تاريخ الإخوان في بسيون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تاريخ الإخوان في بسيون


مقدمة

يعد مركز ومدينة بسيون من مراكز محافظة الغربية التي تقع في وسط دلتا النيل بجمهورية مصر العربية، وتقع بسيون في الشمال الغربي للمحافظة، ويحدها من الشمال مدينة دسوق التابعة لمحافظة كفر الشيخ ومن الجنوب مدينة كفر الزيات التابعة لمحافظة الغربية ومن الشرق مدينة قطور التابعة لمحافظة الغربية ومن الغرب فرع رشيد ومحافظة البحيرة.

ولقد كانت بسيون منذ العصور القديمة ضاحية من ضواحي "ساو أو سايس أو صاالحجر" التي أصبحت فيما بعد خلال العصور الإسلامية قرية تابعة لقسم بسيون. وتقع صا الحجر (سايس) على الضفة الشرقية (اليمنى) لفرع رشيد على بعد 7 كم شمال غرب مدينة بسيون الحالية بمحافظة الغربية، وعلى بعد حوالي 30 كم من مدينة طنطا.

وقد ذكرتها المصادر المصرية القديمة باسم "ساو"، واشتهرت عند اليونانيين باسم "سايس" وفي العربية حُرِّفت إلى "صا"، ونظرا لكثرة الأحجار الأثرية بها أضيفت لها كلمة (الحجر) فعرفت باسم صا الحجر. وكان إقليم "ساو" هو الإقليم الخامس من أقاليم الدلتا في العصور الفرعونية القديمة ويسمى في المصرية القديمة "نت محيت" أي إقليم الغرب تمييزا له عن الإقليم الرابع الذي يقع في جنوبه ويسمى "نت رس" أي إقليم الجنوب والذي كان تابعا له.

وكانت ساو مركزا دينيا مهما منذ عصر بداية الأسرات، وكانت الإلهة "نيت" هي المعبودة الرئيسية لهذه المدينة، وكانت عاصمة في عصر ما قبل التاريخ لأقاليم الدلتا، واُتخذِت عاصمة سياسية للبلاد في عصر الأسرة الرابعة والعشرين (720 – 711 ق.م) بعد نجاح "تف- نخت" (724 – 716 ق.م) في القضاء على حكم الليبيين المتمثل في الأسرة الثالثة والعشرين (817 – 730 ق.م).

كذلك كانت ساو عاصمة طوال عصر الأسرة السادسة والعشرين (663 – 525 ق.م) والتي خرج منها ملوك هذه الأسرة، ومؤسسها الملك العظيم بسماتيك الأول (664 – 609 ق.م) الذي قضى على حكم الآشوريين في مصر. كذلك كانت ساو عاصمة للبلاد في عصر الأسرة الثامنة والعشرين (404 – 398 ق.م)، وكان السبب في ذلك هو انتساب ملك هذه الأسرة الوحيد "آمون حر" إلى هذه المدينة، والذي تولى حكم مصر بعد الاستقلال من الحكم الفارسي المتمثل في الأسرة السابعة والعشرين (525 – 405 ق.م).

ولقد كانت بلدة ساو القديمة "سايس" تسيطر على الطريق المؤدي إلى "منف"، وكانت كل من "منف" و"سايس" معروفة لدى الإغريق من قبل بوصفها المدن الرئيسية المصرية.

وللأسف الشديد قد تم تدمير الجزء الأكبر من التل الأثري للمدينة القديمة بشمال قرية صا الحجر الحالية، وذلك من قِبل المزارعين المحليين (الفلاحين) وإزالة الطبقات الأثرية لاستخدامها كسماد زراعي، ويبدو أنه لا يوجد في هذا التل أي بقايا تعود لوقت سابق عن القرن الحادي عشر قبل الميلاد.

ويعتبر اسم "بسيون" من الأسماء المصرية القديمة الباقية كما هي بدون تحريف، ومعناها الحمام، ويمكن أن نقول بسيون الحمام إذا أضفنا معنى الكلمة إلى الأصل. ولقد استمرت بسيون ضاحية أو قرية تابعة لسايس التي تُعد قصبة الإقليم الغربي لمصر السفلى (الوجه البحري) طوال العصر اليوناني وخلال العصر الروماني.

وفي العصر البيزنطي كانت بسيون فيما يبدو تابعة للإقليم الثالث، والذي يضم الإسكندرية وغرب الدلتا؛ حيث قُسمت مصر - وفقًا لإصلاحات الامبراطور دقلديانوس (284 – 305م) - إلى ثلاثة أقاليم كبيرة؛ وهي إقليم شرق الدلتا ومصر الوسطى وإقليم طيبة وإقليم غرب الدلتا والإسكندرية، وكان يحكم كلًا من الإقليم الأول والثاني حاكم يأخذ لقب (Praeses) أي: مدير أو متصرف، أما الإقليم الثالث (غرب الدلتا والإسكندرية) فوضع تحت إمرة حاكم يحمل لقب ((Praefectus Aegypti أي والي مصر، ويتمتع بسلطة أعلى من سلطة زميليه.

هذا ويتولى هؤلاء الحكام الثلاثة السلطة المدنية ويخضعون لسلطة كونت الشرق، أما السلطة العسكرية فيتولاها قائد يحمل لقب (دوق مصر). وفي عام 382م قام الإمبراطور ثيو وسيوس الأول بإدخال تعديل على هذا النظام وتقسيم مصر إلى أربع مقاطعات كبرى (شرق الدلتا وغرب الدلتا وطيبة والإسكندرية).

ولما كانت القرية أهم وحدة إدارية في مصر خلال العصر البيزنطي فكانت لها إدارة خاصة؛ إذ يرأسها موظف يطلق عليه (كومارك أو كومارخ)، أي: شيخ البلد، ويساعده كاتب ومجلس يتألف من شيوخ القرية. وفي القرن السادس الميلادي أصبح يرأس القرية موظف يسمى العمدة، وحل ملاك الإقطاعات محل مجلس شيوخ القرية، وتولى العمدة الإشراف المالي وشؤون القضاء، وبجانبه عدد من الموظفين كمثل مسئول مياه الفيضان ومسئول الخزانة وحراس الحقول.

وهناك تنظيم إداري آخر يعلو التنظيم الإداري داخل القرية ويُعرف باسم (الباجوس)، أي: المركز، وقد سبق أن أدخله الرومان إلى مصر فيما بين عامي (307 – 308م)، وهو عبارة عن تولية أحد أعضاء مجلس الشورى في كل إقليم الإشراف على عدد من القرى، وكان يتمتع بسلطة كبيرة.

وفي القرن الرابع الميلادي أُلغِي نظام الباجوس وحل محله نظام إداري آخر وهو نظام (الباجركات) أي الكور؛ حيث أصبحت المنطقة الريفية كلها تشكل مقاطعة واحدة، ويُعد الباجرك أو البجاركوس – أي صاحب الكورة أو المحافظ - موظفًا تابعًا للإمبراطور، وكان يتولى الإشراف على كافة الشئون المالية بالباجركية (البجارشي) أو الكورة من مدن وقرى ومتابعة الشئون القضائية.

وقد استمرت هذه التنظيمات الإدارية حتى اعتلى الإمبراطور جستنيان (527 – 565م) العرش البيزنطي، والذي أجرى العديد من الإصلاحات والتغيرات على النظام الإداري.

وطبقًا لمرسوم (13) الذي أصدره جستنيان سنة (538 – 539م) إلى والي الشرق؛ فإنه يمكن القول إن بسيون وكثير من قرى ومدن وسط وغرب الدلتا أصبحت تابعة لأبروشية – أي مقاطعة - مصر الثانية التابعة بدورها إلى دوقية – أي ولاية - تسمى مصر، حيث انقسمت الدولة المصرية إلى خمس دوقيات أو ولايات؛ منها دوقية مصر وتشمل غرب الدلتا بما في ذلك مدينة الإسكندرية، ثم قُسمت هذه الدوقية إلى أبروشيتين أو ولايتين أصغر في المساحة هما؛ أبروشية مصر الأولى، وأبروشية مصر الثانية.

وتنقسم الأبروشيات إلى وحدات إدارية أصغر تُعرف باسم الباجركات (الكور) والمدن والقرى والضياع الكبيرة. وكان يرأس كل مدينة نائب يسمى (نائب البلدية) أو حامي المدينة، وكان لكل قرية مجلس محلي يتألف من: الجُباة، والكُتّاب، وعمّال البريد، ويختلف هذا المجلس باختلاف القرية وأحوالها. وقد استمر هذا النظام الإداري حتى الفتح العربي لمصر.

وطبقًا لما سبق، وبالإضافة إلى ما ذكره محمد رمزي في قاموسه الجغرافي عن صا الحجر وبسيون، هذا علاوة على الخريطة التي توضح التقسيم الإداري لمصر قبل الفتح الإسلامي؛ فيمكننا القول أن بسيون كانت قرية أو ضاحية تابعة لكورة "صا" خلال العصر البيزنطي – القبطي. وهذه الكورة تابعة لأبروشية مصر الثانية والتي كانت قاعدتها مدينة "كباسا" وهي الآن قرية شباس الشهدا بمركز دسوق، وهذه الأبروشية تابعة بدورها لدوقية أو ولاية مصر كما سبق ذكره.

ولما فتح العرب مصر أبقوا على النظام الإداري القائم آنذاك، مع إجراء بعض التعديلات واستحداث بعض الوظائف العامة مثل ظهور وظيفة والي أو عامل الخراج وصاحب الشرطة وصاحب البريد وقاضي مصر حيث أصبح القضاء مستقلا، وكان والي مصر من قبل الخليفة يسمى أمير الديار المصرية وهو صاحب السلطة العليا في البلاد ورئيسا للجيش، ومن الجدير بالملاحظة أن وظيفة صاحب البريد لم تكن قائمة في عهد الخلفاء الراشدين وقد بدأتها الدولة الأموية وتطورت في العصر العباسي.

وكانت مصر بعد الفتح مباشرةً مقسمة إداريًا إلى مصر:

العليا، والسفلى، وهذان القسمان الرئيسيان مقسَّمين إلى أقسام أو كور، ويقال إنه كان بها ثمانون كورة منذ فتح مصر حتى بدايات العصر الفاطمي، وهذه الكور مقسمة بدورها إلى قرى. ومن الجدير بالذكر أن يوحنا النقيوسي ذكر أن مصر قُسِّمت غداة الفتح العربي إلى ثلاثة أقسام؛ هي مصر السفلى والريف و"اركاديا"، وقُسِّمت هذه الأقسام بدورها إلى كور.

وكانت مصر السفلى (الوجه البحري) مقسمة جغرافيا إلى ثلاثة أقسام؛ وهي الحوف الشرقي ويشمل الأراضي الواقعة شرقى فرع دمياط، والحوف الغربي ويشمل الأراضي الواقعة غربى فرع رشيد، وبطن الريف ويشمل الأراضي الواقعة بين فرعي رشيد ودمياط.

ولقد كانت الكورة تكبر وتصغر بحسب ظروف الزمان والمكان وتفاوت الحضارة والعمران ورغبة الحكومة القائمة بالأمر أو حكام الأقاليم في إنشاء أو إلغاء كل أو بعض الأقسام الإدارية السياسية لأغراض خاصة أو عامة. ويرادف كلمة كورة في عصرنا الحاضر كلمة مركز، وهي كلمة مستعملة منذ القرن التاسع الهجري (عصر المماليك) بمعنى دار الشرطة أو نقطة البوليس كما هو الحال الآن.

وفي القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) قُسِّم الوجه البحري إلى ثلاثة أقاليم كبرى، وهي إقليم الحوف الشرقي وقاعدته مدينة بلبيس ويتكون من 11 كورة، وإقليم بطن الريف ويتكون من 20 كورة، وإقليم الحوف الغربي ويتكون من 15 كورة وقاعدته مدينة الإسكندرية، فكان مجموع الكور في الوجه البحري 46 كورة بخلاف كورة لوبيه (أو ليبيه) غربى الإسكندرية

وثلاثة كور أخرى هي كورة القلزم (السويس) وكورة الطور وكورة إيام ومدين من بلاد الحجاز؛ حيث كانت تابعة لمصر، وكان في الصعيد 30 كورة، فكان مجموع الكور في مصر وتوابعها إلى آخر الدولة العباسية وصدر الفاطمية 80 كورة.

هذا وكان التقسيم الإداري لمصر السفلى (وجه بحري والدلتا) منذ الفتح العربي وما قبله حتى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادي عشر الميلادي) - منتصف العصر الفاطمي - يعتمد على التقسيم إلى كور صغيرة، وتسمى هذه المرحلة بفترة الكور الصغرى. ويظهر من مواقع الكور المُحددة على إحدى خرائط جغرافيا مصر في العصر العربي لعمر طوسون؛ أن بسيون تقع ضمن كورة صا الصغيرة، وبالتالي فإن بسيون كانت قرية أو ضاحية تتبع كورة صا التابعة بدورها لإقليم بطن الريف.

وطبقًا للإصلاحات التي أدخلها أمير الجيوش بدر الجمالي - وزير الخليفة المستنصر الفاطمي - على التقسيم الإداري لمصر في سنة (470هـ - 1078م)؛ فقُسمت أقاليم مصر إلى أربع ولايات رئيسية؛ وهي ولاية قوص وولاية الشرقية وولاية الغربية وولاية الإسكندرية، ثم العاصمة المصرية مُمثلة في ولاية القاهرة وولاية الفسطاط، ويضاف إلى ذلك ولاية عسقلان، وهي الولاية الوحيدة خارج الأراضي المصرية التي استمرت بأيدي الفاطميين بعد استيلاء الفرنج على سائر الولايات الفاطمية الأخرى بالشام في سنة (581هـ/ 1124م).

هذا وكانت ولاية الغربية تشتمل على جميع الأراضي الواقعة داخل الدلتا المصرية، وأيضا كان هناك ولايات صغرى يدخل حكماها تحت إمرة حكام الولايات الكبرى، وهي – في الوجه البحرى - ولاية القليوبية وولاية منية تردي – وهي منية غمر - وولاية المنوفية وولاية جزيرة بني نصر – وربما أضيفت إلى المنوفية وعُبر عنهما بالمنوفيتين وولاية جزيرة قويسنا وولاية البحيرة وولاية ثغر رشيد المحروس وولاية ثغر نستراوه وولاية ثغر دمياط وولاية الفراما بالساحل الشامي فيما دون العريش.

ومن ثمَّ قام رجال الخليفة المستنصر بإبدال تقسيم القطر المصري من كور صغيرة إلى كور كبيرة بلغت 22 كورة، منها 12 كورة في الوجه البحري وعشرة كور في الوجه القبلي، وهذا التقسيم هو الأساس الذي ظلت تدور في فلكه التقسيمات السياسية الإدارية في مصر إلى الآن، أي منذ قرابة ألف عام، وبلغ فيه عدد القرى إلى 2148 قرية، منها 1601 قرية في الوجه البحري و547 قرية في الصعيد

وهذا بخلاف الثغور كما روى أبو صالح الأرمني المت وفي سنة 550هـ في كتاب الأديرة والكنائس. ثم احتفظ الأيوبيون بهذا التقسيم وأضافوا إليه كورتين آخرتين هما كورة الدنجاوية في ولاية أو إقليم الغربية وكورة الكفور الشاسعة بإقليم حوف رمسيس، وبذلك أصبح عدد الكور 24 كورة كبيرة.

ويسمى التقسيم الإداري في مصر خلال النصف الثاني من العصر الفاطمي وطوال العصر الأيوبي (ق 10هـ - 15م) بفترة الكور الكبرى، حيث فُتحت أجزاء الكور الصغيرة على بعضها البعض، بالإضافة إلى زيادة مساحات الأراضي المزروعة، والاهتمام الكبير الذي بدأه الوزير بدر الجمالي – في أعقاب الشدة العظمى - بالعناية بأمر الترع والجسور مما أدي إلى ارتفاع إيرادات الدولة. وفيما يبدو أن الشدة المستنصرية العظمى المذكورة قد أثرت بشكل ملحوظ في جغرافية مصر وخصوصًا في الوجه البحري.

ومن خلال إحدى خرائط عمر طوسون عن جغرافية مصر في العصر العربي يتضح لنا التقسيم الإداري للكور الكبرى خلال النصف الثاني من العصر الفاطمي والعصر الأيوبي، والتغيير الواضح الذي حدث في الهيكلة الإدارية نظرًا للتغيرات الجغرافية لمصر . ويظهر من تحديد موقع بسيون على هذه الخريطة أنها أصبحت تابعة لكورة السنهورية (%) التابعة بدورها إلى ولاية الغربية الكبرى (السابق ذكرها).

وفيما يبدو أنه منذ تلك الفترة أصبحت بسيون ضاحية أو قرية كبيرة ولها حقوق وتتبعها قرى صغيرة أو كفور وعزب، حيث تظهر لأول مرة في الدواوين باسم شبرا بسيون، ويخبرنا ابن مماتي أيضا في قوانين الدواوين عن قرية تسمى رنبدة أنها من حقوق بسيون وشبراها.

أما في العصر المملوكي فكان النظام الإقطاعي للمماليك ذو أهمية عظيمة؛ ليس لأنه استمر طيلة 267 عاما في الدولة صاحبة القيادة في العالم العربي حيث ترك علامات بارزة في التطور الاجتماعي والاقتصادي والنفسي لمصر والشام؛ بل لأنه كان يمثل نتاج امتزاج ثلاثة أنظمة إقطاعية هي الإسلامي والمغولي والأوربي الوسيط.

وقد كانت مصر آنذاك في أوج عزها وازدهارها في شتى الجوانب، إذ إن الظروف التاريخية التي أحاطت بالعالم الإسلامي في منتصف القرن السابع الهجري أفرزت دولة سلاطين المماليك لتقوم بدور القوة المدافعة عن العالم الإسلامي على مدى قرنين ونصف من الزمان.

ولقد انقسمت مصر في العصر المملوكي (648 - 923هـ = 1250 - 1517م) كما كانت في العصر الأيوبي إلى قسمين كبيرين وهما؛ الوجه البحري ويبدأ من شمال القاهرة وينتهي إلى سواحل مصر على البحر الأبيض المتوسط، والقسم الثاني وهو الوجه القبلي الذي يبدأ من جنوب مصر (الفسطاط) وينتهي إلى جنوب أسوان.

وقد انقسم كل وجه من الوجهين إلى عدة أقسام أصغر، أُجرِيت أعمال مسح شامل للبلاد مع تعديل التقسيم الإداري السياسي، وجرت أعمال المسح هذه مرتين في هذا العصر؛ إحداهما تسمى "الروك الحسامي" وجرت بأمر من السلطان حسام الدين لاجين المنصوري (686 - 698هـ - 1296 - 1299م) في سنة (697هـ - 1298م)، وقد نُفِّذ هذا الروك بشكل سريع وظهر واضحا أنه لم يكن متكاملا.

أما الأخرى فتسمى "الروك الناصري" وجرت بأمر من السلطان الناصر محمد بن قلاوون خلال الفترة الثالثة من حكمه (709- 741هـ - 1309- 1341م) في سنة (715هـ - 1315م)، ويعتبر هذا الروك الناصري أهم عملية مسح للبلاد المصرية لما ترتب عليه من تقسيم إداري وثقل اقتصادي.

ومن نتائج الروك الناصري – بعد فك زمام القطر المصري - أن سميت الكورة عملا مع تعديل التقسيم الإداري، وأصبحت الأعمال 21 عملا بدلا من 24 كورة، فقُسم الوجه البحري إلى إلى 12 منها القليوبية وضواحي القاهرة بعد فصلهما من كورة الشرقية، وضواحي الإسكندرية بعد فصلها من كورة رشيد وكورة البحيرة

وأمر الملك الناصر كذلك بضم كورة المرتاحية إلى كورة الدقهلية وجعلهما عملا واحدا باسم أعمال الدقهلية والمرتاحية، وأطلق على كورة الإيوانية اسم ضواحي ثغر دمياط، وأمر بضم كورة السمنودية والدنجاوية وجزيرة قويسنا إلى أعمال الغربية، وضم نواحي حوف رمسيس والكفور الشاسعة إلى أعمال البحيرة. هذا وقُسم الوجه القبلي إلى تسعة أعمال.

وتنقسم هذه الأعمال (الأقاليم) إلى مجموعة من النواحي والمدن، فوصل عدد النواحي إلى 2163 ناحية، وكانت هناك بعض المدن المستقلة إداريا ولم تنسب لأي عمل؛ أهمهم مدينة القاهرة وهي العاصمة، وأيضا مدينتي الإسكندرية ودمياط. وقد ضم الوجه البحري 1651 ناحية كانت موزعة بين 11 أو 12 عملا، ولكل عمل مركز أو عاصمة خاصة به. وكانت أعمال الغربية من أهم الأعمال آنذاك، وكانت تضم أكبر عدد من النواحي ؛ حيث يصل عدد النواحي بها إلى 471 ناحية، وأصبحت مدينة المحلة هى مركز هذا الإقليم.

هذا ويُقصد بالناحية على أنها القرية، وقد تضم الناحية أكثر من قرية صغيرة أو مشيخة، ويُذكر أن تعداد القرى في القطر المصري قد وصل في عام (883هـ) إلى 2287 قرية غير مشتركة مع غيرها في الزمام. ومنذ هذا القرن (9هـ - 15م) تم استعمال كلمة "مركز" لأول مرة لتعني دار الشرطة.

ولقد كانت بسيون في عصر المماليك ناحية (أو قرية كبيرة) تتمتع باستقلال اداري من نواحي أعمال الغربية، وقد ذكرها ابن الجيعان (ت 885هـ - 1497م) في التحفة السنية باسم "شبرا بسيون"، وذكر أن مساحتها تبلغ 3515 فدان، وأن بها رزق قدره 211 فدان، ومقدار عبرتها (مُحصّلة الخراج) يبلغ 9600 دينار، وأضاف أن أراضيها للمقطعين -أي أصحاب الإقطاع من المماليك - وبها أملاك وأراضي أوقاف.

ومن أشهر رجال بسيون – أو ممن يرجع أصلهم إليها - في العصر المملوكي؛ قاضي القضاة علم الدين أبو الربيع سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن غانم بن محمد الطائي البساطي المالكي، قاضي قضاة الماليكة بالديار المصرية.

ولد ببساط – نسبة إلى بساط بليدة من أعمال الغربية والسمنودية- وأصل آبائه من شبرا بسيون ولجدهم فيها زاوية، ومات جده خالد وأبيه سليمان وهو صغير فنشأ في حجر عمه عثمان بن نعيم. وقد ولى قضاء مصر في عهد الأشرف شعبان عوضا عن بدر الدين الإخنائي بعد عزله، وباشر عمله بعفة وتقشف، وعزل سنة 783هـ، ولزم بيته حتى توفي سنة 786هـ.

وأيضا عبد الرحمن بن أحمد بن علي، وهو الفقيه زين الدين البسيوني، نسبة إلى شبرا بسيون، وهو رجل فقير وصالح، اشتغل وحضر الدروس عند كثير من العلماء منهم السيد النسابة وابن أسد، وحج غير مرة وأكثر المجاورة بالمدينة بل وقطنها. وولد عام 828هـ.

وفي العصر العثماني (923 - 1213هـ = 1517 - 1798م) استمرت إدارة مصر تتبع ما كان موجودا في عصر المماليك، فأبقى سليم الأول (918- 926هـ 1512- 1520م) على المماليك للاعتماد عليهم في إدارة شئون البلاد، وقسم القطر المصري إلى 12 سنجقية (محافظة أو مديرية) يحكم منها حاكم يقال له سنجق أو بك يعينه الديوان وهو مجلس شورى الباشا من أمراء المماليك. وبعد عهد سليم لم يثبت عدد الصنجقيات على حال، بل أخذ في التغير، وكانت وظيفة الحاكم الإقليمي بشكل عام يمثلها إما صنجق بك أو كاشف.

وقد أصدر السلطان سليمان (926- 974هـ = 1520- 1566م) مجموعة القوانين المسماة قانون نامة مصر، والتي تنظم أمور مصر العسكرية والمدنية وتقنن الأوضاع الإدارية السائدة آنذاك. ويُقسم قانون نامة مصر إلى قسمين رئيسيين؛ أما القسم الأول ويتعلق بالتنظيم العسكري، ويتضمن هذا القسم ست أوجاقات أو جماعات أو فرق عسكرية.

وأما القسم الثاني فقد فصلت فيه الإدارة المدنية، وعمد واضعوه إلى تثبيت كثير من النظم والتقاليد التي كانت سائدة في مصر خلال عصر المماليك، وعدلت بعض النظم المحلية الأخرى لتتفق مع النظم العثمانية. فمثلًا ظل وكلاء الحكومة المحليون يسمون بألقابهم القديمة وهي كشاف، وانحصرت واجباتهم في تنظيم الاستفادة من مياه النيل بإقامة الترع والمصارف والجسور، والإشراف على جميع الأموال الأميرية ومراقبة جامعيها، وتوطيد الأمن وحماية القرى.

وبمضمون هذا القانون المذكور تم فك زمام القطر المصري في سنة 933هـ، وهو الذي عرفت دفاتره باسم "الترابيع" وغيرت فيه كلمة أعمال – المستخدمة في عصر المماليك - باسم ولاية (أو صنجقية أو كشوفية)، وقسم القطر المصري إلى 14 ولاية يدير شؤونها الكشاف، منها واحدة للواحات الخارجة بالصحراء الغربية

وقسمت مصر العليا والسفلى إلى 13 ولاية، منها 6 في الوجه القبلي، و7 ولايات في الوجه البحري، وهي القليوبية والشرقية والدقهلية والغربية والمنوفية والبحيرة، هذا بخلاف 6 محافظات هي الإسكندرية ورشيد ودمياط والعريش والسويس والقصير، ويرأس كلا منهم محافظ، أما القاهرة فكان يرأسها شيخ البلد وهي مقر الوالي (الباشا) التركي.

وقد سجل الرحالة فانسليب أنه خلال القرن السابع عشر كان في مصر في الصعيد الأعلى 24 كشوفية، وفي مصر الوسطى 6 كشوفيات، وفي الوجه البحرى 6 كشوفيات، والمجموع يصل إلى 36 كشوفية (ولاية ومحافظة)، ودونت الحملة الفرنسية (1213- 1216هـ = 1798- 1801م) في كتاب وصف مصر أن القطر المصري كان يقسم آنذاك إلى 16 إقليما (ولاية) نصفها في الوجه البحري ونصفها في الوجه القبلي، وذكرت ولاية الغربية بحدودها القديمة قبل تعديل سنة 1898م ما عدا مركز شربين وبحري طلخا.

ومما سبق يمكننا القول أن النظام الإداري المحلي خلال العصر العثماني لمعظم المدن والقرى في الأقاليم المصرية بقي كما كان في العصر المملوكي، ولم يذكر محمد رمزي عن أي تغيير لبسيون قبل عام 1826م، هذا وقد ذكر مرتضى الزبيدي - صاحب تاج العروس المتوفي قرب نهاية العصر العثماني سنة 1205هـ - 1790م - بسيون كما ذُكرها ابن الجيعان في العصر المملوكي باسم شبرا بسيون. ومن ذلك نستنتج أن بسيون كانت في العصر العثماني ناحية أو قرية كبيرة مستقلة اداريا وتتبعها بعض القرى الصغيرة والعزب أو الكفور، والتي تتبع ولاية (صنجقية) الغربية وعاصمتها مدينة المحلة.

ولقد كانت مدينتا طنطا والمحلة أكبر مدينتين في مصر السفلى (الوجه البحري). وكان أغلب سكان الدلتا ينقسمون فيما بينهم بين حزبين متعاديين تحت اسم سعد وحرام. وكانت الإدارة المحلية للقرى في نهايات القرن 18م وبدايات القرن 19م تعتمد على شيخ أو أكثر من العرب، حيث يقومون بجباية الضرائب مع المحصلين الأقباط، وكان هؤلاء المشايخ منقسمون على أنفسهم من قرية لأخرى، يسلحون فلاحي البعض ضد البعض الآخر عند أبسط الزرائع، ولا يتوانى المماليك في دعم هذه الانقسامات التي يتأكد بفعلها نفوذهم وسلطتهم.

ومن أشهر رجال بسيون في العصر العثماني؛ محمد بن محمد البسيوني المتوفي سنة (1117هـ - 1705م)، وهو فرضي شافعي، أصله من بسيون ونسبته إليها، وإقامته في رشيد، ومن أهم أعماله "حاشية على شرح الشنشوري للرحبية". وقد قام محمد علي باشا (1805- 1848م) بتقسيم مصر إلى أخطاط يشمل كل خط منها عددا من القرى، وعلى رأس الخط موظف يسمى حاكم الخط.

ونظرا لاتساع دائرة الولايات وضرورة وجود موظفين للإشراف على أعمال حكام الأخطاط ومشايخ القرى؛ أمر محمد على سنة (1236هـ - 1820م) بتقسيم كل من ولاية البهنسا والأشمونين إلى أربعة أقسام وعين لكل قسم موظف باسم ناظر قسم، وكانت هذه المرة الأولى التي أنشئت فيها الأقسام أي المراكز في العصر الحديث. وفي سنة (1238هـ - 1822م) قسمت ولايات الشرقية والدقهلية والغربية والبحيرة إلى أقسام، وعين لكل قسم منها ناظر قسم، وفي سنة (1241هـ - 1825م) أمر بإبطال اسم ولاية وأن تستبدل بها كلمة مأمورية.

وكانت هناك 24 مأمورية في الوجه البحري و10 في الوجه القبلي، وقسمت كل مأمورية إلى أقسام على حسب اتساع دائرتها، ويرأس كل مأمورية موظف باسم مأمور كما يرأس القسم ناظر القسم. ولما رأى محمد علي أن اسم المأمورية يدل في معناه على أنه أصغر من الولاية أصدر أمرًا في أول سنة (1249هـ - 1833م) بتغير كلمة مأمورية إلى مديرية، والذي تم تغييره بعد ذلك إلى محافظة.

وأصبح عدد المديريات 14 مديرية، يرأس كلًا منها مدير، وبذلك رجع محمد علي إلى التقسيم الجغرافي للبلاد على عهد الفاطميين فالأيوبيين فالمماليك. هذا وقد زاد محمد على في الأقسام الإدارية لتركيز السلطة وتوحيد أعمالها في المديريات.

وبذلك فقد قُسمت مصر إلى مديريات، وكل مديرية إلى أقسام، وكل قسم إلى أخطاط وقرى، وكل قرية إلى حصص، ويقوم على رأس هذه التقسيمات الإدارية سلم من الموظفين ينتهي بشيخ الحصة الذي يتولى شؤون جزء من القرية، بجانب عدد آخر من الموظفين مثل الصراف والمشد والخفير والبصاصون وناظر الشون وخولي القرية والشاهد (المأذون).

وقد بلغ عدد الأقسام الإدارية حتى آخر حكم سعيد (1854- 1863م) إلى 47 قسما تشتمل على 3639 قرية. وقد سار الخديوي إسماعيل (1863- 1879م) على نهج جده في التعمير والإصلاح، وأنشئ في عهده 17 قسما، وبلغت عدد الأقسام في آواخر حكمه إلى 64 قسما.

وأصدر إسماعيل أمرا باستعمال كلمة مركز بدلا من كلمة قسم في الوجه البحرى، واستعمال اسم مأمور بدلا من ناظر القسم على رئيس المركز، وأيضا استبدال حاكم الخط بمعاون إدارة. وفي الوجه القبلي فقامت وزارة الداخلية بإصدار منشورا باستعمال كلمة مركز بدلا من قسم اعتبارا من سنة 1890م أسوة بالوجه البحري. وفي سنة 1880م أصبح عدد المراكز 73 مركزا، وفي سنة 1937م أصبح العدد 75 مركزا يشتمل على 4188 قرية مالية وإدارية بخلاف محافظات القاهرة والإسكندرية والحدود والقنال والسويس ودمياط.

وفي خلال عصر أسرة محمد على بدأت بسيون تظهر في الدواوين المصرية باسمها الحالي "بسيون" بعد حذف الصدر "شبرا". ومما سبق بالإضافة إلى ما ذكره محمد رمزي عن بسيون وكفر الزيات؛ فيمكنني القول بأن بسيون كانت قاعدة لقسم بسيون أحد أقسام مديرية الغربية منذ سنة 1826م، وبها الديوان والمصالح الأميرية ويرأسها ناظر قسم بسيون، ويتبعها بعض القرى والنواحي والعزب والحصص، ثم تحولت إلى مركز في عهد الخديوي إسماعيل (1863- 1879م) كغيرها من أقسام المديريات في الوجه البحري، ويرأسها مأمور مركز بسيون.

واستمرت بسيون مركزا حتى سنة 1871م عندما أصدر ناظر الداخلية قرارا بنقل ديوان المركز من بسيون – لبعدها عن السكة الحديدية آنذاك - إلى قرية كفر الزيات التابعة لمركز بسيون لوقوعها على السكة الحديدية ولتوسطها بين بلاد المركز، وبذلك أصبحت كفر الزيات قاعدة للمركز وسمى بمركز كفر الزيات في جداول نظارة الداخلية

وأما في نظارة المالية فبقى باسم بسيون، حتى صدر قرار في سنة 1896م بتسمية في دفاتر المالية باسم مركز كفر الزيات لتوحيد التسمية في المصالح الأميرية. ومن ذلك فقد عادة بسيون قرية كبيرة كما كانت في العصور الإسلامية السابقة على عصر أسرة محمد على.

وبالتالي فقد ذكرها على باشا مبارك (ت 1311هـ - 1893م) في خططه على أنها قرية كبيرة من بلاد الغربية بمركز كفر الزيات، ثم استمر في وصفها وذكر أنها تقع في الناحية القبلية لفرع القطني الخارج من ترعة الباجورية وشرقي ترعة السلمونية، وأبنيتها من الآجر واللبن، وبها جامع الشيخ البسيوني وضريحه الشهير، ويُعمل له مولد كل سنة بعد مولد سيدي أحمد البدوي، وبها جامع الشيخ الأنصاري وضريحه الشهير أيضًا، وبها جملة زوايًا وأضرحة وثلاث جنات مشتملة على كثير من الثمار والفواكه، وبها معمل فراريج.

ومنها يوسف المراسي الذي ترقى إلى رتبة قائمقام، ومحمد أفندي خلف رئيس مجلس كفر الزيات. وأغلب أهلها من المسلمين وعددهم أربعة آلاف نفس من الذكور والإناث. وزمامها 2740 فدانًا، وتُروى أرضها من النيل، ولها سوق كل يوم اثنين، وشهرتها في زرع القطن وغيره، وكان لها شهرة في نسج الملاآت البسيونية ثم بطل ذلك. وبجوارها قرية صغيرة تُعرف باسم منشأة بسيون بها منزل مشيد لعمدتها عبد الملك أحد أقباطها، وجنينة لخليل أبي موسى من أهاليها.

ومن أشهر رجال بسيون خلال عصر أسرة محمد على؛ أحمد أفندي دقلة الذي أصبح أحمد بك دقلة عندما حصل على رتبة بيكباشي، وهو مهندس من بعثات محمد على باشا، أكمل دراسته في فرنسا وعاد إلى مصر سنة 1251هـ، وتولى تدريس الجبر وعلم حركة المياه (الهيدروليك) في مدرسة المهندسخانة بالقاهرة.

ثم عُين وكيل المدرسة مع تكليفة بإعطاء الدروس، ومعظم المهندسين الموجودين في عهده تلقوا عنه، وفي سنة 1266هـ انتقل إلى قلم الهندسة، وفي سنة 1267هـ طلب منه عباس باشا مباشرة عمل الخرطة المثلثية بمديرية البحيرة لعمل ترعة المجيدية. وكان من أعظم المهندسين. وترجم عن الفرنسية "رضاب الغانيات في حساب المثلثات" و "علم الهيدروليك لدبويصون" و"مثلثات مستوية كروية". وتوفي ببيته في منشأة بسيون سنة (1273هـ - 1856م).

وأيضا محمود البسيوني (1291- 1363هـ = 1874- 1944م)، وهو محمود بن إبراهيم البسيوني؛ حقوقي من الخطباء، علت شهرته في أيامه. ولد في أسيوط، وكان أبوه مهندسًا للري فيها. وتخرج من مدرسة الحقوق بالقاهرة، واحترف المحاماة. وعانى نظم الشعر، وليس بشاعر، واشتهرت له قصيدة يقول فيها – والمعنى قديم:

"ولا طلعت شمس عليَّ بمنزلٍ

إذا أنا لم أرض المكارم والمجدا"

"ولا كنت محمودا إذا أنا لم أفز

بعارفة تولى المثوبة والحمدا"

وعمل في الحركة الوطنية مع سعد زغول، وكان نقيبًا للمحامين، ووزيرًا للأوقاف. ورأس "مجلس الشيوخ" وجميعة "الرابطة العربية" ومؤتمر "الإصلاح الاجتماعي"، وكان كثير السعي بالخير لمن قصده. وتوفي بالقاهرة. ونسبته إلى بسيون من قرى الغربية، وأصله منها. (1)

الإخوان في بسيون

كانت محافظة الغربية على موعد مبكر مع دعوة الإخوان المسلمين فقد دخلت دعوة الإخوان طنطا في بدايات الأربعينيات وكانت طنطا نقطة انطلاق وانتشار للدعوة بمحافظة الغربية وتميز إخوان طنطا بالجهد الطيب في نشر دعوتهم لكافة الوسائل الخدمية والاجتماعية كما أشاد بهم التقرير المالي للمركز العام للإخوان المسلمين من حرصهم على أداء سهم الدعوة بالرغم من خلو خزينة الإخوان بطنطا.

ولقد امتدت الدعوة إلى بسيون في وقت مبكر؛ حيث جاء ذكرها في تقرير شعب الإخوان في مجلة الإخوان في عددها الرابع الصادر في 2 من ربيع الثاني 1356هـ - 11 يونيو 1937م، وكان نائبها الشيخ قطب عبد الكريم، كما جاء تقرير شعب الإخوان عام 1940م على ذكرها أيضا حيث استمر الشيخ قطب عبد الكريم الكتبى نائبا لها.

غير أن الأستاذ أحمد البس – أحد الرعيل الأول للإخوان في بسيون – يسوق قصة أخرى عن وصول دعوة الإخوان لبسيون

فيقول:

في يوم من ايام عام 1939هـ خرجت من منزلنا بالقضابة سائرا على شاطئ ترعة القرية مع صديق لي " عبد المجيد الخلالي" فقابلنا الأستاذ محمد إسماعيل حتاتة الموظف بطنطا وأعطانا إعلانا صادرا من جماعة الإخوان المسلمين "فرع طنطا" الذي لم نسمع عنها قبل ذلك ولا على منهجها فقرأنا الإعلان

ثم جاء بعد ذلك بمدة قصيرة المهندس عبد السلام فهمي والأستاذ محمود العجمي من الإخوان المسلمين بطنطا وصليا الجمعة في القضابة كل في مسجد ودعا إلى الإخوان المسلمين ولم نكن حاضرين مع أحدهما ولكننا سمعنا أنهما اعتليا منبر المسجد وبيد كل كتاب الله فاشتقنا لرؤيتهما فقيل لنا إنهما ذهبا إلى بيت محمد إسماعيل حتاتة فذهبنا إليهما فوجدناهما فرغا من الطعام وأخذا يتهيآن للسفر إلى طنطا

وأخذنا نسألهما:

ما الفرق بين الإخوان المسلمين والشبان المسلمين والتي كنا نسمع عنها وما المقصود من دعوة الإخوان المسلمين؟ وفي نهاية الطريق إلى بسيون " مسافة 2كم" التفت أحدهما إلى المودعين لهما وكنا حوالي عشرة أشخاص وقال إذا أحببنا أن نتصل بكم جوابيًا فمن يكون منكم فقال أكثر من واحد منا يكون الاتصال بأحمد البس ووافق الجميع على ذلك وقد كان. (2)

ومن خلال البحث والمتابعة لا أجد اختلاف في الروايات حيث أن بسيون هي المدينة وأما القضابة التي يتحدث عنها الأستاذ أحمد البس قرية تابعة لبسيون، ولربما فعلا دخلت الدعوة إلى بسيون قبل دخولها لقرية القضابة التي ينتمي إليها الأستاذ أحمد البس.

غير أن الدعوة بدأت تنتشر ويتكون هيكل لها في بسيون حيث يقول الأستاذ البس:

اخترنا جزءا منفصلا من منزل الأقارب عبارة عن حجرة ودورة مياه وفضاء مناسب حوله استأذنا صاحب المكان في أن نتخذه مكانا لاجتماعاتنا وأحضرنا من منزلنا بعض الأرائك كانت ملكًا لأعمامي؛
ونظرا لأن صاحب المكان لم يكن مهتما بما نعمله وفاجأنا في يوم من الأيام وأغلق المكان على ما فيه ومنعنا من الدخول وحاولنا معه حتى سمح بأخذ ما احضرناه وانصرفنا إلى بيتنا وكان به حجرات للضيوف استعملناها لشعبة الإخوان المسلمين وبالمناسبة زارنا الأستاذ عبد الرحمن البنا شقيق الأستاذ حسن البنا.
وفي يوم من الأيام قابلني عمدة القضابة رحمه الله "محمد زكي الدين حتاتة" وكان شابا وقال إن الإخوان المسلمين جماعة عامة للناس جميعا فلا تحصرها في بيتكم وخذ لها مكانا عاما يمكننا ويمكن لكل واحد أن يدخله من غير استئذان ودلني على مدرسة للقرآن الكريم محطمة الأبواب والشبابيك والسور وهو نفسه يضع فيها كوما من الأتربة فقلت لله خذ أتربتك ودعنا ننظف المكان من الأتربة الأخرى ونصلح الأبواب والشبابيك ونقيم للمبنى سورا جديدا لها ففعل ما طلب منه وبدأنا نجهز المكان لتحفيظ القرآن واجتماعات الإخوان.
وقد كان المال في أيدينا قليلا والمنضمون قليلون أيضا واحتجنا لعمل سور ولو من الطوب اللبن ولما جاءنا العمال الذين يصنعون هذا الطوب بالشكوى من كثرة الحصى الذي يجدونه في "المونة" فخلعت جلبابي وأخي عبد المجيد أيضا ونزلنا "المعجنة" بعد صلاة العشاء حيث الظلام الدامس في القرية ولا يرانا أحد وانتهينا من هذا العمل وغسلنا أيدينا وأرجلنا من مياه الترعة ولبسنا ملابسنا.
وفي الصباح بعد صلاة الصبح مررنا على العمال وهم يصنعون الطوب ونحن نلبس ملابسنا " الجاكت والبنطلون والطربوش" فقلنا لهم كيف الحال؟ فقالوا إن العمال الذين أحضرتموهم لتقليب المونة عندهم ضمير فقلنا لهم سوف نحضرهم كل ليلة وقد كان. ولما تم بناء سور المدرسة أصبحت في النهار صالحة لتقبل التلاميذ لحفظ القرآن الكريم وأحضرنا لها معلما للقرآن يعلم الراغبين وفي المساء يجتمع الإخوان في الدار وفي فنائها الواسع الفسيح.
ويبدو أن هذا لم يعجب ابن العمدة الأسبق وابن أحد أعيان عائلة كبيرة يفكر تفكيرا معاديا للإخوان فأحضرا عدة مراكب شراعية ليلا مملوءة بالطمى وأنزلوها في فناء المدرسة ودخلوا من الباب الذي يطل على الترعة فأصبحت لا تصلح لجلوس أحد ومن ذا يمكنه أن يقف أمام ابن العمدة وابن شيخ البلد وهما أكبر شابين في عائلتيهما وخشيت أن يمتد النزاع في القرية بعد أن هدأ الأمر وانقطع القتل
ولكني توكلت على الله وجابهت الأمر وحدي وأحضر عشرين عاملاً وعلى رأسهم ريس سلمته أجرا للعامل عشرة قروش في ساعة واحدة والريس بعشرين قرشا وهذا أجر في هذا الوقت يأخذه العامل لو اشتغل طوال اليوم بل يومين ووقفت معهم مشجعا وحارسا وقلت لهم إن المطلوب تسوية هذا الكوم من الأتربة بارتفاع متر على أرض المدرسة غسلوا أنفسهم في مياه الترعة ولبسوا ملابسهم وفي الصباح حين علم ابن العمدة وابن شيخ البلد بذلك تقابلا معي وأخذا يهدداني على فعلت ويقول ابن العمدة إن المدرسة مدرستنا وجدي هو الذي بناها
فقلت له:
إن هذه المدرسة ملك الأوقاف وقد كتبت معها عقدا بالإيجار السنوى وأنكما وضعتما الأتربة بغير إذني معطلين المدرسة والشعبة وأنا سويت الأتربة بغير إذنكم فإذا فعلتم شيئا ثالثا قمت بمقاومتكم والبادئ أظلم وعليكما أخذ الأتربة وقد شاء الله أن يلقي في قلوبهم الرعب بفضله فأمرا أتباعهما من الفلاحين بحمل الأتربة على ظهور الجمال وقد تم ذلك في أسبوعين.
واستعد الإخوان بالقضابة على قلتهم لاستقبال فضيلة المرشد العام حسن البنا بالقضابة ودعونا أفرادًا من ثماني عشرة قرية حول القضابة من مديرية الغربية ومن مديرية البحيرة ولبى الدعوة عدد وفير من الناس وكنا في شهر رمضان لعام 1358هـ على وجه التقريب.
وحينما قدم الإمام البنا صلى بالناس العشاء والتراويح وسألهم كم عدد ركعات التراويح تصلون فقالوا:

عشرين فصلى بهم عشرين مع أنه يصلي بالمركز العام بالقاهرة ثماني ركعات بربع من القرآن وحضر شاب في هذه الليلة من أعيان كفر الحمام محمد زكي الدين أبو طه ورحب بفضيلة الإمام المرشد

وأذكر أن الإمام قال له أنت بألف رجل يا زكي الدين فكانت هذه الكلمة دافعا له أن يثبت أنه كذلك فاندفع يعمل معنا بقوة وهمة وساندنا مساندة قوية كان لها الأثر الكبير في إيجاد هيبة الإخوان المسلمون تمنع شباب الأعيان وشيوخها من معاكستنا "رحمه الله رحمة واسعة".

وفي انتهاء الحفل طلب أحد أعيان البلدة من العائلة التي تعادي عائلتي أن يبيت المرشد عندهم فوافقت لعل في ذلك تطييبًا لقلوبهم وجذبا لأخوتهم فبات عندهم وعلمت في الصباح أنهم وضعوا معه خادما صغيرا في منزل الضيوف وباتوا هم مع أولادهم وأسرهم فلما حضرت صلاة الصبح أذن المرشد أمام الحجرات التي يبيت فيها وأيقظ الصبى وسأله عن صلاته وضوئه فلم يجده يعف شيئا فعلمه الوضوء وصب على أعضائه الماء وأوقفه على يمينه وصليا الصبح جماعة.

وبعد أيام من سفره ركبت قطارا من بسيون إلى القضابة فوجدت الدكتور أحمد القاضي رحمه الله: رئيس شعبة الإخوان بمدينة دسوق آنذاك وتصادف أنه كان بجانب "محمد يوسف حتاتة" رحمه الله وهو كبير عائلة حتاتة وجرى بينهما هذا الحديث:

قال الدكتور القاضي:

أنا علمت يا محمد بك أن الأستاذ البنا حين زار بلدتكم عملتم له حفل "كانت فيه قفه من الملاعق والشوك" يقصد أنه كان حفلا كبيرا وكان به من الإخوان عدد كبير.

فقال محمد يوسف رحمه الله:

إن الإخوان في بلدنا عدد قليل من الشباب لا يحل ولا يحرم يقصد السخرية بهم والتقليل من شأنهم.

فقلت على الفور:

صدقت فإنهم لا يحرمون ولا يحللون فذلك شأن الله تعالى إنما هم يعملون ما أمر الله به قدر استطاعتهم ويجتنبون ما حرمه الله جل وعلا فسكت وسكتنا.
ولقد فكر الإخوان في القضابة رغم قلة عددهم في عمل جمعية تعاونية زراعية وجمعوا المال عن طريق أسهم ودفعوا بها للتسجيل في مركز الجمعيات التعاونية بطنطا ولما علم الأعيان تجمعوا لإيقافها أو الاشتراك فيها والسيطرة عليها وقد كان فجمعوا مبلغا وأسهما أكثر مما جمعنا وعقدوا مجلسا لاختيار مجلس الإدارة، وصمموا أن يكون رئيس الجمعية وسكرتيرها وأمين الصندوق بها ممن يعملون معهم وقد كان وسارت الجمعية تخدم أغراضهم ومصالحهم وأكثر من ذلك أنهم اشترطوا ألا أكون من أعضائها الذين يديرونها. (3)

ويضيف:

انتقلت لتولي مسئولية شعبة الإخوان ببسيون فكان أول عمل لي هو تكوين مجلس إدارة للشعبة بعد أن سرت أقوم بعمل نائب الشعبة وسكرتيرها وأمين الصندوق بها.

وأذكر أن أول اجتماع لمجلس الإدارة كان لمناقشة شراء "قلل" للشرب أثناء فتح الشعبة في المساء ودار الحديث حول نوعها بيضاء حمراء عددها وانتهى الاجتماع على ذلك حتى انتهينا إلى رأي، وكلما تذكرت ذلك الاجتماع بعد أن وصل بنا الأمر من القوة والنضج والفهم حتى كان الأخ يأتي ليرجوني السفر إلى فلسطين ليجاهد في سبيل الله وهو يعلم أنه قد لا يرجع فأقول الحمد لله رب العالمين الذي أنعم علينا بهذا الفهم وهذا الجهاد..

وأحب أن أذكر بعض الوقائع التي صادفتنا في أول الأمر:

عالم من بسيون رأى الجوالة تسير في الشارع وتهتف الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا، فكتب من غير أن يعلما لفضيلة المرشد حسن البنا يقول له إن ذلك لا يليق فكيف تقولون محمد إنه زعيم فكتب إليه فضيلة المرشد العام متلطفًا يقول إذا كان الناس عندكم لا يستسيغون ذلك فيمكن أن يكون الهتاف: الله ربنا ومحمد رسولنا والقرآن كتابنا، فهي تؤدي نفس المعنى فأطفأ غضبه. (4)

أنشطة الشعبة

حاول شباب الإخوان في بسيون بالنهوض بالعمل الدعوي والخدمي فقاموا ببعض الأنشطة التي تخدم الناس مثل لجنة المصالحات

والتي يقول عنها الحاج أحمد البس - رحمه الله :

"كانت أنشطتنا في بسيون متعددة تصل أحيانًا لعشرين نشاط، منها: الجوالة، المستوصف، لجنة الإصلاح بين المتخاصمين... وكانت إذا وجدت مشكلة بين التجار نضم للجنة أحد التجار، وإذا كانت المشكلة القائمة بين المزارعين نضم للجنة أحد المزارعين، وهكذا، وكان لهذه اللجنة أثر كبير في ترطيب القلوب وتهدئة النفوس، وإعادة المحبة والوئام بين الجميع. (5)

وفي منطقة بسيون أنشأ الإخوان أيضا مستوصفا خيريا وضعوا فيه ستة أسرة وكان الكشف فيه بخمسة قروش وكان يعمل به أطباء مسلمون ومسيحيون أمثال د.خالد الحديدي ود.زكي شادوبيم كما اشتركت جوالة المنطقة في مكافحة الكوليرا عام 1947م. (6)

إخوان بسيون وفلسطين

حينما اندلعت حرب فلسطين عام 1948م شارك عدد من إخوان بسيون في الحرب، حتى إن أحدهم استشهد على أرضها وهو الشهيد عبد الحميد بسيوني خطاب

ويصف البس هذا المشهد بقوله:

الشهيد عبد الحميد بسيوني خطاب: هو نجل الأخ الفاضل الشيخ بسيوني خطاب، العالم الجليل، والداعية المخلص، والخطيب المفوه، ونائب شعبة الإخوان المسلمين في بسيون بمحافظة الغربية..
لما قامت حرب فلسطين ودعا داعي الجهاد، أرسل الشيخ الكبير، أكبر أولاده إلى ميدان الجهاد، ثم أتبعه بابنه الثاني، شهيدنا الأخ عبد الحميد، الذي كان متحرقًا للجهاد والشهادة في سبيل الله.. يقول عنه الأخ المجاهد كامل الشريف قائد الإخوان في حرب فلسطين: لست أنسى ما كان من المجاهد الشاب عبد الحميد بسيوني خطاب..
لقد كان هذا الشاب يبكي بكاءً مرًا، حين أمره قائد فصيلته بالبقاء في المعسكر، وما زال يبكي، ويبعث بالوساطات، حتى أشفقت عليه فسمحت له بالخروج من المعسكر، وهو أشد ما يكون فرحًا وابتهاجًا، ثم تأتي معركة التبة 86، لتضع اسمه في سجل الشهداء الخالدين.

ويضيف البس:

ويأتي خبر استشهاده إلى الإخوان ببسيون وكان الشيخ بسيوني خطاب مريضًا بالفراش بمنزله، فزرته وأسررت له بالخبر المؤلم، فقال: لا تخبر أحدًا فإني مريض كما ترى، وأمه ستملأ البيت صياحًا، ولا أرى داع لعمل مأتم، ثم سألني: كم عدد الإخوان المعتقلين عندنا؟
قلت حوالي عشرين.. فقال: إذن وجه ما معك من مال إلى أهالي هؤلاء المعتقلين بدلا من الصرف على المأتم، واصبر حتى يمن الله عليّ بالشفاء، ثم أخبر والدته بالتدريج، وقد كان.. وبذلك ضرب والد الشهيد المثل في الصبر والتجلد ومقابلة الخطوب بالتسليم الكامل لله.. رحم الله شهيدنا المجاهد البطل ورحم والديه وتقبله في الصالحين. (7)

ويقول الشيخ يوسف القرضاوي:

ومما أذكره من قصص الجهاد من أبناء مصر الأتقياء، قصة أخرى، لا تقل روعة عن قصة عبد الوهاب، وهي ليست لطالب، ولكن لفلاح.
إنها قصة حسن الطويل، أحد الإخوان الفلاحين من إحدى قرى مركز (بسيون) أظن اسمها (كفر الحمر) وقد كان حسن من المتحمسين لقتال الصهاينة، تحمس عبد الوهاب البتانوني، ولكنه كان يصر أن يذهب بنفسه وسلاحه للقتال، وكان يملك جاموسة تعتبر بمثابة رأس ماله، فباعها، واشترى بها بندقية آلية حديثة. وجاء إلى رئيس منطقته في بسيون الحاج أحمد البس، ليسلم نفسه وسلاحه. فقال له الحاج أحمد: كان يكفيك يا حسن أن تجاهد بنفسك، ويجاهد غيرك بماله، وتدع الجاموسة للأولاد.
قال له: يا حاج أحمد، ألم تعلمونا أن الله تعالى قال: "وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله" (التوبة: 41)، وأن أربح تجارة في الدنيا والآخرة هي الجهاد بالمال والنفس "وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم" (الصف:11).
قال: بلى.
قال: هل قال الله تعالى: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ... بأن لهم الجنة" أو قال: "أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" (التوبة:111).
قال الحاج أحمد: بل قال (أنفسهم وأموالهم).
قال: وأنا أريد أن أسلم الثمن كاملا، حتى أستحق الجنة.
ولم يستشهد حسن الطويل، كما استشهد البتنانوني، ولكن كان جزاؤه المعتقل مع أمثاله من المجاهدين. (8)

ويلخص الأستاذ أحمد البس الأنشطة التي قاموا بها في بسيون بقوله:

وسط منطقة من القرى المصرية تضم حوالي عشرين قرية كان عملنا طوال خمسة عشرة عاما 19391954م كنا نعمل في بيئة انطمست فيها معالم الدين الصحيح واختلط الحابل بالنابل وأعتقد أن ذلك كان شأن القرى كلها بمصر نتيجة للاستعمار وتفريط العلماء وانحراف الحكام ومن هذا فإن الله تعالى قد وفقنا إلى التعرف على قلوب طاهرة ونفوس صافية ورجال صادقة
وقد زار المنطقة كل دعاة الإخوان المسلمين تقريبا، وفي مقدمتهم الإمام الشهيد حسن البنا مرتين والإمام حسن الهضيبي مرة والشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق والأستاذ عبد الحكيم عابدين والأستاذ سعيد رمضان والشيخ عشماوي أحمد سليمان وغيرهم كثير.

وتم بفضل الله تعالى ما يأتي:

  1. عمل مستوصف خيري به عدد ستة أسرة والكشف بخمسة قروش ويؤدي خدمات ناجحة تناوب العمل به أطباء مسلمون ومسيحيون منهم د. خالد الحديدي ود زكي شادوبيم.
  2. اشتركت الجوالة في المنطقة في مكافحة الكوليرا عام 1947.
  3. كان للمنطقة مسجد بجوار الدار يؤمه المصلون في كل الأوقات وتقام فيه الجمعة.
  4. دار للسيدات خاصة تلقى فيها المواعظ كل أسبوع وتأتى إليه السيدات والفتيات من مدينة بسيون وما جاورها من البلاد وكانت تحضر هذه المواعظ الأسبوعية والدتي وزوجتي رحمهما الله.
  5. درس آخر للسيدات يلقى كل يوم أربعاء قبل صلاة الظهر بمسجد الغمري ببسيون وحدث ذات مرة أن أحد الأهالي كان يكره الإخوان المسلمين – وأن زوجته كانت تحضر إلى هذا المسجد مع السيدات عدة مرات وسمعت الدرس أن الزوجة عليها نظافة البيت وإعداد الطعام والشراب وأن تقابل زوجها بسرور وابتسامة عند قدومه من العمل ففعلت ذلك فقال لها زوجها عندما تكرر منها ذلك وعلى غير عادتها: "هل تخشين أن أتزوج غيرك؟" قالت: لا. إني أفعل لأن الشيخ بالمسجد قال لنا ذلك إن من تفعل ذلك يرض الله عنها ويرض عنها زوجها قال من هذا الشيخ؟ قالت أحمد البس فعزم من هذا الوقت أن يزور الإخوان بدارهم ويشكرهم ويعمل معهم وقد كان.
  6. مدارس الجمعة كل يوم جمعة يجتمع الأطفال والصبية بدار الإخوان وتلقى عليهم الدروس المناسبة مع الرياضة المناسبة ويتعلمون الوضوء والصلاة ويقودهم رائد إلى المسجد ليصلوا مع المصلين.
  7. مدرسة ليلية للطلاب الذين يريدون الالتحاق بالمدارس الثانوية وقد نجحت هذه في مساعدة الإخوان الذين فاتهم التعليم فحصلوا على الشهادة الابتدائية وبعضهم دخل التجارة وبعضهم دخل الثانوية وأذكر ممن حصل على الابتدائية من المدرسة الأخ إبراهيم محمد الباجورى التاجر بالموسكى والأخ محمد إبراهيم صبح التاجر ببسيون كما أذكر من مدرسى هذه المدرسة الأخ الأستاذ كامل قاسم.
  8. جوالة في جميع شعب القرى تتلقى ما يتلقاه الجوال في أنحاء العالم بالإضافة إلى العقيدة الإسلامية والرحلات المباركة.
  9. الاشتراك في لجنة المصالحات على مستوى المركز كله في فض المنازعات بين التجار والزراع والأهالي وأغلب أعضاء هذه من الإخوان خاصة الرئيس "فضيلة الواعظ" والسكرتير وأذكر أنني حينما طلب من المأمور أن يكتب تقريرا لاعتقالي أخرج من محاضر الصلح التي تمت بمعرفة هذه اللجنة التي أعمل بها سكرتيرا فاضطرت المباحث إلى نقل هذا المأمور من بسيون وإحضار غيره لا يعرف نشاط الإخوان في المصالحات وكتب التقرير بأني خطر على الأمن ويجب اعتقالي وقد كان.
  10. إقامة الحفلات والندوات التي تساعد على صلاح الناس في دينهم ودنياهم.
  11. إقامة مشاريع تعاونية كالجمعية التعاونية الزراعية بالقضابة.
  12. عمل مشاريع تجارية صغيرة كسيارة أجرة وميكروفون لتسهيل التنقلات وإذاعة الحفلات.
  13. إقامة نادي الشباب يمارسون فيه أنواع الرياضة وقد اشترى الإخوان ثلاثة قراريط لإقامة ناد عليها.
  14. حل مشاكل الموظفين القادمين إلى بسيون ومحاولة العمل على راحتهم وإيجاد مساكن لهم.
  15. العمل على قضاء مصالح الناس عامة ما أمكن ذلك كإعانة الضعيف ومساعدة المحتاج.
  16. توزيع الفطور في شهر رمضان ابتداء بخمسين صائما كل يوم زادت على ذلك كثيرا في إدارة المنطقة كلها وكان كثيرا من الشعب يقوم بهذا الأمر الكريم في رمضان.
  17. الاشتراك في إصلاح المساجد والعمل على إعادتها بالمال والصلاة والدروس.
  18. إقامة حفلات تمثيلية توضح الغزوات والفتوحات الإسلامية كغزوة بدر الكبرى وكانت تجلب لها الملابس من دار الأوبرا بالقاهرة والكهرباء والمسرح من طنطا.
  19. كانت هيئة الإخوان واستقامتهم مانعة للشباب وغير الشباب أن يتورط في أمور معينة كالذي نراه اليوم.
  20. نشرة صحفية "دورية" تتحدث عن نشاط الإخوان في المنطقة مع بعض مقالات نافعة يقوم بها بعض أبناء المنطقة من المثقفين المتدينين الإعلان عن تجارة أو صناعة ومندوب عن الصحافة فيها الأخ جمال بدوي مدير تحرير جريدة الوفد الجديدة.
  21. حاولنا عمل معمل للطوب ليعمل به الإخوان بدل أن يعملوا عند غيرهم "وذلك بقرية الفرستق إحدى قرى المنطقة".
  22. أرسلت منطقة بسيون كغيرها من المناطق عددًا من الأفراد المزودة بالإيمان والسلاح إلى فلسطين أذكر منهم حسن البخشوان "الطويل" رحمه الله من كفر المنشي أبو أحمد وعبد الحميد بسيوني خطاب الذي استشهد هناك وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره ومحمد عبد الرحمن عامر وعباس الطوخي رحمهم الله, والشيخ عزت بسيوني خطاب.
  23. والقرى والبلاد التي تم فيها عمل شعب للإخوان المسلمين :
  1. كفر جعفر.
  2. القضابة وكان رئيسها في وقت من الأوقات الشيخ رزق الفتى رحمه الله.
  3. صالحجر.
  4. كفر الدوار مركز بسيون.
  5. جناح.
  6. الفرستق وكان رئيسها في وقت من الأوقات الشيخ محمد العسال. والدكتور أحمد العسال.
  7. كفر أبو حمر.
  8. كفر المرازقة.
  9. قرنشو.
  10. كفر الحمام.
  11. بار الحمام وعزبة قاسم.
  12. كوم النجار.
  13. مشال.
  14. شيراتنا.
  15. شيراطو.
  16. بسيون "الشعبة المركزية – المنطقة". (9)

بسيون ومحنة عبد الناصر

شارك إخوان بسيون والغربية في أحداث ثورة 23 يوليو غير أن الأحداث لم تأت بما تشتهي السفن فما أن استقرت الأوضاع نسبيا للعسكر عامة ولعبد الناصر خاصة حتى سعى للتخلص من شركائه الأقوياء على رأسهم الرئيس محمد نجيب وبعض زملاءه في مجلس قيادة الثورة والإخوان، فجاءت 1954م مليئة بالأحداث منذ بدايتها حتى انتهت باعتقال الإخوان وتقديم بعضهم للمشانق.

كان لإخوان بسيون نصيب من هذا البلاء وعلى رأسهم الحاج أحمد البس وقد تعرضوا للتعذيب الشديد، بل وأثناء محنة 1965م قبض على بعضهم ضمن تنظيم القاهرة والجيزة أمثال أحمد محمد المراسي، وكان عمره 45 عاما وكان يعمل مزارعًا (ومن أعيان بسيون) حيث حكم عليه بسنة واحدة.

ما بعد عبد الناصر

خرج أحمد البس وأحمد إمام من السجون بعد وفاة عبد الناصر وعادوا مرة أخرى لبلادهم فعملوا على إعادة تشكيل الإخوان في بسيون والغربية، حتى إن الحاج أحمد البس شارك في انتخابات 1987م وفاز فيها عن الدائرة الثانية بسيون.

كما شارك إخوان بسيون في انتخابات 2005م وفاز الأستاذ علم الدين السخاوي، كما ترشح الأستاذ عبد الحليم عبد اللاه على كرسي مجلس الشورى في بسيون عام 2007م. ومن الجهود التي قام بها علم الدين السخاوي نحو بسيون أن نظم قافلتين بيطريتين مجانتين لقريتي الحداد وكفر سليمان. شملت القافلتان اللتان تم تنظيمهما تقديم الكشف والعلاج بالمجان لمئات الحالات من أغنام ومواشي القريتين، وصلت إلى أكثر من 600 حالة.

وتحت شعار "القدس في القلب"، أقام النائب علم الدين السخاوي عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين بمجلس الشعب ونائب دائرة بسيون الدورة الرياضية الثالثة لكرة القدم لشباب قرى (كتامة - شفا - الحداد - كفر سليمان) التابعين لمركز بسيون، والتي شارك فيها أكثر من 170 شابًّا في مراحل التعليم المختلفة.

وشهد ختام الدورة الرياضية حضورًا جماهيريًّا وشعبيًّا كبيرًا وحضورًا من قيادات الإخوان المسلمين؛ منهم: عبد الحليم عبد اللاه، وعوني أبو عرب، وحمدي نصر، وصبحي النشار، ونشأت حمد.

وأكد النائب السخاوي ضرورة الاهتمام بدور الشباب في صناعة الأمة، واستنهاض الهمم، وأن الشباب من تحمل وسيتحمل في الفترة القادمة عبء تحقيق أستاذية العالم، وتحقيق الرخاء والاستقرار والنصر، مشددين على ضرورة الدعاء والتبرع ومقاطعة المنتجات الصهيونية والأمريكية، وأن يعيش الشباب بقضية فلسطين، وتكون قضيتهم المحورية.

لم يرض النظام عن نشاط الإخوان مما دفعه لاعتقال بعض أفرادها ومنهم إخوان بسيون مثل زكي محمد السيد زغلول من قرية كفر الحمام ببسيون الذي اعتقل عام 2000م. وفي عام 2010م قرَّرت نيابتا غرب وشرق طنطا اليوم حبس 8 من الإخوان المسلمين 15 يومًا على ذمة التحقيق، بعد أن وجَّهت إليهم النيابة التهم المكررة، فيما قرَّرت إخلاء سبيل 7 آخرين.

والمحبوسون هم:

جمال سعد خميس، وعماد الزنفلي (السنطة)، وعبد المنعم خاطر، وحسين عبد العظيم شلتوت (كفر الزيات)، وأحمد الزيات ومحمود الشامي (المحلة الكبرى)، وأحمد الربى، وأسامة رشاد (بسيون).

والمخلى سبيلهم هم:

أمين رمضان (المحلة الكبرى)، ود. أمين قابيل والمعتز بالله أبو زيد، ويحيى أبو شنب، وصالح الرخا (السنطة)، وشعبان أبو الخير، وعبد اللطيف نصير (بسيون)، وكانت الأجهزة الأمنية شنَّت حملةَ مداهمات طالت 15 من إخوان المحافظة.

ومع ذلك لم يتوقف نشاط الإخوان في بسيون، فقد تظاهر المئات من أبناء مركز ومدينة بسيون عقب صلاة الجمعة عام 2009م تضامنًا مع القضية الفلسطينية في ذكرى النكبة الـ61 ، حيث تقدمهم علم الدين السخاوي عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين ولفيف من رموز الإخوان ، حاملين الأعلام الفلسطينية والرايات السوداء ولافتات تؤكِّد حق الشعب الفلسطيني في العودة.

وبعد ثورة يناير 2011م والتي شارك فيها كثير من إخوان بسيون حتى أن بعضهم أصيب بالرصاص الحي في الرأس مثل أحمد عبد الحليم البربري، سعى إخوان بسيون ليكون لهم نشاط عبر مؤسسات الدولة فشاركوا في انتخابات المعلمين في يونيو 2011م، فتحت اسم قائمة "الإصلاح والتغيير"

وتضم 11 معلمًا، وهم:

وحيد إبراهيم محمد منقولة، ورمضان طلبة محمد معالي، وحمدي شعبان أحمد نصر، وسعيد محمود إبراهيم عبد الله، وأحمد السيد عبد ربه، وشعبان محمد يوسف أبو الخير، وأسامة رشاد راغب يحيى، والسيد جمال علي بدران، وعلي السيد أحمد عثمان عبيد، وعبد العاطي سيد أحمد رمضان، وآمال عبد المعطي أبو زيد الجوهري، في أغلب مدارس الإدارة وفي مختلف التخصصات.

ويسعى البرنامج الانتخابي لقائمة الإصلاح والتغيير إلى النهوض بنقابة المعلمين ببسيون خاصةً، وبالمعلم والعملية التعليمية عامةً، ففي الجانب المادي والصحي تسعى القائمة للعمل على رفع المعاش النقابي من 120 جنيهًا إلى 300 جنيه كمرحلة أولى، ورفع إعانات العمليات الجراحية الصغرى والكبرى، وإقامة مشروع رعاية طبية متكاملة للمعلمين وأسرهم.

ورفع مكافأة نهاية الخدمة الخاصة بصندوق الزمالة من 15 ألفًا إلى 20 ألف جنيه، والمطالبة برفع مكافأة الامتحانات إلى 300 يوم، وتسعى القائمة للعمل على رفع رواتب المعلمين المتعاقدين بقعود مؤقتة أو مكافأة شاملة وتثبيتهم، والعمل على رفع مكافأة الامتحانات إلى 10%، ورفع إعانات حالات الوفاة من 1000 جنيه إلى 2000 جنيه.

وعلى مستوى الجانب الاجتماعي تطمح القائمة في بناء النادي الجديد للمعلمين ببسيون، وإقامة حفلات لتكريم أبناء المعلمين المتفوقين والمحالين على المعاش، والعمل على تفعيل رحلات الحج والعمرة والإعلان عنها بعدالة وشفافية بعيدًا عن المحسوبية والواسطة.

وإصدار نشرات دورية للتواصل مع المعلمين، وفي الجانب الأدبي تسعى القائمة على تنمية موارد النقابة، والتوزيع العادل للمدرسين على الكنترولات العامة، والدفاع عن حقوق المعلم الأدبية والمهنية.

الانقلاب العسكري وإخوان بسيون

غير أن هذا الأمر لم يستمر كثيرًا حيث تغيرت الأوضاع بعد الانقلاب الذي قام به العسكر ضد الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو 2013م، مما جعل الأهالي في بسيون للخروج في مظاهرات تندد بهذا الانقلاب، وقد قبض على بعضهم وقموا لمحاكمات مختلفة سواء أمن دولة أو عسكرية أو جنائية في تهم ملفقة إلا كونهم معارضين سياسيين، مثل مبروك السيد محمد السيد 37 سنة عامل، عطا الله يوسف عطا الله الحضري 48 سنة عامل، مقيمين بقرية كفر جعفر مركز بسيون.

وبالرغم من المذابح التي قام بها الجيش والشرطة بعد الانقلاب ضد الإخوان وأنصارهم إلا أنهم ظلوا صامدين لفترات طويلة في مواجهة أله القتل الدائرة حتى أنهم كانوا يخرجون في مظاهرات ومسيرات وسلاسل بشرية، حيث نظم المئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بمحافظة الغربية، اليوم الثلاثاء، عدة وقفات احتجاجية وسلاسل بشرية بالطرق الفرعية الواصلة بين مراكز: طنطا – المحلة، بسيون – كفرالزيات، السنطة – زفتى، رافعين شعارات رابعة، ولافتات مناهضة للجيش والشرطة.

كما رفع المشاركون في السلاسل البشرية والوقفات الاحتجاجية صور الرئيس الأسبق محمد مرسي، مطالبين بعودته للحكم، والإفراج عن قيادات جماعة الإخوان المسلمين المقبوض عليهم في أحداث شغب والعنف عقب أحداث 30 يونيو. (10)

المراجع

  1. تامر مندور: بسيون عبر التاريخ (حتى نهاية عصر أسرة محمد علي) دار ناشري للنشر الإلكتروني
  2. أحمد البس: الإخوان المسلمون في ريف مصر، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، بدون تاريخ نشر.
  3. المرجع السابق.
  4. المرجع السابق.
  5. المرجع السابق: صـ19
  6. المرجع السابق: صـ18.
  7. المرجع السابق.
  8. يوسف القرضاوي: ابن القرية والكتاب : ملامح سيرة ومسيرة – جـ1، دار الشروق، القاهرة، 2002م.
  9. أحمد البس: مرجع سابق.
  10. عبدالرحمن محمد: سلاسل بشرية للإخوان بطرق الغربية الرئيسية للمطالبة بعودة مرسى للحكم