الشيخ راشد الغنوشى يتحدث ل.الأحرار. حول ضوابط تجديد الفكر الإسلامى
حاوره الصحفي: عامر محمود
يعد الشيخ راشد الغنوشى من أبرز فقهاء الحركات الإسلامية فى الفترة الحالية ويصفه البعض بالمنظر الأول لهذه الجماعة.
الغنوشي من مواليد عام 1941، وهو سياسي ومفكر إسلامي تونسي، زعيم حركة النهضة التونسية .
ولد ببلدة الحامة بالجنوب التونسي وبعد أن أتم دراسته فيها وفي قابس، انتقل للدراسة في جامع الزيتونة وبعد أن نال الشهادة الثانوية انتقل إلى دمشق ليدرس الفلسفة، ثم منها إلى باريس (فرنسا) بنية مواصلة الدراسة في جامعة السوربون عاد إلى بلاده في فترة الستينيات ليعمل بالمعاهد الثانوية حيث درس في السبعينيات مادة الفلسفة. مؤسس حزب حركة النهضة الإسلامي التونسي، غير المعترف به. يتميز الغنوشي بقراءته التجديدية للإسلام السياسي حيث ينادي بحقوق المواطنة (أي تساوي جميع المواطنين في الحقوق و الواجبات بغض النظر عن المذاهب و الديانة).
تلقى الشيخ الغنوشي تعليمه الإبتدائي بالقرية، ثم انتقل إلى مدينة قابس ثم إلى تونس العاصمة حيث أتم تعليمه في الزيتونة. انتقل بعد ذلك إلى مصر لمواصلة دراسته، خصوصا وأنه كان من المعجبين بتجربة عبد الناصر القومية، لكنه لم يستقر بها طويلا وانتقل إلى دمشق في سوريا، حيث درس بالجامعة وحصل على الإجازة في الفلسفة وهناك بدأت تتبلور المعالم الأولى لفكره الإسلامي.
انتقل الشيخ راشد الغنوشي إلى فرنسا لمواصلة الدراسة بجامعة السوربون وبموازاة الدراسة بدأ نشاطه الإسلامي وسط الطلبة العرب والمسلمين، كما تعرف على جماعة الدعوة والتبليغ، ونشط معها في أوساط العمال المغاربة.
تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي (النهضة) في نهاية الستينيات عاد الشيخ الغنوشي لتونس وبدأ نشاطه الدعوي وسط الطلاب وتلاميذ المعاهد الثانوية الذين تشكلت منهم حركة الاتجاه الإسلامي المعروفة بالنهضة.
له العديد من المؤلفات اهمها "طريقنا إلى الحضارة" و "نحن والغرب"و"حق الاختلاف وواجب وحدة الصف"و"حقوق المواطنة في الدولة الإسلامية"و"الحريات العامة في الدولة الإسلامية"و"الحركة الإسلامية ومسألة التغيير". وقد ترجم بعض من كتبه إلى لغات أجنبية، كالإنجليزية، والفرنسة، والتركية، والإسبانية والفارسية. يعتبر الغنوشي من مؤسسي الندوة العالمية للشباب الإسلامي عام 1971 ،
وأحد مؤسسي المؤتمر القومي الإسلامي، الذي يجمع بين التيار القومي العربي والتيار الإسلامي ،وأحد مؤسسي حلقة الأصالة والتقدم، التي تعنى بالحوار الإسلامي المسيحي، والتي تضم عددا من كبار المفكرين الإسلاميين والأوروبيين والأمريكيين.
"الأحرار" أجرت حوارا شاملا مع الغنوشى الذي اجاب عن الأسئلة باستفاضة. وهى أجابات تحمل فكر الغنوشى ورؤيته فكان الحوار ثريا:
- بصفتك من قيادات الحركة الإسلامية فى الوطن العربى... كيف تنظر لمستقبل هذه الحركات؟
- مستقبل الحركة الإسلامية من مستقبل الإسلام نفسه لأن مبرر وجودها خدمة رسالة الاسلام وأمته، امتدادا لعمل النبوة، التي توقفت سلسلة مبعوثيها ببعثة النبي العربي محمد رسول الله عليه السلام ، إلا أن الرسالة لم تتوقف فحاجة البشرية الى توجيهات ربّها حاجة مركوزة في أصل الخلقة، ومعنى ذلك انتقال مهمة التبليغ عن الله وهداية البشرية بإذن ربها الى صراطه المستقيم، من النبي الخاتم الى أمّته وريثة له في الامتداد بالرسالة الى يوم الدّين.
ولقد كان خطاب النبي الى أمته الحاضرة بين يديه والغائبة على صعيد عرفة في آخر حجة له مودعا، واضحا في توريثها الرسالة "فليبلغ الشّاهد منكم الغائب" ولقد استلمت الأمة هذه الوديعة ونهضت بأدائها أفرادا وجماعة كل بحسبه.
فكان أول منجزاتها والرّسول عليه السّلام يسجّى قبل أن يوارى مثواه الأخير أن حققت لدولته الامتداد فبايعت أقرب أصحابه إليه خليفة له، نائبة عن الأمة في إنفاذ الرّسالة، فكان الحرص على ألا يوجد فراغ في هذا الموقع، ذا أولوية على أداء واجب دفن الميّت، وظلّت على امتداد القرون رغم ما حصل من ضروب انحراف تحرص على إقامة الأداة التنفيذية لرسالة الإسلام ألا وهي الحكم.
ولأن وجوب إنفاذ رسالة الإسلام منوطة بالأمة باعتبارها المستخلفة عن الله ورسوله في إقامة الدين، فهي صاحبة الشرعية،
فهي المسئولة عن إقامة الحكم ومراقبته وتقويمه إذا اعوج عودا به الى الصراط المستقيم، أي العدل وفق شريعة الله، ولأن هذا المقصد نسبي في تحققه، فالأمة مسئولة عن الاستدراك على الحاكم واستكمال ما قصر فيه عبر جهود علمائها وإقامة ما يكفي من المؤسسات الأهلية لملء الفراغات التي يتركها الحكم، لا سيما إذا كان الحكم شرعيا أي معترفا بالشريعة مصدرا أعلى للحكم والتشريع حتى وإن قصر عن بلوغ الأمثل، وارتكب مظالم ومنكرات، يمكن أن يجبر ذلك من طريق ما يقوم به العلماء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة المؤسسات كالوقف والمدرسة..
وظل الأمر كذلك على امتداد القرون حتى سقوط آخر صورة للحكم الإسلامي 1924 ، فكانت صدمة كبرى وزلزالا عاتيا فلأوّل مرّة في تاريخ الإسلام تسقط المظلّة الجامعة من فوق الرّؤوس ويتشظى الجسم الإسلامي ، في أعقاب تلك الصدمة ولدت الحركات الإسلامية أي العمل الشعبي المنظّم من منطلق رؤية اسلامية جامعة للإسلام عقيدة وشريعة اقتصادا وأخلاقا دينا ودولة، واعتبار النضال من أجل إعادة بناء دولته وحضارته جهادا إسلاميا واجبا، فما لبث هذا المنظور للإسلام ولإحيائه أن انداح في أرجاء العالم ولا يزال يمتد ويستقطب إليه أوسع تيارات الإسلام المعاصر دافعا الى أضيق الطريق كل محاولات علمنة الإسلام التي جربت ونجحت مع العقائد الأخرى فتم تهميشها أو احتواؤها وإعادة تركيبها على مقاس الحداثة الغربية بما هي إعلاء شئون الدنيا على شئون الدين وتحكيم العقول في النبوات والإنساني في الإلهي.
الإسلام وحده من خلال الحركة الإصلاحية أمكن له أن يستوعب الحداثة بشروطه ولخدمته، مهمشا كل التصورات العلمانية الشمولية المتشددة والجماعات القائمة عليها مستفيدا من كل كسب حضاري يتساوق مع شرائعه ومقاصده. لقد حررت الحركة الإصلاحية الإسلامية الإسلام مما التصق به وكبّله وجمّد فعاليته من تراث انحطاطي أغنوصي، فانطلقت آلياته الاجتهادية والجهادية تحريرا للعقول من ربقة الجمود والتقليد وتحريرا لفاعلية المسلم من عقائد الجبر فدبت الحياة في الجسم الإسلامي الخامد إحياء فكريا وأدبيا وفقهيا ففشت الفكرة الإصلاحية وعمت الحركات الجهادية دار الإسلام بما انكسرت معه موجات الاحتلال، وما تبقى منها هو تحت مطارق المجاهدين.
واضح اليوم تراجع الفكر العلماني المتطرف وفشله والجماعات القائمة عليه في الحلول محل الإسلام أو تطويعه، أو تحقيق انجاز مما وعدت به على مستوى الحكم فلا تحققت في ظلّها وحدة للعرب، ولا تحرير ل فلسطين ، ولا ديمقراطية ولا تنمية اقتصادية، وهو ما أعطى مشروعية للتبشير مجددا ب الإسلام منقذا تحت شعار الإسلام هو الحل، وما حصل في تركيا خلال زهاء قرن من ضياع جريا وراء سراب تقدم على خطا أوربا واتخاذ الإسلام وأمته ظهريا، شاهد على فشل ذريع للمشروع العلماني مقابل ما حققه في سنوات معدودات أبناء المشروع الإسلامي، عودا إلى قيم الإسلام وارتباطا بأمته.
- ماذا عن النماذج المتواجدة داخل العالم العربى؟
- تمثل حركة حماس في المستوى العربي وكذا حزب الله نموذجا لما يمكن للحل الإسلامي أن ينجزه في مستوى مواجهة العدو في ظل موازين قوة مختلة لصالحه خضعت لها الدول والجماعات. ولا يعني شعار الإسلام هو الحل أن المشروع الإسلامي يمتلك حلولا جاهزة كاملة لكل المعضلات المطروحة على أمتنا وعلى البشرية، ولو كان الإسلام كذلك ما كان صالحا لكل زمان ومكان، ولطوى الزمن حلوله منذ العصر الاول،
ولانتفت الحاجة للاجتهاد المتجدد في كل عصر و مصر وحال، ولا يقول بذلك مسلم يمتلك مسكة من عقل وعلم بالإسلام وتراثه. - البعض يرى ان شعار "الاسلام هو الحل" شعار فضفاض يتم استخدامه وتوظيفه بصورة خاطئة..ما رأيك؟
- نعم " الإسلام هو الحل" إذا توافرت الشروط، ومنها الايمان والعلم والعمل بعقائده وشرائعه وشعائره وأخلاقياته ومقاصده وتراثه، وكذا العلم بالواقع المراد البحث له في الإسلام عن حلول، هي بالضرورة متوافرة لديه إن لم تكن بالنص الصريح وهي الأقل عددا فمتضمنة في المقاصد. ولو أن أحدا سأل هل في الإسلام حل للأزمة الاقتصادية التي تجتاح العالم بقيادة الفلسفة الرأسمالية العلمانية الملحدة التي حولت الحياة بكل جوانبها مجالا لسيطرة حفنة من المرابين عبر شركات عابرة للقارات وظفت في خدمتها الدول والجيوش والإعلام والثقافة والسياسة، ودمرت البيئة؟ لقلنا نعم، بالأكيد في شرائع الإسلام ومقاصده القائمة على العدل واقتسام الرزق بين كل الأحياء حلول.
لو طبقت هذه الآية "والأرض وضعها للأنام "الرحمن" "سواء للسائلين" "فصلت" ما احتجنا لمؤتمرات المناخ التي منع الرأسماليون من أن تحد من نهمهم، إلى آيات وأحاديث كثيرة كلّها تؤكد على العدل بين البشر، وأن الله سبحانه خلق هذا الكون بكل خيراته ومدخراته للبشر بل للأحياء جميعا ، وتنهى عن الظلم والاحتكار والإفساد، وتتخذ من قارون وفرعون النّموذج الأفدح للإفساد السياسي والاقتصادي. لو أن جاهلا بالإسلام متهما إياه بالقصور عن حل مشكلات البشرية الاقتصادية مثلا "ألا يعلم من خلق" كلف نفسه عناء مطالعة كتيب صغير للعلامة القرضاوي"مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام"دون حاجة للمطولات، لانزاح عنه هذا الشك، فكثيرا ما يكون الناس أعداء ما جهلوا.
إن الإسلام لم ينزل اليوم حتى نرتاب في قدرته على حل مشكلاتنا فقد جربته الأمة، لقرون مديدة وأنتج حضارة زاهرة، أدارت شئون البشرية لأكثر من ألف سنة. - انت تتحدث عن مثالية مكانها الوحيد هو الجنة؟
- صحيح أنها ليست مثالية فالجنة ليست في الدنيا، حيث العدل نسبي، ولكن التاريخ يثبت أن مجتمعات اسلامية في مراحل تاريخية كثيرة عرفت القضاء على الفقر حتى ما عاد للزكاة من متلقّ، هذا إذا تكاملت حلول الإسلام اندفاعا الى العمل بنيات إيمانية عبادية وقياما لنظام الأسرة المتضامنة وللحكومة العادلة غير النهابة وللمجتمع المدني الناهض المتحرر ولقضاء مستقل وشيوع ثقافة اسلامية تعلي من شأن العمل والإبداع ومخافة الله، وقيام شكل من الوحدة يوفر سوقا واسعة تقوم على الشراكة بين العمل ورأس المال وليس على الاستغلال الربوي، ومحافظة على البيئة بدل تدميرها إرضاء لصنم الربح الذي تتعبد عنده الرأسمالية، الى جانب نظام دفاعي كفء. وكل ذلك وأكثر في الإسلام.
في شرائعه وقيمه ومقاصده حلول لكل مشكلات البشرية إذا توافرت العقول المؤمنة والارادات المصممة، وإذا فشلت تجربة هنا أو هناك بسبب غلو أو قصور أو جهالة عند هذا الشخص أو هذا الحزب أو تلك الدولة، فهي ليست حجّة على الإسلام،فليس في الإسلام كنيسة تحتكر النطق باسمه وإنما الأمة كلها هي المعصومة.
وإذا كان المستقبل تجليا متطورا للواقع، ورغم رداءة هذا الواقع الذي صنع على الرّغم من الإسلام وعلى حسابه، السجون والمهاجر مزدحمة بدعاته، فإن المؤكد أن المستقبل بإذن الله للإسلام ودعاته، فعلى صعيد عالم الأفكار وهو مهم في قراءة المستقبل لم يبق في مواجهة الفكرة الإسلامية شيء مما كان يصارعه، وعمل على الحلول محله من شيوعية وليبرالية علمانية متطرفة وقومية منابذة للدين كلها نفقت وقد اختبرت على صعيد الواقع فتضاءلت أحزابها ولم يبق لشرعية دولها من سند غير العنف والظهير الأجنبي والاستظهار حتى بالعدو الإسرائيلي ولو كان الثمن بناء جدار فولاذي لإحكام الخنق على غزة حاملة المشروع الإسلامي والأمة وراءها ما انتهى اليه المشروع العلماني في مصر من حال مقابل ما غزة الإسلام يجسد حال المشروعين الإسلامي والعلماني ويلقي الضوء على مستقبل كل منهما.
صحيح أن المشروع الإسلامي بلا رأس غير الفكرة، وهو ما يورط تياراته الفائرة غضبا على ما يقترفه النظام الدولي وأتباعه في الأمة من كيد وإجرام، فتتورط في أعمال حمقاء، لا تفيد غير العدو، ولكن ذلك لا ينفي أنها هوامش في التيار الإسلامي يضخمها الإعلام ويمدها بالحياة القمع المحلي والدولي.
الثابت أن ما يسمّى بالإرهاب يجد منابته الأساسية في البيئات المحرومة من الحرية المحكومة بأنظمة فاسدة مدعومة من الغرب بينما البيئة التركية مثلا لم تصلح منابت له. الثابت أن الحركة كسبت معركة الهوية كسبت معركة الرأي العام،
ولذلك يتوقع الجميع أنه كلما توافرت مساحة من حرية التباري بين أنصار الفكرة الإسلامية ومنافستها العلمانية أن الحظوظ الأكبر للفوز إنما هي للفكرة الإسلامية. ومهما ظل الميزان الدولي يحول دون ترجمة ما هو تحت فيما هو فوق فلن يبقى ذلك الى الأبد فالغرب ليس قدرا، هزمنا جناحه الشيوعي وعلى نفس الأرض يختبر اليوم بديله الرأسمالي، المتوحل مع الإسلام وأمته لا يدري كيف يخلص مما اعتاد واستمرأ من تسلط على أمة الإسلام واستغلال،
ولا التخلص من الأخطبوط اليهودي الماسك بخناقه والمانع له من إعادة التفكير في مصالحه باستقلال عنه، حتى ولو انتهى الأمر بقبوله مرغما على التعامل مع عالم اسلامي محكوم لا من بيضه المصنوعين على أعينه بل من سوده السكان الأصليين، وهو لا محالة كائن بإذن الله، إذ الغرب في النهاية عقلاني مصلحي، لا سيما وأن الإسلام بصدد تحوله معطى أساسيا في البنية الغربية بما سيجعل صاحب القرار ملزما بأخذ هذا المعطى بعين الاعتبار كلما كان بصدد اتخاذ قرار يخص الإسلام وأمته كما يفعل اليوم كلما كان بصدد اتخاذ قرار ذي علاقة باسرائيل أو باليهود، الأمر الذي أخذ يضيق به ذرعا. ذلك هو المستقبل كما يتبدى لنا والله أعلم.
- من وجهة نظرك ما التحديات التي تواجه الحركات الإسلامية حاليا؟
- ماذا تعني بالحركة الإسلامية؟ يندرج تحت هذا المفهوم طيف واسع من الجماعات والشخصيات وحتى الدول، الذين يؤمنون بالإسلام عقيدة وشريعة شعائر وأخلاق دين ودولة، ويعملون بذلك في أنفسهم وفي محيطهم الخاص والعام حتى يسود هذا التصور ويعلو باعتباره كلمة الله الأخيرة ودينه الأمثل وصراطه المستقيم الهادي من اتبعه الى السعادة في الدارين، أوجبه سبحانه على عباده وهداهم بكل الرسل اليه وآخرهم النبي العربي محمد رسول الله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. فكل المنتسبين لهذا التصور والناذرين حياتهم ليسود في أنفسهم ومحيطهم أفرادا وجماعات جزء مما يعرف بالحركة الإسلامية
- فما هي التحديات التي تواجه هؤلاء؟
- كثيرة ولا شك، لأن أهدافهم جسام أن يغيروا عالما لا يسير في معظمه وفق هذا التصور بين قوى معادية له عن علم أو جهل وبين أخرى لا مبالية به،قوى لا يقتصر نفوذها على بلاد غير منتسبة للإسلام بل يتعداها الى معظم البلاد التي تنتسب اليه جهلا أو نفاقا فتشارك في الكيد له ولدعاته، وهو ما جعل الإسلام يعيش نوعا من اليتم والغربة بعد انهيار الكيان السياسي العقدي الجامع للأمة والناطق باسمها الذاب عنها يستمد من ذلك شرعيته. لقد نجح أعداء الإسلام في الإطاحة بذلك الكيان، فتشظى الاجتماع الإسلامي وتمزق شر ممزق، فتم اختراق الجامعة الإسلامية على كل المستويات وخصوصا في مستوى النخبة التي أمكن لأعداء الإسلام تنشئتها على أيديهم ومكّنوها على قلتها بالقياس لعامة الجماهير المؤمنة من مفاصل ومراكز القوة والنفوذ في عالم الإسلام فهي في واد والجماهير في واد آخر، وهذا هو التحدي الأول :
انتاج نخبة اسلامية على كل صعيد، نخبة مؤمنة بالإسلام عقيدة وشريعة ناذرة نفسها لرسالته فكرا وعملا، بما يكفل استعادة الإجماع الغائب في الأمة في مجتمعات الإسلام بين النخبة والجماهير، فتكون القيادة في كل المستويات من الأمة تحمل تصوراتها وهمومها، فتطيعها عن وعي وحب لأنها تطيع نفسها، تطيع خالقها الذي أمرها أن تطيع قيادة منها"وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " وهي اليوم ليست منا بل علينا.
إن من أكبر التحديات أمام الحركة الإسلامية انتاج نخبة اسلامية واسعة تغطي كل المجالات على أساس التصور المذكور حاملة لرسالة الإسلام في بسط هذا الوعي برسالته وتعبئة أوسع قطاعات الأمة وتوحيد صفوفها وراء الهدف الاعظم: تحكيم الإسلام في بلاد الإسلام بما يكفل ردم الهوة السحيقة القائمة في معظم بلاد الإسلام بين الدولة والأمة، وبما يحقق أقدارا ومستويات من الوحدة ومن التمثيلية الشعبية والتطبيق الإسلامي باعتبار الإسلام ووحدة أمته إيدولوجية الدولة والأمة. مشكلة الامة الكبرى والأولى اليوم أن الدولة ضد الامة كما ذكر أحد المفكرين. غياب دولة الامة بمعنيين:
الدولة التي تحمل فكرتها والتي تمثل إرادتها، فلا تكون قطرية ولا علمانية ولا منافقة بالإسلام تستخدمه بدلا من أن تخدمه يقف في طريق هذا الهدف الكبير ميزان قوة دولي متغلب، بعد أن نجح في هدم آخر كيان تمثيلي للأمة يقف حارسا بأساطيله الضخمة للحؤول دون قيامه مجددا، والامة منذ قرنين وهي تصارعه وتقاومه ولا تستسلم له رغم ميلان ميزان القوة المادية لصالحه ولكن بقوة معنوية تعززها قوى مادية بسيطة أمكن للامة أن تطرد من أرضها جحافل العدو المدججة بأعتى الأسلحة وشبابها المجاهد يطارد بقاياه، ولن يلبث حتى يدحرها بإذن الله .
فالحرب قبل كل شيء صراع إيرادات واستعدادات للتضحيات، وإيرادات الأمة واستعداداتها للبذل في تصاعد وعلى الضد من ذلك معنويات العدو
ومن التحديات الفكرية الداخلية فشو مذاهب التشدد في بعض أوساط الحركة الإسلامية بأثر رد الفعل والفقه البدوي الزاحف من الصحراء على الحقول الخضراء، ينشر التكفير والضيق بالخلاف والتعدد وما ينتج عن ذلك من تمزيق للاجتماع الإسلامي وتحارب أهلي بين المذاهب سنة وشيعة صوفية وسلفية، بما لا تبقى معه فضل طاقة لمحاربة العدو، ولطالما ما حذرنا صاحب الدعوة عليه السلام من تكفير المسلم وقتاله ومذاهب التشدد منذ الخوارج ما كان له قتال معتبر وإثخان إلا في المسلمين.
ومع أن التشدد صوته عال بفعل نفخ أبواق العدو فيه يبقى أقلية وسط التيار الإسلامي الواسع المعبر عن عموم الأمة بكل مذاهبها.
ومن التحديات الداخلية أيضا ضحالة الرؤية الاستراتيجية العلمية في تحليل الأحداث والصراعات، بما يفسح مجالا واسعا لدى بعض الأوساط للتفسير التآمري والمذهبي الطائفي للأحداث فالعلماني أو الشيعي أو الامريكي أو اليهودي ..دائما متآمر ووراء ما يحدث، حتى عندما تكون أسباب الحدث ظاهرة ولا علاقة لأحدهم بها، بما يضعف أو يعدم من النظر العلمي الموضوعي ومن وظيفة العقل في النقد والتمحيص ودور السّنن، ويجعل الفاعل المسلم دائما ضحية الغير، هذا إذا لم يكن الأمر أفدح بما يفسح أمام الرؤى من مجال لتفسير ما يحدث وفي التخطيط للتعامل معه.
المصدر
- مقال:الشيخ راشد الغنوشى يتحدث ل.الأحرار. حول ضوابط تجديد الفكر الإسلامىنقلا عن صحيفة الأحرار المصرية
للمزيد عن الشيخ راشد الغنوشي
.