قضية السيارة الجيب وحكم المحكمة التاريخى عن النظام الخاص وجماعة الإخوان
مقدمة
فى حلقة أمس من مسلسل الجماعة تطرق وحيد حامد فى مسلسل الجماعة إلى قضية السيارة الجيب ولأنه سيتجاهل التفاصيل فإليكم تفاصيل الرواية
اتم اكتشاف النظام الخاص عبر قضية السيارة الجيب عام 1948 حيث عثر البوليس السياسي علي سيارة جيب بها جميع أسرار النظام الخاص لجماعة الإخوان ومن بينها أوراق التكوين والأهداف، وقدمتها حكومة النقراشي لمحكمة الجنايات، ولما اطلعت المحكمة علي أهداف النظام قالت في حكمها عن المدانين منهم : " إن المدانين كانوا من ذوي الأغراض السامية التي ترمي أول ما ترمي إلي تحقيق الأهداف الوطنية لهذا الشعب المغلوب علي أمره. "
يقول القرضاوي في مذكراته " لقد أحيلت هذه القضية إلى محكمة مدنية، برئاسة المستشار أحمد بك كامل، وكان قد اتهم فيها أكثر من ثلاثين شخصا، منهم عبد الرحمن السندي، ومصطفى مشهور، ومحمود الصباغ، وأحمد حسنين، وأحمد زكي وغيرهم. وكان الجو السياسي قد تغير، بعد سقوط حكومة إبراهيم عبد الهادي، وكانت فرصة ليصول فيها المحامون الإسلاميون والوطنيون، أمثال مختار عبد العليم، وشمس الدين الشناوي، وعبد المجيد نافع، وعزيز فهمي، وأحمد حسين وغيرهم. وأن تسمع شهادات رجال كبار مثل اللواء المواوي، واللواء فؤاد صادق وغيرهما.
وقد أصدرت المحكمة فيها حكما تاريخيا، برأ أكثرية المتهمين، وحكم على أفراد قليلين منهم بأحكام مخففة، ما بين سنة وثلاث سنوات، ولكن الشيء المهم في الحكم أنه أنصف الإخوان بوصفهم جماعة إسلامية وطنية. وأبرز دورهم الوطني والجهادي في مصر وفلسطين، ودورهم الثقافي والاجتماعي في خدمة مصر، ثم كانت المفاجأة أن انضم رئيس المحكمة المستشار الكبير أحمد كامل بعد ذلك إلى الإخوان، ونشرت ذلك الصحف بالخط العريض: حاكمهم ثم انضم إليهم!
الغريب أن يسارع النقراشى وحكومته بحل الجماعة دون انتظار حكم المحكمة وسأنقل لكم الحكم التاريخى للمحكمة فى القضية نقلا من كتاب الأستاذ محمود الصباغ عن التنظيم الخاص يقول :
اسمع يا سيدي قرار الاتهام في هذه القضية الشهيرة باسم قضية السيارة الجيب والتي فجر بها النقراشي باشا الفتنة في مصر ليستر خيانته العظمة في فلسطين، دون أن ينتظر حكم القضاء فيها، هذا الحكم الفاصل في شأن النظام الخاص ووسائله وأهدافه وأعماله منذ نشأته حتى نهاية حكم الملك السابق فاروق وبداية ثورة 23 يوليو، لأنه صادر من محكمة تمثل حكومة النقراشي باشا المدعية على الإخوان المسلمين، ومن ثم فإنه يلزمها الحجة دون جدال أو نقاش خاصة أن النيابة العامة لم تجد فيه ثغرة واحدة تسمح لها بنقضه، بل أقرت بكل ما جاء فيه اعترافًا منها أنها كانت على خطأ كبير، فقد اشتملت الأوراق المضبوطة في السيارة الجيب على كل أسرار هذا النظام ووسائله وأهدافه، ولم تكن إلا أشرف الوسائل وأنبل الغايات، ولكن النيابة العامة خضوعًا منها لرئيس الدولة وأغراضه وأهدافه قد قرأتها على ما يبدو بالمقلوب حتى صحح لها القضاء القراءة فوقعت الطامة على رأس هذا العهد البائد ثم أزاله الله من الوجود في يوليو 1952 مكللاً بكل صفات الفساد والانحلال التي يمكن أن يتصف بها بشر.
الحكم في قضية السيارة الجيب ويشتمل أيضًا على قرار اتهام الإخوان المسلمين
محكمة جنايات القاهرة
الحكم الصادر في قضية النيابة العمومية رقم 3394 الوايلي 1950 ورقم 227 سنة 1950 كلي سيارة الجيب المتهم فيها عبد الرحمن السندي وآخرين.
محكمة جنايات القاهرة المشكلة علنًا برياسة حضرة صاحب العزة أحمد كامل بك وكيل محكمة استئناف القاهرة، وحضور حضرتي صاحب العزة محمود عبد اللطيف بك ومحمد زكي شرف بك المستشارين بمحكمة استئناف القاهرة وحضرة الأستاذ محمد عبد السلام رئيس نيابة استئناف القاهرة ومحمد علي عبده أفندي سكرتير المحكمة أصدرت الحكم الآتي في قضية النيابة العمومية رقم 3394 الوايلي 1950 ورقم 227 سنة 1950 كلي:
- عبد الرحمن علي فراج السندي موظف بوزارة الزراعة
- مصطفى مشهور مشهور موظف بمصلحة الأرصاد الجوية
- محمود السيد خليل الصباغ موظف بمصلحة الأرصاد الجوية
- أحمد زكي حسن مدرس بالجيزة الابتدائية مصر القديمة
- أحمد محمد حسنين مراقب حسابات بشركة المعادن بالسيدة عائشة
- محمد فرغلي النخيلي تاجر معادن بشارع غيط النوبي
- أحمد قدري الحارثي مهندس بمصلحة الطيران المدني
- محمد حسني أحمد عبد الباقي عضو مجلس مديرية الجيزة
- أحمد متولي حجازي مهندس
- السيد فايز عبد المطلب مهندس
- أحمد عادل كمال موظف بالبنك الأهلي المصري
- طاهر عماد الدين مهندس معماري
- إبراهيم محمود علي ترزي
- دكتور أحمد الملط طبيب
- محمد أحمد علي وغيرهم
ثم استعرض الصباغ فى كتابه قرار الإتهام للنيابة بالتفصيل ويمكن الرجوع إليه فى كتابه مناقشة تهمة الاتفاق الجنائي على قلب نظام الحكم كما جاءت في نص حكم المحكمة:
وحيث أنه عندما وجهت هذه التهمة كانت فكرة الاتهام أن تكون شاملة عددًا كبيرًا لا يقف عند حد المتهمين المعدودين محل هذه المحاكمة، بل إن النيابة العامة قصدت في أقوالها إلى تصوير أن الجماعة بأسرها رمت إلى قلب نظام الحكم وأن أقوال مرشدها العام كانت تحمل معاني التحريض السافر على القيام بهذه الجريمة، وأن المتهمين وزملائهم فهموا من كلام المرشد أنه يرمي إلى ذلك، فالاتهام بهذا التصوير أراد أن يحمل الجماعة مسئولية هذه الجريمة بدليل أنه خلص إلى القول بأن الغرض النهائي هو إقامة جمهورية على رأسها المرشد العام.
فكان طبيعيًا والتهمة موجهة إلى جماعة الإخوان والمرشد أن تعرض المحكمة لنشأتها وأغراضها ووسائلها وتطورها وما يستنتج من أقوال مؤسسها.
حكم المحكمة بشأن الإخوان المسلمين
وحيث إنه تبين للمحكمة من الأوراق المقدمة من الدفاع وما ضبط في دار المركز العام أنه في عام 1928 أنشأ الشيخ حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين ووضع لها مع آخرين قانونا جاء فيه: أن الغرض منها تكوين جيل جديد يفهم الإسلام فهمًا صحيحًا ويعمل بتعاليمه وأن رسائلها لتحقيق هذا الغرض هي تغذية الفضائل الخلقية وإحياء الشعور بكرامة الأمة وتحرير النفوس من الضعف والتحذير من الاندفاع في حياة المتعة والترف ونشر الثقافة والمحافظة على القرآن ومحاربة الأمية وتأسيس المنشآت النافعة للأمة كالمستوصفات الطبية ومحاربة الآفات الاجتماعية كالمخدرات والمسكرات والمقامرة والبغاء، وتشجيع أعمال الخير وتقوية روابط التعارف بين الشعوب الإسلامية، مع تنمية روح التعاون والاقتصاد والدفاع عن الإسلام ومقاومة كل عدوان يراد به، وتقوية الروح الرياضية في نفوس الشباب.
وبتاريخ 8 سبتمبر 1945 أدخلت الجمعية العمومية لهيئة الإخوان المسلمين تعديلات على قانونها النظامي، ثم أدخلت تعديلات أخرى في 30 يناير سنة 1948 وهذه التعديلات لم تمس الجوهر لكنها تناولت التفاصيل، فجاء فيما يتصل بأغراض الجماعة أنها ترمي إلى شرح دعوة القرآن الكريم وعرضها عرضًا يوافق روح العصر وتنمية الثروة العمومية وتحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي لأفراد الأمة، ومكافحة الفقر والجهل والمرض والسعي إلى تحرير وادي النيل والبلاد العربية جميعًا والوطن الإسلامي بكل أجزائه من أي سلطان أجنبي، وتأييد الوحدة العربية والسير إلى الجامعة الإسلامية، وقيام الدولة الصالحة التي تنفذ أحكام الإسلام، ومناصرة التعاون العالمي في ظل المثل العليا الفاضلة.
ثم تحدث القانون عن الوسائل التي تتبعتها الجماعة لتحقيق الأغراض سابقة الذكر، فقال إنها الدعوة بطريق النشر والتربية الدينية والروحية والمدنية الصالحة، مع تثبيت معنى الإخوة الصادقة والتعاون ليتكون رأي عام موحد، مع وضع المناهج الصالحة في كل شئون المجتمع من تربية وتعليم وتشريع وغيرها، والتقدم بهذه المناهج إلى الجهات المختصة والوصول بها إلى الهيئات النيابية والتشريعية والتنفيذية في الدولة، لتخرج من دور التفكير النظري إلى دور التطبيق العملي، ومن بين الوسائل أيضا العمل على إنشاء مؤسسات اقتصادية واجتماعية وعلمية ودينية وتأليف لجان لتنظيم الزكاة وأعمال البر، ومقاومة الآفات الاجتماعية وإرشاد الشباب إلى طريق الاستقامة وشغل وقت الفراغ بما ينفع، وتنشأ لذلك أقسام مستقلة طبقا للوائح وخاصة القانون 49 سنة 1945 الخاص بتنظيم الجمعيات الخيرية، وأعمال البر وتسجيلها بوزارة الشئون الاجتماعية، وجاء في القانون أيضًا أن الأعضاء يستعينون بكل وسيلة مشروعة أخرى.
فيبين مما تقدم أن الجماعة كانت حريصة على أن تسجل في قانونها التزام الأوضاع الدستورية لتحقيق أغراضها.
وقد عملت الجماعة على تنفيذ الأغراض التي وضحت في قانونها وطبقًا للوسائل المشار إليها، فأنشأوا صحيفة يومية لنشر دعوتهم، وأقاموا مؤسسات اقتصادية و مستوصفات، كما كونوا فرقًا للجوالة، وكان رئيسهم يتابع نشر الدعوة وتفهيم الناس بحقيقتها وذلك بإلقاء أحاديث دورية أسبوعية ومحاضرات وخطب في المناسبات.
وكان من بين ما ألقاه المرشد العام ونشر في رسائل، كتيب عنوانه: «بين الأمس واليوم» ضبط في دار المركز العام، تناول فيه رسالة النبي الأمين ومنهاج القرآن الكريم، ثم القواعد الأساسية في الإصلاح الاجتماعي الكامل كما جاءت في القرآن الكريم ونظام الدولة الإسلامية الأعلى، مع شرح عوامل التحليل التي طرأت على كيانها وبيان الصراع السياسي والاجتماعي بين المسلمين وطغيان المادة على بلادهم وأشار أيضًا إلى أن دعوة الإخوان هي دعوة البعث والإنقاذ، ثم تساءل عن أهداف الجماعة العامة، ونفى أن أغراضها جمع المال وهو عرض زائل، والجبروت في الأرض: ﴿الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [الأعراف: 128].
وانتقل بعد ذلك إلى القول بأن للجماعة هدفين أساسيين هما: تحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي، وأن تقوم فيه دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتبلغ دعوته للناس.
ثم تحدث عن الأهداف الخاصة فقال: إنها إصلاح التعليم ومحاربة الفقر والجهل والمرض والجريمة مشيرًا إلى أن أكثر من 60% من المصريين يعيشون أقل من معيشة الحيوان، وأن مصر مهددة بمجاعة قاتلة وهي أكثر بلاد العالم المتمدين أمراضًا وأوبئة وعاهات، وأن أكثر من 90% من الشعب مهدد بضعف البنية ومختلف العلل، وأن مصر لم تستطع إلى الآن «1946» أن تجهز فرقة واحدة كاملة المعدات.
ثم انتقل المرشد بعد ذلك إلى تحديد الوسائل، فقال: إن الخطب والأقوال لا تجدي ولا تحقق غاية، ولكن الوسائل التي لا تتغير ولا تتبدل هي الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل.
ثم قال بعد ذلك تحت عنوان (العقبات في طريقنا): أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لازالت مجهولة عند كثير من الناس ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة، ونبه أعضاء الجماعة إلى ما عساه أن يلقوه من مشقات في سبيل الوصول إلى أهدافهم شأنهم في ذلك شأن أصحاب الدعوات مشيرًا في تفصيل العقبات إلى أن الحكومة ستقف في وجوههم محاولة الحد من نشاطهم، كما أن الغاصبين سيتذرعون بكل طريق لمناهضة الجماعة وإطفاء نور دعوتهم، ويستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأخلاق الضعيفة.
ثم خاطب الإخوان بعد ذلك بقوله: إنهم ليسوا جمعية خيرية ولا حزبًا سياسيًا إلى غير ذلك من الأقوال التي سبق إثباتها عند الكلام على الأدلة التي ساقها الاتهام.
وانتهى كتاب المرشد العام بتنبيه الإخوان إلى الإيمان بالله ولا يخافون غيره ولا يرهبون سواه وأن يؤدوا فرائضه ويتجنبوا نواهيه ويتخلقوا بالفضائل، ويتمسكوا بالكمالات ويتدارسوا القرآن والسيرة النبوية وأن يكونوا عمليين لا جدليين.
وإلى هنا ينبغي لنا أن نقف وقفة للتعليق على ما أثبتته المحكمة في حكمها عن جماعة الإخوان المسلمين، ونشأتها وأغراضها ووسائلها وتطورها، حتى نتبين من هذه النصوص من هو القائل الحقيقي لمحمود فهمي النقراشي باشا:
1- يتضح مما سجلته المحكمة أعلاه أن المحكمة قد حكمت:
أولاً: بأن الجماعة كانت حريصة على أن تسجل في قانونها التزام الأوضاع الدستورية بتحقيق أغراضها.
ثانيًا: أن الجماعة عملت فعلا على تنفيذ الأغراض التي وضحت في قانونها وطبقا للوسائل المشار إليها، فأنشأوا صحيفة يومية لنشر دعوتهم وأقاموا مؤسسات اقتصادية ومستوصفات، كما كونوا فرقًا للجوالة، وكان رئيسهم يتابع نشر الدعوة وتفهيم الناس بحقيقتها وذلك بإلقاء أحاديث دورية أسبوعية ومحاضرات وخطب في المناسبات، فلم يعد بعد ذلك هذا الحكم النهائي الصادر من محكمة مشكلة بقرار صادر من حكومة هي أعدى أعداء الإخوان المسلمين، وقد وافق عليه ممثل الاتهام في هذه الحكومة بدليل أنه لم يتقدم إلى محكمة النقض لنقضه اعترافًا منه بعدالة هذا الحكم ومطابقته للأمر الواقع.
ولم يعد بعد ذلك لمؤرخ أو كاتب أن يتهجم على دعوة الإخوان المسلمين وأغراضها ووسائلها، لأنه إن فعل شيئا من ذلك كان كاذبًا على التاريخ إن كان مؤرخًا وكاذبًا على الأمة إن كان كاتبًا دون جدال.
2- يتضح مما سجلته المحكمة في حكمها نقلاً عن رسالة بين الأمس واليوم للإمام الشهيد أن الإمام الشهيد وهو يكتب هذه الرسالة في سنة 1946 كان يرى بنور الله ما لا يراه عامة الناس، حيث سجل صراحة أن الحكومة ستقف في وجوههم محاولة الحد من نشاطهم، كما أن الغاصبين سيتذرعون بكل طريق لمناهضة الجماعة وإطفاء نور دعوتهم، ويستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأخلاق الضعيفة.
وقد تحقق ذلك كله كفلق الصبح في سنة 1948 وما بعدها، حيث تصدت حكومة محمود فهمي النقراشي باشا إلى هذه الجماعة بالحل والاعتقال ومصادرة الأموال، وهي صديقة له تقف معه في حربه للصهاينة، وتختلط دماء شهدائها بدماء جنوده، ويدفع رجالها من مالهم الخاص تكاليف اشتراكهم في المعركة من سلاح ومعدات حربية، ونقل ومعيشة، دون أي تفسير من جانب حكومة النقراشي باشا لهذا الفعل الغادر، إلا قول الإمام الشهيد في رؤيته النورانية لما يمكن أن يقع من أحداث قبل وقوعها بسنتين كاملتين أن الحكومة ستقف في وجوههم محاولة الحد من نشاطهم، كما أن الغاصبين سيتذرعون بكل طريق لمناهضة الجماعة وإطفاء نور دعوتهم ويستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأخلاق الضعيفة.
وهل يمكن أن تكون هناك حكومة أضعف من حكومة تخضع للعدو الغاصب، فتدخل بتوجيه منه حربًا لم تحسن الإعداد لها بدليل أنها لم تصمد أمام عصابات يهودية لا دولة يهودية أسبوعًا واحدًا، وهو ما كان يهدف إليه العدو لإثبات أن ما تسميه مصر عصابات هو في الحقيقة دولة أقوى من دولتها، ثم لا تغضب هذه الحكومة لكرامتها وقد انكشفت لها خطة العدو الغاصب، بل تخضع لتعليماته فتضرب أعز أبنائها، لمجرد أنهم أثبتوا بسالة نادرة، وجدية حقيقية في ميدان القتال، بوهم أنهم ما داموا بهذه الجدية والبسالة، فقد أصبحوا خطرًا عليها، لا درعًا لها وكأنها كانت تريد من شعب مصر أن يتخلف عنها وعن نظامها في الإعداد والتكوين لتطمئن إلى أن هذا الشعب أسير يدها حبيس إرادتها، فإن ظهر لها غير ذلك كان هذا الشعب الذي فرض الله عليها أن تحميه وأن ترعاه، هو أعدى أعدائها، وكان أخطر عليها من عصابات الهاجناه وشترن الصهيونية!! هل يمكن أن تكون هناك حكومة أشد ضعفًا وأسد خبلا من ذلك؟
بل إن هذه الحكومة المتخاذلة المجنونة لم تقتصر على ضرب الأفراد في حرياتهم وأبدانهم وأموالهم، بل بلغ من جنونها أن تنحرف إلى ضرب مبادئ الإسلام ذاتها التي أحيت في هؤلاء الأفراد أسباب العزة والكرامة والفداء وجعلتهم على النقيض منها ومن نظامها رهبانًا بالليل وفرسانًا بالنهار.
حيث جاء نص المادة الثانية من الأمر العسكري رقم 63 لسنة 1948 الصادر في يوم الأربعاء 7 صفر 1368هـ الموافق 8 ديسمبر 1948م بحل الإخوان المسلمين على النحو التالي:
مادة (2): يحظر إنشاء جمعية أو هيئة من أي نوع كانت أو تحويل طبيعة جمعية أو هيئة قائمة إذا كان الغرض من الإنشاء أو التحويل بطريق مباشر أو غير مباشر بالنشاط الذي كانت تتولاه الجمعية المنحلة أو إحياء هذه الجمعية على أي صورة من الصور كما يحظر الاشتراك في كل ذلك أو الشروع فيه.
إن المطلع على هذه المادة من قرار حل جماعة الإخوان المسلمين يدرك ومن أول وهلة أن المقصود هو أن يحظر على المصريين قيام أي جمعية أو هيئة من أي نوع كانت تدعو إلى ما كانت تدعو إليه جماعة الإخوان المسلمين من مبادئ أو تتولى أوجه النشاط الذي كانت تتولاه جماعة الإخوان المسلمين في جسد الدولة سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، بل ويحظر القرار على المصريين مجرد التفكير في ذلك أو الشروع فيه.
وقد سبق أن سجلت المحكمة أغراض هذه الجماعة وأوجه نشاطها من واقع المضبوطات التي قدمتها النيابة إليها كدليل إدانة فقالت:
إن الغرض من جماعة الإخوان المسلمين هو تكوين جيل جديد يفهم الإسلام فهمًا صحيحًا ويعمل بتعاليمه، وأن وسائلها لتحقيق هذا الغرض هو تغذية الفضائل الخلقية وإحياء الشعور بكرامة الأمة وتحرير النفوس من الضعف والتحذير من الاندفاع في حياة المتعة والترف ونشر الثقافة والمحافظة على القرآن ومحاربة الأمية وتأسيس المنشآت النافعة للأمة كالمستوصفات الطبية ومحاربة الآفات الاجتماعية كالمخدرات والمسكرات والمقامرة والبغاء، وتشجيع أعمال الخير وتقوية روابط التعارف بين الشعوب الإسلامية مع تنمية روح التعاون والاقتصاد والدفاع عن الإسلام، ومقاومة كل عدوان يراد به، وتقوية الروح الرياضية في نفوس الشباب.
فهل يكن لعاقل أن يتصور صدور حظر شامل على كل المصريين لا على الإخوان المسلمين وحدهم أن يفكر أحد منهم أو يشرع أو يعمل على إحياء هذه المبادئ والقيم السامية في جسد الأمة إلا أن يكون هذا الأمر صادرًا من أعدى أعداء مصر والعروبة والإسلام؟ إذا أغفلت الجمعيات والهيئات العمل على إحياء هذه المبادئ والقيم السامية في جسد الأمة، فلا يكون أمامها إلا أن تنشر بين أعضائها المفاسد والرذائل والانحلال وسوء الأخلاق فهل يرضى عاقل أن يكون ذلك هو حال الجمعيات والهيئات العامة في مصر الواجب الالتزام به تنفيذًا للأمر العسكري من الحاكم العسكري محمود فهمي النقراشي باشا؟
نستكمل الحكم التاريخى للمحكمة التى حكمت فى قضية السيارة الجيب والتى أنصفت النظام الخاص وجماعة الإخوان المسلمين وفى حيثيات الحكم تقول المحكمة :
حيث أن الاتهام وقد عزا إلى جماعة الإخوان المسلمين السعي إلى قلب نظام الحكم بالقوة وقال إن الإدارة التي أعدوها لتحقيق هذه الغاية هي جماعة إرهابية دربت وأعدت وسميت بالنظام الخاص
وهذا الذي صوره الاتهام فيه خلط بين أمرين:
الأمر الأول: التدريب على استعمال الأسلحة وحرب العصابات
والأمر الثاني: ذلك الاتجاه الإرهابي الذي انزلق إليه بعض المتطرفين من أفراد تلك الجماعة ، وكان من أثر هذا النظر أن انتهى الاتهام إلى القول بأن النظام الخاص بجملته نظام إرهابي.
وحيث أن المحكمة ترى التفرقة بين الأمرين، فالنظام الخاص يرمي إلى إعداد فريق كبير من الشباب إعدادًا عسكريا تطبيقًا لما دعى إليه مؤسس هذه الجماعة في رسائله المتعددة من أن الأمر أصبح جدًا لا هزلاً، وأن الخطب والأقوال ما عادت تجدي، وأنه لا بد من الجمع بين الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل وأن حركة الإخوان تمر بثلاثة مراحل:
الأولى مرحلة التعريف بنشر الفكرة، والثانية مرحلة التكوين لاستخلاص العناصر الصالحة لأعباء الجهاد، ونظام الدعوة في هذا الطور مدني من الناحية الروحية وعسكري من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين دائمًا أمر وطاعة من غير بحث ولا مراجعة، والمرحلة الثالثة مرحلة التنفيذ وهذا الإعداد دائما قصد به تحقيق ما ورد صريحًا في قانون الجماعة من أن من بين أهدافها تحرير وادي النيل والبلاد الإسلامية، وهذا النظام الخاص بحكم هذا التكوين لا يدعو إلى الجريمة ولا يعيبه أن فريقًا من أفراده كونوا من أنفسهم جماعة اتفقوا على أعمال القتل والتدمير.
المحكمة تبرئ النظام الخاص من كل اتهام
وقالت المحكمة:
وحيث أن هذا النظر تأيد من وجود كتب عسكرية مما يدرس للجيش تشمل فضلا عن شرح أنواع الأسلحة والتدريب على استعمالها واقتناص الدبابات وتدميرها ووضع الألغام ونزعها وكل هذه الأمور لا تتطلبها أعمال فئة إرهابية إنما يستلزمها مقاومة من يستعمل تلك الأسلحة.
وحيث إنه مما يدل على أن النية لدى أفراد هذا النظام الخاص كانت متجهة إلى مقاومة جيش الاحتلال، أن بعض ما ضبط في السيارة من أوراق ومنها أوراق تحض على أعمال الفدائيين أشير فيها إلى أن الصداقة البريطانية المصرية مهزلة وأن الإنجليز يظنون شعوب الشرق مسالمة ساذجة، حيث تحدث كاتب هذه الأوراق عن التدريب على زجاجة مولوتوف، وعرقلة المواصلات وتعطيل وسائل النقل الميكانيكية والقوات المدرعة، وانتهى إلى القول في صراحة أنهم إنما يقاومون العدو الغاصب، كما جاء في أوراق أخرى ما يدل على هذا الاتجاه طبقًا لما سبق أن أثبتته المحكمة مفصلا عند استعراض الأوراق المضبوطة. وحيث أن الثابت من أقوال عبد المجيد أحمد حسن السابق تفصيلها أنه فهم أن النظام الخاص يعمل لنصرة أغراض الإخوان المسلمين ولا يعرف إنه يهدف إلى الاستيلاء على الحكم بالقوة وأن المقصود بحرب العصابات هو جيش الاحتلال.
وحيث أن أثر هذا التدريب الروحي والعسكري قد ظهر عندما قامت مشكلة فلسطين وأرسلت الجماعة الكثير من متطوعيها للقتال إذ شهد أمام المحكمة كل من اللواء أحمد بك المواوي القائد الأول لحملة فلسطين واللواء أحمد صادق باشا الذي خلفه بما قام به هؤلاء المتطوعين من أعمال دلت على بسالتهم وحسن مرانهم وسمو روحهم المعنوية وإلمامهم بفنون حرب العصابات
وحيث أن الاتهام في صدد التدليل على قيام الاتفاق الجنائي على قلب نظام الحكم بالقوة استند إلى الورقة المضبوطة بمحافظة «مشهور» وعنوانها قيام الحركة كما استند إلى ورقة في كراسة الإسماعيلية مما سبق تفصيله عند إثبات مضمون الأوراق، وهذا التدليل لا ترى المحكمة له أساسًا لأن هذه الأوراق لم يعرف كاتبها، ولم يقم أي دليل على حصول اتفاق جنائي بشأن ما دون فيها.
على أن بعض عبارات الكراسة تكاد تكون قاطعة في الدلالة على أن الأمر لا يتعدى حد الوصف وإبداء الرأي من جانب الكاتب، فقد ورد فيها ما نصه: «نذكرها اقتراحًا يطلبه الواقع الذي نشاهد وأنه من الحكمة تقدير النجاح لظرفه، كما نطلب إذا لزم عمل أو القيام بأمر أن تشيروا إليه بمقتضى ما لديكم من خرائط، ونحن نقدر الأهداف وظرفها المناسب، ولكم شكرنا الجزيل والطاعة والتنفيذ» «فكأنه لم يتم اتفاق نهائي جدي بشأن ما ورد في هذه الكراسة».
وحيث أنه يخلص مما تقدم أنه لا التنظيم العسكري ولا ما ورد في الأوراق المجهول كاتبها ما يدل على قيام اتفاق جنائي على قلب نظام الحكم، فلم يبق بعد ذلك سوى ما استخلصه الاتهام من مقال حرره المتهم الأخير سليمان مصطفى عيسى وضبط بالمركز العام للإخوان المسلمين عقب صدور أمر الحل. المحكمة تواجه النيابة بأنها تحمل الألفاظ أمورًا لا تتحملها وتستنتج بغير أساس على الإطلاق:
قالت المحكمة:
وحيث أنه بالرجوع إلى هذا المقال يتبين أن عنوانه «النظام الإسلامي في العصر الحاضر»، ويلي هذا العنوان عنون آخر «الإسلام والعدالة الاجتماعية» وقد جاء في صدر المقال أن مصادر التشريع في النظام الإسلامي القرآن والسنة والاجتهاد وأورد الكاتب تحت عنوان: «الحكومة في الإسلام» تسع مواد ذكر في المادة الأولى منها أن الحكومة الإسلامية ديمقراطية نيابية فينتخب فيها رئيس الجمهورية لمدى الحياة، ويعزل إذا أهمل في شأن من شئون الرعية وأن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية وأن الحكومة مسئولة عن حماية أفراد الدولة حماية عامة تشمل حمايتهم من الفقر والجهل والمرض، وأن السبيل للوصول إلى العدالة الاجتماعية هو التضامن الاجتماعي وتحصيل الإيرادات لمصلحة الفقراء لسد النفقات العامة، ثم أشار إلى مصادر الإيراد ومصارفه، وقال بعد ذلك: إن جميع الأفراد لهم الحق في الملك العام وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات، وأنه ليس هناك رق أو استعباد في الإسلام.
وجاء في ثنايا هذا المقال بيان موجز عن حالة الفلاح وإصلاح الطرق الصحراوية ونسبة الوفيات في مصر. وحيث إنه بمجرد إلقاء نظرة عابرة على هذا المقال تبين للمحكمة أنه ضعيف البناء غير متصل الحلقات شأن المواضيع الإنشائية التي يكتبها الطلبة الناشئون، الذين لم تصقل عباراتهم أو يتسع أفقهم في التفكير.
وحيث إن الاتهام ذهب في تفسير هذا المقال إلى أن كاتبه قصد إلى إنشاء نظام ديكتاتوري اشتراكي ينصب فيه المرشد العام ديكتاتورًا على البلاد، وأن هذا المقال لم يكتب إلا ليقين محرره بأن الجمعية قد تآمرت على قلب نظام الحكم عند تحقيق الانقلاب ودلل على هذا النظر بأن أوراق المقال وجدت في المركز العام وأن اسم المتهم ورد في جدول خلايا السيد فايز عبد المطلب.
وحيث إن المتهم أقر بأنه كاتب هذه الأوراق وأنه إنما حررها اشتركًا في مسابقة أعلنت عنها مجلة الطالب العربي في عددها المؤرخ 15 مارس 1947م، وأنه أرسل المقال إلى فريد عبد الخالق رئيس قسم الطلبة بالمركز العام للإخوان باعتباره عضوًا في لجنة فحص ردود المتسابقين، وأنه لم يقصد نظم الحكم في مصر وإنما أراد أن يضع أنموذجًا للحكم في أي بلد إسلامي بصفة عامة.
وحيث إن المحكمة أطلعت على مجلة الطالب العربي المشار إليها كما سمعت أقوال فريد عبد الخالق الذي أرسل إليه المقال وقد تبين من الاطلاع ومن شهادة فريد المذكورة أن دفاع المتهم في هذه الناحية صحيح وأنه عندما كتب المقال موضوع المسابقة كان لا يزال طالبًا في إحدى الكليات وحيث إن عبارات المقال قاطعة في أن كاتبه لم يقصد نظام الحكم في مصر وإنما كان كلامه عامًا تغلب عليه الناحية النظرية، ولم يرد ذكر لمصر إلا فيما يتصل بالفلاح وإصلاح الأراضي الصحراوية ونسبة الوفيات وهي أمور لا علاقة لها بنظام الحكم كما أنه لم يرد بالمقال المذكور أية إشارة إلى المرشد العام أو تنصيب أي شخص حاكم بأمره.
وحيث أنه مما تقدم يتبين أن ما ذهب إليه الاتهام من أن المقال هو مشروع لنظام الحكم في مصر بعد حدوث الانقلاب -هذا الذي ذهب الاتهام فيه تحميل لألفاظ المقال أمورًا لا تحتملها وفيه استنتاج لا أساس له على الإطلاق.
وحيث إنه بانتفاء هذا الدليل تصبح تهمة الاتفاق الجنائي على قلب نظام الحكم لا سند لها من واقع التحقيق أو الأوراق.
المحكمة تقرر أن إسناد الاتفاق الجنائي عن التهم المبينة في البنود 2، 3، 6، 7، 10، 11 من التهمة الأولى والتهمة الرابعة لا أساس له على الإطلاق:
وحيث أن التهمة الأولى الموجهة إلى المتهمين هي أنهم اشتركوا فيما بينهم ومع آخرين لم يعلموا في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جرائم قلب وتغيير دستور الدولة وشكل الحكومة بالقوة وإتلاف سيارات وأسلحة الجيش المصري المعد للدفاع عن البلاد وتخريب المنشآت الحكومية وأقسام ومراكز البوليس ومحطات الإضاءة والمياه وغيرها، وتعطيل وسائل النقل العامة بنسف قطارات السكك الحديدية وجسورها وخطوطها ونسف الطرق والكباري العامة وسيارات الأتوبيس، وتعطيل القوى الكهربائية المولدة لحركة خطوط ترام القاهرة وإتلاف الخطوط التلغرافية والتليفونية الحكومية عمدًا في زمن الفتنة وقتل خيول البوليس عمدًا بدون مقتض بطريق التسمم وجرائم أخرى بقصد الاستيلاء على الحكم بالقوة. وحيث إنه سبق للمحكمة أن عرضت لجريمة قلب وتغيير دستور الدولة وشكل الحكومة بالقوة وانتهت إلى القول بأنها لا أساس لها.
وحيث إنه عن الاتفاق الجنائي على ارتكاب بقية الجرائم المشار إليها فإن الاتهام اتخذ من «كراسة الإسماعيلية» المضبوطة في السيارة الجيب السابق تلخيص ما كتب فيها.. اتخذ منها عمادًا للقول بأن الاتفاق الجنائي قام بين المتهمين وآخرين على ارتكاب تلك الجرائم.
وحيث أن هذه الكراسة لم يعرف كاتبها ولم يقدم دليل على أن ما دون فيها كان محل اتفاق بين المتهمين، ومن العسير القول بأنها ما دامت الكراسة قد ضبطت بين أوراق الفئة الإرهابية فإن إرادة أعضائها تكون قد أتحدت على تنفيذ الجرائم التي سطرها كاتبها المجهول.
وحيث إن هذا النظر تأيد بما جاء في اعترافات عبد المجيد أحمد حسن قاتل النقراشي باشا، عندما تحدث عن محتويات منزل المحمدي الذي قيل بأنها نقلت إلى سيارة الجيب.
فقال: إن من بين الأوراق التي كانت بمنزل المذكور كراسة آتية من الإسماعيلية فيها كلام عن الجيش المصري، والجيش الإنجليزي والمنشآت العامة، وعلم من أحمد عادل كمال أن أحد أفراد الجماعة بالإسماعيلية هو الذي كتبها.
وهذه الأقوال تدل على أن ما ورد بالكراسة كان من قبيل الاقتراحات التي لم يقم الدليل على أنها صادفت قبولاً شخص أو من أشخاص معينين، على أن بعض عبارات الكراسة قاطعة الدلالة أن الأمر لم يتعد حد الوصف وإبداء الرأي كما سبق البيان، فكأنه لم يتم اتفاق نهائي جدي بشأنها.
وحيث إنه من الأدلة التي استند إليها الاتهام في قيام جريمة الاتفاق الجنائي على ارتكاب الجرائم السالفة الذكر أن هناك أوراقًا أخرى ضبطت بالحافظة والسيارة تؤيد اتجاه المتهمين إلى ارتكابها، إلا أن الأوراق التي تتصل بهذا الاتفاق كلها لم تسند إلى شخص معين، وليس هناك من دليل على أنها كانت محل اتفاق بين كاتبيها المجهولين، وبين أشخاص معينين من المتهمين.
وحيث إنه متى تقرر هذا كان إسناد الاتفاق الجنائي على ارتكاب تلك الجرائم إلى المتهمين على غير أساس، وترى المحكمة أن ما تم من اتفاقات جنائية على القتل والنسف والتدمير والسرقة إنما كان من متهمين معينين طبقًا لما يرد بيانه.
وحيث إنه مما تقدم جميعه يبين أنه لم يكن من قصد المتهمين الاستيلاء على الحكم بالقوة، وإنما الثابت في حق بعضهم هو اتفاقات جنائية على القتل والنسف والتدمير والسرقة طبقًا لما ستورده المحكمة من الكلام عن كل متهم على حدة.
المحكمة تبرئ المتهمين من تهمة إحراز أجهزة لاسلكية
وحيث عن الاتفاق الجنائي على إقامة واستعمال محطات سرية للإذاعة واللاسلكي بدون إخطار وبغير ترخيص -فإن هذه الجريمة محل الاتفاق- بعد إلغاء الأمر العسكري رقم (8) الخاص بها قد أصبحت مخالفة تطبيقًا لأحكام المرسوم الصادر في 8 مايو سنة 1926م، ويكون الاتفاق الجنائي هو على ارتكاب مخالفة وهو الأمر الذي لا يشمله نص المادة 48 عقوبات.
وحيث إن التهمة الرابعة التي أسندت إلى المتهمين وقد أصبحت مخالفة كما سبق البيان، فإنه يتعين على المحكمة أن تقضي ببرائتهم منها طبقا لنص المادة 206 من قانون الجنايات.
وقفة لازمة للنظر في حكم المحكمة السابق تسجيله بنصه:
يتضح من حكم المحكمة السابق تسجيله بنصه أن المحكمة قررت في نص حكمها الحقائق الآتية:
1- إن جماعة الإخوان المسلمين كانت حريصة على أن تسجل في قانونها التزام الأوضاع الدستورية لتحقيق أغراضها.
2- إن جماعة الإخوان المسلمين عملت على تنفيذ الأغراض التي وضحت في قانونها وطبقا للوسائل المشار إليها، فأنشأوا صحيفة يومية لنشر دعوتهم وأقاموا مؤسسات اقتصادية ومستوصفات، كما كونوا فرقا للجوالة، وكان رئيسهم يتابع نشر الدعوة وتفهيم الناس بحقيقتها وذلك بإلقاء أحاديث دورية أسبوعية ومحاضرات وخطب في المناسبات.
3- إن ما ادعاه الاتهام من تدخل جماعة الإخوان المسلمين في السياسة مع أن دعوتهم بدأت دينية، لا يتفق مع الحقيقة المعلومة أن الإسلام دين ودولة.
4- إن جماعة الإخوان لا تناهض نظام الحكم القائم في مصر، بل تراه متفقًا مع النظم الإسلامية، وأنها كانت تهدف إلى تحقيق نظام شامل للنهضة والإصلاح طبقا لأحكام الدين الإسلامي وبالطرق الدستورية طبقًا لما جاء في قانونها الأساسي.
5- إن المحكمة ترى أن النظام الخاص يرمي إلى إعداد فريق كبير من الشباب إعدادًا عسكريًا تطبيقًا لما دعا إليه مؤسس هذه الجماعة في رسائله المتعددة من أن الأمر أصبح جدًا لا هزًلا، وأن الخطب والأقوال ما عادت تجدي وأنه لا بد من الجمع بين الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل، وأن حركة الإخوان تمر بثلاثة مراحل. الأولى: مرحلة التعريف بنشر الفكرة. والثانية: مرحلة التكوين لاستخلاص العناصر الصالحة لأعباء الجهاد، ونظام الدعوة في هذا الطور مدني من الناحية الروحية وعسكري من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين دائما أمر وطاعة من غير بحث ولا مراجعة، والمرحلة الثالثة: مرحلة التنفيذ.
وهذا الإعداد قصد به دائما تحقيق ما ورد صريحًا في قانون الجماعة من أن من بين أهدافها تحرير وادي النيل والبلاد الإسلامية، وهذا النظام الخاص بحكم هذا التكوين لا يدعو إلى جريمة ولا يعيبه أن فريقًا من أفراده كونوا من أنفسهم جماعة اتفقوا على أعمال القتل والتدمير.
6- إن التدريب الروحي والعسكري قد ظهر عندما قامت مشكلة فلسطين وأرسلت الجماعة الكثير من متطوعيها للقتال، إذ شهد أمام المحكمة كل من اللواء أحمد بك المواوي القائد الأول لحملة فلسطين، واللواء أحمد صادق باشا الذي خلفه، بما قام به هؤلاء المتطوعين من أعمال دلت على بسالتهم وحسن مرانهم وسمو روحهم المعنوية وإلمامهم بفنون حرب العصابات.
7- إن المحكمة لا ترى لما ذهب إليه الاتهام للتدليل على قيام الاتفاق الجنائي على قلب نظام الحكم أساسًا.
8- إن المحكمة خلصت من مناقشتها لتناقض أدلة الاتهام أنه لا التنظيم العسكري ولا ما ورد في الأوراق المجهول كاتبها ما يدل على قيام اتفاق جنائي على قلب نظام الحكم.
9- إن ما ذهب إليه الاتهام من أن المقال المحرر بخط المتهم سليمان مصطفى عيسى هو مشروع لنظام الحكم في مصر بعد حدوث الانقلاب، وفيه تحميل لألفاظ المقال أمورًا لا تحتملها وفيه استنتاج لا أساس له على الإطلاق.
10- إن إسناد الاتفاق الجنائي على ارتكاب بقية الجرائم الواردة في قرار الاتهام إلى المتهمين على غير أساس.
11- إنه لم يكن قصد المتهمين الاستيلاء على الحكم بالقوة.
12- براءة المتهمين جميعا من تهمة الاتفاق الجنائي على محطات سرية للإذاعة واللاسلكي بدون إخطار وبغير ترخيص لنص المادة 206 من قانون الجنايات.
وحتى تتضح الصورة فسوف أنقل بعض ما ذكره الأستاذ محمود الصباغ فى كتابه الأهم عن حقيقة التنظيم الخاص وما سجله بخصوص ما قام به أحد أفراد الإخوان من محاولة حرق السيارة الجيب لحرق الوثائق فيقول :
لاشك أن الحملة الإعلامية المكثفة التي تعمدتها وسائل الإعلام في عهد النقراشي باشا بهدف قلب مفاهيم الجماهير المصرية من مفاهيم حقيقية، وهي أن الصهاينة هم أعداء الأمة العربية رقم واحد، وأن الجيوش العربية مجتمعة قد دخلت أرض فلسطين لتطهيرها من رجسهم، وأن الأمة العربية عامة تقف وراء جيوشها، والإخوان المسلمون خاصة يقدمون أموالهم وأرواحهم جنبًا إلى جنب مع جيش مصر لأداء هذا الواجب المقدس، إلى مفاهيم خاطئة تقلب الحقيقة رأسًا على عقب لتقول إن الإخوان المسلمين هم الخطر الداهم الذي يهدد شعب مصر بالقتل والتدمير والتخريب، وأنهم أشد خطرًا على مصر من عصابات الهاجانا وشترن، مثل هذه الحملة لا بد وأن تكون بالغة القسوة في عباراتها شديدة الغلظة في تجنيها على الحقائق واختلاقها للتهم، قوية المنطق في استنادها على الوثائق التي تدعي توفرها ووجودها، حتى يمكن للناس أن يتزحزحوا ولو قيد أنملة عن مفاهيم الحقيقة الراسخة إلى هذه المفاهيم الغريبة الشاذة.
ومن البديهي أن تتأثر جماهير الإخوان المسلمين الذين لم يعرفوا شيئا عن الوثائق المضبوطة في السيارة الجيب والتي وصفتها وسائل الإعلام أنها حقائق داحضة تدين الإخوان المسلمين بالاتفاق الجنائي على قلب نظام الحكم والقيام بأعمال تخريب وتدمير في مصر لا يعلم مداها إلا علام الغيوب، فيشفقون على دعوتهم التي وهبوها المهج والأرواح، ليقينهم أنها فضلا عن احتوائها على الإخلاص للوطن كأقوى ما يكون الإخلاص وأعظم؛ فإنها من واقع الشريعة الإسلامية تقوم بعبادة هي فرض عين على كل مسلم ومسلمة، تلك هي عبادة الجهاد في سبيل الله، ولابد لهم أن يعتقدوا أن هناك مؤامرة استعمارية محققة، استعملت النقراشي باشا كمخلب قط للقضاء على دعوة الإخوان المسلمين عندما ظهرت بسالتهم وشدة مراسهم في القتال في فلسطين، وأن مثل هذه المؤامرة قد زودت الحكومة بوثائق مزورة، محكمة التزوير لدعم هجمتها الشرسة الضالة على الإخوان بقصد إبادتهم.
ولا يكون إمام شباب الإخوان الذين يرون مثل هذه النظرة المنطقية لمجريات الأمور في مصر إلا أن يفكروا في استنقاذ دعوتهم من أقصر طريق ممكن، حيث غيبت السجون والمعتقلات قادتهم دفعة واحدة، ومنعت الاتصال بين أي منهم وبين المرشد العام الذي ظل خارج المعتقل تحت حراسة مشددة من الحكومة لأغراض أدناها أن يفقد الإخوان في المعتقلات مصدر الطاقة الروحية التي تدعم صمودهم وأقصاها أن يفقد العالم الإسلامي إمامه الجليل، الذي يقوده إلى طريق العزة والكرامة المستمدة من الشريعة الإسلامية الغراء وذلك بقصد تيسير قتله جهارًا نهارًا على قارعة الطريق.
في ظل هذا الجو المشحون بالتوتر المصطنع من جانب الحكومة، يكون من البديهي أن يفكر بعض شباب الإخوان المسلمين في حرق أوراق هذه القضية التي اتخذت محورًا لكل هذه الدعاية المسمومة، حتى تفقد الحكومة حجتها فيما تنسبه بإصرار ضد جماعة الإخوان المسلمين، ولا تثريب في هذه الحالة على مثل هذا الشباب الذي يريد أن يطفئ نار الفتنة بنزع الأساس الذي اتخذته الحكومة وسيلة لاشتعال أوارها، خاصة إذا كان الأسلوب الذي ينهجه هو أقل الأساليب إضرارًا بالأرواح والأموال.
من أجل ذلك وضع الأخ الكريم الأستاذ شفيق أنس، وكان حينئذ لا يزال في ريعان شبابه قنبلة زمنية حارقة داخل حقيبة صغيرة شبيهة بحقائب المحامين بجوار الخزانة التي تحتوي على جميع أوراق قضية سيارة الجيب، بنية إحراقها وسلب الحكومة سندها لدى النيابة العامة في كل ما تفتريه على الإخوان المسلمين ظلمًا وعدوانًا، لأنه يعلم علم اليقين كجندي من جنود النظام الخاص، أن الإخوان المسلمين أبرياء من كل اتهام يوجه إليهم ضد مصر خاصة وضد أي بلد عربي أو إسلامي عامة، وقد أصدر إليه أمر التنفيذ قائد النظام الخاص المسئول في هذا الوقت وهو الشهيد السيد فايز عبد المطلب.
ولو أن الحكومة التزمت الصدق وهي تعرض الوثائق التي لديها والمضبوطة في هذه السيارة أسوة بما التزمت به محكمة استئناف القاهرة وهي تكتب حكمها في هذه القضية لما حدث صدام بين أفراد الحكومة وأفراد الإخوان المسلمين و لاستمر التعاون وثيقا كما بدأ في خدمة قضية فلسطين، ولكن أني للحكومة أن تصدق مع شعبها وهي مسلطة عليه من جانب الاستعمار لسلبه مصدر قوته الحقيقية وهي العقيدة الإسلامية الغراء التي ظهرت آثارها واضحة جلية في أعمال الشباب في فلسطين؟
ولكن رحمة الله واسعة، الذي سبق في علمه أن كل الوثائق المضبوطة في السيارة الجيب ليست إلا أدلة صارخة على صحوة الإخوان المسلمين، لحماية مصر خاصة والعالم الإسلامي عامة من كل معتد غادر، أبت إلا أن يلاحظ أحد المخبرين حقيبة شفيق بعد أن تركها بجوار الخزانة الحاوية لهذه الوثائق، ونزل فعلا على سلم المحكمة، فلحقه بها، وأدركه في ميدان باب الخلق حيث حل موعد انفجارها، فانفجرت، ولم تدمر شيئًا، لأنها قنبلة حارقة وليست مدمرة.
وقبض على شفيق أنس، وارتفعت أبواق الحملة الإعلامية ضد الإخوان المسلمين بأنهم حاولوا نسف المحكمة كلها، وصدق المرشد العام هذا الاتهام لشباب الإخوان، وكيف لا يصدقه، والحكومة تعلنه بكل ثقلها، وكيف لا يصدقه وهو خالي الذهن تمامًا عن مثل هذا التفكير أو التدبير لانقطاع الصلة بينه وبين جنود الدعوة من شباب الإخوان المسلمين.
ولو أن الحكومة لم تقطع بين الإخوان وبين مرشدهم ما وقعت مثل هذه الواقعة ولأرشدهم فضيلته إلى أن كل الوثائق المضبوطة في السيارة الجيب هي لصالحهم وليست حجة عليهم، على النحو الذي سجله القضاء في حكمه، ولكن بعد فوات الأوان، ولمرت الأزمة بسلام.
إن المطلع المنصف الذي يقرأ حكم المحكمة في قضية السيارة الجيب لا بد له أن يقطع بأن حادث محاولة حرق أوراق السيارة الجيب ولا أقول محاولة نسف المحكمة كما ادعت أجهزة الإعلام الحكومية، إنما يرجع أول ما يرجع إلى تضليل الحكومة للشعب، وكتمانها هذه الحقيقة وأن شفيق أنس وقد برأت المحكمة كل الوثائق المضبوطة في السيارة الجيب أصبح بريئًا كل البراءة فيما أقدم عليه من محاولة إحراق هذه الوثائق، فالحكومة هي التي حرضته على هذه المحاولة بما نشرته عن هذه الوثائق من أهوال دمغتها المحكمة في حكمها العادل بأنها جميعًا لا تستند إلى أي أساس من الصحة.
ولنا أن نقول إذا كان محمود فهمي النقراشي هو القاتل الحقيقي لمحمود فهمي النقراشي فإن وسائل الإعلام الحكومية في مصر هي المحرض الحقيقي لكل من السيد فايز عبد المطلب وشفيق أنس على محاولة نسف أوراق قضية السيارة الجيب لا محكمة استئناف القاهرة.
وأن رحمة الله الواسعة بالإخوان المسلمين هي التي أبطلت محاولة حرق الأوراق لتكون حجة دامغة على الحكومة بالكذب والتضليل على الشعب، سترًا لخيانتها في قضية فلسطين.
للمزيد عن قضية السيارة الجيب
المتهمون في قضية السيارة الجيب
|
|