حرب 1967م وتأثيرها على الطلبة
مركز الدراسات التاريخية (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)
مقدمة
صدرت الأحكام على الإخوان وتضمنت الأحكام على بعض الطلبة الذين ظلوا في السجون سنوات كثيرة كانوا صابرين محتسبين، غير أن المعتقلات لم تجمع شباب الإخوان فحسب، بل توسعت الاعتقالات لتشمل كل الشباب الإسلامي الذي يرتاد المساجد للصلاة، فلم تفرق المحنة بين إخوان وغيرهم؛
بل وصل الحال للقبض على أعداد كبيرة من غير الإخوان لمجرد تشابه الأسماء، وقضوا فترات طويلة حتى تبينت المباحث الخطأ، كانت هذه الفترة كفيلة للتغير المنهجي في تفكير الكثيرين في اتجاه العنف، وساعد ذلك الفراغ الديني الذي كان يعيشه كثير من هؤلاء الشباب، هذا بالإضافة للدور الذي قام به بعض ضباط السجن في تغذية هذا الشعور أمثال عبدالعال سلومة بهدف إثارة الفتنة وسط شباب الإخوان والمعتقلين.
لقد كانت محنة عام 65 أشد ضراوة من محنة عام 54م حتى وصل الحال بكثير من الشباب لتبني فقه التكفير لما رأوه من تعذيب فاق حد التصور.
جاءت كتابات الشهيد سيد قطب ليتلقفها هؤلاء الشباب دون تفقه او وعي كاملا ومن ثم فهمت على وجه خطا، وتناسوا ان سيد قطب يؤمن بمبدأ نحن لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين، لكن بالغ النظام في تعذيب هؤلاء حتى وصل الحال بأحد الضباط الأحرار وهو كمال الدين حسين أن يرسل برسالة عاجلة إلى عبد الناصر يقول له فيها: اتق الله، بعدما بلغه ما يحدث في السجون من تعذيب تشيب له الولدان، فما كان من عبد الناصر إلا أن سجنه وتوفيت زوجته في استراحة بالهرم دون أن تجد طبيب يعالجها. (1)
يصف الصروي هذا المشهد الفكري بقوله:
- الأستاذ سيد قطب رحمه الله كانت له اجتهادات لعل أغلب ألفاظها ومصطلحاتها لا توجد في أديبات الإخوان التي تتمثل في رسائل الإمام الشهيد كما أن هذه المصطلحات كانت موجودة من قبل في عصور الإسلام الأولى عند فقهاء الأمة مثل دار الحرب ودار الإسلام وغيرها ولكن في ظروف عالمية ومحلية مختلفة.
- ولقد أثارت هذه المصطلحات أزمات كثيرة بعد وفاة الشهيد سيد قطب , وانقسمت الآراء بين متحامل عليها , وبين موائم بينها , وبين ناقد لها في موضوعية وبين من يصف عبارات الشهيد بالعاطفية , ومن يصفها ببلاغة الأدباء وتعبيرات الفصحاء .. وبين متعصب لها بدرجات متفاوتة فمنهم حتى الان من يتوقف في الحكم على إسلام الناس , ومنهم من يكفر الناس؛
- ومنهم من يكفر من ليس على مزاجه ومقاسه وهواه .. حتى ظن بعضهم انه وحده على الحق وان الدنيا كلها على باطل , وان دوره هو دور سيدنا إبراهيم عليه السلام " إن إبراهيم كان أمة " ورفع شعار (أنت على الحق ولو كنت وحدك). (2)
في ظل هذا الجو الرهيب من التعذيب، وعدم التواصل المباشر بين دعاة الإخوان وشبابهم، ولد جو من الحنك والضيق على النظام الحاكم وخرج من يكفر هذا النظام لن هاتى بأفعال لم يأتي بها أحد في الإسلام.
وهي التي وصفها عبد الحليم خفاجي على لسان أحد الضباط الأحرار الذي اعتقله عبد الناصر، فيقول:
- كان من بين المعتقلين أبو الفضل الجيزاوي أحد الضباط الأحرار الذين شاركوا عبد الناصر في قيام الثورة ، دفع ثمن مطالبته بالإفراج عن المسجونين السياسيين بمجلس الأمة ، ويومها رد عليه زكريا محيي الدين قائلاً : ليس لدينا إلا مساجين عاديين .. وقد بكي الرجل وهو يرجونا أن نقدم علي خطوة التأييد ، لننجو من قبضة الشياطين الذين يدبرون لنا أسوأ مصير ، فشكرنا عاطفته وأحببناه. (3)
تصاعد الأحداث
لقد أخذت سخونة الأحداث داخليا وخارجيا (داخل السجن وخارجه) تزداد، حيث تعمد الضباط الحديث مع الإخوان المعتقلين بالتهديد والوعيد، ويصف عبد الحليم خفاجي هذا الموقف بقوله على لسان الغمرواي (أحد الضباط الكبار بالمباحث العامة): لن تخرجوا بعد قضاء مدة الحكم أبطالاً معارضين للنظام ، وإننا نعد لكم من الآن أحد أمرين إما تحويلكم بعد انتهاء مدة الحكم إلي معتقل مفتوح إلي الأبد ، وإما الإفراج عنكم لعدة أشهر تمهيدًا إعادة القبض عليكم في قضايا دعارة ومخدرات ، حتى لا تحظوا بشرف لافتة الإسلام مرة أخري. (4)
وزادت سخونة الأحداث ارتفاعا بمرور الوقت حتى وقعت كارثة 5 يونيو 1967 وما تلاها من تغييرات شاملة في أروقة نظام الحكم " حتى بات الأمر وكأنه انقلاب من القمة إلى قاع السلطة , والحقيقة أن هذا " التغيير " لم يكن مفاجأة لمن اقترب من القمة إلى قاع السلطة , والحقيقة أن هذا التغيير لم يكن مفاجأة لمن اقترب من سدة النظام . . . بل جاء متأخرا عن توقيته كثيرا بحيث فقد تأثيره وكأنه جاء بعد " غرق السفينة". (5)
لقد كانت كل الأحداث داخل السجن تؤكد للمعتقلين أنهم لم ولن يمنحوا الحرية طيلة حياتهم، وفي سنة 1967م طلب رجال الأمن من جميع الدعاة المعتقلين تأييد رئيس الدولة جمال عبد الناصر فانقسم المعتقلون إلى فئات:
- فئة سارعت إلى تأييد الرئيس ونظامه بغية الإفراج عنهم والعودة إلى وظائفهم وزعموا أنهم يتكلمون باسم جميع الدعاة، وهؤلاء كان منهم العلماء وثبت أنهم طابور خامس داخل الحركة الإسلامية،
- وثمة نوع آخر ليسوا عملاء بالمعنى وإنما هم رجال سياسة التحقوا بالدعوة بغية الحصول على مغانم كبيرة.
- أما جمهور الدعاة المعتقلين فقد لجأوا إلى الصمت ولم يعارضوا أو يؤيدوا باعتبار أنهم في حالة إكراه.
- بينما رفضت فئة قليلة من الشباب موقف السلطة وأعلنت كفر رئيس الدولة ونظامه، بل اعتبروا الذين أيدوا السلطة من إخوانهم مرتدين عن الإسلام ومن لم يكفرهم فهو كافر، والمجتمع بأفراده كفار لأنهم موالون للحكام وبالتالي فلا ينفعهم صوم ولا صلاة.
وكان إمام هذه الفئة ومهندس أفكارها الشيخ علي إسماعيل.ومن أبرز الشخصيات هذه الجماعة:
- الشيخ علي إسماعيل: كان إمام هذه الفئة من الشباب داخل المعتقل، وهو أحد خريجي الأزهر، وشقيق الشيخ عبد الفتاح إسماعيل أحد الستة الذين تم إعدامهم مع الأستاذ سيد قطب، وقد صاغ الشيخ علي مبادئ العزلة والتكفير لدى الجماعة ضمن أطر شرعية حتى تبدو وكأنها أمور شرعية لها أدلتها من الكتاب والسنة ومن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في الفترتين: المكية والمدنية، متأثراً في ذلك بأفكار الخوارج، إلا أنه رجع إلى رشده وأعلن براءته من تلك الأفكار التي كان ينادي بها.
- شكري أحمد مصطفي (أبو سعد) من مواليد قرية الحواتكة بمحافظة أسيوط 1942م، أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين الذين اعتقلوا عام 1965م لانتسابهم لجماعة [الإخوان المسلمين]] وكان عمره وقتئذ ثلاثة وعشرين عاماً، وتولى قيادة الجماعة داخل السجن بعد أن تبرأ من أفكارها الشيخ علي عبده إسماعيل.
أخذت هذه الأفكار تنتشر وسط بعض الشباب، غير أن قيادة الإخوان تصدوا لهذا الفكر حتى أن المستشار حسن الهضيبي قال: فهذا طريق الإخوان (المنهج السلمي الوسطي) فمن حاد عنه فليبحث عن يافطة أخرى يعمل تحت ظلها.
يقول عبد الحليم خفاجي:
- لم يستطع فريق من الشباب أن يروا صلة تربط بين ظلمة قلوب هذه الوحوش الضارية وبين صحة انتسابها للإسلام في إنسانيته المشرقة بالنور ، فجرت من بعضهم أحكام تلصق الكفر بهؤلاء الظلمة من الحكام هم والمشاركين والساكتين عن الحق من مجموع هذه الأمة ..
- وأخذوا يسيئون فهم ما ورد في كتب الشهيد سيد قطب لتدعيم موقفهم ، وحملنا الأخ إبراهيم الطناني المرحل إلي سجن طره للعلاج رسائل للأستاذ سيد بتفاصيل تفكير وسلوك هؤلاء الإخوة ، فأرسل منكراً عليهم ذلك قائلاً : إنهم قد فهموني خطأ .
- وفي مرة ثانية قال غاضبًا: لقد وضعت حملي علي حصان أعرج .. وكنا نحمل لهم العذر في نفوسنا ، معتبرين ما أصابهم مجرد أزمة نفسية من طول المعاملة القاسية .. وقد فيض الله فضيلة المرشد العام حسن الهضيبي لعلاج قضيتهم الغريبة فيما بعد. (6)
ويؤكد على ذلك الأستاذ عمر التلمساني بقوله:
- وعندما كنا في المعتقلات وكان عذاب زبانية عبد الناصر على أشد صورة في قسوته ووحشيته تصور بعض المعذبين أن ما وقع عليهم لا يمكن أن يصدر من مسلم في قلبه ذرة منن إيمان، ولكنه يصدر عن أعدى أعداء المسلمين وأفحشهم ضراوة على الإسلام، وفي غمار هذا الهول الشنيع نبتت فكرة التكفير عند بعض الشباب ..
- وراحت تصرفات رجال السجون والمباحث تنمى معنى الكفر في عقول ذلك الشباب الذي يبيت على تعذيب ويصحو على تعذيب ... دونه ما وراه التاريخ لنا عن محاكم التفتيش .. ورسخت فكرة التكفير في ذهن بعض الشباب ... وآمنوا بها في اقتناع عجيب ...
واتسع نطاقها في معتقل مزرعة ليمان طرة، حتى بلغت أخبارها فضيلة الأستاذ الهضيبي رضوان الله عليه، إذ كان معتقلا هناك فاستدعى رؤساءهم وناقشهم في الفكرة، وكانت الجلسة تنتهي بما يشعر باقتناعهم بكلامه ..
- وما إن يخرجوا من عنده حتى يعودوا لما كانوا عليه، حتى يئس من إقلاعهم عن تلك الفكرة، فكتب كتابه "دعاة لا قضاة" مستعينا بابنه الأستاذ مأمون الهضيبي المستشار في محكمة الاستئناف العالي، والأستاذ مصطفى مشهور، وكان الحق ما رآه فضيلته لأن تكفير المسلم ليس بالأمر الهين في العقيدة الإسلامية مهما بلغ المسلم في انحرافه أو قسوته. (7)
ويقول سمير الهضيبي (أحد الإخوان المعتقلين في ذلك التوقيت):
- ظهرت بين المعتقلين أفكار عنيفة ضد الحكومة وظهر أفراد يحملون فكر التكفير حيث يكفرون الحكومة وكل من يمالئها واستبد بهم الشطط حيث يكفرون كل من كتب تأيدًا من المعتقلين للحكومة وقد أطلقنا عليهم لفظ "المكفرتية" وقد قام المرشد العام بمناقشتهم وكتب مذكرة يفند فيها أفكارهم وقد كان عنوانها "دعاة لا قضاة" أي أننا ندعو الناس للإسلام ولسنا قضاة نجلس لنحكم على الناس بالإسلام أو بالكفر. (8)
خطة عبد الناصر
لقد نجحت الخطة التى وضعتها لجنة شكلها عبد الناصر لغسيل مخ الشباب داخل السجن وخارجه (بنسبة محددة)، وهي الخطة التي وردت في الحكم الصادر من محكمة جنوب القاهرة الدائرة التاسعة المدنية يوم 30 مارس سنة 1975م 17 ربيع الأول 1395هـ ، وهو الحكم الذي أصدره الأستاذ محمود عبد الحافظ هريدي بالاشتراك مع المستشار محمود منصور وأحمد السعيد عابد ..
وهذا نصها:
" بناء علي أمر السيد رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة عليا لدراسة واستعراض الوسائل التي تم الوصول إليها بخصوص مكافحة جماعة الإخوان المسلمين المنحلة ، ولوضع برنامج لأفضل الطرق التي يجب استعمالها في قسمي مكافحة الإخوان بالمخابرات والمباحث العامة لبلوغ هدفين:
- غسل مخ الإخوان من أفكارهم.
- منع عدوي أفكارهم من الانتقال لغيرهم.
اجتمعت اللجنة المشكلة من:
- سيادة رئيس مجلس الوزراء.
- السيد قائد المخابرات.
- السيد قائد المباحث الجنائية العسكرية.
- السيد مدير المباحث العامة.
- السيد مدير مكتب السيد المشير.
وذلك كله في مبني المخابرات العامة بكوبري القبة .. وعقدت عشرة اجتماعات متتالية،وبعد دراسة كل التقارير والبيانات والإحصائيات السابقة أمكن تلخيص المعلومات المجتمعة في الآتي:
- تبين أن تدريس التاريخ الإسلامي في المدارس للنشء بحالته القديمة يربط السياسة بالدين في لا شعور كثير من التلاميذ منذ الصغر ، ويسهل تتابع ظهور معتنقي الأفكار الإخوانية .
- صعوبة واستحالة التمييز بين أصحاب الميول والنزعات الدينية وبين معتنقي الأفكار الإخوانية ، وسهولة فجائية الفئة الأولي إلي الثانية بتطرف أكبر .
- غالبية أفراد الإخوان عاش علي وهم الطهارة ، ولم يمارس الحياة الاجتماعية الحديثة ويمكن اعتبارهم من هذه الناحية " خام " .
- غالبيتهم ذو طاقة فكرية ، وقدرة تحمل ، ومثابرة كبيرة علي العمل، وقد أدي ذلك إلي اضطراد دائم وملموس في تفوقهم في المجالات العلمية والعملية التي يعيشون فيها، وفي مستواهم العلمي والفكري والاجتماعي بالنسبة لأندادهم ، رغم أن جزءاً غير بسيط من وقتهم موجه لنشاطهم الخاص بدعوتهم المشؤومة .
- هناك انعكاسات إيجابية سريعة تظهر علي تحرك كل منهم للعمل في المحيط الذي يقتنع به .
- تداخلهم في بعض ودوام اتصالهم الفردي ببعض ، وتزاورهم والتعارف بين بعضهم البعض يؤدي إلي ثقة كل منهم في الآخر ثقة كبيرة
- هناك توافق روحي وتقارب فكري وسلوكي يجمع بينهم في كل مكان، حتى ولو لم تكن هناك صلة بينهم .
- رغم كل المحاولات التي بذلت منذ سنة 1936 لإفهام العامة والخاصة بأنهم يتسترون خلف الدين لبلوغ أهداف سياسية إلا أن احتكاكهم الفردي بالشعب يؤدي إلي محو هذه الفكرة عنهم ، رغم أنها بقيت بالنسبة لبعض زعمائهم .
- تزعمهم حروب العصابات في فلسطين سنة 1948، والقتال في 1951 رسب في أفكار الناس وصورهم كأصحاب بطولات وطنية عملية وليست دعائية فقط ، بجوار أن الأطماع الإسرائيلية والاستعمارية والشيوعية في المنطقة لا تخفي أغراضها في القضاء عليهم .
- نفورهم من كل من يعادي فكرتهم جعلهم لا يرتبطون بأي سياسة خارجية سواء عربية أو شيوعية أو استعمارية ، وهذا يوحي لمن ينظر لماضيهم بأنهم ليسوا عملاء .
وبناء علي ذلك رأت اللجنة أن الأسلوب الجديد في المكافحة يجب أن يشمل أساسًا بندين متداخلين وهما:
- محو فكرة ارتباط السياسة بالدين الإسلامي .
- إبادة تدريجية بطيئة مادية ومعنوية وفكرية للجيل القائم فعلاً والموجود من معتنقي الفكرة ..
ويمكن تلخيص أسس الأسلوب الذي يجب استخدامه لبلوغ هذين الهدفين في الآتي:
أولاً:سياسة وقائية عامة
- تعبير مناهج تدريس التاريخ الإسلامي والدين في المدارس ،وربطهما بالمعتقدات الإشتراكية، كأوضاع اجتماعية واقتصادية ، وليست سياسية ، وإبراز مفاسد الخلافة وخاصة زمن العثمانيين، وتقدم الغرب السريع عقب هزيمة الكنيسة وإقصائها عن السياسة .
- التحري الدقيق عن رسائل وكتب ونشرات ومقالات الإخوان في كل مكان ثم مصادرتها وإعدامها.
- يحرم بتاتًا قبول ذوي الإخوان وأقربائهم حتى الدرجة الثالثة من القرابة من الانخراط في السلك العسكري أو البوليس أو السلك السياسي، مع سرعة عزل الموجودين من هؤلاء الأقرباء من هذه الأماكن أو نقلهم إلي أماكن أخري في حالة ثبوت ولائهم .
- مضاعفة الجهود المبذولة في سياسة العمل الدائم علي فقدان الثقة بينهم، وتحطيم وحدتهم بشتى الوسائل ، وخاصة عن طريق إكراه البعض علي كتابة تقارير عن زملائهم بخطهم، ثم مواجهة الآخرين بها، مع العمل علي منع كل من الطرفين من لقاء الآخر أطول فترة ممكنة لتزيد شقة انعدام الثقة بينهم.
- بعد دراسة عميقة لموضوع المتدينين من غير الإخوان وهم الذين يمثلون الاحتياطي لهم ، وجد أن هناك حتمية طبيعية لالتقاء الصنفين في المدى الطويل ، ووجد أن الأفضل أن يبدأ بتوحيد معاملتهم بمعاملة الإخوان قبل أن يفاجئونا كالعادة باتحادهم معهم علينا .
ومع افتراض احتمال كبير لوجود أبرياء كثيرين منهم إلا أن التضحية بهم خير من التضحية بالثورة في يوم ما علي أيديهم ، ولصعوبة استحالة التمييز بين الإخوان المتدينين بوجه عام فلابد من وضع الجميع ضمن فئة واحدة ومراعاة ما يلي معهم:
- (أ) تضييق فرص الظهور والعمل أمام المتدينين عمومًا في المجالات العلمية والعملية .
- (ب) محاسبتهم بشدة وباستمرار علي أي لقاء فردي أو زيارات أو اجتماعات بينهم .
- (ج) عزل المتدينين عمومًا عن أي تنظيم أو اتحاد شعبي أو حكومي أو اجتماعي أو طلابي أو عمالي أو إعلامي .
- (د) التوقف عن السياسة السابقة في السماح لأي متدين بالسفر للخارج للدراسة أو العمل ؛ حيث فشلت هذه السياسة في تطوير معتقداتهم وسلوكهم ، وعدد بسيط جدًا منهم هو الذي تجاوب مع الحياة الأوروبية في البلاد التي سافروا إليها ، أما غالبيتهم فإن من هبط منهم في مكان بدأ ينظم فيه الاتصالات والصلوات الجماعية أو المحاضرات لنشر أفكارهم .
- (هـ) التوقف عن سياسة استعمال المتدينين في حرب الشيوعيين ، واستعمال الشيوعيين في حربهم بغرض القضاء علي الفئتين ؛ حيث ثبت تفوق المتدينين في هذا المجال ، ولذلك يجب أن تعطي الفرصة للشيوعيين لحربهم وحرب أفكارهم ومعتقداتهم مع حرمان المتدينين من الأماكن الإعلامية .
- (و) تشويش الفكرة الموجودة عن الإخوان في حرب فلسطين والقنال ، وتكرار النشر بالتلميح والتصريح عن اتصال الإنجليز بالهضيبي وقيادة الإخوان ، حتى يمكن غرس فكرة أنهم عملاء للاستعمار في ذهن الجميع .
- (ز) الاستمرار في سياسة محاولة الإيقاع بين الإخوان المقيمين في الخارج وبين الحكومات العربية المختلفة ، وخاصة في الدول الرجعية الإسلامية المرتبطة بالغرب ، وذلك بأن يروج عنهم في تلك الدول أنهم عناصر مخربة ومعادية لهم ، وبأنهم يضرون بمصالحها ، وبهذا تسهل محاصرتهم في الخارج .
ثانياً : سياسة استئصال " السرطان " الموجود الآن:
بالنسبة للإخوان الذين اعتقلوا أو سجنوا في أي عهد من العهود يعتبرون جميعًا قد تمكنت منهم الفكرة ، كما يتمكن السرطان من الجسم ولا يرجي شفاؤه،ولذا تجري عملية استئصالهم كالآتي:
المرحلة الأولي:
- إدخالهم في سلسلة متصلة متداخلة من المتاعب ، تبدأ بالاستيلاء أو وضع الحراسة علي أموالهم وممتلكاتهم ، ويتبع ذلك اعتقالهم ، وأثناء الاعتقال يستعمل معهم أشد أنواع الإهانة والعنف والتعذيب علي مستوى فردي ودوري حتى يصيب الدور الجميع ثم يعاد ، وهكذا وفي نفس الوقت لا يتوقف التكدير علي المستوي الجماعي ، بل يكون ملازمًا للتأديب الفردي .. هذه المرحلة إن نفذت بدقة ستؤدي إلي ما يأتي:
- بالنسبة للمعتقلين: اهتزاز المثل والأفكار في عقولهم ، وانتشار الاضطرابات العصبية والنفسية والعاهات والأمراض فيهم ..
- بالنسبة لنسائهم: سواء كن زوجات أو أخوات أو بنات فسوف يتحررن ويتمردن بغياب عائلهن .. وحاجتهن المادية قد تؤدي إلي انزلاقهن ..
- بالنسبة للأولاد: تضطر العائلات لغياب العائل وحاجتهم المادية إلي توقيف الأبناء عن الدراسة وتوجههم للحرف والمهن ، وبذلك يخلو جيل الموجهين المتعلم القادم ممن في نفوسهم حقد أو ثأر أو آثار من أفكار آبائهم ..
المرحلة الثانية:
- إعدام كل من ينظر بينهم كداعية ، ومن تظهر عليه الصلابة سواء داخل السجون والمعتقلات أو بالمحاكمات .. ثم الإفراج عن الباقي علي دفعات مع عمل الدعاية اللازمة لانتشار أنباء العفو عنهم، حتى يكون ذلك سلاحًا يمكن استعماله ضدهم من جديد في حالة الرغبة في العودة إلي اعتقالهم ، بحيث يتهمون بأي تدبير ، ويوصفون حينذاك بالجحود المتكرر لفضل العفو عنهم .
وهذه المرحلة إن أحسن تنفيذها باشتراكها مع المرحلة السابقة ستكون النتائج كما يلي:
- يخرج المعفو عنه إلي الحياة فإن كان طالبًا فقد تأخر عن أقرانه ، ويمكن أن يفصل من دراسته ويحرم من متابعة تعليمه.إن كان موظفًا أو عاملاً فقد تقدم زملاؤه وترقوا وهو قابع مكانه ، ويمكن أيضًا أن يحرم من العودة إلي وظيفته أو عمله .إن كان مزارعا فلن يجد أرضًا يزرعها ؛ حيث وضعت تحت حراسة أو صدر بها قرار استيلاء .
وسوف تشترك جميع الفئات المعفو عنها في الآتي:
- الضعف الجسماني والصحي،والسعي المستمر خلف العلاج،والشعور المستمر بالضعف المانع من أية مقاومة .
- الشعور العميق بالنكبات التي جرتها عليهم دعوة الإخوان وكراهية الفكرة والنقمة عليها .
- عدم ثقة كل منهم في الآخر، وهي نقطة لها أهميتها في انعزالهم عن الجميع وانطوائهم علي أنفسهم .
- خروجهم بعائلاتهم من مستوي اجتماعي إلي مستوي أقل نتيجة لعوامل الإفقار التي أحيطوا بها .
- تمرد نسائهم علي تقاليدهم ، وفي هذا إذلال فكري ومعنوي ، لكون النساء في بيوتهن سلوكهن يخالف أفكارهم وتبعًا للضعف الجسماني والمادي لا يمكنهم الاعتراض .
- كثرة الديون عليهم نتيجة لتوقف إيرادهم واستمرار مصروفات عائلاتهم .
النتائج الإيجابية لهذه السياسة هي:
- الضباط والجنود الذين يقومون بتنفيذ هذه السياسة سواء من الجيش أو البوليس سيعتبرون فئة جديدة ارتبط مصيرها بمصير هذا الحكم القائم؛حيث إنه عقب التنفيذ سيشعر كل منهم أنه في حاجة إلي هذا الحكم ليحميه من أي عمل انتقامي قد يقوم به الإخوان كثأر .
- إثارة الرعب في نفس من تسول له نفسه القيام بمعارضة فكرية للحكم القائم .
- وجود الشعور الدائم بأن المخابرات تشعر بكل صغيرة وكبيرة ، وأن المعارضين لن يتستروا ، وسيكون مصيرهم أسوأ مصير.
- محو فكرة ارتباط السياسة بالدين الإسلامي
إمضاء : السيد رئيس الوزراء . إمضاء : السيد قائد المخابرات . إمضاء : السيد مدير المباحث العامة . إمضاء : السيد شمس بدران .
أوافق
جمال عبد الناصر(9)
لقد تطور الحال وسط هؤلاء الشباب حتى كفر الحاكم ومن عذبوهم، بل اتسع نطاق التكفير إلى إخوانهم بل وعائلاتهم ومن خالف رائهم، وقد برأ الإخوان المعتقلين الأستاذ سيد قطب من هذا الفكر الذي ألصقه هؤلاء الشباب ونظام عبد الناصر بالشيخ سيد قطب،
موقف الإخوان من ظاهرة التكفير
حيث يقول عباس السيسي:
- وفي خطاب ورد من الأستاذ حسن الهضيبي يقول فيها (إنه لا يعلم أن للأستاذ سيد قطب فكرا يغاير فكر الإخوان المسلمين الذي يتفق مع الكتاب والسنة). (10)
خرج عدد من الشباب بهذا الفكر التكفيري إلى الحياة العامة بعد انتهاء مرحلة سجنهم، فأحدثوا ضجة بهذا الفكر المعوج، فكان لزاما على طلبة الإخوان في الجامعات والحياة السياسية للتصدي لهذا الفكر الذي اخذ ينتشر بصورة وسط الشباب عامة وطلبة المدارس والجامعات خاصة.
مع ذلك ظل عبد الناصر يقبض على محركات العمل الطلابي من أجل صالحه، يقول أحمد عبدالله:
- وابتداء من عام 1968 فصاعدا, قام النظام بتجنيد العديد من القادة الطلابيين الجدد وضمهم إلى تنظيمه السرى (طليعة الاشتراكيين) خالقا لديهم وهماً بأنهم يمارسون شيئاً من السلطة مع وعد بالتغيير من داخل النظام .
- وضمت الطليعة بعض القادة الطلابيين ذوى الكفاءات الكبيرة , جنباً إلى جنب مع العناصر الانتهازية السافرة , وساعدت على تسييس الاتحادات التى كانت السيطرة فيها لأعضائها,كما كان الحال فى جامعة عين شمس .
- ولكن تأييدها الشديد للنظام حرم الفصائل السياسية الجديدة الأخرى وخاصة الماركسيين من التعبير عن رؤاهم الخاصة من خلال الاتحاد . ونتيجة لذلك أدى التناقض بين الطرفين إلى صدامات سافرة . وفى هذه الصدامات كان أعضاء التنظيم الطليعي يوصمون من قبل خصومهم بأنهم " عملاء للأمن " رغم ما قد يكون فى ذلك من المبالغة.
- وبعد الهزيمة العسكرية فى 1967 وانتفاضتي الطلبة عام 1968 كانت طليعة الاشتراكيين هى المسئولة أساساً عن منع أية حركة طلابية مستقلة من الظهور . وعندما تم حل التنظيم الطليعي عام 1971 فى خضم الصراع على السلطة أصبح بإمكان فصائل سياسية أخرى أن تبرز إلى المقدمة وتقود موجة جديدة من النشاط السياسي مع انتفاضة 72\1973 وبالرغم من محاولات بعض قادة اتحاد الطلبة , فلم يكن بمقدور الاتحاد قيادة الموجة الصاعدة من النشاط السياسي الطلابي .
- وأخيراً فإن سيطرة النظام السياسي الطلابي على الكتلة الطلابية لم تستند فقط على القمع والمناورة وإنما اعتمدت أيضاً على الإنجازات الاجتماعية والسياسية الواسعة التي حققها النظام. (11)
دفعت الهزيمة القومية عام 1967 بمشكلة حرية التعبير إلى المقدمة . حيث أدت الهزيمة بالنسبة لطلبة البلاد , كما يقول " سيليوفيتش " إلى:
- "هز ما تبقى لديهم من حس حركي وفعال , وخلقت مناخاً تفاقمت فيه إحباطاتهم فيما يتعلق بالبيئة الجامعية , وأنواع الوظائف التي يمكنهم أن يتطلعوا إليها , والحياة السياسية القائمة على القمع ". (12)
وكانت انتفاضة فبراير 1968 هي رد الفعل الأول للطلاب على الهزيمة وبداية تحديهم للنظام الأمر الذي يعد تعبيراً عن عجز منظمة الشباب الرسمية بل وكل سلسلة التنظيمات السياسية الرسمية فى احتواء حركتهم .
وترجع حدة هذه الانتفاضة إلى نطاق الهزيمة العسكرية نفسها وكذلك إلى القيود المفروضة على حرية التعبير بين الطلبة والمثقفين منذ ما قبل الهزيمة بوقت طويل؛
حتى قال أحد قادة منظمة الشباب الاشتراكي:
- " علينا أن ندرك أن الشباب فى هذه المرحلة لم يعد مستعداً لقبول مسلمات جائزة في أية ناحية من نواحي الحياة ... وظروف ما بعد النكسة استتبعها مراجعة سياسية في كافة المجالات , لا يمكن مثلاً أن يسير معها الالتزام على النحو الذي كان عليه فيما سبق في صفوف المنظمة . فلا يمكن للالتزام أن يكون نوعاً من القمع الفكري أو الحجر على حرية الرأي للشباب. (13)
المصادر
- ذكريات كمال الدين حسين التى نشرتها مجلة المصور في شهر ديسمبر عام 1975 وحتى يناير 1976م.
- محمد الصروي: الصحوة والزلزال، مرجع سابق، ص 313
- عبدالحليم خفاجي: عندما غابت الشمس، مرجع سابق، ص 464
- المرجع السابق: 469
- منتصر مظهر:عبدالناصر الملف السري، مكتبة النافذة
- عبدالحليم خفاجي: مرجع سابق، ص 470
- عمر التلمساني: ذكريات ومذكرات، دار التوزيع والنشر الإسلامية
- سمير الهضيبي: رسائل من السجن، الزهراء للإعلام العربي، نسخة الكترونية على موقع إخوان ويكي
- عبدالحليم خفاجي: مرجع سابق، ص 480-488
- عباس السيسي، في قافلة الإخوان المسلمين، الجزء الرابع، دار القبس.
- أحمد عبدالله: مرجع سابق، ص 158
- Joseph Szyliowicz, Education and Modernisation in the Middle East (Cornell University Press, 1973),p.296
- مصطفى الفقي: مجلة الطليعة، مايو 1969م، ص 44