مقومات رجل العقيدة على طريق الدعوة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقومات رجل العقيدة على طريق الدعوة


بقلم :الأستاذ مصطفى مشهور

مقدمة

الحمد لله الذي هدأنا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدأنا الله ، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .

يقول الله تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون }

هكذا أراد الله للأمة الإسلامية هذه المنزلة الرفيعة من العزة والسيادة وهذا الدور العظيم وهو هداية البشرية إلى الدين الحق الذي ارتضاه الله للناس كافة .

وقد قامت بهذا الدور فترة من الزمان وأوجدت حضارة إسلامية ربانية لا تعدلها حضارة أخرى ، ولما قصر المسلمون في التزامهم بتعاليم دينهم وضعف إيمانهم ضعفت شوكتهم فطمع فيهم أعداؤهم وأجلوهم عن بعض الأقطار التي فتحها الإسلام ثم غزوا بلاد المسلمين بجيوشهم وصدهم المسلمون ولكنهم عادوا واحتلوا معظم البلاد الإسلامية وأبعدوا شريعة الإسلام عن الحكم ونشروا الربا والخمر والميسر والزنا وكل ألوان الفساد بالإضافة إلى حملات التبشير ، ولكنها فشلت في تحويل المسلمين إلى النصرانية فلجئوا إلى تفريغ المسلم من جوهر إسلامه عقيدة وعبادة وخلقا وجهادا وغيرة على الدين بنشر الانحلال ثم تآمروا وأسقطوا الدولة والخلافة وبعد ذلك غرسوا هذا الكيان الصهيوني الخبيث في قلب الأمة الإسلامية كالسرطان ليمزقها ويضعفها وليكون كلب حراسة للأعداء بعد أن اضطرتهم الشعوب الإسلامية إلى جلاء قواتهم عن أراضيهم .

وحرص الأعداء على إثارة الفرقة والنزعات القومية والطائفية بل والحروب بين الأقطار والشعوب الإسلامية .

وتسلط الأعداء على مقدرات أقطارنا الإسلامية لتظل خاضعة لتخطيطهم بطريق مباشر أو غير مباشر من خلال أنظمة حكم تدين لهم بالتبعية .

هكذا صار حال الأمة الإسلامية من الضعف والوهن والهوان والغثائية والتخلف والفرقة والحروب وصار الدم المسلم من أرخص الدماء على وجه الأرض وأنتشر الفساد والانحلال وسوء الأخلاق بين أبناء الشعوب الإسلامية .

هذه الحال لا يرضى عنها أي مسلم غيور فديننا ليس دينا فرديا ولكنه دين أمة واحدة بل جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر . كما أنه ليس دين صوامع وعبادة فقط ولكنه منهاج حياة كامل ينظم كل شئون الدنيا ويسخرها للحياة الباقية في الآخرة .

أن ديننا الإسلام يدعونا إلى الوحدة وإلى القوة وإلى العزة وإلى الجهاد لرد عدوان المعتدين .

ويفرض علينا أن تكون لنا دولة وخلافة وشوكة لحماية المسلمين في كل مكان حماية أرضهم وأرواحهم وأعراضهم وكل حرماتهم وليقوموا بنشر دين الله في أرض الله بين خلق الله .

هذا ما جعل الإمام الشهيد حسن البنا يرى ضرورة قيام المسلمين بإقامة دولتهم وخلافتهم وأن الإسلام يفرض عليهم هذا الواجب الذي تمليه عليهم طبيعة هذه المرحلة التي تمر بها دعوة الإسلام فأنشأ جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق هذا الهدف الكلى الحتمي والذي يعنى في جوهره التمكين لدين الله في الأرض ودعوة الناس كافة إليه { حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } .

ومن منطلق دراسته - رضوان الله عليه - لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتاريخ الأمم والدعوات رسم الطريق لتحقيق هذا الهدف العظيم وتدرج به إلى مراحل متدرجة ومتلاحمة تبدأ بأعداد الأفراد المسلمين القدوة رجالا ونساء ثم بإقامة البيوت المسلمة القدوة ثم المجتمع المسلم وبهذا تتكون القاعدة الصلبة المتينة التي تقوم عليها الحكومة المسلمة على أن يتم ذلك على مستوى الشعوب الإسلامية المختلفة ثم تتحد تلك الحكومات المسلمة لتكون الدولة الإسلامية وعلى رأسها الخلافة الإسلامية .

ووجد رضى الله عنه أن كل هذه المراحل تعتمد أول ما تعتمد على الفرد المسلم النموذج فنجده يتحدث عن الأمم الناهضة والمقومات الواجب توفرها بين أفرادها فيقول ( أنها في مسيس الحاجة إلى بناء النفوس وتشييد الأخلاق وطبع أبنائها على خلق الرجولة الصحيحة حتى يصمدوا لما يقف في طريقهم من عقبات ويتغلبوا على ما يعترضهم من مصاعب أن الرجل سر حياة الأمم ومصدر نهضاتها وأن تاريخ الأمم جميعا إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس ) ثم يقول ( وأن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا وتنهض لمهمة كمهمتنا وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو تتعلل بالآمال والأماني وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف وصراع قوى شديد بين الحق والباطل وبين النافع والضار وبين صاحب الحق وغاصبه وسالك الطريق وناكبه وبين المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين وأن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد والجهد هو التعب والعناء وليس مع الجهاد راحة حتى يضع النضال أوزاره وعند الصباح يحمد القوم السري وليس للأمة عدة في هذا السبيل الموحشة إلا النفس المؤمنة والعزيمة القوية الصادقة والسخاء والتضحيات والأقدام عند الملمات وبغير ذلك تغلب على أمرها ويكون الفشل حليف أبنائها.

بهذه الكلمات الدقيقة شخَّص الإمام الشهيد الداء ووصف الدواء وأوضح أن أول طريق العلاج إحداث التغيير في النفوس فتلك سنة الله { أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }

فكان اهتمامه الشديد بالتربية وبناء الأفراد رجالا ونساء .

ونجده عندما ذكر أركان البيعة وتعرض إلى الفرد المسلم في ركن العمل حدد مقومات عشرة يلزم توفرها في الفرد المسلم ، أولها وأساسها سلامة العقيدة عقيدة التوحيد التي جاء بها الإسلام ثم صحة العبادة ومتانة الخلق وثقافة الفكر وقوة الدن والقدرة على الكسب والنفع للغير والحرص على الوقت وأن يكون منظما في شئونه مجاهدا لنفسه .

كما أوضح في رسالة إلى أي شئ ندعو الناس إلى ( أن تكون الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل إلى قوة نفسية عظيمة تتمل في صفات أربع إرادة قوية لا يتطرق غليها ضعف ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره ).

هذه المقومات وتلك الصفات لا تكتسب بالسماع أو القراءة عنها فقط ولكنها تحتاج إلى التربية و التوجيه و التعهد الدائم ، لذلك تميزت دعوة الإخوان بالاهتمام بالتربية وإعداد الأفراد رجالاً ونساءً ، ولها في ذلك وسائل متعددة خرَّجت ولا تزال تخرِّج نماذج طيبة للفرد المسلم القدوة أخاً كان أو أختاً ، وكذلك البيوت المسلمة النموذج .

ومن ثمار تلك التربية استجابة الإخوان للجهاد في فلسطين ضد عصابات صهيون ولولا التآمر الدولي وحل الإخوان في مصر لكان لقضية فلسطين شأن آخر وجاهدوا في قناة السويس ضد الإنجليز وظهرت بطولات رائعة في هذين الميدانين أذهلت وأفزعت الأعداء .

ولا زالت هذه النماذج تبرز في ميادين الجهاد في بقاع مختلفة من العالم الإسلامي .

وظهرت ثمار التربية أيضا حينما تعرض الإخوان في أقطار مختلفة إلى محن وابتلاءات شديدة من سجن واعتقال وتعذيب وتقتيل وتشريد فصبروا وثبتوا وواصلوا مسيرتهم وهم أكثر صلابة وتمسكا بالحق الذي يناصرونه

{ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين }

ومن منطلق ما اكتسبناه من خبرة وتجربة أثناء سيرنا على طريق الدعوة نرى من حق الأجيال علينا أن نقدم لهم ما يتيسر من هذه الخبرة خاصة حول قضية التربية وإعداد الأفراد وتمثلهم للمقومات والصفات اللازم توفرها فيهم ودور هذه المقومات والصفات في مجالات العمل على طريق الدعوة وهذا ما سنتناوله بإذن الله بشيء من التفصيل ولا نريد أن تشغلنا ميادين السياسة أو الجهاد عن الاهتمام بالتربية ولكن نوائم بين متطلبات هذه الميادين في اتزان وحكمة سائلين الله تعالى العون لنكون أهلا لتأييده ونصره وذلك بأن نتمثل صفات المؤمنين التي وردت في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

مشاعر رجل العقيدة على طريق الدعوة

الدعوة الإسلامية تمر بفترة دقيقة وحساسة توجب على المسلمين أن ينهضوا من كبوتهم وأن يستيقظوا من غفوتهم كي يقيموا دولتهم وخلافتهم ويستردوا أرضهم وعلى رأسها فلسطين والمسجد الأقصى ولكي يؤدوا رسالتهم وهي هداية البشرية إلى هذا الدين الحق الذي ارتضاه الله للناس كافة وحتى قيام الساعة .

والفرد المسلم رجلا كان أو امرأة لكي يؤدى الدور المنوط به في تحقيق هذا الهدف العظيم يجب أن يهيمن عليه جو من المشاعر والأحاسيس التي تتناسب والمهمة التي يتصدى للقيام بها خاصة وأن الفرد هو العنصر الأساسي في كل المراحل التي توصل لإتمام هذا الهدف الإسلامي الكلى والذي توجبه طبيعة المرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية .

لذا نجد الإمام الشهيد حسن البنا يقتبس هذه المشاعر والأحاسيس من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ففي رسالة ( دعوتنا في طور جديد ) يقول : أن النبي صلى الله عليه وسلم قذف في قلوب صحابته بهذه المشاعر الثلاث فأشرقت وانطبعت عليها .

أ - قذف في قلوبهم أن ما جاء به هو الحق وما عداه الباطل وأن رسالته خير الرسالات ومنهجه أفضل المناهج وشريعته أكمل النظم التي تتحقق بها سعادة الناس أجمعين .

ب - وقذف في قلوبهم أنهم ماداموا كذلك مؤمنين بهذا الحق معتزين بانتسابهم إليه فأن الله معهم يعينهم ويرشدهم وينصرهم ويؤيدهم ويمدهم إذا تخلى عنهم الناس ويدافع عنهم إذا أعوزهم النصير وهو معهم أينما كانوا وإذا لم ينهض معهم جند الأرض تنزل عليهم المدد من السماء .

والآيات القرآنية الكثيرة تؤكد هذه المشاعر الثلاث وهي الإيمان بعظمة الرسالة والاعتزاز باعتناقها والأمل في تأييد الله إياها نذكر بعض هذه الآيات الكريمة { فتوكل على الله أنك على الحق المبين }

{ ثم جعلناك على شريعة من الأمر فأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون }
{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا }
{ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج }
{ ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوى عزيز } { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي }
{ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض }

وعندما نتحدث عن مقومات جندي الدعوة الذي تتطلبه هذه المرحلة وتلك المهمة العظمى نقول أننا نحتاج إلى نوعية متميزة ذات خصائص معينة تتفق وما سيلقى على جندي الدعوة من مهام وما سيتعرض له من عنت وابتلاء فهو أحوج ما يكون إلى الإرادة الحازمة والعزيمة الماضية والخلق الإسلامي المتين والزاد الروحي الدفاق المتجدد والبدن السليم الذي يعينه على أداء الواجبات وأعباء الجهاد مع الحيوية والحماس المنضبط ولهذا نجد الإمام الشهيد في نفس الرسالة يقول ( نحن نريد نفوسا حية طموحة متطلعة متوثبة تتخيل مثلا عليا وأهدافا سامية لتسمو نحوها وتتطلع إليها ثم تصل إليها ولابد من أن تحدد هذه الأهداف والمثل ولابد من أن تحصر هذه العواطف والمشاعر ولابد من أن تركز حتى تصبح عقيدة لا تقبل جدلا ولا تحتمل شكا ولا ريبا وبغير هذا التحديد والتركيز يكون مثل هذه الصحوة مثل الشعاع التائه في البيداء لا ضوء له ولا حرارة ).

وحينما يوضح الإمام الشهيد طريق الدعوة لتحقيق أهداف الإسلام الذي استقاه من سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام نجده يقول : ( ولكن الوسيلة في تركيز كل دعوة وثباتها معروفة مقروءة لكل من له إلمام بتاريخ الجماعات وخلاصة ذلك جملتان : إيمان وعمل ومحبه وإخاء ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تركيز دعوته في نفوس الرعيل الأول من أصحابه أكثر من أنه دعاهم إلى الإيمان والعمل ثم جمع قلوبهم على الحب والإخاء فاجتمعت قوة العقيدة إلى قوة الوحدة وصارت جماعتهم هي الجماعة النموذجية التي لابد أن تظهر كلمتها وتنتصر دعوتها وأن ناوأها أهل الأرض جميعا ).

وكما هو معلوم أن طريق الدعوة ليس مفروشا بالورد ولكنه ملئ بالأشواك والعقبات وفي الوقت نفسه طويل وشاق ويحتاج من سالكه إلى الصبر والمصابرة والثبات والجهاد والتضحية والإخلاص .

وقد نبهنا الإمام الشهيد إلى طبيعة طريق الدعوة وما سنلاقيه فيه من محن وابتلاءات كما ذكرنا بعوامل النجاح التي لا تثبت أمامها عقبة من العقبات ولا يقف في طريقها عائق فقال رضوان الله عليه في رسالة ( بين الأمس واليوم ).

( أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لازالت مجهولة عند كثير من الناس ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية وستجدون أمامكم كثيرا من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات أما الآن فلازلتم مجهولين ولازلتم تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد .

سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم وستجدون من أهل التدين والعلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذووا الجاه والسلطان وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم .

وسيتذرع الغاصبون بكل طريق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأخلاق الضعيفة والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظل الاتهامات وسيحاولون أن يلصقوا بكم كل نقيصة وأن يظهروها للناس في أشبع صورة معتمدين على قوتهم وسلطانهم ومعتدين بأموالهم ونفوذهم { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون } وستدخلون بذلك ولاشك في دور التجربة والامتحان فتسجنون وتعتقلون وتقتلون وتشردون وتصادر مصالحكم وتعطل أعمالكم وتفتش بيوتكم وقد يطول بكم الامتحان { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون } ولكن الله وعدكم من ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين .... فهل أنتم مصرون أن تكونوا أنصار الله .

هذا ما أوضح لنا به الإمام الشهيد ما سيعترضنا على طريق الدعوة قبل أن تحدث هذه الابتلاءات بسنوات وكأنما كان يرى بنور الله ولعله لم يكن يتصور أن يحدث تعذيب وقتل بالصورة التي تمت في عهد عبد الناصر وبالوسائل المستوردة التي قام بها زبانيته ومن تبعهم وزادوا عليها وحسبنا الله ونعم الوكيل .

ولكن الإمام الشهيد بعد ذكر العقبات ذكر عوامل النجاح وهي أننا ندعو بدعوة الله وهي أسمى الدعوات ونقدم للناس شريعة القرآن وهي أعدل الشرائع وأن العالم كله في حاجة إلى هذه الدعوة وكل ما فيه يمهد لها ويهيئ سبيلها وأننا بحمد الله برءاء من المطامع الشخصية ولا نقصد إلا وجه الله وخير الناس وأننا نترقب تأييد الله ونصرته ومن نصره الله فلا غالب له .

وهكذا وبعد ذكر هذه المقتطفات من أقوال الإمام الشهيد حول طريق الدعوة وعن المقومات والمشاعر التي يلزم أن تتوفر عند رجل الدعوة وجندي العقيدة ومن خلاصة التجارب التي استفدناها على الطريق بعد استشهاد الإمام الشهيد نقدم للأجيال ثمرات هذه التجارب بما يعينهم على إعداد أنفسهم سائلين الله تعالى أن نكون وإياهم أهلا لتنزل نصر الله علينا وتحقيق الهدف الذي أقام الإمام الشهيد جماعة الإخوان من أجل تحقيقه ألا وهو إقامة دولة الإسلام العالمية وعلى رأسها الخلافة الإسلامية أو بمعنى آخر التمكين لدين الله في الأرض .

العقيدة السليمة والإيمان الصادق

بعد أن أوضحنا الدور العظيم الذي يتصدى للقيام به رجل العقيدة وجندي الدعوة في هذه المرحلة الهامة من عمر الدعوة الإسلامية وهو إرساء القاعدة الصلبة التي يقوم عليها صرح الدولة الإسلامية العالمية وعلى رأسها الخلافة الإسلامية بإذن الله نقول أن المقوم الأساسي له هو العقيدة السليمة والإيمان الصادق .

ولقد أودع الله في فطرة الإنسان هاديا يهدى إلى الله حيث سرت فيه لأول خلقه روح من ربه وأنعقد بينهما عهد عرف به العبد خالقه وأذعن له فإذا استوى وبلغ رشده وجد في نفسه داعية يتجه به إلى الله من جراء ذلك العهد الأول { وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أنا كنا عن هذا غافلين }.

ولقد تخبطت البشرية حول قضية العقيدة وعبادة الله على مر الأزمان فظهر من عبدوا الشمس ومن عيدوا الأصنام ومن عبدوا الشجر ومن عبدوا أنار ومن ألهوا البشر ومن أشركوا مع الله آلهة أخرى ومن قالوا أن الله ثالث ثلاثة ومن قالوا عزير ابن الله ومن قالوا المسيح ابن الله غير ذلك من انحرافات خاطئة .

ولكن عقيدة التوحيد السليمة النقية الخالصة من أي شائبة هي التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والرسل من قبله

فعلى كل مسلم الالتزام بهذه العقيدة السليمة ليصح إسلامه وصار لزاما على رجل العقيدة الذي كرس حياته للتمكين لهذا الدين الحق الذي ارتضاه الله للناس كافة أن يكون سليم العقيدة كي ينشرها بين الناس صحيحة نقية ولينضبط معها سلوكه في هذه الحياة فالمرء يتحرك ويتصرف في حياته من منطلق عقيدته واعتقاده .

وقد اهتم الإمام البنا بقضية العقيدة في أحاديثه وكتاباته وتربيته للإخوان وله رسالة باسم رسالة العقائد تناول فيها بدقة ما يلزم أن يعلمه رجل الدعوة عن قضية العقيدة وما يتصل بها في اعتدال سليم دون غلو أو انحراف كما اهتم كتَّاب الإخوان أيضا بهذه القضية كتبهم وكتاباتهم .

ثم أن العقيدة السليمة تثمر الإيمان الصادق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره والإيمان هو كل شئ بالنسبة للإنسان بل هو الحياة الحقيقة مصداقا لقول الله تعالى { أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } وقوله تعالى { يأيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم } والإنسان الذي لا يؤمن بالله كمثل الأنعام بل أضل { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والأنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم ءاذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون } أما الذين يشركون بالله آلهة أخرى فقد وصف حالهم في قوله تعالى { ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق } وذلك كناية عن القلق والتمزق النفسي وعلى التيه والضياع .

الإيمان مصدر الطمأنينة

أما عقيدة التوحيد والإيمان فيتمتع صاحبها بالاطمئنان والراحة النفسية { الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } ، حيث يشعر المؤمن أنه في رعاية إله كريم رءوف به رحيم فالمؤمن يركن إلى من بيده الأمر كله ويسلم نفسه إليه ويفوض أمره إليه ويلجئ ظهره إليه ويعلم أن لا ملجأ من الله إلا إليه فلماذا يقلق ؟ وماذا يخشى وهو في معية الله ؟ .

فمن كان الله معه لم يفقد شيئا ولم يشعر بحاجته إلى أحد غير الله مهما كان في شدة فالله أعلم بحاله وهو القادر وحده على إنقاذه من تلك الشدة كما أن المؤمن يعلم أن كل ما يقدره الله له هو الخير وأن بدا في ظاهره أنه شر .

{ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}

وبالعقيدة السليمة والإيمان الصادق يصحح المرء مقاييسه وموازينه لتكون ربانية لا مادية فلا تصبح الدنيا الزائلة أكبر همة ولا مبلغ علمه ولا تشغله عن الآخرة التي هي الحياة الحقيقة الدائمة ولكن يعيش دنياه لآخرته فيلتزم في كل أمور حياته صغيرها وكبيرها وفقا لتعاليم الإسلام كما جاءت في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويؤثر ما عند الله على كل متاع الدنيا

والعقيدة مع الإيمان يفجران في النفس كل طاقات الخير والعمل الصالح فيصبح المؤمن كله حيوية ونشاط يحقق الإنجازات الكبيرة في أقل وقت وبأقل جهد مستيعنا بالله دون شعور بعجز أو يأس فتصبح حياته ولو كانت قصيرة حافلة بالعمل والإنتاج المثمر في حقل الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله منفذا لإرادة الله وحكمته في خلقه في هذه الدنيا .

وعلى رأس ما يطلبه منا الإسلام في هذه المرحلة هو التمكين لدين الله في الأرض بإقامة دولة الإسلام وخلافته .

العقيدة بغير علم مفسدة

وهنا يجب أن ننبه إلى أن الطاقات الهائلة التي تفجرها العقيدة في الحياة لابد وأن تكون على هدى من العلم بدين الله وتوجيه الله لأن التلبس بالدين مع الجهالة خطر عظيم وتولد جهودا عمياء وقوة خرقاء تطغى على حدود النظام الاجتماعي طوفاناًً يخرِّب الحياة من حيث يريد أصحابها الإصلاح ويحسبون أنهم مهتدون

والإيمان الصادق يعطى صاحبه طاقة من الصبر والثبات وتحمل الأذى في سبيل الله دون تفريط في هذا الدين الحق ومتطلباته .

وسمية وياسر وبلال وغيرهم خير مثال لذلك بل ومن تعرض من الإخوان في المحن المتتالية إلى الإيذاء والتعذيب الشديدين والحقيقة أن الصبر والثبات من الله لذلك أرشدنا الله إلى الدعاء في مثل هذه الظروف .{ ربنا أفرغ علينا صبرا وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين } .

وهذا الإيمان هو الذي جعل سحرة فرعون بعد إيمانهم لا يخشون تهديد فرعون لهم بتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم وكان ردهم على هذا التهديد : { قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا أنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى}.

- والإيمان يدفع المؤمنين إلى الحب في الله والأخوة والإيثار { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون }

- والإيمان الصادق يدفع إلى الجهاد في سبيل الله دون تثاقل إلى الأرض ويدفع إلى حب الاستشهاد في سبيل الله والتضحية بالنفس والمال في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا .

- والإيمان يجعل صاحبه يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم ولا يداخله تردد ولا يأس فالمؤمن يعلم أن الباطل مهما أنتفش فهو زهوق وأن سنة الله التي لا تتبدل تتمثل في قوله تعالى : { كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض }

- والمؤمن يأخذ بالأسباب ولا يعوِّل عليها ويتوكل على الله حق التوكل وهو مطمئن أن الله كافيه

{ ومن يتوكل على الله فهو حسبه } فيسير على الطريق الصحيح في إقدام واطمئنان متوكلاً على الله موقناً أنه يأوي إلى ركن شديد لا يبالي بالذين يقومون في وجهه يصدونه عن سبيل الله ويبغونها عوجا لا يفتنه منهم إغراء ولا يستخفنه إرهاب لأنه معتصم بالله مستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها .

- والإيمان الصادق يدفع صاحبه إلى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع سنته لأنه يعلم أن طاعة الرسول طاعة الله { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهدا على الناس }

هكذا وبعد هذه الجولة حول دور الإيمان وأثره في حياة رجل الدعوة وجندي العقيدة وقد رأينا أهمية هذا الدور ندعو كل أخ أو أخت إلى وقفة إيمانية يراجع فيها نفسه ومدى تمثله لصفات المؤمنين الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وندعوه كلما قرأ في القرآن آية فيها النداء الحبيب

{ يأيها الذين ءامنوا } أن ينتبه أشد الانتباه إلى ما بعد النداء ليتمثله ولسان حاله يقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا إليك المصير .

العبادة الصحيحة ومفهومها الشامل

لقد خلق الله الإنسان وجعله خليفة له في الأرض والأساس الذي تقوم عليه هذه المهمة هي توحيد الله وعبادته فكانت دعوة رسل الله إلى أقوامهم كل منهم يدعو { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره }

ونجد ذلك في القرآن موجها إلى أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس كافة { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا } { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } { وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون } فرضها علينا لخيرنا ومنفعتنا كي تزودنا بزاد التقوى وزاد التقوى هو الذي يحقق لنا السعادة في الدنيا والفوز بالنعيم في الآخرة والنجاة من النار فالإنسان في هذه الحياة يمر بامتحان ويتعرض إلى ابتلاء وفتن وخير ما يعينه على النجاح في هذا الامتحان وعلى النجاة من الفتن هو زاد التقوى { يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } { أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر } { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } في آيات الحج { وتزودوا فأن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب }.

وهذه الفرائض الأربع لها أحكام كي تصح بها ولا تبطل تناولتها كتب الفقه ولكننا سنتناول صحة العبادة من زاوية أخرى وهي دور القلب في هذه العبادات والأثر الروحي والتربوي الذي تحققه هذه العبادات في نفس المسلم الذي يؤديها حق الأداء فكل عبادة من هذه العبادات لها زادها وأثرها التربوي الذي تتميز به بحيث تتكامل جميعا في بناء شخصية المسلم النموذج.

كما أنها تغطى حياة المسلم فمنها المتكرر يوميا كالصلاة خمس مرات في اليوم ومنها المتكرر شهراً كل عام ومنها ما يتم حسب الأحوال كالزكاة والحج حسب الاستطاعة والإمكان

ومن منطلق حب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخير لأمته سن سننا في هذه العبادات تطوعا لنزداد قربا من الله تعالى .

المفهوم الشامل للعبادة :

وقبل أن نتناول هذه العبادات الأربع بشيء من التفصيل حول الأثر الروحي والتربوي نوضح المفهوم الشامل للعبادة المقصود في الأثر الروحي والتربوي نوضح المفهوم الشامل للعبادة المقصود في قوله تعالى { وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون }

ونقول أنه ليس قاصرا على الفرائض الأربع ولكنه يعنى أن نجعل من كل ما نقوم به في حياتنا من الأعمال عبادة نتقرب بها إلى الله .

فالدعوة إلى الله عبادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة والعمل على التمكين لدين الله في الأرض عبادة والجهاد في سبيل الله عبادة وكل ما يعين على العبادة فهو عبادة فالأكل والشرب إذا جعلنا النية فيهما أن نتقوى على طاعة الله وعبادة الله وتحرينا الحلال وتجنبنا الحرام صار الأكل والشرب عبادة ودراسة الطالب العلم عبادة إذا قصد بها إفادة الإسلام والمسلمين والعمل إذا قصد به خدمه الإسلام والمسلمين وتحقيق الاكتفاء الذاتي مع البعد عن العمل الذي فيه حرمة أو شبهة فهو عبادة وكذلك الزواج وما يتبعه بنية العفة والحصانة وإقامة البيت المسلم القدوة وتنشئة الذرية الصالحة يكون عبادة والرياضة بقصد تقوية البدن لتحمل أعباء الدعوة والجهاد في سبيل الله تكون عبادة وهكذا تصبح حياة المسلم كلها عبادة .

الفرائض الأربع

الصلاة : الصلاة بالنسبة للإسلام بمنزلة الرأس من الجسد وهي عماده ودعامته وركنه وشعيرته وهي الفارق بين الكفار والمسلمين وهي شرط النجاة وحارسة الإيمان وهي الصلة بين العبد وربه وهي قرة العين وراحة الضمير

فرضت ليلة الإسراء والمعراج لأهميتها ومن المفيد أن نتصور عند صلاتنا أن أرواحنا قد عرجت إلى ربها وتركت مشاغل الدنيا لتستمد منه سبحانه الهداية والنور والزاد الروحي

جدير بالمسلم أن يستشعر الشرف العظيم والسعادة الكبرى باستجابته لنداء الله للوقوف بين يديه في بيته يناجيه في الصلاة بكلامه وذكره وتسبيحه ودعائه

هذه السعادة لو عاشها المسلم حقا لجعلته يترقب دخول وقت الصلاة وهو في شوق فلا يغفل عنها ولا يلهيه عنها تجارة ولا بيع ويخرج من الصلاة بزاد روحي يعينه على متاعب الحياة ويحميه من فتنها ومن نزغات الشيطان لذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( وجعلت قرة عيني في الصلاة وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكان يقول أرحنا بها يا بلال ) وكان يقوم الليل حتى تتورم قدماه دون أن يكل أو يمل ويسجد ويطيل السجود حتى تظن السيدة عائشة أنه قبض ذلك لأنه يعيش في سعادة غامرة مع ربه أثناء الصلاة .

تعالوا نتواص بأن نأخذ أنفسنا بجد لنحيا في الصلاة ونسعد فيها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فحينما نستعد لها بالطهارة والوضوء يصاحب ذلك أن نطهر قلوبنا وجوارحنا من كل ما يغضب الله ونستجيب للنداء فورا ونذهب إلى بيت الله لنفوز بثواب الجماعة وبإكرام الله لزوار بيته .

وعندما نتوجه إلى القبلة يصاحب ذلك توجهنا بقلوبنا إلى الله وإخلاص النية وتخليتها من الرياء .

وحينما نرفع أيدينا ونكبر تكبيرة الإحرام لنطرح الدنيا ومشاغلها وراء ظهورنا وتكون قلوبنا مصدقة لألسنتنا ونحن نقول الله أكبر ثم لنعيش معاني دعاء الاستفتاح وتدبر فاتحة الكتاب وما فيها من معان جامعة سامية . كذلك نتدبر معاني آيات القرآن التي نقرؤها أو نسمعها في الصلاة.

أما تكبيرات الانتقال فنجعلها بمثابة تنبيه لتكون قلوبنا مطابقة لألسنتنا وهي تشهد بعظمة الله وكبريائه التي تتضاءل معها كل عظمة وكبرياء يتظاهر بها الملوك والعظماء.

وعند الركوع نستشعر معنى الخضوع لله سبحانه وما يصاحب الركوع من الشعور بالعزة والقوة فلا ننحني إلا لله العلي الكبير ولا ننحني لبشر ولا نخشى إلا الله عن ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ).

والسجود هو أقرب هيئات الصلاة إلى الله وأحبها إليه فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ).

ما أجمل وأروع السجود الخاشع الباكي لله وخاصة في جوف الليل .

ما أعظم السجدة الخاشعة الباكية يسجدها المكروب يشكو فيها بثَّه وحزنه إلى الله فيشعر معها ببرد اليقين وبزوال همه وكربه وانشراح صدره وتيسير أمره .

ما أجمل السجدة الخاشعة في جوف الليل يسجدها المؤمن السجين في زنزانته فتحول السجن والتعذيب بردا وسلاما وصبرا واحتسابا وعزة وقوة ويقينا بنصر الله لعباده المؤمنين الصابرين.

وفي جلسة التشهد نعيش المشاعر الوجدانية السامية مع الله ومع نبيه صلى الله عليه وسلم ومع عباد الله الصالحين ونؤكد في تلك الجلسة أصل الإسلام وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ، وبعد التسليم يكون ختم الصلاة بالتسبيح والحمد والتكبير والدعاء وبهذا نكون قد تزودنا بطاقة روحية قوية نستعين بها على ما نواجهه في حياتنا من مهام ومن عقبات أو قهر أو ظلم .

{يأيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلاة أن الله مع الصابرين } وبهذا الأثر الرباني نبتعد عن الفحشاء والمنكر

وتوزيعها على أوقات الليل والنهار ليتجدد زادها الروحي دائما لذلك يجب أن تؤدى لوقتها .

{ أن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا }

وهذا يجعل المسلم دائما منتبها لوقته مترقبا دخول الصلاة فلا يترك نفسه لمال أو شاغل يستغرق وقته دون أن يدرى {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار }

والصلاة تحقق عند المصلى الشعور بالوحدة بين المسلمين في جميع أنحاء العالم حيث يتجهون جميعا إلى قبلة واحدة وهي بيت الله الحرام.

كما أن المصلين الذين يلتقون في مسجد واحد تتحقق بينهم الألفة والمحبة والتعارف .

والصلاة تحقق روح المساواة والتواضع فالجميع يقفون بين يدي الله في صف واحد الغنى والفقير والوزير والغفير لا فرق بينهم .

والصلاة تعود المصلين النظام وتسوية الصفوف واتباع الإمام وعدم مخالفته أو سبقه وتنبيهه إذا أخطاء أو نسى .كما أن حركات الصلاة لها فوائدها الصحية بالإضافة إلى الطهارة والنظافة التي تحمى من الأمراض

ولقد يسر الله الصلاة على المسلمين حتى لا يحرموا هذا الخير الكبير والأثر العظيم فأباح التيمم وجعل لنا الأرض مسجدا وطهورا كما يسرها على المسافر والمريض وحتى في أوقات الخوف والحرب

وعلى رجل الدعوة وجندي العقيدة ألا يكتفي بأداء الصلوات الخمس ولكن عليه أن يأخذ نفسه بقيام الليل ليكون ممن قال الله فيهم { تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون }

وقد نبه الله رسوله الكريم في أول أيام البعثة إلى قيام الليل إعدادا له لتحمل أمانة الدعوة الثقيلة {يأيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو أنقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا أنا سنلقى عليك قولا ثقيلا } .

صحة العبادة

ذكرنا أن من أهم مقومات رجل العقيدة صحة العبادة وأوضحنا أن المقصود هو حسن أداء العبادة بحيث تحقق أثرها التربوي وتزود صاحبها بزاد التقوى فالتقوى هي ثمرة العبادة كما بينها الله في قوله تعالى { يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون

وقد تعرضنا إلى فريضة الصلاة وبعض آثارها التربوية المطلوبة لكل مسلم عموما ولرجل العقيدة خصوصا وحاولنا أن نعين الأخ المسلم كيف يحيا في محراب الصلاة بقلبه ووجدانه ليكسب هذا الزاد من التربية والتقوى كما يمكن الرجوع إلى كتاب ( الحياة في محراب الصلاة ) ففيه تفصيل أكثر وأدق

ونحاول هنا التعرض بنفس الأسلوب إلى الفرائض الثلاث الأخرى وهي الصوم والزكاة والحج ونعرض إلى بعض الآثار التربوية والزاد الروحي لكل منها وبالله التوفيق .

الصوم : لقد فرض الله شهر رمضان الذي خصه الله بخير كثير تكريما لنزول القرآن فيه بل جع ل ليلة نزوله خيرا من ألف شهر والصوم ليس مجرد الامتناع عن إشباع شهوتي البطن والفرج فترة من اليوم ولكنه حيا ة كاملة مع الله بالقلب والجوارح ومراقبة لله ومجاهدة والتزام بآداب الإسلام وأخلاقه وابتعاد كامل عن كل ما نهي عنه الإسلام من أقوال وأفعال وهكذا نرى شهر الصوم بمثابة مصحة يدخل فيها المسلم شهرا كاملا يعالج فيها من كل العلل والأمراض ليخرج منها مع العيد معافي من كل داء فرحا بصيامه وشفائه

ومن أهم ما يخرج به الصائم من آثار تربوية صفة الإخلاص لله وحن مراقبته فالصوم سر بين العبد وربه والإخلاص من أعظم وألزم الزاد لكل مسلم على طريق الدعوة فلا خير في عمل أو جهد خلا من الإخلاص .

والصوم يقوى إرادة المسلم حيث يجاهد نفسه ويكبح نفسه وشهواته عن الحلال فترة من اليوم طوال الشهر فذلك يعينه على كبحها عن الحرام وقوة الإرادة من ألزم الزاد لرجل العقيدة على طريق الدعوة.

والصوم يكسب الصائم فضيلة الصبر الذي هو من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها رجل العقيدة لتخطى العقبات ومواصلة السير على طريق الدعوة دون ضعف أو وهن أو استكانة .

والصوم يطوع الجوارح كلها لمرضاة الله فتصوم العين والأذن واللسان واليد والرجل والفم والفرج عن كل ما حرم الله وهذا جانب تربوي هام في تكوين شخصية رجل الدعوة وجندي العقيدة .

والصوم يكسب صاحبه فضيلة الحلم على الجاهلين ويكظم غيظه ويرد جهل غيره ويقول أنى صائم

وما أحوج رجل الدعوة إلى سعه الصدر ولين الجانب وعدم الغضب للنفس .

الصوم يربى في قلب الصائم صفة العطف على الفقير والمحتاج فيسود التعاطف والتكافل بين المسلمين

والصوم وخاصة في أيام الحر الشديد يهيئ المسلم للصبر والتحمل في ميادين الجهاد ومجالدة الأعداء

والصوم يدعم معنى الجماعة في نفس الصائم حين يشعر أن المسلمين جميعا في أنحاء العالم يشاركونه أداء هذه الفرصة في نفس الشهر

والصوم يربط المسلم بهذا الكون وما فيه من أقمار ونجوم حيث يربط الصيام والإفطار آخر الشهر برؤية الهلال

ويعود المسلم الدقة في أوقاته حيث يتحرى وقت الإمساك ووقت الإفطار حتى لا يبطل الصوم كما وللصوم آثاره الصحية الطيبة كذلك

الزكاة : أما عن فريضة الزكاة وما تتضمنه من آثار تربوية هامة فنذكر منها :

أن في الزكاة تزكية للنفس وتطهير لها مصداقا لقول الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم به }

و على المزكى أن يعلم أن المال مال الله في يده وأنه عرض زائل يستعين به لأداء رسالته في الحياة وأن إعطاءه الزكاة لمستحقيها ليس تفضيلا منه عليه ولكنه حق معلوم فرضه الله في ماله الذي رزقه إياه

وفي إخراج الزكاة تطوع للنفس وترويض لها على مغالبة حب المال والتعلق به وحث على العطف على الفقراء والمحتاجين والمشاركة في أمور الأمة والدولة الإسلامية والجهاد في سبيل الله

على المسلم أن يشعر أن جمع المال ليس غاية ولكنه وسيلة لاستخدامه في مرضاة الله فيظل في يده ولا يدخل إلى قلبه والمسلم الصادق يعلم أن ما حصل عليه من مال هو من فضل الله عليه وليس بمجرد قدرته الشخصية كما ادعى قارون

الزكاة تربى في نفس المزكي الثقة بالله وبما عنده أكبر من ثقته بما في يده فظاهر الأمر أن الزكاة أخذ من المال أو انتقاص له ولكنه عكس ذلك فهي تنمية ومضاعفة له بعكس الربا الذي ظاهره زيادة للمال وهو في الحقيقة محق له { يمحق الله الربا ويربى الصدقات }

على المزكي ألا يظن أنه نتفضل على من يعطيه الزكاة بل الفقير هو الذي تفضل عليه وأخذ منه الزكاة وكان من الممكن أن يتبادلا المراكز .

فحاجة المزكي لإخراج الزكاة أشد من حاجة الفقير لأخذ الزكاة فالمزكي يرجو من ورائها ثواب الله الذي يدخله الجنة ويزحزحه عن النار أما الفقير فيحتاج الزكاة للغذاء والكساء في الدنيا فعلى المزكي الذي هو أشد حاجة للفقير ليأخذ منه الزكاة أن يسعى إلى الفقير لا أن يسعى إليه هو أن يشكر الفقير لا أن ينتظر الشكر من الفقير .

الزكاة تدفع المسلمين لاستثمار أموالهم بما ينفع المسلمين بدلا من تعطيلها وفي ذلك دعم وتقوية للإسلام والمسلمين .

الآيات والأحاديث التي وردت تحث على الزكاة والأنفاق في سبيل الله تدفع المسلم إلى إيثار ما عند الله وإلى تقديم الخير والزاد ليوم الحساب وتدفع إلى الإسراع في تقديم الخير قبل فوات الأوان

{ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم }

{ وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لو لا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون }

أن شمول فريضة الزكاة لكثير من الثمار والمحاصيل والحيوانات فيه معنى مشاركة الفقير لكل هذه الأنواع وعدم حرمانه من شئ منها بسبب فقره

وهكذا نجد الزكاة عندما نعيش أسرارها كلها عبر دروس يلزم تدبرها والالتزام بها .

الحج : أما عن فريضة الحج فلها أيضا زادها وآثارها التربوية التي تتميز بها إذا أديت على الوجه الصحيح ولأنها تسقط بأدائها مرة في العمر لمن استطاع إليها سبيلا فقد خصها الله بفيض غامر من الزاد الوفير الذي يفيد صاحبه فيعود نقيا كيوم ولدته أمه .{ الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فلأن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب } ، الحاج عندما يبدأ السفر يشعر أنه في ضيافة الرحمن مع ركب من ضيوف الرحمن وزوار بيته الحرام يطرح وراءه كل مشاغل الدنيا ويتوجه إلى الله بقلبه ويخرج من زخارف الدنيا ويلبس ملابس الإحرام متذكرا بذلك خروجه من الدنيا بلباس الكفن فيستعد لهذا اللقاء بخير زاد أنها رحلة بالقلب والروح قبل أن تكون رحلة بالجسد.

التلبية وما تحمله ألفاظها من معاني الاستجابة لداعي الله وتنزيه الله عن الشرك وحمده ورد النعمة والملك له كل ذلك له أثره التربوي في نفس الحاج

عندما يقع بصر الحاج على الكعبة لأول مرة يتملكه شعور بالمهابة والتعظيم وحال من التأثر والرهبة مع ذكر الدعاء المأثور

أن المشاعر التي تصاحب الحاج أثناء الطواف واستلام الحجر الأسود وعند الملتزم وصلاة ركعتين عند مقام إبراهيم والشرب من ماء زمزم والسعي بين الصفا والمروة كلها تحمل معنى الانقياد لأمر الله وتحقيق العبودية بالامتثال والتعظيم والإجلال لله سبحانه وتذكر لموقف سيدنا إبراهيم عليه السلام وزوجته هاجر وأبنهما إسماعيل وكيف امتثلوا جميعا لأمر الله ولم يستجيبوا لوسوسة الشيطان

وفي اجتماع الحجاج من كل أقطار العالم فرصة لتقوية الروابط بين المسلمين وتعارفهم على أحوالهم وما يوجبه إسلامهم عليهم من تعاون ومساندة

ثم وقوف الحجيج على عرفات الله هذا الجبل الذي خصه الله دون الجبال بخير كبير والفيوضات والرحمات التي تنزل على ضيوف الرحمن هذا المشهد العظيم في زي الإحرام والكل يجأر بالدعاء إلى الله فيه تذكير بيوم الحشر .

وفي رمى الجمار تجسيد لمقاومة نزعات الشيطان وتذكر أبينا إبراهيم عليه السلام وزوجه وأبنه إسماعيل عليه السلام .

وفي ذبح الهدى وتوزيعه على المحتاجين قربة لله ورجاء منه أن يعتق الحاج من النار .

وفي طواف الوداع إحساس بفراق أعز الأماكن وأحبها إلى القلب مع رجاء القبول والأمل في العودة فيما يقبل من عمر

هكذا نرى بهذه الجولة المركزية أهمية الآثار التربوية للعبادة الصحيحة التي هي من أهم وألزم مقومات رجل العقيدة على طريق الدعوة نفعنا الله بها وزودنا بزاد التقوى

الخلق المتين ومجاهدة النفس

إذا كانت عقيدة التوحيد وسلامتها تحتل المكان الأول والرئيسي في بناء شخصية الفرد المسلم رجل العقيدة وتحتل العبادة الصحيحة المنزلة الثانية فأن الأخلاق الإسلامية تأخذ المرتبة الثالثة في تكوين المسلم القدرة لأهميتها كذلك .

اهتمام القرآن والسنة بالأخلاق

ولو نظرنا لوجدنا أن نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بلغه للمسلمين وطبق ما جاء به من تعاليم هو الذي حول تلك الأمة الجاهلية التي كانت تمارس من العادات والخلاق السيئة الكثير حولها إلى خير أمة أخرجت للناس

فقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة تعالج الأخلاق تحث على كل خلق فاضل وتذم وتنهي عن كل خلق سيئ وتوضح مجالات تطبيق هذه الأخلاق الفاضلة في حياة المسلم سواء مع نفسه أو مع أهله وزوجه ومع والدته وأقاربه ومع جيرانه ومع إخوانه المسلمين ومع غير المسلمين أيضا وكذلك مع حكامه المسلمين

ثم أن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تعتبر التطبيق الأمثل لهذه الأخلاق التي دعا إليها القرآن وقد حكت لنا السيرة المطهرة والسنة النبوية تفصيلا واضحا لهذا التطبيق ودعانا الله تعالى أن نقتدي برسوله الكريم في قوله تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثيرا }

وفي قوله تعالى على لسان نبيه : { قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم }

ولما سئلت السيدة عائشة رضى الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ( كان خلقه القرآن)

فعلى رجل الدعوة وجندي العقيدة أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شئون حياته فليس هناك مرجع للأخلاق الفاضلة المثلى أفضل من كتاب الله وهدى رسوله صلى الله عليه وسلم .

الأخلاق من الثوابت

والأخلاق الفاضلة من الثوابت التي لا تتغير واللازمة لكل الناس في كل الأزمان وفي أي مكان لتحقق للناس الحياة الطيبة الفاضلة.

وبالإضافة إلى ما تحققه الأخلاق الإسلامية من خير للمسلمين فقد جعل الله امتثالنا له طاعة له وعبادة نؤجر ونثاب عليها كذلك.

كما نعلم أن حقل الدعوة والعمل في سبيل الله للتمكين لدينه وإقامة دولته له مجالاته المتعددة والتي يلزم أن يكون الأخ فيها قدوة حسنة لما يدعو إليه .

فالقدوة العملية أكثر تأثيرا من مجرد الوعظ والتذكير ومن جانب آخر أن لم يكن هو قدوة لما يدعو إليه ربما وضع نفسه مع من قال الله فيهم { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون } أو من قال الله فيهم { يأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } .

والإمام الشهيد عندما ذكر مقومات الفرد المسلم قال أن يكون متين الخلق ولا بد أن نقف وقفة أمام لفظ ( متين )ولعله يقصد أن تصبح الأخلاق الإسلامية جزءا أساسيا في بناء شخصية لا تتعرض للغير أو النقص بتغير الزمان أو المكان أو الأشخاص فهو يلزم بها طاعة لله ورغبة في ثوابه والله رقيب عليه في كل مكان وزمان فيظل الأخ المسلم ملتزما بأخلاقه أحسن الناس حوله أم أساءوا .

حسن الخلق لا يتحقق بمجرد القراءة

ولكن معلوما أن امتثال الأخلاق الفاضلة واجتناب الأخلاق السيئة لا يتحقق بمجرد القراءة عنها وعن فضل هذه وثوابها وعن سوء الأخرى وعقابها ولكن لابد من التمرس على امتثال الفاضلة واجتناب السيئة وهذا يحتاج إلى مجاهدة النفس وترويضها حتى تألفها وتعتادها خاصة وأن في النفس نوازع للشر يسعى الشيطان والنفس الأمارة إلى نموها وسيطرتها فلآبد من المجاهدة المستمرة

فالنفس كالطفل أن تهمله شب على

حب الرضاع وأن تفطمه ينفطم

لذلك كان من المقومات التي ذكرها الإمام الشهيد اللازمة للفرد المسلم أن يكون مجاهدا لنفسه.

* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وأراد الله بحكمته أن يوجد المجتمع المسلم الذي يسوده المناخ الإسلامي الصحيح والذي يساعد الفرد على الاستقامة فدعا الله المسلمين إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل جعل هذا من أسباب خيرية الأمة الإسلامية في قوله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} وما دعا الله ورسوله إليه المؤمنين أن يتناصحوا وأن يذكر بعضهم بعضا والذكر تنفع المؤمنين والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ففي ذلك نجاة من الخسران { والعصر أن الإنسان لفي خسر إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }.

* الإعداد السليم للقاعدة لاستقرار الحكم الإسلامي

وقد اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعداد الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم كقاعدة صلبة يقوم عليها الحكم الإسلامي ليستقر ويعلو ولن تكون قاعدة صلبة إلا على أساس متين من العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والأخلاق المتينة ،وهكذا كان مجتمع المدينة المنورة فلما نزلت التشريعات وجدت الاستجابة السريعة في التنفيذ والالتزام بها .

* من سنة الله في التغيير

ولو نظرنا إلى سنة الله في التغيير مع خلقه نجدها متصلة اتصالا وثيقا بالأخلاق وما تحمله النفوس من خير أو شر وصدق الله العظيم { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }

كما يؤكد التاريخ ذلك وأن بقاء الأمم وذهابها ارتبط إلى حد كبير بالأخلاق وكما يقول الشاعر

إنما الأمم ما بقيت

فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

* أخلاق لازمة للداعية :

وليس المجال هنا مجال تفصيل حول الأخلاق الفاضلة التي يدعو إليها الإسلام والتي هي من ألزم الأمور لرجل الدعوة وجندي العقيدة ولكن سنذكر بعضها على سبيل المثال لأهميتها:

- فرجل الدعوة الذي يدعو الناس ويحتك بهم ويتعامل معهم لابد أن يتحلى بلين الجانب والتواضع والحلم كي يسع الناس ويحلم على من يجهل منهم عليه وقد وجه الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في قوله تعالى { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر }

وأن مقابلة السيئة بالحسنة أمر مطلوب للداعية ويحتاج إلى صبر ونفس عالية

{ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم }

- ومن ألزم الأخلاق لرجل الدعوة الصدق الذي يكسب به ثقة من يدعوهم وما يدعوهم إليه بخلاف الكذب الذي يسقط صاحبه من أعين الناس والله تعالى يدعونا أن تكون مع الصادقين في قوله تعالى { يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين }

فلنلتزم بالصدق ونتحر الصدق في كل أقوالنا وأعمالنا ووعودنا وعهودنا وأن نكون ممن قال الله فيهم

{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا } وطبيعة العمل في حقل الدعوة له التزاماته وعهوده ولا يصلح معه إلا الصدق والوفاء بالعهد { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما }

- والعدل والأنصاف من النفس من الصفات الحسنة والأخلاق الفاضلة للمسلمين عامة وهي لرجل الدعوة أوجب وألزم ففيها إبراز أن الإسلام يهتم بالعدل وتقديم الحق على حظ النفس مع الناس جميعا مسلمين وغير مسلمين { إن الله يأمر بالعدل والإحسان }

{ يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا } .

حقائق مقلوبة حول الأقليات :

وللأسف الشديد فقد شوه أعداء الإسلام الحقيقة وصوروا وكأن غير المسلمين يتعرضون إلى الظلم والقهر في ظل الحكم الإسلامي في حين أن العكس هو الصحيح فغير المسلمين يتمتعون بكل حقوقهم في الأقطار الإسلامية والأخبار اليومية تؤكد ذلك ، أما الأقليات الإسلامية في البلاد .

  • ومن ألزم الصفات أو الأخلاق الفاضلة لرجال الدعوة الجود .

ثقافة الفكر والفهم الصحيح للإسلام

ديننا الإسلامي يحث على العلم والتعلم ويقدر مكانة العقل ومعجزته - القرآن الكريم - تخاطب العقل والوجدان على مر الأزمان ولكل الأجناس

وآياته الأولى أسطع دليل على ذلك

{ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم }

كما يدعو إلى التفكر والنظر في هذا الكون واكتشاف ما أودعه الله فيه من أسرار لتسخيره لخدمة الإنسان

ولقد استجاب المسلمون الأولون لهذا التوجيه وكان لهم الفضل في وضع أسس العلوم الحديثة رغم ضعف الإمكانيات في عصرهم

وإذا كان واجب كل مسلم أن يهتم بالعلم والثقافة فرجال العقيدة الذين يتصدون لتحقيق أعظم إنجاز في هذا العصر وهو التمكين لدين الله بإقامة دولته يصير لزاما عليهم أن يكونوا على مستوى من ثقافة الفكر متناسبا مع المهمة خاصة وأننا في عصر العلم.

*ثقافات أساسية

وأول ما نعنيه من ثقافة الفكر لرجل العقيدة أن يعلم الأسس والأصول التي يقوم عليها الإسلام وما تصح به عقيدته وسلوكه وأن يفهم هذا الدين على أنه منهاج متكامل ينطن كل شئون الدنيا والآخرة وأنه ليس مجرد عبادات وطقوس فقط

وعليه أن يعلم معنى انتمائه لهذا الدين ومتطلباته منه وخاصة في هذه المرحلة من عمر الدعوة بعد إسقاط الدولة والخلافة .

وعليه أن يديم التعرف على أحوال الأمة الإسلامية في الأقطار المختلفة وما تتعرض له وما تحتاجه من عون وطبيعة الصراع القائم بين الإسلام وأعداء الإسلام خاصة والأحداث متلاحقة ومتداخلة

ولما كنا في عصر تتزاحم وتتصارع فيه المبادئ والأفكار فعلى رجل العقيدة أن يجتهد في الإلمام ما استطاع بالتيارات الفكرية خاصة التي تدخل في مواجهات مع الإسلام وعقيدة الإسلام للتعرف على الأسلوب الأمثل لمواجهتها وتفنيدها .

كفاءات في كل مجال :

ولما كان الإسلام منهاجا كاملا للحياة والمطلوب أن نبني أوطاننا على مبادئ الإسلام لزم أن يتوفر بين العاملين لتحقيق هذا الهدف الكفاءات المتخصصة في كل مرافق الدولة بحيث يتحقق الاكتفاء الذاتي في كل المجالات مع الحرص على الارتقاء بمستوى هذه الكفاءات والاستفادة من كل حديث ( فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها ).

* الاهتمام بالمؤسسات التعليمية :

لهذا يجب الاهتمام بمؤسساتنا التعليمية على كل المستويات لتخريج هذه الكفاءات النافعة والإسلام يدعو إلى ربط العلم والثقافة بالخالق سبحانه وتعالى { اقرأ باسم ربك }

فالعلوم الحديثة تكشف لنا كل يوم عن عظمة الله وإبداعه في خلقه بما يولد في النفس الشعور بالإجلال والتعظيم لله

وهكذا لا نريدها ثقافة مجردة ولكنها تنعكس سلوكا وعملا بناء في خير البشرية ومستجيبة لتوجيه الله لعباده ، والقرآن يذكرنا بهذه المعاني في قوله تعالى { إنما يخشى الله من عباده العلماء }

{ ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقينا عذاب النار }

فعلى طلابنا أن يكونوا قدوة لغيرهم في التفوق في دراستهم وعلى كل متخصص في مهنة أو حرفة أن يتقن تخصصه ويرقى بفنه أو حرفته فممارسته لمهنته مع إخوانه المسلمين عبادة وقربة إلى الله .

* الفهم الصحيح :

وثمة مقوم هام من مقومات رجل العقيدة وهو أن يفهم الإسلام الفهم الصحيح الشامل النقي كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيدا عن أي اجتزاء أو انحراف أو خطأ حتى إذا دعونا غيرنا لهذا الدين يجب أن ندعوهم إلي هذا الفهم الصحيح ثم إن الهدف المنشود هو التمكين لهذا الدين في الأرض وتبليغه للناس كافة فمن البديهي أن يمكن له بالفهم الصحيح الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وكما أراده الله دون اجتزاء أو انحراف أو خطأ .

ولقد حاول أعداء الإسلام أن يحصروا الإسلام في أمور العقيدة والعبادة والأخلاق فقط مع ما أدخلوه على هذه الجوانب من نقص وانحراف وأبعدوا عن حياة المسلمين الفهم الشامل للإسلام

ولما قام الإمام الشهيد حسن البنا يدعو إلى هذا الفهم الصحيح الشامل كان مستغربا عند الكثيرين ولكنه رضى الله عنه كان حريصا كل الحرص على تأصيل هذا الفهم الشامل وتخليص الإسلام من الشوائب والبدع والخرافات التي ألحقت به

ولذلك جعل الفهم الركن الأول من أركان البيعة ووضع له أصولا عشرين كإطار يحمى هذا الفهم من أي اجتزاء أو انحراف أو خطأ .

آثار الفهم غير الصحيح :

ولو نظرنا لوجدنا أن السبب في ظهور فرق وشيع مختلفة بين المسلمين هو اختلافهم في فهمهم للإسلام ومدى بعدهم أو قربهم من الفهم الصحيح الواجب اتباعه ومعلوم أن الاختلاف في الفهم يترتب عليه اختلاف في السلوك والعمل

وقد لمسنا ذلك عندما انحرف بعض الأفراد في فهمهم وكفروا غيرهم من المسلمين ولما كان هذا الفكر مخالفا للأصل العشرين تم التصدي له وتفنيده وعدل عنه الكثيرون ولما أصرت عليه قلة تمت مفاصلتهم مفاصلة تامة دون مجاملة .

ولو نظرنا أيضا إلى الساحة الإسلامية اليوم نجد تجمعات إسلامية بينها وبين بعضها لون من ألوان الاختلاف في فهمهما للإسلام فبعضها يركز على جوانب من الإسلام دون الجوانب الأخرى

كما نجد بعض الجماعات في فهمها انحراف أو خطا في بعض الجوانب .

* نريد توحيد الجهود :

والواجب يقتضي أن تبذل الجهود بين قيادات هذه الجماعات لتوحيد الفهم والعودة إلى الفهم الصحيح والبعد عن كل مخالفة له فيساعد ذلك على توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تواجه المسلمين وليكن في حسنا أن أعداء الإسلام يعملون منذ زمن بعيد على تشويه الإسلام وإثارة الشبهات حوله وتكوين بعض الجماعات المشبوهة التي تسئ إلى الإسلام وتساعد على تمزيق وحدة المسلمين

كفانا دفاعا عن الإسلام ورد الشبهات عنه نريد تقديمه بكماله وشموله وقوته واعتداله مستغلين كل حديث من وسائل الإعلام ولن يكون ذلك إلا إذا التزمنا بالفهم الصحيح الشامل للإسلام.

* الإسلام هو الحل

واليوم هناك شعار ( الإسلام هو الحل ) رفعه العاملون في حقل الدعوة الإسلامية وهذا يقتضي أن نقدم الإسلام بشموله وتكامله وأنه منهاج كامل لتنظيم حياة الناس كمجتمعات وكدول وأنه الحل الأمثل بل الوحيد لكل أمور حياتنا لأنه من عند الله

لذلك نجد الإمام الشهيد يوضح ذلك في الأصل الأول من الأصول العشرين تحت ركن الفهم فيقول ( الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء وهو مادة وثروة أو كسب وغنى وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء ).

حملات طائشة :

لقد ظهر في مجتمعاتنا الإسلامية من ينادون بفصل الدين عن الدولة ومن يقولون لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ، وهذا نتيجة جهلهم بحقيقة الدين أو أنهم يعلمون ولكنهم يكيدون وهناك من يحلو لهم تقسيم الإسلام إلى إسلام سياسي وإسلام عقيدي وعبادي ومن يقولون اليسار الإسلامي

أو من يصفون الحكومة الإسلامية بأنها حكومة دينية ذات تفويض إلهي تتحكم في أقدار الناس كيف تشاء .

جميع هؤلاء إن كانوا يجهلون حقيقة الإسلام لا نعذرهم بجهلهم في عصر العلم والمعرفة وإن كانوا يعملون ولكن يحقدون ويكيدون ويريدون التشكيك فنقول لهم :وفروا جهودكم فلن تستطعيوا أن تنالوا من حقيقة الإسلام لأنه دين الله ونور الله ولن يطفئ نور الله بشر

ونعود ونقول للمسلمين عامة والعلماء منهم خاصة أن يحرصوا على إبراز الإسلام بفهمه الصحيح الشامل وتنقيته من كل دخل أو لبس أو بدع وخرافات لينالوا شرف الدعوة إليه وهداية الناس إليه

{ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين }.

* القدوة الحسنة :

ولكي يكون للدعوة الإسلامية الأثر لابد أن يلزم الداعون إليه أنفسهم بكل ما يدعو إليه الإسلام من آداب وتعاليم وسلوك وأخلاق ومعاملات وأن يظهر ذلك في الأفراد والأسر والمؤسسات التجارية والاقتصادية والمؤسسات التعليمية والنوادى الرياضية وكل موقع من حياة المجتمع فالقدوة العلمية أكثر تأثيرا من مجرد الوعظ والإرشاد .

قوة البنية والقدرة على الكسب

قوة البنية : ديننا الإسلام يدعونا للأخذ بأسباب القوة { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة }

ومنها قوة البدن فالجسم القوى يعين صاحبه على العمل ولو كان شاقا ومواصلة السير على طريق الدعوة وحمل الأعباء وبذل الجهود لمواصلة السير .

ونجد الهدى النبوي يتابع مراحل تكوين الإنسان من بدء كونه نطفه بحسن اختيار الزوجة وأثناء وجوده في رحم أمه وبعد ولادته ولإتمام إرضاعه وأثناء طفولته ونموه البدني والعقلي والروحي .

وقد أودع الله في الأم عاطفة الأمومة لتقوم بهذه الرعاية على أحسن وجه كما يحثنا الأثر عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه على أن نعلم أولادنا السباحة والرماية وركوب الخيل وغير ذلك مما يساعد على قوة البدن .

  • ثم أن ديننا الإسلام دين النظافة نظافة الظاهر والباطن فالوضوء للصلاة والاغتسال للجمعة ومن الجنابة والاستنجاء وطهارة البدن والثوب والمكان كل ذلك من ألزم الأشياء لصحة الأبدان ، كما حرم الله علينا الخبيث الضار وأحل الطيب النافع .

وهدى الرسول صلى الله عليه وسلم في الطعام والشراب بأن يكون ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس .والنهي عن الإسراف وكذا النهي عن الإقلال في الطعام بما يضر ويضعف الصحة والتوجيه الإسلامي بأن لا نأكل إلا إذا جعنا وإذا أكلنا لا نشبع ولعل الطب الحديث قد اتفق أخيرا مع هذا الهدى النبوي .

وعلى المسلم ألا يحمل بدنه من الأعمال فوق الطاقة والإجهاد الذي يضر بالصحة فرسولنا صلى الله عليه وسلم يذكرنا بقوله في هذا المعنى :(أن لبدنك عليك حقا ).

  • وحتى العبادات كالصلاة والصوم والحج لها مردودات صحية على البدن بجانب الزاد الروحي كما أن سمو الناحية الروحية واطمئنان النفس إلى جنب الله وهدوء الأعصاب والبعد عن القلق والتمزق الداخلي كل ذلك له مردوده الإيجابي على صحة الأبدان وانتظام أجهزة الجسم في أداء وظيفتها دون اضطراب .

ولما كان طريق الدعوة طويلا وشاقا يتعرض خلاله رجل الدعوة إلى بذل الجهد والسفر والسعي للدعوة إلى الله وإلى الجهاد في سبيل الله ويتعرض أحيانا إلى المحن والابتلاءات لذلك نجد أن قوة البدن من الزم الأمور لرجل الدعوة كي يواصل السير بحيث لا يكون ضعف الصحة عائقا حائلا وجهاده .

لهذا نجد الإمام الشهيد عندما ذكر واجبات الأخ العامل خص قوة البدن بعضا من هذه الواجبات منها :

-أن تبادر بالكشف الصحي العام وأن تأخذ في علاج ما يكون فيك من أمراض وتهتم بأسباب القوة والوقاية الجسمانية وأن تبتعد عن أسباب الضعف الصحي .

-وأن تبتعد عن الإسراف في قهوة البن والشاي ونحوها من المشروبات المنبهة فلا تشربها إلا لضرورة -وأن تمتنع بتاتا عن التدخين .

-وأن تعتني بالنظافة في كل شئ في المسكن والملبس والمطعم والبدن ومحل العمل فقد بنى الدين على النظافة .

-وأن تجتنب الخمر والمسكر والمفتر وكل ما هو من هذا القبيل كل الاجتناب .

-وأن تبتعد عن أقران السوء أصدقاء الفساد وأماكن المعصية والإثم .

وبعد الأخذ بهذه الأسباب وغيرها تتوجه إلى الله بالدعاء كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول :(اللهم عافني في بدني اللهم عافني في سمعي اللهم عافني في بصري لا إله إلا أنت)).

القدرة على الكسب :

الإسلام يدعو إلى السعي لكسب الرزق الحلال ويرفض الكسل والتواكل وسؤال الناس .

ويدعو إلى العمل دون تعال أو تكبر على طبيعة العمل ولو أن يحتطب .

والعمل في الإسلام عبادة يتقرب به المسلم إلى ربه راجيا منه القبول وحسن المثوبة .

كما أن العمل شرف وعزة وسؤال الناس ذلة ومهانة واليد العليا خير من اليد السفلي .

ومطلوب لرجل الدعوة أن يستقر في حياته المعيشية بأن يكون له عمل الذي يتكسب كي يستطيع أن ينطلق في عمله في حقل الدعوة .

ومطلوب منه أن يتزوج ليقيم البيت المسلم القدرة وينشئ الذرية الصالحة التي تعبد الله ويعز الله بها دينه ولن يتحقق ذلك إلا إذا باشر عملا يتكسب منه .

ونذكر هنا بعض الملاحظات والضوابط في مجال عمل رجل الدعوة عليه مراعاتها منها :

-ألا يكون العمل في طبيعته حراما أو مخالفا لتعاليم الإسلام وألا يكون فيه شبهة الكسب الحرام .

-ألا يستحوذ على جهده ووقته أو يشغله عن تكاليف العمل الدعوى المنوط به كما لا يشغله أو يلهيه عن العبادة .

- ألا يغريه الكسب الوفير أن يجعل كسب المال غاية لا وسيلة فينتقل المال من يديه إلى قلبه .فيدفعه ذلك إلى الحرص عليه والبخل به وبذل الجهد في جمعه وصيانته وتنميته والشح به في الإنفاق في سيبل الله ، تكون النتيجة أنه لم يسخر المال لحسابه ولكن المال هو الذي يسخره وصدق الشاعر :

أنت المال أن أمسكته

فإذا أنفقته فالمال لك

-ولنعلم أن المال مال الله الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وهو بعباده خبير بصير .

فعلى المسلم أن يؤدى حق الله في ماله وأن ينفقه في سيبل الله

وعلى رجل الدعوة أن يتقن عمله ويبتعد عن الغش أو الإهمال ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا لن يتقنه )).

وعليه أن يلتزم بكل ما يتفق عليه خاصا العمل من حيث المواعيد والمواصفات أو غير ذلك .

وليعلم أن أجره الحقيقي على عمله هو ثواب الله وليس مجرد الدراهم التي يتقاضاها ممن أدى له العمل .فلتكن نيته خالصة لله حتى لا يحرم هذا الثواب .

-ألا يمنعه وفرة المال عنده من العمل كي يفيد المسلمين بعمله وطاقته وكي لا يحرم ثواب الله ولأن المال معرض للنفاد بسبب أو بآخر .

ونجد الإمام الشهيد لا يغفل قضية العمل والتكسب عند ذكره واجبات الأخ العامل فيقول :

-وأن تزاول عملا اقتصاديا مهما كنت غنيا وأن تقدم على العمل الحر مهما كان ضئيلا وأن تزج بنفسك فيه مهما كانت مواهبك علمية.

-ألا تحرص على الوظيفة الحكومية وأن تعتبرها أضيق أبواب الرزق ولا ترفضها إذا أتيحت لك ولا تتخلى عنها إلا إذا تعارضت تعارضا تاما مع واجبات الدعوة .

-أن تحرص كل الحرص على مهنتك من حيث الإجادة والإتقان وعدم الغش وضبط المواعيد .

-أن تكون حسن التقاضي لحقك وأن تؤدى حقوق الناس كاملة غير منقوصة بدون طلب ولا تماطل أبدا .

هذه الواجبات التي ذكرها الإمام الشهيد حول العمل والتكسب .مما احب أن أنبه إليه أن الواجب على رجل الدعوة أن يحدث التوازن السليم بين عمله المعيشي وعمله في الدعوة بحيث لا يطغى أي منها على الآخر .وألا يدفعه الحرص على مستوى معيشي معين إلى شغل معظم وقته وباقي وقته في عمل إضافي ليزيد من دخله في الوقت الذي يكون العمل في حقل الدعوة أحوج ما يكون لجهد ووقت أمثاله .إذ لا يصلح لسد مثل هذه الثغرات غير رجال الدعوة الذين تربوا فيها وباعوا أنفسهم لله .فلا حرج من الفزع جزئيا أو كليا للعمل الدعوى .وعلينا ألا نجارى الناس في اهتمامهم بالدنيا ومتاعها والجنوح إلى الإسراف والترف والكماليات التي تثقل الكاهل وتدعو إلى الاسترخاء والتثاقل إلى الأرض عند الدعوة للنفير والجهاد في سيبل الله .

ولنذكر جميعا قدوتنا صلى الله عليه وسلم وهو أكرم الخلق عند الله ماذا كان أثاث بيوته وماذا كان ملبسه وماذا كان مطعمه .وكم من مرة أخرجه الجوع من بيته ليجد من يطعمه .

ما أحوجنا إلى أن نخشوشن في حياتنا خاصة وأن الأزمات الاقتصادية تفرض وجودها في معظم أقطارنا الإسلامية .

مضحياً ومجاهدا في سيبل الله - حريصاً على وقته ، نافعا لغيره

يا أكرم الأكرمين لقد رزقتنا نحن وما نملك ملك لك ثم تعرض علينا أن تشترى أنفسنا وأموالنا التي هي ملك لك بثمن غال وهو جنة عرضها السموات والأرض . ما أعظمها تجارة، وما اربحها صفقة .

حقا لك صفقة شروط ومواصفات لكي تتم وفي صفقتنا هذه يلزم توفر شرط الإيمان فقد قال تعالى :

{إن الله يشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة }، كما يتشرط إخلاص النية في الجهاد بأن تكون النية { لتكون كلمة الله هي العليا } .وأنت يا رب الذي تمن علينا بالإيمان وتهبنا الإخلاص صاحب الفضل كله .{يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كتم صادقين }.أي إنسان عاقل تعرض عليه هذه الصفقة العظيمة الغالية ثم يرفض أو يتردد؟ .

ونعلم أنك يا رب غنى عنا وعن جهادنا ولكنه الامتحان ولتمن علينا بالأجر الكبير .{ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله غنى عن العالمين }.{....ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض }.{فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى }. ولكنك يا رب تعلم نفوسنا جبلت على حب المال وكراهية الموت فتعالج ذلك فينا بقولك :{كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون }.وترغبنا في الجهاد والتضحية بالنفس والمال بأسلوب محبب إلى النفوس فتقول:{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سيبل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين }.ما أعظم الأجر وأجزله : نصر وسيادة في الدنيا ونجاة من العذاب ومساكن طيبة في جنات عدن في الآخرة .نعود ونقول أن من سلك طريق الدعوة لتحقيق أعظم وأشرف إنجاز في هذه الدنيا وهو التمكين لدين الله الذي ارتضاه للناس كافة وحتى قيام الساعة لابد وأن يوطن نفسه على الجهاد والتضحية بالنفس والمال.

ورسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابه رضوان الله عليهم ضربوا لنا الأمثلة الرائعة في التضحية والجهاد وعلينا أن نقتدي بهم لنفوز بمثل ما فازوا به من سيادة وعزة في الدنيا وثواب ونعيم إن شاء الله في الآخرة .

فدعوة الحق المتمثلة في هذا الدين الحق تتعرض وأهله إلى الكيد والحرب من أعداء الله أهل الباطل لعلمهم أنها إذا قويت ستزهق باطلهم فهم يحاولون احتواءها أن استطاعوا كما حاول المشركون عندما عرضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم المال والسلطان فأبى ، فلجئوا إلى التشكيك والصد عنها ووصفوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالكذب والجنون والكهانة والسحر والشعر مع أنهم قبل البعثة كان عندهم الصادق الأمين.

ولما فشل أسلوب التشكيك والصد لجأوا إلى الإيذاء والتعذيب وهو أسلوب ضعيف الحجة ولكن من يتذوق حلاوة الإيمان لا يفرط فيه ويتحمل ويصبر.

وعندما تتسع دائرة المؤمنين وتتكون لهم قاعدة لا يصلح التعذيب ويلجأ العدو إلى القتال وترفع راية الجهاد ويتنزل نصر الله على عباده المؤمنين هذه سنة الله في الدعوات الحقة.

ونجد آيات القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تحث المسلمين على الجهاد والفوز بالشهادة في سبيل الله فيقول الله تعالى : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله} ، { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون } وغير ذلك آيات كثيرة.

كما نجد أحاديث نبوية شريفة كثيرة حول الجهاد وشرف الجهاد في سبيل الله والثواب الجزيل على الجهاد وعلى الشهادة في سبيل الله نذكر منها : ( عن أبى هريرة رضى الله عنه قيل يا رسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله ؟ قال لا تستطيعونه فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا تستطيعونه ثم قال : مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد )

(وعن المقدام بن معد يكرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للشهيد عند ا لله ست خصال : يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين ويشفع في سبعين من أقربائه )

حكم الجهاد

وبالنسبة لحكم الجهاد في الإسلام فالمعلوم أن أهل العلم مجتهدين ومقلدين سلفيين وخلفيين أجمعوا على أن الجهاد فرض كفاية على الأمة الإسلامية لنشر الدعوة وفرض عين لدفع هجوم الكفار عليها ولقد مرت على الأمة الإسلامية فترة والمسلمين مستذلون لغيرهم قد ديست أرضهم وانتهكت حرماتهم وحكمهم الكفار وأماتوا روح الجهاد عندهم ولكن هذه الحال أوجبت على كل مسلم أن يتجهز وينطوي على نية الجهاد وإعداد العدة للتحرر ولذلك عندما أنشأ الإمام الشهيد حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين لإعادة بناء الدولة الإسلامية وعلى رأسها الخلافة الإسلامية حرص على بعث روح الجهاد في النفوس فأطلق على دعوة الإخوان دعوة الحق والقوة والحرية وجعل شارتها (سيفان بينهما مصحف وتحتها لفظ وأعدوا)رمزا للآية الكريمة .{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل }.ثم نجد من هتاف الإخوان ضمن الشعارات ((الجهاد سبيلنا ))((والموت في سبيل الله أسمى أمانينا )).

وكتب رسالة عن الجهاد...وتحقق فعلا الجهاد في النفوس ومارسه الإخوان عمليا في فلسطين .وضربوا أروع الأمثلة ولولا تآمر الأعداء ولائهم من حكام العرب لتغير الحال. كما مارس الإخوان الجهاد ضد الإنجليز عند قناة السويس بعد استشهاد الإمام .

وتكررت ممارسات الإخوان للجهاد في أماكن كثيرة على الساحة الإسلامية . ولما كان وعد الله بالتثبيت والنصر والتمكين ورد في القرآن للمؤمنين.{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة }.{وكان حقا علينا نصر المؤمنين }.{وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا }.لذا يلزم أن تصف بصفات المؤمنين لتحقق لنا هذه الوعود ولتتم لنا الصفقة الرابحة ونفوز بالجنة .فعلى رجل الدعوة وجندي العقيدة أن يعرض نفسه على صفات المؤمنين الواردة في كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم صفة صفة ليتبين مدى التزامه بكل صفة منها ويحرص على تحقق هذه الصفات .

التضحية :

أما عن التضحية بالنفس والمال في سبيل الله فإن الشيطان والنفس الأمارة إلى الخوف والجبن والشح والبخل فلا بد من مجاهدتهما وإيثار ما عند الله فهو خير وأبقى .

خالف النفس والشيطان واعصمهما

وإن هما محَّضاك النصح فاتهم

وآيات القرآن الكريمة وأحاديث الرسول كلهما تحث على الإنفاق في سبيل الله والتضحية بالنفس والمال في سبيل الله وتوضح أن هذه الدنيا وما فيها إلى الزوال وأن الحياة الحقة الدائمة هناك في الآخرة فالعاقل من أحسن التجارة الرابحة مع الله .{مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم}.

يا أخي إن كل نعمة أنعم الله عليك بها من وقت وعلم وجهد ومال ونفس هي رأس مالك في هذه التجارة الرابحة فخسارتها جميعا في حق الدعوة والعمل والجهاد في سبيل الله وفي سبيل التمكين لدين واعلم أن الواجبات أكثر من الأوقات والوقت غال جدا فالوقت هو الحياة وأن أي جزء من الوقت يمر عليك دون أن تستثمر فيه هذه النعم في سبيل الله لن تعوضه مرة أخرى لأنه لن يعود إلى يوم القيامة .

ثم إن فرصة هذه التجارة الرابحة معرضة للانتهاء بين لحظة وأخرى بانتهاء الأجل فقد يصبح أحدنا بين أهله ويمسي وحيدا في قبره فالإسراع الإسراع إلى الخير .{أولئك يسارعون في الخيرات وهم سابقون }. والرسول صلى الله عليه وسلم يوضح لنا الثواب العظيم في جزئية من جزئيات العمل في حقل الدعوة .((لأن يهدى الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم )).ومجالات العمل كثيرة .وكيف نبخل بنعم أنعم الله علينا بها وهو صاحبها وقادر على أن يستردها في أي وقت يشاء .فخير لنا أن نقدمها في مرضاته .فكلنا سيموت فلم لا نحسن صناعة الموت وتكون شهادة في سبيل الله وكلنا سيترك ماله وراءه ويواجه الحساب حوله من أين جمعته أمن حلال أم من حرام وهل أديت حق الله فيه فالخير كل الخير أن نقدمه في سبيل الله .{ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغنى وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } .فإلى الجهاد والتضحية وإلزام أنفسنا بصفات المؤمنين وبكل التعاليم التي في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكلنا ثقة واطمئنان أن الله معز جنده وناصر دينه ومظهره على الدين كله ولو كره المشركون .{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون }.{وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم }.

حريصا على وقته -نافعا لغيره

حياة المرء لا تقاس بعدد السنين التي عاشها من مولده إلى وفاته ولكنها تقاس بما قام به في حياة من أعمال وتأثير هذه الأعمال في حياة الناس على الامتداد الأفقي وعلى الامتداد الزمني في الأجيال سوء كان هذا الأثر بالخير والنفع أم بالشر أو بالضر .وبالتالي يكون الأجر وحسن الجزاء أو الوزر والعقاب .ويؤكد هذا المعنى قول الر سول صلى الله عليه وسلم :(من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده دون أن ينقص من أوزارهم شئ )) .والمسلم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر يعلم أن رسالته في هذه الحياة هي عبادة الله والقيام بمتطلبات هذا الدين ويعلم أن الآخرة هي دار الحساب والجزاء فبحسب عمله في الدنيا يكون مصيره في الآخرة .أن الله يحاسب على كل عمل مهما صغر .{فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره }.

ويعلم أنه ليس بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار .ولما كانت حياة المرء في هذه الدنيا قصيرة جدا فلا يجوز لعاقل أن يضيع أي جزء منها دون استغلال فيما ينفعه يوم القيامة وعند قيام الساعة يتصور الناس أنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا عشية أو ضحاها ويقول الشاعر :

دقات قلب المرء قائلة له

أن الحياة دقائق وثوان

فالسعيد من وفقه الله لشغل وقته كله بفعل الخير وما يطلبه منه دينه من الالتزام بالعقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والأخلاق المتينة والدعوة إلى الله وغير ذلك من طاعات .

  • ولما كان رجل الدعوة وجندي العقيدة قد التزم طريق الدعوة لتحقيق الهدف الكبير الذي تفرضه طبيعة الفترة التي تمر بها الدعوة الإسلامية والخلافة الإسلامية من جديد فعليه أن يستشعر ضخامة هذا الهدف وما يحتاجه من جهود كبيرة وما يشمله من مجالات عمل متعددة وما يحتاجه من تضحيات وأن يعلم أيضا ما يناله من شرف وأجر عظيم .فالواجبات والأعمال المطلوبة في حقل الدعوة لتحقيق هذا الهدف العظيم كفيلة أن تشغل أوقات كل العاملين بل يضيق الوقت بهم عن أداء تلك الواجبات ولذلك نجد الإمام الشهيد حسن البنا يقول ((الواجبات أكثر من الأوقات )).وكان رضوان الله عليه يضرب لنا المثل في بذل الطاقة وشغل الوقت وقد بارك الله في عمله لتوفر صدقه وإخلاصه وقد استشهد ولم يتجاوز ثلاثة وأربعين عاما وبعد مضى حوالي عشرين عاما فقط على إنشائه لجماعة الإخوان . فها نحن أولاء نلمس اليوم الأثر الطيب الذي تركه وامتد أفقيا على الساحة العالمية وزمنيا مع الأجيال ولا يزال في نمو الزمن .ولاشك أن العمل الجماعي المنظم والمخطط هو أفضل السبل لحسن الاستفادة من أوقات وجهود العاملين في حقل الدعوة بخلاف العمل الفردي غير المنظم وغير المخطط فكثيرا ما تتشتت فيه الجهود وربما تضادت أو تكررت ولم تتوحد .ومثل رجل الدعوة وحقل الدعوة كمثل إنسان لديه مال وأمامه مشروع استثماري من أنجح المشروعات والمال هنا يقبله كل النعم التي أنعم الله علينا بها من وقت ومال وعلم وصحة وجهد ونفس يمكننا تسخيرها في التجارة الرابحة مع الله والعمل في حقل الدعوة والإفادة بكل هذه النعم لتحقيق أعظم وأشرف هدف وهو التمكين لدين الله .{حتى لا تكون فتنه ويكون الدين كله لله }.وكل أخ يمضى جزء من وقته يعطل هذه النعم ولا يسخرها يكون بذلك قد فقد جزء من رأس ماله لأن أي فترة تمر لا تعود إلى يوم القيامة. وهل يجوز لمؤمن بعد سماعه وقراءته لهذا النداء الحبيب من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين يدعوهم فيه بأسلوب مشرق إلى هذه التجارة الرابحة أن يقصر أو يتردد في تلبيه النداء :{ يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز الكبير وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين } ما أربحها تجارة وما أعظم خسارة من لا يقدم فيها كل ما يملك من إمكانيات وطاقات وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه سلم نموذجا للثواب العظيم في أحد مجالات العمل إذ يقول :(لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم )).كما نجد رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يحثنا على حسن استغلال الوقت والصحة فيقول : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس :الصحة والفراغ)). ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس :عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وماذا عمل فيم علم )).وإذا كان البعض يقول ((الوقت من ذهب )).تقديرا لأهميته فإن الإمام الشهيد يقول ((الوقت هو الحياة )).وهذا يعنى أنه أغلى شئ في هذه الدنيا لأنه يترتب على حسن استغلاله أو سوئه الحياة المصرية في الآخرة .أن رجل الدعوة ربط مصيره بالدعوة وأعطى العهد والميثاق يلزمه أن تتولد عنده حاسة سادسة بجانب حواسه الخمس وهي حاسة الدعوة بمعنى أن يعيش الدعوة بالعصابة وأن تكون هي الشغل له ويسخر لها كل مل يملك من إمكانات .

سلوكنا في السجن

وأذكر بهذه المناسبة أننا عندما كنا بالسجن كنا نشغل أنفسنا بأعمال نافعة يضيق بنا الوقت في إتمامها وربما يظن الكثيرون أن وقت السجن ممل طويل .كذلك عندما كان يحبس أحدنا حبسا انفراديا وحده في زنزانة مغلقة يشغل وقته كله في العبادة من الصلاة وتلاوة القرآن وذكر لله ومناجاة ودعاء إلى غير ذلك .

أوقات تضيع سهوا

هكذا يجب على رجل الدعوة ألا تمر عليه فترة مهما قصرت في سهو أو لغو أو لهو ولكن في طاعة وخير وهناك وقت يضيع على الكثير من الناس في سهو وهو الوقت الذي يقضونه في المواصلات في السيارات أو القطارات أو الطائرات فحبذا لو شغل في ذكر أو قراءة نافعة أو استماع للقرآن أو تلاوة له أو غير ذلك ، ومن مقومات رجل العقيدة أن يكون نافعا لغيره فخير الناس أنفعهم للناس كما أوضح لنا الرسول الله صلى الله عليه وسلم .وأي نفع للناس أفضل من دعوتهم إلى الله وهدايتهم إلى الصراط المستقيم الذي يحقق لهم السعادة في الدنيا والآخرة ونجاتهم من العذاب . والواقع أن الكثير من الناس في غفلة بدرجات متفاوتة ويحتاجون إلى من يوقظهم من غفلتهم ليتداركوا حالهم ويعملوا لآخرتهم قبل أن يحال بينهم وبين العمل ويواجهون الحساب والجزاء لأن الموت يأتي بغيته فقد يصبح المرء بين أهله ويمسي وحيدا في قبره .وتعود الكثيرون عندما يقدمون خيرا أو نفعا لغيرهم أن يكون مقابل نفع يعود أو على الأقل شكرا عليه .

الإخلاص في بذل الخير

وعلى الأخ المسلم أن يروض نفسه على تقديم الخير والنفع لغيره دون نظر إلى نفع أو شكر من الغير ولكنه يبتغى وجه الله وثواب الله وصدق الله العظيم .{ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا}.

وعليه أن يستشعر أن الفضل فضل الله فهو الذي أعطاه ورزقه وهو الذي وفقه إلى بذله في أوجه الخير وليطمئن أن الله يضاعف للمحسن أضعافاً كثيرة وما يقدمه من خير سيجده عند الله {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا }.

من وسائل التأثير بذل الخير :

وفي مجال دعوة الناس إلى الله يلزم أن نفتح مغاليق القلوب كي تستقبل ما ندعوها إليه ولاشك أن تقديم الخير والنفع للغير دون مقابل من أفضل الوسائل للتأثير على الغير وتهيئته لتقبل النصح ولتقويه الرابطة التي تساعد على التعاون على البر والعمل الصالح في حقل الدعوة .وفي مجال الدعوة العامة وكسب الرأي العام لصالح الدعوة الإسلامية يلزم القيام بتقديم الخدمات الاجتماعية والبر بالفقراء والمحتاجين فالمدارس الخاصة الإسلامية والمستوصفات ولجان الزكاة وغير ذلك من الأنشطة الاجتماعية ومشاركة الناس في آلامهم وآمالهم وأفراحهم وأتراحهم كل ذلك مطلوب في مجال العمل العام لنشر الدعوة هكذا ندعو كل أخ أن يكون حريص على وقته يؤنبه ضميره إذا مر عليه جزء من وقته ولو قليلا دون أن يشغله في خير كما أن يكون دائما مصدر خير ونفع لغيره من الناس .

مخلصا لربه .. متجردا لدعوته - وفيا ثابتا منظما

عندما ذكر الإمام الشهيد حسن البنا الإخلاص كركن من أركان البيعة قال :" وأريد بالإخلاص أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت } وبذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم ( الله غايتنا والله أكبر ولله الحمد) والحقيقة أن الإخلاص ثمرة الإيمان بعقيدة التوحيد وإفراد الله بالعبادة والرجاء في ثواب الله يحتم النية الخالصة لله فلا يقصد غير وجه الله{ فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ويوجه الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الإخلاص في قوله تعالى { قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين} { قل الله أعبد مخلصا له ديني }

كما يوجهنا رسولنا الحبيب إلى الإخلاص في الحديث الذي بدأ الإمام البخاري به كتابه الجامع الصحيح لأهميته وهو ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدينا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )

ولكي يكون العمل مقبولا عند الله ويرجى من ورائه الأجر والمثوبة يلزم أن يكون خالصا لوجه الله وأن يكون مطابقا لشرع الله وهدى رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يؤدى متقنا على أحسن وجه أمراض القلوب:

وأمراض القلوب هي التي تفسد الإخلاص وهي أفتك بأصحابها من أمراض الأجسام لأنها تحبط الأجر وتحول دون رضوان الله وتوفيقه ومن هذه الأمراض الرياء والكبر والغرور وحب المال والجاه والسلطان وحب الزعامة وحب الظهور وحب حمد الناس كذلك الحقد والحسد وغير ذلك وهي موجودة عند الكثيرين بدرجات متفاوتة ولكن من يوفقهم الله ويعينهم يقاومونها ويتغلبون عليها بتقوى الله ومراقبته وبالإيمان الصادق القوى المتين ويجب على الأخ دوام مراجعة نفسه والاطمئنان على إخلاصه فالشيطان لا يهدأ ويحاول دائما أن يفسد النوايا ليحبط العمل ويضيع الأجر والثواب وليكن حذرا من الرياء لخفائه وليحذر الأخ من فتنة الشهرة والصيت خاصة الأخوة الدعاة والخطباء الذين يخاطبون الجماهير وتعجب بهم الجماهير وليرجعوا الفضل إلى توفيق الله لهم والعمل في حقل الدعوة من أفضل العبادات التي يطلب إخلاص النية فيها رجاء القبول ورجل الدعوة يتهم نفسه بالتفريط في جنب الله والتقصير في أداء الواجبات ولا يداخله الغرور بعمله والإعجاب بنفسه بل يخشى من سيئاته ألا تغفر ويخاف على حسناته ألا تقبل وفي هذا المجال نورد الحديث التالي ( عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية { والذين يؤتون ما آءتو وقلوبهم وجلة }

قالت عائشة هم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك يسارعون في الخيرات )

وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه خرج يوما إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد معاذ بن جبل قاعدا عند قبر النبي صلى الله عليه مسلم يبكى فقال ما يبكيك ؟ قال يبكيني شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( أن يسير الرياء شرك وأن من عادى لله وليا فقد بارز الله بالمحاربة و أن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإن حضروا لم يدعوا ولم يعر فوا قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة ).

  • والأخ العامل في حقل الدعوة يتعرض إلى مواقف وفتن وامتحانات من خارج الصف ومن داخله وهنا يكون الإخلاص لله له دوره الفعال في النجاة منها والتغلب عليها ويكون الاحتساب عند الله وعدم بروز هوى النفس من ألزم الأدواء في هذه الأحوال

- وفي مجال العمل الجماعي قد يطلب من الأخ تقدم إلى موقع أو تأخر عن موقع فلا يجوز أن يترك ذلك في نفسه غرورا إذا تقدم ولا تبرما إذا تأخر لأنه في كلا الحالين إنما يعمل خالصا لله مبتغيا الأجر والثواب من عند الله

ونزيد على ذلك بأن نقول أن الأخ إذا وجد من هو خيراً منه فيتحمل تبعته تنحى له راضيا وقدمه على نفسه طائعا متمنيا له التوفيق.

والأصل في العمل الجماعي أن يروض كل أخ نفسه لتبادل المواقع مع إخوانه حسب المصلحة وما تقتضيه الظروف ورضى الله عن خالد بن الوليد الذي عزل عن إدارة الجيش وهو القائد المظفر وعمل تحت قيادة أبى عبيدة رضى الله عنه دون تردد أو ضجر

والأخ المسلم المخلص لربه لا تفتر همته في بذل الجهد ومواصلة السير على الطريق ولو لم تظهر له النتائج المبشرة بالنصر فالمطلوب منه العمل وبذل الجهد كله دون تقصير مع إخلاص النية أما النتائج فالله سبحانه هو الذي يرتب لها ويختار لها الوقت المناسب.

وكلما خلصت النوايا من الأغراض الدنيوية قوى الحب والتلاحم والتعاون والفداء بين الإخوان ويصدق فيهم قول الله تعالى { أن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص }.

ويصدق عليهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) في حين أن الشوائب التي تشوب الإخلاص تكون بمثابة الفواصل العازلة التي تحول دون قوة الصف وتلاحمه وتساعد على الفرقة والاختلاف وربما إلى التنازع والفشل

بهذا العرض الموجز نجد أن الإخلاص من ألزم مقومات رجل العقيدة على طريق الدعوة فنسأل الله أن يرزقنا الإخلاص الخالص من أي شائبة وأن تظل مخلصين صادقين حتى نلقاه غير مبدلين ولا مغيرين ولا فاتنين ولا مفتونين آمين.

  • ومن مقومات رجل العقيدة أن يكون متجردا لدعوته يقول الإمام الشهيد : وأريد بالتجرد أن تتخلص لفكرتك عما سواها من المبادئ والأشخاص لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة } { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم أنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده }.

إذا استحوذت فكرة على إنسان واطمأن إليه سخر لها كل ما في وسعه من وقت وجهد وطاقة ومال وغير ذلك ولا يصدر منه قول أو فعل إلا كان من وحي تلك الفكرة فهل هناك أسمى وأعلى وأجمع من هذا الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده والذي به تتحقق للإنسان السعادة والعزة والسيادة في الدنيا والنعيم الخالد والنجاة من النار في الآخرة ؟ فواجب الأخ المسلم رجل العقيدة أن يتجرد لدعوته وأن يعطيها كل ولائه وألا يتخلى عنها تحت أي ضغط أو إغراء فلا شئ يعدلها أبدا وعليه أن يجعلها رائده في كل أمر من أموره العامة والخاصة وهي التي تحدد علاقاته بالغير وحول هذا المعنى يقول الإمام الشهيد : والناس عند الأخ الصادق واحد من ستة أصناف : مسلم مجاهد أو مسلم قاعد أو مسلم آثم أو ذمي معاهد أو محايد أو محارب ولكل حكمه في ميزان الإسلام وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات ويكون الولاء والعداء .

ورجل العقيدة في مجال الدعوة يتعرض إلى فتن وابتلاءات وإلى ضغوط وإغراءات يمتحن بها تجرده لدعوته بأن يتمسك بها ويظل ولاؤه لها أو أن يتخلى عنها مؤثرا غيرها عليها والآية الكريمة التي أوردها الإمام الشهيد عندما تحدث عن التجرد تضرب لنا المثل بسيدنا إبراهيم عليه السلام ومن معه كيف تبرءوا من قومهم وأصنامهم وفيهم الآباء والأبناء والعشيرة

وكذا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان ولاء المسلمين لدينهم ولو أدى إلى مفاصلة آبائهم أو أبنائهم أو عشيرتهم وأموالهم وديارهم .

وعلى طريق الدعوة في عصرنا هذا تعرض الإخوان إلى إيذاء وسجن تعذيب وقتل وإلى ضغوط شتى لصرفهم عن دعوتهم وعن ولائهم لجماعتهم وقيادتهم كان يطلب منهم وهم في السجون إرسال برقيات تأييد لظالمهم ومعذبهم ويضمنونها تخليا عن الجماعة مقابل الإفراج عنهم وعدم قضاء عقوبتهم ورغم ذلك لم يستجب لتلك الضغوط إلا قلة قليلة أما الغالبية فقد ظلت محافظة على تمسكها وولائها لدعوته حتى أن البعض منهم مكث في السجن عشرين سنة متصلة دون أن تلين لهم قناة ودون أن يهتز تجردهم لدعوتهم وولائهم لقيادتهم .

وفيا لعهده ... ثابتا على الطريق ... منظما في شئونه

{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما }

هذه الدرجة العالية من بين المؤمنين بسبب صدقهم ووفائهم لما عاهدوا الله عليه دون تبديل أو تغيير ويقابلها النفاق الذي من آياته خلف الوعد والعهد .

وعلى طريق الدعوة يتعرض سالكه إلى فتن ومحن وابتلاءات تحتاج منه إلى الإيمان الصادق والعزيمة القوية والجهاد والتضحية السخية وما أحوجنا إلى التذكير بأقوال للإمام الشهيد حول طريق الدعوة وما يحتاج من إعداد النفوس وبناء الرجال يقول الإمام الشهيد ( الأمم المجاهدة التي تواجه نهضة جديدة وتجتاز دور انتقال خطير وتريد أن تبنى حياتها المستقبلة على أساس متين يضمن للجيل الناشئ الرفاهية والهناء وتطالب بحق مسلوب وعز مغصوب في مسيس الحاجة إلى بناء النفوس وتشييد الأخلاق وطبع أبنائها على خلق الرجولة الصحيحة حتى يصمدوا لما يقف في طريقهم من عقبات ويتغلبوا على ما يعترضهم من مصاعب )

ثم يقول ( وأن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا وتنهض لمهمة كمهمتنا وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو تتعلل بالآمال والأماني وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف وصراع قوى شديد بين الحق والباطل وبين النافع والضار وبين صاحب الحق وغاصبه وسالك الطريق وناكبه وبين المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين وأن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد والجهد هو التعب والعناء وليس مع الجهاد راحة حتى يضع النضال أوزاره وعند الصباح يحمد القوم السرى) ( وليس للأمة عدة في هذه السبيل الموحشة إلا النفس المؤمنة والعزيمة القوية الصادقة والسخاء بالتضحيات والإقدام عند الملمات وبغير ذلك تغلب على أمرها ويكون الفشل حليف أبنائها )

هكذا نرى أن الإمام الشهيد حينما حدد الهدف العظيم الذي أملته طبيعة المرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية بعد إسقاط الدولة والخلافة فأنشأ جماعة الإخوان المسلمين لإعادة الدولة والخلافة وعلم أن الطريق طويل وشاق وأن هذه الهدف لا بد من العمل الجماعي المنظم ولا بد له من إعداد الأفراد بالتربية كما وضع النظم واللوائح التي تنظم العمل والشروط اللازمة والضمانات هي أركان البيعة ليكون الأخوة حراسا أمناء عليها من أي تبديل أو تغيير وفاء لبيعتهم لذلك لزم لرجل العقيدة على طريق الدعوة أن يكون وفيا لعهده مبصرا لطريقه عالما بما فيه من عقبات ومحن وما يحتاجه من إخلاص وتضحية وجهاد وثقة وثبات وصدق الله العظيم { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما}

وآيات القرآن التي تحث المؤمنين على الوفاء بالعهود وعدم نقضها كثيرة نذكر منها قوله تعالى فأول سورة المائدة { يأيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود } وقوله تعالى في سور ة الرعد { أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق } قوله تعالى في سورة النحل : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون } .

فالوفاء بالعهد لازم لضمان وحدة الفهم الذي يجمع الكلمة ويوحد الصف وضمان لتوفير الإخلاص وللجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله ولمواصلة السير في تضحية وثبات مع توفير الأخوة والثقة وفي السيرة العطرة صور طيبة لمن صدقوا ما عاهدوا الله عليه فصدقهم الله ونصرهم على أعدائهم.

  • والثبات على طريق الدعوة : - من المقومات الأساسية لرجل العقيدة وقد قال الإمام الشهيد عندما تحدث عن الثبات ضمن أركان البيعة ( وأريد بالثبات أن يظل الأخ عاملا مجاهدا في سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا }

والوقت عندنا جزء من العلاج والطريق طويلة المدى بعيدة المراحل كثيرة العقبات ولكنها وحدها التي تؤدى إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة وذلك أن كل وسيلة من وسائلنا الست تحتاج إلى حسن الإعداد وتحين الفرص ودقة الإنفاذ وكل ذلك مرهون بوقته { ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا } لقد أوضح لنا الإمام الشهيد أننا سنلقى خصومة من كثير من الأعداء وأننا سنتعرض للاعتقال والتشريد وتفتيش البيوت ومصادرة الأموال وذلك قبل أن يحدث شئ من ذلك بسنوات

وهذا التوضيح المسبق لطريق الدعوة كان لازما لتوطين النفس وتهيئتها لمواجهة هذه المحن بعزم صادق ويقين بأن هذه المحن هي سنة الله في الدعوات الحقة وقال لنا الإمام الشهيد أنه عندما يحدث لنا ذلك نكون قد بدأنا نسلك سبيل أصحاب الدعوات وأنه قد يطول بكم هذا الامتحان فهل أنتم مصرون على أن تكونوا أنصار الله ؟وقد خبرنا طريق الدعوة وأثناء المحن والفتن قعد البعض أمام بعض العقبات كما انحرف البعض عن الطريق ولكن كان الثبات أمرا هاما وخاصة أثناء المحن وعند الجهاد وملاقاة الأعداء وفي قصة طالوت وجالوت خير مثال لتخطى العقبات وضرورة الثبات ومواصلة السير وعند مواجهة العدو سألوا الله الصبر والثبات { ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله }

  • وعلينا أن نسأل الله دائما وأبدا الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد فيا مقلِّب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك { يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة }

ولا شك أن الإيمان الصادق هو خير عون لصاحبة في الصبر وتخطى العقبات وهو الذي يعين صاحبه على مواصلة السير على الطريق مهما طال وقته وكثرت عقباته فما عند الله خير وأبقى

  • كما أن رابطة الأخوة في الله على طريق الدعوة تعين سالكي الطريق والذكرى التي تنفع المؤمنين والمرء كثير بإخوانه وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على آل ياسر وهم يعذبون فيقول لهم ( صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ) وكان يبشر المؤمنين بأن الله ناصر دينه ومتم نوره ولكنهم يستعجلون
  • وفي عصرنا هذا تعرض الإخوان وغيرهم من الدعاة إلى الله إلى محن شديدة وإلى تعذيب وقتل ولكن الله صبرهم وثبتهم وانتشرت دعوتهم حتى عمت أقطارا كثيرة وما هذه الصحوة الإسلامية إلا ثمرة من ثمار هذا الصبر وهذا الثبات ونحسب أن هذه الصحوة ستؤتى ثمارها الطبية بإذن ربها

منظم في شئونه :

  • وعلى الأخ رجل العقيدة أن يكون منظما في شئونه : فهذه النعم التي أنعم الله علينا بها من وقت وصحة ومال وعلم وغير ذلك تستلزم أن نقدرها حق قدرها وأن نحسن استغلالها ولا تضيع سدى ولن يكون ذلك إلا بالدقة والتنظيم لهذه الشئون خاصة وأن الواجبات أكثر من الأوقات وإذا لم يكن الأخ منظما سيفقد الكثير من وقته وجهده وكذلك الشئون المالية يراعى التوزيع الحسن لها الأهم فالمهم وباقي أموره يجب أن تكون منظمة بعيدة عن الفوضى والارتجال فهذا يوفر عليه الكثير من وقته وماله وجهده هكذا الأخ منظما في كل شئونه في بيته وعمله ومكتبه وكل شئونه .

محباً لإخوانه واثقاً من طريقه :

الأخوة في الله نعمة كبرى بعد نعمة الإسلام ذكر الله لنا ذلك في قوله تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } ويقول تعالى منفرا من الفرقة { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } ويقول تعالى { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم } فالأخوة والوحدة رمزا الإيمان والقوة والتفرق والتنازع رمزا الفشل والكفر فالحب والأخوة في الله بين قلوب المؤمنين العاملين في حقل الدعوة وعلى طريق واحد هو أقوى الروابط يجمع العاملين في صف واحد يشد بعضه بعضا كل يفتدى أخاه بنفسه ويؤثره على نفسه وهم على طريق الدعوة وفي ميادين الجهاد كالبنيان المرصوص لا ينفذ العدو بينهم . هكذا كان المسلمون الأول وكان المهاجرون والأنصار وتحكي لنا السيرة العطرة عندما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار كيف كان الأنصار يؤثر أخاه المهاجرى على نفسه وسجل لهم القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}

وهكذا أعدهم الله على يد رسوله صلى الله عليه وسلم بقوة الإيمان أولا ثم بقوة الحب والوحدة ثانيا استعدادا لمرحلة الجهاد والدفاع عن الإسلام الذي يستلزم التضحية بالنفس والمال وإيثار ما عند الله ويستلزم تلاحم الصفوف في مواجهة الأعداء { أن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } وهكذا اقتبس الإمام الشهيد حسن البنا هذا الطريق من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فركز على قضية الإيمان واهتم كثيرا بالتربية وإعداد الفرد المسلم ثم اهتم بقضية الحب والأخوة وجعلها ركنا من أركان البيعة وجعل أدنى مراتبها سلامة الصدر وأعلاها الإيثار وسمى الجماعة( الإخوان المسلمون ) لتحمل معنى الأخوة مع الإسلام وهيأ النفوس للجهاد في سبيل الله وضرب المثل في ذلك عمليا في حرب فلسطين وكانوا مثالا رائعا في الفداء والتضحية مما أزعج الصهاينة إزعاجا شديدا لذلك نجده رضوان الله عليه يقول تحت عنوان الأخوة عند ذكره لأركان البيعة في رسالة التعاليم : وأريد بالأخوة أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة والعقيدة أوثق الروابط وأعلاها والأخوة أخوة الإيمان والتفرق أخو الكفر وأول القوة قوة الوحدة ولا وحدة بغير حب وأقل الحب سلامة الصدر وأعلاه الإيثار { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه لأنه إن لم يكن بهم فلن يكون بغيرهم وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية والمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } وهكذا يجب أن نكون ورسولنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يربط الإيمان بالحب فيقول ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ويقول ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا إلا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) لقد تذوقنا حلاوة هذه النعمة نعمة الأخوة في الله في أوقات الشدة وأوقات العافية أثناء المحن والابتلاءات والإعنات في السجون والمعتقلات فكان الحب والأخوة بعد الإيمان والصبر خير دواء وراحة في هذا الجو من الإيذاء والتعذيب ثم إن الأخ إذا لقي أخا له في الله في أي بلد أثناء سفره كان له كالواحة الخضراء وسط الصحراء خاصة في بلاد الكفر حقا أنها نعمة من الله وقد قرأت أن أحد أصحاب الملايين مات منتحرا وكتب خطابا ذكر فيه أن كل من يتصلون به إنما طمعا في ماله فلم يشعر بأنس مع أحد منهم وشعر بوحشة وضاقت به الحياة فانتحر

هكذا لم يستطع بماله أن يكسب صديقا خالصا ولكن الشيطان وأعوانه من الجن والإنس يغيظهم أن يجدوا أبناء الدعوة متحابين مؤتلفين فيحاولون النزغ بينهم والتحريش فيما بينهم وقد حذر الله المؤمنين من ذلك بقوله تعالى {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا }. وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور التي نتعامل فيما بيننا بها لنحمى هذا الحب وتلك الأخوة من أن ينال منها الشيطان وأعوانه .فدعانا إلى إلقاء السلام كلما التقينا .ودعانا إلى التبسم في وجوه بعض وأن نشمت العاطس .ونعود المريض .ونعين المحتاج وحتى إذا أخطأ أحدنا وجهنا إلى أسلوب التوجيه كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم يما لا يسىء إلى مشاعر أحد فيقول ((ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا )).وقد أرشدنا بعض الأئمة الفضلاء إلى حكم طيبة في كيفية أداء النصيحة وكيفية استقبالها .فيقول أحدهم ((أد النصيحة على أكمل وجه واقبلها على أي وجه ))ويقول الآخر ((من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ومن وعظ أخاه علانية فقد فضحه وشانه )).فليحرص كل منا على أخوته وحبه لإخوانه من أن ينال منها أحد .وإذا حاك في صدره شئ من أخيه فعليه أن يتبينه فربما كان هناك لبس أو خطأ في فهم وليقبل منه عذره إن اعتذر وصدق الله العظيم { وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم }. فمن غفر لأخيه وعفا عنه عفا الله عنه .فلا يجوز لأخ أن يبقى وصدره غير سليم نحو أحد من إخوانه وإلاعرَّض نفسه للنكث في بيعته في ركن الأخوة .ولنحرص على تمثل صفات المؤمنين مثل قوله تعالى {رحماء بينهم }.{أذلة على المؤمنين }.{والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين }.

إن رجل العقيدة على طريق الدعوة لابد أن يكون واثقا في طريق الدعوة :منهجا وقيادة وأفراد كي ينطلق في عمله بكل طاقاته دون ما تردد أو تشك في صحة ما يقوم به وعدم مخالفته لشريعة الله .

يجب أن يكون واثقا من أنه يسير على الطريق الصحيح في مجال عمله الإسلامي والذي توجبه عليه طبيعة المرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية بعد سقوط الخلافة وما يوجبه الإسلام على كل مسلم ومسلمة من العمل لإعادة الدولة الإسلامية العالمية والخلافة الإسلامية .وأن يكون واثقا من المنهج الذي تسير عليه الجماعة لتحقيق هذا الهدف الواجب والذي يطلق نفس المنهج الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامته للدولة الإسلامية الأولى والمؤسس على قوة العقيدة وقوة الوحدة ثم قوة الساعد والسلاح حينما لا يجدي غيرها .على رجل العقيدة على طريق الدعوة أن يثق ويطمئن إلى هذا المنهاج بأنه سيحقق الهدف بإذن الله وإن كان طويلا بعض الشيء فإن سنة الله لا تتبدل في هذا الصراع بين الحق والباطل مهما انتفش الباطل :{كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال }.{بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق }. فرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن معه غير فئة قليلة من المؤمنين في مكة وحوله المشركين واليهود والفرس والروم ولكنه بسيره هو وصحابته على الطريق الصحيح أيدهم الله ونصرهم وتطهرت الجزيرة من الشرك وأجلى اليهود وفتحت الفرس وقامت دولة الإسلام وانتشر سلطانها وتبدد الظلام وعم النور .واليوم يتعرض الإسلام والمسلمون إلى حملات وتحديات من قوى الباطل بكل أسلحتها الحديثة ولكن لن تفرعنا تلك الحملات بل تدفعنا إلى التزام الصراط المستقيم وشريعة الله ولكي نكون أهلا لنصر الله وكلنا ثقة أن الله يحقق وعده بالنصر والتمكين لعبادة المستضعفين إذا ساروا على طريق الدعوة الصحيح :{ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين }.

وعلى رجل العقيدة أن يثق في قيادته أنها تتحرى شرع الله في كل تصرفاتها ومواقفها وليعلم أنه لا جماعة بدون قيادة ولا قيادة إلا ولها حق الطاعة من الأفراد في غير معصية ويجب أن يتبادلوا الثقة بين القيادة والأفراد والتعاون على النجاح في الوصول إلى الغاية والتغلب على ما يعترضها من عقبات.

تشكيك وتفنيده

ولنعلم أن هناك أعداء يحاولون هز الثقة في صفوف الجماعة يحاولون التشكيك في المنهج والجماعة .ويقولون :أننا كلما ارتفع بناؤنا هدمه العدو عن طريق المحن التي نتعرض لها .وهذا فهم خاطئ فالمحن ليست هدما ولكنها صقل وتمحيص وإعداد للقاعدة الصلبة المتلاحمة التي يقوم عليها البناء ليستمر ويستقر ويعلو ولا يتعرض للانهيار

ويحاول الأعداء هز الثقة في قيادة الجماعة وأنها بسبب خطئها تعرض الأفراد إلى المحن والابتلاءات والتعذيب .وهذا أيضا فهم خاطئ لأن المحن سنة الله في الدعوات الحقة تعرض لها الرسل ومن آمنوا معهم دون خطأ أو تفريط منهم .

- وقد يشكك الأعداء بأن قيادة الجماعة لا تتحرى الحق والشورى عند اتخاذ قرارتها وهذا أيضا كذب وافتراء فالقيادة بفضل الله أول ما تتحرى عند أي موقف رأي الشرع وتنزل عليه كما أنها تلتزم بالشورى التي أوجبها الإسلام .

واجب المسلم عند التشكيك :

وواجب الأخ المسلم إذا بلغه أي صورة من صور التشكيك أن يتبين مصداقا لقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قونا بجهلة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين }.وقد تجد أحداثا على الساحة العالمية أو الساحة الإسلامية تختلف فيها الآراء وتحدث فرقة واختلاف في المواقف .ولكي تحافظ على الجماعة على وحدة صفها يجب على كل فرد :أن يقوم بواجب الشورى .ويلتزم بموقف القيادة الذي تتبناه وأن خالف رأيه .وألا يتأثر بما يثيره البعض من النيل في موقف القيادة .فتمر الأحداث دون أن ينال من وحدة الصف ، لأن نجتمع على الصواب خير من أن نتفرق على الصواب .

أن يصلح نفسه ويدعو غيره

الواجب على رجل العقيدة على طريق الدعوة أن يصلح نفسه ليكون قدوة عملية حسنة متمثلا كل ما يدعو إليه الإسلام من الفضائل بدءا بعقيدة لتوحيد السليمة والعبادة الصحيحة والأخلاق المتينة والفكر المثقف والتنظيم في شئونه و الحرص على وقته .ولكي يكتسب هذه الصفات لابد من جهده الذاتي ثم ما تعاونه الجماعة به من وسائل وأنشطة لإصلاح نفسه .وأساس إصلاح النفس بالعقيدة السليمة والإيمان القوى فأي إصلاح على غير أساس من عقيدة الإسلام لا يرجى منه خير :{ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }.والإيمان القوى هو الذي يقاوم الغرائز السيئة في النفس والتي إذا لم تهذب لانحرفت بصاحبها وأوردته المهالك .وصدق الشاعر :

والنفس كالطفل أن تمهله شب على

حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم .

والإسلام يهذب الغرائز ويرسم لها الطريق الحلال المشروع ولا يقضى عليها .

الشيطان يسعى جاهدا للإغواء والفتنة لا يكل ولا يمل فعلى المسلم أن يكون يقظا متنبهاً وفي كل أوقاته يعرف طريق الهداية فيتبعه وطريق الغواية فيعتزله :{وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون }.

والإيمان القوى ينير الطريق ويوضح الصراط المستقيم والطرق المنحرفة كما أن الإيمان القوى يعين صاحبه على الالتزام بالطريق الصحيح ويحميه من الانحراف ولابد من تجديد الإيمان وتقويته لابد من الزاد على الطريق وخير الزاد التقوى فعلى رجل العقيدة أن تعرف على مصادر الزاد لينهل ولعل كتاب ((زاد على الطريق )) يعين على ذلك .

وعلى رجل العقيدة أن يعود نفسه أن يلزمها بأحسن ما يسمع وما يقرا بالتطبيق العلمى . ونسأل الله أن يجعلنا ممن :{يستمعون القول فيتبعون أحسنه }.ومن الجهد الذاتي في إصلاح النفس :حسن أداء العبادات من الصلاة أو الصوم أو الزكاة أو الحج وأن يعيش هذه العبادات بقلبه لا بجسده فقط فلكل منها آثارها التربوية التي تصلح من يؤديها على وجهها الصحيح ويعيش أسرارها لا ظاهراً فقط .

على رجل العقيدة أن يتمثل الأخلاق الإسلامية الفاضلة بأن يكون قدوة صالحة مقبولا عند الله وعند الناس وخاصة أن كثير من المسلمين قد أهملوا هذا الجانب وانتشرت بينهم بعض الأخلاق السيئة التي لا يقرها الإسلام فنحن في حاجة إلى إبراز الفرد المسلم القدوة رجلا كان أو امرأة خاصة هذا الفرد هو العنصر المشترك في باقي مراحل طريق الدعوة من البيت المسلم والمجتمع المسلم والحكومة المسلمة والدولة الإسلامية فالخلافة الإسلامية .لابد لرجل العقيدة من مثل هذا الجهد الذاتي لإصلاح نفسه مثل قيامه الليل والذكر وتلاوة القرآن وتدبره وحفظ ما يستطيع وكذا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يقرأ ليتفقه في هذا الدين ليعينه ذلك أيضا على دعوة الغير ...

وليعلم رجل العقيدة على الطريق الدعوة أنه بقدر اهتمامه بإصلاح نفسه بقدر ما يستطيع أن يواصل السير على الطريق دون قعود أو انحراف والعكس صحيح خاصة وقد أخبرنا الله تعالى ذلك بقوله :{ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغنى عن العالمين }.وقال لنا البنا (إن لم تكونوا بالدعوة فلن تكونوا بغيرها وهي إن لم تكن بكم فستكون بغيركم وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) فليحرص كل أخ ألا يحرم خير مواصلة السير مع الجماعة وذلك باهتمامه بإعداد نفسه وإصلاحها .

وعلى رجل العقيدة أن يدعو غيره  :

لو نظرنا إلى الساحة الإسلامية لوجدنا كثيرا من المسلمين لا يقدرون معنى انتمائهم للإسلام ومتطلبات هذا الانتماء منهم .فربما وجدنا الكثيرين منهم لا يفهمون إسلامهم الفهم الصحيح الشامل الخالي من البدع والخرافات والانحرافات فهؤلاء يحتاجون إلى من يدعونهم ويعرفونهم ما يجب أن يكون عليه فهمهم .ثم أننا سنجد الكثيرين الذين لا يعلمون أو يطبقون ما يطلبه منهم الإسلام من العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والأخلاق الإسلامية وغير ذلك .ثم أن هناك قضية وواجبا على كل مسلم ومسلمة تفرضه طبيعة المرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية بعد سقوط الدولة والخلافة .هذا الواجب هو ضرورة العمل لإقامة الدولة والخلافة من الجديد على أساس سليم من الدين .فلابد من دعوة المسلمين للقيام بهذا الواجب الذي لو تقاعدوا عنه فإنهم آثمون حيث أنه لا يمكن أن يبقى المسلمون بدون دولة تجمعهم وتحميهم ويمكنوا لهذا الدين عن طريقها .{حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله }. ولا شك أن دعوة المسلمين للمشاركة في أداء هذا الواجب الذي لا يمكن أن يحقق فرديا ولكن لابد من العمل الجماعي المنظم يحتاج إلى جهد ومشقة وتخطيط وصبر وحكمة خاصة وأن العاملين في هذا المجال يتعرضون إلى الإعنات والإيذاء من بعض النظم الحاكمة .ولكن إحياء القلوب بالإيمان أولا ثم الإشعار بأن هذا واجب ديني ثانيا .

يمكن أن يكسب القلوب ويجعلها تستجيب لهذا النداء وتتهيأ لتحمل ما قد تلاقى من عنت وإيذاء مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين تعرضوا للتعذيب بل والقتل تحت التعذيب ولم تلن لهم قناة ولكن صبروا وثبتوا حتى أيدهم الله بنصره والله تعالى يرغبنا في الدعوة إلى الله وأنها شرف عظيم بقوله تعالى {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين } والرسول صلى الله عليه وسلم يرغبنا أيضا في الدعوة إلى الله فيقول ( لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ) وقد تدعو إنسانا فيهديه الله على يديك ويكون في قدر الله أن يجرى على يديه خيرا كبيرا للإسلام والمسلمين فيكون لك مثل أجره دون أن ينقص من أجره شئ قد يحجم البعض عن دعوة غيره خشية الخطأ أو التلعثم وهذا عذر غير مقبول خاصة من رجل العقيدة على طريق الدعوة وأنى أنصح بالتزام الطريقة التالية التي من شأنها أن تجعل الأخ المسلم ( داعية من منازلهم ) دون التخرج من معهد ديني .

- المفروض أن الأخ المسلم يطلع ويقرأ الكتب للتعرف على أمور دينه وفقه دعوته فأقول كلما مر أثناء قراءته بمعنى جيد وتأثر به عليه أن يضع علامة أمامه بالقلم وبعد انتهائه من قراءة الكتاب يسجل هذه المعاني الهامة التي أشار إليها في مجلد جديد فيسجل المعاني التي تأثر بها في الكتاب في بضع ورقات في هذا المجلد ليسترجعها في دقائق كلما أراد لأنه لن يستطع أن يعيها في الذاكرة دون أن تتعرض للنسيان.

- والخطوة التالية هي أن يبدأ في ممارسة الدعوة بأن يجتهد في استيعاب معنى من تلك المعاني ثم ينقله بلسانه إلى أحد إخوانه ثم مع أخ آخر حتى يطمئن إلى أنه صار يمكنه نقله كاملا ودون تلعثم ثم ينتهز فرصة جمع قليل من إخوانه ويذكره لهم حتى تزول من نفسه هيبة الجمع بعد أن أتقن ذكره فرديا .

والخطوة الثالثة أن يكرر ذلك في معنى ثان وثالث ورابع هكذا يجد نفسه بعد قليل يستطيع أن يحدث جميعا كبيرا في عدة معان دون خطأ أو تلعثم وبذلك يصبح داعية مؤثرا في غيره ومن أهم مميزات الداعي إلى الله أن يلزم نفسه بما يدعو غيره إليه وألا يخالفه بل يكون قدوة حسنة وحتى لا يتعرض إلى مقت الله وغضبه عليه لمن يقول ما لا يفعل { يأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون }

- وعلى من يدعو غيره ألا يداخله الغرور حينما يجد تجاوبا ممن يدعوهم بل يرجع الفضل في ذلك إلى الله كما لا يجب أن يداخله اليأس إذا لم يجد التجاوب المأمول فلعل قلة صادقة تستجيب له خير من كثرة استجابتهم سطحية أو وقتية

ومن حكمة الداعي إلى الله أن يخاطب الناس على قدر عقولهم .وأن يمس الواقع الذي يشغلهم .وأن يقدم الحل الإسلامي لهم فهذا ادعى إلى التجاوب .

أن يقيم البيت المسلم القدوة

الفرد المسلم رجلا كان أو امرأة هو اللبنة الأساسية التي يقوم بها وعليه بناء الدولة الإسلامية العالمية وعلى رأسها الخلافة الإسلامية فكما أوضح لنا الإمام البنا في ركن العمل من أركان البيعة في رسالة التعاليم أن مراحل البناء تتدرج ابتداء من الفرد المسلم فالأسرة المسلمة فالمجتمع المسلم فالحكومة المسلمة فالدولة الإسلامية وعلى رأسها الخلافة الإسلامية وأستاذية العالم ، وبقدر إعداد الفرد المسلم إعداداً قويا سليما تكون باقي المراحل قوية سليمة فالواجب على الفرد المسلم أن يقيم الأسرة المسلمة القدوة التي تتمثل الإسلام في كل صغيرة وكبيرة في حياة البيت فتتحرى الحلال وتجنب الحرام وما فيه شبهة { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم }

واتباع هدى الرسول صلى الله عليه وسلم في أعمال اليوم والليلة في مواعيد النوم والاستيقاظ وفي معاملة الخدم والعلاقة مع الجار وحدود العلاقة مع المحارم وغيرهم من الأقرباء وبر الآباء والأمهات ففي هذا المناخ الإسلامي النظيف تنشأ الذرية الصالحة وتكون بحق قرة أعين للوالدين وذخرا للأمة الإسلامية فعلى الأخ المسلم حين تتهيأ له أسباب النكاح أن يحسن اختيار شريكة حياته وأن يلتزم بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك في حديثه الشريف ( تنكح المرأة لأربع : لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) وكذلك الواجب على أهل العروس أن يلتزموا توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) يخطئ بعض الشباب وبعض الفتيات ويظنون أن السعادة الزوجية لا تتحقق إلا بالمسكن الفاخر والأثاث الفاخر والملابس والأدوات والسيارة وغير ذلك من متع الدنيا وزخارفها وهذا فهم خاطئ فليست هذه مصادر سعادة ولكن السعادة من داخل النفس بتقوى الله ( ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقى هو السعيد) .

فحينما تتوفر التقوى لدى كل من الزوج والزوجة يتبادلان الثقة والراحة والسكن والمودة والرحمة فكل منهما يعلم أن الآخر يتقى الله ويراقبه ولا يدخل الشيطان بينهما بريب أو شكوك أو ظنون يتحقق بينهما قول الله تعالى { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } فعلى الزوج والزوجة الاعتدال في مصاريف الحياة بين الإسراف والتقتير فليست الدنيا دار الاستقرار والنعيم ورسولنا صلى الله عليه وسلم معروف لدينا كيف كان حاله في بيوته من أثاث أو طعام أو لباس أو غيره وعلى الزوج والزوجة أن يتفاهما حول تحديد دائرة المعارف والأصدقاء لتفادى التورط في علاقات مع أحد من أهل السوء مع تحديد مدى العلاقة بهم .

وعل الزوج أن يستشعر مسئوليته العظيمة أمام الله عن رعايته للأسرة :بدنيا وروحيا وعقليا مع التركيز على الجانب الروحي الذي يترتب عليه الحياة المصيرية امتثالا لقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون }.وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته ....)).وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء خيرا فقال (خيركم خيركم لأهلة وأنا خيركم لأهلي ) .

الزواج كشركة مديرها الرجل وللزوجة دور كبير في حسن سير الحياة داخل الأسرة فلا يهمل الزوج دورها بل يساعد أيضا في بعض أعمال البيت فذلك يؤلف القلوب وعلى الزوج والزوجة أن يتعاونا في تنشئة الأبناء تنشئة إسلامية صالحة .وعلى رب الأسرة أن يضفي جو البهجة على الأسرة ويحقق لها ألوانا من التسرية والترويح الخالية من الإثم .وعلى الزوجة المسلمة القدوة أن تشجع زوجها على القيام بواجباته نحو إسلامه من عمل وتضحية وجهاد .وعلى الزوج أن يكون يقظ الضمير حذرا مما تحذر منه الآيات الكريمة {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وأن تغفروا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم }.إن دور الزوجة والأم المسلمة في حقل الدعوة لا يقل خطورة وأهمية عن دور الرجل فهي مربية الأجيال وصانعة الرجال فعليها أن تحسن رعايتهم وتجنبهم قرناء السوء وتعلمهم أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور الحياة اليومية وعند الاستيقاظ وعند تناول الطعام والفراغ منه وعند قضاء الحاجة والفراغ منها وعند لبس الملابس وخلعها وهكذا فالذرية إذا أحسنت تربيتها تكون نعمة وقرة عين ويدعون لوالديهم بعد وفاتهم (ويرعونهم عند تقدمهم في السن ) أما إذا حدث تقصير في التربية فإنها تتحول إلى نقمة ومصدر إعنات لوالديهم وعلى الزوج والزوجة العمل على إحياء المناسبات الإسلامية في نفوس الأبناء كالهجرة و الإسراء والمعراج وغزوة بدر وشهر رمضان وما فيه من خير وليلة القدر وغير ذلك من المناسبات الإسلامية .

على الزوج والزوجة أن يحرصا أن يكون بيتهما قدوة حسنة في النظام والنظافة والبساطة والخلو من كل ما حرم الله كالتماثيل وغيرها وأن يجعلا بيتهما منارة تضئ الطريق لغيرهم وقدوة لغيرهم من البيوت المسلمة ينصرونهم بتعاليم الإسلام خاصة ما يتصل بالمرأة المسلمة من حيث الزي الإسلامي وما تقوم به بعض النساء من أمور متنافية مع الإسلام من صور التبرج .

فعلى الزوج والزوجة أن يكون لكل منهما دور في المجتمع لتهيئته ليكون مجتمعا مسلما ملتزم بإسلامه ومقتنعا بأن الإسلام هو الحل وضرورة تطبيق شريعة الله وإقامة الحكم الإسلامي .

هكذا نجد أن رجل العقيدة على طريق الدعوة يقوم بالإسهام في تحقيق مرحلة الفرد المسلم بإصلاح نفسه وإقامة البيت المسلم وإعداد المجتمع المسلم كل ذلك تمهيدا لإقامة الحكم الإسلامي على تلك القاعدة الصلبة ليستقر ويستمر في طريق إقامة الدولة الإسلامية .

وفي الختام أدعو كل مسلم أن يعد نفسه ليكون رجل عقيدة على طريق الدعوة قدوة لغيره في عزمه وثباته وجهاده وتضحيته وليعلم أن النصر مع الصبر وأن بعد العسر يسرا ويومئذ يفرح المؤمنين بنصر الله .