الإخوان وتنظيم أساتذة الجامعات 2002
مقدمة
انطلقت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م يحملها الشباب، بقلوب متوقدة بالإيمان، تحت قيادة شابة تعمل ليل نهار من اجل هذه الدعوة، ومن اجل ترسيخ الروح الايمانية في قلب كل مسلم، بل عمد إلى ترسيخ الروح الوطنية في قلب كل مصري من أجل التخلص من المحتل، ورفع الذل عن كواهلهم.
لم تكن جماعة الإخوان المسلمين حكرا على فئة أو طائفة معينة من نسيج المجتمع المصري، بل تميزت أنها كانت لكل مصري بل لكل مسلم من المحيط إلى المحيط وفي غيرهم من بلدان العالم، لأنها دعوة إسلامية وسطية شاملة عامة.
منذ انتقال الدعوة إلى القاهرة واستقرارها فيها ثم انطلقها في ربوع القطر المصري وخارجه، وقد اكتسبت فئات عدة من أبناء المجتمع وعلى رأسهم طلبة الجامعة الذين أصبح كثير منهم بفعل ما صقلهم به تعاليم الإسلام من صفات أوائل الجامعة حتى صاروا أساتذة فيها.
اهتمام الإخوان بالعلم
اعتبر الإمام البنا التفوق والاجتهاد من أسس التعبد والتقرب إلى الله، واعتبر التفوق الدراسي من العبادات الهامة للطلبة التي يتقربون بها إلى الله وينصرون بها دعوتهم وإسلامهم، ويتحدون بهذا التفوق والتقدم عقليات الدول الاستعمارية التي تسعي حثيثا لنشر الجهل والتخلف وسط أبناء الأمة الإسلامية، فنرى الإمام البنا يستحث هؤلاء الطلبة على هذا التفوق والجد في المذاكرة
فيقول:
- " أما إخواننا الطلاب - ونحن في مفتتح العام الدراسي الجديد - فأهنئهم بعامهم وأسأل الله أن يجعله عام نجاح وتوفيق وخير لهم وأوصيهم بما أوصيت به إخوانهم عامة ولهم خاصة بأن يحرصوا كل الحرص على هذا الوقت الذهبي من لب أعمارهم فلا يضيعوه سدى ولا ينفقوه عبثًا بل عليهم أن يمتلئوا بالعلم وأن ينهلوا من معين المعرفة ما استطاعوا
- وأن يتضلعوا من هذا الزاد العقلي فى إبانه من قبل أن تصرفهم عنه الصوارف وتحول بينهم الشواغل وأن يقبلوا على دروسهم ومدارسهم بصدور منشرحة ونفوس مطمئنة فلو كشفت لهم حجب المستقبل لأدركوا تمامًا قيمة هذا الوقت ولعلموا تمامًا أنه لا يمكن أن يعوض فيعملوا فيه جاهدين وليقبلوا على الدرس والتحصيل مشغوفين
- وعليهم أن يصونوا هذا الشباب النقي القوى وأن يعلموا أنه وديعة الإسلام والوطن لديهم فلا يضيعوه بالعبث ولا يدنسوه بالإثم وليكونوا بين إخوانهم نماذج من الفضيلة والطهر والسبق إلى كل خير وبر والقوة فى الفكر والروح والبدن والله ولى توفيقهم لما يحب ويرضى. (1)
عمل البنا على تصفية وتخلية هذه القلوب من شوائب الحزبية البغيضة ودفع بهم للعمل تحت مظلة هدف وغاية نبيلة وهي العمل لدين الله ولدعوته، وحثهم على الاهتمام بالعلم والتفوق في تحصيله
فيقول لهم:
- "أيها الإخوة الأطهار، إن أول سلاح تؤيدون به دعوتكم، وتضمنون به النصر على عدوكم هو سلاح العلم والعرفان، وإن الزمن الوحيد الذى تستطيعون فيه أن تأخذوا بحظ وافر من المعرفة هو هذا الوقت الذى تتفرغون فيه للطلب.
- ومن واجبكم كذلك أن تنتهزوا هذه الفرص المتاحة لكم الآن؛ فتمتلئوا بالعلم ما استطعتم، وتنهلوا من موارده العذبة ما قدرتم، وتحرصوا على الدقائق والساعات؛ فلا تصرفوها إلا فى استذكار علم قديم، أو تحصيل علم جديد
- وبذلك تغادرون مدارسكم ومعاهدكم موفورى الكرامة، مرفوعى الرءوس، مملوئين بالعلم والمعرفة، نافعين لأنفسكم ولدعوتكم ولدينكم ولبلادكم، وويل للجاهل الذى لا خير فيه لأحد ولا لنفسه. هذه واحدة أيها الإخوة الأطهار، تؤدون بها واجب وقتكم وحق شبابكم عليكم" (2)
كان لاهتمام الإمام البنا بتفوق إخوانه في تحصيل العلم والتميز أن كان يعطل العمل الطلابي قبل الإمتحانات بشهر حتى يتفرغ الطلاب للمذاكرة.
بل إن الإمام الشهيد قام بشرح النصوص الأدبية المقررة في مذكرة الأدب العربي للفرقة الأولى بكلية الحقوق بناء على اقتراح من شعبة الطلاب في مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، وذلك معونة لهؤلاء الطلاب.
وكان يعاقب المقصر فيهم، فالطالب الراسب فى مادة أو مادتين يمنع من الخروج فى بعثات الصيف، ويتفرغ لامتحان تلك المواد فى نهاية الصيف. أما الراسب فيتم إعفاؤه من كافة الأعمال المتعلقة بالجماعة، ومنعه من التردد على دار الإخوان أو المكث بها، فضلا عن المشاركة فى الأنشطة. (3)
وقد أثمرت تلك السياسة تفوق العديد من الإخوان فكانوا أوائل كلياتهم مثل دكتور عبد المنعم أفندى أبو الفضل، وكان ترتيبه الأول فى دبلوم الصيدلة، و عبد العزيز كامل أول ليسانس قسم الجغرافيا بكلية الآداب، وتوفيق الشاوي في كلية الحقوق وغيرهم الكثير.
وفى كلية الهندسة تفوق الأخ احمد مصطفي عبد الوارث وكان ترتيبه الأول بامتياز وأوفدته وزارة المعارف لأمريكا للتخصص في الشئون الصحية وهو من إخوان منيل الروضة. (4)
استمر منهج الإخوان في هذا الصدد حتى بعد وفاة الإمام البنا لوقتنا هذا حتى وجدنا مئات الأساتذة في الجامعات من جماعة الإخوان المسلمين حيث استطاع أن يسيطر على كثير من نوادي هيئة التدريس في الجامعات مثل جامعة القاهرة والإسكندرية وأسيوط وغيرها.
مثلت فترة الثمانينات والتسعينات أوج النشاط الإخواني سواء في البرلمان أو النقابات أو نوادي هيئة التدريس أو اتحادات الطلبة في الجامعات والمدارس مما أزعج نظام مبارك والذي كانت قد ترسخت أقدامه فكشف عن وجهه الحقيقي المستبد والديكتاتوري والقلق من زيادة نشاط الإخوان وسط الناس.
حاول النظام عرقلة الإخوان في النقابات باصدار القوانين المجحفة كالقانون 100، وأيضا بالقبض على العناصر الفاعلة في الإخوان سواء في النقابات أو هيئة تدريس الجامعات، فكانت قضية اختراق النقابات عام 1999م ثم قضية اساتذة الجامعات 2002 واللاتي حولهن إلى القضاء العسكري.
المحكمة العسكرية لأساتذة الجامعات
لم يتحمل نظام مبارك نشاط الإخوان وسرعة حركتهم وانتشارهم وسط فئات المجتمع المختلفة ولذا وضع سيناريوهات عدة لتحجيم ووقف هذا الانتشار كان على رأسها الأدوات المعهودة وهي القمع والتنكيل، حيث عمد إلى إعادة المحاكمات العسكرية مرة أخرى بهدف عدم إتاحة الفرصة للإخوان بالتقاضي أمام قاضيهم الطبيعي والذي برأهم أكثر من مرة فيما نسب لهم من تهم لعدم وجود دليل واحد يدينهم، ولذا أحالهم في العديد من القضايا إلى القضاء العسكري والذي كان يصدر الأحكام بناء على رؤية السلطة السياسية.
كانت معظم النقابات المهنية تخضع الحراسة القضائية إلا أن المحاكم الإدارية حكمت برفع هذه الحراسة عام 1999م وهو ما مثل خطر على نظام مبارك، فعجل بتوجه ضربة تلو الأخرى لجماعات الإخوان خاصة الفئات النشطة منهم.
اعتقل عدد من النقابيين وأحالهم للمحاكمة العسكرية عام 2000م، ثم تربص لعدد من أساتذة الجامعات واعتقل العديد منهم خاصة بعد نجاح الإخوان في تنظيم مظاهرة في الجامع الأزهر تنديدا بانتهاكات الصهاينة ضد الفلسطينيين في نوفمبر 2001م.
قامت قوات الأمن يوم 6 نوفمبر 2001م باعتقال 22 من قيادات الإخوان المسلمين، وبعد أسبوع من الاعتقال صدر قرار جمهوري في 13 نوفمبر باحالتهم إلى القضاء العسكري.
أصدرت النيابة العسكرية برئاسة اللواء فيصل هيبة عيد بكر المدعي العام العسكري وهو نفس المدعي العسكري في قضية النقابيين قرار بإحالة المتهمين أمام المحكمة العسكرية العليا في 26 نوفمبر 2001م، في القضية رقم 29 جنايات عسكرية لسنة 2001
حيث اتهمت نيابة امن الدولة مجموعة الإخوان بالتخطيط لاسقاط نظام الحكم أو المشاركة فيه وإحكام السيطرة على مناحي الحياة في المجتمع وأصباغ معتقداتهم عليها، وانهم استخدموا البلاغة اللفظية والمسوح الدينية وصولا الى كافة الأهداف الدنيوية، وان جماعة الإخوان تسعى للوصول الى مؤسسات الدولة عن طريق اختراق الجماهير بجميع فئاتها خاصة التجمعات الطلابية. (5)
بدأت المحاكمة أول جلساتها في 24 ديسمبر 2001م حيث استغرقت المحاكمة ما يقرب من 19 جلسة في 8 شهور. وتم تأجيل النطق بالحكم لثلاث مرات حيث حجزت القضية للحكم للمرة الأولي في 7 أبريل ثم تأجلت لجلسة 26 مايو وكان التأجيل الثالث حتي صدر الحكم في 30 يوليو 2002 بحبس البعض 5 سنوات والبعض الأخر 3 سنوات في حين برأت 6 من المتهمين.
- الذين حكم عليهم بخمس سنوات خمس قيادات وهم
- محمود سيد عبد الله غزلان (أستاذ بكلية زراعة جامعة الزقازيق، وعضو مكتب الإرشاد).
- عبد المنعم علي عبده البربري (الأستاذ بكلية الطب جامعة المنوفية وعضو مجلس نقابة الاطباء).
- ماجد حسن الزمر (محاسب).
- طاهر عبد المنعم حسين (رجل أعمال وصاحب شركة كمبيوتر)
- أسامة أحمد أبو شادي (مهندس)
و قد أفرج عنهم في أغسطس 2005 بعد قضاء ثلاثة أرباع المدة.
- الذين حكم عليهم بثلاث سنوات 11 من القيادات وهم:
- أحمد عبد الحليم وهبة سعفان (طبيب)
- حسين على حسين الدرج (طبيب بشري)
- صلاح الدين أحمد حسين (موجه بالتعليم)
- مأمون محمد ابراهيم عاشور (الأستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس)
- محيي الدين محمد الزايط (طبيب)
- شرف الدين محمود شرف الدين (المدرس بكلية العلوم جامعة القاهرة)
- محمد أحمد كمال عبد القادر الأكحل (مهندس زراعي)
- محمد عزيز همام (الأستاذ بمعهد التبين للدراسات المصرية)
- محمد هشام أحمد عيسى (مدرس بمعهد بحوث أمراض العيون)
- محمد علي ابراهيم القصاص (مدير علاقات عامة بشركة انتاج فني)
- سيد أحمد شيبة (الأستاذ بكلية العلوم جامعة عين شمس)
وقد قضوا مدة العقوبة كاملة وأفرج عنهم في رمضان 2004
- الذين برأتهم المحكمة ست قيادات وهم:
- أحمد علي جمعة السيد (مهندس وعضو مجلس نقابة المهندسين)
- محمد محمد امام (رجل اعمال)
- خالد حنفي فهيم عثمان (طبيب بمستشفى المطرية)
- احمد العبد محمود أبو السعيد (استاذ بكلية التربية جامعة الازهر)
- حمدي مصطفى خليل شاهين (المدرس بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة)
- محمد محمود منصور (طبيب عيون).
وكان جهاز مباحث أمن الدولة المصري قد أعلن عن كشف التنظيم، وألقى القبض على أعضائه، واحيلوا الى نيابة أمن الدولة التي باشرت التحقيق مع المتهمين، ثم أحيل التنظيم الى القضاء العسكري. كان المعتقلين الـ22 بينهم 9 من أساتذة الجامعات والمعاهد و5 اطباء و3 مهندسين واثنين من رجال الاعمال وموجها بالثانوى ومحاسبا ومديرا بشركة للانتاج الفني. (6)
وأعلنت جماعة الإخوان في بيان أصدرته أمس أن الاحكام التي أصدرتها المحكمة العسكرية بحق أساتذة جامعيين ومفكرين ومهنيين مصريين شرفاء تمثل احد الأدلة الدامغة التي تفضح السياسة التي تنتهجها الحكومة المصرية، ازاء الحريات وحقوق الانسان، وازاء القضية الفلسطينية وتؤكد ان الحكومة المصرية أوكلت الى أجهزة أمنها ملاحقة أصحاب الرأي والفكر في مصر.
المراجع
- حسن البنا: نحو أهداف الدعوة ، مجلة الإخوان المسلمون، العدد (22)، السنة الأولى، 24 شوال 1362ه - 23 أكتوبر 1943م، صـ3.
- مجلة النذير: السنة الثانية، العدد 33 ، 25 شعبان 1358هـ - 10 أكتوبر 1939م، صـ3.
- المرجع السابق: السنة الأولى، العدد 11 ، 12 جمادى الآخرة 1357هـ - 8 أغسطس 1938م، صـ10.
- مجلة التعارف:السنة الخامسة، العدد 20، 29 جمادى الأولى 159هـ - 5 يوليو 1940م، صـ6.
- عبده زينة: المحكمة العسكرية المصرية تستمع اليوم إلى شاهد الإثبات الأول في قضية 22 إخوانيا، 2 يناير 2002
- نبيل شرف الدين: المحكمة العسكرية المصرية تصدر أحكامها في قضية الإخوان، 30 يوليو 2002