صحافة الإخوان وتنوير المجتمع
مقدمة
تكمُن أهميّة الصحافة في تزويد الأفراد والجماعات بالمعلومات التي يحتاجونها في حياتهم والمهمة في صنع القرارات على مستوى الفرد والمجتمع والحكومة، وتتجلى رسالتها في بناء جيلٍ واعٍ يسير على المبادئ والأخلاق الرفيعة، كما تسعى لنشر المعرفة والثقافة بين الشعوب، وتهتم بها الدول المتقدمة وتواليها اهتماما عظيما لتأثيرها على الرأي العام.
وتقوم الصحافة بحماية المجتمع من أيّ شيءٍ يُساهم في إيذائه وتشويهه من أفكار هدامة وسلوكيّات منحرفة ومشبوهة، كما تكشف الحقائق المُستترة وتساعد الأفراد على الاستنارة بطريقها، وتجعل العالم قريةً صغيرةً من خلال انتشار الأخبار بين جميع أنحاء العالم. فالصحفي كالرقيب الذي يترصد الأحداث ويكتشف الحقائق لإيصالها إلى الرأي العام دون تشويه، فيواجه كل ما يعترض طريقه من مشكلاتٍ ومخاطر في سبيل أداء دوره على أكمل وجه
هل عرف الإسلام الإعلام؟
يقول الدكتور محي الدين عبد الحليم عن الإعلام الإسلامي
- " بأنه تزويد الجماهير بصفة عامة بحقائق الدين الإسلامي المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال وسيلة إعلامية دينية متخصصة أو عامة، بواسطة قائم بالاتصال لديه خلفية واسعة ومتعمقة في موضوع الرسالة التي يتناولها وذلك بغية تكوين رأي عام صائب يعي الحقائق الدينية ويدركها ويتأثر بها في معتقداته وعباداته ومعاملاته" (1)
يرجع إلى البابليين الفضل في إنشاء أول صحيفة حيث عيّنوا كاتباً مهمته تسجيل الأحداث اليوميّة المهمة، كما ظهرت في الصين جريدة رسميّة كانت تُدعى إمبراطوريّة الشّمس استمرّ إنتاجها مدة 1500 عام، وفي روما كان ظهور الصحافة عن طريق نشر وإيصال الأحكام القضائيّة والأحداث المهمة إلى الشعب. (2)
ولقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم الإعلام في توصيل دعوته، كما استخدم ضده الإعلام المضاد حيث كان يسير عمه أبو لهب خلفه وينادي في الناس قائلا لا تصدقوه فإنه كاذب.
كانت أول صيحة إعلامية للرسول صلى الله عليه وسلم حينما صعد إلى جبل الصفا ونادي في قومه بالدعوة الإسلامية استجابة لقول الله تعالى: "وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" (الشعراء:214)، ثم تتابعت المهام الإعلامية من الصحابة حينما خرج عبدالله بن مسعود صادعا بالقرآن الكريم، مسمعا قريش إياه، في الوقت الذي كانت صلى الله عليه وسلم يعرض دعوته بطريقة إعلامية رائعة على القبائل، ثم تبعها أسلوب المراسلات الإعلامية التي عرفت كثير من الأمراء والعامة بدعوة الإسلام.
وما قام به مصعب بن عمير إلا دور من أدوار الإعلام المؤثر في الرأي العام، وكان نعم الإعلامي الذي عرض بضاعته حينما قال لسعد بن معاذ وأسيد بن حضير: أو تجلس فتسمع ، فإن رضيت أمراً قبلته وإن كرهته كفّ عنك ما تكره ؟ قال: أنصفت..وهكذا استطاع الإعلام نشر الدين الإسلامي بالطرق المحببة للناس والتي تعالج قضاياهم. (3)
دور الصحافة في المجتمع
تعتبر الصحافة من وسائل تشكيل الرأي العام حيث أهميتها القصوى في تغير قناعة ورأى الناس لما تريده، فإنها:
- تكشف الصحافة عيوب المجتمع من خلال تسليطها الضوء على المشكلات التي تنخر في بنيته الاجتماعيّة.
- تكشف الصحافة عن أيّ خلل يحدث في الدولة، وجهازها الإداريّ.
- بثّ الأفكار الحميدة في المجتمع، والعمل على تنوير أفراده، وتنبيههم إلى المخاطر، والتحدّيات التي تواجههم.
- التوعية في الحالات الطارئة، كالحروب، والكوارث الطبيعيّة، والأحوال الجويّة وغير ذلك من الحالات، بالإضافة إلى التوعية بضرورة المشاركة في بعض الأحداث الهامّة التي تتطلّب مشاركة جماهيريّة فاعلة كالانتخابات.
- بثّ الأخلاق في المجتمع، فالصحافة الأخلاقيّة التي تتوخّى الحقائق، وتنشر الخير تسعى بالضرورة إلى بثّ الأخلاق في المجتمع، والتي لا يهمّها كثيراً الربح الماديّ، ولا تُداهن أحداً سواء الشعب، أو السلطات الحاكمة، والتي لا تصدر إلا من مبادئها ومن قناعاتها هي الصحافة الأحق من غيرها بالمتابعة، والتطوّر، والدّعم.
- تعريف المجتمع بآخر المستجدّات التي تحدث على الساحتَين المحليّة، والإقليميّة، والدوليّة، بحياديّة ودون تحيّز. (4)
صحافة الإخوان وتأثيرها
فرق كبير بين أن ترى تاريخا يصنع وأمة تستيقظ وكتائب تزحف وشبابا يملأ الساحات ويسد الثغرات ويلبي نداء العمل والجهاد، وتاريخا ليس منه إلا حظ الرواية ومتعة السرد. والعالم اليوم يشهد اهتماما متزايدا بالإعلام ووسائله، وإيمانا صادقا برسالته وأهدافه، ذلك أن الإعلام في العالم الحديث يتطور تطورا مذهلا نتيجة التقدم في فنون الاتصالات والطباعة.
لقد برزت صورة الصحافة الإسلامية واضحة عندما أصدر جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في باريس جريدة "العروة الوثقي" عام (1301هـ- 1884م) فكانت الحجر الأول في بناء الصحافة الإسلامية في العالم الإسلامي، تحمل طابع الدفاع عن الإسلامي وتحرير بلاد المسلمين، ولكن "العروة الوثقى" لم تستمر طويلا، فقد توقفت بعد أن صدر منها ثمانية عشر عددا.
ولذا أدرك الإخوان المسلمون أهمية الإعلام في نشر الدعوة وتطويرها منذ عهد مبكر؛ ولذا فقد حرصوا على استخدام كافة الوسائل الإعلامية المتاحة لخدمة الدعوة بداية من: الدرس، والخطبة، والنشرة، وصولاً إلى الصحيفة التي كانت في ذلك الوقت قمة العمل الإعلامي، واحتلت الصحافة مكانة كبرى لدى الإخوان خاصة بعدما استفحل شأن التنصيرين وحركات التغريب التي تسعى لإفقاد الأمة هويتها، بالإضافة للانحلال الخلقي.
لم يكن الأستاذ حسن البنا خبرة في العمل الصحفي عند بداية تأسيس جماعة الإخوان فاعتمد على الصحافة الإسلامية الأخرى كالفتح، لكن بعد انتقاله للقاهرة اجتمع أول مجلس للإخوان عام 1933م وكانت أول قراراته إنشاء صحيفة للإخوان لتكون أحد أركان الدعوة الرئيسية، وصدر العدد الأول من مجلة الإخوان المسلمين يوم الخميس 21 سفر 1352هـ الموافق 15 يونيو 1933م، وكان رئيس تحرير الشيخ العالم طنطاوي جوهري.
وتميزت الصحافة في هذه الفترة بأنها دخلت عالم السياسة مع الجماعة، فخاضت كثيرًا من المواجهات مع أوكار الفساد وأصحاب النفوذ؛ ولذا تعرض كثير منها للإغلاق والمصادرة.
لقد كانت جريدة الإخوان المسلمين تعتبر نفسها خادمة كل مسلم مهما كان وطنه أو جنسيته، كما اهتمت المجلة بالقضايا الإسلامية المثارة في ذلك الوقت مثل قضايا التبشير وإلغاء البغاء وقضية فلسطين. كما كانت وعاء لمقالات متسلسلة كان يكتبها الشيخ حسن البنا تحت عنوان (إلى أي شئ ندعو الناس) وتحت عنوان (دعوتنا) وتحت عنوان (هل نحن قوم عمليون)، حيث كانت هذه المقالات تثبيتا للفكرة الإسلامية في نفوس الإخوان.
ووسيلة ناجحة لإقناع كثير من الناس بالدعوة. ولقد اهتمت المجلة بالفقه حيث روعي فيه البعد عن التفريعات والفروض وعدم استعمال الألفاظ الاصطلاحية الغامضة مع سهولة العبارة وبساطتها، ومزج الأحكام الفقهية بما يذهب بجفافها من الفوائد والأسرار وحكم التشريع.
تم كانت بعدها مجلة النذير والتي صدرت في 30 ربيع الأول 1357ه الموافق 30 مايو 1938م، وكان من أهدافها شرح الأمور العامة للناس ، وسياستهم في الداخل والخارج من الوجهة الإسلامية بأسلوب سهل، وبيان واضح يفهمه العامة، ويرضي الخاصة، فليعذرنا إخواننا المثقفون إذا لم نسمُ إلى مستواهم الرفيع ولم نشبع رغبتهم من الأدب العالي، وليتنازلوا عن بعض ما يريدون خدمة للشعب وإفادة للجمهور.
وتوضح فكرة نظام الحكم الإسلامي، والوطن الإسلامي العام، والتربية القومية على قواعدها الإسلامية الصحيحة، متناولين مع ذلك ما يتصل بهذا المعنى من السيرة النبوية والتاريخ العربي والقصص، غير مهملين الناحية الخلقية والاجتماعية، فهي دعامة الحكم الصالح والمجتمع القوي السليم. وتوثق الروابط وتحكم العلاقات بين الهيئات الإسلامية عمومًا وشعب الإخوان المسلمين خصوصًا، ناشرين أخبارها ومعلنين نواحي النشاط ومظاهر العمل فيها، شاكرين للمُجِد عمله، ومنبهين الغافل إلى إهماله، وناقدين المتخلف في قعوده وجموده. (5)
ولقد اهتمت المجلة بالموضوعات الدينية بنسبة 25.8٪، والقضايا الاجتماعية مثل قضايا:
- الشباب، والمرأة المسلمة، والعمال، والتعليم، والإصلاح الاجتماعي، والبغاء، والأنشطة الاجتماعية في المرتبة الثانية بنسبة 24.8٪
وجاءت القضايا السياسية كالحديث عن:
- المفاوضات، والجلاء، والملك، والأحزاب، والعالم الإسلامي والعربي في المرتبة الثالثة بنسبة 20.7٪
ولم تهمل المجلة قضايا عديدة أخرى كـ: القضايا الاقتصادية، والاتجاهات الهدامة، مثل:
- التبشير، والقاديانية، والبهائية، والاستشراق، والصهيونية والتي مثلت نسبة 5٪، كما اهتمت المجلة بإصلاح الأزهر والقضايا الأدبية والفنية والرياضية والعلمية. (6)
دخلت "النذير" في العديد من المعارك السياسية والثقافية والاقتصادية والأخلاقية مع بؤر الفساد في المجتمع بقوة، ومن أهم المعارك التي خاضتها المجلة كانت مع طه حسين حول كتاب "مستقبل الثقافة في مصر"، والذي كان يشير فيه إلى ضرورة انفصال مصر عن بلاد المشرق الإسلامي، وتغريب مصر ثقافيًّا واجتماعيًّا.كما هاجمت مرارًا وتكرارًا البغاء والدعارة والربا والخمر وطالبت بإلغائها رسميًّا، وقدمت علاجًا لهذه القضايا. (7)
حينما توقفت النذير استأجر الإخوان صحيفة التعارف لاستكمال منهجهم التربوي ولتوصيل رسالتهم الدعوية والإصلاحية من خلال الصحافة. وحينما توفي الشيخ محمد رشيد رضا استكمال الإمام البنا إصدار مجلة المنار وسار على نفس المنهج التربوي الإصلاحي الذي سلكه رشيد رضا في مجلته غير أن الانجليز ضغطوا على وزارة حسن صبري باشا فتوقفتا عن الإصدار
حيث ظل الإخوان فترة دخلت فيها الجماعة طور المحنة الشديدة، سواء من نفي الأستاذ البنا لقنا، ثم اعتقاله بصحبة وكيل الجماعة وسكرتيرها العام في أكتوبر 1941م ومحاولة اغتياله، حتى كان ترشيحه للانتخابات والتي تنازل عنها في سبيل إلغاء البغاء وعدم تقييد الحكومة للعمل الدعوي وإصدار صحيفة للإخوان والتي تكللت بالنجاح بصدور مجلة الإخوان المسلمين في في 17 شعبان 1361ه الموافق 29 أغسطس 1942م، وقد عرفت نفسها بأنها لسان دعوة الحق والقوة والحرية. (8)
كانت صحف الإخوان كثيرة ومن دار في فلكها سواء في العاصمة أم المحافظات الإقليمية لأهمية الصحافة وتأثيرها القوي على الناس. لم تقتصر صحف الإخوان على معالجة الآفات التي انتشرت في المجتمع المصري ومحاربة هذه الأوبئة لكنها اهتمت بالشئون السياسية وغيرها، ولم تهمل قضايا الأمة الإسلامية ولا قضاياها.
لقد زخرت صحف الإخوان بكتاب كبار كان لهم شأنهم وسط المجتمع الذي تأثر بهم وأخذ يسعى خلف كتاباتهم التي تجلي غشاوة الضلال الذي بثه في ربوع الوطن المحتل البريطاني، ومن هؤلاء الإمام حسن البنا، والشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق، والشيخ عبد المعز عبد الستار، والأستاذ عمر التلمساني وكان محاميًا، والأستاذ بهي الخولي، والشيخ محب الدين الخطيب، والدكتور عبد الرازق السنهوري، والشيخ محمد أبو زهرة، والأستاذ محمد فريد بك وغيرهم.
نخلص من ذلك أن صحف الإخوان عملت على:
- التأكيد على أهمية تطبيق الشريعة وشمولها.
- تحريم الربا، والدعوة لاستثمار الأموال بالطرق المشروعة، وتحريم الاحتكار، وحماية الملكية الفردية.
- إرادة الأمة أساس اختيار الحاكم، والعدل أساس الحكم الإسلامي، المساواة بين الحاكم والمحكوم، حتى أن مجلة الدعوة رفضت مشروع السادات مؤكدة أنه ليس من حق رئيس الجمهورية أو مجلس الشعب الموافقة على مد مياه النيل إلى إسرائيل تحت أى مسمي أو شعار.
- مقاومة الفساد الخلقي وتغلغل المبادئ الهدامة وتيارات الإلحاد التي غزت المجتمع.
- التصدي للقوي التي تحارب الإسلام دعوة وعقيدة وتقف به بالمرصاد.
- إشراب النفوس عقيدة الأمل في النجاح وإزالة ما حل بها من اليأس.
- محاربة البدع والخرافات التي شاعت في المجتمع المصري وتحرير الفكر من قيد التقليد.
- الحافظ على اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن والسنة وأداة فهمهما والعمل بهما.
- السعي لتحقيق المثل والقيم الإسلامية وهو هدف الصحافة الإسلامية باعتبارها وسيلة نشر الإسلام بمعناه الشمولي. (9)
أثر صحافة الإخوان في تكوين الشخصية المسلمة
الشيخ المراغي شيخ الأزهر
لقد تركت صحافة الإخوان بموضوعاتها التربوية الإسلامية تأثيرا على الكثير من أبناء الوطن، ونرى ذلك في كلمة شيخ الأزهر الشريف الشيخ محمد مصطفى المراغي حينما تحدث عن هذا التأثير بقوله: إن مجلة المنار كانت مرجعًا من المراجع الإسلامية العالية تحل فيها مشاكل العقائد والفقه، وتحيط بالمسائل الاجتماعية الإسلامية
وأخبار العالم الإسلامي وما فيه من أحداث وأمراض وعلل، وكان صاحبها السيد رشيد رضا - رحمه الله - رجلا عالمًا عاملاً غيورًا مخلصًا للإسلام، محبًّا لكتاب الله وسنة رسوله وآثار السلف الصالح، وقف حياته لخدمة دينه والأمم الإسلامية، وكان شجاعًا في الحق لا يهاب أحدًا ولا يجامل ولا يحابي.
نشأ على هذا واستمر فيه إلى أن لقي ربه، واحتجبت بعد ذلك مجلة المنار فأحس العالم الإسلامي بفداحة الخطب وشدة وقع المصاب، فإنه لا يوجد فيما أعلم الآن ذلك الرجل الذي له من سعة الاطلاع وحسن التدبير وحكمة الرأي وقوة الإدراك في السياسة الشرعية الإسلامية ما يضارع به المرحوم السيد رشيد.
ذلك ماض جليل نودعه مع الفخر به والأسى عليه، والآن قد علمت أن الأستاذ حسن البنا يريد أن يبعث المنار ويعيده سيرته الأولى، فسرني هذا فإن الأستاذ البنا رجل مسلم غيور على دينه يفهم الوسط الذي يعيش فيه، ويعرف مواضع الداء في جسم الأمة الإسلامية ويفقه أسرار الإسلام، وقد اتصل بالناس اتصالاً وثيقًا على اختلاف طبقاتهم، وشغل نفسه بالإصلاح الديني والاجتماعي على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة.
وبعد، فإني أرجو للأستاذ البنا أن يكون على سيرة السيد رشيد رضا، وأن يلازمه التوفيق كما صاحب السيد رشيد رضا، والله هو المعين عليه نتوكل وبه نستعين. (10)
حسن الهضيبي
عرف المستشار حسن الهضيبي دعوة الإخوان من خلال صحفهم وشعاراتهم فيقول:
- عرفت أول ما عرفته من غرس يده . كنت أدخل المدن والقرى فأجد إعلانات عن الإخوان المسلمين . دعوة الحق والقوة والحرية . فخلت أنها إحدى الجمعيات التى تعنى بتحفيظ القرآن والإحسان إلى الفقراء ودفن الموتى والحث على العبادات من صوم وصلاة .. وأن هذه قصاراها من معرفة الحق والقوة والحرية .. فلم أحفل بها .
- فكثير هم الذين يقرأون القرآن دون أن يفقهوه ودون أن يعملوا به وأكثر منهم الذين يصلون ويصومون ويحجون دون أن يكون لذلك أثر فى نفوسهم والإحسان إلى الفقراء كثيرا ما يوضع فى غير موضعه .. ولم أحاول كما هى العادة أن أعرف شيئا عن الإخوان المسلمين. (11)
عبد المنعم عبد الرؤوف
أما الفريق طيار عبد المنعم عبد الرؤوف فيوضح كيف أثرت صحف الإخوان في شخصيته ودفعته للالتحاق بدعوة الإخوان فيقول:
- أثناء جلوسي إلى جوار الموظف المسئول الذي سلمني إذن الصرف وقعت عيناي على مجلة تحمل اسم (الإخوان المسلمون) وعلى غلافها شعار مكون من هذه الكلمات: دعوة الحق والقوة والحرية ورسم عليها القرآن الكريم فوق سيفين متقاطعين الأمر الذي دفعني إلى السؤال عن هذه الجماعة وأين مقرها؟ وكيفية الانضمام إليهم؟ وكم يكون اشتراك العضو؟ ولماذا اختاروا هذه الشعارات؟ وما معنى هذه الشارة (القرآن فوق سيفين)؟.
لم تشف إجابات المسول غلتى وأحسست برغبة عارمة لزيارة هذه الجماعة وفى مقرها ومقابلة رئيسها والتعرف على أفرادها عن كثب. وحدد لى أحد أيام الثلاثاء للالتقاء عند مراقب المركز العام للإخوان واسمه الأستاذ الطوبجى وذهبت إلى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين وسألت عن سكرتير الدار وكنت عنده في الموعد المحدد ورأيت ما لم أره من قبل فى حياتي وشاهدت مواقف لم أعهدها من قبل. (12)
ثم ألتقيت يوما بفتية من الريف أقبلوا على – على غير عادة الأحداث مع من هم أكبر منهم سنا ومركزا – يحدثوننى . فوجدت عجبا فتية من الريف : لا يكاد يتجاوز فى معارفه القراءة والكتابة يحسنون جلوسهم مه من هم أكبر منهم فى أدب لا تكلف فيه .. ولا يحسون بأن أحدا أعلى من أحد ويتكلمون فى المسألة المصرية كأحسن ما يتكلم فيه شاب متعلم مثقف ويتكلمون فى المسائل الدينية كلام الفاهم المتحرر من رق التقليد .
ويبسطون الكلام فى ذلك إلى مسائل مما يحسبه الناس من صرف المسائل الدنيوية ويعرفون من تاريخ الرسول – وتاريخه هو تاريخ الرسالة – ما لا يعرفه طلاب الجامعات .. فعجبت لشأنهم وسألتهم أين تعلمتم كل ذلك ؟ فأخبروني أنه من الإخوان المسلمين .. وأن دعوتهم تشمل كل شىء .. وتعنى بالتربية الأخلاق والسياسة والفقر والغنى والاقتصاد وإصلاح الأسرة وغير ذلك من الشئون صغيرها وجليلها .
من ذلك الوقت تتبعت حركة الإخوان المسلمين وصرت أقرأ مطبوعاتهم واتصل بهم دون أن أعرف الداعى إلى ذلك
كما يقول الأستاذ جمعة أمين عبد العزيز:
- نظرًا لحضور الجماعة القوي في هذه الفترة أصبحت أخبار وأنشطة الجماعة في الأقاليم مادة ثرية لصحف الأقاليم، خاصة مع ازدياد قوة وشعبية الجماعة يومًا بعد يوم، حتى إننا لم نعلم أن صحيفة إقليمية كانت تتجاهل أخبار الإخوان في هذه الفترة، وكان مجمل هذه الصحف مؤيد لشعب الإخوان لما كانت تقدمه من عرض سليم وواضح للإسلام في مختلف مناحي الحياة، إضافة إلى ارتباط الإخوان بقضايا وهموم الناس بشكل مباشر، ومحاولة النهوض بمستواهم الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والديني (13)
ولقد بلغ تأثير الإخوان في الناس في الدول الإسلامية حتى كتبت مجلة التمدن الإسلامي والتي كانت تصدر في سوريا توضح هذا التأثير حيث ترى المجلة ترى في الإخوان ما لا تراه في غيرها من حيث الجهاد والتضحية من أجل الإسلام، والعمل على نشره وسيادته، وكثيرًا ما كانت تنشر المجلة أخبار الإخوان المسلمين بسوريا وتشير إلى برامجهم وجلائل أعمالهم، وتوثق الصلة بين الإخوان بسوريا والإخوان بمصر. (14)
يقول عباس السيسي:
- امتلأت الميادين العامة بالقاهرة والإسكندرية وعواصم المحافظات بإعلانات عن صدور الجريدة اليومية للإخوان المسلمون .. صوت الحق والقوة والحرية فى يوم 5 مايو 1946 .. وترقب الناس وخاصة الإخوان المسلمون فى كل مكان هذا اليوم بفرح وشغف وبدأت الصحافة تنوه عن مشروع الجريدة اليومية
- وأخذ الجميع يترقب صدورها بقلب كمنافس قوى له أتباع ومحبون ومشجعون فى كل مكان فمن الطريف أنك تجد بعض الإخوة الأميين يشترى مجلة الإخوان المسلمون ويعطيها لغيره من الإخوان ليقرأها عليه وهذا يدل على حرص أفراد الجماعة على تشجيع مؤسسات الدعوة. (15)
المراجع
- محي الدين عبد الحليم: الإعلام الإسلامي وتطبيقاته العملية، مكتبة الخانجي، القاهرة.
- تاريخ الصحافة: موقع صحفي، 7/ 11/ 2011م، رابط الموضوع
- عبد اللطيف حمزة: الإعلام في صدر الإسلام، دار الفكر العربي، القاهرة، 1971م.
- كيف تؤثر الصحافة في المجتمع: محمد مروان، 12 نوفمبر 2015م، رابط الموضوع
- مجلة النذير ، العدد (1) ، السنة الأولى، 30 ربيع الأول 1357ه/ 30 مايو 1938م، صـ (6).
- شعيب الغباشي: صحافة الإخوان المسلمين - دراسة في النشأة والمضمون، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 2000م، طـ 1.
- مجلة النذير، العدد (6)، السنة الثانية، 6 صفر 1358ه/ 28 مارس 1939م، ص(3-7).
- مجلة الإخوان المسلمين، العدد (13)، السنة الثالثة، 4 رجب 1364ه/ 4يونيو 1945م، ص(18).
- محمد منصور محمود هيبة: الصحافة الإسلامية في مصر بين عبد الناصر والسادات (1952 – 1981م)، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، 1990.
- المنار الشهرية، الجزء الخامس، المجلد الخامس والثلاثون، غرة جمادى الآخرة 1358ه/ 18 يوليو 1939م، ص(1-2).
- أحمد أبو شادي: رحلتى مع الجماعة الصامدة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1998م.
- عبد المنعم عبد الرؤوف: أرغمت فاروق على التنازل عن العرش، الزهراء للإعلام العربي، 1988م
- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الجزء السادس، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2008م، صـ 361
- التمدن الإسلامي، العدد (10)، السنة السابعة، ذو الحجة 1360ه/ محرم 1361ه.
- عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، الجزء الأول، دار الطباعة والنشر والصوتيات، مصر 1986م.