الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإخوان المسلمون والعمل السرى والعنف»
لا ملخص تعديل |
|||
(١٩ مراجعة متوسطة بواسطة ٦ مستخدمين غير معروضة) | |||
سطر ١: | سطر ١: | ||
== [[الإخوان المسلمون]] والعمل السرى والعنف دراسة تاريخية ووثائقية | <center><font color="blue"><font size=5> '''[[الإخوان المسلمون]] والعمل السرى والعنف .. دراسة تاريخية ووثائقية''' </font></font></center> | ||
==مقدمة== | |||
[[ملف:الإخوان-المسلمون-والعمل-السرى-والعنف.jpg|تصغير|<center> | [[ملف:الإخوان-المسلمون-والعمل-السرى-والعنف.jpg|تصغير|250بك|<center>عدد من [[الرعيل الأول]] [[للإخوان]]</center>]] | ||
وبعد: | نحمد الله سبحانه وتعالى حق حمده، ونصلى ونسلم على صفوة خلقه، وخاتم رسله سيدنا محمد النبى الأمى وبعد: | ||
فهذه صفحات من تاريخ الجماعة الإسلامية الأم، ما قدرت يوما أنى سأكتبها ،وأخطها بقلمى لا لأنها تحمل أفكار عارضة لا حت لى فجاءة بل العكس هو الصحيح فهى تحمل أفكار ظلت تراوحنى وتغادينى منذ أزمان بعيدة تحدثت بها طويلا وناقشت حولها كثيرا ودعوت إلى كتابتها وتدوينها من هم أقدر عليها وأجدر بها ولديهم الوسائل والأمكانات للإحاطة بدقائقها والمعرفة ببتفاصيلها ولكنى دفعت فجاءة لحمل القلم حين رأيت البعض يقرأ بعض الاحداث التى مرت بها الجماعة أويفسرها | فهذه صفحات من تاريخ الجماعة الإسلامية الأم، ما قدرت يوما أنى سأكتبها ،وأخطها بقلمى لا لأنها تحمل أفكار عارضة لا حت لى فجاءة بل العكس هو الصحيح فهى تحمل أفكار ظلت تراوحنى وتغادينى منذ أزمان بعيدة تحدثت بها طويلا وناقشت حولها كثيرا ودعوت إلى كتابتها وتدوينها من هم أقدر عليها وأجدر بها ولديهم الوسائل والأمكانات للإحاطة بدقائقها والمعرفة ببتفاصيلها ولكنى دفعت فجاءة لحمل القلم حين رأيت البعض يقرأ بعض الاحداث التى مرت بها الجماعة أويفسرها تفسيرا غير صحيح. | ||
ثم أننى أردت -بالدرجة الأولى-أن أبين حقيقة التاريخ وكيف يُقرأ و كيف تُفسر الأحداث وتقدر المواقف فالتاريخ ليس مجرد سردا للوقائع والأحداث بغير استبطان ضمائر من قام بهاوإدراك العوامل والظروف التى دفعت إليها إن كل الأحداث التى تُروى فى كتب التاريخ محكومة بعوامل وأسباب ومقدمات أدت إليها هذه العوامل والأسباب هى التى ينبغى أن يجرى ورءها المؤرخ وبدون إدراكها والإحاطة بها ستكون القرءاة للأحداث خاطئة وسيكون التفسير للتاريخ فاسدا مفسدا ولله در بن خلدون حيث قال منذ ستمائة عام عن التاريخ : "..بل هو نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع عميق". | |||
حاولت أن أطبق ذلك على نقطة أو جزئية صغيرة من تاريخ الجماعة ألا وهى العمل السرى والعنف وفيها نتحدث عن التشكيلات شبه العسكرية ([[الجوالة]]) وعن [[النظام الخاص|التنظيم السرى (الجهاز الخاص)]] وعن الأحداث الدموية والنسف والإغتيالات. | |||
وألحقنا بهذا الفصل طرفا عن جهاد [[الإخوان]] فى [[فلسطين]] لما لهذا الجهاد من أثر مباشر فى حل الجماعة وبدء مسلسل العنف وردا على بعض المزيفين الذين ينكرون جهارا نهارا أن يكون [[للإخوان]] دور فى هذا الجهاد. | |||
وأحب ان أوكد أننا لانبغى بهذا ذبا عن أحد ولا تبرير لأخطاء أحد وأنما غايتنا-والله مطلع على نوايانا وعليم بما فى صدرونا-الحق والحق وحده وإن بدا أحيانا أننا ندافع عن أحد فهذا من خطأ القارىء,ليس منا ذلك أن تفسير الحدث ومعرفة أسبابه ودوافع من قاموا به ليس تبريرا له ولادعوة إلى تكراره فالتفسير غير التبرير ورجال القانون: مدعون أو قضاة أو محامون دائما يبحثون عن الدوافع والأسباب ويجعلون لها وزنها على(الفعل) ولكن البعض للأسف يخلط بين التفسير والتبر ير تسرعا وتحاملا أو مغالطة أو بغير علم. | |||
== من جهود الحركة الإسلامية ونجاحاتها == | |||
*لقد بذلت الحركة الإسلامية جهدا خارقا فى وقف آثار صدمة التدهور، وردّ آثار موجة التغريب التى كادت تسيطر على الفكر والسلوك، وتكرّس عقدة النقص ، وتشيع روح الإنهزامية . | |||
*عملت الحركة الإسلامية بذكاء ومهارة على وقف ذلك الطوفان الغالب،وقدّر الله لها النجاح، فأخرجت [[الإسلام]] من الزوايا الثلاث التى أريد له أن يكون سجيناً فيها: أعنى طقوس دفن الموتى ،وصيغة عقد الزواج ، وركيعات المسجد. | |||
*نعم ،أخرجت [[الإسلام]] من هذه الزوايا إلى دنيا الناس وحياتهم اليومية ،وانتهت به إلى أن صار منهج حياة كما أراده رب العالمين؛ فصار [[الإسلام]] حاضرا فى كل مناحى الحياة: اللباس والزّى ،والمطعم والمشرب ،والعلاقات الإجتماعية والحفلات،والمعاملات والتبادلات،وصارت المناداة والمطالبة بإتخاذ القرآن دستوراً يحكم الإقتصاد،والتعليم ،و[[السياسة]] والعلاقات الدولية ، وكلِّ شأن من الشئون ،وعاد للأمة وعيها وشموخها، فصار نداؤها "[[الإسلام]] صالح لكل زمان ومكان". | |||
*ثم تطور النجاح فصار النداء:"لايصلحُ كلُّ زمان ومكان الإ ب[[الإسلام]]". | |||
*ولم يأت ذلك عفواً صفوأ،بل كان ثمرة جهاد دائب، وعملٍ خالص ،لنحو نصف قرن من الزمان. | |||
*وأذا شئت أن تعرف قيمة ها الجهد، فاعلم أننا أدركنا فى أول الأربعينات من القرن الماضى من كان ينادى"أنا الشرق عندى ديانات وفلسفات،من يبيعنى دبابات وطائرات". | |||
==نجاح آخر== | |||
وواكب هذا النجاح | وواكب هذا النجاح نجاحا آخر فى ميدان البحث والتنظير،حتى امتلأت المكتبات بالمؤلفات المعاصرة فى قضايا الناس الحياتية وعلاجها من منظور إسلامى،وبلغ هذا النجاح حداً جعل أقلاماً قوية صادقة تشتغل بهذه الأبحاث الإسلامية، وإن لم يكن أصحابها من أبناء الحركة الإسلامية،أى لاينتمون لها رسمياً، ولاينضوون تحت لوائها تنظيمياً، وصار الكتاب الإسلامى هو الأكثر طلباً وذيوعاً فقد وجدت الأمة فيه الخطاب الذى تفهمه والنداء الذى يَمَسُّ شغاف قلوبها. | ||
والتنظير،حتى امتلأت المكتبات بالمؤلفات المعاصرة | |||
فى قضايا الناس الحياتية وعلاجها | |||
من منظور | |||
تشتغل بهذه الأبحاث الإسلامية، | |||
وإن لم يكن أصحابها من أبناء الحركة الإسلامية،أى لاينتمون لها رسمياً، | |||
ولاينضوون تحت لوائها تنظيمياً، | |||
وصار الكتاب الإسلامى هو | |||
الخطاب الذى تفهمه والنداء الذى يَمَسُّ شغاف قلوبها. | |||
== إهمال التاريخ وإغفال أثره == | |||
ولكن مع هذا الوعى فات الحركة ومنظروها أن يلتفتوا إلى دراسة التاريخ الإسلامى ،دراسة علمية منهجية تحليلية، لسيتخرجوا منه العظات والعبر ،ثم ليقدموا النموذج التاريخى المشرق المضىء ليُنسج على منواله، ويقتدى به، ومن يتأمل يجد أننا نُغزى بالتاريخ ، وأن غلاة العلمانيين وملاحدتهم يعتمدون فى رفضهم ومناوأتهم للعمل الأسلامى على مايزعمونه من رزايا ومآسى التاريخ. | |||
نجد هذا فى مؤلفاتهم ومحاضراتهم ومناظراتهم ولا يجد الأسلاميون دفعاً ولارداً إلا تلك الجملة "إن [[الإسلام]] يحكم على المسلمين ،والمسلمون لايحكمون على الإسلام". | |||
على | |||
== حتى تاريخ الجماعة == | |||
نعم لم يقتصر الوعى على التاريخ الإسلامى فقط ، بل ظهر ذلك جلياً واضحاً تجاه تاريخ الجماعة أيضا ،ليس فى عدم الاهتمام بتسجيل مادته ووثائقه كما ينبغى بل فى الاحساس به وتفسيره. والدليل على ذلك مانراه بصورةمتكررة -شبه يومية- فى حوارت ولقاءات على الهواء فى الفضائيات ، تتطرق إلى تاريخ [[الإخوان]] والعنف فنجد من [[الإخوان]] -محاورين أو مداخلين- أسلوب الخجل والإعتذار، وأحيانا محاولات فاشلة لتحميل شخص أو أكثر هذه الأحداث. | |||
لو التفتوا قليلا إلى تاريخ الجماعة قليلاً،لباهوا الدنيا بتاريخهم فى هذا الجانب، ولأجابوا بالأرقام والحقائق:أن [[الإخوان]] أبدا لم يتخذوا العنف منهجاً، ولم يعتمدوه وسيلة ،ويشهد بذلك تاريخهم ، وينطق به فكرهم ،فليس هناك مايعتذر عنه، هناك أخطاء ولاشك فتلك طبيعة البشر وتلك سنة كونية: لايوجد عمل بدون خطأ، والذين لايخطئون هم الذين لايعملون. | |||
من أجل هذا كانت هذه الكلمات التى يحاول كاتبهاأن ينبه إلى خطورة التاريخ ويحذِّر من أن الخطأ فى تفسيره وقراءته لايقل بشاعة عن أهماله وإلقاءه ظِهريا، متخذا من اتهام [[الإخوان]] بالعنف مجالاً ونموذجا لما يحاوله ويدعوا إليه. | |||
== | == سر الخطأ فى التاريخ == | ||
يقول | يقول ابن خلدون فى مقدمته" ومن الغلط الخفى فى التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال فى الأمم والاجيال، بتبدل الأعصار ومرور الأيام ،وهو داء دوىّ شديد الخفاء.. فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة ، وذلك أن أحوال العالم والامم وعوائدهم ونحلهم لاتدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال" | ||
== | == مدرس أبتدائى فقير !! == | ||
ويتسأل البعض كيف كان استطاع حسن البنا أن يقوم بتمويل حركته وانتقالاته مع أنه كان فقيرا فقد كان "مدرس أبتدائى" فمن أين له هذا؟ | [[ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-بعد-شفاءه-من-مرضه-عام-1947م.jpg|تصغير|200بك|<center>الإمام [[حسن البنا]]</center>]] | ||
ويتسأل البعض كيف كان استطاع [[حسن البنا]] أن يقوم بتمويل حركته وانتقالاته مع أنه كان فقيرا فقد كان "مدرس أبتدائى" فمن أين له هذا؟ | |||
قلت هذا من الغلط الخفى الذى حذر منه ابن خلدون. | قلت هذا من الغلط الخفى الذى حذر منه ابن خلدون. | ||
أن راتب المدرس المتخرج من دار العلوم يومها | أن راتب المدرس المتخرج من دار العلوم يومها كان 8 جنيهات مصرية -فى ذلك الوقت كانت ثروة- فقد كان التعامل اليومى بالملاليم وكانت القروش لا تذكر الإ عند إستئجار البيوت أما التعامل بالجنيهات فقد كان عند شراء العقارات والأطيان ونحوها. | ||
'''وأليك بعض الأدلة:''' | |||
المهم ومحل الشاهد أن الغفلة والذهول عن تبدل الأحوال جعل من يتصدى لتاريخ [[حسن البنا]] يزعم | *استضافنا أحد أساتذتنا يوم وهو خريج دار العلوم سنة [[1927]] ، أنه جيل [[حسن البنا]] ولما رأى اعجابنا بعظمة البيت وفخامته أخبرنا أنه ملك وليس مؤجرا فأخبرنا أنه أستطاع أن يدخر 8 جنيهات دفعها مقدم الثمن لقطعة الأرض هذه ثم جاءه 8 جنيهات أخرى مكافأة من أستاذه [[علي الجارم]] على كتب قد راجعها له أثناء طباعتها ، المهم ومحل الشاهد أن الغفلة والذهول عن تبدل الأحوال جعل من يتصدى لتاريخ [[حسن البنا]] يزعم أنه فقير. | ||
'''مدرس الابتدائى''': | |||
:كثيرا ما نبذ [[حسن البنا]] بهذا اللقب "مدرس أبتدائى" من شانئيه والحاقدين عليه وعلى دعوته. | |||
:'''وأجيب عن هذا بكلام بن خلدون مرة أخرى "إن هذا من الذهول عن تغير العوائد والأحوال" وبيان ذلك بالآتى :''' | |||
وأجيب عن هذا بكلام بن خلدون مرة أخرى "إن هذا من الذهول عن تغير العوائد والأحوال" وبيان ذلك بالآتى : | |||
أ-إن مدرس الإبتدائى فى ذلك القوقت غير الآن وذلك أن سلك المراحل التعليمية كان مختلفا عما هو عليه حاليا فلم تكن المدرسة الإبتدائية تعلم ألف باء ولكن كانت مرحلة متوسطة تؤهل للجامعة مباشرة. | :أ- إن مدرس الإبتدائى فى ذلك القوقت غير الآن وذلك أن سلك المراحل التعليمية كان مختلفا عما هو عليه حاليا فلم تكن المدرسة الإبتدائية تعلم ألف باء ولكن كانت مرحلة متوسطة تؤهل للجامعة مباشرة. | ||
ب-عدد المدارس الإبتدائية فى ذلك الوقت فى مصر كلها كان يعد بالعشرات وكان المدرسون هم صفوة المجتمع. | :ب- عدد المدارس الإبتدائية فى ذلك الوقت فى [[مصر]] كلها كان يعد بالعشرات وكان المدرسون هم صفوة المجتمع. | ||
ج-لم تكن صورة المدرس فى المجتمع كما هى الآن كان المدرسة ذا مكانة اجتماعية وعلمية وقد كان الكثير من أعلام مصر من المدرسين نذكر منهم على سبيل المثال: | :ج- لم تكن صورة المدرس فى المجتمع كما هى الآن كان المدرسة ذا مكانة اجتماعية وعلمية وقد كان الكثير من أعلام مصر من المدرسين نذكر منهم على سبيل المثال: [[النقراشي]] باشا رئيس الوزراء-على بك الجارم-[[علي أحمد باكثير]]- [[سيد قطب]] -[[أحمد حسن الزيات]] - [[أحمد أمين]]. | ||
:وبالجملة كل أساتذة الجامعات المصرية الذين التحقوا بالتدريس فى الجامعات قبل الأربعينات كلهم -تقريبا- كانوا من بين صفوف المدرسين. | |||
:فانظر أى تزييف للتاريخ حينما يقول أحدهم على شاشة الفضائيات" هو [[حسن البنا]] كان أيه؟ دا كان مدرس أبتدائى جاهل" يقول ذلك باستخفاف واستهانة والذين يسمعون ينظرون إلى صورة المدرس الآن ولايدركون الفرق الهائل بين مدرس الابتدائى فى العشرينات والثلاثينات والمدرس الآن مع احترامى لكل مدرس وتقديرى لمايؤدونه من واجب ويتحملونه من متاعب. | |||
{{روابط النظام الخاص}} | |||
[[تصنيف:أحداث صنعت التاريخ]] | [[تصنيف:أحداث صنعت التاريخ]] | ||
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]] | [[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]] | ||
المراجعة الحالية بتاريخ ١٩:٥٧، ٢٧ نوفمبر ٢٠١١
مقدمة
نحمد الله سبحانه وتعالى حق حمده، ونصلى ونسلم على صفوة خلقه، وخاتم رسله سيدنا محمد النبى الأمى وبعد: فهذه صفحات من تاريخ الجماعة الإسلامية الأم، ما قدرت يوما أنى سأكتبها ،وأخطها بقلمى لا لأنها تحمل أفكار عارضة لا حت لى فجاءة بل العكس هو الصحيح فهى تحمل أفكار ظلت تراوحنى وتغادينى منذ أزمان بعيدة تحدثت بها طويلا وناقشت حولها كثيرا ودعوت إلى كتابتها وتدوينها من هم أقدر عليها وأجدر بها ولديهم الوسائل والأمكانات للإحاطة بدقائقها والمعرفة ببتفاصيلها ولكنى دفعت فجاءة لحمل القلم حين رأيت البعض يقرأ بعض الاحداث التى مرت بها الجماعة أويفسرها تفسيرا غير صحيح.
ثم أننى أردت -بالدرجة الأولى-أن أبين حقيقة التاريخ وكيف يُقرأ و كيف تُفسر الأحداث وتقدر المواقف فالتاريخ ليس مجرد سردا للوقائع والأحداث بغير استبطان ضمائر من قام بهاوإدراك العوامل والظروف التى دفعت إليها إن كل الأحداث التى تُروى فى كتب التاريخ محكومة بعوامل وأسباب ومقدمات أدت إليها هذه العوامل والأسباب هى التى ينبغى أن يجرى ورءها المؤرخ وبدون إدراكها والإحاطة بها ستكون القرءاة للأحداث خاطئة وسيكون التفسير للتاريخ فاسدا مفسدا ولله در بن خلدون حيث قال منذ ستمائة عام عن التاريخ : "..بل هو نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع عميق".
حاولت أن أطبق ذلك على نقطة أو جزئية صغيرة من تاريخ الجماعة ألا وهى العمل السرى والعنف وفيها نتحدث عن التشكيلات شبه العسكرية (الجوالة) وعن التنظيم السرى (الجهاز الخاص) وعن الأحداث الدموية والنسف والإغتيالات.
وألحقنا بهذا الفصل طرفا عن جهاد الإخوان فى فلسطين لما لهذا الجهاد من أثر مباشر فى حل الجماعة وبدء مسلسل العنف وردا على بعض المزيفين الذين ينكرون جهارا نهارا أن يكون للإخوان دور فى هذا الجهاد.
وأحب ان أوكد أننا لانبغى بهذا ذبا عن أحد ولا تبرير لأخطاء أحد وأنما غايتنا-والله مطلع على نوايانا وعليم بما فى صدرونا-الحق والحق وحده وإن بدا أحيانا أننا ندافع عن أحد فهذا من خطأ القارىء,ليس منا ذلك أن تفسير الحدث ومعرفة أسبابه ودوافع من قاموا به ليس تبريرا له ولادعوة إلى تكراره فالتفسير غير التبرير ورجال القانون: مدعون أو قضاة أو محامون دائما يبحثون عن الدوافع والأسباب ويجعلون لها وزنها على(الفعل) ولكن البعض للأسف يخلط بين التفسير والتبر ير تسرعا وتحاملا أو مغالطة أو بغير علم.
من جهود الحركة الإسلامية ونجاحاتها
- لقد بذلت الحركة الإسلامية جهدا خارقا فى وقف آثار صدمة التدهور، وردّ آثار موجة التغريب التى كادت تسيطر على الفكر والسلوك، وتكرّس عقدة النقص ، وتشيع روح الإنهزامية .
- عملت الحركة الإسلامية بذكاء ومهارة على وقف ذلك الطوفان الغالب،وقدّر الله لها النجاح، فأخرجت الإسلام من الزوايا الثلاث التى أريد له أن يكون سجيناً فيها: أعنى طقوس دفن الموتى ،وصيغة عقد الزواج ، وركيعات المسجد.
- نعم ،أخرجت الإسلام من هذه الزوايا إلى دنيا الناس وحياتهم اليومية ،وانتهت به إلى أن صار منهج حياة كما أراده رب العالمين؛ فصار الإسلام حاضرا فى كل مناحى الحياة: اللباس والزّى ،والمطعم والمشرب ،والعلاقات الإجتماعية والحفلات،والمعاملات والتبادلات،وصارت المناداة والمطالبة بإتخاذ القرآن دستوراً يحكم الإقتصاد،والتعليم ،والسياسة والعلاقات الدولية ، وكلِّ شأن من الشئون ،وعاد للأمة وعيها وشموخها، فصار نداؤها "الإسلام صالح لكل زمان ومكان".
- ثم تطور النجاح فصار النداء:"لايصلحُ كلُّ زمان ومكان الإ بالإسلام".
- ولم يأت ذلك عفواً صفوأ،بل كان ثمرة جهاد دائب، وعملٍ خالص ،لنحو نصف قرن من الزمان.
- وأذا شئت أن تعرف قيمة ها الجهد، فاعلم أننا أدركنا فى أول الأربعينات من القرن الماضى من كان ينادى"أنا الشرق عندى ديانات وفلسفات،من يبيعنى دبابات وطائرات".
نجاح آخر
وواكب هذا النجاح نجاحا آخر فى ميدان البحث والتنظير،حتى امتلأت المكتبات بالمؤلفات المعاصرة فى قضايا الناس الحياتية وعلاجها من منظور إسلامى،وبلغ هذا النجاح حداً جعل أقلاماً قوية صادقة تشتغل بهذه الأبحاث الإسلامية، وإن لم يكن أصحابها من أبناء الحركة الإسلامية،أى لاينتمون لها رسمياً، ولاينضوون تحت لوائها تنظيمياً، وصار الكتاب الإسلامى هو الأكثر طلباً وذيوعاً فقد وجدت الأمة فيه الخطاب الذى تفهمه والنداء الذى يَمَسُّ شغاف قلوبها.
إهمال التاريخ وإغفال أثره
ولكن مع هذا الوعى فات الحركة ومنظروها أن يلتفتوا إلى دراسة التاريخ الإسلامى ،دراسة علمية منهجية تحليلية، لسيتخرجوا منه العظات والعبر ،ثم ليقدموا النموذج التاريخى المشرق المضىء ليُنسج على منواله، ويقتدى به، ومن يتأمل يجد أننا نُغزى بالتاريخ ، وأن غلاة العلمانيين وملاحدتهم يعتمدون فى رفضهم ومناوأتهم للعمل الأسلامى على مايزعمونه من رزايا ومآسى التاريخ.
نجد هذا فى مؤلفاتهم ومحاضراتهم ومناظراتهم ولا يجد الأسلاميون دفعاً ولارداً إلا تلك الجملة "إن الإسلام يحكم على المسلمين ،والمسلمون لايحكمون على الإسلام".
حتى تاريخ الجماعة
نعم لم يقتصر الوعى على التاريخ الإسلامى فقط ، بل ظهر ذلك جلياً واضحاً تجاه تاريخ الجماعة أيضا ،ليس فى عدم الاهتمام بتسجيل مادته ووثائقه كما ينبغى بل فى الاحساس به وتفسيره. والدليل على ذلك مانراه بصورةمتكررة -شبه يومية- فى حوارت ولقاءات على الهواء فى الفضائيات ، تتطرق إلى تاريخ الإخوان والعنف فنجد من الإخوان -محاورين أو مداخلين- أسلوب الخجل والإعتذار، وأحيانا محاولات فاشلة لتحميل شخص أو أكثر هذه الأحداث.
لو التفتوا قليلا إلى تاريخ الجماعة قليلاً،لباهوا الدنيا بتاريخهم فى هذا الجانب، ولأجابوا بالأرقام والحقائق:أن الإخوان أبدا لم يتخذوا العنف منهجاً، ولم يعتمدوه وسيلة ،ويشهد بذلك تاريخهم ، وينطق به فكرهم ،فليس هناك مايعتذر عنه، هناك أخطاء ولاشك فتلك طبيعة البشر وتلك سنة كونية: لايوجد عمل بدون خطأ، والذين لايخطئون هم الذين لايعملون.
من أجل هذا كانت هذه الكلمات التى يحاول كاتبهاأن ينبه إلى خطورة التاريخ ويحذِّر من أن الخطأ فى تفسيره وقراءته لايقل بشاعة عن أهماله وإلقاءه ظِهريا، متخذا من اتهام الإخوان بالعنف مجالاً ونموذجا لما يحاوله ويدعوا إليه.
سر الخطأ فى التاريخ
يقول ابن خلدون فى مقدمته" ومن الغلط الخفى فى التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال فى الأمم والاجيال، بتبدل الأعصار ومرور الأيام ،وهو داء دوىّ شديد الخفاء.. فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة ، وذلك أن أحوال العالم والامم وعوائدهم ونحلهم لاتدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال"
مدرس أبتدائى فقير !!
ويتسأل البعض كيف كان استطاع حسن البنا أن يقوم بتمويل حركته وانتقالاته مع أنه كان فقيرا فقد كان "مدرس أبتدائى" فمن أين له هذا؟
قلت هذا من الغلط الخفى الذى حذر منه ابن خلدون.
أن راتب المدرس المتخرج من دار العلوم يومها كان 8 جنيهات مصرية -فى ذلك الوقت كانت ثروة- فقد كان التعامل اليومى بالملاليم وكانت القروش لا تذكر الإ عند إستئجار البيوت أما التعامل بالجنيهات فقد كان عند شراء العقارات والأطيان ونحوها.
وأليك بعض الأدلة:
- استضافنا أحد أساتذتنا يوم وهو خريج دار العلوم سنة 1927 ، أنه جيل حسن البنا ولما رأى اعجابنا بعظمة البيت وفخامته أخبرنا أنه ملك وليس مؤجرا فأخبرنا أنه أستطاع أن يدخر 8 جنيهات دفعها مقدم الثمن لقطعة الأرض هذه ثم جاءه 8 جنيهات أخرى مكافأة من أستاذه علي الجارم على كتب قد راجعها له أثناء طباعتها ، المهم ومحل الشاهد أن الغفلة والذهول عن تبدل الأحوال جعل من يتصدى لتاريخ حسن البنا يزعم أنه فقير.
مدرس الابتدائى:
- كثيرا ما نبذ حسن البنا بهذا اللقب "مدرس أبتدائى" من شانئيه والحاقدين عليه وعلى دعوته.
- وأجيب عن هذا بكلام بن خلدون مرة أخرى "إن هذا من الذهول عن تغير العوائد والأحوال" وبيان ذلك بالآتى :
- أ- إن مدرس الإبتدائى فى ذلك القوقت غير الآن وذلك أن سلك المراحل التعليمية كان مختلفا عما هو عليه حاليا فلم تكن المدرسة الإبتدائية تعلم ألف باء ولكن كانت مرحلة متوسطة تؤهل للجامعة مباشرة.
- ب- عدد المدارس الإبتدائية فى ذلك الوقت فى مصر كلها كان يعد بالعشرات وكان المدرسون هم صفوة المجتمع.
- ج- لم تكن صورة المدرس فى المجتمع كما هى الآن كان المدرسة ذا مكانة اجتماعية وعلمية وقد كان الكثير من أعلام مصر من المدرسين نذكر منهم على سبيل المثال: النقراشي باشا رئيس الوزراء-على بك الجارم-علي أحمد باكثير- سيد قطب -أحمد حسن الزيات - أحمد أمين.
- وبالجملة كل أساتذة الجامعات المصرية الذين التحقوا بالتدريس فى الجامعات قبل الأربعينات كلهم -تقريبا- كانوا من بين صفوف المدرسين.
- فانظر أى تزييف للتاريخ حينما يقول أحدهم على شاشة الفضائيات" هو حسن البنا كان أيه؟ دا كان مدرس أبتدائى جاهل" يقول ذلك باستخفاف واستهانة والذين يسمعون ينظرون إلى صورة المدرس الآن ولايدركون الفرق الهائل بين مدرس الابتدائى فى العشرينات والثلاثينات والمدرس الآن مع احترامى لكل مدرس وتقديرى لمايؤدونه من واجب ويتحملونه من متاعب.