الأستاذ عمر التلمساني في حوار هام وخطير مع المصور

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأستاذ عمر التلمساني في حوار هام وخطير مع جريدة المصور


مقدمة

  • المصور: هذه القاعة شهدت قبل ذلك حوارا مع حزب العمل وحوارا آخر مع حزب التجمع . كما شهدت حوارات عديدة مع شخصيات مستقلة كانت من موقع المعارضة . القاعدة الأساسية في حوار المصور أنه يدور حرا من الجانبين هدفه الحقيقة ونقل وجهات النظر الصحيحة .. نقول للأستاذ التلمساني أن الأسئلة ربما تتناول أشياء تبدو في الظاهر حرجة ولكننا نعتقد أنه بدون الجهد المشترك ستظل حقائق هامة غير معروفة وغير مدركة . إن سؤالنا الأول من هو عمر التلمساني ؟ أين كان موقعك من حركة الإخوان المسلمين ؟ . وما هو موقعك منها الآن ؟
التلمساني: من الخير أن أقدم نفسي لأن نشأتي ودراستي كانت من أكبر العوامل التي وجهتني للعمل في الحقل الإسلامي ، لقد طرقت أذني وأنا في سن العاشرة أسماء ابن تيمية وابن الجوزي لأن جدي رحمه الله كان " سلفيا " يأخذ برأي الإمام محمد بن عبد الوهاب ولقد حفظت القرآن في سن مبكرة وفي دراستي بكلية الحقوق كنت دائم الحصول علي درجات عالية في علم الشريعة وعندما خرجت إلي ميدان العمل آثرت أن عمل بالمحاماة برغم أنه كان يمكن لي أن أعمل في النيابة وفي القضاء لكنني رفضت لأنني بطبيعتي لا أميل إلي الثقة بأي شيء من الأشياء إلا خلقي وديني . وفي سنة 33 زارني بعض الإخوان وعرضوا علي الانضمام إلي جماعة الإخوان المسلمين فقابلت الإمام الشهيد حسن البنا وبايعته علي العمل في سبيل هذه الدعوة .
وبهذه المناسبة أجد لزاما علي أن أقول أن كلمة البيعة التي يدور حولها الكثير من الجدل بل وربما الشكوك من الذين يريدون أن يشوهوها .. ليست بالكلمة التي تخيف إنسانا أو تربط إنسانا بإنسان لأن الله سبحانه وتعالي يقول : " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم " ..
فالأخ المسلم إذا بايع رئيس هذه الجماعة فهو لا يبايع إنسانا بالذات ، ولكنه يبايع الله سبحانه وتعالي علي الوفاء مخلصا في العمل الذي أراد أن يساهم فيه .
  • المصور : ما هو منطوق بيعة الإخوان للإمام ؟
التلمساني: أقسم بالله العظيم أن أعمل في هذه الجماعة مخلصا لله سبحانه وتعالي مطيعا لقائدها في المنشط والمكره فيما أحب وفيما أكره إلا في معصية فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " .
وقد ساهمت في هذه الجماعة من ذلك الحين وشاركت أخطاءهم وحسناتهم ، لا أتنصل من شيء من هذا . وفي عام 65 وخلال محنة الإخوان المسلمين سألني البعض ، أنت رجل سلام فما الذي يحملك علي البقاء من التهم ؟! قلت لهم : لقد دخلت هذه الجماعة لأعمل لله سبحانه وتعالي وما كان لي من هدف غير هذا ، فإذا أخطأت هذه الجماعة أو أصابت ووصل بها الأمر إلي أزمة تتناول أفرادها من جميع نواحيهم فليس من جميل الخلق أن ينسحب الإنسان في وقت الخطر من جماعة شاركها في جميع أمورها ، وقدري أن أتحمل كل ما يصيب هذه الجماعة من خير أو شر ..
التلمساني: كنت عضوا في مكتب الإرشاد منذ يوم دخولي وحتى حل الجماعة عام 54 بقرار من مجلس الثورة .


الإخوان ليسوا حزباً

  • المصور : بماذا تفسر ، إصرار الإخوان المسلمين كجماعة أو هيئة دينية علي إنشاء جهاز خاص لها . يضاف إلي ذلك أن ما يكتبه الإخوان المسلمون أنفسهم عن هذه الفترة يؤكد لنا أننا أمام حزب سياسي يتميز عن الأحزاب السياسية الأخرى بوجود جهاز سري خاص له ، وإن تنصل الإخوان من ذلك ؟
التلمساني: مع احترامي الكامل للسؤال فأنا لا أقره ونحن لسنا حزبا ولكن نحن هيئة إسلامية .
  • المصور : ما حاجة هيئة إسلامية إلي تنظيم خاص في وقت مبكر من نشأتها ويكاد يكون منشأ التنظيم هو منشأ الجماعة ؟
التلمساني: نحن رفضنا أن نكون حزبا لأن للأحزاب أسلوبا معينا في العمل ولأن للحزب برنامجا يحاول بقدر استطاعته أن يطبقه ونحن ليس لنا برنامج ولا منهاج . لأننا ندين بكتاب الله وسنة رسوله ، ما جاء في كتاب الله هو برنامجنا وما جاء في سنة رسوله صلي الله عليه وسلم هو منهاجنا . لهذا المعني ولأننا لا نقر الأساليب التي تتخذها الأحزاب سبيلا للوصول إلي أهدافها ومن بينها الحكم ، لم نرض لأنفسنا أن نكون حزبا نتبع أسلوبا يخلو من كل غرض شخصي . نحن يرضينا أن يأتي أي إنسان من أي حزب يطبق شريعة الله ، فنتبعه ولا نعارضه . ونحن لسنا حريصين علي أن يكون رئيس الدولة من الإخوان المسلمين . وما دام يتبع كتاب الله وسنة رسوله فنحن جنده هذا هو الذي حال بيننا وبين أن نكون حزبا لأننا نعرف كيف تتعامل الأحزاب مع بعضها البعض وكيف تسلك مختلف الطرق التي لا نقرها للوصول إلي المجالس النيابية .
ونشأة التنظيم الخاص لم تكن في وقت مبكر وإن كانت في الأربعينات . ولو رجعنا قليلا إلي أحداث تلك السنوات كانت هناك حرب فلسطين .. وكان لزاما علي كل مسلم إذا ديست أرض المسلمين بأجنبي أن يخرج الجميع إلي الجهاد رجالا ونساء ، السيدة بغير إذن زوجها والعبد بغير إذن سيده . لقد رأينا كيف تراجعت الحكومات الإسلامية عن الدفاع عن فلسطين فبدأ التفكير في إنشاء الجهاز الخاص . ولو رجعت إلي قضايا الأوكار والسيارة الجيب وما ضبط فيها من صور وتقارير لرأيت أن ذلك كله كان من أجل فلسطين وليس لمحاربة حكومة مصر . ومبدؤنا الذي ندين به أن أي صدام بين الحاكم والمحكوم لن يستفيد منه سوى أعداء الوطن . وهذا لا يعني أنني أنكر أن هناك أخطاءً وقعت في الإخوان وفي التنظيم الخاص .
  • المصور: ولكننا نري منذ فترة مبكرة أن عبد الرحمن السندي الذي كان رئيسا للجهاز السري استطاع بقوة الجهاز أن يكون ندا حتى للأستاذ البنا ؟
التلمساني: عندما أحس عبد الرحمن السندي رحمه الله عليه بقوته وسلطانه كان يتصرف في بعض الأحيان تصرفات لا يقرها الأستاذ الإمام . وهذا أمر ليس مقصورا علي الإخوان المسلمين . ففي كل حزب وفي كل هيئة قد يتصرف بعض أفرادها تصرفات لا تقرها رئاسة هذا الحزب . وقد تحمل الإخوان المسلمون كل الأعباء التي حدثت من بعد . ولذلك عندما طلب من الإمام الشهيد – في أيام النقراشي باشا رحمه الله عليه – أن يصدر بيانا يستنكر فيه ما حدث كان الإمام علي أتم الاستعداد . ونشر في الصحف بيانا عنوانه : " ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين " ..


التنظيم الخاص وأهدافه

  • المصور : أذن تري أن التنظيم الخاص كان يستهدف الوجود الأجنبي في مصر أو في فلسطين ولم يكن يستهدف الحكومة المصرية ذاتها .. لأنكم لا تعتقدون بالعنف في مواجهة السلطة القائمة ؟ ولكن المدهش في هذا التنظيم فوق نشأته المبكرة ، استطاع عبدالرحمن السندي وفي فترة مبكرة أيضا أن يؤكد استقلاله بالجهاز بل وأن يعامل الإمام بقوة جهازه الخاص معاملة الند للند . وأن يستخدم الجهاز لخدمة طموحاته الخاصة ثم كيف يمكن لجمعية إسلامية أن يكون لها تنظيم سري يقر العنف أسلوبا له . ما هو الدرس المستفاد من هذا الموضوع ؟
التلمساني: التنظيم لم يوضع أساسا للعنف وإنما وضع لتربية الشباب تربية جادة . وأنا لا أنكر أن هناك بعض الأخطاء التي حدثت . برغم أنني أريد أن أنبه إلي أن الكثير من القضايا التي حدثت ، كانت قضايا ملفقه ولم تكن صحيحة . وكل الذين اتهموا فيها صدر الحكم ببراءتهم وهذا دليل علي أن الإخوان لم يلجأوا إلي التربية الجادة طلبا للعنف أو للوصول إلي العنف ولكنهم أرادوا أن يقيموا جيلا جادا ، نحن في مسيس الحاجة إليه وخاصة في هذه الأيام .
  • المصور : نعود إلي علاقة الإمام البنا وبين السندى . لدينا واقعة ثابتة وهي رواية صلاح شادي وكان عضوا في الجهاز واعتقد أن صلاح شادي كان يعرف الكثير وكان جزءا من هذا التنظيم ؟
التلمساني: لعل وصول علاقة الإمام مع عبدالرحمن السندي إلي هذا المستوي أو مستوي الندية أكبر دليل علي أن قيادة الإخوان المسلمين أبعد ما يكون عن العنف ، لأنها لو كانت عنيفة أو تدعو إلي العنف لتم الاتفاق بين الإمام البنا وعبدالرحمن السندي علي العمل في طريق واحد . وكون أن عبد الرحمن السندي وصل إلي مرحلة الندية مع الإمام البنا ، فإن هذا لا يسيء إلي الأستاذ البنا ولا يصيب الإخوان المسلمين . إنما هو أمر إنسان بلغت به القوة إلي حد أنه يضع نفسه في مستوي قائد الجماعة وهذا الإنسان أغوته القوة وأغواه الشيطان ولما لم يرض رئيس الجماعة عن ذلك وقع الخلاف بينهما .


هل كانت هناك بيعتان سرية وعلنية ؟

  • المصور : لماذا كانت هناك بيعتان : بيعة للإمام ، وبيعة للتنظيم الخاص واعتقد أن بيعة التنظيم الخاص كانت تشي بالعنف وصلاح شادي يتحدث عن بيعة السندى كانت تتم في حجرة مظلمة وتتم بالقسم علي المسدس ؟
التلمساني: الذي أعرفه أنني أعطيت بيعة للإمام الشهيد البنا ولا أدري شيئا عن بيعة النظام الخاص .
  • المصور : لماذا لم يفصل الإمام البنا عبد الرحمن السندي ، وتركه حتى تستشري قوته ويستولي علي هذا الجهاز ويصبح خطرا علي الجماعة ؟
التلمساني: إن أي إنسان في أي جماعة ينمو وتزداد قوته يوما بعد يوم . قد لا يدرك خطره إلا بعد أن يصل أمره إلي منتهاه وهذا ما حدث أنتم تحكمون علي مسائل قرأتموها .. وهو السلاح الذي ضبط مع الإخوان أيام الرئيس جمال عبد الناصر . أن لهذا السلاح قصة أخرى فحين قام حريق القاهرة وشعر الضباط الأحرار بأنهم موضع تفتيش لجأوا إلي الإخوان المسلمين لتهريب الأسلحة التي كانت في بيوتهم وكانت من أسلحة الجيش . استعانوا بالإخوان المسلمين . ووضع جمال عبدالناصر بنفسه التصميم للمخابئ التي وضعت فيها الأسلحة بالأسمنت ، وهو يعرفها ولما وقعت المشاكل بين عبد الناصر والإخوان قال أنه عثر علي مخازن أسلحة للإخوان تكفي لنسف القاهرة عشر مرات . لقد نشأ الجهاز لمقاومة الوجود الأجنبي ثم انحرف عن الطريق . ولو أن الحكومات اعتقدت أننا أخطأنا وأخذتنا بالحسنى وتفاوضت معنا بدل التعذيب .. فربما كان الحال الآن غير الحال ، أنكم لا تستطيعون أن تتصوروا ما حدث لنا في سجون مصر أنه شيء يشيب من هوله الولدان .
  • المصور : نحن حائرون أمام السؤال الأساسي ، لماذا كان الإخوان المسلمون وحدهم دون بقية الأحزاب ، حريصين علي أن يكون لهم جهاز خاص ؟
التلمساني : لم نحرص علي هذا ومن أن حلت الجماعة عام 1954 وأنا لا أري ذلك . كان هناك شباب يعد للدفاع عن الوطن وعن الدين الإسلامي فقط .
التلمساني: أنا عضو مكتب إرشاد منذ الأربعينيات ، ولا أستطيع أن أعرف كل الإخوان المسلمين . وقد سئلت في وزارة الداخلية هل تعرف فلان ؟ قلت لا أعرفه وأنا صادق . والمسئول في الجماعة يكون معروفا للملايين لكن ليس علي المسئول أن يعرف الملايين .


اللقاء الأول مع السادات

  • المصور : متى تعرفت علي الرئيس السادات أول مرة ؟
التلمساني: كان ذلك في ليلة 27 رمضان عام 1979 أول مرة أراه وأتحدث معه فيها استدعاني منصور حسن وألح علي أن أحضر هذا اللقاء وظللت أحاول الرفض ساعتين وقلت له أننا في رمضان وأسمح لي ألا أذهب ، لكن لم يتركني حتى وافقت علي حضور اللقاء . وقد تأكدت بعد ذلك أنه كان مطلوبا بإلحاح أن أحضر هذا اللقاء ، لأنه عندما وصلت ، جلست في الصف الأخير ، فإذا أحدهم ينقلني من الصف الأخير إلي الصف الأول في مقعد مواجه للرئيس السادات . وبدأ السادات يهاجم الإخوان المسلمين قائلا " مش كده يا عمر " . ولما زادت الحملة قلت له أريد أن أرد علي الكلام الذي تقوله فقال " لما أخلص " وعندما انتهي رددت عليه . وقلت له : أن غيرك لو قال هذا الكلام لكنت شكوته إليك ، أما أنت فلا أشكوك إلا لله أحكم الحاكمين . فقال لي أنا لم أقصد الإساءة إلي الأستاذ عمر . وطلب مني سحب الشكوى . قلت إنني رفعتها لأحكم الحاكمين والمرة الثانية كانت بعد ذلك كان لقاء خاص في القناطر الخيرية وفي هذا اللقاء أضفي علي من الصفات ما جعلني أخجل ، وعرض علي عضوية مجلس الشورى واعتذرت أكثر من هذا ، قال لي أمر بأن ينشر خبر اللقاء ورفضت وقلت الناس سيتهمونني بأنني أؤيدك تأييدا مقنعا وإن معارضتي لك تخلو من العنف والشدة . وعندما تقول لهم أنك قابلتني سيقولون أنك وضعتني في جيبك .
  • المصور : الإخوان المسلمين مروا بثلاثة صدامات متصلة صدام 48 وصدام 54 وصدام 65 ما هو الخطأ في جانب الإخوان والخطأ في جانب الدولة وما هي مبرراتك؟
التلمساني: الذي أعرفه ويكاد يكون محددا ، أن الثورات دائما تكون في صورة خفية والذي أعرفه أن جمال عبد الناصر وبعض أعضاء مجلس الثورة تعاهدوا مع بعض أعضاء الإخوان في حضور الإمام البنا علي أنه إذا تولوا الحكم سوف يطبقون شرع الله والذي عرفناه بعد ذلك أن المرحوم جمال عبد الناصر كان علي اتصال بكل الأطراف الأخرى اتصل بالوفديين والدستوريين والإخوان وكل الهيئات . ولعل اتصاله بالإخوان كان علي هذه الصورة . ولما بدأت الثورة ونجحت كان الإخوان المسلمين دور في حماية المنشآت والمصالح العامة مثل الكهرباء كنا في منتهي الوفاء غير أنه كان للرئيس عبد الناصر وجهات نظر في بعض الإخوان ومن ذلك الحين بدأ يدب الخلاف بين وجهات نظر عبد الناصر وبين الإخوان .
التلمساني: لم نقدم قائمة . لكن طلبنا أن يشرك بعض الإخوان المسلمين في الوزارة . وقدم الأستاذ الهضيبي بعض الأسماء . وقد اعترض عبد الناصر علي أحد المتقدمين وقال إنه صغير السن وهو حسن العشماوى رحمه الله كما اعترض علي عبد القادر عودة . أما أحمد حسن الباقوري فقد دخل الوزارة علي مسئوليته .


أسرار علاقة الإخوان بفاروق

التلمساني: كل الذي أعرفه ويعرفه الناس أن المرشد العام طلب لمقابلة الملك فاروق فقابله وخرج يقول مقابلة كريمة لملك كريم . ورجال الثورة أخذوا عليه هذا . ولعل مثل هذا يعطي فكرة عن قيادة الإخوان وعن أساليبهم في التعامل مع الحكام . نحن لا نريد أن نصطدم بأحد . ولقد زار الأستاذ الهضيبي إبراهيم عبد الهادي في منزله وهو الذي بدأ فكرة التعذيب مع الإخوان .
  • المصور : مع كل احترامي والصدق لما تقوله فإننا لا نستطيع أن نفهم كيف سمح لك الرئيس السادات بفتح مجلة " الدعوة " في حين كان وجود الإخوان المسلمين كتنظيم أو هيئة غير قانوني ؟
التلمساني: الدعوة صدرت في الأربعينات وليس للرئيس السادات فضل في إعادة إصدار مجلة الدعوة لأن الأستاذ صالح عشماوي كان حريصا علي إصدار المجلة بصفة مستمرة ولكنها كانت تصدر متواضعة .. فكان يصدرها في صفحتين وثلاث ، محافظة علي التصريح والرخصة .. وحين خرجنا من السجون 1971 كان أول شيء فعلته هو ذهابي إلي قصر عابدين لتسجيل شكري للرئيس السادات بإفراجه عنا .. وكانت مجلة الدعوة تصدر .
  • المصور : لم ينقطع صدور الدعوة حتى خلال فترة عبد الناصر ؟
التلمساني: لا لم ينقطع ، كانت تصدر وفيها إعلانات المحاكم ، للمحافظة علي الرخصة ... أي بصورة متواضعة فليس لأحد فضل في إصدار هذه المجلة ، ولا يمكن أن يقال أننا متواطئون مع الرئيس السادات لكي يصرح لنا بإصدار المجلة . إنما للأسف الشديد لم نقل هذه الحقائق في كثير من الخطب وبالتالي فهي ليست دليلا علي أن بيننا وبينه شيئا .


أحمد حسين طلب انضمام الإخوان ومصر الفتاة في هيئة واحدة

  • المصور : قبل 1952 كان واضحا أن الإخوان صاروا قوة هائلة في الشارع المصري ، وكان واضحا أن قضية الاشتغال بالسياسة قد حسمت داخل الجماعة في فترة من الفترات . والسؤال المطروح الآن : لماذا لم يشترك ممثلوهم في الانتخابات ؟ لماذا لم يأخذوا بمنهج التغيير من الداخل وفضلوا أن يكون التغيير من الخارج عن طريق إنشاء جهاز سري وخاص ؟
التلمساني: إن كل من تعامل مع الإخوان المسلمين كان هو البادئ بطلب الاتصال . ونحن لم نطلب الاتصال بأحد والأشخاص أحياء ، ومنهم الأستاذ أحمد حسين شفاه الله وعافاه ، والذي فكر يوما أن تلتئم مصر الفتاة والإخوان المسلمين في هيئة واحدة وكان لي في هذا دور ضابط الاتصال فقد أرسلني الإمام حسن البنا لأقابل الأستاذ أحمد حسين وأتفاهم معه علي ذلك . فذهبت إليه ، وتحدثنا في هذا الأمر . وكانت نتيجة اللقاء أن طلب الأستاذ أحمد حسين أن يتولي هو الجانب السياسي باعتباره زعيما ويتولي حسن البنا الجانب الروحي باعتباره مرشدا وأظن طبعا عند هذا الحد انتهي اللقاء لأن قيادتين في مركب واحد لابد أن تغرق .
  • المصور : في انتخابات عام 1949 التي حصل فيها الوفد علي الأغلبية تعاونتم مع حزب الكتلة . وكانت القائمة تحوى خمسين مرشحا من جماعة الإخوان المسلمين ؟
التلمساني: بعضنا دخل الانتخابات مستقلا ، والآخر دخل في ظل بعض الأحزاب . وكان المرحوم محمد عبد الرحمن نصير من الإخوان المسلمين وكان عضوا في الهيئة التأسيسية وأيضا مع الأحرار الدستوريين . البنا رشح نفسه في دائرة الإسماعيلية وأمرت انجلترا الحاكم القائم في ذلك الوقت بأن ينسحب ولهذا استدعاه النحاس باشا في مينا هاوس وظل يلح عليه حتى قبل الانسحاب مقابل تنازلات من حكومة الوفد لصالح الإخوان .. ونحن لسنا دعاة صدام لكي نكون مصدر تخريب في البلد .
  • د . جمال : قد اختلف مع الأستاذ عمر التلمساني ، من ناحية أن الجماعة لا تشتغل بالعمل السياسي وهو خلاف اصطلاحي فقط .. ومسألة الاشتغال بالسياسة قد حسمت في جماعة الإخوان منذ وقت مبكر وبنفس المصطلح؟
التلمساني: لعلكم تذكرون جميعا أن النقراشي باشا ذهب إلي هيئة الأمم فأرسلنا نحن من يؤيده هناك والأحزاب جميعها كانت تعارضه وتتهمه بالخيانة بينما قلنا نحن أنه مادام في الخارج ويدافع عن حقوق مصر – كل مصر – يجب أن نسانده .. وأنا كنت في الخارج .


  • المصور: ومع ذلك عندما وقعت جريمة الاغتيال للنقراشي كان الذهاب إلي الأمم المتحدة أحد مبررات جريمة الاغتيال ؟
  • د. جمال: الشيء الذي أخالف فيه الأستاذ عمر هو قوله : إن الإخوان اتهموا ظلما بالعمل في السياسة لأن العمل في الدعوة الإسلامية بوجهة نظر شمولية سياسيا بحسب المصطلح الموجود .


الإخوان وفكرة التكفير

  • المصور : يري البعض أن معظم اتجاهات العنف التي ظهرت في الجماعات الإسلامية قد خرجت جميعا من معطف الإخوان المسلمين أثناء فترة الاغتراب أو أثناء فترة السجن . فما هو الصدق في هذا ؟
التلمساني: إذا عاشرتم الإخوان المسلمين في السجون لبلغ بكم الإعجاب حدا ليس له منتهي .. لأنهم كانوا يتعاملون مع بعضهم البعض ومع المجرمين الحقيقيين ومع غيرهم من الأحزاب وحتى الشيوعيين معاملة في منتهي السمو والتضحية الكاملة والوفاء . هذا هو الجو النظيف كان أمامه جو في منتهي الصعوبة والعنف يقف الأخ منا أمام المحقق جائعا والمحقق أمامه الويسكي واللحم المشوي ، الأخ يقف أمام المحقق عريانا والمحقق يطفي سيجارته في مكان حساس بجسده بدلا من الطفاية .
  • المصور : هل هذه رؤية شاهد عيان ؟
الأستاذ عمر التلمساني في سجن الواحات
التلمساني: نعم رؤية شاهد عيان رأيت هذا الموقف .. أنا شخصيا علقت مثل الذبيحة ، فعندما دخلت السجن الحربي سنة 1954 ، وقفوني علي كرسي ثم ربطوني ورفعوا الكرسي لأصبح معلقا مثل ذبيحة الجزار . من هنا تولدت فكرة التكفير ، لأن الشباب الذي يلقي كل هذا التعذيب لم يكن يصدق أن من يفعل هذا يمكن أن يكون مؤمنا .
  • المصور : هل تعرفت أثناء هذه الفترة علي أي من قادة الجماعات الإسلامية التي كانت موجودة ؟
التلمساني: الواقع إن طبيعتي التي نشأت عليها جعلتني قليل الاختلاط بالناس . أنا لست كثير الاختلاط بالناس .. شكري مصطفي كان معنا في معتقل مزرعة طره لم أره ولم أكلمه ولم أحدثه .. وإذا قلت لوزارة الداخلية كلهم أنني لا أعرف مصطفي شكري فربما لا يصدقوني . ولكن عندما قال لي بعض الإخوان في السجن أن هناك فكرة " تكفير " التقيت بالأستاذ الهضيبي الذي كان معنا وألف كتابه " دعاة لا قضاة " ينكر علي كل إنسان أن يكفر إنسانا آخر .
  • المصور : ما هي ظروف هذا الكتاب الذي قيل أن المرحوم الهضيبي قد كتبه في الاعتقال ؟
التلمساني: هذه الفكرة نشأت بين صفوف الشباب الذي تعرض للتعذيب والذي رأي أسلوب الإخوان المسلمين في السير علي منهاج المسالمة " ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " . الشباب الذي تأثر بالتعذيب لم يعجبه أسلوبنا ، وقالوا إن هذا الأسلوب لا ينفعهم ، وبدأوا يتجمعون . وعندما كثر عددهم ، وبلغ هذا الأستاذ الهضيبي وكان معهم في المعتقل فكرنا في علاج هذه الأفكار ، داخل المعتقل كنا نستدعي بعضهم ونجلس للتحدث معهم ولكنهم كانوا قد اتخذوا لأنفسهم أسلوبا شيعيا وهو أسلوب " التقية " يتحدث معك علي أنه مقتنع وهو غير مقتنع .. فكانوا في جلستهم مع الهضيبي يسلمون بصحة آرائه ولكنهم يخرجون كما دخلوا .. وعندما وجد الأستاذ الهضيبي أن المسألة اشتدت استدعي بعض الإخوان الذين كانوا علي شيء من الدراية بأحكام الشرع وطلب منهم أنه يدلوا بآرائهم في هذا الموضوع .. فكتب بعض الإخوان آرائهم في موضوع التكفير وأجمعوا علي أنه من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهم .. فبدأ وضع كتاب " دعاة لا قضاة " .
  • المصور : من الذي ساهم في وضع هذا الكتاب ؟
التلمساني: أكبر المساهمة كانت من الأستاذ الهضيبي وكان مستشارا في محكمة الجنايات . وجمهرة من الإخوان لا تزيد علي 7 أفراد شاركوا الأستاذ الهضيبي في جمع المعلومات والأسانيد والأدلة وقدموها له وهو كتب الكتاب ... وحسبنا هذا دليلا علي أن الإخوان المسلمين عن طريق مرشدهم ينفون التكفير والعنف والإيذاء ورغم ذلك يصر الناس علي اتهام الإخوان المسلمين .
  • المصور : أيهما يعبر عن فكرة الإخوان الصحيح ، كتاب " دعاة لا قضاة " أم كتاب " معالم علي الطريق " الذي كتبه سيد قطب داعيا إلي تكفير المجتمع واصفا إياه بأنه مجتمع الجاهلية ، خصوصا وأن معظم هؤلاء الشباب تأثروا بسيد قطب ؟
التلمساني: كتاب " دعاة لا قضاة " هو الذي يعبر عن فكر الإخوان المسلمين .. الأستاذ سيد قطب عندما كتب كتاب " العدالة الاجتماعية " أيام فاروق كان له منحي .. وعندما كتبه مرة آخري بعد فاروق كان له منحي آخر .. الظروف والبيئة والملابسات والذي يحدث يعطي تشكيلا جديدا للفكر .
التلمساني: الحيثيات أن الأستاذ الهضيبي كان يقود جماعة الإخوان ، والقائد دائما مسئول عن الآلاف . فإذا كتب فإنه يكتب مقدرا مصلحة الجماعة . أما الأفراد هم مثلنا فإنهم يكتبون بفكرهم هم . الأستاذ الهضيبي يخشي أن يقول كلمة تمس الجماعة لأنه مسئول عنها . الناحية الأخرى : أن الهضيبي كان مستشارا في محكمة النقض وكان من المعروفين بدقته . الناحية الثالثة : أن الهضيبي إذا تحدث كمرشد عام لجماعة الإخوان المسلمين فإنه يدعم رأيه بالآية والحديث حتى لا يناقش ، إنما أي إنسان آخر يكتب فإنه يكتب بوحي خاطره . الناحية الرابعة : قد لا تعجب الناس . نحن أميل إلي الثقة بكلام مرشدنا من كلام أي إنسان آخر . نعتقد دائما أنه علي صواب إلا إذا حاد ، فنقول له إنك لست مرشدا .. هذه العوامل جعلتنا نميل إلي ترجيح جانب كتاب الهضيبي علي كتاب سيد قطب .
  • المصور: إلي أي حد يمكن اعتبار كتاب " معالم علي الطريق " .. مسئولا عن هذا الفكر ، عن تكفير المجتمع وتحبيذ العنف ؟!
التلمساني: الحق إذا قرأت كتاب " معالم علي الطريق " تري أن سيد قطب كان قاسيا في التعرض للأحداث التي حدثت في مصر في تلك الفترة لعل بعض الشباب أخذ منها فكرة أن القوة لابد وأن تنتهي به إلي أن يكون عنيفا .. يمكن هم أخذوا هذا ولكننا مع ذلك عندما نقرأ تفسير سيد قطب لبعض الآيات التي تتعرض لمن لا يحكم بما أنزل الله ... لا نجد معني للتكفير .. لأنه يقول ، أن لحاكم إذا حكم قائلا أنني أحكم بقانون من عندي لا من عند الله فهو ليس بكافر ... وإنما إذا قال أن الذي عندي هو من عند الله ويخالف حكم الله فهو كافر .. فإلي هذا الحد الإسلام حريص في ناحية " التكفير " في إبعاد الناس عن ذلك .

هل قام الإخوان بدورهم

  • المصور: لقد كان واضحا حتى أثناء فترة السجن أن هناك تيارا فكريا يتبلور وأن هذا التيار يمثل خطرا حتى علي جماعة الإخوان المسلمين ، وينتشر بين الشباب كالنار في الهشيم . ومع ذلك عندما صدرت مجلة " الدعوة " لم نجد فيها علي الأقل عرضا لهذه الأفكار أو مناقشة لهذه التيارات لإظهارها علي السطح وإجراء الحوار معها . والسؤال : هل عدم دخول مجلة " الدعوة " عن فقدان الثقة بين التيارات وبينكم كجيل قديم للإخوان المسلمين يعيبون عليكم ناتجا عن إهمالكم أنتم لهذه التيارات وعدم توقعكم أنها لن تنتشر علي هذا النحو ، لأن هناك من يقولون أنه عندما اشتد عود هذه التيارات الفكرية وأصبحت قوة وجدتم أنه لا مفر من أن تتعاملوا معها لعلكم تجدون فيها بعض السند والقوة ؟!
التلمساني: الحقيقة ، نحن كان مضيقا علينا بصورة غير معقولة . وهذا الكلام قلته لوزير الداخلية السابق . قلت له أنكم ركزتم كل مسئولياتكم علي الإخوان المسلمين وتركتم هذه الجماعات نحن كنا محاصرين .. وقد بلغه أكثر من مرة : دعونا ، أعطونا فرصة لكي نفهم الشباب .. وأن هذه الجماعات الدينية تعتبر الأزهر وعلماؤه موظفين . دعونا نحن . ولم يمكنونا .
التلمساني: لقد كنت أرفض أن تكون الإخوان مجرد جمعية خيرية وعندما قال لي الرئيس السابق ، وقد جعلت ذلك حجتي مجرد حجة ، أنني مع احترامي الكامل للسيدة آمال عثمان فأنا أرجو أن ترسلني إلي النبوي إسماعيل أو إلي منصور حسن ولكن لا داعي للسيدة آمال .
  • المصور : هل هذا مجرد حجة أم يعكس موقفك من المرأة عموما ؟
التلمساني: أنا أول رجل يحترم المرأة وأسعد زوج في العالم مع الزوجة الأولي رحمها الله والتي عشت معها 53 عاما فلم نختلف في يوم من الأيام .. إذا غضبت ما أيسرها وما أكرمها في تحملها وجعلتني أعيش سعيدا حتى أيام الاعتقال ، وكانت خير من يمثل الزوجة الصالحة الطيبة .


العنف تصرف فردي لا نحمله للفكر الإسلامي

  • المصور : أين المعتقد الديني في مقتل عثمان بن عفان .. وأين المعتقد الديني في حادث الكلية الفنية العسكرية وفي اغتيال د . الذهبي ، ثم في اغتيال السادات ؟
التلمساني: قبل الإجابة أسأل سؤالا : أين المعتقد الديني فيمن يقول أنه صلب المسيح ، وهذا رسول من الرسل ؟ . المعتقد الديني بعيد كل البعد عن هذه الجرائم .. مسألة عثمان بن عفان .. أولا لكي تقول أن عثمان اغتيل يجب أن تقرأ كل ما يدور حول هذه المسألة ، ولا يكفي عبقرية العقاد أو ما كتبه طه حسين ود. طه رغم عظمة أسلوبه الذي لم يجاريه فيه أحد ، أنا كإنسان لم استفد علما من طه حسين استفدت أسلوبا وقراءة وكتابة فقط . والعقاد كان أغزر علما من طه حسين .. ولدينا الكتب الكثيرة التي تملأ هذه القائمة في التاريخ الإسلامي يمكن الرجوع إليها .. إن مقتل عثمان بن عفان بدأ بفكرة إسلامية ، وليست خارجة عن الإسلام . والذين هاجموه قالوا أن عثمان حابي أهله ، وأركبهم علي رءوس المسلمين . كما قالوا أنه بدل وغير وهذا عن جهلهم هو وليس عن جهل أمير المؤمنين . لقد قال عثمان أن الرسول صلي الله عليه وسلم قصر الصلاة في الحج ، لكن عثمان لم يقصر وصلي 4 ركعات في الظهر ومثلها في العصر وعبد الله بن مسعود حين قالوا له مستنكرين : أنت تأخذ بسنة رسول الله في القصر .. وتصلي وراء عثمان أربعة لماذا ؟! قال خشيت أن أقول أنني أخالف أمير المؤمنين . في مثل هذا .. أبو بكر كان يري المسائل وعمر وعثمان يخالفونه ولكنهما ينفذان رأيه فالمسائل لم تصل إلي حد الخلاف العميق بينهم ، ولكن كان هناك اختلاف في وجهات النظر وهناك ناس قالوا علي عثمان كذا وكذا .. وقتلوه . لم يقتلوه لمخالفته للعقيدة أو الشرع الإسلامي وإنما لتصورهم الخاطئ ، كما أن الخوارج لم يخرجوا بسبب خطأ وقع فيه علي وإنما خرجوا لتصوراتهم الخاطئة ليس لنا أن نحمل الفكر الإسلامي أخطاء بعض الأفراد فقد نتجنى علي الحقيقة .. وهذا عيب في تصرف فردي ولا يجب أن نحمله للفكر الإسلامي كله ..
  • المصور : لماذا لم يكن المعتقد الديني لدي هؤلاء الشباب كافيا لمنع الجريمة ؟
  • د . جمال : لأن المعتقد الديني لم يجد الوسيلة الصالحة لتوصيله لنفوس الشباب . النبي صلي الله عليه وسلم لم يكن يلجأ للوعظ إلا لماما . كانت طريقته هي التربية بالقدوة والعمل , والواقع أن هذه المسألة كان يؤخذ علي الأزهر أنه يضع خطته في الإرشاد علي الموعظة والكلمة . أن الكلمة لا تصلح المجتمع . وحتى الإسلام لم ينتشر بالكلمة أو العلم .. وإنما انتشر بالقدوة . والجماعات الإسلامية عرفت ذلك ونفذته . فعندما يذهب أفرادها إلي الجامع يرتبط بعضهم ببعض برباط وثيق من المعايشة . وفي ظل المعايشة يفرضون مفاهيمهم ومعتقداتهم علي الجانب الآخر .
  • المصور : هناك مشاكل في المجتمع ربما تكون قد أدت إلي ظهور هذه الجماعات بهذا المظهر العنيف ما رأيك في منشأ العنف المتطرف علي هذا النحو المذهل والمفاجئ في نفس الوقت ؟
التلمساني: أهم أسباب انحراف الشباب إلي العنف هو التعذيب الذي لاقوه أيام السجن وهو شيء ليس بقليل ناحية أخري أن مظاهر المجتمع كله في نظر أي مسلم مظاهر يري الشباب أن تعاليم دينه تقضي بأوضاع معينة ويري أن هذه الأوضاع لا تتبع ، خاصة في دولة يقول دستورها أن دينها الرسمي هو الإسلام وأن الشريعة المصدر الرئيسي للتقنين .. قطعا الشباب يتأثر ويفكر طويلا : هل هذا العمل ينطبق مع ما يقال . أنها دولة إسلامية أم لا ؟
أي مسلم مظاهر يري الشباب أن تعاليم دينه تقضي بأوضاع معينة ويري أن هذه الأوضاع تتبع ، وخاصة في دولة يقول دستورها أن دينها الرسمي الإسلام وأن الشريعة المصدر الرئيسي للتقنين .. قطعا أن الشباب يتأثر ويفكر طويلا : هل هذا العمل ينطبق مع ما يقال أنها دولة إسلامية أم لا ؟ وهذا بالفعل ما يؤدي بالشباب إلي أن يفكر طويلا ، لأنه لم يفكر يعيش علي هامش الحياة ولا يهمه دولته ولا دينه . أري أيضا أن الشباب يعرف من خلال تعاليم الإسلام كيف تكون الفتاة في زيها وأخلاقها وتعاملها ، ثم يري في الجامعة معرضا " فاترينة " لأزياء لا ترضي الإسلام ..فالشباب معذور عندما يري هذه المظاهر أنه يقول أن الأوضاع غير سليمة ولابد أن تتغير ..
وعندما يرفض التلفزيون في الأفلام مشاهد خليعة وخارجة .. أين الرقابة وأين الإسلام ثم هذا الانفتاح الاستهلاكي بكل ما جره علي البلد من مشاكل .
  • المصور : لا نعرف إن كنت تدرك أن معظم الانفتاح الموجود في السوق المصرية اليوم قائم علي أكتاف بعض قدامي الإخوان المسلمين الذين عاشوا في المهجر وعادوا إلي مصر بثرواتهم ؟
التلمساني: أنا لا أشك أن بعض أغنياء الإخوان يساهمون في مسائل الانفتاح الاستهلاكي عم البلد وتتركه الحكومة . أنا عندما أستنكر شيئا أتحدث عنه وحدي ، لكن أنتم أيضا تتكلمون عنه .. ونحن نقرأ لكم ما تكتبونه .
هناك في البلد ثروات ضخمة .. هذه الثروات نستطيع معالجتها ، بحيث نحافظ علي حق الثري وينتفع المسلمون جميعا ، فعندما يقول الله في كتابه " وفي أموالهم حق معلوم .. " فهذا ليس صدقة أو إحسانا ولا زكاة ، أن حق الزكاة فريضة . وفيما يقول الرسول " ليس منا من مات شبعان وجاره جوعان " فإن هذا هو التكافل الاجتماعي .


من أين تمويل مجلة الدعوة ؟

التلمساني: أتريدون معرفة تمويلها من أين ؟ في خارج مصر كل أخ في السعودية أو الكويت أو أي مكان آخر .. يرسل مرتب شهري من ال12 شهرا للدعوة . وأنا لا أتقاضي مرتبا من المجلة وأركب سيارة ثمنها 30 ألف جنيها 8 سلندرات – ولم أدفع ثمنها – جاءتني هدية من الإخوان في أمريكا – وعندما أبديت احتجاجي وقلت أنها محتاجة إلي سائق وبنزين وإصلاح قالوا نحن أعددنا لهذا الأمر عدته ، قلت أهلا وسهلا .
  • المصور : لماذا تركب سيارة ب30 ألف جنيه ، بينما الشارع المصري يزدحم بالفقراء ؟
التلمساني: الدعوة الإسلامية هي أسمي شيء في نظر هؤلاء الأخوة المغتربين ، ولذلك بعثوا إلينا بما يتمشي مع ضخامة ووجاهة دعوة الإخوان المسلمين . إن التحدث عن شخصية الإنسان عيب ولكنني لا أملك شيئا . أيام عبد الناصر بعت كل شيء . وأعيش الآن ب60 جنيها هي معاشي من نقابة المحامين وأسكن في بيت إيجاره 3 جنيهات وأثاثه بسيط للغاية ، مع أني كنت أستطيع أن أسكن في قيلا ولكنني لم استغل الوضع الذي أنا فيه فلن أتاجر بالدين .
  • المصور : مع كل المبررات فنحن نري أن سيارة ب 30 ألف جنيه أمر كثير ؟
التلمساني: هل من يشتريها مني ؟
  • أمينة: أقسم بالله أنني لا أستطيع أن أركب شيئا غير مناسب ولست كفئا له – مع أنني لست من الإخوان هناك 30 أو 40 مليون فرد لا يستطيعون هذا ؟
التلمساني: نحن نقوم بهذا الواجب واجب مساعدة الأسر الفقيرة والمحتاجة ونعطيها ما يجب أن يعطي . الرسول عندما كان يقابل الوفود كان يرتدي الجبة الأرجوانية من صنع اليمن ولقد اشتري خيمة يجلس فيها ودفع 27 ناقة ، فالمظهر نفسه ليس به عيب ، وفي القرآن " قل من حرم زينة الله الذي أخرج والطيبات من الرزق " .
  • المصور : إن أحد المبررات التي اتخذتها الجماعات الإسلامية في اغتيال السادات ادعاؤهم بأنه كان يعيش حياة مشرفة ويتمتع أيضا بالطيبات من الرزق ؟
التلمساني: هذا صحيح مع الفارق ، لأن الأمير أو الحاكم هو القدوة وسيدنا عمر بن الخطاب كان يلبس القميص القديم مع العلم بأن الإمبراطوريات كلها كانت تحت إمرته . كان علي الحاكم ألا يظهر بهذا المظهر الترف ، وأن ينزل لمستوى أقل واحد في الشعب والرسول كان يجوع ولا يوقد في بيته نارا لمدة ثلاثة أشهر وظل يعيش علي الخبز والخل والماء ، وليس هذا ضيق ذات اليد .
  • المصور : هل لكم أية علاقات تمويل خارجية ، نقصد غير المصريين ؟
التلمساني: مرة دعاني السيد ممدوح معالم وكان رئيسا للوزراء . وقال لي : نحن ندعم كل المجلات الموجودة . والدعوة مجلة إسلامية ولابد أن ندعمها . وقلت له – وأنا صادق - : يا شيخ سايق عليك النبي ما تفتح هذا الموضوع معي .
وكمال أدهم شقيق زوجة الملك فيصل استدعاني لمقابلته عندما كنت أؤدي فريضة الحج عام 1975 وعرض علي دعما ماليا وقلت له : أسف .. لقد ظننت أنك دعوتني كداعية إسلامي .. السلام عليكم وتركته .. فخرج ورائي حتى المصعد .


من حق الجماعات تنصيب أمراء ولكن

  • المصور : هل ينص الدين الإسلامي علي أن يكون لكل جماعة أمير ، ينبغي أن يطاع ؟
التلمساني: نحن لا ننكر علي الشباب اتجاهه الديني ، بل نحن نحضه علي هذا الاتجاه ، ولكننا ننكر العنف بأي صورة من الصور .. إذا أسس أحدهم جماعة وأصبح أميرها فهذا شيء ينبغي أن نفرح به ، ونأخذ بالأسلوب الإسلامي الذي يقره الشرع .. ولكن أن تتكون الجماعة بهدف العنف ، فهذا ما ننكر ولا نرضي عنه ولا نقره ولا نقبل به بأي صورة من الصور .
  • المصور : أليس للأمارة شروط أو مواصفات ؟
التلمساني: صحيح .. ولكن هذه ليست إمارة عامة ولكنها خاصة ..
  • المصور : حتى الإمارة الخاصة : أليس لها شروط ومواصفات ؟
التلمساني: نفرض أنه أخطأ في الشروط والمواصفات ، ماذا نفعل له ؟ لأنه من المفروض إذا جلسنا جماعة فلابد أن نعين أحدنا رئيسا علينا حتى لا تقع الفوضى . فإذا أخطأ الأمير أو الجماعة التي أقامت أميرا فالخطأ علي الجميع . وهذا الفرق بين القاعدة والتطبيق ، القاعدة في التكوين سليمة تماما . ولكن التطبيق قد يختلف . أي من حقهم تنصيب أمير ولكن العمل لا يوجه إلي العنف ..
  • المصور : كان غريبا علينا أن الرئيس السادات صاحب فضل – كما قلتم علي الحركة الإسلامية عموما ، وأنه أخرج الإخوان المسلمين من المعتقلات وسمح لهم بمجلة وبوجود وتواجد ، والغريب أن نهايته تأتي علي أيدي أناس يقولون أنهم يحملون الفكر الإسلامي؟
التلمساني: الإخوان المسلمون مظلومون في كل شيء .. أولا : عندما أفرج السادات عنا ، ذهبت أنا – باعتباري أمثلهم – وقدمت واجب الشكر وكتبت تقديري وشكري .. وقد تتذكرون أنه في مارس سنة 72 أو 1973 نشرت الأهرام كلمة فيها للرئيس السادات : لقد أحسنت في كذا وكذا ولكنني أطلب منك ألا تكتفي بالإفراج عن الإخوان المسلمين بل وطلبت منه الإفراج عن " مراكز القوى " .. لتظهر أمام الشعب أنك لا تنتقم لنفسك .. " نحن من هذه الناحية لا ننكر علي الرجل شيئا .. أما أن نهايته قد جاءت علي يد الإخوان المسلمين أظن أن هذا حرام ، بعد أن قرر رئيس الجمهورية الحالي أن الإخوان المسلمين أبعد ما يكونون ، ولا علاقة لهم بهذا الاغتيال . إذن نحن – الإخوان المسلمين – لا علاقة لنا ، ولم تكن نهاية السادات علي أيدينا .
والشباب – الذي نتكلم عنه ، وعن انحرافه في فهم الإسلام وعن أخذه بهذه الأساليب ، نحن ننكر أن يكون في الإسلام عنف . والإخوان المسلمون ليس لهم شأن فيما حدث أبدا ..


العنف مع صاحب فكر يزيده إصرارا عليه

  • المصور : كيف يكون التصرف الأمثل مع هؤلاء الموجودين الآن تحت التحفظ من شباب الجماعات الإسلامية ؟
التلمساني: قد نكون أشرنا إلي هذا كدرس مستفاد من تجربة عبد الناصر . أن وسائل العنف التي تستعمل تزيد صاحب الفكرة إصرارا علي فكرته ، ليس من ناحية اقتناعه بها ، ولكن من ناحية انتقامه لنفسه مما أصابه وحل به . ولو أخذنا بأسلوب غير هذا لتغيرت النتائج . وقد نجح هذا الأسلوب مع قاتل أحمد ماهر رحمه الله ..لم يعذبوه أنما أرسلوا له فقهاء ومصلحين وحاولوا إقناعه من الناحية الدينية حتى اعترف بالكامل .. لو أن أي حكم قائم يأخذ هؤلاء الشباب بمثل هذه الأساليب ولا يضع 40 أو 50 شابا في حجرة ضيقة " زنزانة " ، ولا يستطيع الاقتراب منها من مسافة 10 أمتار لأن الجميع يقضون فيها حاجتهم ويأكلون وينامون لعدة أيام ، فالذي يكاد يقترب من الحجرة يصاب بالغثيان من الرائحة الكريهة .
  • المصور : هذا في الفترة الأخيرة أم في أيام عبد الناصر؟
التلمساني: لا .. أيام عبد الناصر .
  • المصور : نحن نسأل عن الوضع الراهن ؟
التلمساني: سأتدرج في الحديث عن الأوضاع وحين تأتي إلي العصر الحالي ، نري أن الآلاف سيقت إلي السجن والتحفظ وبعد وضعهم في السجن يقال سوف نستفتي الأمة أو نقيم مدعيا اشتراكيا لكي نعرف كيف نحاكم هؤلاء وكيف نحقق معهم .. كأنك أنت أخذتني من بيتي ووضعتني في مكان دون أن يكون علي مؤاخذة ، أو اتهام محدد .. ولقد كنت أتصور أنني أخر إنسان يمكن أن اعتقل في مصر وعجبت حين جاءني شخص في الساعة السادسة صباحا ، ويقول لي : تفضل ، لماذا ؟ .. لماذا هذه الصورة ؟ لم يأخذني – أنا بالذات – ويضمونني في مكان بمفردي ، دون آلاف المعتقلين ثم يأتي الفطور بعد ساعة الثانية ظهرا وأحيانا لا يأتي طعام مطلقا ..
وأنا لا أقول أن الحاكم وصي بهذا ، ولكن فاني المرءوسين في إظهار الولاء للرؤساء جعلهم يسيئون معاملة السجون ظنا منهم أن هذا يرضي الرئيس .. إن وضع الناس بهذه الصورة المزرية حشرا في حجرات ضيقة وممنوع عنهم الصحف والإذاعة والتليفزيون هذا شيء رهيب وإن كنت علي يقين أنهم يعاملون الآن معاملة طيبة وإنسانية وفيه احترام للآدمية . بل أن الطلبة فيما اعلم بدأت تصلهم الكتب ليذاكروا فيها . وقد حدث في داخل السجون ، أن التقي بعض الإخوان بشباب منحرفين وبإرادة الله سبحانه وتعالي أنصلح حال هؤلاء الشباب ..
  • المصور : ولكن تجربتكم الأولي لم تنجح .. فمنذ قليل حكيت لنا عن تجربة الإمام الهضيبي وكيف حاول مع هؤلاء الشبان ؟
التلمساني: الأستاذ الهضيبي ونحن .. كانت حريتنا مقيدة . لم يكن في مقدورنا أن نقنع أو نتحدث مع هؤلاء الشباب .. كما لم يطلب واحد منا ذلك ، بل كانوا يتهموننا بالرضا عن هؤلاء الشباب وتأييدهم .. حتى قيل أن كل الجماعات المنحرفة هي التنظيم السري للإخوان المسلمين . ويعلم الله أن هؤلاء المنحرفين يهاجموننا كما يهاجمون السلطة .. أن تقييم الأستاذ الهضيبي بأنها فشلت ، تقييم غير صحيح .. إنما الذي حدث أنه لم تبق إلا نسبة قليلة شاذة , فلو قارنا بين الأعداد التي بعدت عن العنف بعدو وقفة الأستاذ الهضيبي معهم يعتبر نجاحا كاملا . لأنه لم يتبق إلا أفراد قلائل . هؤلاء بعد ما خرجوا من المعتقلات حملوا الفكر الشاذ ..


لا يوجد في الإسلام كلمة " حريم "

التلمساني: بدليل أنه لا يوجد عندنا كلمة " حريم " .

  • د . جمال : كلمة " حريم " لم نسمع بها في عصر النبي ولا في عصر الصحابة ولا في عصر التابعين ، وبدليل أيضا أنه في بداية استخدام حق الطلاق كان هذا الحق من الصعوبة إلي أبعد حد .. حقوق المرأة في الإسلام تجدها في بعض المسائل أكثر من الرجل وإنه رغم أن نصيبها في الميراث أقل فهناك ثمانية أحوال – موجودة في الكتب – تأخذ فيها المرأة أكثر من الرجل أيضا حقها السياسي في التعليم مكفول بما لا يدع مجال للشك .. في المشاركة في الأمور العامة مكفول بما لا يدع مجالا للشك .. أما الأفكار التي تقال علي نظرة الإسلام إلي المرأة فهذه لا تمت إلي الشرع الإسلامي بصلة وقد تمت إلي التاريخ الإسلامي فعلا بصلة ، وهذا مالا يقيدنا بحال ..
  • المصور : بالنسبة لما يتعلق بالشق الثاني من الندوة ؛ العنف والجماعات الإسلامية .. نعتقد أن الدكتور جمال له تساؤلات فيه ؟
د . جمال : في الواقع ، هناك فرق بين التطرف أو التشدد وبين العنف أو الجريمة .. في الواقع التطرف موجود في كل فكرة يكون مداها متسعا .. وليس موجودا في الحقيقة العلمية .. التي تقول 1+1=2 ليس فيها تطرف ,, لكن من الصعب أن نجد للعنف جذورا بعيدة عن الإسلام ، وربما يكون الإسلام قد عرف بعض المتشددين ولكن العنف كان بعيدا تماما . وهناك حديث عن النبي يرد به عن المتشددين " ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه " ..
التلمساني: "إن هذا الدين يسر ، فأوغل فيه برفق ، وأن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقي .. لن يشاد الدين أحد إلا غلبه " .. وعلاج التشدد ليس إلا النصيحة والكلمة الطيبة ..


جملة " الفتنة الطائفية " دخيلة علي مصر

  • المصور : ما مدي مساهمة هذه الجماعات في الفتنة الطائفية .. كيف يمكن تفادى هذا الأمر ..وهذا سؤال موجه إلي الأستاذ عمر بالذات ، لأن موقفه من هذه القضية لم يكن واضحا في مجلته " الدعوة " ؟
التلمساني: نعود بأذهاننا إلي التاريخ .. سنة 1910 أو 1911 كان هناك مؤتمران : مؤتمر في مصر الجديدة ومؤتمر آخر في أسيوط .. هذا للمسلمين وذاك للمسيحيين وتبودلت فيهما التهم وانتهي الأمر بسلام . لم تتضح الأمور كما حدث مؤخرا كانت هناك منشورات توزع في الأتوبيسات والترام والشوارع ، تطعن في الدين الإسلامي وفي محمد عليه الصلاة والسلام .. ولست أدري هل وصلت لكم .. أنا وصلت لي مجموعة من هذه النشرات وقدمتها لوزير الداخلية ..
  • المصور : وصلتنا مجموعات ولكن نحن فسرناها علي أساس أن هناك طرفا ثالثا له مصلحة في إفساد الوحدة الوطنية أيضا .. وصل لي بحث من حوالي 16 صفحة فلوسكاب فيه مالا يقبله أحد .. وعلي جانبنا أيضا نحن المسلمين – حتى نكون موضوعيين – خرجت بحوث تسيء لهم ، وبنفس القدر .. يمكن أن يكون هناك طرف ثالث .. فمصر بلد مفتوحة .. وهناك من يريد التآمر عليها .. ولكن هذا الموضوع نريد له وقفة حقيقية من الأستاذ عمر وبوضوح ؟
التلمساني: حين أعود بذهني للتاريخ أري أن الذي يقولون عنه " فتنة طائفية " ، ليس هو كذلك وإنما كان هناك منذ 70 سنة موقف كهذا – في مصر – ولم تتضخم الأمور بهذا القدر . النشرات التي تحدثت عنها لا استبعد أن تكون صادرة عن أي فريق ثالث إنما طالما نحن نفترض يصبح كل فرض محتمل .. طالما أنه لا يوجد عندي دليل قاطع .
نحن كمسلمين نؤمن بأن عيسي عليه الصلاة والسلام رسول ولا يمكن أن يبلغ بنا السفه في ديننا أن نتناول عيسي أو مريم بأي سوء أبدا .. نحن ننزه مريم عن ما قاله فيها اليهود .. نحن نعتقد أنها بتول وطاهرة وأنها نفخ فيها من روح الله سبحانه وتعالي وأن المسيح نبي ورسول .. وغيرنا لا يعتبر محمدا بهذه الصورة .. غيرنا ينكر علي محمد رسالته .. أنا كمسلم – رغم أنفي – أردت أم لم أرد تشدني الغيرة علي محمد عندما يسبه أحد .. ولا أكون مرتاحا لهذا بالطبع .. إنما الهوس لا يبلغ بالإخوان المسلمين إلي الدرجة التي يتصورها الناس .. لأنه في فترة من الفترات كان هناك لجنة سياسية الإخوان المسلمين وكان من أعضائها وهيب دوس وأخنوخ لويس أخنوخ .. كانا عضوين في اللجنة السياسية للإخوان المسلمين ..
إن المسلمين – وخاصة الدعاة – يحرصون كل الحرص علي إفهام الشباب أن لغير المسلمين حقوقا يجب أن تحترم وأن تصان وأن يدافع عنها .. ونحن أحق الناس بهذا .. وفي مصر ولله الحمد الكثير من الكنائس الموجودة التي تبني . ومصر بلد السماحة ، ولو ذهب أحدنا إلي وزارة الداخلية وقارن نسبة التصاريح التي تعطي لبناء الكنائس لوجد أن النسبة هائلة ..


أرغب في عودة البابا شنودة

  • المصور : ماذا يضير المسلمين في أن يكون هناك عدد أكبر من الكنائس .. أليست الكنائس دور عبادة لله ؟
التلمساني: من قال أن الدعاة المسلمين حاربوا فكرة بناء كنائس في مصر .. الكنائس تبني من قديم الزمان . اليوم الأخوة المسيحيون يحصلون علي ما يريدونه ولا توجد فتنة طائفية .. أحيانا يكون هناك طبيبان ، مسلم ومسيحي ، تجد المسلمين هم الكثرة الغالبة عند الطبيب المسيحي .. لو أن هناك طائفية .. أو تعصب هل أترك الطبيب المسلم وأذهب للطبيب المسيحي ؟ .. إن البعض يخترعون لنا فكرة وجود فتنة طائفية وربما تخفي هذه الفكرة أو هذا الشعار وراءه أغراضا كثيرة أو قد يخفي مسائل ليس من حقي أن أتحدث عنها لأنها تمس أشياء حساسة ... لماذا نقول ونعلن عن الملأ أن هناك " فتنة طائفية " يقوم بعض المسلمين وبعض المسيحيين .. ياليتكم زرتموني في مستشفي قصر العيني وكان معي أب أسمه صمويل راعي كنيسة في الإسكندرية كان يقول لي : أنا كنت أتصور عمر التلمساني وحشا يقطر من أظافره الدم .. مما كان يقال له عني . قال أيضا : عندما رأيتك وجدتك شيئا مختلفا تماما ..
  • المصور : سؤال مباشر إلي الأستاذ عمر هل يضيرك في شيء أن يخرج البابا شنودة من عزلته ويعود إلي موقعه ؟
التلمساني: أرغب ذلك إذا كان رجوعه يدعو إلي استقرار وسلام وهدوء وشدة التحام .


لا أقر ما يحدث في إيران

  • المصور : هل هناك ضرورة في أن تكون هناك حكومة دينية حتى تقوم الدولة الإسلامية ؟
التلمساني: لا يوجد ما يسمي حكومة دينية لأن معني حكومة دينية خطير جدا ، إنما المقصود فعلا بحكم الدين أو بحكم الإسلام أن يطبق الحاكم شرع الله أيا كان ذلك الحاكم ولو ولي عليكم عبد حبشي .
  • المصور : ماذا تري فيما هو حادث الآن في إيران ؟ وما هي الدروس المستفادة ؟
التلمساني: أولا الإيرانيون يأخذون بالمذهب الشيعي ونحن قوم سنيون والذي بين الشيعة والسنيين من خلاف ومصدره الشيعة وليس أهل السنة – عميق وخطير . وحين قام الخميني بالثورة .. أيدناه ووقفنا بجانبه .. مع ما بين أهل الشيعة وأهل السنة من خلاف جذري في العقائد . أيدناه لوجود شعب مظلوم كامن حاكمه يظلمه أشنع الظلم وأبشعه . وحين يتمكن هذا الشعب من التخلص من ذلك الاضطهاد ، لا نملك أن ننكر ذلك عليه .. نحن أيدناه من الوجهة السياسية لأن شعبا مظلوما استطاع التخلص من حاكم ظالم ، السنة شيء والشيعة شيء آخر . ما يجري الآن في إيران من مذابح وأمور خطيرة كنت أظن أنه مبالغ في وصفه ولكن ممن اتق بهم كل الثقة ممن يترددون بين إيران وبين أماكن آخري .. أكدوا أن كثيرا جدا مما ينشر في الصحف حقيقية وأنا لا أقر هذا .
  • المصور : إذن فكرة حكومة من رجال الدين ليست الفكرة المثلي للدولة الإسلامية .. وهناك التباس حقيقي حول هذا المفهوم . هل ما يجري في إيران اليوم يعتبر في نظرك مثالا للدولة الإسلامية ؟
التلمساني: لا ...
  • المصور : لماذا ؟
التلمساني: لأنه لا يطبق فيها شرع الله .. أنا لا أطلب من الحاكم إلا تطبيق شرع الله فقط .. هذا كل ما يعنيني من الحاكم سواء كان حافيا ، مادام يطبق شرع الله .
  • المصور : المشكلة الخميني أنه يقول بأنه يتكلم باسم الله ؟
التلمساني: هذه مشكلته هو يتحملها ولا يتحملها الإسلام .. كل ما يدعو لدعوة يؤاخذ عليها ..
  • المصور : ما الذي تأخذه الآن علي نظام الخميني حتى يتجنبه المسلمون ؟
التلمساني: أولا أنا لا أقر أن يعامل الشعب من حكامه بهذه القسوة ، ومن حق أي إنسان في العالم أن يعارض الحاكم كما يشاء ... حين نادي عمر بن الخطاب بالسمع والطاعة قام أحد الحاضرين وقال لا سمع ولا طاعة . قال له لماذا ؟ فرد عليه وقال : أنك أعطيتني ثوبا واحدا وأنت ترتدي اثنين فكيف أسمع لك .. فاستدعي عمر ابنه عبد الله وطلب منه توضيح الأمر فقال لهم . إن أبي طويل جدا والثوب الذي أخذه كان لا يكفيه فأعطيته ثوبي . فقال ا؟لأعرابي الآن نسمع ونطيع ..
ولذلك لا يوجد في الإسلام العنف الذي نسمع فالذي يجري الآن في إيران بالصورة التي أقرؤها وأسمع عنا لا ترضيني ..


لا قدسية لحاكم ولا للرسول عليه الصلاة والسلام

  • المصور : لكن في الدولة الإسلامية لابد أن يكون الحاكم هو الإمام وهذا بالضبط موضع اللبس لأن الإمام رجل مفوض ؟
التلمساني: يا سادة .. يطلب من الحاكم المسلم أن يكون إماما لمصلحة المسلمين لماذا ؟ ... لأني عندما أكون متفقها في الدين وحافظا لكتاب الله وفاهما لسنة الرسول الكريم أستطيع أن أطبق الأحكام الشرعية بأكثر مما يطبقها إنسان جاهل بهذه القواعد .
  • المصور : هل تعتقد أن هناك ميزة للإمام باعتباره يتكلم باسم الإله ؟
التلمساني: لا .. لا يوجد منا من يتكلم باسم الإله .. لا توجد قدسية للحاكم ولا لرسول الله عليه الصلاة والسلام . لقد قال : أن أنا إلا بشر مثلكم ولم يقل أنني مقدس . والقدسية ليست إلا لله سبحانه وتعالي . كون إنسان يتصور أن للرسول أو الحاكم قدسية فذلك أمر مرفوض .
  • المصور : إذن الإسلام لم ينص علي مؤسسات ثابتة بعينها للدولة الإسلامية ولم يحدد أسلوبا معينا لقيام تلك الدولة ؟
التلمساني: لم يقل بهذا الإسلام وأنتم تحملون الإسلام فوق ما يحمل ولكن الإسلام قال أن الذي يحكمك لابد أن يكون محيطا بشئون دينك ، ولا يكون جاهلا كما هو حادث في بعض الدول الإسلامية ، فالذين يحكمونها الآن ليسوا علي علم واسع بالشريعة الإسلامية لأنهم لو كانوا متفقهين لما فعلوا ما يفعلونه .. لو اخترنا إنسانا واعيا ومحيطا بشئون دينه . يكون صالحا للحكم . وإن لم يوجد من تتوافر فيه تلك الصفات تختار له مجلسا من الفقهاء يساعده في الحكم وإصدار التشريعات والأحكام والقوانين .. وهذا لمصلحة الدولة وليس لمصلحة الإمام .


لا يمكن تطبيق الشريعة تطبيقا فوريا

  • المصور : إذن المسألة ليست مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل فوري ؟
التلمساني: لا .. لم يقل أحد بذلك .
د . جمال : المسألة تحتاج إلي فهم لإبعادها بالواقع عندما تقول دولة إسلامية ودولة غير إسلامية لابد أن نفهم بدقة أبعاد القضية .وحين نسأل : هل الشريعة تعادي أي قانون وضعي .. أبدا لأننا لو حصرنا قوانين الدولة نجد أن أصح القوانين في كل المجالات لها أصل ثابت . بمعني أننا حين ننادي بتطبيق الشريعة ، لا يعني هذا أبدا أن كل قانون في البلد مخالف للشريعة ..
  • المصور : ربما يكون هناك بعض الاستحالة لتطبيق حدود الإسلام في بعض المجالات مثل قطع اليد ؟
التلمساني: الدين يأمرني بذلك ولماذا أقطع اليد في السرقة ؟ أقطعها ليس فقط لحماية المال وإنما لما هو أسمي من ذلك وهو الأمن في البلد . هناك جرائم كثيرة تقع علي المال مثل خيانة الأمانة والنصب والتزوير ولكن الشرع لم يقطع يد السارق لحماية المال لأن الإنسان أكرم من المال عند الله ولم يقطع يد السارق لنعيش في مجتمع مشوه كما قال أحد مشايخ الأزهر .
  • المصور : هناك ظروف اجتماعية وقفت هذا الحد حتى في الإسلام ؟
د . جمال: الإسلام أوجد نوعا من الكفالة كشرط لتطبيق الحد .
  • المصور : إذن لابد أن تكون هناك متطلبات وشروط وضرورات اجتماعية ينبغي أن تحقق ، قبل إقامة الحد ؟
التلمساني: الإسلام راعي كل هذا في كل الظروف وفي كل التاريخ .. هذا الدين جاء للناس من أول ما نزل إلي أن تقوم الساعة .


ما الذي أطلبه من الرئيس مبارك

  • المصور : تري أن سيادتك متحمسا جدا للرئيس مبارك لا نعتقد أن الرئيس مبارك قدم لك أكثر مما قدمه الرئيس الراحل السادات ، فهذا أخرجك من السجن وهذا فعل نفس الشيء ما هي مبررات الحماس والتفاؤل الشديد ؟
التلمساني: أنا كمسلم عندما أري إنسانا يعمل الخير أقول له أكثر الله من أمثالك وأعانك وأدامك في هذا البلد وهذا هو ما قلته لحسني مبارك أقول له أفرجت عن البعض ولكن هذا لا يكفي لابد أن تفرج عن كل معتقل أو متحفظ عليه وأسأل الله أن يعينك علي هذا الخط السليم فالكل راض عنك .
  • المصور : ما هي الأولويات التي تراها أمام الرئيس مبارك .. أو ماذا عليه أن يفعل ؟
التلمساني: أولا رئيس الدولة هو رئيس حزب وهو حزب الأغلبية الذي يحكم ولو اقتصر علي الحزب وعلي رأي الحزب يصيح الحكم غير دقيق . رئيس الوزراء أيضا يجب أن يلتقي بقيادات الأحزاب والرأي الآخر وكل هؤلاء الناس لقد عرفت فؤاد سراج الدين وحلمي مراد وكثيرا من اليساريين من هم غاية في الوطنية والعلم والفضل .
أنا أقول لرئيس الدولة .. أن يجتمع بهؤلاء باستمرار وهم بعيدون عن الحكم ..
ما يهيئا هو مصر قبل الحزب .. لو اجتمعنا في لقاءات مستمرة .. قد تخرج برأي سليم أو برأي صحيح يمكن أن نعالج به أي مشكلة مطروحة .. أنا أقول لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ضعوا في الجمعيات الاستهلاكية أيدي أمينة لا تعبث بأقوات الشعب وستجدون كثيرا من الشكاوى الحالية قد زالت ..
  • المصور : ماذا تقول للرئيس مبارك عن الفتنة الطائفية ؟
التلمساني: أقول له أن هذا شعار غير موجود أو قائم ولا تصدق أن هناك فتنة طائفية ولا تبن تصرفات أو تصدر قرارات قوانين علي أساس هذا الشعار .


مستعد للمطالبة بعودة البابا شنودة من فوق أعلى مئذنة

  • المصور : هل نستطيع أن نقول للرئيس مبارك أن عمر التلمساني لا يقلقه أن يخرج البابا شنودة من عزلته ؟
التلمساني: طبعا ، وإذا أردت فأنا علي استعداد لأن أقول ذلك من فوق أعلى مئذنة .. لا يضيرني أن يخرج البابا شنودة أو أن يعود إلي مكانه .. شريطة أن يظل رئيسا دينيا فقط .. وأريد أن يحتوى الدستور علي نص يجرم من يعطل الدستور أيا كان موقعه .. وأطالب أيضا بعدم تركيز الوزارات في القاهرة . وأريد أن تكون القروض الواردة من الخارج تحت ملاحظة البلد دون أن يعبث بها لمصالح خاصة ..
في القضية الأخير وهي قضية رشاد عثمان ، سعدت حين سمعت رئيس الدولة يقول أنا لن أتدخل في القضاء ، لو نفذ هذا ، فسترون أن قضية رشاد عثمان ستهز البلد كلها .. لأنها ستجر أسماء وشخصيات ما كان ذهن إنسان إليها .
بالنسبة للترقيات في الحكومة أسلم نظام هو الأقدمية لأن فيه عدالة كاملة وقد يكون فيه بعض أخطاء ولكنه فيه عدالة تشمل النشيط والغبي والكسلان والمجتهد .
  • المصور : حقيقة أن تقال ، أنه حتى نحن العاملين في العمل العام والمتابعين لكل شيء كان لدينا التباس حولك .. واليوم اتضحت صورتك أمامنا .. صورة مفكر إسلامي معتدل ويسعي لإسعاد وطنه وحريص علي وحدة مصر الوطنية ، وحريص علي التصدي للإرهاب مهما تخفي تحت أي دعاوي أشكرك علي قبولك وتشريفك لدار الهلال وعلي هذه الآراء الناضجة والمعتدلة والهادئة التي استهدفت مصلحة البلد ومصلحة الوطن قبل أي شيء آخر وأؤكد لك أنك استطعت أن تنتزع الالتباس فينا واستطعت أن تكسبنا لصفك والمصور مفتوح لك في أي وقت حتى تعود إلي جريدتك ؟
التلمساني: جزاكم الله خيرا شكرا لله ولكم أن أفسحتم صدركم لي .