص الرسالة التي لم يتسن لـ ( المصريون ) التأكد من مدى صحة ما جاء فيها :

1 ـ وليد عبد العظيم إبراهيم ، من محافظة بني سويف مركز الفشن ، يعمل سائق حنطور ، ركبت معه زوجة رئيس مباحث مركز ببا ، واختلفت معه على الأجرة وأرادت دفع النصف فقط وقالت نزلني هنا إن لم يعجبك ونزلت وبعد قليل أرسل زوجها رئيس المباحث من أخذه إلى القسم وعذبوه وكهربوه حتى كاد يموت تحت وطأة التعذيب بتاريخ 15 / 11/ 2013 . ثم لفقوا له فضية رقم 11690 جنايات ببا لسنة 2014 والمقيدة برقم 2076 لسنة 2014 جنايات كلي بني سويف ، علمًا بأنه ليس له أي توجه ديني ولا يصلي بل تعلم الصلاة هنا وهو الآن محبوس مع الإخوان في قضية لا ناقة له ولا جمل .

2 ـ الطالب عبد الله حسنين النجار ، كان متجهًا إلى ماليزيا للالتحاق بالجامعة الإسلامية هناك وتم القبض عليه في المطار بتهمة السفر إلى سوريا ، علمًا بأن الجواز معه والتأشيرة لماليزيا والطائرة كانت متجهة لماليزيا ، لكن أمن الدولة شعر بأن الطائرة ستتحول بمسارها في الجو وستتجه إلى سوريا ، علمًا بأنه طالب أزهر حاصل على الامتياز وأبوه إمام وخطيب بالأوقاف وحاصل على الدكتوراه في الشريعة . وهذا الطالب محبوس من تاريخ 25 / 5 / 2015 وقد تم تعذيبه في أمن الدولة لمدة أربعة أيام وما زالت آثار التعذيب في بدنه إلى الآن وقضيته رقم 22215 لسنة 2015 نيابة مدينة نصر .

3 ـ محمد ومصطفي عبد الحى حسين الفرماوي ، وهيثم السيد العربي ، وأحمد فاروق كامل ، والطالب شهاب الدين علاء أبو العلا ، وهؤلاء الخمسة أعضاء قضية الأصبع الشهيرة ، فأصبحت القضية رقم 3236 لسنة 2013 جنح أول القاهرة ، وحُبسوا في العقرب وحيل بينهم وبين العرض على القاضي أربع مرات ، وحضر الشاب في المرة الخامسة أمام القاضي واعترف أن الشرطة هي التي عذبته وبرأ الشباب وقال له القاضي لماذا اعترفت أمام النيابة فقال : ( أنا لا أعرف أنها النياية لأنني عذبت أمامها ولأن النيابة لا تأتي إلى القسم ) . ومع ذلك أخذوا حكمًا مشددًا بثلاث سنين ، ومع النقض أيد الحكم والأعجب من ذلك تم لهم تلفيق جديد لقضية فض اعتصام رابعة الذي تم في 14 / 8 / 2013 علمًا بأنهم كانوا محبوسين من 15 / 7 / 2013 .

4 ـ قضية رقم 174 جنايات عسكري غرب المتهم فيها 28 رجلاً ، ثم الحكم على ثمانية بالإعدام ، و 11 بالمؤبد و 7 بـ 15 عامًا و 2 بالبراءة ، ولقد صدق المفتي على الإعدام ، علمًا بأنه لا وقائع في القضية لا قتل ولا حرق ، فالتهمة انضمام لجماعة واتفاق جنائي ، وتم تعذيبهم وإحداث عاهات فيهم ولم يعرضوا على الطب الشرعي . ومن بين المتهمين في القضية : رضا الحاصل على إعدام معتمدًا في النيابة أنه مقبوض عليه من منزل أبيه والمنزل هدم منذ سنتين ، وكلهم بين طبيب ومهندس ، وأغلبهم لا يعرفون بعضًا ، فهذا عمر وصهيب كانا يجلسان في نايل سيتي ومعهم إسراء الطويل ، فتم القبض عليهم ، وكان صهيب المصور مطلوبًا ، ومع ذلك أخذ عمر 25 سنة وبقية المجموعة لا يعرف أحدٌ أحدًا ، ولما عرضوا على النيابة انكروا التهم فإذا برئيس النيابة يكتب وقد اعترف المتهمون .

5 ـ قضية رقم 1154 لسنة 2014 الشهيرة بأحداث بولاق أبو العلا جنايات وسط القاهرة ، وقصتها أنه في يوم 16 / 8 / 2013 في بولاق نادي إمام المسجد في الميكرفون أن الإخوان أتوا لقتلكم فدافعوا عن أنفسكم فظل البلطجية (والمواطنون الشرفاء ) ينتظرون الناس في الشوارع بالسلاح ، وقتلوا من قتلوا وأصابوا العشرات . والمثبت في النيابة 86 مصابًا ، وفي هذه الأحداث قتل أخو الممثلة أو المغنية لقاء سويدان في شرفة منزله ، وقالت إن الشرطة قتلته على الهواء وفي التليفزيون ، ثم ضغطوا عليها فقالت الإخوان قتلوه . ومع أن القبض عليهم كان في 16 / 8 / 2013 إلا أنه الإحالة كانت في 2 / 2 / 2014 ، والشهود قالوا إن ضرب النار كان فوق مصلحة السجون ، ولا سلاح في الأحراز سوى بندقية بلا خزنة ألقيت من فوق الكبري فسلمها رجل للشرطة فقالت الشرطة للنيابة إن الرجل سلم السلاح ومعه 15 رجلاً ممن كان معه السلاح ، وحضر الشاهد وكذب الشرطة وقال أنا سلمت السلاح فقط وقد سقط علىّ من فوق الكبرى ، والأعجب أن السلاح الذي حرزوه له رقم في النيابة ورقم الطب الشرعي مختلف ، والرقم الذي على السلاح رقم ثالث ، والمحبوسون على ذمة القضية 104 ، وأغلبهم تم القبض عليهم أثناء شراء البضاعة وسط البلد وبعضهم كان في زيارة عائلية وبعضهم من خارج القاهرة وكان في طريقه لموقف السفر رمسيس والترجمان .

6 ـ محمود جمال محمد منصور ، موظف بالبنك المركزي كان يزور أخاه في المحكمة العسكرية فحبسوه بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وقد فصلوه من عمله ولا عائل لأولاده مع مرض أمه الشديد ، وهو الآن في سجن الاستقبال بطرة وذلك منذ شهور .

7 ـ عبد السلام إبراهيم عبد السلام ، قضية رقم 514 أمن دولة عليا لسنة 2015 ، أخذوه وعذبوه لمدة 67 يومًا بلا تهمة سوى أنه يعمل في المجمعات الاستهلاكية واشترى منه بعض الشباب ثم سألوه عن شقة فأعطاهم تليفون عمه السمسار الذي أحضر لهم شقة ، وبعد ذلك علم بأنهم قتلوا هذين الشابين بلا جريرة ثم وضعوا لهما سلاحًا بجوارهما وهو لا يعرفهما وإلى الآن هو محبوس على ذمة هذه القضية التي لم يذكر فيها شيء مما حدث سوى أنه متهم بالانضمام لجماعة وهي تهمة من لا تهمة له .

8 ـ هاني أحمد حسن ، حاصل على سياحة وفنادق ويعمل في شرم الشيخ ، تم القبض عليه في 7 / 4 / 2014 في القضية رقم 355 لسنة 2014 أحداث عين شمس المعروفة إعلاميًا بمقتل الصحفية ميادة التي خرجت زميلاتها على الهواء في قنوات دريم والحياة يعلن أن الشرطة هي التي قتلتها والدنيا كلها سمعت بتلك الشهادة ، وقدمت للقاضي . ومع ذلك هم محبوسون لأنهم القتلة رغم الشهادة الموثقة ، وأخذ لأنه نسيب المتهم ظلمًا بحيازة سلاح والذي اعترف فيه عليه متهم كان معصوب العينين ذكر وصفه أنه أصلع وهو ليس كذلك فالشاهد نفسه اعترف أنه ليس هو بعد أن حُبسوا جميعًا في سجن واحد وذكر ذلك للقاضي .

9 ـ عبد العزيز محمد عبد السلام محمد ، لديه 5 أطفال يسكن في قرى الشرقية الفقيرة جدًا ، أخذوه إلى سجن العازولي ، وكان لقبه هناك الولد الأعمى وهو الآن كفيف مصاب بانفصال شبكي مع الإهمال الطبي في السجن فقد بصره تمامًا والناس كلها تعرف بفقده لبصره إلا القاضي علمًا بأن إخوانه يسحبونه أثناء المحاكمة وقد تم القبض عليه في 12 / 3 / 2015 ، ثم تحول إلى قضية 2 عسكري لسنة 2016 أنصار بيت المقدس ولا تهمة له إلا الانضمام لجماعة . وللعلم فإنه في حاجة لمحام ليثبت مرضه وليعالج ولتسجل النيابة ذلك فأرجو من المحامين الشرفاء أن يتحركوا للدفاع عنه وعن أمثاله وأخص بالذكر الأستاذين أحمد حسين والأستاذ طه ليأخذوا هذه البيانات ويجدا في الدفاع عنه وعلاجه وخروجه لأولاده .

10 ـ وعلى ذكر الإهمال الطبي ، محمود محمد ربيع إبراهيم ، مهندس ميكانيكا ، 32 سنة ، تم القبض عليه من الشارع ثم إلحاقه بقضية 726 أمن دولة جيزة لسنة 2015 ، وعذبوه مع عجزه في قدمه اليسرى التي يعاني فيها من عجز كامل وأرادوا تلفيق التهم إليه والاعتراف على أناس لا يعرفهم وهددوه بهتك عرضه وعرض زوجته وهددوه بسجن أهله وفعلاً اتصلوا بأخيه ليزوره في سجن الاستقبال بطرة ولما حضر قبضوا عليه وأودعوه في زنزانة انفرادية بعدما فشلوا في الحصول على ما يريدون منه . وفي 17 / 1 / 2016 عذبوه في أمن الدولة وأضافوا إليه قضية أخرى وهو في السجن وهددوه بامرأته للمرة الثانية وأعادوه إلى الدواعي في عنبر ( ب ) في سجن الاستقبال في زنزانة مظلمة انفرادية ولا تريض ولا علاج ولا زيارة ، وذلك لأن حماه والد زوجته من أهل الفضل والدعوة في الجيزة ، وهو في حاجة لمجموعة من العمليات الجراحية حتى يستطيع الحركة .

11 ـ الحالة لعم يونس محمد أبو دهب عبد العال ؛ وذلك أنه مريض بالسكر والضغط وفيروس سي وتليف بالكبد وتضخم في الطحال ونزيف بالبول وسيولة بالدم تؤدي إلى نزيف ونقص في المناعة وحالات غيبوبة ، ومع حالته الصحية هذه قد حوكم في محاكمة عسكرية وحكم عليه بثلاث سنين في القضية رقم 157 عسكري السويس لسنة 2013 من تاريخ الحبس 16 / 8 / 2013 ، وقد قدموا طلبًا في المصلحة فرفض وقدم هو طلبًا بالإفراج الصحي ولم يرد عليه إلى الآن .

12 ـ إبراهيم نسيم زيدان وزملاؤه الذين حُكم عليهم بخمس سنين ، وإبراهيم يحكي أنه يصور أوراقًا وتم اقتياده للقسم وتعذيبه ثم إلى مكتب الدكتور عبد الحى عزب ، رئيس الدامعة ، وتم الاعتداء عليه أمامه وكل التهم التي وجهت إليه ثبت بطلانها بالشهود من عمال جامعة الأزهر وموظفيها وقد اعتقل منذ 10 / 11 / 2014 ، وهو في إضراب كلي من تاريخ 1 / 4 / 2016 وهو في سجن الاستقبال بطرة ، ورئيس المباحث سيد سليم قال له عندما تموت سأضعك في بطانية بعشرة جنيهات وهذا ثمنك عندي ، وأدخلوه التأديب ومنعوه من الزيارة رغم أن الطبيب قال إن الحالة الصحية لا تسمح بدخوله التأديب وهو وزملائه إلى الآن في إضراب حتى تعاد المحاكمة .

13 ـ دخل مجدي الناظر ، المحاسب ببنك القاهرة الصحفي والناشط السياسي وعضو لجنة حزب الاستقلال وأمين تنظيم القاهرة للحزب والصحفي الحر ، معركة الأمعاء الخاوية منذ يوم 13 يونيو الجاري ، اعتراضًا على حبسه بعد انقضاء الحبس الاحتياطي بخمسة شهور علمًا بأنه صدر له تقرير طبي من مستشفى سجن استقبال طرة بتاريخ 16 ديسمبر يفيد بأنه مريض سكر وضغط وقولون وصدفية وشلل أطفال وضمور بالساق اليسرى ودوالي بالقدم اليمني وغضروف بالرقبة واعوجاج بالعمود الفقري على شكل حرف S وهذا كله يدل على أن الإضراب سيثر تأثيرًا بالغًا على حالته الصحية ومع ذلك لم يتحرك أحد ، وتعود قضيته إلى تاريخ 25 يناير 2014 ، وكان يركب سيارته المخصصة للمعاقين ثم توقفت أمامه سيارة ميكروباص وطلبوا رخصته فقال من أنتم ؟ فسبوه سبًا منكرًا فرد عليهم فسحلوه وضربوه وإلى قسم الأميرية اقتادوه وهناك جردوه وبكل صفوف العذاب والهوان عذبوه حتى سال الدم في أنحاء متفرقة من جسده وكسرت عظامه وأهدرت آدميته لأنه تجرأ وقال للضباط من أنت أعطني الكارنيه ثم اتهموه بسيارة نصف نقل محملة بالمتفرجات ثم وضعوا شيئًا من ذلك في سيارته التي اخذوه منها وبحثوا فيها فلم يجدوا سوى صورة لولده عبد المعبود الذي استشهد في أحداث ذكرى محمد محمود 19 / 11 / 2013 ، وهو الآن يعالج سكرات الموت في معركة الأمعاء الخاوية مع شلله ومرضه طلبًا للإفراج عنه لسوء حالته الصحية مع محاكمة من ظلموه ولفقوا له التهم وعذبوه .

14 ـ الطالب محمد عبد التواب محمد ، في القضية 672 لسنة 2015 أمن دولة ، اعتقل بتاريخ 23 أغسطس 2015 ، وهو الأن مريض درن ونزيف على الصدر وله علاج وإشاعات في المستشفى وفي كل ذلك تتعذر الترحيلة من السجن وإن أتت يترحل متأخرًا بعد ذهاب الأطباء وكما أجروا له تحليلاً لم ينتظروا حتى يستلموه ليسلموه للطبيب وقالوا سيلحق بنا على السجن ولم يحدث شيء إلى الآن وهو الآن في عزل طبي في زنزانته رقم 7 الدور الأول عنبر ( أ ) سجن الاستقبال وحالته تسوء كل يوم .

15 : قضية 682 لسنة 2014 أمن دولة عليها وهي قضيتي التي حبست فيها من العام قبل الماضي وهي قضية الأشتات المجتمعات من سبع محافظات هي القاهرة والقليوبية والجيزة والغربية والدقهلية والإسماعيلية وكفر الشيخ كل من قبضوا عليه في شهر نوفمبر 2014 وضعوه في هذه القضية بتهمة الانضمام للجبهة السلفية المتهمة برفع بالدعوة لرفع المصاحف يوم 28 / 11 / 2014 . والعجيب أنه لا أحد يعرف الآخر في هذه القضية ، فهذا أحمد البنهاوي محام بالنقض قبضوا عليه وقد كان ضمن حملة الشيخ حازم أبو إسماعيل الرئاسية وطلبوا منه أن يعمل مرشدًا معهم فلما رفض لفقوا له هذه القضية . وأحمد رشاد يعمل بشركة مصر للبترول صباحًا وقد أجريت عليه تحريات من الأمن الوطني قبل تعيينه ويعمل في معمل كيميائي مساء ، وله أب وأم كبيران مريضان وأولاد ولا وقت عنده لشيء ومع ذلك حبسوه بوشاية من زميل له في العمل من المواطنين الشرفاء ، وهذا ماهر وذاك إبراهيم وهناك عماد وشباب كالورد في قمة الرجولة والاستقامة لا يريدون إلا الخير لبلدهم ومع ذلك الكل محبوس بلا تهمة وكلهم ما كانوا يعرفونني إلا من خلال التليفزيون سُئلوا أتعرفون محمود شعبان فقالوا شاهدنا حلقاته فقط وحضرنا بعض دروسه العامة . والعجيب أنه تم إخلاء سبيل 12 أخًا من القضية منذ بدأت إلى مرحلة المشورة وقد قيل إن القضية حفظت في شهر أبريل الماضي والكل سيخرج . وفعلاً في 4 أبريل الماضي أتى فاكس للسجن بإخلاء سبيل ثلاثة من الإخوة معنا في القضية ، وبعد ذلك عُرضنا على القضاء مرتين في كل مرة ، الكل والمحامون ينتظرون إخلاء سبيلنا لكن المفاجأة تكون بالتجديد 45 يومًا ، وفي كل مرة أُسائل القاضي لماذا نحن محبوسون وأحاججه وأذكره بالله ماذا سيقول له إن سأله عن حبس هؤلاء . وقد رأيت المرار منهم لما أصبت بجلطة حتى شفاني ربي ولما تورمت عيني ورحلت للعلاج وكان هناك طبيب رفض سيد سليم رئيس مباحث سجن الاستقبال دخوله عنبر ( ج ) ، وقال بالنص د. محمود شعبان لا يتحرك من زنزانته .

16 ـ الدكتور عبد الله بركات ، محبوس في قضية قطع طريق فهل تقبل على عمامة الأزهر أن تتهم بهذا العبث وقد حُكم عليه بالإعدام ثم المؤبد وقد قُبض عليه بعد مناقشة رسالة دكتوراه في كليته وهو لا يعلم عن القضية شيئًا . إن سكوت فضيلتكم دليل إدانة لماذا لا تطالبون بمحاكمة عادلة عاجلة تحت أشرافكم هل قبلتم على العمائم قطع الطريق والاتهامات الباطلة . دع عنك محمود شعبان الذي ادعى الإعلام أن فضيلتك زرته في سجن العقرب وأرسلت إليه طبيبك الخاص ورحل إليه وكيل الأزهر الذي أخبر أن الدكتور محمود شعبان طلباته مجابة وهو يشير فقط والناس تلبي طلبه ، وكل ذلك لم يحدث منه شيء . يا شيخ الأزهر إن كان الأمن حبسني ظُلمًا فما صلة الأمن بالبحث العلمي وهل أصبح أمن الدولة يدير الأزهر وجامعته وأين دوركم يا شيخ الأزهر من هذه المظالم ، ولا أقول ما أقول شكاية لكم دائمًا تسجيلاً لله ثم للتاريخ وأعلم أن حقي لن يضيع وسنلتقي جميعًا بين يدي الله والظلم إلي زوال والحق منصور والباطل مدحور وقدر رأينا بشريات ذلك .

أقول : هذا ما حدث منذ عهد الملك والاستعمار الإنجليزي وفي عهد الانقلاب العسكري في 1952 وحتى الآن ، وهو ما سجله فضيلة الشيخ ، أ. د . محمود شعبان أخيرًا عن التعذيب والتلفيق للأبرياء والموت البطئ بلا غذاء ولا دواء ولا هواء والمحاكمات الظالمة والعقوبات المشددة .