حسن البنا والثقافة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حسن البنا والثقافة


إخوان ويكي

مقدمة

عاشت الثقافة في مصر والعالم العربي والإسلامي صراعا عنيفا في العصر الحديث بين الحداثة الغربية القوية التي أرادت أن تفرض ثقافتها وحضارتها بالقوة، وبين الثقافة الإسلامية التي كانت تحيا عليها الشعوب العربية والإسلامية وتعرضت للتشويه من أذناب الغرب الذين افتتنوا بالثقافة الغربية وسعوا إلى نشرها بكل السبل حيث ساعدتهم كل الظروف في ذلك خاصة الفترة التي وقعت فيها الشعوب العربية والإسلامية تحت نير الإستعمار.

صراع ثقافي

سعى أصحاب الفكر التغريبي إلى ضرورة جعل الغرب الحضاري هو المنبع الرئيسي الذي يجب أن تعب منه الثقافة العربية، ولا نبع سواه وقد أضفوا عليه بعض المسميات حتى تتقبله الشعوب العربية والإسلامية مثل الحداثة والتغريب، وهو ما عبر عنه أحد مناصري الثقافة الغربية وهو سلامة موسى بقوله: كلما زادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له، وشعوري بأنه غريب عني، وكلما زادت معرفتي بأوروبا زاد حبي لها، وتعلقي بها، وزاد شعوري بأنها مني، وأنا منها.

بل اعتبر سلامة موسى أن الغرب هو الوجهة الوحيدة التي يجب أن تقتدي بها الشعوب العربية والإسلامية، حيث اعتبر أن الحضارة الغربية وثقافتها الطريق الوحيد للرقي واللحاق بركب التقدم، ومعنى هذا ضرورة نبذ الشرق أو العرب والإسلام والحضارة المرتبطة بهما، والإسراع باللحاق بالغرب، أو الأوروبيين والعقلية الأوروبية والحضارة الأوروبية. (1)

لقد كان الصراع الثقافي شديد بين التيار التغريبي المنساق خلف سياسة المستعمر الغربي والمفتون بالحضارة الغربية، وبين التيار الداعي إلى المحافظة على الثقافة الإسلامية وهويتها. في هذا الصراع نشأ حسن البنا إلا أنه تربى في بيت عرف معاني الإسلام منذ صغره، فتأثر بالثقافة الإسلامية والتعاليم الإسلامية مما كان لها أثرها في مبادئه ودعوته.

لكن يبدوا أن اتباع وأذناب التغريب لم يعجبهم حسن البنا ولا كل داعى للثقافة الإسلامية وأرادوا أن يحصروها فقط في بعض المظاهر الإسلامية، بحيث لا تتعداها الشعوب. بل سعوا إلى تشويه كل من دعى إلى الثقافة الإسلامية بدعوا أن الثقافة الإسلامية تدعوا إلى الجمود والرجعية وتخلف الشعوب.

لقد توفرت كل الوسائل للتيار التغريبي سواء في عهد حسن البنا أو في عصرنا الحالي في القرن الحادي والعشرين حيث لم يتغير فكرهم، ولا من يقف خلفهم ويساعدهم. فقد استخدم العلمانيون وسائل عديدة لنشر أفكارهم والتعبير عن اتجاههم، وكانت وسائلهم في الواقع هي أهم مؤسسات التنشئة الفكرية وأدوات تشكيل المناخ الثقافي العام في المجتمع، مثل الجامعة المصرية، والمنتديات الفكرية، وعدد كبير من الصحف والمجلات.

وتؤكد بعض الدراسات على أن سلطات الاحتلال الإنجليزي في مصر منذ عهد كرومر كانت تقف خلف هذا التيار المروج للعلمانية، وتمده بالمال. كما تؤكد دراسة أخرى حول العلمانية ودورها في مصر، من أنها – أي العلمانية - "كانت أداة من أدوات فرض السيطرة الاستعمارية، وضمان التبعية بعد زوال الاحتلال العسكري المباشر" (2)

ثقافة حسن البنا

نشأ حسن البنا في بيت كان والده أحد علماء عصره والذي حرص أن يعلم ابنه تعاليم الإسلام الصحيح، فشجعه على القراءة واقتناء الكتب، وأن يكون لديه مكتبته الخاصة، وهي ما شكلت شخصيته وثقافته الإسلامية.

ولقد صور حسن البنا الصراع بين الثقافات الغربية والإسلامية بقوله وهو صغير:

(وإذ ذكرت ما كنا نطالع من قصص كلها حماسة وشجاعة وذود عن الوطن، واستمساك بالدين وجهاد في سبيل الله وكفاح لنيل العلا والمجد، ثم ذكرت ما يطالع شباب اليوم وناشئوه من روايات كلها ميوعة وخنوثة وضعف ولين، وأدركت مدى التطور الغريب بين ثقافة الأمس العامة وثقافة اليوم العامة كذلك، وأعتقد أننا في أشد الحاجة إلى غربلة هذا الغذاء الثقافي الذي يقدم إلى الجيل الجديد، في صورة كتب أو روايات أو صحف أو مجلات) (3)

بدأ حسن البنا دراسته بالقرآن الكريم والثقافة الإسلامية حيث مرت ثقافته بمرحلتين المرحلة الأولى وهي الثقافة الدينية الخالصة مع علوم اللغة وهي مرحلة ما قبل دار العلوم ثم تنوعت مصادر ثقافته فشملت كل أنواع الثقافة سواء تاريخية أو اجتماعية أو غيرها من أنواع الثقافات.

وكانت المرحلة الثانية (مرحلة دار العلوم) هي مرحلة تنوع الثقافة فلم تكن الدراسة جامدة بل كان الطلاب والأساتذة يتناولون كثيرا من الأمور العامة سياسية كانت أو اجتماعية وكانت المواد التي تدرس في دار العلوم تتضمن علوم اللغة والأدب والشريعة والجغرافيا والتاريخ

ومناهج التربية العلمية والعملية والاقتصاد السياسي، وكان للبنا لقاءات متعددة مع أعلام الفكر والثقافة في عصره أمثال محب الدين الخطيب، ومحمد الخضر حسين والأستاذ محمد أحمد الغمراوي وأحمد باشا تيمور وعبد العزيز باشا محمد كما كان يلتقي والشيخ رشيد رضا وغيرهم. (4)

موقف الإمام البنا من الثقافة

لقد سيطر على الثقافة في مصر في الفترات الأخيرة ثلة من العلمانيين واليساريين والناصريين الذين ظنوا أنهم هم المثقفين فقط وأن الإبداع ملكا لهم، أما غيرهم هم الظلاميين والرجعيين.

لقد سيطر هذا الهاجس وهذه الروح على هذه الطبقة حتى صدقوا وأيقنوا أنهم فعلا المثقفين الوحيدين الموجودين في البلد، حتى وصل الحال بهم لتنحية كل من ليس فيهم وإخفاءه حتى لا يكن له جهد ولا دور، وإظهار كل أصدقاءهم وكل من كان على فكرهم حتى ولو تطاول على الدين وعلى الذات الإلهية طالما هو يتمتع بروح الإبداع والثقافة.

لقد صرح احدهم بأن الإخوان ليس لديهم كوادر ثقافية وهدفهم طمس الثقافة، وليس منهم أسماء مشهورة، حتى أنهم اتهموا الأستاذ البنا أنه ليس له في الثقافة.

والسؤال: أي ثقافة يقصدون؟ وأى فكر يريدون؟ وأي منهج يروجون؟

لم نر أحد من المفكريين الإسلاميين نال جائزة لأنها احتكرها العلمانيين واليساريين في أنفسهم وفي أصحاب الأقلام التي تتطاول على الذات الألهية أو الدين الإسلامي فحسب. وهي الطبقة التي سادت بينهم الثقافة الليبرالية التي حصلوا عليها نتيجة اتصالهم بالمجتمع الأوروبي، سواء من خلال البعثات التي أرسلتها الدولة إلى أوروبا، أو من خلال انتشار مناهج التعليم في المدارس التي كانت تتمثل أنماط الحياة الثقافية والفكرية في أوروبا. (5)

كان حسن البنا صاحب فكر متعدد، وثقافة متنوعة، وباع في علوم اللغة، إلا أن فكره كان إسلاميا وهو ما لم يعجب أذناب العلمانية واليساريين في وطننا العربي. حيث كان المناخ الثقافي في هذه الفترة يموج بكثير من الأفكار المختلفة والمتناقضة، إلا أن السائد في هذه الفترة كانت استيراد الأفكار التي تدعو للانحلال والإباحية والإلحاد، مثل: الشيوعية والسفور والتغريب. وقد ساعد الاحتلال بقوة هذه الأفكار، ومهد لها السبل.

ولقد طالب الإمام البنا مصارعة هؤلاء التغريبيين ومقارعتهم بالحجة والدليل، حيث قال ذلك بقوله:

ولا يغرنك قوم من الكتاب يقولون هذا عصر مدنية وتجديد ورقى فى المدارك والأفكار وثقافة حرة وحرية شاملة شخصية وغير شخصية، وغير ذلك من الألفاظ التى يرصونها رصا وينمقونها تنميقا يخدعون بها البسطاء ويخلبون بروائها الضعفاء
ذلك تعبير له تعبير، ولو أن هؤلاء القائلين ممن لم يستول عليهم الافتتان والإعجاب بما يرون إلى حد لا يفقهون معه دليلا ويذعنون لحجة ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى﴾ "النجم: 23" لناقشناهم دليلا بدليل، وساجلناهم حجة بحجة، وبينا لهم أن الحق غير ما يظنون، وصلاح الأمة بغير ما يفهمون، ولنا معهم موقف آخر إن شاء الله رغم ذلك كله يرون فيه الحق حقا والباطل باطلا (6)

وأمام هذا الزخم الثقافي الذي كان يهدف لإعادة تشكيل العقل الثقافي للأمة بما يتماشى مع التوجه الغربي حدد الإمام البنا رؤيته للثقافة والتي تنبني على العلم النافع المثمر، والعقل الناضج السليم، والتفكير المنطقي الدقيق، يمد ذلك كله الخلق الفاضل والنفس الزكية الطيبة، ويكون ذلك بما يأتي:

1. وضع سياسة ثابتة للتعليم يكون من شأنها:

‌(أ) تعميمه بين كل طبقات الأمة. ‌ (ب) توحيد خططه ومناهجه وإصلاحها، بحيث تكون مبنية على الناحية العملية الاستقلالية الإسلامية.

(‌ج) ضم أنواعه المتشابهة بعضها إلى بعض حتى تقرب الثقافات وتوحد النفقات، ويقضي على الفوارق بين المعاهد المختلفة في الأدوار الواحدة من التعليم.

(‌د) التفريق بين مناهج البنين والبنات، والحيلولة بينهما في المعاهد المختلفة في السن الكبيرة.

(هـ) تشجيع اللغة العربية والتاريخ القومي والتربية الوطنية في نفوس المتعلمين.

2. محاربة الأمية ونشر الثقافة بين طبقات الأمة، وإلزام الشعب أن يتعلم، وفرض عقوبة للمتخلف، واستخدام الطلبة وموظفي التعليم الأولي والشبان من الموظفين في ذلك.

3. اعتبار المساجد والأماكن العامة والمقاهي والمتنزهات ونحوها من وسائل الثقافة العامة، واستخدامها في الأغراض التعليمية كل في ما يناسبه.

4. استخدام الإذاعة استخدامًا ثقافيًّا وتهذيبيًّا وإصلاح شأنها.

5. العناية بالسينما والتمثيل عناية صالحة ومراقبتها مراقبة دقيقة، واستبدال الأفلام والروايات الخليعة بكل ما يرمي إلى أهداف قومية، وتشجيع المؤلفين المسرحيين والسينمائيين على اختيار الموضوعات، وتأليف هيئة خاصة بذلك.

6. العناية بالأغاني والأناشيد وصبغها بالصبغة الحماسية مع الروحية، وإبعادها عن العاطفة الغرامية التي تنافي الرجولة.

7. العناية بالصحافة وتجديد المكتبة الإسلامية.

8. الاهتمام بحركة التأليف والنشر، ومراقبة المطبوعات، ومصادرة كل الروايات الهازلة الضئيلة المغزى، على أن يستبدل بها روايات وأقاصيص أخرى مع تهذيب تراثنا القصصي القديم وبعثه من جديد.

9. العناية باللغة العربية في كل الأوساط، والتاريخ العربي، والتوقيت العربي كذلك.

10. العناية بالفن العربي في كل النواحي الفنية. (7)

كما طالب البنا بإصلاح منابع الثقافة العامة فقال: أهم منابع الثقافة العامة فى كل أمة: المدارس والصحف والمطبوعات والسينما والتمثيل والإذاعة اللاسلكية وهذه كلها تحتاج إلى إصلاح.

ويختتم قوله:

بذلك وأمثاله تصلح منابع الثقافة، ونقدم للشعب غذاء شهيا صالحا ينمو به أفضل النماء وتزكو عليه العواطف والعقول والأرواح. (8)

وقد اهتم الإخوان برفع المستوى الثقافي العام لدى المجتمع، وذلك بمختلف الأساليب، فكانوا ينشئون الجمعيات الأدبية مثلما فعل شباب الإخوان ببني سويف؛ حيث كونوا رابطة أدبية أطلقوا عليها: "رابطة الثقافة الإسلامية"، وذلك لخلق جيل جديد مثقف، كما كانت دورهم مشاعل ثقافية تلقى فيها مختلف المحاضرات، مثل المحاضرة التي ألقاها المهندس محمد حسن جعفري حول القنبلة الذرية بدار الإخوان، وكانت صحف الإخوان تتناول شتى فروع الثقافة: الأثرية، والفنية، والفكرية، واللغوية.

كما كانت صحف الإخوان تولي اهتمامًا بالأخبار الدائرة في أروقة المؤسسات الثقافية تحت عنوان: "أخبار عن حاضر الثقافة في مصر"، ونتيجة للاهتمام البالغ من جانب الإخوان بالثقافة العامة فقد تفضل صاحب السمو الأمير عمر باشا طوسن بإهداء شعبة الإخوان المسلمين بمنشأة بسنديلة سبعة

كتب من مؤلفاته في: التاريخ، والوطنية، والفتوحات المصرية، وكانت الهدية الكبرى ما قام به الأمير محمد علي توفيق ولي عهد المملكة المصرية بإهداء مكتبته العربية لدار المركز العام للإخوان المسلمين، والتي كانت تبلغ نحو الألف مجلد في مختلف العلوم الإسلامية واللغوية والتاريخية وباقي فروع الثقافة، وقد شكره الإخوان على ذلك. (9)

لقد أوضح الإمام البنا أن الإسلام شامل في كل مظاهره حيث قال:

يجب أن يعلم الأخ المسلم أن الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية وسماحة وقوة وخلق ومادة وثقافة وقانون. (10)

كما قال:

والإخوان المسلمون: يعتمدون فى تحقيق غايتهم على التربية والثقافة، فالتربية بإلزام الأعضاء العاملين التمسك بتعاليم الإسلام وشعائره والثقافة بنشر المدارس: الأقسام الليلية والنشرات والمحاضرات وأقسام المحافظة على القرآن الكريم.
والإخوان المسلمون: لا يعنون بالمظاهر والأشكال الإدارية ولكنهم يعنون بالخلق والمبدأ والعقيدة، وهم جماعة واحدة مهما تعددت الأماكن والأوطان وزاد عدد الإخوان. (11)

وأثنى على ثقافة الشباب بل شجعهم على الاستزداده من الثقافة ومحاربة الجهل والفكر المعوج لمفهوم الثقافة فقال: ومن أولى من الجامعيين بأن يوجه إليهم القول فى هذه اللحظات، وقد اكتملت فيهم وسائل العمل والأمل معًا فهم شباب،والشباب شعلة الحماسة، وهم مثقفون، والثقافة مصباح السائر فى طريق الكفاح، وهم مؤمنون، والإيمان عدة المجاهدين، وهم بعد ذلك كله أطهار متجردون من الأنانية والأثرة القاتلة، فإلى أبنائنا وإخواننا وشبابنا العالى فى الجامعات نوجه القول. (12)

بل لشدة عناية الإمام البنا بالثقافة طالب بمحاربة الأمية ونشر الثقافة بين طبقات الأمة، وإلزام الشعب أن يتعلم، وفرض عقوبة للمتخلف، واستخدام الطلبة وموظفى التعليم الأولى والشبان من الموظفين فى ذلك. (13)

حسن البنا والثقافة الغربية

لم يكن حسن البنا في يوم من الأيام ضد الثقافة الغربية ولا الأخذ والاستفادة منها، لكن كان ضد التغريب أو طمس هوية الشعوب الإسلامية وثقافتها لصالح الثقافة الغربية.

كما يم ينكر أهمية تعلم اللغات الأجنبية ولكنه انتقد تعلمها في الصغر حيث قال:

تعلم اللغات الأجنبية عنصر حي من عناصر التعليم ولا سيما وظروفنا وحاجتنا إلى أن ننهل من مناهل الثقافة الأجنبية فيما لابد لنا منه في نهضتنا شديدة ماسة؛ كل ذلك مسلم لا يختلف فيه اثنان، ولكن الذي نراه غريبًا أن نتغالى في تعليم اللغات وأن نجعلها أسسًا في المناهج المصرية في كل أدوار التعليم حتى الدور الابتدائي
وإن أية أمة من الأمم مع شعورها بالحاجة إلى تعلم لغة أجنبية لم تغال هذه المغالاة، وفي البلاد الراقية التي تنقل عنها وزارة المعارف كثيرًا من نظمها لا يبدأون تعلم لغة أجنبية إلا بعد مرحلة طيبة من التعليم الثانوي أعني في الفرقة السادسة أو السابعة من مراحل التعليم، وأساطين المربين تواترت وصاياهم في وجوب تأخير تعلم اللغة الأجنبية إلى سن متأخرة وبعد مرحلة كبيرة، ولكن وزارتنا لم تأخذ بهذا ولا بذاك وهي ماضية في خطتها من المغالاة باللغة الأجنبية إلى حد ينتج أسوأ الآثار. (14)

ويؤكد هذا الفكر الذي يرد على مدعي التغريب والعلمانيين بأن الإخوان يصطدمون مع الثقافة الغربية فيقول:

أننا لا ننكر فائدة اتصالنا بالغرب فى تاريخنا الحديث، ولا نكره الثقافة الأوربية والعلم العصرى الأوروبى، بل نقدر كل التقدير هذه الثروة العلمية الهائلة التى ورثها الغرب لبنى الإنسان، ولسنا نمن على الغرب بما علمناه من قبل
كما أننا كذلك نعلم أننا لا نستغنى فى نهضتنا الحالية عن رءوس الأموال الأجنبية، وعن الخبرة الفنية الأجنبية، وعن التعاون مع غيرنا من الناس، ولسنا نذكر ما دفعنا من ثمن غال، وما قدمنا من تضحيات. كل ذلك نعرفه ونؤمن به، ولكن على النزلاء الفضلاء كذلك أن يقدروا مدى التطور الاجتماعى والاقتصادى الذى طرأ علينا. (15)

بل حتى طالب الأستاذ البنا وزير المعارف بإلغاء تدريس مادة اللغة الإنجليزية في المدارس ردا على احتلال الانجليز لمصر طالبه باستبدالها باللغة الفرنسية مؤكدا على معنى حتى نؤدى واجبا وطنيًّا ولا يتهمنا أحد بمقاطعة الثقافة الغربية. (16)

حسن البنا وثقافة المرأة

وقف حسن البنا مع تعليم المرأة فلم يحجر الأمر على الرجال دون النساء لكنه مع ذلك طالب بأن يكون التعليم مناسبا لطبيعتها بعيدا عن الاختلاط، فيقول: أيها القوم جميعًا: أما تعليم البنت وتثقيفها وتهذيبها وتربيتها فأمر لا نجعله محل نزاع فيما بيننا، وليس هو من شئون بحثنا. وأما سفورها أو حجابها واختلاطها أو اعتكافها فلنا فيه كلام. (17)

كما كتب برسالة لوزير المعارف، بحث الوزارة على الاهتمام بالدين والتربية الإسلامية للحصول على نتائج أفضل وسط المجتمع خاصة محيط الفتيات فقال فيها: يا معالي الوزير: إن الاعتناء بأمر الدين من شأنه تخريج موظفين مخلصين للحكومة والأمة معًا، أمناء على الأموال والأعراض والحقوق، وتخريج فتيات مهذبات وفتيات مدبرات للمنازل حافظات للغيب صالحات لتربية أولاد المستقبل معاونات للأزواج على مشاق الحياة. (18)

ويؤكد على مبدأ تثقيف الفتاة وتعليمها بما هو نافع لها ولمجتمعها فيقول:

ومن حسن التأديب أن يعلمهن ما لا غنى لهن عنه من لوازم مهمتهن كالقراءة والكتابة، والحساب، والدين، والتاريخ - تاريخ السلف الصالح رجالاً ونساءً، وتدبير المنزل، والشئون الصحية، ومبادئ التربية وسياسة الأطفال، وكل ما تحتاج إليه الأم في تنظيم بيتها ورعاية أطفالها. (19)

أخيرا

لم يهمل الإمام البنا شأن الثقافة بل أحبه جميع من تعامل معه لسعة ثقافته وأفقه الواسع رغم صغر سنه، لكنه اهتم بالثقافة الإسلامية، ولم يحجر على من أمن بثقافة أخرى طالما لم يحاول النيل من الدين الإسلامي والطعن فيه.

المراجع

  1. سلامة موسى: اليوم والغد، المطبعة العربية، القاهرة، 1927. صـ7.
  2. محمد يحيى: ورقة ثقافية في الرد على العلمانيين، طـ1، الزهراء لإعلام العربي، القاهرة، 1985م، صـ18.
  3. حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2002م، صـ30.
  4. إبراهيم البيومي غانم: الفكر السياسي للإمام حسن البنا، مدارات للأبحاث والنشر، القاهرة، 2013، صـ157.
  5. عاصم الدسوقي: كبار ملاك الأراضي الزراعية، ودورهم في المجتمع المصري 19141952 دار الثقافة الجديدة – القاهرة 1975، صـ319.
  6. حسن البنا: الدعوة إلى الله، مجلة الفتح، العدد (100)، السنة الثانية، 25 ذو الحجة 1346ه - 14 يونيو 1928م.
  7. مجموعة رسائل الإمام حسن البنا: رسالة المنهج، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2000.
  8. مذكرة الإخوان المسلمين إلى رفعة رئيس الوزراء: مجلة النذير، العدد (3)، السنة الأولى، الاثنين 14 ربيع الثانى 1357ه - 13 يونيو 1938م، صـ3-10.
  9. جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب السادس،دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 2006، صـ446.
  10. جريدة الصعيد الأقصى، العدد (464)، السنة العاشرة،20 ذو الحجة 1364ه - 25 نوفمبر 1945م، صـ5.
  11. المرجع السابق: العدد 462، السنة العاشرة، 6 ذو الحجة 1364ه - 11 نوفمبر 1945م، صـ1.
  12. حسن البنا: إلى الإخوان الجامعيين، الإخوان المسلمون، العدد (85)، السنة الرابعة، 8 صفر 1365ه - 12 يناير 1946م، صـ3.
  13. رسالة المنهج.
  14. جريدة الإخوان المسلمين: السنة الثالثة – العدد 16 - الثلاثاء 29ربيع الثاني 1354هـ - 30 يوليو 1935م.
  15. كلمة فضيلة المرشد العام فى حفل الصحفيين: مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية، العدد (73)، السنة الثالثة، 7 ذو القعدة 1364ه - 13 أكتوبر 1945، صـ3- 6.
  16. الإنذار العدد 870، سنة السابعة عشر، 2 فبراير 1947، 11 ربيع الأول 1366هـ، صـ1.
  17. جريدة الإخوان المسلمين: العدد (8)، السنة الأولى، 11 ربيع الثانى 1352ه - 3 أغسطس 1933م، صـ19.
  18. المرجع السابق: السنة الثالثة – العدد 6 - 18 صفر 1354هـ - 21 مايو 1935م.
  19. مجلة المنار، الجزء (10)، السنة الخامسة والثلاثون، 1 شعبان 1359ه - 4 سبتمبر 1940م، صـ35.