محن جماعة الإخوان المسلمون في عهد الإمام حسن البنا الجزء الأول

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محن جماعة الإخوان المسلمون في عهد الإمام حسن البناالجزء الأول

إعداد: موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين

بقلم / علاء ممدوح

تمهيد

منذ أن أسس الإمام حسن البنا جماعة الإخوان المسلمون و حتى يومنا هذا و المحن تتوالى عليهم زرافات ووحدانا ....وكل محنة تمر إنماتغربل صفوف الجماعة لتنفي رديئها فيبقى الخلص الذين يثبتون و يصمدون بإذن الله تعالى حتى جلاء الغمة ، ليعودوا بعد ذلك إلى آداء واجباتهم الدعوية بكل همة وعزيمة وكأن المحنة مامرت بهم .

وقد تعرضت الجماعة في عهد مؤسسها ومرشدها الأول إلى كثيرمن المحن و الإبتلاءات، وتكالبت عليها قوى الشر والطغيان من الداخل و الخارج ممن لا يريدون أن تقوم للإسلام قائمة ، ولا يريدون عودة للخلافة الإسلامية ... لكن الله تعلى أهلك مراكبهم ،ونجى سفينة الإمام وجماعته بفضل منه و رحمة ...

وفي البداية يأتي تساؤل: ماذا نعني بالمحن ؟

وهل حقا طريق الدعوة محفوف بها؟

وما هي فضائل الثبات عندها ، و الصبر عليها؟

وما أبرز المحن التي واجهتها الجماعة في عهد مرشدها الإمام البنا ؟

وكيف كان موقف الإمام البنا وجماعته من تلك المحن ؟

و أخيرا ما هي أعظم محنة مرت على البنا و إخوان الجماعة؟

كلها تساؤلات تأتي الإجابة عليها في سطور هذا البحث .....

ما هو معنى المحنة

يقول صاحب المحيط في اللغة:

المِحْنَةُ : التَّجْرِبَةُ ، تقول : امْتَحَنْتُه : أرَدْتُ أنْ أَعْرِفَ بِكَلامِه ضَمِيْرَ قَلْبِه

وورد تعريفها في لسان العرب- بتصرف- :

المِحْنة الخِبْرة ... مَحَنتُ الفضةَ إِذا صفيتها وخلصتها بالنار

وامتَحَنتُ الذهب والفضة إِذا أَذبتهما لتختبرهما حتى خَلَّصْتَ الذهب والفضة

وعلى هذا فإن المحنة هي اختبار الله تعالى لعبده وهو أعلم بحاله

وهي تصفية للعبد و تخلية له من أجل نقاء معدنه .... وتحلية بغفران الذنوب ورفع الدرجات إذا ما ثبت العبد وصمد.

المحن ... طبيعة الطريق و بشائر في الدارين

إن طريق الدعوة إلى الله تعالى محفوف بالمكاره و المصائب و المشاق ، هذه هي حقيقة طبيعته ولا عجب في ذلك فهو موصل لجنة عرضها السماوات و الأرض ... الجنة التي هي سلعة لله الغالية كما ورد في الحديث..

وقد بين لنا رسولنا صلى الله عليه و سلم هذه الطبيعة حتى يكون المسلم على بينة من أمره منذ البداية و أن الإبتلاء سنة الله في عباده المؤمنين ... وبين أيضا كيف يكون سلوك المؤمن تجاه المحن ... يقول صلى الله عليه و سلم :

(... و تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ثم تنكشف و تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه هذه ; فمن أحب منكم أن يزحزح عن النار و يدخل الجنة فلتأته منيته و هو يؤمن بالله و اليوم الآخر و ليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه... ) صححه الألباني.

ويقول أيضا عليه الصلاة و السلام :

( مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تفيؤه و لا يزال المؤمن يصيبه بلاء و مثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا يهتز حتى يستحصد) صححه الألباني.

وحين بين لنا رسولنا صلى الله عليه و سلم طبيعة الطريق وكيف يكون موقف المؤمن ، بين لنا أيضا عظيم فضل البلاء و المحنة في الدارين ...

فعن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال:" الانبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" حديث حسن صحيح

وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت بالمقاريض" صححه الألباني .

ويقول رسول الله صلى الله عليه و سلم :

" يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من الكفار فيقال اغمسوه في النار غمسة فيغمس فيها ثم يقال له أي فلان هل أصابك نعيم قط فيقول لا ما أصابني نعيم قط ويؤتى بأشد المؤمنين ضرا وبلاء فيقال اغمسوه غمسة في الجنة فيغمس فيها غمسة فيقال له أي فلان هل أصابك ضر قط أو بلاء فيقول ما أصابني قط ضر ولا بلاء" صححه الألباني ...

من أجل تثبيت المبتلى و إنزال السكينةكل هذا الثواب العظيم والطمأنينة على فؤاده و إدخال السرور على نفسه بيقينه أن عاقبة الأمر الذي هو فيه خير، فيصبر ويحتسب .

محن الإخوان أيام الإمام البنا ... تاريخ من الثبات و النضال

حين وضع الإمام البنا أركان البيعة العشرة... كان منها ركن الفهم ووضع له عشرين أصلا كي يفهم كل فرد في الجماعة المعنى الحقيقي و الشامل للإسلام و المستمد من كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،يقول أ. مشهور في ذلك عن الإمام :

" فنجده مع الفهم وضع الأصول العشرين كإطار لفهم الإسلام من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل هذا الفهم الركن الأول من أركان البيعة العشرة ، والتى هى فى حقيقتها بيعة مع الله وذلك لضمان حفظ هذا الفهم دون تبديل ولا تغيير ،

وقد تعرضنا ونتعرض فى المحن الى امتحان فى ركن الفهم هذا بين المترخصين و المغالين ، بين من يريدون منا أن نتنازل عن جوانب الإسلام التى تثير الحكام والأعداء وتعرضنا للمحن ، وبين المغالين الذين خالفوا الأصل العشرين وصاروا يكفرون غيرهم من المسلمين بالجملة وببساطة فكان الوفاء بالبيعة ألا نستجيب لكل من الطرفين حتى نورث الفهم الصحيح دون تبديل ولا تغيير" .

وبعد حرصه على الفهم الصحيح لكل فرد في جماعته....

بين الإمام الشهيد حسن البنا لأبناء جماعته ما سوف ينتظرهم من شدائد و ما سيلاقونه من مصائب بسبب دعوتهم إلى الإسلام الصحيح في زمن فيه ما فيه من جهل وموالاة للعدو فيقول رحمه الله :

"إن دعوتكم ما زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيرا من المشقات والعقبات، وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات، وسيقف جهل الناس بحقيقة الاسلام عقبة في طريقكم وستجدون من أهل التدين والعلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام،

وسيحقد عليكم حكماء وزعماء وذوو سلطان وجاه، وستقف في وجهكم كل الحكومات، وتحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم أو تضع العراقيل في طريقكم، وسيتذرع الغاضبون بكل طريق لمناهضتكم، وسيستعينون بالأيدي الممتدة اليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان، وستدخلون في دور التجربة والامتحان، فستسجنون وتقتلون وتشردون تصادر مصالحكم وتفتش بيوتكم وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ، ومثوبة العاملين المحسنين ".

وهكذا حدد الأستاذ البنا العقبات الرئيسة فيما يلي

العقبة الأولى : جهل الشعب

العقبة الثانية : استغراب أهل التدين وإنكار العلماء الرسميين .

العقبة الثالثة : حقد الرؤساء والزعماء وذوي الجاه والسلطان .

العقبة الرابعة : وقوف كل الحكومات على السواء في وجوهكم والحد من نشاطكم .

العقبة الخامسة : تذرع الغاصبين بكل طريق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم .

العقبة السادسة : إثارة غبار الشبهات وظلم الاتهامات .

{ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون } ،

و بدأت أنظار الأعداء ومن والاهم في التركيز على الإمامالبنا وجماعته بعدما عرفوا حقيقة دعوته الإسلامية الشاملة ، وخافوا أن تقوم قائمة الخلافة الإسلامية من جديد بعدما أسقطوها ... لتبدأ من هنا سلسلة محن الإمام و إخوانه ، يقول أ. عباس السيسي :

"حينما أفصح البنا عن أهداف هذه الدعوة فى ((المؤتمر الخامس)) لقادة الإخوان الذى عقد عام 1939 حيث أعلن موقف الإخوان من المستعمرين غربيين وشرقيين، وموقفهم من الدعوات الحاضرة كالقومية والوطنية، وموقفهم من الأحزاب والهيئات وأنظمة الحكم القائمة فى مصر والعالم العربى.

ومنذ ذلك الحين أخذ الأعداء يعدون المخططات لضرب هذه الدعوة."

وفيما يلي أهم المحن التي واجهتها الجماعة في عهد مرشدها الإمام البنا و الموقف منها :

أولا : في وزارة حسين سري باشا .. ( 1940- 1942م ):

كان حسين سري باشاالصديق الصدوق للمحتل الإنجليزي والذي ينفذ لهم ما يريدون في البلد بحكم منصبه وكان أول مطلب لهم هو حرب البنا و جماعته بعدما بان اتجاههم الإسلامي وموقفهم الفاصل تجاه الأوضاع الموجودة كما سبق وذكرنا في رسالة المؤتمر الخامس

فماذا فعل حسن سري باشا ؟

أ- إصدار الأمر بنقل عمل الإمام البنا إلى الصعيد

بعدما طلبت السلطات البريطانية منه كرئيس للوزراء العمل على الحد من نشاط الإمام البنا ... فأمر رئيس الوزراءبنقل الإمام البنا إلى بلد ناء بالصعيد ليحد من نشاطه فكان نقل المرشد العام إلى قنا.

ونفذ وزير المعارف وقتئذ هيكل باشاطلب رئيس الوزراء على أساس أن نقل مدرس فى مدرسة ابتدائية ليس أمرا ذا بال.

إذ يقع مثله خلال العام الدراسى فى كل سنة ولا يترتب عليه أثر.

نقل حسن البنا إلى قنا ونقل أحمد السكري وكيل الجماعة إلى دمياط وصدر القرار بتنفيذ النقل فورا

لكن الإمام واجه هذا الأمر بالصبر و الثبات ، وثبت أفراد جماعته حتى تقبل الجميع الأمر بالصبر و احتساب الأجر ... يقول أ.محسن محمد:

"كان حسن البنا يحاضر فى المركز العام للإخوان مساء الخميس عن نظرة الإسلام للمرأة" عندما تقدم إليه أحد الأعضاء بورقة مكتوبة فلما قرأها اعتذر عن المحاضرة وخرج.

وبعد فترة وقف الشيخ عبد العزيز عبد الستار ليقول بأنه صدر أمر عسكرى بنقل الأستاذ البنا إلى قنا!

اجتمع مكتب الإرشاد ورأى معظم الأعضاء تحدى القرار والامتناع عن تنفيذ النقل وأن يستقيل المرشد العام حتى لا يكون لأحد سلطان عليه .

ولكن المرشد العام , فى ظل الحرب والأحكام العرفية وتقهقر الانجليز أمام الزحف الألمانى فى أوربا وشمال أفريقيا .

وجد أن الانجليز لن يتراجعوا أمامه . ورأى أن مرحلة المواجهة لم تأت بعد ولا يحسن التعجيل بها.

وقال للأعضاء : أمر الاستقالة سهل لا يتطلب سوى ورقة وقلم ولكن هل سيقف الأمر عند الاستقالة .

إن أمرا عسكريا سيصدر باعتقالى فى الحال فالأحكام العسكرية مفروضة على البلاد والعباد.

والنقل أيسر الأضرار, وأنفع للدعوة من الاعتقال . وهى فرصة تعطى للصعيد حقه فى نشر الدعوة.

وحتى يبدو الإخوان بمظهر سلمى وافق الشيخ على النقل."

قال السير مايلز لامبسون - اللورد كيلرن - فى البرقية 388 لحكومته :

" كانت الملامح الرئيسية لتى تميزت بها التطورات السياسية فى مصر إزدياد حدة الصراع بين رئيس الوزراء وعلى ماهر باشا.

هاجم رئيس الوزراء عل ماهر فى معاقله الإدارية وشتت صنائع خصمه بالتنقلات.

وهاجم سرى باشا , على ماهر باشا فى التنظيمات الإسلامية التابعة لماهر باشا بنفيه حسن البنا رئيس جماعة الإخوان المسلمين إلى قنا."

ب- إصدار قانون يمنع الجمعيات الخيرية من العمل السياسي

فأعد حسين سري باشا مشروع قانون يحرم على الجمعيات الخيرية العمل السياسى.

وكان الإخوان المسلمون الهدف الأول لهذا التشريع.

ج- اعتقال الإمام البنا و سجنه :

فى أكتوبر 1941 هاجم الأستاذ المرشد العام الانجليز والسياسة البريطانية هجوما شديدا وسافرا فى دمنهور, فأصدر رئيس الوزراء حسين سري باشا أمرا باعتقاله هو والأستاذ أحمد السكري الوكيل العام للجماعة والأستاذ عبد الحكيم عابدين السكرتير العام لها, فاعتقلوا فى 13 أكتوبر 1941 وأودعوا معتقل الزيتون , وحرم على الصحف ذكر كلمة " إخوان". ولم يدم ذلك الاعتقال طويلا.

ووقع حادث 4 فبراير 1942 المشهور - وحاصرت دبابات الانجليز سراى عابدين.

وسقط حسين سري واعتلى كرسى الوزارة مصطفى النحاس باشا، يقول الأستاذ محمد كمال خليفة في كتابه " الإخوان والمجتمع المصري" :

" بدأت المحنة الأولى للإخوان المسلمين على يد حسين سري ، بضغط من السفارة والقيادة الإنجليزية ، فصادرت حكومته مجلتى التعارف ، والشعاع الأسبوعيتين ، ومجلة المنار الشهرية ، ومنعت طبع أية رسالة من رسائلهم ، أو إعادة طبعها ، وأغلقت مطبعتهم ، وحرمت على الجرائد أن تذكر شيئا عنهم ، كما منعت اجتماعاتهم . ثم عمدت إلى تشريد رؤساء الجماعة :

فنقلت الأستاذ البنا من القاهرة إلى قنا ، ونقلت الوكيل إلى دمياط ، ثم أعادتهما بضغط من الحملة البرلمانية .

ولكنها عادت إلى ماهو أعنف من ذلك وأشد ، فاعتقلت الأستاذ البنا مرة ثانية ، كما اعتقلت السكرتير العام ، ثم أفرجت عنهما لاتقاء ما أحدثه هذا الإجراء من حرج فى صدور الإخوان.

وهكذا كانت الحكومات المصرية فى ذلك العهد المظلم أدوات استعمارية ، لا تبالى بحريات الشعب وكرامته !! إذا كان فى ذلك إرضاء لسادتها الانجليز ، بل لا تبالى فى سبيل الوصول إلى تلك الغاية ، وهى إرضاء المستعمر ، أن تحارب الجماعات الإصلاحية ، التى تعمل لصالح الدين والوطن ،

وتشرد العاملين المخلصين ، وأن تبطش بهم إذا لزم الأمر ، وتعتقلهم وتسجنهم ، وتحرم على الجرائد ذكر اسمهم .

وإن كان هذا الاضطهاد والتشريد قد أدى إلى عكس النتيجة المرجوة منه ، فقد استرعى أنظار الجماهير ، وكسبت الجماعة المؤمنة عددا جديدا من الأعضاء والأنصار، ويقول أ.إسحاق موسى الحسيني:

"بدأت محنتهم على يد سري باشا - بضغط من السفارة الإنجليزية والقيادة - فصادرت حكومته مجلتى ( التعارف) و ( الشعاع) الأسبوعيتين ومجلة المنار الشهرية, ومنعت طبع أية رسالة من رسائلهم أو إعادة طبعها وأغلقت مطبعتهم وحرمت على الجرائد أن نذكر شيئا عنهم كما منعت اجتماعاتهم ثم عمدت إلى تشريد رؤساء الجماعة فنقلت البنا من القاهرة إلى قنا ونقلت الوكيل العام ( أحمد السكري ) إلى دمياط ثم أعادتهما بضغط الحملة البرلمانية.

ولكنها عادت إلى ما هو أعنف من ذلك فاعتقلت السكرتير العام للجماعة والبنا نفسه ثم أفرجت عنهما اتقاء ما أحدثه هذا الإجراء من جرح في صدور الإخوان . وأدى هذا الضغط إلى استرعاء أنظار الناس إليهم وكسب عدد من الأنصار والأعضاء"

ثانيا :وزارة مصطفى النحاس باشا الوفدية (1942- 1944)

إنها الوزارة التي أتت للحكم على ظهر الدبابات الانجليزية فى حادث 4فبراير 1942 فماذا فعلت؟ الإخوان بين الترشيح للنواب والمحاكمات العسكرية

يقول أ. محمد كمال خليفة : " ثم جاءت وزارة النحاس ، ورغب الأستاذ البنا أن يرشح نفسه نائبا فى البرلمان عن دائرة الإسماعيلية ، مهد الدعوة ، ليمثل الإخوان وينطق بلسانهم ، ولكن النحاس رجاه أن يعدل عن الترشيح فعدل ، وبدأ النحاس بمهادنتهم ، فسمح لهم بالاجتماعات ، وأعاد إليهم المجلة والمطبعة ، ثم تكرر ضغط السفارة الإنجليزية مرة أخرى ،

فعادت المحنة فى -صورة أشد من الأولى !! ، إذ أغلق النحاس جميع الشعب ماعدا المركز العام ، وضيق عليهم فى اجتماعاتهم ومطبوعاتهم وسائر نواحى نشاطهم ، وقابلوا شدة الحكومة بالأناة والصبر ، فعدلت الحكومة النحاسية عن شدتها ، واستمر الموقف بينهما يتقلب ، تارة تدع الحكومة لهم الحرية فيعملون ، وطورا ترهقهم بالتضييق فيصبرون ، ولكنهم ظلوا على عادتهم فى تقديم النصح كتابة ومشافهة إلى أن أقيلت الوزارة سنة "1944 م.

ويقول أ.عمر التلمساني :

"إن حكومة النحاس باشا التى جاءت الى الحكم فى حادث 4 فبراير 1942 بمساندة الدبابات الإنجليزية أبت أن يقلق مضجعها وجود شعبية تقارب شعبيتها وأن تقلق النفوذ الإنجليزي الذى حرصت تلك الحكومة الوفدية ألا تثير قضيته وسادت موجة من التوتر وعدم استقرار العلاقات بين حزب الوفد وجماعة الإخوان ثم أغلق النحاس باشا جميع شعب الإخوان عدا المركز العام فى نهاية عام 1942 وعقب زيارة لمجموعة من كبار رجال الوفد تغير الموقف ثم عاد للتدهور وهكذا كان " ترمومتر" العلاقة بين الإخوان والنحاس باشا مرتبطا بالانجليز ..

وهكذا ظل التوتر قائما بين الجماعة والحزب وسرعان ما تحول الى صراعات عنيفة لم يكن الإخوان المسلمون بمثيريها ."

ولا ينسى التاريخ أول قضية لفقت لجماعة الإخوان المسلمون في عهد وزارة النحاس باشا ... يقول المهندس محمد الصروي:":(" أول قضية لُفقت للإخوان المسلمين (1942 كانت أول قضية لفقها أتباع الانجليز، الذين كانوا يحكمون مصر في عام (1942 م) هي اتهام بعض الإخوان بمحاولة قلب نظام الحكم.. فقام " المجلس البريطاني " في مدينة (طنطا) بتلفيق القضية للأخوين:

- محمد عبد السلام فهمي... مهندس بمصلحة الطرق والكباري (صار فيما بعد عميداً لهندسة أسيوط، فوكيلاً لجامعة الأزهر، ثم رئيساً لهيئة السكة الحديد).

- جمال الدين فكيه.. موظف ببلدية طنطا.قد كانا من كبار الإخوان المسلمين بطنطا – آنذاك.

"وقلب نظام الحكم " هي التهمة المفضلة التي يتهمون بها الإخوان منذ أكثر من ستين عاماً، ( أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ) الذاريات: 53

وأودع الإخوان سجن الحضرة بالإسكندرية، على ذمة القضية الجنائية العسكرية العليا رقم 822 لسنة (1942 م) – قسم الجمرك – الإسكندرية .

والمجلس البريطاني (British Counsel)

مؤسسة ظاهرها ثقافي، لنشر اللغة الإنجليزية والعادات والتقاليد البريطانية في طنطا، لكن المشرفين عليها كانوا موالين للإنجليز قلباً وقالباً.

أما المحقق فكان الأستاذ محمد توفيق رفقي رئيس النيابة وأعضاء المحكمة هم المستشارون: فؤاد بك أنور (رئيساً)، محمد توفيق إبراهيم بك (عضواً)، زكي أبو الخير الأبوتجي بك (عضواً)، ومعهم اثنان من العسكريين.

اهتم الإمام حسن البنا بالمحاكمة، ووكل جمعاً غفيراً من المحامين للدفاع في هذه القضية. وهم الأساتذة:

محمد علوبة باشا (نقيب المحامين)، عبد الرحمن البيلي بك (صار نقيباً للمحامين فيما بعد)، محمد فريد أبو شادي (صار أيضاً نقيباً للمحامين فيما بعد)، عمر التلمساني...

محام وعضو مكتب الإرشاد.. ثم المرشد الثالث بعد ذلك، علي منصور (نقيب المحامين فيما بعد)، محمد فهمي أبو غدير، محام وعضو مكتب الإرشاد.

ورغم كفاءة المحامين، إلا أن الإمام حسن البنا بذل جهوداً كبيرة، ونجح في توكيل الأستاذ المحامي القدير علي بدوي عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة... وكان أستاذ كل الأساتذة المحامين والمستشارين في ذلك الحين... وهو عميد القانونيين فيمصر على مدى نصف قرن من الزمان.

وقد مكث الإخوان في سجن الحضرة ثمانية شهور رهن التحقيق، ولما حان وقت المحاكمة تم نقلهما إلى سجن الاستئناف بوسط القاهرة، وكانت من أشهر المحاكمات في ذلك الوقت.

ترافعت النيابة واتهمت الأخوين بتهمة الخيانة العظمى!! رغم أن شيئاً من ذلك لم يحدث على الإطلاق!، ولكن النيابة ادعت أنهم يعدون (جيشاً)!!! للترحيب بمقدم "روميل" القائد الألماني الشهير الذي جهز جيشاً لضرب الإنجليز، ولكنه – أي روميل – انهزم في موقعة " العلمين " الشهيرة.

حكمت المحكمة أخيراً بالبراءة للأخوين فهمي وفكيه، وكان نصراً للعدالة، ورفعة للإخوان.

هذه قصة أول محاكمةللإخوان عام (1942 م).

أما سجن الحضرة الذي شرف باستقبال الأخوين الكريمين فهو سجن صغير في حي الحضرة بالإسكندرية، لم يحدث عليه أي تطور طيلة خمسين عاماً"

وهكذا صبر الإمام وإخوانه على ما لاقوه من بطش وعنت في عهد حكومة النحاس باشا ...وواصل الإمام مناصحته للحكومة ، وواصل الإخوان العمل الدعوي في المجتمع ...

حتى تهاوت حكومة النحاس باشا كسابقتها ... لتأتي حكومة أحمد ماهر باشا .

ثالثا : وزارة أحمد ماهر باشا (1944- 1945م)

حاربت الإخوان حربا شرسة خاصة في الانتخابات لمنعهم من الفوز بأوامر من المحتل الإنجليزي يقول أ. محمد كمال خليفة :

" وجاءت بعد وزارة النحاس وزارة أحمد ماهر ، فأخذتهم بالشدة ، وحالت دون نجاح من رشح نفسه للنيابة منهم ، بناء على قرار مؤتمر الإخوان العام سنة 1941 :

بأن يرشح اخفاء على أساس خدمة المنهج الإسلامى .

ومن حسن حظ الباحث أنه فى ذلك الحين كان قد اندمج فى الحياة العامة وأتيح له أن يرى المعركة الانتخابية فى الإسماعيلية ، حيث رشح الأستاذ البنا نفسه .

وأذكر أن أهالى الإسماعيلية - لأول مرة فى تاريخ الحياة النيابية المصرية - قد أقاموا على حسابهم الخاص ، ستين سرادقا للدعاية الانتخابية ، فى مختلف أنحاء المدينة ، خلال مدة الدعاية ، وكان كل ما فى المدينة ينطق بأن الفوز الساحق للأستاذ البنا .

فإعلانات الحوائط وهتافات الشعب ، والعمال ، وتلاميذ المدارس ، كلها تنادى بانتخاب :

" الأستاذ حسن البنا زعيم النهضة الإسلامية )، ولكن كلا من الحكومة المصرية ، والقيادة الإنجليزية ، قد عملت بكل ما عندها من وسائل لإسقاطه"

ويقول أ.محمود عبد الحليم أن الصاغ محمود لبيب قال :

"في وزارة أحمد ماهر باشا أراد المرشد العام أن يرشح نفسه ، فعلمت أنا من أحد أصدقائي أن خطابًا أرسل من السفارة البريطانية إلى أحمد ماهر باشا يطلب فيه منه أن يعمل على منع المرشد العام والأستاذ البرير (كان من كبار السودانيين الأحرار المقيمين بمصر المؤمنين بوحدة وادي النيل) المرشح في دائرة عابدين من التقدم للانتخابات ... فأسرعت إلي فضيلة المرشد فأبلغته ذلك فضحك واستبعد هذه الفكرة .

وفي اليوم التالي طلبه أحمد ماهر باشا لمقابلته فلما قابله طلب منه أن يسحب ترشيحه .. وحاول أن يقنعه فرفض .

فقال له : لماذا تتشدد معي وقد قبلت مثل هذا من حكومة النحاس باشا وتنازلت عن ترشيحك ؟ .

فرد عليه بقوله : إن حكومة النحاس باشا كانت تواجه حالة سياسية مضطربة في الداخل والخارج ولم يكن هناك بد - إجابة لداعي الوطنية الكريمة - من أن نقبل منها هذا ؛ إذ كانت الحالة تدعو إلي توحيد الجهود لا إلى توزيعها لوجود الأعداء داخل الأراضي المصرية .

يقول الصاغ محمود لبيب : وقد قابلت بعد ذلك علي البرير بك فقال لي إن أحمد ماهر باشا طلبه هو الآخر وأطلعه بالفعل علي خطاب السفارة الانجليزية .

فلما واجه القصر ممثلا في هذه الأحزاب بإصرار الإخوان علي ترشيح مرشدهم في الانتخابات وجدوا أنفسهم أمام أمرين أحلاهما مر :

ففتح الطريق أمام حسن البنا إلي مجلس النواب كارثة حيث نجاحه في هذه الدائرة أمر لا شك فيه ..

كما أن منعه من الترشيح يهدم صرح الدعاية الذي شيدوه علي أساس من الحرية المطلقة التي ادعوا أنهم مما جاءوا ليردوا إلي الشعب ما حرمه الوفد منها ."

ويتابع أ. محمود عبد الحليم قوله :" لم يبذل الإخوان أي جهد في الدعاية للمرشد العام في دائرته - كدأب ما يبذل للمرشحين في دوائرهم

- لأن أهل الإسماعيلية بعثوا إلي القاهرة بوفود تمثلهم لتقديم شكرهم إلي الأستاذ المرشد العام أن آثرهم علي جميع دوائر القطر بترشيح نفسه في دائرتهم مع أن جميع الدوائر كانت تتمني أن تحظي بترشيحه فيها .. وتكفل أهل الإسماعيلية بدفع التأمين من جيوبهم .

ولما جاء يوم الانتخاب فوجئ أهل الإسماعيلية بتدخل الجيش البريطاني في الانتخابات بأن أحضروا أعدادًا كبيرة من العمال الذين يعملون فيه في سيارات وأدي هؤلاء العمال الانتخاب بتذاكر مزورة بأسماء ناخبين أهل الإسماعيلية وهؤلاء جميعًا ينتخبون المرشحين الآخرين .

واحتج أهل الإسماعيلية وأهملت السلطات احتجاجاتهم وانتهي يوم الانتخابات .

وظهرت نتائج الانتخابات وكانت نتيجة دائرة الإسماعيلية إعادة بين الأستاذ المرشد وبين مرشح آخر .

من التجاوز في التعبير أن تسمي ما حدث في الإسماعيلية في ذلك الوقت معركة الإعادة أو معركة الانتخابات ؛ فإن الذي حدث كان حربًا أعلنتها الحكومة المصرية متضامنة مع الجيش البريطاني ضد أهل مدينة الإسماعيلية .

لقد سافرت إلي الإسماعيلية ضمن عدة مئات من الإخوان من مختلف أنحاء البلاد لنشهد هذه المعركة التي توقعنا أنها ستكون معركة حامية ، لكن الذي رأيناه قد فاق كل ما خطر ببالنا ، ولولا أننا شهدنا بأعيننا لما صدقنا أن يحدث هذا الذي حدث ..

وشاء الله أن تكون أكثر بلاد القطر ممثلة لتري بعينها الجريمة التي لم يحدث لها مثيل من قبل ولا أعتقد أن يحدث مثلها من بعد حتى تكون كل البلاد في مصر علي علم بما حدث .

ولكي يكون القارئ في مخيلته صورة مصغرة لما حدث فسأضع تحت ناظريه بعض مناظر من أحداث ذلك اليوم .

المنظر الأول : خرج أهل الإسماعيلية منذ الصباح الباكر متجهين إلي أماكن اللجان الموزعة في أنحاء الدائرة ليدلوا بأصواتهم ،ومع كل منهم تذكرته الانتخابية ، فوجدوا أمام مدخل كل لجنة سيارة ضخمة من سيارات نقل الجيش البريطاني تغلق هذا المدخل وتحول بين الناخبين وبين الدخول إلي اللجنة .

المنظر الثاني : كثر عدد الناخبين بمرور الوقت أمام مقار اللجان ، ولما طال انتظارهم ولم تتحرك السيارات المعترضة ، حاولوا اقتحام السيارات للدخول فإذا بقوات ضخمة من بوليس القنال والبوليس المستقدم من القاهرة ومن جهات أخري تعترض طريقهم وفي أيديهم الأسلحة والهراوات .

المنظر الثالث : يلجأ الناخبون إلي الأستاذ المرشد يشكون إليه فيتصل بالمحافظ فيطمئنه المحافظ ولكنه لا يعمل شيئًا فيلجأ إلي الحكمدار الانجليزي فيتز باتريك فيرد عليه بأن عنده تعليمات من الجهات العليا ينفذها .

المنظر الرابع : القوات الضخمة من البوليس فجأة تهاجم الناخبين المحتشدين أمام مقار اللجان وتعمل فيهم هراواتهم وتهددهم بأسلحتهم حتى تبعد بهم بعض الشيء عن مقار اللجان .

ثم تطوقهم تطويقًا محكمًا . وهنا تري ناقلات ضخمة من ناقلات الجيش البريطاني قادمة وهي محملة بعمال الجيش البريطاني ، وفي سرعة جنونية تتجه إلي مقار اللجان ، وتكون السيارات المعترضة للمداخل قد أفسحت الطريق فتدخل هذه السيارة حتى باب المبني الذي به لجنة الانتخابات ، وتلصق مؤخرتها بالباب وتفرغ حمولتها من العمال فيدخل كل منهم ويقدم للجنة تذكرة باسم ناخب من ناخبي اللجنة ،

ورئيس اللجنة وأعضاؤها يعلمون أن أحدًا من هؤلاء العمال لا يحمل بطاقة انتخابية باسمه بل ليس منهم من يعرف الاسم المكتوب في البطاقة التي يقدمها ،وكل ما لقنه هؤلاء العمال هو أن ينتخبوا الاسم الذي حفظوه وهو اسم المرشح المنافس للأستاذ المرشد .

المنظر الخامس : بعد أن تفرغ السيارة حمولتها تظل في وضعها حتى تؤدي الحمولة المهمة المكلفة بها ثم ترجع الحمولة إلي مكانها في السيارات حتى إذا امتلأ رتل السيارات التي جاءت معًا ينطلق الرتل دفعة واحدة خارج مقر الدائرة وفي سرعة جنونية بين صفوف جنود البوليس حتى تختفي عن الأنظار داخل المعسكرات البريطانية ؛ وبعد قليل يأتي رتل آخر ويمثل الدور نفسه .

المنظر السادس : يدخل الأستاذ المرشد مقر إحدى اللجان ويضبط بنفسه أمام أعضاء اللجنة مائة تذكرة انتخابية مزورة يحملها غير أصحابها من هؤلاء العمال ، ويقدمها لوكيل النيابة فلا يتخذ وكيل النيابة أي إجراء سوي أنه يتسلم التذاكر قائلا إنه سيجري تحقيقًا دون أن يفعل شيئًا .

المنظر السابع : أمام هذه المهازل وهذا الإجرام لم نتمالك نحن - الإخوان الزائرين - أعصابنا فوجدنا أنفسنا نهاجم سيارات الجيش البريطاني المحملة بالعمال ونحاول منعها من دخول اللجان ، فإذا بقوات البوليس تهاجمنا بقيادة فبتز باتريك الحكمدار ، وقد رأيت هذا الحكمدار الانجليزي يأمر الجنود بحملنا في سيارات نقل جاءوا بها وحملت أنا شخصيًا مع مجموعة من الإخوان إلي إحدى هذه السيارات وسط مناقشات حادة بيننا وبين هذا الحكمدار .

وبعد أن دخل رتل السيارات القادم من المعسكرات البريطانية والذي كنا نهاجمه إلي مقار اللجان أمر هذا الحكمدار بإطلاق سراحنا .

المنظر الثامن : عند انتصاف النهار ، قرر الإخوان أن يقوموا بعمل عنيف قد يؤدي إلي وقوع ضحايا من الجانبين ، ويبلغ ذلك مسامع الأستاذ المرشد فيحضر حيث يجتمع الإخوان وينهي إليهم رأيه بعدم موافقته علي هذا الإجراء ويقول :

إن دماء الإخوان أعز عليه من أن تسفك في سبيل معركة مهما بلغنا في أهميتها فإنها لا تعدو أن تكون معركة جانبية .

ولكن أهمية هذه المعركة الجانبية أنها كشفت لنا بوضوح حقيقة الاستعمار الذي يجثم علي صدر بلادنا وحقيقة ساستنا الذين يتظاهرون أمام الشعب بالوطنية وهم في السر قد تعاقدوا مع الانجليز علي أن يكونوا مطايا لهم وتعالا في أقدامهم يدهسون بها رقاب الشعب المسكين .

وينقضي هذا اليوم الأخير ... وتعلن نتيجة الانتخابات بسقوط المرشد العام في الدائرة التي يعلم كل مصري وكل عربي بل ويعلم العالم كله أن هذه الدائرة هي عقر داره ، وأن رجالها ونساءها وأطفالها لا يهتفون إلا باسمه ويؤثرونه علي آبائهم وأمهاتهم ."

وانتهت هذه الوزارة باغتيال أحمد ماهر باشا على يد واتهم فيها الإخوان زورا و بهتانا ليبدأ اضطهاد جديد لهم على يد الوزارة التالية

وتجدر الإشارة إلى حقيقة أحمد ماهر باشا الذي حارب الإمام وإخوانه ليس لأشخاصهم و إنما لتبنيهم الراية الإسلامية

يقول أ. محمود عبدالحليم :

" وننقل للقارئ هنا ما نشرته جريدة الأهرام في 20-3-1945 بعد اغتيال أحمد ماهر تحت

عنوان : " وفد الماسونية السورية واللبنانية " :

" قدم إلي القاهرة وفد يمثل الماسونية في سوريا ولبنان لحضور حفل التأبين التي ستقام للمغفور له الدكتور أحمد ماهر باشا بوصفه " القطب الأعظم " للمجلس الماسوني السامي في مصر وملحقاتها وهي سوريا ولبنان والبلاد العربية - وهذا الوفد مؤلف من الأساتذة حسين اللاز وإلياس فازان وخليل النصولي وميشيل حداد ومتري الصدى - وقد نزل حضرتهم ضيوفًا علي المحفل الأكبر الوطني المصري " .

رابعا : حكومة النقراشي باشا( 1945 -1946م)

هذه الحكومة ضيقت كثيرا على الإخوان وتعنت جدا في معاملاتها معهم يقول أ.محمد كمال خليفة : "وتولى النقراشي الحكم .

وبدأ حكمه باعتقال الأستاذ المرشد العام ، والسكرتير العام ، و بعض الإخوان . بتهمة الاشتراك فى الاغتيال .

ولعل السبب الرئيسى فى ذلك الاعتقال ، أن العيسوى ذكر فى معرض التحقيق معه ، أنه يطلب أخذ رأى زعماء البلد فى إعلان الحرب ، وذكر اسم الأستاذ البنا فى معرض أسماء الزعماء الذين يجب أخذ رأيهم .

ولكن النيابة آفرجت عنهم بعد ذلك ، وبادرالأستاذ البنا إلى زيارة النقراشي معزيا فى ماهر ، وراجيا أن يطلق له حرية العمل .

بيد أن النقراشي لم يستجب إلى الرجاء وفرض عليهم أثقل القيود فى نشاطهم ، واجتماعاتهم ، ومراقبة دورهم وكان يسمح لهم بعقد اجتماعات عامة ، أو مؤتمرات عامة ، تحت ضغط الظروف . . ولكن سرعان ما يعود إلى سياسة العنت والإرهاق"

ويقول أيضا :

"وانتهت الحرب سنة1945 ودخلت الجماعة بعد ذلك فى دور المحنة الكبرى ، لأنها تزعمت قيادة الحركة الشعبية ، وألهبت المشاعر الوطنية ، للمطالبة بحقوق البلاد التى وعد الانجليز اثناء الحرب بتحقيقها ، فور انتهاء الحرب وإعلان الهدنة .

واجتمعت الجمعية العمومية للإخوان فى 8 سبتمبر سنة1945 م ، شوال سنة 1364 هـ ، وأدخلت بعض التعديلات على النظام الأساسى حتى أضحى شاملا لجميع غايتها ووسائلها بصورة واضحة .

واقاموا شركات اقتصادية متنوعة ، ودرت عليهم الأرباح ، ومكنت لهم فى أوساط العمال .

وأصدروا جريدة يومية ، صدر العدد الأول منها يوم 5 مايو سنة 1946 الموافق 3 جمادى الثانى سنة1365 وأضحى بذلك صوتهم مسموعا فى مصر والبلاد العربية .

وأنشئوا الكتائب ، وأقاموا أماكن التدريب على الأعمال العسكرية .

ونظموا الشعب تنظيما دقيقا فى مصر والأقطار العربية . ووزعوا الأعمال على الأعضاء ، وأوثقوا العهود بصورة بيعة لرئيس الشعبة فالمرشد العام شخصيا ، وقرروا السمع والطاعة فى المنشط والمكره ، مقرونا بالقسم ، ووضعوا المرشد العام موضع الثقة التامة ، وجعلوا له المنصب مدى حياته ليس له أن يتخلى عنه ، أويعفى منه ، إلا بقرار من الهيئة التأسيسية .

وبلغ أعضاء الجماعة العاملون فى مصر وحدها نصف مليون والأعضاء المنتسبون والمؤازرون أضعاف هذا العدد ، أما عدد شعبهم فى مصر وحدها فبلغ ألفى شعبة ، وفى السودان حوالى خمسين شعبة ، عدا شعبهم فى معظم البلدان العربية ، والبلاد الإسلامية ، والأصدقاء فى جميع البلاد وفى أوروبا وأمريكا .

- ولهذا لقيت الجماعة مقاومة فى غاية العنف من قبل الحكومات التى وليت الحكم بعد الحرب العالمية الثانية .

وزار الأستاذ البنا النقراشي ثانية ، وأهاب به أن يسرع بالعمل فى سبيل الحقوق القومية ، واستكمال استقلال وادى النيل ووحدته ، وإلا فليدع الأمة إلى الجهاد ، ويتقدمها فى سبيله وقدم النقراشى مذكرة إلى الحكومة البريطانية وجاءهم الرد عليها ،

ولم يرض الإخوان عن هذه المساجلة القلمية ؛ وقاموا بمظاهرة مع الطلاب أدت إلى معركة مع البوليس فى حادثة كوبرى " عباس " الشهيرة فاستقالت الوزارة .

وانصرف الإخوان منذ إعلان الهدنة إلى إثارة الشعب ، وإيقاظ وعيه بالمؤتمرات العامة تارة ، وزيارة القرى والريف تارة أخرى ؛ وبالرسائل الأحاديث والنشرات وتولوا زمام المعارضة الداعية إلى الجهاد .

وتركزت جهودهم فى هذه الناحية طمعا فى أن تنال البلاد استقلالها التام"

ومرة أخرى تهاوت الحكومة التي حاربت دين الله و ضيقت على الإخوان في أعمالهم الدعوية

خامسا :حكومة إسماعيل صدقي باشا (1946)

تهاوت حكومة النقراشي لتحل محلها هذه الحكومة التي عادت الإخوان أيما عداء لرفضهم معاهدة صدقي بيفن

يقول أ. محمد كمال خليفة: "وجاءت حكومة إسماعيل صدقي واشتدت المظاهرات ...

وعندئذ رأى أن يجنح إلى النصح يقدمه إلى صدقى ، على أساس قطع المفاوضات والالتجاء إلى الجهاد السافر ، واستمر نشاطهم السياسى فى هذا النهج ، وأخذوا يحاسبون الحكومة حسابا عسيرا ، ويتهمونها بممالأة الأجانب على حساب الوطن ، والتساهل بتأليف الشركات التى تلبس أثوابا مصرية مستعارة ، وبعجزها عن علاج مشكلة العمال العاطلين ، وبترددها فى قطع المفاوضات ، وإعلان الجهاد .

واشتدت حملة جريدتهم على المفاوضات ، وعلى حكومة صدقى ، وعلى الإنجليز بوجه خاص . وشن عليهم صدقى حملة ، فاعتقل عددا منهم ، وصادر جريدتهم ، ثم قبض على الوكيل العام ، وقابله الإخوان بحملة مثلها .

ووقعت انفجارات فى القاهرة وإلإسكندرية ، اتهمتهم الحكومة بها ، فحوصرت دورهم وفتشت . وقاد صدقى حملة واسعة النطاق من النقل والتشريد ، تناولت خلصاء الموظفين من الإخوان فى شتى المصالح والوزارات .واستقال صدقى" .

وقد أشار الإمام البنا في حديث له في جريدة الإخوان المسلمين اليومية - السنة الأولى - العدد 180 - ص 1 - 11 محرم 1366 هـ / 5 ديسمبر 1946 م.

إلى ما قامت به وزارة إسماعيل صدقى باشا من ظلم واعتقال للإخوان لرفضهم معاهدة " صدقى بيفن " وطلب من الإخوان الصبر والثبات ،وقد أقيلت وزارة صدقى بعد نشر هذا الحديث بأسبوع يقول أ. أحمد عادل كامل :

"وسافر إلى لندن فى 17/10/1946 وظل يتفاوض مع وزير الخارجية البريطانية مستر بيفن وكان يصحب صدقى فى هذا وزير خارجيته إبراهيم عبد الهادى, وأخيرا عاد صدقى وخرج على الأمة بما اسماه مشروع معاهدة " صدقى - بيفن" .

ولم يكن ذلك المشروع بالذى يحقق للأمة أمانيها وإنما كان صيغة أخرى لمعاهدة 1936, وبه من النصوص ما يربط مصر بعجلة الامبراطورية العجوز,

- وفى رسالة من الأستاذ حسن البنا إلى شعب وادى النيل على الصفحة الرابعة من جريدة الإخوان المسلمون" 10 أكتوبر 1946 جاء فيها:

" إن حكومة صدقى باشا فى إصرارها على إجراء المفاوضات لا تمثل إرادة الأمة. وأى معاهدة أو تحالف تتوصل إليه مع بريطانيا قبل أن يتم جلاء قواتها هو إجراء باطل ولن يلزم الأمة".

وتهاوت حكومة صدقي وتهاوت معها معاهدته الذليلة مع المحتل البريطاني ...

سادسا :وزارة محمود فهمي النقراشي (1946-1948م)

في عهد هذه الوزارة العميلة كانت المحنة الكبرى حيث تم حل جماعة الإخوان المسلمون و الزج بأفرادها في المعتقلات بعدما أخذوهم من ساحات الجهاد في حرب فلسطين عام 48، ومن قبل ذلك تم استصدار قانون 49 لسنة 45 وكان الإخوان هم الهدف من هذا القانون ..

جاء في بحث الإمام حسن البنا وجهود التضامن الاجتماعي و أعمال البر ما يلي :

- قصة قانون 49 لسنة 45 وكيف تغلب عليه الإخوان :

وتسلم النقراشي أمر الوزارة بعد ذلك ليصدر في 12يوليو عام 1945م القانون رقم (49) لسنة 1945م لتنظيم عمل البر بالجمعيات الخيرية، وقررت المادة الأولى من القانون أنه «تعد جمعية خيرية كل جماعة من الأفراد تسعى إلى تحقيق غرض من أغراض البر، سواء أكان ذلك عن طريق المعاونة المادية أم المعنوية، وتعد مؤسسة اجتماعية كل مؤسسة تنشأ بمال يجمع كله أو بعضه من الجمهور لمدة معينة وغير معينة، سواء أكانت هذه المؤسسة تقوم بأداء خدمة إنسانية دينية أو علمية أو فنية أو صناعية أو زراعية...

أم بأي غرض آخر من أغراض البر أو النفع العام». وقد أعطى القانون للجمعيات القائمة مهلة ثلاثة أشهر لتوفيق أوضاعها وفقًا للقانون، وإلا جاز لوزير الشئون الاجتماعية طلب حلها.

ولما كانت بعض أنشطة الإخوان تخضع لذلك القانون، كما أن بعض جمعيات الإخوان كانت تتلقى المساعدات من وزارة الشئون الاجتماعية، فقد درس الإخوان الأمر بسرعة وشرح الله صدر الإمام البنا فدعا الجمعية العمومية لهيئة الإخوان المسلمين و رؤساء المناطق والشعب ومراكز الجهاد فى جميع أنحاء المملكة المصرية إلى الاجتماع فى اليوم الثانى من عيد الفطر 2من شوال 1364 الموافق 8من سبتمبر 1945

قد لبى الدعوى ألفان وخمسمائة عضو يمثلون فروع الهيئة ودام الإجتماع برئاسة فضيلة الأستاذ ((حسن البنا)) المرشد العام حوالى أربع ساعات تناولوا فيه البحث فى موقف الجماعة من الحقوق الوطنية، كما تناولوا موضوع القانون رقم 49 لسنة 1945 (1) الذى أصدرته وزارة الشئون الإجتماعية الخاص بالجمعيات .

وبعد مناقشات أصدروا القرارات الآتية :

يقرر المجتمعون بإعتبارهم الجمعية العمومية للإخوان المسلمون التى تمثل مناطقهم وشعبهم فى المملكة المصرية ما يأتى :

أولاً - فيما يتعلق بموقف الإخوان المسلمين بمناسبة صدور القانون رم 49 لسنة 1945 الخاص بتنظيم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الإجتماعية.

إن جماعة الإخوان المسلمين هيئة إسلامية جامعة تعمل لتحقيق المقاصد والأغراض التى جاء بها الإسلام الحنيف ومنها :

الغرض العلمى:

وهو شرح دعوة القرآن الكريم شرحاً دقيقاً، وعرضها عرضاً يوافق روح العصر ويرد عنها الأباطيل والشبهات.

الغرض العملى:

وهو جمع كلمة الأمة المصرية والأمم الإسلامية عامة على هذه المبادئ احتى يتكون رأى إسلامى عام يعمل على نصرتها وتحقيقها .

الغرض الإقتصادى:

وهو يرمى إلى تنمية الثروة القومية من زراعية وصناعية وتجارية ويعمل على تحريرها وحمايتها.

الغرض الإجتماعى :

وهو يحقق رفع مستوى المعيشة وكفالة التوازن الاجتماعى بين الأفراد والطبقات وضمان تكافؤ الفرص للجميع بمكافحة المرض والفقر والجهل والرذيلة وتشجيع أعمال البر.

وبناء على ذلك تم فصل قسم أعمال البر و الخدمة الإجتماعية عن مكتب هيئة الإخوان ليصبح قسما مستقلا له لا ئحته الخاصة به ، وسمى:

" جماعات أقسام البر والخدمة الاجتماعية للإخوان المسلمين " .

وقبل انتهاء المهلة المحددة لسريان القانون 49 لسنة 1945 قدم الإخوان قانونهم المعدل إلى الوزارة الشئون الاجتماعية للنظر.. ولم يتأخروا عن التقدم للوزارة وعرض الأمر على المستشار القانونى لوزارة الشئون الاجتماعية, وكان المرحوم محمد العشماوي باشا فأفتى بجواز تسجيل أقسام البر والخدمة الاجتماعية منفردة.

وهكذا نجى الله الإمام و جماعته من كيد النقراشي ومكر سادته الإنجليز. يقول المهندس محمد الصروي :

"في ديسمبر 1948م أصدر رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي قراراً بحل جماعة الإخوان المسلمين استجابة لرغبة الانجليز، فأغلقت دور الانجليز، وصودرت ممتلكاتهم، واعتقل عدد كبير منهم - إلا فرداً واحداً هو الإمام حسن البنا...،

وبعد عشرين يوماً من حل الجماعة اغتيل محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء، على يد الطالب عبد المجيد حسن الذي ارتدى زي ضابط شرطة ودخل مكتب رئيس الوزارة وقتله بمسدسه... وجاء إبراهيم عبد الهادي رئيساً للوزراء الذي انتقم باغتيال حسن البنا في 12 فبراير 1949م، وكان الإخوان المعتقلون بالآلاف قد أودعوا في معسكر الهاكستب."

العنصرية فى التعامل مع الإخوان المسلمين

"إذ بينما كان الإخوان مشغولين بالجهاد في فلسطين لصد الهجمة الصهيونية صدر قرار من رئيس الحكومة المصرية محمود فهمي النقراشي بحل الجماعة واعتقال المجاهدين فأُخذوا من ساحات الجهاد في فلسطين إلى المعتقلات والسجون، وصاحب ذلك كله حملة لتشويه صورة الإخوان"

يقول أ. جمعة أمين :"أبلغت السفارة البريطانية النقراشي بهذا القرار المطلوب وهو حل جماعة الإخوان المسلمين في أسرع وقت ممكن ، وكان ذلك مصحوبا بتبليغبأنه في حالة عدم حل الإخوان المسلمين فستعود القوات البريطانية إلي احتلال القاهرة والإسكندرية "فاستدعى رئيس الوزارة محمود فهمي النقراشي اللواء عبدالرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية وشرح له الأمر ،

وهو طلب السفارة البريطانية حل جمعية الإخوان المسلمين وإلا احتلوا القاهرة والإسكندرية , وطلب منه كتابة مذكرة تبرر حل جمعية الإخوان المسلمين أمام الرأي العام ، حتى لا يظهر أنه ينفذ ما طلبته السفارة البريطانية من تدخل سافر في الشئون الداخلية لمصر ، وهي دولة مستقلة ذات سيادة من الناحية الرسمية!

تعهد اللواء عبد الرحمن بذلك ، واتصل بالمديرين وطلب منهم أن يوافوه بالحوادث التي كان الإخوان المسلمين طرفا فيها ولو مجنيا عليهم "

و يقول أ. محمود عبد الحليم :" تولي رياسة الوزارة بعد مقتل أحمد ماهر زميله وصديقه وظله محمود فهمي النقراشي فأمر بإحالة القضية إلي المحكمة العسكرية العليا برياسة محمود منصور بك وعضوية حسن حمدي بك واثنين من العسكريين ... وقد ترافع عن المتهم علي بك بدوي فدافع دفاعًا رائعًا ،ودفع بعدم اختصاص القضاء العسكري .

وتبين أن المتهم كان منتسبًا إلي شباب الحزب الوطني"

يقول أ. محمد كمال خليفة:"وتألفت وزارة النقراشى فى 10 ديسمبر 1946 وفى يوم تاليفها نشر البنا مقالا دعا فيه الحكومة الجديدة إلى اختصار الطريق ، واحترام إرادة الأمة ، وإنهاء المفاوضات ، وسلوك سبيل الجهاد ، ثم تابع نشر مقالاته فى الجريدة مسفها منهاج الحكومة ، مشيرا الى أنها حاربت الإخوان ، وأغلقت مدارسهم ، وسجنت أحرارهم ولا حقتهم بالتضييق والإرهاق ، وكانت هذه بداية حرب داخلية بين النقراشي والإخوان ، وزادتها قضية فلسطين حدة وعنفا ، التى ساهم فيها الإخوان مساهمة فعالة ،

وكانت بالتالى محك قوتهم ونفوذهم من جهة ، ومصدر عزة لهم فى مصر والعالم العربى واشترك الإخوان فى المعركة تحت إشراف الجامعة العربية ، وأتاح لهم هذا الاشتراك المسلح التدريب على القتال ، كما كشفت عن مدى استعدادهم الحربى ومدى نفوذهم ،خشيت حكومة النقراشي سلطتهم .

فاغتنمت فرصة وقوع حوادث عنف فى داخل القطر ، واتهمتهم بان لهم ضلعا فيها ، وأنهم ينوون إحداث انقلاب . فأصدرت أمرا عسكريا رقم 63 مؤرخا فى 8 ديسمبر 1948

بحل جماعة الإخوان وشعبها أينما وجدت ، وبغلق الأماكن المخصصة لنشاطها ، وبضبط جميع الأوراق والوثائق والمجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال وكافة الأشياء المملوكة للجمعية. وتبع هذا الأمر صدور أوامر عسكرية أخرى ، بتصفية شركاتهم ، والعمل على استخلاص أموال الجمعية لتخصيصها فى الوجوه العامة التى يقررها وزير الشئون الاجتماعية .

وحاول البنا أن يسد هذه الثغرة ، ويسوى الموقف ، ولكنه لم يجد من النقراشي وحكومته أدنى استعداد ، حتى قضى مقتل النقراشي فى 28 ديسمبر1948 على هذه المحاولات ، إذا اتهم الإخوان بقتله ، وزاد الموقف حرجا بينهم وبين الحكومة" .

ومما يجدر ذكره أن الإمام حسن البنا كان قد تلقى نبأحل جماعة الإخوان المسلمون الصبر و المصابرة يقول رحمه الله تعالى:

" لا ننسى فى هذا المضمار عمل الأصابع الخفية والدسائس من ذوى الغايات الذين خاصموا هذه الدعوة من أول يوم وتربصوا بها الدوائر. حتى أمكنتهم منهعا الفرصة وساعدتهم الظروف فأحكموا الخطة ودأبوا على التدبير والكيد حتى وصلوا فى النهاية إلى ما يريدون فاليهودية العالمية والشيوعية الدولية والدول الاستعمارية وأنصار الإلحاد والإباحية،

كل هؤلاء من أول يوم يرون الإخوان ودعوتهم السد المنيع الذى يحول بينهم وبين ما يريدون من باطل وفوضى وإفساد ولا يألون جهدا فى معاداتهم بكل ما يستطيعون وهم لم يستطيعوا كتمان شعورهم هذا ولا إخفاء سرورهم وفرحهم لنجاح خطتهم حين أعلن قرار الحل فأقاموا المآدب وأولموا الولائم وتبادلوا التهانى وجعلوه يوما من أيام المواسم والأعياد

- وهكذا أقرت الحكومة المصرية بهذا التصرف أعين الضالين المضللين بالعدوان على المؤمنين العاملين فإلى الله المشتكى والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون - وتلك الأيام نداولها بين الناس ولله عاقبة الأمور " .

ويخبر أيضا المهندس محمد الصروي عما فعله الإمام البنا بعدما علم بأمر الحل فيقول :

"جريدة صوت الأمة الوثيقة التي كتبها الإمام الشهيد حسن البنا ورد بها على دعاوي الحكومة واتهاماتها الباطلة للإخوان المسلمين وقرارها بحل الجماعة واتخاذها كل أساليب البطش:

"لقد سمع الرأي العام المصري والعربي الإسلامي قضية الإخوان المسلمين من جانب واحد هو جانب الحكومة التي اعتدت على الهيئة بإصدار أمر عسكري بحلها، وهو الجانب الذي يملك كل وسائل الدعاية:

من الصحف الخاضعة للرقابة كل الخضوع ومن الإذاعة التي تديرها وتهيمن عليها الدولة ومن الخطباء في المساجد الذين هم موظفون حكوميون، لكن الرأي العام لم يسمع من الطرف الآخر لم يسمع من الإخوان المسلمين الذين حرموا كل وسائل الدفاع عن أنفسهم، فصودرت صحفهم، وعطلت أقلامهم، وكممت أفواههم واعتقل كل خطيب لهم، واعتبر اجتماع كل خمسة منهم في أي مكان جريمة أقل عقوبة لها السجن ستة أشهر.

ولهذا كان من الواجب أن نتقدم بهذا البيان للرأي العام المصري.

والعربي والإسلامي وللضمير الإنساني العالمي حتى لا يقع في خطأ ما ويظلم في الحكم ويحكم بسماع خصم واحد وقد قيل:

إذا جاءك خصم وعينه مقلوعة فلا تحكم له حتى ترى خصمه فقد تكون عيناه الإثنتان مقلوعتين وإنا لنرجو بعد هذا يناصرنا الرأي العام على من اعتدوا علينا، وأن يطالب بشدة برفع هذا الظلم الصارخ عنا وإطلاق حرية الدعوة الصالحة النافعة، دعوة المبادئ السامية والأخلاق الفاضلة لتقوم بنصيبها في خدمة المجتمع الإنساني المتعطش لهذا الغذاء من الروحانية وسمو الأخلاق.


المصادر