فتحي لاشين
مقدمة
لقد فهم المسلم طريقه وحدد غياته وهدفه، وعمل على إحياء قلبه فعمل منذ الوهلة الأولى على أن يكون " قوي الجسم، متين الخُلُق، مثقَّف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظَّمًا في شئونه، نافعًا لغيره". غير أن كثيرا من المسلمين لم يصلوا إلى هذه الدرجة لعدم وجود من يعينهم على الحق.
يقول الإمام الشهيد حسن البنا:
- "إذا لامست معرفة الله قلب الإنسان تحول من حال إلى حال، وإذا تحول القلب تحول الفرد، وإذا تحول الفرد تحولت الأسرة، وإذا تحولت الأسرة تحولت الأمة، وما الأمة إلا مجموعة من أسر وأفراد".
والمستشار فتحي لاشين نموذج للمسلم الذي حدد هدفه واستطاع بفضل الله تحقيقه.برع في بداية حياته فحصل على الثانوية الأزهرية والثانوية العامة ثم كلية أصول الدين جامعة الأزهر، وكلية الحقوق جامعة القاهرة في عام واحد فكان بحق نموذجا فريدا، إنه المستشار فتحي لاشين.
النشأة
فتحي السيد لاشين، من مواليد قرية عمروس مركز الشهداء محافظة المنوفية، ولد فى 24/4/1932م، وحيث موطن أسرته والدي كان أحد علماء الأزهر وهو الشيخ السيد على لاشين , وقد عمل على تربيتي تربية إسلامية؛
وكان لي أربعة إخوة وهم شوقي وفوزي وأسماء ومحمد, التحقت بالأزهر الشريف ومنذ أول يوم فيه وأنا فى تحدى مع زملائي فى التعليم العام من أن الأزهر هو الأصل وأنه قادر على تخريج علماء, وكنت الوحيد بين إخوتي الذي الحقنى والدي بالأزهر .
حوار
- س. حضرتك حصلت على شهادتين جامعيتين فى توقيت واحد كيف حدث ذلك ؟
- أولا التحقت بالأزهر وكما ذكرت تحديت زملائي , ومع ذلك التحقت بالتعليم العام وأخذت أذاكره فى المنزل , وكنت أسير عام بعام في المرحلتين فقد حصلت على الثانوية الأزهرية فى نفس التوقيت الذى حصلت فيها على الثانوية العامة؛
- ومما شجعني على الالتحاق بالتعليم العام أن والدي كان مدرسا فى التربية والتعليم وإخوتي كلهم فى التعليم العام فكانت البيئة مهيئة والمناخ متاح للالتحاق به, بعد ذلك التحقت بكلية ًأصول الدين وفى نفس الوقت التحقت بكلية الحقوق؛
- وكان لدى رغبة فى التحدي والتفوق فيها لكن بعد ما قامت الثورة وأدخل على الأزهر العلوم المدنية توقفت عملية الجمع بين الدراسة الأزهرية والعام , لكنى كنت قد التحقت ولم يسبقني فى ذلك إلا عدد يعد على الأصابع ولم يدخل بعدى أيضا إلا عدد يعد على الأصابع وفى عام 1958م تخرجت من كلية أصول الدين بالأزهر وفى نفس العام تخرجت من كلية الحقوق.
- س. ما مردود ذلك على سيادتك فى الحياة العملية؟
- بعدما تخرجت حاولت عن طريق الأزهر الحصول على بعثة لكن لم أوفق رغم تفوقي وحصولي على ترتيب الحادي عشر مكررا , فاتجهت إلى الحقوق حيث حصلت على دبلومتين وهم يساويان الآن درجة الماجستير وكانت الدبلومة الأولى في المدني العام والثانية في الشريعة الإسلامية
- ثم حصلت على الدكتوراه وكانت بعنوان (عقد التأمين في الفقه الاسلامى دراسة مقارنة لتنظيم أحكامه وفق مبادىء الشريعة الإسلامية) وكانت دراسة صعبة لكن الحمد الله حصلت عليها عام 1983م وكنت وقتها وكيلا للنائب العام بدرجة ممتاز وهى تعادل درجة قاضى.
- عملت فى بداية حياتي مندوبا فى مجلس قضايا الدولة ثم اختبرت مساعدا للنيابة العامة ثم وكيلا للنائب العام ثم قاضيا ثم مستشارا في محكمة استئناف القاهرة.
- تم إعارتى عام 1975م إلى وزارة العدل الليبية على درجة رئيس محكمة , وعملت مستشارا لوزير العدل لشئون التشريعات الإسلامية ومندوبا من الوزارة فى اللجنة العليا لتقنين التشريعات الإسلامية , وبعد ما عدت من ليبيا عام 1978م عينت مفتشا قضائيا للتفتيش القضائي بوزارة العدل ثم مفتش أول ثم عينت فى المكتب الفني بمحكمة النقض.
- تمت إعارتى مرة أخرى لدولة الإمارات على درجة رئيس لمحكمة الجنايات بإمارة أبوظبي بالقضاء الاتحادي وبقيت هناك حتى بلغت سن المعاش , وأثناء عملي فى الإمارات تم ندبي لتمثيل دولة الإمارات فى لجنة تابعة لوزارة العدل العرب بالجامعة العربية؛
- وكانت مهمتها صياغة قانون جنائي عربي موحد مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية وتم إعداد القانون وقدمت مسودته للوزراء العرب غير أن الظروف السياسية حالت دون تطبيقه.وفى عام 1995م عدت إلى مصر لأعمل محاميا بدرجة النقض حتى الآن.
- س. نود أن نعرف كيف تعرفت حضرتك على الإمام البنا ودعوة الإخوان المسلمين؟
- أثناء وجودي فى المرحلة الثانوية الأزهرية كنت أدرس فى معهد طنطا عام 1946م, وكان عندنا مدرس اسمه الأستاذ محمد السخاوي هو الذي عرفني على الدعوة وكان نموذجا طيبا ,واعتنقت فكر الإخوان؛
- وكنت حريصا على حضور الكتائب والمعسكرات وخلالها كنا نلتقي بكبار الإخوان أمثال الأستاذ البهي الخولي والأستاذ أحمد البس والأستاذ عطية الشيخ وكانت محاضراتهم فى غاية الروعة والقوة, وبعد عودة الجماعة عام 1951 التقيت بالدكتور أحمد العسال والشيخ يوسف القرضاوي.
- رأيت الإمام البنا مرات قلائل فى المركز العام حيث كنا نحضر حديث الثلاثاء لكنى كنت أقرأ له الرسائل كما أنى سمعته في حديث له فى الإذاعة المصرية ثم حلت الجماعة عام 1948م واغتيل فضيلته عام 1949, وبعد عودة الجماعة كان العمل أكثر دقة وإحكام بسبب التجارب التي مرت بها الجماعة وكان مقر شعبتنا واسعا وفسيحا وكانت تتم فيه الصلوات والمحاضرات وقيام الليل.
- س. كيف تعرفت على النظام الخاص وهل اشتركت فيه؟
- لقد ضممت لفريق الجوالة بطنطا وكنا نقوم برحلات للقرى المجاورة, كما كنا نشارك فى تنظيم الاحتفالات وتقديم الخدمات في المناسبات العامة كما كنا نقيم مراكز صحية لإسعاف المرضى وبعد عودة الجماعة عام 1951م حضر للغربية المرشد العام المستشار حسن الهضيبي وأقمنا حفلا فى أكبر ميادين طنطا وهو ميدان البلدية.
- وقمنا باستعراض جوالة امتدد قرابة الـ5كم من بداية الاحتفال حتى قحافة مصحوبة بالبيارق والأعلام, وكان قد سبقها عدة تدريبات وعقب هذا الاحتفال أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بحل التنظيمات وعدم ارتداء اللبس الكاكى إلا لرجال الجيش.
- وكنا فى الجوالة يقوم أحد الإخوة بتعليمنا التدريبات الرياضية, مما أهلني لأن أدعى للاشتراك فى النظام الخاص وعقد معي عدة جلسات وكان الهدف إعداد عدد من الإخوان للجهاد فى فلسطين، لكن لم يتم التحاقي بالنظام الخاص كما لم يتم سفري إلى فلسطين بسبب صغر سني والتطورات السياسية على الساحة ودخول الجيوش العربية وحل الجماعة وقد شاركت فى مظاهرات 28 مارس 1953م وكنت تحت الشرفة التى وقف فيها الأستاذ عودة.
- س. تعرضت حضرتك للمحنة بعد حادثة المنشية ما ملابسات هذا الحادث وأثره عليك؟
- انتقلت للقاهرة مع إخوتى لالتحاقنا بالجامعة وسكنا فى الحلمية الجديدة بجوار المركز العام، وكنا نداوم الحضور إلى المركز العام , وعاصرت كافة التطورات التى مرت بها الجماعة من قيام الثورة حتى حلت, لكن لم يتسرب الشك إلى فى القيادة فقد كنت على ثقة بهم.
- وبعد أن حدثت حادثة المنشية عام 1954م تم اعتقالي نتيجة لاعتراف أحد الإخوة على وأنني سلمته منشورا وضبط هذا المنشور وقد اعتقلت من قريتي عمروس حيث كنت فى أجازة ورحلت لقسم المنوفية ثم إلى القاهرة
- وهناك جرت التحقيقات معي لكن لم يثبت ضدي أنني سلمت الأخ المنشور لكنهم رأوا اعتقالي ولقد مررت بما مر به جميع الإخوان من مراحل التعذيب فى سجن القلعة ثم سجن مصر وخرجت مع أول دفعة خرجت عام 1956 وكنت وقتها فى كلية الحقوق وكلية أصول الدين.
- وكان معي فى المعتقل الأستاذ فهمي هويدي الكاتب المعروف وكان طالبا وقتئذ حيث كان والده الحاج عبد الرزاق هويدي مسئول الإخوان فى حلوان كما تقابلت مع الدكتور توفيق الشاوي داخل المعتقل.
- وبعد تخرجي حاولت الالتحاق بعمل فى وزارة العدل لكن المباحث العامة (أمن الدولة حاليا) اعترض على تعيني بسبب أنني واحد من الإخوان وسبق اعتقالي لكن يسر الله الأمر وعينت فى النيابة العامة.
- س. كيف كانت حياتك تسير بعد التعيين فى القضاء ومدى تأثركم بحادثة مذبحة القضاء عام 1969 وهل عُرض أمامكم أحد من الإخوان؟
- فى الفترة التي تلت تخرجي عام 1958 كانت فترة هامة حيث التحقت بقضايا الدولة ثم النيابة العامة, ولم يكن يوجد أى تنظيم للإخوان وكانت علاقتنا ببعضنا فردية , وبحكم العمل فى القضاء لم يسمح لى بالانضمام فى التجمعات السياسية.
- وكان مبلغ حرص كل أخ أن يحافظ على نفسه, وبالرغم من عملي فى النيابة لم يعرض أحد من الإخوان أمامي لأن المباحث كانت تعرف أنى من الإخوان وكانت مثل هذه القضايا يؤتى لها بنيابة خاصة وعندما أصدر عبد الناصر قرارا باعتقال كل من سبق اعتقاله استثني الهيئات القضائية إلا من ثبت عليه الاتصال بالإخوان.
- لكن فى الحقيقة كان الأمر مبيتا حتى كان عام 1969م وهو العام الذي حدث فيه مذبحة القضاء, فأخرجوا منه كل من له موقف معارض للنظام وقد شملني هذا القرار , ونقلت لوظيفة مدنية فى الجهاز المركزي للمحاسبات أنا وبعض الإخوة وظللت فى الجهاز المركزي حتى موت عبد الناصر وتولى السادات الحكم فأصدر قرارا بعودة القضاة الذين شملتهم المذبحة.
- وتقابلنا مع وزير العدل آنذاك المستشار محمد سلامة فلما سمع اسمي قال للموجدين وهو يشير إلى: هذا أحد النماذج الواضحة للظلم الذي تم وإننى بنفسي طالعت ملف هذا الأستاذ فلم أجد به أى مخالفة صغيرة أو كبيرة فى العمل فاستغربت لماذا أخرج؟!! وأنا أساله لماذا أخرجت من القضاء, فقلت لهم: إنهم وجهوا لي اتهاما أنني من الإخوان أثناء دراستي فى كلية الحقوق.
س. متى عدت لتنظيم الإخوان المسلمين مرة أخرى؟
- عندما أعرت لليبيا كنت أعرف بعض الإخوان في ليبيا وكان عندهم قناعة أن ما حدث للإخوان فى مصر ظلم واضح,ثم انتهت فترة إعارتى لليبيا وعدت لمصر حتى تمت إعارتى للإمارات فقابلت كثيرا من الإخوان الذين كانوا يعملون فيها مثل الحاج فهمي عبد العاطي والأستاذ عبد اللطيف أبو النصر والدكتور أحمد أبو النصر وغيرهم؛
- وعلموا أنني كنت من الإخوان وأعمل فى محكمة الجنايات بأبي ظبي فاتصلوا بى وأخذوا يستشيرونى فى كثير من أمورهم القانونية والعامة وتوثقت صلتي بهم ومن ثم عدت إلى العمل التنظيمي تباعا لكن بسبب ظروف وظيفتي لم يسند لى مسئولية محددة.
- كما قابلت الشيخ محمد عبد الله الخطيب هناك وكان زميلي فى كلية أصول الدين وعرفني بالإخوان بالقاهرة حيث عاد من الإمارات للعمل مع الإخوان فى القاهرة واتصلت بالتنظيم العالمي وكانت مهمتي محددة وأنا الآن ممنوع من السفر بسبب اعترافات بعض الإخوة الذين كانوا فى الإمارات والذين عادوا للقاهرة فاستدعاهم أمن الدولة وكانت لديهم مشكلة فاعترفوا على وعلى دوري فى التنظيم ومن ثم وضعني النظام على قائمة الممنوعين من السفر.
البوم صور