عبدالكريم منصور
مقدمة
زخرت الأمة الإسلامية بمن أرشدها إلى حسن طاعة ربها، والدفاع عن شريعتها، والحفاظ على ثوابتها، إلا أنه بين الفنية والأخرى يرحل العلماء والمصلحين، لكنهم رحلوا بعدما تركوا آثار وبصمات في نفوس أبناء هذه الأمة، وتركوا مواقف وتاريخ يضيء ظلمات الدجى أمام الحيارى من شباب وشابات هذا الوطن المكلوم. وعبدالركيم منصور ارتبط اسمه بحادثة استشهاد الإمام حسن البنا، ومع ذلك فسيرته قد تكون غير معلومة للجميع لندرة المعلومات عنه.
حياته
لم تذكر أي مصادر أين ولد ولا متي ولد الأستاذ عبد الكريم محمد أحمد منصور ، غير أنه من سياق ما كتب عنه بأنه ابن من أبناء الصعيد ومن مواليد العقد الثاني من القرن العشرين، ورغم فقره إلا أنه استطاع أن يلتحق بمراحل التعليم حتى أنه حصل على ليسانس الحقوق من جامعة ليون بفرنسا.
مع الإمام البنا والزواج من أخته
لم يكن أحد يعرف عبد الكريم منصور إلا بعد أن ارتبط بالمصاهرة من أخت الأستاذ البنا فوزية التي ولدت فى يوم السبت 22 رجب 1341هـ الموافق 10 مارس سنة 1923م وتحكي قصة زواجها من عبد الكريم منصور وكيف أن كثير من الإخوان كان يسعى لمصاهرة الإمام البنا ونال هذه الحظوة عدد من شباب الإخوان على رأسهم سعيد رمضان الذي ارتبط بوفاء ابنته، وعبد الحكيم عابدين الذي ارتبط بفاطمة وعبد الكريم منصور الذي ارتبط بفوزية.
تقول فوزية:
- فى يوم سمعت شقيقى جمال يقول لشقيقى محمد، الحاج عبد الكريم كل يوم يكلمنى ويسأل عن الموضوع الذى كلمتك عليه، فيقول له محمد مش موافقين.. بلغه كده. وأنا لا أدرى على أى شىء يتكلمان. ولكن "جمال" أخبرنى أن رجلا تقدم لخطبتى، وتخيلت أنا الحاج هذا رجلاا عجوزا، ولكن جمال أخبرنى أنه شاب ولكنه رجعى فقلت له يعنى إيه رجعى؟ قال متمسك بالدين ومتشدد، فقلت له طب كويس. ولكن عبد الكريم تمكن من الاتصال بالمرشد ونال موافقته المبدئية وتم الزواج.
كان يصحب الإمام البنا في كثير من زياراته للإخوان وأعماله، ففي إحدى المظاهرات عام 1947م والتي شارك فيها الإمام البنا كان منصور بصحبته حيث أطلقت الشرطة النار على المظاهرة فأصيب الإمام البنا كما أصيب منصور ونقل إلى المستشفى لإسعافه.
عبد الكريم من حل الجماعة لاغتيال البنا
كان عبد الكريم متوسط الحال وكان مرتبط بالإمام البنا واعتبر محامي الجماعة مع بقية من محامين الإخوان على رأسهم الأستاذ عمر التلمساني والشناوي وغيرهم.
وحينما صدر قرار حل الجماعة في 8 ديسمبر 1948م وبدأت حملات الاعتقال في صفوف الإخوان اختفى منصور ليكتب مذكرة تفند قرار الحل والأمور التي استندت عليها
حيث تقول فوزية:
- صدر قرار حل جماعة الإخوان المسلمين فى 8 ديسمبر 1948 وبدأت حملة الاعتقالات بالجملة، وأول المعتقلين من العائلة كان الشقيقين "جمال"، "عبد الرحمن" وبعدهما بحوالى اسبوعين أعتقل الشقيقان الآخران "محمد" و "عبد الباسط" وسحبوا السلاح المرخص من الإمام الشهيد وقطعوا التليفون عنا وانتشر المخبرون حول المنزل لاعتقال كل من يزوره، فاتصل المرشد "حسن البنا" بالمسئولين وقال لهم أنتم عاملنى مصيدة لتعتقلوا كل من يحاول زيارتى.. اعتقلونى أنا وفى أثناء هذه المدة كان زوجى يختفى ليكتب مذكرة ببطلان الحل.
ولما علم "عبد الكريم" بذلك وأن المرشد أصبح وحيداً ظهر ليكون بجانبه فقال له دعنى يا "عبد الكريم" والله معى واذهب أنت إلى أخيك فى الصعيد فرفض أن يتركه فطلبت من زوجى السفر لكنه رفض وقال لى سأبقى مع المرشد ولو أحد حاول الاعتداء عليه فسأدافع عنه، أما والدتى فكان تعليقها تعرفى يا فوزية هم سايبين أخوكى ليه علشان يقتلوه ويعتقلوا كل من يحضر للعزاء.
وجاء يوم الاغتيال
يقول عبدالكريم منصور:
- في يوم الاغتيال كلفني الإمام الشهيد حسن البنا قبل العصر بالذهاب إلى التليفونات الخارجية في السيدة للاتصال بالشيخ عبدالله النبراوي في بنها لكي أبلغه رغبة الإمام في الإقامة عنده في عزبته "أبعادية النبراوي" وكانت هذه العزبة محاطة برجال النبراوي وحرّاسه، فلمّا تكلمت ردّ علي أهله وقالوا لا داعي لحضور الإمام لأن البوليس جاءنا وضربنا ودمّر أثاث المنزل وممتلكاتنا
- واعتقل الشيخ عبدالله، وعدت إلى الإمام الشهيد لأخبره بنتيجة المكالمة فقال إنه قد جاءه الأستاذ محمد الليثي رئيس قسم الشباب بجمعية الشبان المسلمين وأخبره بأن الحكومة تريد استئناف المفاوضات، وإن بعض الشخصيات الحكومية ستحضر في الشبان لهذا الغرض، فأخبرت الإمام بأمر اعتقال الشيخ النبراوي ورجوته عدم الذهاب إلى الشبان المسلمين، ولكنه رحمه الله صمم على الذهاب قائلا: إني وعدت ولا يجوز لي أن أخلف الميعاد.
- وذهب الإمام ولم يحضر ممثل الحكومة حتى الساعة الثامنة فصلى الإمام البنا بالحاضرين صلاة العشاء وطلب من الليثي إحضار تاكسي، وحينما خرج مع منصور كان الوضع مهيئ تماما لاغتياله، حيث اطلق عليه الرصاص والأستاذ عبد الكريم منصور، ونقلوا إلى الإسعاف التي وجدت الحالة تستدعي نقلهم للقصر العيني وهناك مات الإمام حسن البنا وأهمل في علاج منصور لكن الله عفاه
وخرج تقول فوزية:
- فى الصباح التالى للجنازة حصلت على إذن بزيارة زوجى بعد معاناة وعند باب المحافظة وجدنا سيارة بوليس فى انتظارنا بها ضباط وعساكر ومخبرون وساروا بنا إلى قصر العينى فوجدت زوجى فى حالة سيئة جداً ويعانى من آلام شديدة وكانت إصابته كسرا فى المرفق فى يده اليمنى وزجاجة دخلت وخرجت دون عملية تحت السرة قرب المثانة فوضعوا يده فى الجبس بطريقة مؤلمة جداً وشدوها خلفه وعند خروجى من عنده مسك بيدى وقال هاتى لى دكتور بسرعة أحسن حيموتونى والمخبرين والعساكر اللى على الباب الأوضه بيخشوا بالليل يخوفونى.
- وقصدت شقيقته فوزية تزور زوجها المصاب عبد الكريم منصور المحامى في مستشفى القصر العينى بعد يومين من اغتيال شقيقها فشكا إليها زوجها عدم عناية المستشفى بأمره. وعدم كفاية ما يقدم إليه من طعام فأعطته – كما يقول محضر الشرطة – خمسين قرشا أوراقا نقدية من فئة العشرة القروش ثم عادت وقدمت إليه خمسة وعشرين قرشا فلم تكن تملك غير هذه القروش!
وتستمر فى السرد قائلة:
- الضابط أخذ منى تصريح الزيارة وقال هى مرة واحدة فقط، وكنت عرفت أن اللذين قاما بإجراء العملية للمجنى عليهما هما الدكتور عبدالله الكاتب وأحمد الزنينى ففكرت بالذهاب إلى زكى على باشا وكان وزير دولة ليتوسط لى فى موضوع الزيارة، وذهبت إلى منزل زكى باشا وبعد ألف سؤال من العسكرى اللى على باب فيللته والاتصال بالداخل سمح لى بالمقابلة وشرحت له الموضوع، وكل ما رأيته فى قصر العينى وطلبت منه التوسط للسماح بالزيارة
- فسألنى تعرفى اسم الدكتور الذى قام بإجراء العملية فأجبته الدكتور أحمد الزنينى، وكان يعرفه، وأعطانى كارت توصية له، وسألت عن منزله وذهبت له فرحب وقال: أنت لسه صغيرة والناس بيقولوا إن قصر العينى هم اللى موتوا أخوكى فلا تصدقوا هذا الكلام، الدكتور يؤدى اليمين بأن يكون مخلصاً فى عمله ويراعى أرواح المرضى، وإن شاء الله بكره الساعة التاسعة انتظرى فى استعلامات قصر العينى وسأحضر وأتفاهم مع مجاب بك المدير ليسمح لك بالزيارة.
وتكمل فوزية البنا:
- بالفعل حضر فى الميعاد وصعدت معه، لكن لم أدخل معه وسمعته يقول للمدير بانفعال لابد لها من زيارته، ويكفى أن كل الناس بيقولوا إن حسن البنا كانت إصابته طفيفة وأن الدكاترة فى قصر العينى قتلوه وقطعوا له شريانا تسبب فى الوفاة، وبعد مناقشة طويلة سمح المدير بالزيارة لى يوما بعد يوم ولم يسمحوا بزيارة أمه أو إخوته وبعد حوالى شهر طلبت الخروج من قصر العينى، وإننا سنكمل العلاج عند الدكتور أحمد المنيسى فى عيادته.
- لم يجد منصور جدية في تحقيقات النيابة بل أنه عومل معاملة شاذة حينما خرج من المستشفى حيث اصطحبوه لقسم شرطة عابدين ومكث به مدة طويلة حتى سمح له بالعودة إلى بيته
منصور في ساحات المحكمة
اشتهر عبد الكريم منصور ولمع اسمع خاصة بعد حادثة مقتل الإمام حسن البنا ومصاحبته له، فى يوم فوجئنا بسقوط حكومة إبراهيم عبدالهادى وتبدل الحال إلى أحسن وبدأ الإفراج عن المعتقلين بالتدريج، وانقطعت زيارة الضابط كل يوم خميس، وشعرنا ببعض الحرية، وكان لابد لزوجى أن يعمل وفكر فى المحاماة، ولكن أين المكتب؟ وأين المصاريف؟
وكانت لنا جارة لها قضية صغيرة وطلبت أن يحضر لها هذه الجلسة معه أول جلسة صدر الحكم لصالحها وأعطتنا جنيه أتعابا، وفرحنا به وكان هذا الجنيه يعادل مائة جنيه فى نظرنا، ولم تمض فترة طويلة حتى اشتهر اسم عبدالكريم منصور وحضر الإخوان من الصعيد ومن بحرى ليروا الرجل الذى امتزج دمه بدم الإمام الشهيد حسن البنا
وبعضهم عندهم قضايا وطالبوه بالدفاع فيها وقدم أتعابا لا بأس بها، مما شجعنا على فتح مكتب فى شارع الأزهر ومعه السكن، وعشنا هذه الفترة الأولى.. عيشة التقشف لأننا كنا نترك معظم الأتعاب للتأثيث ونعيش بالقليل وكنا سعداء وأصبح بالمكتب عدد من المحامين تحت التمرين وكان المكتب ناجحا جدا.
كان عبد الكريم منصور واحد من محامي الإخوان الذين دفعوا ببطلان قرار حل الجماعة، حيث أقام الأستاذان عبد الكريم محمد منصور وزكريا عبد الرحمن الدعوى الأولى رقم 176 سنة 3ق بإيداع صحيفتها سكرتيرية هذه المحكمة في 3 من يناير سنة 1949 طلبا فيها وقف تنفيذ الأمر العسكري رقم 63 لسنة 1948 وجميع الأوامر المترتبة عليه وبعد تحضير الدعوى صدر الحكم بإلغاء تلك الأوامر مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقد عين لنظر طلب وقف التنفيذ.
كما أنه واحد من الذين دافعوا عن كثير من الإخوان في قضية السيارة الجيب وبعض القضايا التي قدمت للقضاء العسكري. حيث وقف الأستاذ عبد الكريم محمد منصور المحامي مدافعا عن سيد سابق، وقدم دفعين فرعيين أولهما خاص بأن الأمر العسكري، الذي أحال على المحكمة العسكرية هذه القضية لا يعد باطلاً فحسب
بل غير موجود أصلاً وذلك لعدم عرضه على البرلمان في ظرف أسبوع من تاريخ صدوره وفق القانون رقم 73 لسنة 1923 حيث إن إحالة جرائم القانون العام على المحكمة العسكرية ليس من ضمن المسائل المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 15 لسنة 1923 التي حددت اختصاصات المحاكم العسكرية.
أما الدفع الثاني فخاص بعدم اختصاص المحاكم العسكرية بالنظر في قضية عقوبتها الإعدام. وتكلم عن الدفع الأول من الناحية القانونية، فقال إن هذا الأمر العسكري كان يجب عرضه على مجلس الوزراء فالبرلمان وينال موافقته. وأكد أن هذا الأمر لم يعرض على البرلمان، ولم يستطع أن يجزم إذا كان قد عرض على مجلس الوزراء أم لا.
ثم تكلم عن الدفع الثاني فاستشهد بأحكام محاكم إنجلترا التي استمد منها التشريع المصري، وضرب مثلاً بقضية شخص حكم عليه بالإعدام في قضية نظرت أمام محكمة عسكرية اتهم فيها بالتجسس على إنجلترا. فقدم التماسًا في الحكم، ودفع هذا الدفع عند نظر الالتماس وقضى بإلغاء الحكم.
وفي جلسة 30 أغسطس 1950م وقف الأستاذ عبد الكريم منصور المحامي – وزوج كريمة الشيخ حسن البنا وقال: "إني أتدخل في القضية، لا بصفتي محاميًا، فحسب، بل بصفتي الشخصية مدعيا ضد النيابة، وعبد المجيد أحمد حسن المتهم الأول، لثلاثة أسباب لاحقاق الحق
ووضع الأمور في نصابها وهي:
أولاً: إن مذكرة سعادة عبد الرحمن عمار بك جاء فيها لفظ جمعية الإخوان بدلاً من هيئة الإخوان مغالطة القانون وقال فيها إن من أغراضها الإرهاب والقتل، وهذا قذف في أعضاء هذه الهيئة الذين لم يدنهم القانون. ثم جاءت النيابة واستخدمت نفس اللفظ وقالت إن المتهمين ينتمون إلى جمعية من وسائلها القتل.
ولما كانت هذه الوقائع تكذبها المستندات الرسمية، ورفعت فعلاً دعوى أمام مجلس الدولة فواجهتني الحكومة بمثل ما قاله المتهم فدحضت هذا الادعاء الباطل بالمستندات الرسمية حيث طلبت ضم ملفات القضايا في الحوادث التي تستند إليها الحكومة بشكل باطل فعارضت الحكومة في الضم ولكن المحكمة إحقاقًا للحق قررت ضم هذا الملف.
ثانيًا: إن النيابة والمتهم الأول يطعنان في هيئة الإخوان المسلمين. وهذا يعد قذفًا في أعضاء هذه الهيئة.
ثالثًا: إن المتهم يتعرض إلى المرحوم الشيخ حسن البنا، الذي مات ولم يسبق اتهامه أو إدانته فالقذف في حقه وهو ميت، فيه مساس بشرف العائلة التي أنا من أعضائها، إذ إن شرفي من شرفه وكرامتي من كرامته، وقد فديته بالروح في حادث اغتياله الأثيم.
والقانون يجيز التدخل في القضية إذا كانت هناك مصلحة، ولا يعقل أن يقذف في حق إنسان وينشر هذا القذف دون أن يعطي للمقذوف في حقه حق التدخل للدفاع عن نفسه، وأن قانون الأحكام العسكرية ليس فيه نص يمنع من التدخل. وقواعد القانون العام تجيزه.
كما رفع الأستاذ عبدالكريم منصور المحامي عن محمد مالك ومحمود كامل دعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة، يطلب فيها عدم الاعتداد بهذا الحكم لأنه صادر من محكمة عسكرية لا وجود لها فهي ليست بذات محكمة ولأسباب أخرى لا تخرج عن الدفوع الأربعة عشرة التي تقدم بها للمحكمة العسكرية أثناء نظر القضية. وقد رفضت هذه القضية بجلسة 20 فبراير سنة 1950.
منصور والخروج من مصر
ظل عبد الكريم بجوار المرشد الجديد وكان على رأس القضية التي فتحتها الثورة بعد نجاحها للتحقيق في مقتل الإمام الشهيد حسن البنا حيث حكمت له المحكمة بتعويض مبلغ ألفى جنيه.
لكن الإمور ساءت بين الإخوان والثورة ووقعت حادثة المنشية وقبض على قيادات الإخوان وطلب عبد القادر عودة من منصور أن يترافع عنه وهو الأمر التي تصفه فوزية بقولها: وفى سنة 1954 انقلبت الثورة على الإخوان وبدأت حملة اعتقالات كبيرة لأفراد الإخوان وانتشرت المخابرات فى كل مكان وطلب أحد المعتقلين وهو القاضى عبدالقادر عودة زوجى للدفاع عنه
وكان ينظر للأمور من زاوية بعيدة ويتوقع بعض الأشياء التى كانت تستحق، فاحتار بين أن يذهب للدفاع عنه أو لا يذهب، وأخيرا ذهب إلى والدى واستشاره فى الموضوع وشرح له تخوفه، فقال له توكل على الله، واذهب لمن استجار بك ولا تتخل عنه، وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، والله حافظك إن شاء الله
وكان المعتقل فى السجن الحربى فلما ذهب إليه ورآه بعض الضباط، قالوا له أنت لسه عايش على وش الدنيا، أنت حقك تكون مع عبدالقادر عودة دلوقتى، ولم يمكنوه من مقابلة الشخص الذى ذهب من أجله، فخاف وتسلل من السجن راجعا وقرر فى نفسه السفر خارج مصر، ولم يخبرنى بذلك وصادف أن كان فى هذه الأيام موسم الحج فقدم للحج وتمم كل الإجراءات دون أن يخبر أحدا بذلك، لا أنا ولا أحدا من أهلى.
وتكمل: وذهبت إلى والدتى وأخبرتها أننا سنسافر للحج فلم تصدق وقالت لى: أنت ما عندك ملابس الحج ولا حضرنا لكم شيئا فقلت لها: سألبس ملابسك، وكانت ملابسها التى حجت بها سوداء ونحن لا نهتم بالالتزام بالملابس البيضاء ونعلم أنها ليست ضرورية للحج، وسافرنا على الباخرة مصر وبعد أن أبحرت الباخرة وفتحت الشنط لآخذ بعض الملابس
فوجئت بأنه وضع فيها ملابسه الإفرنجية البدل والقمصان والكرافتات ولما سألته عن ذلك، قال: ربما نحتاج إليها وصرح لى بأنه لن يعود وأنه أرسل لأخيه فى السودان أن يستخرج له ولى فيزا للدخول وأننا سنسافر إلى السودان، وحاولت إقناعه بالعودة إلى مصر ووسطت بعض الإخوان الموجودين معنا فى الحج، وحاول الجميع إقناعه ولكنه أصر على عزمه.
وذهب عبدالكريم منصور وزوجته فوزية البنا إلى السودان وعاشا هناك ثلاث سنوات كانت أيام شقاء واضطر إلى بيع الفاكهة بعدما صرف مبلغ التعويض الذى حكم به فى قضية اغتيال حسن البنا.
بعدها انتقل منصور بصحبة زوجته إلى السعودية حيث كان اسمه المقترن باسم البنا سبيل في تسير الأمور في السعودية في ذلك الوقت حيث ظل فيها ما يزيد عن أربعين عاما فتح الله عليه من الخير الكثير والثروة العظيمة ومع ذلك لم يرزقه الله بالأولاد فترك كل شيء لأولاد وإخوات الإمام البنا وأوجه الخير، حتى أنه دعم سيف الإسلام بالمال في دعايته الانتخابية في البرلمان عام 1987م.
وفاته
ظل منصور قريبا من إخوانه داعما لهم حتى توفاه الله عام 1989م ودفن بالسعودية ثم لحقت به زوجته بعد فترة في أكتوبر 1997م.
المصادر
- جمال البنا: "ذكريات فوزية البنا بقلمها"، دار الفكر الإسلامى، القاهرة، مصر، 2009م.
- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2003.
- أحمد الطاهري: مجلة روزاليوسف الأسبوعية، الموافق 4 سبتمبر 2010م.
- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، جـ1، دار الدعوة للنشر والتوزيع، الإسكندرية، 1998م.
- حوار الأستاذ عبد الحكيم منصور، مجلة لواء الإسلام، الموافق رجب 1408هـ ، 9 فبراير 1988م.