هكذا يجب أن يكون الإخوان المسلمون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

من مواقف الإمام الشهيد حسن البنا حيث كتب لإخوانه عن بعض المواقف التربوية التي يجب على الإخوان السير عليها والاهتمام بها فقال:

سبيل الظفر .. عبادة ثم قيادة


هكذا يجب أن يكون الإخوان المسلمون


رأيته شيخًا أشيب قد اجتاز مراحل العمر، وخطا إلى الآخرة، جلست إليه فى صفح نهار، فى صفاء من الوقت، وغفوة من الزمن، ورقة فى الروح، وقد أشرق محياه يلمع بالصلاح والتقوى وصلة القلب بالله، وإن كان مغمورًا فى طوايا المجتمع، خامل الذكر بين الناس تحدثت إليه فقال:

ما اسم جمعيتكم؟ قلت له: إننا لسنا جمعية، ولكن إخوان فى الله فقط نجتمع على عقيدة وفكرة ونحاول أن نحققها فى أنفسنا، ثم نقنع بها الناس، وليست فكرتنا إلا أن تفهم الإسلام والعمل به وحمل الناس عليه! قال: جميل. ومن يدرس لكم فى داركم؟ قلت له: قد أتحدث إلى الإخوان فى كثير من الأحيان، فسكت هنيهة ثم رفع إلى بصره وسأل وهل تقوم الليل؟ قلت له: وماذا تنتظر فى جواب على سؤالك هذا؟ أنفسنا بيد الله إن شاء بعثها وإن شاء أمسكها! فقال: صدق الله ورسوله وكان الإنسان أكثر شىء جدلاً.

يا أخى،إن تربية الأرواح وتزكية النفوس وقيادة القلوب، لا تأتى بهذه الألفاظ تردد، ولا بتلك القواعد تدرس، ولا بالنظريات تلقى، وإن هذه إن أفادت العقل والعلم فإنها بمعزل عن الشعور والروحانية والخلق، وإن الجماعات فى حاجة إلى أرواحها وأخلاقها أولاً، وإن هؤلاء الذين يحاولون الصلاح الخلقى عن طريق الكتب وحدها مخدوعون خادعون، فإن كانت هذه طريقتكم فما أعجزها عن الوصول إلى ما تريدون.

يا أخى،ليس هذا الصلاح النفسانى الذى تنشدون إلا طريق واحدة؛ طريق القدوة الحسنة الموصولة بالله المستمدة من فيضه وفضله وليس لهذه القدوة إلا مكابدة الليل، ومصاحبة القيام، والمناجاة فى الغسق، وأنت تقرأ القرآن وتسمع قول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾[المزمل: 1-6].

يا أخى،فاقد الشىء لا يعطيه، والقلب المنقطع الصلة بالله كيف يسير بالخلق إليه، والتاجر الذى لا يملك رأس المال من أين يربح، والمعلم الذى لا يعرف منهاجه كيف يدرسه لسواه، والعاجز عن قيادة نفسه كيف يقود غيره، ما أشد حاجتكم إلى هذا الصنف من الجهاد؟ إن استطعت أن يكون هذا هو كل ما تحمل عليه من عاهدوك على العمل فهو نجاح ما بعده نجاح، ولقد كان أصحاب محمد رهبانًا بالليل فرسانًا بالنهار أفترى إحداهما انفكت عن الأخرى؟ يا أخى،اجتهد ما استطعت أن تغترف من ذخائر الليل ما توزعه على إخوانك بالنهار، ثم استأذن وقام يتوكأ على عصاه وانساب فى هذا المزدحم من الناس، وما زلت أشيعه بقلب واع حتى غاب.

أيها الإخوان،

لعلكم تستغربون أن أنقل إليكم هذا الحديث فى صحيفتكم وهو يكاد يكون خالصًا، وأنتم تنتظرون منى أن أتحدث إليكم فى هذه الشئون التى يموج بها العالم وتواجهها الأمة الإسلامية جميعًا، وتودون أن أبين لكم موقفكم منها وعملكم فيها وما إلى ذلك مما يهم الجماعات ويأخذ بتفكير الهيئات، فاسمعوا:

إنكم تبتغون غاية جليلة عظيمة، وعليكم أن تدركوا تمامًا أنكم فى صف، مع غايتكم وهذه الدنيا كلها فى صف أنكم تريدون إسلامًا مهيمنًا، وروحانية صافية سابغة، وخلقًا فياضا بالخير، وقلوبًا خفاقة بالرحمة، وسلامًا يظل بجناحيه الدنيا جميعًا، والناس يريدون مادة مهيمنة، ومتعة سابغة وفيرة، وخصومة دائمة يذهب ضحيتها الضعفاء ليستمتع الأقوياء، ولتظل القوة تأخذ بخناق الضعف وهما باقيان أبدًا، فلا تعرف الإنسانية معنى للعدالة ولا تتذوق طعمًا للرحمة، ذلك ما يريد الناس وتريدون، فأنتم فى ناحية والعالم فى ناحية، وإن الناس يستترون بالكذب، ويتعاملون بالخداع والملق، ويفرون من مواجهة الحقائق، وأنتم لا تريدون هذا لأنكم تراقبون فى نفوسكم وعملكم العليم الخبير، فالتباين بينكم وبين الناس -إن صدقتم- تام من كل وجوهه. وأنتم قليل مستضعفون فى الأرض، فقراء من المال، عزًّل من القوة، فليس لكم من سلاح إلا الصلة بالله والاستمداد منه والإيمان العميق به، فإذا سلمت لكم هذه الناحية فقد سلم لكم كل شىء: ﴿إِن يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾[آل عمران: 160] فاجتهدوا أن تكونوا كذلك ولا تقولوا كيف؟ فالطريقة واضحة، كونوا عبادًا قبل أن تكونوا قوادًا، فستصل بكم العبادة إلى أفضل قيادة، واحذروا أن تعكسوا القضية كما يفعل الناس، يطلبون القيادة قبل أن تسلم لهم ناحية العبادة فيخضعون أو يصلون فيضطربون، وأشربوا نفوسكم الحديث القدسى: "من آذى لى وليًا فقد آذنته بالحرب.. وما تقرب إلى عبدى بمثل ما افترضت عليه، ولا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها وإن سألنى لأعطينه وإن استعاذنى لأعيذنه"( ). ففى قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا﴾[النور: 55].

انظر:

جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (3)، السنة الخامسة، 25ربيع الأول 1356ه- 4يونيو 1937م، ص(1، 6).

(1) أخرجه البخارى فى "الرِّقَاقِ"، باب: "التَّوَاضُعِ"، ح(6021).