جهود الإمام البنا مع العمال
إعداد: موقع إخوان ويكي
تمهيد
للعمل في الإسلام مكانة رفيعة و منزلة عظيمة فهو أمر من الله عز و جل ، يقول الله تعالى﴿هُوَ الَّذِيْ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُوْلاً فَامْشُوْا فِيْ مَنَاكِبِهَا وُكُلُوْا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُوْرُ﴾ الملك: آية 15،وهو كذلك أمر من نبينا صلى الله عليه وسلم ، جلس الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فرأوا رجلا قويَّا، يسرع في السير، ساعيًا إلى عمله، فتعجب الصحابة من قوته ونشاطه، وقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله (أي: لكان هذا خيرًا له) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان) [الطبراني[وصححه الألباني في صحيح الجامع (1428)
وهو دأب الأنبياء من قبلنا فقد كان لكل نبي حرفة يعمل فيها ويعيش منها مع عظم مسؤولياته ، فآدم- عليه السلام- عمل بالزراعة, ونوح عليه السلام عمل بالنجارة ، وداوود- عليه السلام- عمل بالحدادة, و إدريس عليه السلام عمل بالخياطة ، و موسى عليه السلام كان أجيرًا عند رجل يعمل في رعي الغنم، وعيسى- عليه السلام- عمل بالصباغة, ومحمد- صلى الله عليه وسلم- عمل برعي الغنم والتجارة,والعمل في الإسلام شامل ، فهو عمل من أجل الدنيا و الآخرة بتوازن واعتدال دون أن يطغى جانب على آخر، يقول الله تعالى ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَـٰـكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ سورة القصص: آية77. فلا يجوز للمسلم ترك العمل باسم التفرغ للعبادة أو التوكل على الله, ولايجوز له ترك العبادة من أجل العمل و الكسب .
ولأن العمل يكسب المسلم العز و الشرف و الكرامة ، و يحفظه من سؤال الناس و الذل و المهانة ، ويجعله مستقرا فينطلق بكل همة في خدمة دعوته.
فقد أوجبه الإسلام لكسب الرزق الحلال الذي به يحفظ المسلم دينه و يصون عرضه و يقوم بمسؤوليته تجاه أهله وولده و رحمه،و جعل له أحكاما و آدابا يجب على المسلم أن يلتزم بها وأول و أهم ذلك استحضار النية بأن يبتغي من عمله إشباع البدن من الحلال وكفه عن الحرام، والتقوِّي على العبادة، وعمارة الأرض فيصبح العمل بذلك عبادة يؤجر عليها و يثاب .
وكما اهتم الإسلام بالعمل ، اهتم أيضا بالعمال وشرع لهم حقوقا وواجبات، فمن أهم واجباتهم إتقان العمل و تحسينه .... امتثالا لأمر الله و رسوله ّ" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه "، وابتغاء للأجر و المثوبة ، يقول الله تعالى ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّه حَيـٰـوةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُوْنَ﴾ النحل: آية 97..ومن أهم حقوقهم الإسراع بدفع أجورهم وعدم المماطلة في ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" .
البنا ...فهم لأهمية العمل ... ووعي لدور العمال
فهم الإمام البنا مدى اهتمام الإسلام بأمر العمل المشروع ، وضرورة أن يكون المسلم صاحب عمل و حرفة دون تعال أو تكبر على طبيعة العمل ولو أن يحتطب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يأخذ أحدكم حبله, ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب, فيبيع فيأكل ويتصدق, خير له من أن يسأل الناس".
وفهم الإمام أيضا أن العمل يعطي لصاحبه الثقة بالنفس و تحمل المسؤولية و القوة و الجلد والصبر و الصحة البدنية و النفسية ، من أجل هذا كان رحمه الله قد ألزم نفسه هذا الأمر قبل أن يلزمه أحدا من إخوانه ،فكان ينتهز فرصة الإجازة الصيفية حين كان طالبا في كلية دار العلوم للعمل فى دكان أقامه لتصليح الساعات ـ وهى نفس مهنة والده ـ ليعول نفسه ويكسب من عمل يده .
وكان دائما يدعو إخوانه لأن يكونوا أصحاب حرف بجانب عملهم الأساسي ، بل ويرى ضرورة ذلك فربما يفقد الأخ عمله الوظيفي لسبب أو لآخر ، حينها لاتتوقف أموره بل يمضي به الحال ميسورا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .
أما العمال فقد اهتم بهم الإمام البنا اهتماما عظيما ، فهو يعلم أنهم دائما مستهدفون من قبل مختلف التيارات والأفكار والدعوات والهيئات ،وذلك لما يتصفون به من رجولة وشهامة وغيرة و حمية و طيب القلب ، فعمد إلى نشر الدعوة في أوساطهم مستفيدا بكل الوسائل المتاحة ، فمثلا كان هناك ناد للعمال في الإسماعيلية .. فاستفاد منه الإمام البنا كمكان لإلقاء المحاضرات الدينية والاجتماعية والتاريخية على مسمع و مرأى من جموع غفيرة من هذه الفئة الطيبة الكادحة .
كما اهتم أيضا بالعمال الفلاحين بصفة خاصة ، فقد كان يقضي معظم إجازاته الصيفية بين العمال الفلاحين يدعوهم إلى مبادئ الإسلام ، ويؤلف قلوبهم بتقديم الكثير من الخدمات في قراهم مثل ( إنارة تلك القرى ، وتوزيع الزكاة على فقرائهم ، وانتشال الأطفال من التشرد بتشغيلهم ، و إقامة المساجد و المستوصفات و المستشفيات، وغير ذلك الكثير بفضل الله كل هذا الجهد آتى ثماره المباركة ،فالتاريخ سيظل يذكر بعزة و فخر أن الستة المؤسسين لجماعة الإخوان المسلمين كانوا عمالا حرفيين ، يقول الإمام حسن البنا عن ذلك :
"لست أنسى هذه الساعة الكريمة فى مدينة الإسماعيلية الطيبة، ولم يكن قد مضى وقت طويل فقد حللتها ضيفًا جديدًا على أهلها وعلى مدرستها، ولم تتوثق بعد روابط الإخاء الكامل والحب العميق بينى وبين أهلها الطيبين المباركين، ولست أنسى هذه الساعة التى لقينى فيها ستة من الإخوان العمال بهذا البلد، وجلسوا إلى يتحدثون فى إيمان عميق وحماسة دافقة وتأثر بالغ عن وجوب العمل الإسلامى كدعوة منقذة وكنور وضاء يهدى الناس من ظلام الحيرة ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد الله الذى له ما فى السماوات وما فى الأرض.
وقد قلت لهم: وما وسائلكم إلى ذلك، فقالوا فى إيمان ودهشة، وهل من وسيلة لأهل الدعوات إلا الإيمان العميق والحب الوثيق والعمل والأمل، فأعجبنى الفقه، وقلت: على بركة الله إذن نحن الإخوان المسلمون، نؤمن بالإسلام إيمانًا عميقًا، ويحب بعضنا بعضا حبًا وثيقًا، وندأب على العمل مجاهدين، ونأمل الخير والتأييد من رب العالمين {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ]البقرة: 143[.
وهكذا, وعلى هذه الصورة المتواضعة .. وضعت أول بذرة فى حديقة دعوة الإخوان المسلمين الفينانة بيد هؤلاء الأخوة الأحبة القلة من العمال.
ومنذ تلك اللحظة وللإخوان العمال فى كل مكان منزلة فى النفس وأمل الدعوة، نسأل الله أن يحققه بهم ولهم إن شاء الله." انتهى ولذلك كانت نسبة كبيرة من أتباع الجماعة في بدايتها من العمال و الحرفيين ،
بل لقد كان العديد منهم يتولون مراكز قيادية ،فمثلا كان نائب الإمام المرشد نجارا ، و أصبح هذا الأمر من سمات الإخوان .
وهكذا نرى مدى إدراك الإمام ووعيه لأهمية دور هذه الطبقة من العمال و الحرفيين في نشر الدعوة ، لذا حرص من أول يوم على أن تكون دعوته موجهة لهم في أماكن تجمعاتهم من نواد ، ومقاه ، وغيرها ، فتوسعت بذلك قاعدة الجماعة الجماهيرية وسط الشعب المصري .
الجهود العملية التي قام بها الإمام البنا من أجل نهضة العمال
لم يكتف الإمام البنا رحمه الله بالحب القلبي للعمال و الحرفيين فقط ، بل كانت له معهم جهودا عظيمة وخدمات جليلة و أعمالا رائعة كانت نتائجها ارتفاع مستوى العامل الديني و الاجتماعي و الثقافي بل وحتى السياسي بصورة نموذجية لازال التاريخ يذكرها جيدا جيلا بعد جيل بكل فخر و عزة و شموخ . ومن هذه الجهود المباركة :
أ- مؤازرتهم لإصلاح أحوالهم و رفع الظلم عنهم
درس الإمام البنا واقع العمال ، ووجد الأوضاع المؤسفة التي كانوا يعانون منها و مدى الظلم الواقع عليهم ، فنشط للرفع ذلك الظلم و التصدي للإهمال والفساد الحكومي في قضاياهم ، و عمل على مؤازرتهم بكل السبل لاسترداد حقوقهم .
فقد كان لصحافة الإخوان منذ نشأتها اهتمام و متابعة لقضايا العمال و مشاكلهم ، كما كان لها دور ريادي في الدفاع عن مطالبهم وتبني قضاياهم ، بالإضافة إلى تعايشها مع الأحداث العمالية و النقابية أولا بأول .
ومن أمثلة ذلك جريدة الإخوان المسلمون الأسبوعية ، التي بدأت في نشر مقالات منذ عام 1935م عن أحوال العمال و أوضاعهم السيئة ، حتى أن إحدى هذه المقالات والتي كانت بعنوان " في مقابر الأحياء " كان لها وقع طيب لدى عمال المطابع ، فكان أن أرسلوا كلمة شكر لكاتب المقال الأستاذ الكبير أبي الحسن .
وفي عام 1940م صدر قانون النقابات الذي منع تكوين اتحادات عمالية ، و منع العمال من حق الإضراب الذي يعد سلاحهم الوحيد في مواجهة أصحاب الأعمال و الرأسماليين . فشنت صحف الإخوان حينها هجوما حادا ضد هذا القانون الظالم .
كما نشرت مجلة الدعوة مقالا بعنوان ( الدعوة في خدمة العمال ) جاء فيه :
"كان للحملة القوية التي حملنا لواءها ضد مصلحة الأشغال العسكرية بسبب قيام هذه المصلحة بفصل آلاف العمال الكادحين دون ذنب أو جريرة أثرها الكبير؛ إذ استجاب معالي عبد الفتاح حسن باشا- وزير الحربية والبحرية بالنيابة- لحملتنا، وأمر .. مشكورًا بإعادة جميع من فُصلوا من العمال إلى أعمالهم فورًا " وأصبح من المعتاد في صحيفة الإخوان و في مجلة الدعوة أن يقرأ القارئ :
"جاءنا وفد من عمال..... "
"زار دار الدعوة وفدٌ يمثل نقابة شركة سباهي بالإسكندرية"
"جاءنا وفد كبير من عمال مصلحة الأشغال العسكرية"
وغدت دار جريدة الإخوان المسلمون ملجأ لكل العمال المطالبين بحقوقهم ، والشاكين من ظلم أصحاب المصانع و الشركات العاملين بها .
وفي أواخر الثلاثينيات كان الإخوان ضمن القوى التي ساهمت في قيام اتحاد عمال النسيج الميكانيكي بشبرا الخيمة عن طريق طه سعد عثمان، الذي كان عضوًا بالجماعة قبل أن ينضم إلى نقابة عمال النسيج".
وفي 5/10/1946م بدأ إضراب عمال ترام القاهرة ، فساندهم الإخوان بقوة وأيدوا مطالبهم كاملة ، فقد كان للإخوان موقف واضح تجاه قضية تأميم وسائل النقل ، ومن أقوى ما كتب في هذه القضية مقال الأخ الأستاذ سعد الدين الوليلي و الذي كان بعنوان " تأميم وسائل النقل.. هل يحققه العمال بسواعدهم " .
وفي 8/2/1948م اهتمت جريدة الإخوان المسلمين بمشكلات عمال شركة سباهي بالإسكندرية ، حتى أنه لما أجريت انتخابات مجلس الإدارة تكلم الأستاذ محمد فؤاد عوض- رئيس النقابة- فشكر للإخوان المسلمين عظيم جهودهم وكريم تأييدهم، و قرر المجتمعون أول ما قرروا وسط مظاهر الحماسة إرسال برقية شكر لفضيلة المرشد العامللإخوان المسلمين اعترافا لجهودهم وتأييدهم لهم .
وفي أغسطس عام 1953م ساندت الجماعة إضراب عمال مصنع نسيج الشوربجي بإمبابة ، فقد كان لهم تواجد قوي في هذه النقابة كما أكد ذلك النقابي الكبير طه سعد عثمان وكان لعمال مصنع السكر بالحوامدية نصيبا من اهتمام الإخوان وتأييدهم ومساندتهم ، فقد وضحوا للرأي العام مدى الظلم الواقع من قبل إدارة الشركة على نقابة العمال وزعيمها المخلص الشيخ محمد عبد السلام.
ولما تفشت أزمة البطالة هاجم الإخوان و بشدة وزارة الشئون الاجتماعية ومكتب التوظيف بها لفشلها في حل هذه الأزمة، فكان أن استجابت الحكومة لمطالب الإخوان الذين قاموا - عن طريق المناطق والشُّعب- بعمل كشوف بأسماء وعناوين العمل والسكن والأجر اليومي للعمَّال الذين يعملون بوِرَش ومصانع الحلفاء لتقديم صورة منها لوزارة الشئون الاجتماعية للعمل على شراء المصانع الحربية وتحويلها للإنتاج المدني واعتبار العمال مساهمين فيها ،ونجحت مساعيهم في ذلك و استجابت الحكومة لمطالبهم .
وهكذا حقق الإمام حسن البنا المؤازرة العملية الكاملة للعمال بعرض قضاياهم و مشكلاتهم وتحليلها ومن ثم اتخاذ اللازم من أجلها و ذلك عن طريق الجريدة و المجلة و المشاركة النقابية فأدى ذلك إلى رفع كثير من الظلم عنهم ، و استعادة لحقوقهم ، وأصبح العمال قوة يحسب لها أصحاب المصانع و الشركات ألف حساب لسبق علمهم أن الإخوان يساندون ظهورهم .
ب- تعليمهم ، و رفع المستوى الثقافي لديهم
كان الإمام البنا يدرك تماما بأن سر نهضة الأمة ورقيها ونصرتها ومن ثم التمكين لها في الأرض هو العلم ، من أجل ذلك رسم الخطة المحكمة وضمنها الوسائل المعينة للوصول إلى الهدف المهم ألا وهو تعليم العمال و تثقيفهم في كل المجالات الدينية و الدنيوية و محو أميتهم . وقد تم له ما أراد بفضل الله تعالى فأصبح العامل حين يتكلم يكون حديثه بليغا و مؤثرا في نفوس سامعيه ، بل وأصبح العامل على علم بكثير من الأمور الشرعية و الاجتماعية وكأنه حاصل على الشهادات العلمية .
ومن أهم ما قام به الإمام البنا في هذا المجال ما يلي :
- إنشاء مدرسة ليلية في كل شعبة هدفها الأساسي محو الأمية الدينية التعليمية؛ حيث يجتمع العمال والفلاحون فيها وكانت أول مدرسة في هذا هي مدرسة التهذيب التي أقامها الإمام الشهيد في الإسماعيلية، ثم أقيمت بعد ذلك مدارس ليلية لتعليم الكبار في العديد من الشعب؛ نذكر منها المدرسة الليلية في أبو صوير.
كما قرَّر مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين بالقاهرة فتح قسم للتعليم الليلي مجانًا بالمركز العام ودعت راغبي الالتحاق إلى التقدم بطلباتهم.
وافتتح قسم البر والخدمة الاجتماعية معهدًا للدراسات الشعبية في شعبة عابدين، واحتوى هذا المعهد على فرعٍ لمكافحة الأمية, وفصول لتحفيظ القرآن الكريم, ولقد نشط فرع مكافحة الأمية بالشعبة، فأنشأ مدرسةً ليلية بلغ عدد المتقدمين إليها ما يزيد عن 300 دارس.
وفي قنا وأسوان أنشأ الإخوان قسمين لمكافحة الأمية: أحدهما نهاري، والثاني ليلي،
كما فتح قسم البر والخدمة الاجتماعية بشعبة الجمالية فصولا لمحو الأمية وكان يقوم بالتدريس فيها نخبةٌ من الإخوان المثقفين.
و افتتح الإخوان المسلمون بالقرين شرقية قسمًا لمحو الأمية، وكان الإقبال عليه شديدًا لحسن نظامه ورغبة الأهالي في القضاء على الأمية.
-إنشاء مدرسةً للتوجيه النقابي والشئون العمالية في قسم العمال تلقى فيها محاضراتٌ فنيةٌ عامة أسبوعيًّا لتعليم الإخوان العمال كيف يُديرون شئونهم النقابية ويحلون مشاكلهم على أسس سليمة من القوانين العمالية؛ وتبصير العمال بحقوقهم وشرح التشريعات العمالية وتبسيطها لهم ومساعدتهم على الاستفادة من هذه التشريعات إلى أقصى حد ممكن.
إنشاء دور للصناعات ملحقة بالمعاهد يتعلم فيها الذين لا يستطيعون إتمام التعليم العلمى .وليس هناك إحصاء عن عدد هذه المدارس المتنوعة ولا عدد طلابها وأساتذتها . ولكن هذه المدارس كانت تقوم إلى جانب الفروع بحيث لا يخلو فرع من مؤسسة علمية . وقد ذكر أن عدد طلاب إحدى مدارس محو الأمية بلغ مائة عامل .والراجح أن الإقبال على هذه المدارس كان كبيرا لا سيما ما كان منها فى بيئات العمال والفلاحين . وحين وضعت الحكومة منهاجا لمكافحة الأمية أثناء تولى العشماوى ( باشا ) وزارة المعارف سنة 1946 طلب من الإخوان أن يساعدوا الوزارة فى تنفيذ خطتها اعترافا منها بنفوذهم .
ج- تأسيس قسم خاص لشؤونهم ولائحته
وقد تبلورت كل صور العناية السابقة من الإمام البنا بهذه الفئة المهمة في المجتمع حين قام بتأسيس قسم خاص بهم ولم يكن الهدف منه التدخل فى شئون العمال النقابية، ولا التنافس مع الهيئات العمالية، ولا التعرض لهم فى مصانعهم أو شركاتهم، ولكن المقصود كله من هذا القسم أن تصل دعوة الخير إلى هذه النفوس الكريمة، فتكشف لها عن جمال الإسلام وضرورة التمسك بآدابه وتعاليمه تمسكًا يدفع إلى الاستقامة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وقضاء وقت الفراغ فيما يجدى ويفيد من دروس نافعة أو رياضة بدنية صالحة ابتغاء وجه الله من خلال العمل على مافيه خير الإخوان العمال وصلاح أمرهم فى الدنيا والآخرة ومن ثم العمل على توصيل وإبلاغ هذا الخير لجموع العمال في المجتمع.
لقد كان لهذا القسم دور بارز - فكريًا وعمليا - في الوقوف بجانب العمال المصريين وكان من أهدافه : تفهيم العمال حقوقهم والطرق المشروعة التي تكفل لهم تحقيقها وتنظيم النشاط النقابي، والدعوة إلي أن ينضم العمال إلي نقاباتهم ، ومحاربة الأمية، وتبصير العمال بالمعلومات العامة (جتماعية وسياسية و وطنية وصحية .. )
ودراسة الأفكار الصناعية وأساليب الإنتاج الحديثة وتعريفها للعمال حتى لا يقل العامل المسلم عن مثيله - صناعيًا - في أية أمة من الأمم ، بجانب أهدافه التربوية العقدية والروحية والاقتصادية.
وقد أنشأ القسم مدرسة للتوجيه النقابي العمالي .
تبني الإخوان مطالب العمال والدعوة إلي حقوقهم ، في مجلاتهم وكتبهم ، مثل ربط أجور العمال بأرباح المؤسسات الاقتصادية التي يعملون فيها بحيث يكون لهم أسهم مع أصحابها في الأرباح .. وغير ذلك مما توضحه لائحتهم عام 1948 أيام الإمام البنا والتي تم اقتباسها ووضعها كما هي في عام 1951 والتي كانت نصوصها كالتالي :
المادة 63 :
يقوم قسم العمال على الأغراض الآتية :
* أ- تنظيم نشر الدعوة فى محيط العمال وإيجاد جو إسلامى فى المصانع و الشركات و النقابات العمالية .
* ب- توجيه العمال الى الإستفادة من النقابات و النشاط العمالى والى ما يحفظ حقوقهم .
* ج- تنظيم التعاون بين العمال و القيام على حاجاتهم ومطالبهم .
* د- دراسة مشاكل العمال وإيجاد الوسائل الصالحة لحلها و العمل على التقريب بين العمال وأرباب العمل .
* هـ- دراسة نظم العمل ومحاولة تصحيحها وردها الى أصل إسلامي .
* و- تثقيف العمال ثقافة إسلامية وتوجيههم الى ما يرفع مستواهم التعليمي و الخلقى والاجتماعي و الصحى .
المادة 64 :
يقوم قسم العمال بدراساته الفنية ويضع رسائله ونشراته وهذه تعرض على المرشد العام فإن وافق عليها بلغت للمكاتب الإدارية لتنفيذها .
المادة 65 :
للقسم أن يتصل بمندوبى العمال فى المكاتب الإدارية و المناطق إذا اقتضت دراسته أن يتصل بهم واتصالات القسم وتنظيم المؤتمرات العامة تكون طبقاً للخطة التى يعتمدها المرشد العام .
وقد كان واقع هذا القسم هو الترجمة العملية القوية لما جاء في اللائحة وعمل قسم العمال من جانبه كما أشار الأستاذ محمد شوقى زكى على تقديم خدمات اجتماعية للعمال ، وذلك بمساعدتهم على حل مشاكلهم ففى إدارة القسم بالمركز العام محامون متخصصون فى الشئون العمالية لتوجيه العمال التوجيه السليم ، وإرشادهم إلى ما فيه صالحهم كما يعمل القسم أيضا على مساعدة العاطلين على إيجاد أعمال لهم فى حدود إمكانياته ، وذلك بالاتصال بمصلحة العمل ، والمؤسسات التجارية والصناعية التى تربطها بالإخوان صلات طيبة وتوجيه الشركات العمالية وصبغها بالصبغة الإسلامية.
وكان لقسم آخر هو قسم المهن بالمركز العام بعض الخدمات الاجتماعية بالإضافة إلى أنواع نشاطه الأخرى ، وقد نص على أن من أغراضه : ،( توثيق الصلة بين أرباب المهن فى مصر والبلاد الإسلامية )واضطلع قسم المهن بالمركز العام للإخوان بدور كبير فى النشاط العلمى المحض ، فهو يقدم مساء كل خميس بالمركز العام للإخوان ، محاضرة علمية قيمة يلقيها أحد المحاضرين المتخصصين لتجيء هذه الجهود التي استفاد منها العمال كجزء مكمل لنشاط قسم العمال بالجماعة ..
ومن المهم هنا التأكيد على أن تأثير العمل الإخواني مع العمال كان كبيرا حيث امتد لقطاعات أخرى متخصصة منها قطاع الجيش ووجد لدعوته صداها بين الضباط الجنود والعمال العسكريين فلقد أسس البنا قسما اسمه قسم الوحدات والذي كانت مهمته العمل والتحرك داخل الجيش المصري و يقول عنه الأستاذ صلاح شادي في كتابه صفحات من التاريخ :
(وكان قسم الوحدات يضم عسكريين ومدنيين من كافة الأسلحة فى الجيش . وعرفت من العسكريين الاخوة محمد الشناوى وعلى بدران وكانا فى هذا الوقت يعملان فى سلاح الطيران برتبة صول . . ومن المدنيين محمد الكاشف وحسين البوهى ورفعت النجار وعبد السلام وعمار وإبراهيم بركات وغيرهم .
وكان عامة نشاط القسم يتلخص فى تجميع العسكريين والعمال علي هدف الإسلام ، وتعريف بعضهم ببعض ، ومحاولة إيجاد رباط فى العمل بينهم لإعانة بعضهم بعضا ، فيما يلحقهم من مظالم في داخل الوحدات وتبصيرهم بحقيقة الجهاد فى الإسلام ، وأنه لا يكون إلا لإعلاء كلمة الله حتى لا يموت الجندي فيهم ميتة جاهلية ، ثم تعريف الضباط بواجباتهم نحو جنودهم ونحو أنفسهم ، وأن شجاعتهم فى دفع الظلم عن جنودهم وعن أنفسهم لا تقل ثوابا عن جهادهم فى المعارك .)
أبرز الصور العملية لجهود هذا القسم :
-إنشاء لجان فرعية مختصة بالنظر في شئون العمال كلجنة الدفاع عن العمال بدار الإخوان بطنطا، والتي اقترحت في المؤتمر السادس للإخوان عام 1941 عدة مقترحات منها: مطالبة الحكومة بإصدار التشريعات الخاصة بإنقاذ العمال وتحسين حالهم، ومطالبة الأغنياء بالاكتتاب لمساعدة أُسَر العاطلين منهم، واستنجاز وزارة الشئون الاجتماعية ما وعدت به من معونتهم.
-وبعد الحرب العالمية الثانية أنشأ قسم العمال ( لجنة البطالة ) هدفها الضغط على الحكومة لإيجاد حلول لما بين يديها من مشاكل ، وكان الحل الرئيسي لغالبية هذه المشكلات المطالبة بحركة حكومية شاملة لتصنيع الاقتصاد .
-جهود التكافل والحماية القانونية للأعضاء: وكانت هذه سمةً مميزةً للتجمعات الإخوانية عمومًا والعمالية خصوصًا ومن ذلك أن قامت "لجنة العمال في فرع الإخوان بشبرا الخيمة بدفع أجور كاملةً للأعضاء الذين فقدوا وظيفتهم ، إضافة للحماية والمساعدة القانونية.
كما عمل القسم أيضًا على مساعدة العاطلين على إيجاد أعمال لهم عن طريق الاتصال بمصلحة العمل والمؤسسات التجارية والصناعية التي تربطها بالإخوان صلاتٌ طيبة.
كل هذه الجهود تبين حجم الواقع الكبير الذي أقامه الإمام البنا في هذا القسم والذي أدى إلى انضمام عدد كبير من العمال إلى صفوفها، فقد ساعد اهتمام الإخوان الواضح بالشئون العمالية على تعزيز مكانتها، فكان لها صوت قيادي إن لم يكن الصوت القيادي الوحيد المعبر عن الجماهير التي لا صوت لها"، وهذا الانتشار الإخواني دفع س. ن. فيشر أن يقرر في مقال له بعنوان (اتحادات العمال في الدول العربية):
"أن للجماعات الوطنية المتطرفة كالإخوان المسلمين نفوذًا داخل نقابات العمال المصرية أكثر مما للشيوعيين" هذا الواقع الذي كان متميزا يرجو كل غيور من أبناء الجماعة عودة مثله من الجهد والأنشطة القوية في وقتنا الحاضر بعدما انحصر شيئا ما عن ذي قبل وإلى هذا يشير الأستاذ عباس السيسي حيث يعقد مقارنة بين الفترة التي عاشها والوضع الحالي فيقول:
لقد كان قسم العمال جناح جهودنا وتوازن حركتنا - إني أحس بانفصام في التصور الشامل لجامعة القلوب وأحس بنقص في بنية الجماعة وضعف في تركيبها - إن جسم جماعة الإخوان جسم متكامل حيث يكمل بعضه بعضا ثقافيا وفنيا واجتماعيا وتعاونيا عند الحاجة والاقتضاء ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات.
د- مواجهة سيطرة الشركات الأجنبية عليهم
سيطرة العدو الأجنبي على عمال بلد ما من خلال إحكام قبضتهم على شركات و مؤسسات هذا البلد يعني النجاح التام في احتلال هذا البلد بأسرع ما يمكن . وهذه حقيقة أدركها الإمام البنا جيدا لذا كان حريصا جدا على الحد من انتشارها من جهة ، والعمل على إيجاد البدائل العملية من جهة أخرى ... وهذا ما كان فعلا كما يلي :
- راقبت الجماعة جميع الشركات الأجنبية، وعلى الأخص شركة قناة السويس بخصوص إحلال الأجانب محل المصريين، و"أعدت الجماعة ملفًّا خاصًًّا بشركة قناة السويس، وكلما اقتضى الأمر قدمت الشكاوى إلى مصلحة العمل بوزارة الشئون الاجتماعية وإلى رئيس الشركة"، وعكست مشاركة الإخوان الناجحة في الحملة ضد شركتي قناة السويس وشلّ قمة نشاط الجماعة في الحركة العمالية، وعلى الرغم من تحفُّظ الإخوان تجاه تشجيع الإضراب فإن تأييدهم لمطالب العمال- خاصةً كفاح شركة شلّ- زاد مكانتهم وتأييد العمال لهم في منطقة القناة".
- فرضت الجماعة كذلك رقابةً دقيقةً على مختلف المؤسسات التي يملكها أجانب في المدن الرئيسة لتطمئن على أن حقوق العمال لم تهدر.وقد وجدت أن مصر بها أكثر من ( 320) شركة أجنبية تحتكر كل المرافق العامة وكل المنافع الهامة في جميع أنحاء البلاد الشركات المصرية إلي سنة 1938 بلغ إحدى عشر شركة فقط مقابل 320 شركة أجنبية.
- أخذ الإمام وإخوانه يحاسبون الحكومة حسابا عسيرا ، ويتهمونها بممالأة الأجانب على حساب الوطن ، والتساهل بتأليف الشركات التى تلبس أثوابا مصرية مستعارة ، وبعجزها عن علاج مشكلة العمال العاطلين ، وبترددها فى قطع المفاوضات ، وإعلان الجهاد . واشتدت حملة جريدة الإخوان المسلمون على المفاوضات ، وعلى حكومة صدقى ، وعلى الإنجليز بوجه خاص.
- قام الإمام مع إخوانه بإيجاد البديل للعمال وذلك عن طريق إنشاء وإقامة الشركات الإخوانية ، أو المساهمة في إنشاء شركات مصرية ،ويتضح هذا بالأمثلة الآتية :
1 - شركة الإخوان المسلمين للغزل والنسيج :
تأسست هذه الشركة سنة 1948 برأس مال أساسي قدره 8000 ثمانية آلاف جنيه ، جمع منه فعلا 6500 جنيه ، وظل باب الاكتتاب مفتوحا حتى وقت الحل ، وبدأت الشركة عملها ، وكان عدد عمالها حوالى 60 عاملا جميعهم من المساهمين فى الشركة ، وفى عشرة أشهر صرفت أجور عمال 2700 جنيه أى بما يوازى نصف رأس المال ، وبالرغم من ذلك فقد بلغ صافى أرباحها فى هذه الفترة الصغيرة 1400 جنيه . وكانت تنتج البفتة ، والدمور ، والأقمشة الحريرية ، والجبردين المقلم ، وكانت منتجاتها تباع بأقل من أسعار أى بضاعة أخرى من مثيلاتها . وقد قامت الحراسة أثناء فترة الحل بتصفية هذه الشركة وبيعها نهائيا ، وقد رفعت الشركة قضية ، وصدر حكم قضائى لصالحها.
2 - شركة المطبعة الإسلامية والجريدة اليومية :
وكل منهما منفصلة عن الأخرى ، وسميت الأولى " شركة الإخوان للطباعة " الشركات الإخوانية .
3- شركة المعاملات الإسلامية :
وقد تكونت برأس مال أساس قدره 4000 جنيه مصرى سنة 1939 ، ثم تطورت فى رأس المال من 4 أربعة الاف جنيه إلى 20000 عشرين ألف جنيه ، وقامت الشركة بإنشاء خطوط نقل ، وأقامت مصنعا كبيرا للنحاس ، ينتج وابور غاز كامل سنة1945تطورا كبيرا، فقد أقبل الإخوان وغير الإخوان على الاكتتاب فى أسهمها ، وزيد وقطع غياره المختلفة راجت فى الأسواق المحلية والخارجية ، وخاصة أسواق الأقطار الشقيقة .
4 - الشركة العربية للمناجم والمحاجر :
وقد تكونت فى سنة 1947 برأس مال قدره 60000 ستين ألف جنيه ، وفى سنة 1948 اتحدت الشركة العربية للمناجم والمحاجر وشركة المعاملات الإسلامية ، لتوحيد الجهود ، للارتباط الوثيق بين ما تقوم به الشركتان . فشركة المعاملات تملك سيارات نقل ، ، ومصنعا كبيرا للبلاط والاسمنت بجميع أنواعه وهو يستهلك كميات كبيرة من كسر الرخام الناتج من شركة المناجم . ولدى شركة المعاملات مصنع للنحاس ، وورشة ميكانيكية . وقد استوردت شركة المناجم آلات حديثة لقطع وصقل الرخام ، إلا أن هذه الآلات التى كانت تقدر أثمانها بعشرات الألوف من الجنيهات ، تركت فى العراء بدون صيانة أيام الحراسة فى فترة الحل ، وبيعت خردة ، مما تسبب للشركة فى أضرار مالية جسيمة ، ورفعت قضية بذلك على الحراسة فى هذه الأيام للمطالبة بالتعويض .
5 - شركة التجارة والأشغال الهندسية بالإسكندرية:
وقد تكونت برأس مال قدره 14000 جنيه موزع على 3500 سهم للقيام بأعمال التجارة والهندسة .
6 - شركة التوكيلات التجارية:
وقد بدأت مشروعها فى السويس للتجارة أولا ، ثم توسعت أعمالها حاليا حتى شملت التجارة والنقل والإعلان ، وصار لها مركز رئيسى فى القاهرة بشارع محمد على حارة المزين ، وأصبح لها عدة فروع فى جميع أنحاء القطر المصرى تقريبا ، بالإسكندرية وبور سعيد ، والإسماعيلية ، والسويس ، والفيوم ، وبنى سويف . وتقوم الشركة حاليا بعمل مشروع اقتصادى تعاونى تكفل به اللوازم المنزلية ، والسلع الاستهلاكية للإخوان بأسعار الجملة .
وجدير بالذكر أن جميع أسهم الشركات الإخوانية موزعة على مجموعة كبيرة جدا من المساهمين ، بعكس ما ألف الناس فى الشركات الكبيرة فى مصر التى يتحكم فيها ويملك غالبية أسهمها قلة من الرأسماليين ، ولعل أوضح مثال لذلك هو شركة الإخوان المسلمين للغزل والنسيج ، فرأس المال الفعلى لها كان 6500 جنيه وكان عدد المساهمين 550مساهما ، ومعظمهم من العمال الذين كانوا يساهمون بمبلغ 25 قرشا شهريا فكانت الشركة بذلك سبيل ادخار للفئات التى لم تتعود الادخار ، وتكوين رأس مال صناعى من الطبقات الشعبية .
ولا يفوتنا أن نذكر أن الادخار مأمور به فى الإخوان المسلمين ، فقد نصت واجبات الأخ العامل على " ان تدخر للطوارىء جزءا من دخلك مهما قل ، وألا تتورط فى الكماليات أبدا "
- في 12/ 7/ 1946 نشرت جريدة الإخوان هذه المقترحات التي قدمها قسم العمال إلى مكتب الإرشاد:
- إعداد دراسة لمعرفة حاجة البلاد الصناعية وإمكانياتها وذلك بالاشتراك مع وزارة التجارة والصناعة.
- تأسيس شركات مساهمة محدودة لتزويد البلاد بالمنتجات الصناعية، وذلك باستخدام رؤوس أموال الأغنياء.
- خصم حصة من أجور العمال الأسبوعية؛ بحيث تكفي في النهاية لشراء أسهم الشركة وتسديد ما دفعه المستثمرون السابقون.
فإذا تم ذلك فسيكون فيه حل حاسم لمشكلتين في آن واحد.. البطالة والنزاع المستمر بين العمال وأرباب العمل.
وتم تنفيذ ذلك عمليًّا فيقول بنين: "أما أهم نشاط للإخوان في شبرا الخيمة في هذه الفترة فكان إقامة مصنع نسيج هو شركة غزل ونسيج الإخوان المسلمين، وكان قرار إقامة هذا المصنع قد اتُّخذ في مايو 1946 من فرع الإخوان في شبرا من أجل حماية أعضائها من البطالة، وتم جمع رأس المال له عن طريق بيع 1950 سهمًا، يقدَّر ثمنها بستة آلاف جنيه مصري، وقد بدأ المصنع يعمل في ديسمبر 1947"، وعلى الرغم من صغر المصنع إلا أنه كان مربحًا للغاية؛ حيث بلغت نسبة أرباح الاستثمار فيه 15% في يوليو 1948".
مواقف الإمام البنا مع العمال وحرصه عليهم
وسنتكفي بذكر بدايات نشأة الجماعة ليظهر من خلالها أنها كانت عمالية بحتة فمن صور اهتمام البنا بالعمال هذا المشهد الذي يحيكه في مذكرات الدعوة والداعية يقول :
الدعوة في جباسات البلاح اتصل بعض عمال الجباسات الفضلاء بالإخوان بالإسماعيلية فنقلوا عنهم الفكرة إلى إخوانهم، ودعيت إلى زيارة الجباسات وهناك بايعت الإخوان على الدعوة فكانت هذه البيعة نواة الفكرة في هذا المكان النائي. وبعد قليل طلب العمال إلى الشركة أن تبني لهم مسجدا إذ كان عددهم أكثر من ثلاثمائة عامل. وفعلاً استجابت الشركة لمطلبهم وبني المسجد وطلبت الشركة من الجماعة بالإسماعيلية انتداب أخ من العلماء يقوم بالإمامة والتدريس، فانتدب لهذه المهمة فضيلة الأخ المفضال الأستاذ الشيخ محمد فرغلي المدرس بمعهد حراء حينذاك.
وصل الأستاذ فرغلي إلى البلاح وتسلم المسجد وأعد له سكن خاص بجواره. ووصل روحه القوى المؤثر بأرواح هؤلاء العمال الطيبين. فلم تمضي عدة أسابيع وجيزة حتى ارتفع مستواهم الفكري والنفساني والاجتماعي ارتفاعا عجيباً: لقد أدركوا قيمة أنفسهم وعرفوا سمو وظيفتهم في الحياة وقدروا فضل إنسانيتهم، فنزع من قلوبهم الخوف والذل والضعف والوهن واعتزوا بالإيمان بالله وبإدراك وظيفتهم الإنسانية في هذه الحياة - خلافة الله في أرضه - فجدوا في عملهم اقتداء بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ثم عفوا عما ليس لهم، فلم تأسرهم المطامع التافهة ولم تقيدهم الشهوات الحقيرة وصار أحدهم يقف أمام رئيسه عالي الرأس في أدب، شامخ الأنف في وقار، يحدثه في حجة ومنطق لا يقول ولا يقبل منه كلمة نابية أو لفظة جافية أو مظهراً من مظاهر التحقير والاستصغار كما كان ذلك شأنهم من قبل. وتجمعوا على الأخوة، واتحدوا على الحب والجد والأمانة.
ويذكر الأستاذ عباس السيسي في كتابه حكايات عن الإخوان هذا الموقف والذي صور اهتمام البنا بالرعيل المؤسس الذي كان من العمال فلنقرأه ونتعلم .
يقول الأستاذ عباس السيسي:
جاء لزيارة شعبة الإخوان المسلمون فى محرم بك بإسكندرية رجل فى سن الخمسين من صعيد مصر يرتدى جلبانا وخفين وشعره بارز من قبل صدره. عرفنا بنفسه فقال إنه محمد الأنصارى من الإخوان القدامى بمدينة الإسماعيلية. ويعمل فى هيئة السكك الحديد (عامل دريسة) يعنى من العمال الذين يقومون بتركيب وخلع قضبان السكة الحديد للقطارات - وعاش معنا فى الشعبة فى زيارات متقطعة - ولكنه لم يجد من الإخوان الشباب الاهتمام الواجب .. وشاء الله تعالى أن يعلن عن مجئ الأستاذ البنا فى زيارة للإسكندرية.. وأقيم فى الشعبة حفل كبير بمناسبة حضوره. ولما جاء الأستاذ البنا ودخل الحفل فوجئ بوجود الشيخ محمد الأنصاري فتوجه إليه وأخذه بالأحضان وسر بوجوده كثيرا وأخذه من يده وأجلسه بجواره عن يمنه. مع وجود كثير من كبار الإخوان وأساتذه الجامعة وعليه القوم - ولفت ذلك أنظار الإخوان وتعجبوا كيف أن الرجل عاش معهم ولم يقوموا بواجبه كما ينبغى - ولما وقف الأستاذ البنا ليلقى كلمته - قال يوجد معنا اليوم أخ كريم من الإخوان السابقين فى الدعوة والذين بايعوا من أول يوم وهو الأخ الفاضل الشيخ محمد الأنصارى الذى زاملنى فى الدعوة بالإسماعيلية فكانت تحية رائعة للرجل المتواضع. وكان درسا رائعا لمعنى الأخوة فى الله تعالى والتجرد لها بعيدا عن المظاهر الشكلية فرب رجل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره.
ولم تمض شهور حتى تزعم الأستاذ البنا مسيرة كبيرة من أهل القاهرة متوجها من الأزهر الشريف إلى فندق الكونتننتال للإعلان عن استعداد جماعة الإخوان للتطوع بعشرة آلاف مقاتل فى سبيل تحرير فلسطين الإسلامية وكان ذلك أمام زعماء الأمة العربية - وفى أثناء مسيرة المظاهرة الشعبية الكبرى أطلق البوليس عيارا ناريا أصاب الأستاذ البنا فى يده . وفى نفس الوقت استشهد الشيخمحمد الأنصارى فى تلك المظاهرة - رحمه الله تعالى..ومثل هذه الصور كثيرا جدا والتي تعبر عن تقدير الإمام البنا لجهود ومكانة العمال ونكتفى بما ورد أعلاه .. وفي كتب تاريخ الجماعة العديد من هذه القصص لمن أراد الاستزادة ..
العمال عصب التغيير
وهكذا نجد كيف أن الإمام البنا رحمة الله عليه أدرك جيدا أنه لا سبيل إلى إحداث التغيير و من ثم استعادة المجد و التمكين لهذه الأمة إلا من خلال أعمدة قوية و سواعد فتية ، يمثل قطاع العمال أحد أهم هذه الأعمدة و تلك السواعد . من أجل هذا وجه لهم اهتماما خاصا جدا كما أسلفنا ، وكللت جهوده بالنجاح العظيم حيث ظهرت فئة جديدة من العمال هم عمال الإخوان الذين كانت لهم جهود كريمة و بصمات مؤثرة وبطولات مشرفة في خدمة دينهم و مجتمعهم .
وقد علمت الحكومات المتتالية أهمية طبقة العمال لما يتمتعون به من صفات الرجولة و النخوة و الشهامة و الفدائية و الغيرة ، وأنه متى ما سيطر الإخوان على العمال فإنهم قد ملكوا زمام الأمور كلها وحان وقت التغيير ، لذا حرصوا دائما و أبدا و بكل الوسائل غير المشروعة على إحداث هوة كبيرة و فجوة عميقة بين الإخوان و فئة العمال ولكن الله خيب مسعاهم ، وليتجه العمال تلقائيا و بفطرتهم السليمة للاندماج مع جماعة الإخوان و الالتحاق بركبها المبارك .
المراجع
1-كتاب مذكرات الدعوة و الداعية لحسن البنا.
2-كتاب مقومات رجل العقيدة لمصطفى مشهور.
3-كتاب تاريخ الصحوة و الزلزال لمحمد الصروي.
4-كتاب حكايات عن الإخوان / عباس السيسي.
5-كتاب الإخوان المسلمون-كبرى الحركات الإسلامية-شبهات وردود: الأستاذ: توفيق الواعي.
6-كتاب التضحية والفداء لجمعة أمين.
7-كتاب أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين لجمعة أمين.
8-كتاب الدعوة إلى الله حب / عباس السيسي.
9-كتاب صفحات من التاريخ صلاح شادي.
10-كتاب الإخوان المسلمون والمجتمع المصرى محمد شوقى زكى (إخوان ويكي).
11-بحث بعنوان تاريخ الإخوان (إخوان ويكي)
12-جريدة الإخوان المسلمون النصف شهرية- العدد 62 - السنة الثالثة- 18 رجب 1364هـ/ 28يونيو 1945م - ص21.
13-مقال جهود البنا في إصلاح وتطوير التعليم لعلاء ممدوح
14-مقال قيمة العمل في الإسلام / د. جمال نصار - إخوان أون لاين