النظام الخاص ودوره في مقاومة الاستيطان اليهودي
مقدمة
تم إنشاء "النظام الخاص" لجماعة الإخوان المسلمين في "مصر" سنة (1358 هـ = 1939 م) في وقت كانت مصر وكثير من البلاد العربية والإسلامية ترزح تحت وطأة الاستعمار والاحتلال الأوربي، وكان الأسلوب المتبع في الدخول في هذا النظام أن من يرى في نفسه الشعور بحب الارتباط بالجيش المسلم المجاهد يجري إعداده لأداء فريضة الجهاد، من خلال التدريب في ميادين قتالية في الجبال والصحاري المحيطة بالقاهرة ونظائرها في الأقاليم المختلفة، ولم يقتصر التفكير على التدريب على الأسلحة القنابل التقليدية، بل تعدَّى الأمر إلى صناعة ما يستطاع صناعته محليًّا من المتفجرات التي لا تتوفر في الأسواق مثل قطن البارود، وساعات التوقيت التي تحدد وقت انفجار العبوة الناسفة.
أهداف النظام الخاص
رأى المجاهدون أن البلاد العربية أصبحت محط أطماع القوى الغربية الاستعمارية؛ ولذلك كان عليهم أن يحضُّوا أبناء البلاد على الجهاد ضد الاستعمار الأوربي، والقيام بالعمليات الفدائية ضد أولئك المستعمرين، وبعد سنة (1365 هـ = 1946م) ومع تصاعد الهجرات اليهودية إلى أرض "فلسطين" جعل "النظام الخاص" قضية "فلسطين" من أهم أهدافه وأعماله، وقد تجلَّى ذلك في العمليات المتعددة التي قام بها المجاهدون ضد الاستعمار والصهاينة وأنصارهم على صعيد الأراضي المصرية والفلسطينية.
وقد تبلور دور النظام الخاص في أمرين:
الأول: أعمال القتال في سبيل الله، وهي المعارك التي قام بها المجاهدون ضد الصهاينة في ميدان القتال على أرض "فلسطين".
والآخر: الأعمال الفدائية التي كان يقوم بها فرد أو مجموعة ضد العدو، وهو ما أسماه البعض بالاغتيالات السياسية.
دور النظام الخاص في حرب 1948م
كان أول تحرك عملي من "النظام الخاص" تجاه القضية الفلسطينية عندما جاء الحاج "أمين الحسيني" مفتي "فلسطين" إلى "القاهرة" في سنة (1365 هـ = 1946م)، فارًّا من محاكمة الحلفاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والذين اتهموه بالتعاون مع "هتلر"، والعمل على مناصرة قواته في دخولها "مصر"، والتخابر مع المسئولين المصريين بهذا الشأن.
وكان للإخوان المسلمين دور كبير في مساندة الحاج "أمين الحسيني"، والتدخل لدى الحكومة المصرية لمنحه حقَّ اللجوء السياسي، وكان طبيعيًّا أن تتعاون الحكومة المصرية مع الحاج "أمين الحسيني"، الذي توافقت طلباته ومقترحاته مع قرار اللجنة العسكرية العليا التي اجتمعت سنة (1366 هـ = 1947م) وقررت الاعتماد على الفلسطينيين في الدفاع عن بلادهم، وتقديم ما يحتاج إليه المتطوعون من أسلحة وذخيرة، وتحصين الفلسطينيين في قراهم وتسليحهم ضد الإرهاب الصهيوني، ووقوف الجيوش العربية على الحدود وعدم دخولها إلى الأراضي الفلسطينية.
وقام النظام الخاص بتعيين ضابط اتصال بين جماعة الإخوان المسلمين وبين الهيئة العربية العليا في شئون التسليح والتي يمثلها الشهيد "عبد القادر الحسيني"- بمساعدة أحد التجار الفلسطينيين-، والذي كان مسئولاً عن التمويل المالي للهيئة العربية للتسليح، وقام "النظام الخاص" بجمع الأسلحة والذخائر التي تركتها الجيوش المتحاربة في صحراء العلمين في نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي كان يتم نقلها من الصحراء الغربية إلى القاهرة، ومنها إلى المخازن وأماكن التجميع حتى يتم إرسالها إلى المجاهدين في فلسطين، بعد القيام بعملية صيانة جديدة لها وتنظيفها من الرمال التي تركت فيها لعدة شهور، وذلك في المصانع التي قام "النظام الخاص" بإنشائها؛ من أجل هذا الغرض في "حلمية الزيتون" بالقاهرة، ومن هذا المورد جمعت غالبية الأسلحة والمتفجرات التي استعملها متطوعو الهيئة العربية العليا ومتطوعو"الإخوان المسلمون" في حرب "فلسطين"، وأمدوا بها القوات المسلحة المصرية، وإلى جانب هذا المصدر الرئيسي كان بالإمكان تكليف رؤساء المناطق في جميع أنحاء البلاد بجمع الأسلحة المعروضة للبيع في الأقاليم من تجار الأسلحة.
وقامت الحكومة المصرية بالتصريح للإخوان المسلمين رسميًّا بجمع الأسلحة، وحشد المتطوعين، وتكوين مراكز تدريب لهم على مختلف الأسلحة، وتسفيرهم إلى "فلسطين".
واستغرق التدريب شهرًا كاملاً في هذه المعسكرات، تحركت بعده قوافل المجاهدين إلى جنوب "فلسطين"، وخاضوا كثيرًا من المعارك مع العدو الصهيوني بمفردهم أحيانًا وبالمشاركة مع الجيش المصري أحيانًا أخرى، وخاصةً بعد دخول الجيش المصري إلى أرض "فلسطين" في (6 من رجب 1367 هـ = 15 من مايو 1948م)، وتقدم في اتجاهين: الأول يوازي الساحل الفلسطيني شمالاً، والثاني إلى الجنوب، حيث أقام اتصالاً مع الجيش الأردني الذي اندفع إلى القدس واشتبك مع اليهود، وكان من أشهر هذه المعارك "معركة دير البلح"، واستطاع المجاهدون دخول "العوجة" و"العسلوج" و"بئر السبع" و"بيت لحم" و"صور" و"رامات راحيل" و"دير مار إلياس" و"مستعمرة تل بيوت"، وتمكَّن من احتلال "رأس الأحرش".
وعندما يَئِس العدو الصهيوني من اقتحام مدينة "بيت لحم" و"الخليل"- بعد تحرير المجاهدين لها- قام بمهاجمة قوات الجيش المصري في "أسدود" و"المجدل"؛ مما اضطر الجيش أن ينسحب إلى منطقة "الفالوجا" التي حوصر فيها بقوة كبيرة من الصهاينة، فقام المجاهدون بتقديم المُؤَن لأفراد القوات المسلحة لمساعدتهم على الصمود، بعد أن انقطع طريق المواصلات بينهم وبين "القاهرة".
وطوال تلك الفترة لم ينقطع المجاهدون عن تقديم الدعم والعون لقوات الجيش المصري المحاصر في "الفالوجا"، وظلوا يُحكِمون السيطرة على "بيت لحم" و"الخليل"، حتى فوجئ الجميع بصدور قرار من رئيس الوزراء "النقراشي" باشا يقضى بحل هيئة "الإخوان المسلمين" في "مصر" ومصادرة أموالهم، إلا أن ذلك لم يمنع المجاهدين من القيام بواجبهم المقدس في الدفاع عن "فلسطين" ضد الصهاينة، واستطاعوا هزيمةَ الصهاينة في كثير من المعارك التي كان من أشهرها معركة "كفار ديروم" ومعركة "أبو معيلق"، كما تمكنوا من قطع الطرق المؤدية إلى مستعمرة "بيرون إسحاق" أثناء هجوم الجيش المصري عليها، ومحاصرة مستعمرة "دير سنيد" بالاشتراك مع الجيش المصري، وكان أهم دور لهم في هذه المعركة هو منع وصول النجدات الصهيونية للمقاتلين اليهود داخل المستعمرة، ثم اشتراكهم في الهجوم عليها، حتى سقطت في يد الجيش المصري؛ فكان لسقوطها أسوأُ الأثر فى نفوس اليهود الصهاينة.