مائة موقف من حياة المرشدين لجماعة الإخوان المسلمين
بقلم/ الأستاذ محمد عبد الحليم حامد
مقدمة
الحمد لله، و الصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فإن دعوة الإخوان المسلمين مليئة بالخير، لأنها تقتفي آثار الرسول صلى الله عليه وسلم فهماً و عملاً.
ولقد تخرج في هذه الدعوة رجال بحق، ﴿ رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلاً ﴾.
رجال حملوا أمانة الدعوة فنشروها بكل إخلاص و تضحية.....
رجال حافظوا على راية الدعوة بيضاء نقية بكل عزم و حزم....
رجال شقوا للدعوة طريقاً وسط الصخور و العراقيل بكل صدق و صراحة .. فأغظم بهم من رجال !!.
و من حقوق هذه الدعوة المباركة أن يدون تاريخها من شتى الجوانب، و مختلف النواحي ، لأن في ذلك زاداً عظيماً للأجيال ، ووصلاً للاحق بالسابق...، و تعميقاً لجذور الدعوة في نفوس أبنائها ، فتؤتى الشجرة الطيبة أكلها كل حين بإذن ربها.
من هذا المنطلق كانت هذه المحاولة المتواضعة التي جمعت فيها مائة موقف من حياة المرشدين الصادقين الذين تولوا عبء و أمانة قيادة دعوة الإخوان المسلمين.
و إن هذه المحاولة قطرة من بحر مما تذخر به حياة أولئك العظماء و تلك الدعوة المباركة.
و حقيق على أهل الفضل ، و ذوي الصحبة الطويلة الطيبة أن يفيضوا على الأجيال المتعطشة من هذا البحر الزاخر المبارك.
ولقد سبق في هذا الباب الأستاذ المرشد عمر التلمساني رحمه الله و الأستاذ عباس السيسي ، و الأستاذ جابر رزق رحمه الله ، وقدموا للأجيال قبساً من هذه الحياة الطيبة....
و إن هذه المواقف شهادة عملية على مدى شمول وعمق واستقامة التربية الإخوانية؟ إنها بحق زاد للأجيال...
و لقد لمست عظيم التأثير بها في نفوس المستمعين إليها ...
إنها تنقل من عايشها نقلة عالية في مدارج السالكين .
وفي الختام أسأل الله تبارك و تعالى أن يتقبل أصحاب هذه المواقف في الصالحين ، و يرفع درجاتهم في عليين ، و أن يجمعنا بهم في جناته جنات النعيم إخواناً على سرر متقابلين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .... محمد عبد الحليم حامد
توثيق المواقف
هذه المواقف مستقاة مباشرة مما دونه و كتبه ، و تحدث به مباشرة قادة الدعوة ، وكبار مسؤوليها .
مثل : الإمام الشهيد حسن البنا في :
" مذكرات الدعوة و الداعية"
و الأستاذ المرشد عمر التلمساني في :
" ذكريات .. لا مذكرات "
" و الملهم الموهوب "
" و بعض ما علمني الإخوان المسلمون "
" و أيام مع السادات "
و الأستاذ أسعد سيد أحمد في :
" الإسلام و الداعية "
و الأستاذ محمود عبد الحليم في :
" الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ "
و الأستاذ جابر رزق في :
" الإمام الممتحن حسن الهضيبي "
و الأحاديث المباشرة لفضيلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب
و الأستاذ المستشارمحمد المأمون الهضيبي
و الأستاذ الدكتورأحمد الملط
و غيرهم من الأفاضل الكرام .
و لقد كان حظي هو جمع هذه الدرر من المواقف ، و نظمها في عقد فريد ، لتتجلى للناظرين بلا تقديم و لا تعليق لأنها تشع أضواءها بذاتها .
مواقف للإمام الشهيدحسن البنا
نبذة عن حياة الإمام الشهيد
- كان والده من العلماء العاملين ، المشتغلين بعلوم السنة النبوية .
- حفظ القرآن صغيراً .
- عين مدرساً بمدينة الإسماعيلية .
- غرس أول نواة لجماعة الإخوان المسلمين في ذي القعدة 1347 هـ - مارس 1928 م .
1 - قيام الليل
ذهب الأمام الشهيد إلى مؤتمر بالمنزلة دقهلية وبعد الفراغ من المؤتمر ، و الذهاب إلى النوم ، توجه الإمام و في صحبته الأستاذ عمر التلمساني إلى حجرة بها سريران ، ورقد كل على سريره .
وبعد دقائق قال الأستاذ : أنمت يا عمر ؟ .
قال : لا .
وتكرر السؤال .
وتكرر الرد.
وقال الأخ عمر في نفسه إذا سأل فلن أرد .
وظن الأستاذ أن الأخ عمر قد نام . فتسلل على أطراف أصابعه ، وخرج من الحجرة ، وأخذ نعليه في يده ، وذهب إلى دورة المياه حافياً ، حيث جدد وضوءه ، ثم اتجه إلى آخر الصالة ، وفرش سجادة ، وأخذ يتهجد .
2 - إننا مجاهدون بأموالنا
جاء مبعوث من السفارة الإنجليزية إلى دار المركز العام وقابل الإمام الشهيد وقال له :
إن الإمبراطورية من خططها مساعدة الجمعيات الدينية و الإجتماعية ، وهي تقدر جهودكم ونفقاتكم .. لذلك فهي تعرض عليكم خدماتها بدون مقابل وقد قدمنا مساعدات لجمعية كذا وكذا ... ولفلان و فلان .. وهذا شيك بعشرة آلاف جنيه معاونة للجماعة. فتبسم الإمام الشهيد وقال :
إنكم في حالة حرب وأنتم أكثر احتياجاً إلى هذه الآلاف.
فأخذ المبعوث يزيد في المبلغ و الإمام الشهيد يرفض .. و كان بعض الإخوة يتعجبون ويتهامسون :
لم لا نأخذ المال و نستعين به عليهم .
فكان جواب الإمام الشهيد :
إن اليد التي تمتد لا تستطيع أن ترتد .
و اليد التي تأخذ العطاء لا تستطيع أن تضرب .
أننا مجاهدون بأموالنا لا بأموال غيرنا و بأنفسنا لا بأرواح غيرنا .
3 - أريدك معي في الوزارة
اتصلفؤاد سراج الدين في بداية بريقه بالإمام الشهيد وقال له : أريدك في أمر هام .
فقال الإمام : وما هو يا فؤاد باشا ؟
فقال الباشا : أريدك معي في وزارة الشؤون الإجتماعية .
فقال الإمام : أنا موظف أعمل بالحكومة في أي مكان أنتج فيه . و لكن لي شرط واحد يا باشا .
فقال الباشا : وما هو ؟
فقال الإمام : أن أنقل في نفس الدرجة و بنفس المرتب .
فقال الباشا : مستحيل فسيكون تحت أمرك من هو بدرجة مدير عام .
فقال الإمام : آسف يا باشا و أنا متمسك بشرطي .
فقال الباشا : أنا لا أستشيرك في الأمر ولكني أخبرك وسيصدر المرسوم الملكي بهذا الأمر .
فقال الإمام : سأعتذر ولن أحرج وسيكون الحرج لك والوزارة .
4 - تقدير المسؤول
بقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : كان الإمام الشهيد يرفع من معنوياتنا : دعاه أحد الإخوان إلى الغداء في عزبته على مقربة من شبين القناطر بلدتي ، ولم يدعني الداعي ، وأحب المرشد أن يشعره بالتقصير دون إحراج ... فجاء من القاهرة و أرسل من يستدعيني من المحكمة ، فجئت مسرعاً ، فقال متعجلاً : اركب .
قلت : إلى أين ؟
قال : لنتناول الغداء عند فلان .
قلت : ولكني لم أدع ، وفضيلتك تعرف حساسيتي في هذا المجال .
قال : أعلم حقاً ، ولكنني لا أستطيع أن أمر من شبين القناطر دون الأخ المسؤول عنها .
فكيف تريدني أن أتخطاك ؟
قلت : و لكنك أنت المسؤول عنا جميعاً ، وتجب طاعتك على من عداك .
قال : ذلك في الشؤون العامة .
أما هذه المسائل فمسؤول المنطقة هو صاحبها و الرأي فيها رأيه و لئن لم يراع رئيس الجماعة وضعية المسؤولين في الجماعة كان الأمر إلى الفوضى أقرب منه إلى النظام .
قلت : جزاك الله خيراً على هذا الدرس .
قال : فإما أن تركب و إما أن أرسل إلى الداعي ليحضر ويدعوك معنا .
قلت : إذاً لأركب .
5 - عاطفة .. وجندية
في معسكرالدخيلة كانت ذكريات ودروس وعظات من ذلك :
أصدر الأخ مسعود أبو السعود قائد المعسكر قراراً بمعاقبة أحد الإخوة وذلك بصرف نصف رغيف فقط في وجبة الغداء .
ونزل الإخوان البحر وجاء وقت الغداء وكانت جلسة الأخ المعاقب بجوار الإمام الشهيد وتزاحمت العاطفة والجندية.
فأخذ الإمام الشهيد يجمع من الخبز من أمامه لكي يعطيه للأخ المعاقب ثم يضعه ثانية .
وتكرر هذا المشهد عدة مرات .
لقد دفعته العاطفة لجمع الخبز ..
ومنعته الجندية من تكسير الأمر ..
وقام الإمام و لم يذق لذة الطعام .
6 - الناظر والوافد الجديد
يقول الأستاذ عمر التلمساني : كان الإمام الشهيد حلالاً للمشاكل في بساطة ويسر ناجحين .
في مركز من المراكز شعبة يرأسها ناظر مدرسة إلزامية وانتقل إلى هذا المركز أخ أكثر علماً من الناظر .
وبعد أيام قلائل قال الناظر للوافد الجديد : يا أخي إنها أمانة فأنت أحق بحملها مني فاقبل رئاسة الشعبة وارحمني يرحمك الله .
فرفض الأخ في إصرار قائلاً : إن أهل مكة أدرى بشعابها .
وصمم كل منهما على رأيه ، ورفع الأمر إلى فضيلةالمرشد .
فقال لنائب الشعبة : لماذا تصر على أن يكون أخوك هو نائب الشعبة ؟
قال : إنه أعلم مني .
فقال الإمام : هب أنه قبل ، وزاول عمله فأخطأ فمن يصلح خطأه ؟
وأنت كما تقول دونه علماً ، فابق في مكانك فإن أخطأت أصلح لك خطأك . أليس هذا صحيحاً ؟
قال : بلى .
وانتهى الأمر بهذه البساطة ، وهذه الحنكة .
7 - لا هتاف بالأشخاص
في مؤتمر الطلاب الذي انعقد بدار جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة عام 1938 م خطب الإمام الشهيد فتحمس أحد الإخوة من الطلاب فهتف بحياة حسن البنا – وبرغم عدم استجابة الحاضرين لهذا الهتاف – إلا أن الأستاذالمرشد وقف صامتاً لا يتحرك برهة ، فاتجهت إليه الأنظار في تطلع ... ثم بدأ حديثه في غضب فقال :
أيها الإخوان ، إن اليوم الذي يهتف في دعوتنا بأشخاص لن يكون ولن يأتي أبداً . إن دعوتنا إسلامية ربانية قامت على عقيدة التوحيد ، فلن تحيد عنها .
أيها الإخوان ، لا تنسوا في غمرة الحماس الأصول التي آمنا بها ، وهتفنا بها : ( الرسول قدوتنا )
﴿ إن لله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾
8 - أين نحن من تلامذة .. الرسول
في مدينة رشيد أقام الإخوان حفلاً بمناسبة ذكرى الإسراء و المعراج ، فتحدث أحد الإخوة المتحمسين فقال : إن مثلنا الآن من الأستاذالمرشدوهو يشير إليه كمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه .
وما كاد الأستاذ المتحدث ينتهي من هذه العبارة حتى قفز الإمام الشهيد إلى المنصة ثم اتجه إلى الناس قائلاً : إيها الإخوة ، معذرة إذا كان الأستاذ المتحدث قد خانه التعبير فأين نحن من تلامذة تلامذة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم نزل إلى مكانه .
9 - الدعوة في المقاهي
يقول الإمام الشهيد في مذكراته :عرضت على زملائي و انا طالب بدار العلوم أن نخرج للوعظ في المقاهي فعارضوا ... و كنت أخالفهم في هذه النظرة ، وكنت أعتقد أن كثيراً من رواد المقاهي فيهم خير .
وقلت لزملائي : إن العبرة بحسن اختيار الموضوع فلا نتعرض لما يجرح شعورهم .
وبطريقة العرض فتعرض بأسلوب شائق جذاب .
وبالوقت فلا نطيل عليهم القول .
وقمنا بالتجربة فألقيت في أول ليلة أكثر من عشرين خطبة تستغرق الواحدة منها ما بين خمس دقائق إلى عشرة .
ولقد كان شعور السامعين عجيباً ، وكانوا دائماً بعد الخطبة يقسمون أن نشرب شيئاً ، فنعتذر لهم بضيق الوقت وبأننا نذرنا هذا الوقت لله .
وكان أسوتنا قول كل رسول : ﴿ قل لا أسألكم عليه أجراً ﴾ .
ونجحت التجربة مائة في المائة بفضل الله وتوفيقه(1) .
وكرر الإمام الشهيد هذا الأسلوب وحده في الإسماعيلية عندما تخرج ، وعين مدرساً هناك ، فنجح بفضل الله.
10- تمثال على الشاطئ
يقول الإمام الشهيد في مذكراته : مررت ذات يوم على شاطئ النيل وأنا تلميذ .. فلاحظت أن أحد أصحاب السفن قد علق في ساريتها تمثالاً خشبياً عارياً على صورة تتنافى مع الآداب ، وبخاصة و أن هذا الجزء من الشاطئ يتردد عليه السيدات والفتيات يستقين منه الماء .
فذهبت فوراً إلى ضابط النقطة وذكرت له ما رأيت وأنا غاضب .. فقام الرجل على الفور ، وهدد صاحب السفينة ، وأمره بإنزال التمثال حالاً .
ولم يكتف الرجل بذلك بل ذهب في صباح اليوم التالي إلى المدرسة وأخبر الناظر الخبر في إعجاب وسرور .
فسر الناظر وأذاع الخبر على التلاميذ في طابور الصباح.
فأين سلوك كثير من النظار والضباط اليوم ؟!
11- إمام المسجد والتلاميذ
يقول الإمام الشهيد في مذكراته : " ونحن طلاب في المدرسة الإعدادية كنا نصلي الظهر في المسجد الصغير المجاور للمدرسة.
وذات يوم مر إمام المسجد فرأى كثيراً من التلاميذ يزيد على ثلاثة صفوف أو أربعة .. فخشي الإسراف في الماء ، والبلى للحصير.
فانتظر حتى أتم المصلون صلاتهم، ثم فرقهم بالقوة مهدداً ومنذراً ومتوعداً ، فمنهم من فر ومنهم من ثبت .
وأوحت إلي خواطر التلمذة أن أقتص منه ولا بد .
فكتبت إليه خطاباً ليس فيه إلا هذه الآية : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شىء ومن حسابك عليهم من شىء فتطردهم فتكون من الظالمين }
وبعثت الخطاب بالبريد
ثم عرف الشيخ ممن جاءته هذه الضربة ، فقابل الوالد شاكياً...
فأوصاه بالتلاميذ خيراً.
وكانت له معنا مواقف طيبة بعد ذلك.
واشترط علينا أن نملأ صهريج المسجد بالماء قبل انصرافنا وأن نعاونه في جمع تبرعات للحصر .
فأعطيناه ما شرط.
12- مناقشة من أجل أذان العصر
يقول الإمام الشهيد في مذكراته : "كنت أؤذن الظهر والعصر في مصلى المدرسة، وكنت أستأذن المدرس- إذا كان وقت العصر يصادف حصة من الحصص – لأداء الأذان...
وكان بعض الأساتذة يسمح وهو مسرور وبعضهم يريد المحافظة على النظام، فأقول له: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وأناقشه مناقشة جادة لا يرى معها بداً من السماح حتى يتخلص منها ومني "
13 – تهادوا تحابوا
يقول الإمام الشهيد في مذكراته : نظمت درساً بالمسجد في الإسماعيلية بين المغرب والعشاء ، وأقبل الناس ، وكان له أثر طيب .
ولكن أحد قدامى المشايخ المولعين بالجدل والحواشي وإحراج الوعاظ حاول إحراجي ذات مرة وأنا أقص قصة الخليل إبراهيم عليه السلام .
فسألني عن اسم أبيه ؟
فابتسمت . وقلت : إن اسمه (تارخ) وإن آزر عمه والقرآن يقول : إن آزر أبوه.. ولا مانع من ذلك في لغة العرب .. ونطقت بكلمة تارخ بكسر الراء.
فقال : لكن اسم أبيه تارُخ) بضم الراء لا كسرها.
فقلت: فليكن ، وهو اسم أعجمي على كل حال، وضبطه يتوقف على المعرفة بهذه اللغة ، والمهم العظة والعبرة.
وأراد الشيخ أن يستخدم هذا الأسلوب في كل درس ومعنى هذا أب يهرب العامة والمستمعون .
ففكرت في العلاج : فدعوته إلى المنزل وأكرمته وأهديته كتابين .. فسُرّ الشيخ سروراً عظيماً.
وجعل يواظب على الدرس ، ويدعو الناس إليه بإلحاح وكف عن الجدال ، وصدقت الكلمة الطيبة : " تهادوا تحابوا".
14 – رؤيا صالحة
يقول الإمام الشهيد في مذكراته : " إن من فضل الله تبارك وتعالى أنه يطمئن ويسكن نفوس عباده ، وإذا أراد شيئاً هيأ له الأسباب .
فلا زلت أذكر أن ليلة امتحان النحو والصرف للإلتحاق بدار العلوم ، رأيت فيما يرى النائم أنني أركب زورقاً مع بعض العلماء الفضلاء .. فتقدم أحدهم وقال لي : أين شرح الألفية لابن عقيل ؟
فقلت : ها هو ذا .
فقال : تعال نراجع فيه بعض الموضوعات.
هات صفحة كذا ، وصفحة كذا .. وأخذت أراجع موضوعاتها.
وفي الصباح جاء الكثير من الأسئلة حول هذه الموضوعات.
فكان ذلك تيسيراً من الله تبارك وتعالى.
والرؤيا الصالحة عاجل بشرى المؤمن والحمد لله رب العالمين".
15 – حقد ونجاة
حقد أحد الزملاء الطلاب على الإمام الشهيد لتفوقه في الدراسة ففكر في حيلة يعيقه بها عن الامتحان.
فانتهز فرصة نوم جميع الطلاب ، وأخذ يصب زجاجة من صبغة اليود المركزة على وجهه وعنقه ، ثم تظاهر بالنوم ولكن الإمام ألهمه الله أن يقوم مسرعاً إلى دورة المياه ليغسل وجهه وعنقه .
وكان أذان الفجر ، فنزل مسرعاً إلى الصلاة . وكان تحقيق في الصباح في هذه الكارثة. واكتُشف الجاني واعترف بجريمته ....
فأخذ عقابه من الزملاء وهموا بتبليغ النيابة وإدارة المدرسة ولكن الإمام تذكر أنه قد نجا، وهذه نعمة تستحق الشكر وليس الشكر إلا بالعفو والصفح {ومن عفا وأصلح فأجره على الله}.
فجعل الله هذه الحادثة خيرا وبركة إذ كانت سبباً لانتقال الأسرة كلها من المحمودية إلى القاهرة.
16 - الكلوب الخطر
دعي الإمام الشهيد إلى حفل في مدينة الزقازيق .
وكانت الإضاءة بواسطة الكلوبات ،فهوى إلى الأرض محشرجاً مدخناً ، يكاد ينفجر ، ولو انفجر لدمر السرادق ،ولكان الحريق مروعاً .
وهرول الناس مبتعدين عن هذا الكلوب الخطر .
وفي كل بساطة ، وثقة ، وشجاعة ، وهدوء ، ترك الإمام المنصة ، وأخرج مدية الجوالة من جيبه ، وتقدم إلى الكلوب في غير هرولة ، وفصله عن السقف ، وحمله إلى خارج السرادق .
وعاد الهدوء والأمن واستكمل الحفل على خير وجه.
17- حرص الإخوان على مصلحة البلد
حين صدر قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين في الثامن من ديسمبر عام 1948 م في عهد النقراشي وكان ما كان من محنة وبلاء واعتقال وإيذاء .
حينئذ ذهب بعض الشباب إلى الإمام الشهيد ليستأذنوه في المقاومة حسب الطاقة .
فنهاهم بشدة عن هذا الأمر ، وأوضح لهم عاقبته الوخيمة وذكرهم الإمام الشهيد بالقصة المشهورة عن نبي الله سليمان حين اختمصت امرأتان على طفل وليد ... وادعت كلتاهما بنوته ... فحكم بشطره نصفين بينهما ، وبينما وافقت المرأة التي لم تلد على قسمته، عز ذلك على الأم الحقيقية ، وآلمها قتل فلذة كبدها ، فتنازلت عن نصيبها فيه لقاء أن يظل الطفل متمتعاً بحياته ..
ثم قال لهم الإمام الشهيد : إننا نمثل نفس الدور مع هؤلاء الحكام .ونحن أحرص منهم على مستقبل هذا الوطن وحرمته. فتحملوا المنحة ومصائبها ، وأسلموا أكتافكم للسعديين ليقتلوا ويشردوا كيف شاؤوا ، حرصاً على مستقبل وطنكم ، وإبقاءً على وحدته واستقلاله .
18 - دعوتنا لكل الناس
زار الإمام الشهيد محافظة سوهاج ، وبعد انتهاء المؤتمر دعي إلى مائدة ، وجلس بجواره أحد الإخوة .
وكان هذا الأخ يتمنى أن تتاح له هذه الفرصة ليهمس في أذن الإمام الشهيد بأمر هام . فقال له : يا أستاذ .
إن الدعوات لا تقاس بالكم وإنما بالكيف .
فماذا لو وضعنا ضوابط للذين يريدون الإنتساب ...
كأن نحدد لهم قدراً من الثقافة الإسلامية يدرسونه ، ويظلون زمناً في إطار الانتساب وتحت الاختبار ، ثم ينقل الصالح منهم إلى العضوية العاملة ؟
فابتسم الإمام الشهيد ، وقال : يا فلان ، هل تريدون مني ما لم يرده الله من أنبيائه ورسله وهم صفوة خلقه. إننا دعوة لكل الناس وليست لفئة محمودة . يتربى فيها كل من يريد أن يخدم الإسلام مهما كانت مكانته وثقافته .. وكل ميسر لما خلق له . ومن يدري فلعل هذه الدعوة تواجه محناً عاتية ، تعدون فيها الرجال على الأصابع . وجاءت المحن العاصفة ، وثبت كثير من الذين نحسبهم بسطاء في مكانتهم وثقافتهم . ولكنهم تخلقوا بمقومات الرجولة فصدقوا ما عاهدوا الله عليه . وسقط آخرون من أصحاب الثقافة الواسعة ، والشخصيات اللامعة ، ولله في خلقه شؤون.
19 - العدس بالحلبة
خرج الإمام الشهيد مرة في رحلة خلوية مع الجوالة .
وقام الإخوة المكلفون بإعداد الطعام بعملهم .
ولكنهم أخطأوا بخلطهم العدس بالحلبة .
فكان مذاق الطعام غير مألوف .
ولكنه خفف الحرج عن الآكلين والطهاة لتشجيع الجوالة على تناول هذا الطعام الغريب فقال : أتعرفون ما اسم هذه الطبخة يا أحباب ؟
إنها الحلبة التي تسمعون عنها ، وها أنتم قد رأيتموها وأكلتموها ، فبالهناء والشفاء .
20 - حفل مع الفتوات
دعي الإمام الشهيد مرة على إلى حفل بمناسبة المولد في بولاق .
وكان هذا الحي يشتهر في ذلك الوقت بالفتوات والأقوياء .
فكان حديثه يدور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوته وشجاعته وصرعه لأبي جهل ، وركانة أقوى أقوياء الجزيرة العربية وسبقه لأبي بكر وعمر .. ذلك الحديث المحبب لأولئك الفتوات .
ثم انتقل بهم إلى القوة الروحية التي مصدرها طاعة الله والتزام أمره واجتناب نهيه ..
كذلك استخدام القوة في نصرة المظلوم ، ومجاهدة الأعداء ..
فما كان من أحد الفتوات إلا أن صاح معجباً : " اللهم صلي على أجدع نبي " .
وانتهى الحفل ، وبايع الكثيرون ، وعلى رأسهم المرحوم إبراهيم كروم أشهر فتوات بولاق السبتية .
21- لو خرجنا بواحد لكفى
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : ذهبت مع الإمام الشهيد مرة إلى مدينة طوخ بالقليوبية .
وكان الحفل حاشداً ، والهتافات عالية ... وفي الطريق سألني فضيلته : ما رأيك في الحفل ؟
قلت : إن الصخب شديد ، والأصوات العالية لا تطمئنني كالطبل الأجوف ..
قال : اسمع ، نحن على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم . كان يعرض نفسه على الناس في الأسواق ، فلا يلقى إلا السخرية والإيذاء .
فهلا نصبر على بطء الإستجابة إننا لو خرجنا من هذه الآلاف بواحد فقط ، فذلك خير من الدنيا وما فيها .
22- أنا لا أؤلف كتباً بل رجالاً
طلب كثير من الناس الغيورين من الإمام الشهيد أن يؤلف كتباً يودعها ما عنده من معارف بهرت عقول كبار العلماء .
فكان رده عليهم : أنا لا أؤلف كتباً ... وإنما مهمتي أن أؤلف رجالاً أقذف بالرجل منهم في بلد فيحييه .. فالرجل منهم كتاب حي ينتقل إلى الناس ويقتحم عليهم عقولهم وقلوبهم ، ويبثهم كل ما في قلبه ونفسه وعقله ، ويؤلف منهم رجالاً كما ألف هو من قبل .
23- أين المركز العام ؟
عرفت الإسماعيلية صغيرها وكبيرها حسن البنا والإخوان المسلمين فلما انتقلت الدعوة إلى القاهرة حدث الإمام الشهيد بهذه الطرفة فقال : جاء أحد إخوان الإسماعيلية في القاهرة لزيارتي ..
فلما نزل من القطار في محطة مصر سأل أول من قابلهم من أهل القاهرة عن المركز العام للإخوان المسلمين ، وهو يظن أنه يسأل عن أحد معالم القاهرة ، فاعتقدوا أنه شخص ساذج ..
وقالوا له : اتجه من هذا الطريق ... ثم اسأل هناك فاتجه ثم سأل ... وهكذا حتى قابل الإمام الشهيد صدفة وقد جاوز المركز العام بمسافة فأخذه الأستاذ ورجع به المسافة .
وقص على الأستاذ القصة وقال : كل من سألته صدقني إلا صاحب هذا المحل ( وأشار إلى محل على بعد أمتار لا تتجاوز الخمسين متراً ) إذ قال لي : - امش إلى نهاية هذا الشارع ( شارع الناصرية ) فستجد ميدان السيدة زينب فاسأل هناك. - ضحك الأستاذالمرشد ، وفهم أن الدعوة حتى بعد انتقالها إلى القاهرة بثلاث سنوات لا زالت مجهولة حتى أن الجيران لا يعرفونها .
24- حال الجامعة
كانت الجامعة في بداية عهدها خالية من الإعلان بمظاهر الإسلام حتى الصلوات كانت تؤدى تحت الأرض ، وفي أماكن بالية وعلى استحياء .
فقال الإمام لأحد الطلاب : أذن للظهر في مكان مرأى بأعلى صوتك ، واصبر . ففعل الطالب ، فدهش الطلاب والفراشون ، والموظفون وكانت إحدى العجائب ... فصلى السنة ، ثم أقام الصلاة ، وصلى وحده ، والجموع حوله تتعجب . وفعل في اليوم التالي مثل ما فعل بالأمس . وبعد أيام قلائل زاد العدد واحداً بعد الآخر وهكذا لما جاء الحق وصمد ، زهق الباطل وفر .
25- استعراض الجوالة رغم العقبات
أعلنت الجوالة عن القيام باستعراض في إحدى المناسبات ، فاتخذ البوليس جميع وسائل المنع ، فحاصر المركز العام وجميع الشعب والميادين . ولكن الإمام الشهيد أعطى أمراً سرياً بأن يتجه كل فرد من أفراد الجوالة إلى ميدان محدد في لحظة محددة بملابسه الملكية ، وفي حقيبته ملابس الجوالة . حتى إذا سمع صفارة معينة ، خلع ملابسه ، وارتدى ملابس الجوالة ، ثم تنتظم الصفوف ، ويبدأ الاستعراض . فنفذت الخطة ، بكل دقة ، وعجزت الشرطة .
26- ننشئ له مدرسة
في مغاغة مدرسة خاصة تملكها جمعية قبطية . وكان ناظر المدرسة من الإخوان ، وقد خدم في هذه المدرسة ثمانية عشر عاماً . ولكن الإدارة بيتت أمراً خبيثاً ، فقد فاجأته بالإستغناء عنه قبل انتهاء الإجازة الصيفية بقليل ، وقد استوفت كل المدارس حاجتها من المدرسين والنظار .... فوصل الخبر للإمام الشهيد ، فقال لإخوان مغاغة وهو يبتسم بثقة وطمأنينة : " لا بأس .. إذن ننشئ له مدرسة يكون هو ناظرها وصاحبها " فتعجب الناس إذ لم يبق على بدء الدراسة إلا أقل من شهر ولا يوجد رأس مال .... فوضع الإمام الشهيد خطة ، وأصدر الأوامر ، ووزع الأعمال وتحقق الأمل ، وأنشئت المدرسة بفضل الله وعونه .
27- نقد كتاب طه حسين
ألف الدكتور طه حسين كتاب " مستقبل الثقافة في مصر " وقد أحدث دوياً ، واختلفت الآراء بين مادح وقادح . وقد دعي الأستاذ المرشد حسن البنا ليدلي بدلوه حول الكتاب وحدد الموعد ، ووزعت الدعوات . وقبل الموعد بخمسة أيام ، قرأ الأستاذ الكتاب في التزام أثناء ذهابه و إيابه من المدرسة . وذهب إلى دار الشبان المسلمين في الموعد المحدد ، فإذا بها ممتلئة برجالات العلم و الأدب والتربية.. ووقف الإمام على المنصة واستفتح بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله . ثم بدأ ينتقد الكتاب بكلام من داخل الكتاب . فأخذ يأتي بفقرات ويشير إلى رقم الصفحات والحاضرون يتعجبون من هذه الذاكرة ، وتلك العبقرية . وفي الختام أبلغ السكرتير العام للشبان المسلمين الأستاذ المرشد بوجود الدكتور طه حسين في مكان خفي . وفي اليوم التالي طلب الدكتور طه مقابلة الأستاذالمرشد ... فقابله ، ودار حديث أكبر فيه الدكتور طه الأستاذ المرشد ، ثم قال الدكتور طه : ليت أعدائي مثل حسن البنا إذن لمددت لهم يدي من أول يوم . يا أستاذ حسن ، لقد كنت أستمع إلى نقدك لي وأطرب ... وهذا النوع من النقد لا يستطيعه غيرك .
28- من السفر إلى الحصة الأولى
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : ذهبت مع الإمام الشهيد مرة إلى محطة طنطا بدعوة من أحد وجهائها لافتتاح مسجد ، وقضينا ليلة طيبة مليئة بأعمال الخير و الدعوة إلى الله . وفي الصباح ذهبنا جميعاً إلى محطة طنطا لنأخذ القطار إلى القاهرة ، وصلينا الفجر على رصيف المحطة .. ووصلنا القاهرة ، وذهب كل منا إلى منزله ليستكمل راحته . ولكن الإمام الشهيد ذهب إلى مدرسته بالسبتيه ليلقي دروس الحصة الأولى .
29- لا نشارك في معاصي الأفراح
وجه علي باشا ماهر الدعوة للمرشد العام لحضور حفل زفاف ابنه بالإسكندرية . فذهب الأستاذ المرشد إلى الإسكندرية ونزل عند الإخوان ، وكلف الأستاذ أحد الإخوة الذين رافقوه بالذهاب إلى الحفل ، وقال له : إذا لم تجد أي مخالفة شرعية فاتصل بي تليفونياً حتى أحضر ، وإذا وجدت ما يسبب أي حرج فقم أنت بالواجب . وانتظر الأستاذ فترة ، ولم يتصل الأخ . فقال الأستاذ للإخوان : ألا توجد مناسبة عند أحد الإخوة ؟ قالوا : بلى ، عند فلان عقد زواج . فذهبوا جميعاً ، وكانت مفاجأة سارة ، وعمت الفرحة والبهجة .
30- غضبة الأسبوع
يقول الأستاذ عمر التلمساني عن الإمام الشهيد : كان يناقش أعضاء مكتب الإرشاد في جلسات الانعقاد، وكان في بعضهم إلحاح مثير. فإذا ما نفد صبره هب خارجاً وصك الباب في شدةٍ مردداً " أنتم متعبون ولا ينفع العمل معكم " . وكنا نظنها غضبة الأسبوع . فإذا به يطالعنا في اليوم الثاني بنفس إشراقة الأمس الزاهية . البسمة على وجهه المليح.
31 – إلغاء الرحلة
أعلن الإمام الشهيد عن رحلة إلى الإسماعيلية . فجاء الإخوان المشتركون في الموعد المحدد، وجاء الأتوبيس ، وكان عدد الإخوان أكثر من عدد المقاعد . فلما أذن الأستاالمرشد بصعود الأتوبيس ، إذا بمجموعة من الشباب تسارع وتزاحم ليحجز كل واحد مقعداً يجلس عليه. فلما رأى الأستاذ هذا المشهد ألغى الرحلة وكان درساً عملياً في مراعاة النظام ، والتدريب على الإيثار ، واحترام الكبار.
32 – وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا
عقد الإمام الشهيد اجتماعاً مع بعض الإخوان والضيوف ، وأصدر أمراً بتأجيل أي مقابلة حتى ينتهي الاجتماع. وفي أثناء الاجتماع جاء شيخان أزهريان يريدان الدخول للأستاذ المرشد ، فأخبرهما الإخوة بالاجتماع وانشغال المرشد به . فعلت أصوات الشيخين ، وتكلما عن اعتزازهما بشخصيتهما ...!! فأحس الأستاذ بالصخب وعلو الصوت ، فخرج من الاجتماع واحتوى الموقف فعاتب الاخوة ، واحتفى بالشيخين وهش وبش وطلب لهما الشاي ... وهدأ الخواطر حتى انصرفا في رضى وإشباع للذات. ثم قرأ الإمام الشهيد قوله تعالى : { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم }
33 – شاي بملح
زار الامام الشهيد إحدى قرى الصعيد ، وأقام الإخوان احتفالاً كبيراً في هذا اليوم . وبعد انتهاء الحفل ألح أحد الفلاحين على الإمام الشهيد أن يزوره في بيته ... وكان عدد الإخوان كثيراً... وكان هناك مواعيد ولقاءات ... فقبل الإمام أمام الإصرار الشديد الزيارة بشرط أن يكون وحده ، وألا تتجاوز الزيارة فنجان شاي . وتوجها إلى البيت ، وكانت فرحة ، وطلب الرجل من زوجته إعداد فنجان شاي بسرعة... وسُر الرجل وجعل الإمام الشهيد يشرب الشاي وكلما أخذ رشقة تبسم وآنس الرجل، ثما عاد إلى إخوانه المنتظرين وودعه الرجل بكل حفاوة.ثم رجع إلى بيته سريعاً ، وتناول فنجان الشاي ليحظى بسؤره وما تبقى منه فلم يجد سوى الأثر ، ولكنه وجد عجباً ، فوجئ بأن الشاي قد أضيف إليه الملح بدل السكر !!!
34 – وكيل نيابة مسكين
أوصى بعض رجال الحكم الحاقدين أحد وكلاء النيابة بإيجاد مسوغ قانوني للنيل من جماعة الإخوان المسلمين .
فأخذ وكيل النيابة يخطط ويدبر ، ويفكر ويقدر ، ويبحث وينقب حتى وجد فريسته . فاستدعى الإمام الشهيدوخاطبه بلهجة الشامت المتمكن ، فقال : اليوم لا فرار .
الإمام : من أي شيء أفر ؟
النيابة : إنك تعمل على قيام ثورة في البلد .
الإمام : وما دليلك على هذا .
الوكيل : دليلي مكتوب بخط يدك .
الإمام : وماذا يقول هذا الدليل ؟
الوكيل : إنك شكلت لجنتين : إحداهما ثورية والأخرى لإثارة الرأي العام .
الإمام : وممن تتكون اللجنتان؟
الوكيل : أما الأولى : فهي من الشيخ شلتوت ومعه آخرون. وأما الثانية : فهي عزيز المصري وآخرون . تبسم الإمام وقال : يا سيادة الوكيل الأفضل أن تغير الوضع ، وتضع إحداهما مكان الأخرى . انفعل الوكيل وقال : لا لزوم لهذا . أهذا خطك ؟ فقال الإمام : لا لزوم لرؤيتها . فلن أنكر ما في الورقة . ولكن أنكر قراءتك لها فاقرأ جيداً ...
أما الأولى : فهي لجنة شورية وليست ثورية وأما الثانية : فهي لإنارة الرأي العام وليست لإثارة .
اقرأ يا أخي بإمعان وأوصيك ألا تتسرع وأنت رجل قانون .
ولا تعجب إذا علمت أن هذا الدليل كان عبارة عن ورقة مكتوبة بالقلم الرصاص قد التقطها هذا الشخص وأعوانه من سلة المهملات .
35 – لا نستعين بمن يعصي الله
عندما قام الإخوان بعمل مظاهرات في البلاد انتصاراً لقضية فلسطين عام 1936م استدعى رئيس النيابة في القاهرة الإمام الشهيد للتحقيق معه . وقبل أن يدخل مكتب النائب العام تقدم أحد الإخوة المحامين يطلب من الأستاذ المرشد أن يدخل معه أثناء التحقيق . ولكن الأستاذ لاحظ أن المحامي يمسك ( بسيجارة ) مع العلم بأن الوقت في شهر رمضان المعظم . فقال له الأستاذ المرشد : نحن لا نستعين بمن يعصي الله في طاعة الله تعالى .
36 – إحساس رقيق ... إهداء الورد
يقول الأستاذ عمر التلمساني : " كان الإمام الشهيد يتحسس في رقة ودقة كل ما يرضي الإخوان في الحدود المشروعة. ففي ذات يوم زاره الأخ الشاعر عمر الأميري أحد قادة الإخوان في سوريا ليستأذنه في السفر إلى الإسكندية مع والده في القطار الذي يغادر القاهرة غداً في السابعة صباحاً . وذهب عمر الأميري مع والده .. وقبل أن يتحرك القطار بدقيقة أو دقيقتين إذ بعمر يرى الإمام الشهيد وهو يسرع الخطى على رصيف القطار ، يحمل باقة من الورود الناضرة ، يقدمها تحية لوالد عمر الأميري . وكان لهذا الموقف تأثير كبير في نفس عمر الأميري الشاعر الكبير "
37 – عزاء والد الشهيد
يقول الأستاذ عمر التلمساني :
" لقد أحيا الإمام الشهيد روح الجهاد في نفوس أبناء هذا الجيل . وتأثر الإمام ، وتأثر الشباب ، وتأثر آباؤهم وكانت مواقف رائعة : استشهد أحد أبناء الإخوان في فلسطين ، فذهب الإمام إلى والد الشهيد ليعزيه ، فسمع الناس ورأوا درساً باهراً . قال الوالد للإمام : إن كنت جئت معزياً فارجع أنت ومن معك . وأما ان كنت جئت لتهنئني فمرحباً بك وبمن معك . لقد علمتنا الجهاد وبينت لنا ما فيه من عزة ورفعة في الدنيا والآخرة فجزاك الله خيراً . وإني لحريص على مضاعفة الأجر ، فها هو ولدي الثاني ، أقسمت عليك لتصحبنه إلى ميادين الجهاد . فانهمرت دموع ، وعلا تشنج ، وتصاعدت زفرات وارتج على الإمام من روعة الموقف ".
38 – يحمل الحذاء لضعيف البصر
تطوع أحد الإخوان في كتائب المجاهدين في فلسطين ، فظن والده أن الإمام الشهيد هو الذي أثر عليه . فجاء إلى المركز العام ثائراً ، وكلم الأستاذ بحدة بالغة . فقدر الأستاذ مشاعر الأبوة ، وتلطف بالرجل ... فلما هم الرجل بالانصراف ، وكان ضعيف البصر ، وقد ترك حذاءه خارج الغرفة ، إذا به يفاجأ بالإمام الشهيد يحمل حذاءه إليه ويضعه تحت قدميه . فقال الرجل : كأنما ألقى عليّ المرشد بعض الماء البارد . يعني أن كل ما في نفسه قد زال .
39 - يا أستاذ عمر
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : كان الإمام الشهيد إذا آخذ يؤاخذك في رفق ، يشعرك بالخطأ دون أن يحرجك . في ساعات الرضى كان يناديني باسمي المجرد .... يا عمر . فإذا كان هناك ما يستدعي المؤاخذة ناداني .. يا أستاذ عمر . فأشعر على الفور بأن هناك ما لا يرضيه فأسرع قائلاً " ليه هو حصل حاجة؟ ما هو أنا عمر برضه". فتنفرج شفتاه عن البسمة التي تسترضي كل غاضب ، ويبدأ في المؤاخذة بأسلوب العتاب المحبب إلى النفوس ".
40 – جئنا لنتغدى عندك
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : غاضبت الإمام الشهيد مرة وانصرفت... وشعرت بخطئي فعدت في اليوم التالي معتذراً . فلم يقبل ، وأمرني بالرجوع من حيث أتيت !! ، فعدت كاسف البال ، ولكن لست ناقماً ... وما راعني إلا أنني بعد عودتي إلى منزلي ، أجد باب المنزل يدق ، وإذا به الإمام الشهيد ومعه أحد الإخوان ، ويقول جئنا لنتغدى عندك!
مواقف للإمام الصابر حسن الهضيبي
41 – الدعوات لا تقوم على الرُخَص
أرسل أحد الإخوان رسالة إلى الأستاذ الهضيبي يستقتيه فيها عن أمر هام . فقال : هناك عدد من الإخوان يريدون أن يترخصوا ويؤيدوا جمال عبد الناصر بُغية الخروج من السجن ودرءاً للتعذيب و حفظاً للدعوة . فأجاب الأستاذ بقوله : " إن الدعوات لا تقوم على الرخص ، وعلى أصحاب الدعوات أن يأخذوا بالعزائم . والرخص يأخذ بها صغار الرجال. وأنا لا أقول بالأخذ بالرخص ولكن أقول لكم : خذوا بالعزائم وتشبثوا بالعزائم "
42 – أنا المرشد العام عالمياً
دخل الأستاذ الهضيبي السجن ، فسأله شمس بدران ليملأ استمارة السجن .
ما اسمك ؟
قال : حسن الهضيبي..
شمس : ماذا تشتغل ؟
قال :المرشد العام للإخوان المسلمين .
فهب شمس بدران غاضباً وصاح : ألم تحل الدولة جماعة الإخوان المسلمين .
قال : لقد حلت الدولة جماعة الإخوان المسلمين في مصر . أما أناالمرشد العام للإخوان في العالم . فبُهت شمس بدران.
43 – أرواح الإخوان في يد الله
كان زبانية السجن الحربي يأخذون الإخوان يومياً ويصفونهم صفوفاً ويجبرونهم على أن يغنوا أغنية أم كلثوم :
يا جمال يا مثال الوطنية أجمل أعيادنا الوطنية بنجاتك يوم المنشية .......................... وكان المحكوم عليهم بالإعدام عام 1954 يقومون بدور ( المايسترو ) وكان منهم الأستاذ الهضيبي . وفي ذات مرة مر جلاد السجن الحربيحمزة البسيوني وكلابه الثلاثة الشرسة وفي يده ( كرباج ) يلهب به ظهور الإخوان . حتى وصل إلى الأستاذ الهضيبي ووقف أمامه وقال : عجبك هذا يا هضيبي ؟! مبسوط من صوت الإخوان يا هضيبي ؟! النغمة منتظمة يا هضيبي ؟! فنظر إليه الأستاذ المرشد بجنب عينه وقال له : اسمع ... اذهب إلى عبد الناصر بتاعك وقل له : إن كل هؤلاء الإخوان أرواحهم في يد من خلقهم وليست في يده .. وأنهم برءاء من دمه براءة الذئب من دم ابن يعقوب ..!! إمشي ... فانسحب حمزة وكلابه الثلاثة دون أن ينبس بكلمة. وعاد الأستاذ إلى العمل ( المايسترو ) كأن لم يكن شيء .
44 – هل اشتكى أحد لك ؟
كان من عادة الأستاذ الهضيبي أن يجلس في الزنزانة واضعاً رجلاً على الأخرى. وفي أحد الأيام دخل عليه صلاح الدسوقي الششتاوي أركان حرب وزارة الداخلية ( وكان يومئذعبد الناصر وزيراً للداخلية ) ومحافظ القاهرة فيما بعد . فبقي الأستاذ الهضيبي كما هو ... ولم يقم ، ولم يغير جلسته . فاشتاط الششتاوي غضباً . ثم قال : أيُعجبُك ما أنت فيه يا هضيبي ؟ فأجاب المرشد : نعم ... يُعجبني ما أنا فيه . الششتاوي : هل يُعجبك وضع هؤلاء ؟ وأشار إلى الإخوان .. لقد جئت بهم إلى السجن.. وجررت عليهم البلاء والتشريد ، وتسببت في ألم أهليهم وأسرهم ... فقال المرشد : هل اشتكى أحد منهم لك ؟ عندما يشتكي أحد منهم لك تعال وأخبرني .. اذهب إلى أي أحد منهم واسأله ( هو بيلعن مين ؟ ). فبهت الششتاوي وأُفحم.
45 – حرب أعصاب الظالم
كنت في سجن مصر ، ودخل علينا شخصية كبيرة من الحكومة إلى الزنزانة . فقمت تلبية لـ ( شخطة ) العسكري : انتباه . أم الأستاذ الهضيبي – رحمه الله – فلم يتحرك من مكانه ، وكأنه لم ير أحداً ولم يسمع صيحة الشاويش . فقال له رجل الحكومة : لو كنت على حق لنصرك الله علينا !! فرد عليه وهو في جلسته الهادئة : إن المسلمين هزموا في موقعة أُحُد ، وهم على الحق. فلم يرد رجل الحكومة وانصرف ساكتاً. وبعد خروج هذا الشخص لامني فضيلته على قيامي وعلمني أن الظالم لا يحرق أعصابه إلا عدم اهتمام الناس بمظهره وقوته الجوفاء .
46 – تمرينات رياضية
كان الأستاذ حسن الهضيبي- على كبر سنه- يقضي وقت فسحته في الحديقة المواجهة لمدير السجن، ويقوم بأداء تمرينات رياضية بملابس زاهية. فأراد أن يعرف أحد الإخوان سر ذلك. فقال الأستاذ : دعهم لا يرون منا إلا البشاشة، وارتفاع المعنويات، حتى يتحققوا أن سهامهم طاشت، ولم يبلغوا منا ما يريدون. ألم يبلغك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة".
47 – قذف المدفأة
عند عودة الأستاذ الهضيبي من الفسحة اليومية في السجن ذات مرة فوجئ بدفء في زنزانته، و كان الجو بارداً في الشتاء، ثم لمح مدفأة في زاوية من الزنزانة، فسارع إلى الباب يطرقه بشدة حتى سمع الحارس، فسارع إلى فتح الباب، ليفاجأ بنزيلها قد حمل المدفأة بيده، وقذف بها إلى الخارج ثم أغلق الباب على نفسه دون ضوضاء. وجاء مدير السجن يعاتبه، بحجة أنه آثر بها على نفسه، وأن في هذا رداً لكرامته، والمرشد لا يزيد على أن يدعو له. ثم قال : يوم أن يستدفئ الإخوان جميعً في المعتقل، حينئذ يمكن أن أقبل الهدية.
48 – العودة لمصر لموجهة المحنة
اعتقل الإخوان في يناير 1954 م ثم أفرج عنهم في مارس 1954 م ثم أعيد اعتقالهم بعنف وقسوة بعد شهور قليلة ... وشاءت أقدار الله أن يكون الأستاذ الهضيبي خارج مصر في زيارة للسعودية، وسوريا، لبنان. فما أن سمع بالمحنة حتى أمر بالتجهيز للعودة إلى مصر، وسارع بالرحلة إلى مصر ليكون مع إخوانه وجنوده في محنتهم يثبت بعضهم بعضاً بعون الله، ووفاءً بتبعة القيادة.
49 – الكرامة قبل الإفراج
بعد اعتقال الإخوان في يناير 1954 م دب شقاق بين رجال الحكم العسكري ... وأصدروا قراراً بالإفراج عن الإخوان المعتقلين ... وأرسلوا اثنين لحمل هذه البشرى، وللحصول على تعهدات من الإخوان لتأييد الثورة في مقابل ذلك. فجاء البشيران، وعمت موجة من الفرح والسرور بين الإخوان. ولكن الأستاذ الهضيبي أعلن أمرين : 1- أنه لن يقبل الإفراج. 2- أنه لن يتعهد بأي شيء في مقابله. واشترط أن تعلن قيادة الثورة بطلان التهم الملفقة، وأن تعتذر عن الإعتقال. حينئذ يمكن قبول الإفراج. وعاد المبعوثان بعد يومين يحملان الإعتذار مع الإفراج، وتبع ذلك زيارة قيادة الثورة للمرشد العام في بيته يعتذرون عما صدر، ويطلبون العفو والصفح عما بدر.
50 – الشعور عند حكم الإعدام
سئل الأستاذ الهضيبي : - ما شعورك عندما حكم عليك بالإعدام؟ فأجاب : كأني أنتقل من غرفة الجلوس إلى غرفة النوم.
51 – لا تغتروا بشهرة الأشخاص
تقول الحاجة زينب الغزالي : رأيت أنا والشهيد عبد الفتاح إسماعيل مواقف ضعف وخذلان من كبار الإخوان في عام 1965 م فذهبت إلى الأستاذ الهضيبي لأشكو له. فقال لي : - قولي لعبد الفتاح عبده إسماعيل : لا تغتروا برسوم الرجال، ولا بشهرتهم، ولا بأسمائهم. ولا تنظروا إلى الخلف، بل انظروا إلى الأمام ... إلى المستقبل ... ثم قال : - لا تتحدثي معي مرة أخرى في مثل هذه الأمور.
52 – تكسير تقاليد الإنحناء
كان من التقاليد المهينة أمام الحكم الملكي أن ينحني الشخص للملك عند حلف اليمين القانونية. وترقى الأستاذ الهضيبي إلى منصب مستشار هو وعشرة آخرون. وكان عليهم أن يؤدوا اليمين أمام الملك. ودخل العشرة، سبقه منهم خمسة لم يترددوا في الانحناء... وجاء دور الهضيبي، ففاجأ الجميع بأن مد يده لمصافحة الملك، وأقسم اليمين منتصب القامة مرفوع الجبين بصورة أنعشت الإباء فيمن بعده، ففعلوا مثل ما فعل. فكان الهضيبي أول من كسر تقاليد الإنحناء بين يدي الملك.
53 – صورة الملك في دورة المياه
بعد مقابلة الملك فاروق للأستاذ المرشدحسن الهضيبي بيوم حضر مبعوث القصر إلى المركز العام يحمل صورة فاخرة للملك في إطار فاخر جداً مهداة إلى حضرة صاحب العزة الأستاذحسن إسماعيل الهضيبي بك المرشد العام للإخوان المسلمين وموقعة بتوقيع الملك. واقترح المبعوث أن تعلق الصورة بمكتب المرشد. وبهر الإخوان بالصورة لفخامتها... وطلب الأستاذ المرشد أن يتركوا له اختيار مكان تعليقها. ومرت أيام، ولم تعلق بالمركز العام. فسئل الأستاذ : - أين الصورة ؟ قال : - أخذتها إلى بيتي ؟ وزاره بعض الإخوان ليروها فلم يجدوا لها أثراً.. وكانت المفاجأة عندما دخل دورة المياه فإذا بها ملقاة على الأرض. فحدث الأستاذ بذلك، فقال الأستاذ : - هذا هو مكانها اللائق بها.
54 – لم أقصد الملك بزيارة رئيس الديوان
عامل الأستاذ المرشد الهضيبي الملك فاروق بكل عزة وإباء عندما كان فاروق في أوج سطوته وسلطانه... فلما خلع فاروق وطرد تبارت ألسنة وأقلام السلطة في الشتم والهجاء بعد أن كانت تكيل المدح والثناء. أما الأستاذ الهضيبي فقد عف لسانه، ولم يسمح للإخوان في المحافل أو الصحف أن ينزلقوا لحظة إلى مهاجمة شخص جرى القضاء على سلطانه بالزوال. ثم قال : ليس من المروءة ولا من الهدي النبوي اتباع المدبر، والإجهاز على الجريح !!.
56 – الإخوان والأقباط ومصلحة مصر
في أثناء حرب القنال عام 1951 م حاول الإنجليز الإيقاع بين الإخوان والأقباط بشتى الوسائل. فما كان من الأستاذ الهضيبي إلا أن التقى ببابا الأقباط وتفاهم معه على كل شيء حتى يفوت الفرصة على أعداء الله. وظهر المرشد العام للإخوان المسلمين في اليوم التالي في الجرائد المصرية يصافح زعيم الأقباط ويعلن اتفاقهما على مصلحة مصر.
57 – أحب أن أذهب للمعتقل
يقول الأستاذ أحمد البس : التقيت بالأستاذ الهضيبي عام 1968 م وكان قد بقي له على انقضاء مدة الحكم ثلاثة أيام أو أربعة. فقلت له : - أتحب أن تذهب إلى بيتك بعد انقضاء مدة السجن أم إلى المعتقل بمزرعة طرة. فقال : - أحب أن أذهب إلى المعتقل حيث الإخوان أشاركهم أحوالهم.
58 – أمرنا أن نحكم بما أنزل الله
سأل رئيس محكمة النقض الأستاذ المرشد حسن الهضيبي فقال : - يا حسن، ألست معي في أن أكثر أحكام التشريع المدني الحديث تقابل أحكاماً مماثلة في الفقه الإسلامي ؟ قال الأستاذ المرشد : - بلى. قال الرئيس : - فما هو إذاً الأساس الكبير و المطالبة الملحة من جانبك بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية وتطبيق أحكامها ؟. قال المرشد : - هو أن الله تعالى قال :﴿وأن احكم بينهم بما أنزل الله﴾ ولم يقل : احكم بينهم بمثل ما أنزل الله. وإن تحكيم شريعة الله في عقيدة المسلم عبادة تؤدى امتثالاً لأمر الله، وذلك هو مصدر بركتها، وسر قوتها في نفوس المؤمنين بها وفي كيان الجماعة المؤمنة.
59 – نصرة شريعة الله
دعى الأستاذ الهضيبي عام 1945 م إلى البرلمان للمشاركة في مناقشة مشروع تنقيح القانون المدني. فلبى الدعوة، ونصر شريعة الله. فسجل كتابة أنه يرفض مناقشة هذا المشروع من حيث المبدأ لأنه لم يقم أساساً على الكتاب والسنة.
60 – احترام نظام الجماعة
عرض على الهيئة التأسيسية فصل خمسة من أعضائها وصدر القرار بالفصل. فقال الأستاذ الهضيبي : - إنهم لم يفصلوا لطعن في دينهم، فقد يكونون خيراً منا. ولكن للجماعة نظم يجب أن تراعى وأن تنفذ. وقد خالفوها، ففصلوا حتى يلأخذ الصف استقراره واستقامته.
61 – الباقوري والوزارة
قبل الشيخ أحمد حسن الباقوري الوزارة في عهد عبد الناصر دون إذن من فضيلة المرشد حسن الهضيبي. فقال له المرشد : ما الموقف ؟ قال الباقوري : أستقيل من مكتب الإرشاد. قال المرشد : ثم ماذا ؟ قال : أستقيل من جماعة الإخوان المسلمين. فقال له المرشد : هذا هو الحل. ثم ذهب فضيلة المرشد إليه في وزارة الأوقاف وهنأه.
62 – فتنة التكفير
عندما هبت ريح فتنة التكفير إثر محنة 1965 م استبشر البعض بهذا الفكر لأنهم وجدوا فيه ضالتهم المنشودة. وقالت شياطينهم : - هذا الفكر سيمزق صفوف الإخوان في الداخل، وسينفرمنهم الناس في الخارج. فكان القرار هو عزل أصحاب هذا الفكر ليتعمق في نفوسهم ولئلا يناقشهم الآخرون فيعودوا إلى صوابهم. ثم صدر قرار بتشديد العقوبة الوالتعذيب لكل من يتحرك بين الإخوان يحذرهم من فكر التكفير ويفنده. فكانت المحنة... واشتد التعذيب... فقال الأستاذ المرشد : - لا بد من مناقشة هذا الفكر المعوج وتفنيده. فقال بعض الإخوان : - لو أرجأنا ذلك خصوصاً والظروف صعبة. فقال الأستاذ : - إن هذا الفكر أشد خطورة على الدعوة من سياط وتعذيب عبد الناصر. فلنناقشه ولنفنده مهما كانت التكاليف.
63 – ابحثوا عن لافتة أخرى
عندما ثارت فتنة التكفير إثر محنة 1965 م انزلق العديد من السجناء في هذا المنعطف تحت وطأة التعذيب الوحشي والإضطهاد للدعوة الإسلامية... وغيرها من الأسباب. حينئذ بادر الأستاذ الهضيبي وعلماء الإخوان لإخماد الفتنة، وكانت مناقشات ومحاضرات... فرجع الكثير عن هذا الفكر. ولم يبق إلا قلة شاذة. وجددت البيعة.. فقال بعض الشواذ : - نبايع على كل شيء في الجماعة ما عدا (مسألة التكفير) فتترك للإجتهاد الشخصي. - فأجاب الأستاذ بحسم : - بل كل شيء حتى مسألة التكفير. ومن لم يبايع فليبحث له عن لافتة أخرى غير (الإخوان المسلمين).
64 – ذكاء في حرب القنال
كانت قوات الإخوان تضرب القاعدة البريطانية في القنال عام 1951 م وكانت الأحزاب الأخرى تدعي لنفسها ما يعمله الإخوان. حينئذ كان الأستاذ الهضيبي يقف في المركز العام ليقول للإخوان : "أيها الإخوان، أوصيكم بتقوى الله، وقراءة القرآن، وعدم التدخل في السياسة" مع انه في الحقيقة كان خلف جميع تنظيمات الإخوان في القنال، ويطلع بنفسه على كل صغيرة وكبيرة من أعمالهم.
65 – حذاري أن تعطوا الفرصة للطغاة
كان كثير من الإخوان المتحمسين يقولون وهم في السجن يعذبون : - نحن آلاف.. ألا نستطيع أن نميل على الحراس ونخلص عليهم ونخلص أنفسنا من هذا الجحيم الذي نحن فيه ؟! وبلغ الأستاذ الهضيبي هذا الكلام... فكان رده : - الذي يقوم بهذا العمل لا يكون من الإخوان، إن ظفر أي واحد من هؤلاء الآلاف أغلى علي من رقبة عبد الناصر نفسه. حذاري أن يعطي واحد منكم الفرصة لهؤلاء الكلاب ليتخذوها فرصة للقضاء على هذه الفئة المؤمنة. احرصوا على أنفسكم... واصبروا وصابروا واثبتوا حتى يأتي الله بأمره.
66 – تعفف عن الهدايا
في السنة التي حج فيها الأستاذ الهضيبي منحه الملك سعود هدية. قال لرجال القصر : - لا أستطيع قبول مثل هذه المنح. فألحوا عليه، وذكروا محاسن القبول، ومساوئ الرد. فقبل أخيراً. ولكنه أودع الهدية في خزانة الجماعة.
67 – احذروا الغيبة
يقول الشيخ عبد البديع صقر رحمه الله : - كان الأستاذ الهضيبي لا يصرح برأيه في جمال عبد الناصر. وكان يحسب للغيبة ألف حساب. وكان يحذرنا من الخوض في أعراض الناس ويقول : - هل نسيتم أن الغيبة من الكبائر ؟.
68 – الهضيبي ينام ببدلته على الرمل
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : - خرجنا مع فضيلة المرشد الهضيبي مرة في رحلة إلى صحراء حلوان ووادي حوف. وأدركنا وقت الغذاء، فأكلنا على الأرض والرمل. وبعد الغذاء اضطجع كما هو ببدلته على الرمل فنام قليلاً. وحرصت على أن أصوره على هذه الحالة الفريدة في عالم الزعماء. ولما أطلعته على الصورة، واستأذنته في نشرها، أبى قائلاً : - ما بالمسلمين من حاجة إلى دعاية، وحسبهم أن يعرفهم ربهم، وفي ذلك سعادتهم.
69 – في كم تختم القرآن ؟
يقول الشيخ عبد البديع صقر رحمه الله : - لقيني الأستاذ الهضيبي في السجن الحربي ذات مرة أمام دورة المياه. فقال لي : - في كم تختم القرآن ؟ قلت : - كل 15 يوماً. قال : - وما يمنعك أن تختم كل ثلاثة أيام ؟ اقرأ جزئين بعد كل صلاة وأنت على وضوء، هذه فرصة لن تتكرر. !!!
70 – كيف تصلحان غيركما
يقول الأستاذ الهضيبي رحمه الله صارم المظهر يحملك على ترك اللجاج في حضرته. فإذا تخاصم لديه أخوان، بادرهما بعبارته المعروفة عنه : - إذا كنتما عاجزان عن إصلاح ذات بينكما فكيف تصلحان ذات بين الآخرين.
71 – انضباط في المواعيد
في عام 1953 م زار الأستاذ الهضيبي طهطا بسوهاج وكان في البرنامج زيارة المعهد الديني. وكان موعد حضور السيارة الساعة الثامنة صباحاً، وفي تمام الثامنة كان الأستاذ المرشد على البوابة. فقال الإخوان : - إن السيارة لم تأت يا إستاذ. فأجاب : - هيا إلى المعهد وسار على قدمه مع كبر سنه ليحضر في موعده. وبعد زيارة المعهد اقترح بعض الإخوان زيارة النصارى في مقرهم. فسأل : - هل حضروا الحفل بالأمس ؟ قالوا : - لا. قال: - فلم نزورهم إذاً ؟.
72 – ويل للإسلام من هذا الأصفر الكذاب
لما التقى الأستاذ الهضيبي بجمال عبد الناصر بعد قيام الثورة وتحدث الأستاذ مذكراً بوعود الضباط بالحكم بالشريعة... وتحدث عبد الناصر باللف والدوران... خرج الأستاذ من اللقاء وهو يقول : - ويل للإسلام من هذا الأصفر الكذاب. وصدقت فراسة الأستاذ المرشد الهضيبي.
73 – لا نعرف الغدر والخيانة
أخلص الإخوان في نصحهم للثورة، ولكن رجالها خانوا الأمانة وغدروا وفجروا وبطشوا بالإخوان. في هذه الظروف سارع أحد الإخوان المقربين من الأستاذ المرشد وفي الوقت ذاته يحظى بثقة رجال الثورة. سارع إلى الأستاذ المرشد، وأخبره أن رجال الثورة مجتمعون في مقر كذا، وأنه يريد الإجهاز عليهم والتخلص منهم، انتصاراً للدعوة، وكفاً للأذى عن الجماعة. فاكفهر وجه المرشد غضباً، وقال له : - لأن يهلك الإخوان عن آخرهم – وللدعوة رب يحميها – خير من أن نبلغ قمة النصر عن طريق الغدر والخيانة. إننا مسلمون قبل كل شيء، ولو ملكان الدنيا بإهدار الخلق الإسلامي فنحن خاسرون. وهذه الدماء من يتحملها يوم القيامة أمام الله ؟.
74 – آمالنا أكبر من الدنيا
تقول الحاجةزينب الغزالي : - عندما اشتريت المنزل الذي أقيم فيه، ذهبت إلى الأستاذ الهضيبي لأخبره لأدخل السرور على قلبه. فقال لي : - نحن الآن يجب ألا نشتري بيتاً، ولا ننشغل بمثل هذه الأمور لأن آمالنا أكبر من هذا. تقول الحاجة زينب الغزالي : - لقد كانت القضية الإسلامية هي شغله الشاغل ورجاءه وأمله، وكان يعتز بكل من يجد فيه عزماً وثباتاً...
75 – أين أُسر الإخوان ؟
في عام 1953 م قام الأستاذ الهضيبي بجولة في أنحاء مصر، وفي أثناء زيارته للوجه القبلي (سوهاج- طهطا) جعلت الجموع تحتشد، والوفود تتدفق....
وفي وسط هذه الأضواء الزاهية كان الأستاذ المرشد يقول :
- أين الإخوان ؟ كيف حال الأسر ؟ أريد اللقاء بالإخوان العاملين.
مواقف للإمام الصادق عمر التلمساني
نبذة عن حياة الأستاذ عمر التلمساني • ولد الأستاذ عمر التلمساني في القاهرة عام 1904 م، ثم رحلت أسرته إلى شبين القناطر بالقليوبية. • يرجع أصل العائلة إلى بلدة تلمسان بالجزائر حيث هاجر جد أبيه عند الإحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830 م واستقر في القاهرة. • حصل جده على الباشوية في عهد السلطان عبد الحميد وتربى في حياة ناعمة. • التحق بدعوة الإخوان المسلمين والتقى بالإمام الشهيد عام 1932 م. • حكم عليه بالسجن عام 1954 م وأفرج عنه عام 1974 م. • وأعيد اعتقاله عام 1981 م وأفرج عنه عام 1982 م. • اختير مرشداً عاماً للإخوان المسلمين عقب وفاة الأستاذ الهضيبي عام 1973 م.
76 – لطف الله.. وبركة الصدق
وصلت إشارة إلى اللواء... قائد فرقة تأديب السجون بأن الإخوان المسلمين في سجن الواحات قد تمردوا... فأعدت العدة للقمع والتأديب !! وكان من عادة هذا القائد أن يجلد و يضرب ويدمر... لمدة ساعة ثم يستفسر !! ولكن شاءت إرادة الله أن يعوق القطار بين قنا والواحات بسبب الرمال والصخور على القضبان. وذهب القائد وحده بسيارة أغاثته. وطلب من مأمور السجن أن يلتقي باثنين من الإخوان ليتحدث معهما ويسمع منهما. فكان المتحدثان الأستاذ التلمساني والشيخ أحمد شريت رحمهما الله. وفي نهاية اللقاء قال القائد : - لقد كنت سأرتكب اليوم أسوأ ذنب في حياتي... ثم قال لمأمور السجن : - لم أر مثل صدق وصراحة هؤلاء الرجال !! ومرض القائد بالدوسنتاريا أثناء وجوده بالواحات فأسعفه الإخوان المعتقلون !!
77 – ندوة في السجن لم تتكرر
دعى الأستاذ عمر التلمساني إلى ندوات ولقاءات بالشباب في السجن عام 1982 م نظمتها أجهزة الدولة. زاتفقت معه هذه الأجهزة على تكرار هذه الندوات، وكانت ها مآرب، ولكن ما كان لله دام واتصل. فعرض الأستاذ المرشد الأمر على إخوانه، فكان المؤيد وكان المعارض، وانتهى الأمر بالموافقة. فذهب الأستاذ عمر، وتحدث مع الشباب حوالي ساعتين على اختلاف اتجاهاتهم. وانتهى اللقاء بأمر عجيب فقد أقبل الشباب على فضيلة المرشد مصافحين، ومعانقين، ومقبلين الأيدي، وشاكرين النصيحة وكشف الغشاوة. إنه توفيق الله. فقطعت الأجهزة هذه اللقاءات معه أبداً !! لأن الرياح جاءت بما لا يرضى الملاح.
78 – سفير الإخوان في مشكلة وفدية
يقول الأستاذ عمر التلمساني : - كان الإمام الشهيد يغرس الثقة في نفوس الشباب، ليكون منهم القادة الذين يحملون الأمانة بكفاءة. فقد حدث في بور سعيد صدام عنيف بين الوفديين والإخوان المسلمين، اعتدى فيه الوفديون على دار الإخوان في بور سعيد وأشعلوا فيها النيران، وتأزم الموقف.... وانتبني الإمام الشهيد للسفر إلى بور سعيد لحل الأزمة فلقيته في المحطة أثناء انتظار الديزل لمدة خمس دقائق فقال لي : - تصرف كما يملي عليك الموقف دون الرجوع إلى القاهرة في شيء ، والله معك. فكانت أمانة ثقيلة ، فاستعنت بالله خصوصاً وأن الوفديين متمرسون بمثل هذه المواقف ... فبدأت بزيارة المحافظ وطلبت منه أن يُهيىء لي لقاءً مع الوفديين في بيت رئيسهم !! فذهل المحافظ ! فقلت : - هذا مفتاح الحل بإذن الله . فتم اللقاء .. ورد بعض الوفديين الزيارة آخر النهار وتم احتواء الأزمة بفضل الله.
79 – مسافر درجة ثالثة
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله :
- كان الإمام الشهيد يدعوني إلى السفر معه في بعض رحلاته داخل القطار ويسألني :
- هل السفر على حسابك أم على حسابنا ؟
فإن كنت ( متريشاً ) من أتعاب قضية دسمة قلت :
- السفر على حسابي ، وأقطع لهم التذاكر في الدرجة الثانية ...
أما إذا كنت ( مفرقع ) الجيب قلت : السفر على حسابكم .
فكان يقطع التذاكر في الدرجة الثالثة .
فكنت أجلس ورأسي إلى الأرض حتى لا يراني أحد من معارفي وأنا أركب الدرجة الثالثة ، التي كنت آنف ركوبها ، وكان الأستاذ يبتسم لمنظري الخجل .
حتى إذا ما طالت عشرتي للإخوان أصبح ركوب الدرجة الثالثة عندي كركوب الأولى الممتازة دون حساسية أو تحرّج .
80 – هل جئت بي إلى هنا لتجوعني
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : - ذهبت مع الإمام الشهيد يوماً إلى شبين الكوم في حفل إخواني وبعد صلاة العشاء وجدت الإخوان يجلسون كما يجلس الناس في سماط . وجاء الطعام فإذا به بيض مقلي ، وجبن قديم . فملت على أذنه قائلاً : - هل جئت بي إلى هنا لتجوعني ؟! فقال هامساً : - اسكت الله يسترك . ونادى أخاً فأحضر لي لحماً مشوياً ، وشيئاً من العنب .
81 – رفضت أن أكون وكيلاً للجماعة
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : - عرض علي الإمام الشهيد أن أكون وكيلاً لجماعة الإخوان المسلمين ، فلم أقبل مقسماً له بأني لست أهلاً لهذا المكان ، ولا أستطيع أن أملأ فراغه . وحرام عليّ أن أخدع الأمام بقبول تلك المكانة في الإخوان المسلمين .
82 - مكتب محاماة بالقاهرة
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : - عرض عليّ الإمام الشهيد أن أتخذ مكتباً في القاهرة ، فلم أقبل مبرراً رفضي بأني قد أنجح في القاهرة ويدر عليّ دخلاً وفيراً ، فيقول البعض : - إن الإخوان هم الذين أوجدوا لي كياناً في عالم المهنة ، وهذا ما تأباه علي أخلاقي ونشأتي وتربيتي .
83 – يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله :
- طلبت المملكة العربية السعودية مني عن طريق المرحوم السيد عمر نصيف أن أعمل قاضياً بنجد لما تعرفه عن جدي رحمه الله وصلته بالمذهب الوهابي . فاعتذرت ، لأني لا أفضل على مصر مكاناً أقيم فيه ، أو أعمل به مهما لاقيت فيها من عنت .
84 - الصلح بين عائلتين
انتدبت الأستاذ عمر التلمساني لإجراء صلح بين عائلتين كبيرتين ، ببلدة دمهوج بمركز قويسنا – منوفية . وكانت إحدى العائلتين من الإخوان ، والأخرى غير إخوانية . وبعد استعراض مسببات الخصام وأحداثه ، تبين بشكل قاطع أن الحق إلى جانب العائلة الإخوانية . وحسب توجيهات فضيلة المرشد ضرب مثلاً عملياً لأخلاق الإسلام التي يعيشها الإخوان . فطلب من العائلة الإخوانية التنازل عن كل حقوقها وأن يذهب رؤوس العائلة الإخوانية لزيارة العائلة الأخرى في منازلهم . ليتعلم الناس كيف يعالج الإسلام الخصومات بين الناس { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } .
85 – وزير مالية الإخوان
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : عملت فترة وزير مالية الإخوان . وكنت إذا وجدت في الخزانة مائة وخمسين قرشاً كنت أرى وقتها أننا من الأثرياء !! وكان الداعية إذا ذهب إلى لقاء إخواني ليتحدث في الدعوة ، أعطيه " ثلاثة تعريفة " : منها ستة مليمات للذهاب ، ومثلها للعودة . وثلاثة مليمات يشتري بها ما يروقه من الترمس والفول السوداني ، واللب الأسمر والأبيض !!
86 – تحويل شيك للمجاهدين الأفغان
أرسلت وزارة الثقافة بدولة الإمارات دعوة للأستاذ عمر التلمساني عام 1982م فلبى الدعوة . وألقى محاضرة في النادي الثقافي بأبي ظبي حيث جاء جمع غفير ملأ القاعة وخارج القاعة ولم يأت قبله مثله . وعقد التلفزيون عدة ندوات مع الأستاذ المرشد وكذلك جريدة الاتحاد ... وفي نهاية الزيارة قدمت الوزارة تحية لضيفها الكبير شيكاً بخمسة وثلاثين ألف درهم فشكر الأستاذ عمر لهم هذا الصنيع الكريم . ثم قال للأستاذ جابر رزق في الحال : - حول هذا الشيك إلى المجاهدين الأفغان .
87 – هذا لا يأخذ أجراً
انتدب الأزهر الأستاذ عمر التلمساني لإلقاء بعض المحاضرات في الشريعة والقانون بالجامعة . وكان ذلك أيام فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود . فلما جاء كشف صرف المكافآت للسادة الأساتذة المحاضرين المنتدبين ، إذا بالدكتور عبد الحليم محمود يجد اسم الأستاذ عمر التلمساني مدرجاً بالكشف فقال للمسؤول : - ارفع اسم الأستاذ عمر من الكشف ، هذا لا يأخذ أجراً ( ده مش بتاع كده ) ودار حوار ، ولم يرفع المسؤول اسم الأستاذ عمر . ولما حان وقت صرف المكافآت ، ذهب المسؤول بالكشف للأستاذ عمر ليوقع ، فأبى . فذهب المسؤول للدكتور عبد الحليم محمود . فقال الدكتور عبد الحليم محمود : ألم أقل لك أن الأستاذ عمر " ده مش بتاع كده ..."
88 – ندوة بلا أجر
عقدت إحدى المجلات الدينية ندوة ودعت إليها الأستاذعمر التلمساني فلبى الدعوة. ثم قدم إليه موظف ورقة وطلب منه التوقيع عليها . فقال الأستاذ : ما هذا ؟ قال : هذا مقابل حضورك الندوة . قال : لو كنت أعلم أن الدعوة إلى الله تدفعون لها مقابل لما حضرت . قال : مصاريف الركوب والانتقال . قال : عندي سيارة أعدها الإخوان لمثل هذه الأمور . قال : ولكنهم جميعاً يأخذون . قال : أنا لست من هذا الجميع ، أنا رجل على باب الله ، وانصرف دون قبض أو توقيع .
89 – تواضع ... لا تجاملني
يقول الشيخ محمد عبد الله الخطيب : - كان الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله إذا أراد مراجعة شيء مكتوب ، كان يأتيني إلى مكتبي ويقول لي : - أقسمت عليك بالله أن تراجع وتصحح ما تجد من خطأ ، ولا تجاملني ... يقول الشيخ الخطيب : - وكان هذا دأبه ، إذا أراد شيئاً ذهب إلى الأخ في مكتبه ، إلا أن يكون عذر من مرض أو إرهاق ...
90 – أثاث متواضع
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : - من ذكرياتي لا للمباهاة أو التفاخر أنه كان يزورني في منزلي كثير من المصريين والأجانب .. والمسكن متواضع جداً .. - والأثاث منذ عام 1926م ، وقد تأثر البعض بهذا المظهر ... - فرأى بعض الأحباب في الخارج أن يشتروا لي مسكناً في المكان الذي أتخيره ... وبالأثاث الذي يعجبني .. فرفضت كل الرفض ... لأني قانع بما أنا فيه .
91 – جئت داعياً لا جابياً
ذهب الأستاذ عمر التلمساني لأداء فريضة الحج . ولقيه أحد الإخوة ، وقال له : إن شخصية كبيرة من السعودية تريد مقابلتك . فقبل الأستاذ وتحدد الموعد . وأثناء اللقاء تحدث هذا الكبير عن الدعوة الإسلامية ومستقبلها ... ثم عرّج على مجلة الدعوة ، وكانت لم تصدر بعد . وقال : إنه يريد تدعيمها ... فأدرك الأستاذ هدفه ، وقال مقاطعاً : سيادتكم طلبتم مقابلتي كداعية لا كجابٍ فأنا جئت داعياً لا جابياً . ولو كنت أعلم أنك ستتحدذ معي في مسألة نقود لاعتذرت ، ولذلك أرجو أن تسمح لي سيادتكم بالانصراف .
92 - محاولة للرشوة
قابل الأستاذ عمر التلمساني أحد رؤساء الوزارات المصرية في عهد السادات ، وتبادلا الحديث ، وفي النهاية قال رئيس الوزراء : - كيف أحوالكم المالية ؟ فقال الأستاذ المرشد : - بخير والحمد لله مستورة . فقال : - إن الدولة تدعم كل الصحف والمجلات المصرية ، ومجلة الدعوة كمجلة إسلامية أحق بهذا الدعم . فقال الأستاذ وهو يتمالك أعصابه : - يا شيخ .. سايق عليك النبي ما تكلمنيش في هذه الناحية .
93 – حالة عجيبة عند الإفراج
عندما أفرج عن الأستاذ عمر التلمساني في آخر يونيو 1971م جاءه ضابط المعسكر وقال : لقد أفرج عنك ... فاجمع حاجتك لتخرج ، وكان الوقت بعد العشاء . فقال للضابط : ألا يمكن أن أبيت الليلة هنا ، وأخرج صباحاً فإني قد نسيت طرقات القاهرة . فدهش الضابط وقال : ماذا تقول ؟ ألم تضق بالسجن وتود الخروج منه فوراً ؟ قال : بل أفضل أن أبيت هنا الليلة وأخرج صباحاً . قال : هذه مسؤولية لا أستطيع تحملها ، تفضل اخرج من السجن ، ونم على بابه إلى أي وقت تشاء . فطلبت تاكسي فأحضره . وعاد الأستاذ إلى منزله فيقول : والعجيب حقاً أنني عندما التقيت بأهلي وأقاربي لم أحس بتغير كبير في مشاعري ، وكأني لم أفارقهم إلا بالأمس ، ما السر في هذا ؟ لست أدري !!
94 – العقب والكعب
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : - جاء يوم يتحدث فيه الإمام الشهيد عن الوضوء . فأخذ يتكلم عن العقب . فسبقني لساني إلى الاعتراض على فضيلته قائلاً : - لا داعي لصرف الوقت في الحديث عن الأعضاء ، هل فينا من لا يعرف العقب ؟! - فابتسم رضي الله عنه وقال : اجلس ، لعلك غير متبين لموقع العقب منك في قدمك . فواصلت لجاجتي وقلت : يا فضيلة الأستاذ ، ها هو ذا عقبي ووضعت يدي على كعبي ، فتعجب الإخوان . ولكن فضيلته قال منقذاً لي : لو رفعت يدك قليلاً عن موضعك هذا ، لتبين العقب منك .
95 – أخالف البروتوكول أولى
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : - في أكتوبر 1952م دعا رجال الانقلاب الأستاذ الهضيبي رحمه الله وأعضاءمكتب الإرشاد إلى عشاء في سلاح المهندسين في الحلمية ، فدعاهم فضيلته بعد ذلك إلى عشاء في بيته . وكنت أحضر ذلك العشاء ، وجلست كعادتي على مقربة من الباب . وجاء عبد الناصر وقدم لي التحية فقبلتها ، وكنت أضع رجلاً على رجل . وكان منتهى اللياقة أن أقف وأن أنزل ساقي عن وضعها والرجُل يقفُ أمامي . وفي ثوان دارت معركة في خاطري : - إن ظللت جالساً ، فقد خالفت قواعد البروتوكول . وإن وقفت فقد يظن البعض أني أقف لرئيس الوزراء نفاقاً لا لياقة . فآثرت أن أكون مخالفاً لقواعد اللياقة على أن يُظنُ بي أني منافق وبقيت على حالتي . وما أظن عبد الناصر قد نسي ذلك .
96 – لا أنقذ حكومتي خارج وطني
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : - كان مراسلو الصحف والإذاعات يأتون لإجراء أحاديث ، والظاهرة العجيبة في كل تلك الأحاديث : أن المراسلين كانوا يحاصرونني بأسئلة دقيقة رغبة منهم في أن يحصلوا مني على انتقاد أو هجوم على الحكومات القائمة ، فكنت أفسد عليهم هذه المحاولات .. حتى قال لي أحد المراسلين في لندن : إنك تتهرب من الإجابات عن أسئلة واضحة . فكان جوابي : إن التهرب ليس من خُلُقي ، ولكن طباعي تأبى عليّ أن أنقد حكومتي خارج وطني ، ولا أُشنع عليها في الخارج ، بل أوجه مآخذي إليها مباشرة داخل مصر ، وهو مبدأ وليس سياسة .
97 – ما جئنا هنا لنشتم حكامنا
في إحدى الندوات التي عقدها الصحفيون بدولة الإمارات مع الأستاذ المرشد عمر التلمساني عام 1982م بعد حملة الاعتقالات الهستيرية الساداتية ، وجه إليه أحد الصحفيين هذا السؤال : - ما رأيكم في حكام مصر ، ومعاهدة كامب ديفيد ؟ فأجاب الأستاذ : أحب أن أوجه نظر الأخ السائل إلى أنني لم آت هنا لأشتم حكامنا، ورأينا نعلنه بكل صراحة ووضوح أول ما نعلنه على صفحات الجرائد والمجلات المصرية . فقد تعلمنا من الإسلام الصراحة مع عفة اللسان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المؤمن بالطعّان ولا اللّعان ولا الفاحش ولا البذيء ".
98 - لم أر مثل هذا الرجل
سأل بعض الناس السائق الذي صحب الأستاذ عمر التلمساني أثناء زيارته للإمارات بدعوة من وزارة الثقافة : فقال السائق : صحبت كثيراً من الشخصيات الكبيرة والوزراء . فلم أر مثل هذا الرجل في خُلُقه وتواضعه وحيائه وعفته وزهده وعطفه . • لقد ركب إلى جواري واعتاد كبار الشخصيات أن يركبوا في الخلف ولكنه التواضع . • وتعرف عليّ وسألني عن أسرتي وأولادي وأحوالنا بكل رقة وحنان . • وكان يصحبني معه ويجلسني بجواره في كل مأدبة طعام .
99 - لا رجل إذن لا حلاقة
يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : - عندي خجل شديد من النساء . ولا أستطيع أن أنظر إلى امرأة في وجهها . وذات يوم كنت في فندق بمدينة كومو بإيطاليا . وحددت موعداً في صالون الفندق للحلاقة ، فلما دخلت لم أر إلا السيدات ... فسألت : - من سيحلق لي ؟ فأشاروا إلى فتاة . فقلت : أليس من رجل ؟ فقالوا : لا يوجد رجال . فقلت : لا رجل إذن لا حلاقة . وبات الفندق يتحدث عن هذه الواقعة . وبتُ أحمد الله على أني لم أعصه في بلاد المتحللين .
100 – الوفاء للزوجة
دُعيَ الأستاذ عمر التلمساني إلى لقاءات بالإسكندرية فلبى ، وكان ذلك في شهر رمضان المبارك . وأعد الإخوان مأدبة إفطار احتفاء بالأستاذ المرشد ، وكان على المأدبة شراب المانجو . فقدم أحد الإخوان كوب المانجو للأستاذ عمر فاعتذر ولاحظ بعض الإخوان علامات التأثر على وجه الأستاذ ، فسألوه : هل يلحقك ضرر صحي من المانجو؟ فأجاب : لا . وبعد الانتهاء من الإفطار أراد بعض الإخوة معرفة سر الاعتذار عن شرب المانجو ، وألحوا في الطلب . فقال الأستاذ : لقد اعتدت كلما رجعت من العمل متأخراً أن أجد زوجتي في انتظاري وقد أعدت كوبين من المانجو فنشربهما سوياً . فلما تُوفيت عزّ عليّ أن أشرب بدونها . وأسأل الله أن يجمعني بها في الجنة ، وأن نشرب سوياً من خير الجنة .
خاتمة
بعد هذه الجولة الطيبة المباركة ، وتلك القطوف العطرة الزاهرة من رياض أولئك الشهداء الصابرين الصادقين القانتين .. – نحسبهم كذلك والله حسبهم ولا نزكي على الله أحداً – لا يسعنا إلا أن نقول : هذه أخلاق الدعاة الصادقين هذه صفات القيادة الحازمة هذه حنكة الحكماء المخلصين تلك هي دعوة الإخوان المسلمين ولمثل هذا فليعمل العاملون وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وإلى لقاء آخر مع قبسات مشرقة من نور هذه الدعوة الصادقة ، تكون زاداً للسائرين على سبيلها المباركة . سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين . والله المعين ، وعلى الله قصد السبيل .