جامعة الدول العربية بين نشأة إنجليزية وسيطرة صهيونية
مقدمة
جامعة الدول العربية التي ينادي بعض النشطاء الآن بتحويلها إلى قاعة أفراح للاستفادة من مبانيها وتوفيرا لمصروفاتها الهائلة، حيث أصبح دورها مقتصر على خدمة الدولة الصهيونية المغتصبة.
فدور جامعة الدول العربية في مواجهة وحل المشاكل والحوادث التي آلت بأمتنا العربية والإسلامية من حروب وفتن ونزاعات داخلية وخارجية بين الأشقاء في العالمين العربي والإسلامي ، لم يكن إلا دور سلبي ومعيب في حل جميع قضاياها الرئيسية ، أو بالمعنى الصحيح كان دورها منعدم ، خالي من الإنجازات ، عديم الفائدة ، سلبي إلى حد النخاع، وكأن الإنجليز حققوا مأربهم من الموافقة على نشأة هذه المؤسسة التي تسيطر عليها سياسات وإملاءات الدول الاستعمارية ضد قضايا الأمة العربية والإسلامية.
يد الاستعمار في نشأتها
تكالبت الدول الغربية على الدول العربية والإسلامية منذ القرن التاسع عشر الميلادي، في وقت ضعفت فيه الخلاقة الإسلامية، وسقطت الشعوب في مستنقع التخلف والجهل. كان الاستعمار يهدف لطمس الهوية الإسلامية والعربية، ونشر التغريب وسط هذه المجتمعات ونشر الحداثة التي تمكنها من السيطرة السياسية والثقافية والاقتصادية من هذه البلاد، بالإضافة لنهب خيرات هذه البلاد وتركها في ظلمات الجهل.
غير أنه ما إن انتهت الحرب العالمية الأولى وخروج القوى الغربية منهكة من هذه الحروب، حتى زادت نسبة الوعي لدى الشعوب العربية، والتي انطلقت تكبد الدول الاستعمارية الخسائر البشرية والاقتصادية، فكانت ثورة 1919م بمصر، و الثورة السورية الكبرى عام 1925م، وثورة العشرين بالعراق ضد الانجليز عام 1920م، وثورة فلسطين الكبرى ضد المحتل الانجليزي عام 1936م وغيرها من الثورات التي أحيت الوعي لدى الشعوب، ولذا فقد عمد المحتل إلى تغير سياسته الاستعمارية، وإعطاء هذه الشعوب استقلال زائف لإسكاتهم، وقد ساعدهم على ذلك كثير من أصحاب الحكم في البلاد الذين كان لا يشغلهم إلا مناصبهم وعروشهم.
توصل فكر المحتل الانجليزي إلى جمع حكام الدول العربية في كيان يستطيع أن يسيطر عليه ويملي عليه سياسته – وعلى الرغم من أن وحدة الشعوب العربية والإسلامية هو أمل سعى إليه كل مخلص غير أن الجامعة كانت مؤسسة طيعة في يدي المستعمر. تكمن المفارقة في أن الدعوة لتأسيس هذا الكيان العربي جاء من المحتل البريطاني
ففي 29 مايو 1941 ألقى أنتونى إيدن - وزير خارجية بريطانيا - خطابا ذكر فيه
- "إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية ال تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن. وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضاً... وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأى خطة تلقى موافقة عامة". (1)
وبعد أقل من عامين وفي 24 فبراير 1943 صرح إيدن في مجلس العموم البريطاني بأن الحكومة البريطانية "تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمى إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية." (2)
لم يصدر تصريح إيدن عن حكومة إنجلترا بغرض تحقيق مصالح للعرب، وإنما كان حلقة من حلقات توطيد السياسة البريطانية في الشرق الأوسط، فقد كان يهدف من الجامعة أن تكون دعما لمشروع الهلال الخصيب، حيث يعلق الدكتور محمد حسين هيكل على هذا التصريح قائلاً: "أيدت إنجلترا مطلب سوريا ولبنان في الاستقلال، ثم أعلن وزير خارجيتها أن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى جامعة للدول العربية إذا فكرت البلاد العربية من تلقاء نفسها في إنشاء هذه الجامعة" (3)
حتى أن جماعة الإخوان المسلمين تنبهت لهذا الأمر وفهمت مغزى تصريح خارجية بريطانيا، فيقول محمود عبدالحليم:
- كان الإنجليز يهدفون من وراء هذا المشروع إلى استحداث جهاز يسهل لهم بسط نفوذهم على جميع الدول العربية، وليس أقدر على إصابة هذا الهدف من إنشاء هذه الجامعة. (4)
غير أن بعض الباحثين يدافعون عن الجامعة العربية وأن تصريحات ايدن كانت لطمأنت العرب بعد الحرب، وليس إذنا بنشأة الجامعة حيث يقول وحيد الدالي في كتابه (أسرار الجامعة العربية):
- "إن ما يقال بأن جامعة الدول العربية صنيعة بريطانيا، ونتيجة لتصريح أنتوني إيدن وزير خارجية بريطانيا، الذي أعلنه سنة 1943 فهذا غير صحيح، وحقيقة الأمر أن وزير الخارجية أصدر هذا التصريح ليطمئن العرب على مستقبلهم بعد الحرب العالمية الثانية، وفي الوقت نفسه كان عبارة عن مزايدة سياسية اقتضتها ظروف الحرب بين ألمانيا وبريطانيا، فقد أعلنت الحكومة الألمانية على لسان هتلر، أنه في حالة كسب ألمانيا الحرب، فإنها تضمن سلامة الدول العربية، وتؤكد وتؤيد استقلالها، وتعمل على إيجاد اتحاد فيما بينها". (5)
غير أن مذكرات اللورد كليرن التي نشرها ذكر فيها الدور الذي قامت به بريطانيا في إنشاء جامعة الدول العربية. بدأ الإنجليز التحرك نحو هدفهم، فأوعزت إلى نوري السعيد باشا رئيس وزراء العراق أن يرفع أول صوت مناديًا بإنشاء الجامعة العربية من خلال الكتاب الأزرق والمناداة بمشروع سوريا الكبرى والذي رفضته الشعوب السورية، وكان اقتراح نوري السعيد أن يكون التجمع هاشميا باستبعاد مصر والسعودية، على الرغم من انكشاف مؤامرة نوري السعيد. (7)
غير أنه وبعد عام تقريباً من خطاب إيدن، دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس في يونيو 1942م كلا من رئيس الوزراء السوري جميل مردم بك ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري للتباحث معهما في القاهرة حول فكرة "إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية المنضمة لها"، وعقدت الجلسات التحضيرية بقصر أنطونيادوس بالإسكندرية في 7 أكتوبر 1944م غير أن السعودية واليمن رفضتا التوقيع لوجود نوري السعيد
وأقيلت حكومة النحاس باشا في اليوم التالي ليتولى أحمد ماهر باشا ويعين عبدالرحمن عزام وزيرا مفوضا، ثم تم تعديل برتوكول الإسكندرية لكي توافق السعودية ، وبالفعل أعلن عن ميلاد جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945م، وتكونت في البداية من مصر، سوريا، المملكة العربية السعودية، شرق الأردن، لبنان، العراق، اليمن. (7)
واقترح الوفد السوري تسمية رابطة الدول العربية بـ"التحالف العربي"، واقترح نظيره العراقي تسميتها بـ"الاتحاد العربي"، إلا أن الوفد المصري قدم التسمية التي اُعتمدت وهي "الجامعة العربية"، لملاءمتها من الناحية اللغوية والسياسية، وتوافقها مع أهداف الدول العربية. ثم نُقح الاسم ليصير "جامعة الدول العربية". (8)
لقد ألقى النحاس باشا بيانا أمام مجلس النواب المصري يدعو فيه إلى الوحدة العربية، ويقال أن ايدن أرسل برقية إلى سفير بريطانيا في مصر اللورد كليرن قبل بيان النحاس يحثه على تشجيع النحاس باشا لدعوة الحكومات العربية، كما أرسل ببرقية مماثلة إلى عدد من مندوبيه في الدول العربية ليشجعوا حكومات هذه البلاد في السعي لإنشاء منظمة توحد العرب، وبؤكد عبدالرحمن عزام أن فكرة تأسيس جامعة الدول العربية خرجت من لندن. (9)
مهام الجامعة
وتحددت مهام الجامعة الوليدة آنذاك في الحفاظ على استقلال الدول الأعضاء، والتعاون في الشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية، وغيرها، والنظر في شؤون البلاد العربية ومصالحها، وتحرير البلاد العربية غير المستقلة، والتعاون مع الهيئات الدولية لكفالة الأمن والسلام وتنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية.
كما نصت وثيقة الجامعة العربية على عدد من المبادئ، بينها، أن تتأسس الجامعة من الدول العربية المستقلة التي تقبل الانضمام إليها، ويكون لها مجلسٌ تمثل فيه الدول المشتركة على قدم المساواة، على أن تكون مهمة مجلس الجامعة مراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الأعضاء فيما بينها من اتفاقيات وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها والتنسيق بين خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون فيما بينها، والحفاظ على استقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل السياسية الممكنة، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية. كما تكون قرارات المجلس ملزمة لمن يقبلها فيما عدا الأحوال التي يقع فيها خلاف بين دولتين من أعضاء الجامعة، ويلجأ الطرفان إلى المجلس لفض النزاع بينهما. كما لا يجوز اللجوء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين من الأعضاء، ويُحظر اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة الجامعة وأعضائها. (10)
تشكلت اللجنة السياسية في 30/11/1946 مع احتدام الصراع الدائر في فلسطين مع قوى الصهيونية وبروز الحاجة إلى تفعيل المشاورات السياسية بين الدول الأعضاء والتنسيق بين مواقفها في هذا الصدد وعلى حين نص قرار التشكيل على أن تكون العضوية في اللجنة على مستوى وزراء الخارجية فإنه بعد خمس سنوات من عمل اللجنة أي في عام 1951 أصدر مجلس الجامعة قرارا بفتح العضوية لرؤساء الحكومات ورؤساء وفود الدول لدى الجامعة حسب مقتضى الحال.
جامعة الدول العربية والقضية الفلسطينية
تولى عبدالرحمن عزام أمينا عاما للجامعة والتي استطاع أن يجعل منها منظمة وطنية تدافع عن قضايا الأمة العربية وعن القضية الفلسطينية، فعند نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، كان العرب الفلسطينيين بدون قيادة، وقد كان مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، في المنفى منذ عام 1937، وأمضى سنوات الحرب في أوروبا، ولذا أعادت جامعة الدول العربية في نوفمبر 1945 تأسيس اللجنة العربية العليا كهيئة تنفيذية عليا للعرب الفلسطينيين في أراضي الانتداب البريطاني على فلسطين.
واعترفت فوراً دول الجامعة العربية الست آنذاك باللجنة؛ حكومة الانتداب اعترفت باللجنة الجديدة بعدها بشهرين. بيد أن اللجنة تفككت بسبب القتال، وفي يونيو 1946 فرضت الجامعة العربية على الفلسطينيين التنفيذية العربية العليا، أعيد تسميتها الهيئة العربية العليا في عام 1947 مع تعيين أمين الحسيني (كان يعيش آنذاك في مصر) رئيساً لها وجمال الحسيني نائباً للرئيس.
وفي 2 ديسمبر 1945 أعلن مجلس الجامعة العربية رسمياً مقاطعة أي شركة مملوكة يهودياً عاملة في فلسطين الانتدابية: "إن المنتجات والمصنوعات اليهودية في فلسطين غير مرغوب فيها في البلاد العربية؛ لأن إباحة دخولها للبلاد العربية تؤدي إلى تحقيق الأغراض السياسية الصهيونية" (11) وحينما أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب عن فلسطين يوم 15 مايو 1948م كانت جامعة الدول العربية قد أعدت العدة سواء بالمتطوعين والفدائيين أو ببعض الجيوش العربية.
فكانت الجامعة العربية قد رفضت بالإجماع خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة، وكانت تعارض بشدة إقامة دولة يهودية. فحينما رفض النقراشي باشا سفر المتطوعين من جماعة الإخوان المسلمين إلى فلسطين، تدخل عبدالرحمن عزام باشا وضمهم للمتطوعين تحت لواء جامعة الدول العربية وسافروا بإذن من الأمين العام لجامعة الدول العربية. ودخلت الجيوش العربية غير أنها بسبب خيانات الحكام العرب ضاعت الجيوش كما ضاعت فلسطين.
العسكر وجامعة الدول العربية
مع مطلع الخمسينيات تسارعت الأحداث في الوطن العربي، وتحركت كثير من الجيوش العربية وقامت بانقلابات عسكرية واستقر الحكم في يدها بعد ذلك. وقعت ثورة 23 يوليو 1952م بمصر والتي جاءت بالعسكر إلى الحكم حتى يومنا هذا، سعى عبد الناصر لتغيب قضية فلسطين من الجامعة فكان الصدام مع أمينها العام عبدالرحمن عزام والذي تقدم باستقالته من منصبه في 9 سبتمبر 1952م.
لم تستطع جامعة الدول العربية بعد ذلك على الحفاظ على كيانها ولم تستطع أن تبسط نفوذها على الدول الأعضاء مما اضطر البعض إلى تشكيل كينونات صغيرة مثل مجلس التعاون لدول الخليج العربية (السعودية والإمارات والكويت وعُمان وقطر والبحرين) الذي ظهر في 1981، و مجلس التعاون العربي (مصر والعراق واليمن والأردن) الذي أُنشئ في 1989، و"اتحاد دول المغرب العربي" الذي أُسس في 1989 أيضاً، ولم يبقَ خارج هذه التجمعات إلا سورية ولبنان والسودان.
والمعروف أن جامعة الدول العربية قامت على مبدأ احترام سيادة كل دولة واستقلالها، وعلى مبدأ فض النزاعات العربية بالتفاهم، فيقول ميثاقها:
- "لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض النزاعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة. فإذا نشب بينها خلافٌ، لا يتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أرضها، ولجأ المتنازعون إلى المجلس لفض هذا الخلاف، كان قراره عندئذٍ نافذاً وملزماً. وفي هذه الحالة لا يكون للدول التي وقع بينها الخلاف الاشتراك في مداولات المجلس وقراراته " (المادة الخامسة من الميثاق)، غير أن الجامعة لم تتمكن من جعل الدول العربية تلتزم هذا المبدأ ألبتة، وحتى اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة في 13 /4 /1950 لم تشهد تطبيقاً واحداً لبنودها، وما شهدناه هو اللجوء إلى القوة لفض النزاعات مثل المغرب والجزائر، ومصر وليبيا، والعراق والكويت، والسعودية واليمن. (12)
كما لم تستطع حل النزاعات بين الدول العربية مثل ضم الأردن الضفة الغربية في 1950، والمشكلة اليمنية في 1962، والصراع المغربي – الجزائري على الصحراء الغربية منذ 1963، ولم تتمكن جامعة الدول العربية من فض هذه المنازعات، حتى أنها لم تستطع إرغام المغرب على قبول قرار مجلس الجامعة الصادر بالإجماع في 19/ 10 /1963 (عدا المغرب بالطبع) وقضى بمطالبة حكومة المغرب سحب قواتها إلى المواقع التي كانت فيها قبل اندلاع الاشتباكات مع الجزائر.
كذلك لم تفعل جامعة الدول العربية أي أمر لمنع زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس في 1977، أو لمنع توقيع اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل في 1978، أو معاهدة السلام في 1979، وينطبق الأمر نفسه على الحربين، الصومالية واليمنية، واستيلاء إيران على الجزائر الإماراتية الثلاث في الخليج العربي، أو لتلافي اجتياح العراق الكويت في 1990، وكذلك وقفت عاجزةً عن معالجة الحرب على العراق في 2003، والحرب المتمادية على غزة.
ولا سيما في سنتي 2008 و2014، وانفصال جنوب السودان عن شماله في 2011. وما فعلته هو تأمين الذريعة للتدخل الأميركي المباشر في العراق في 1991، وفي ليبيا سنة 2011. وفي الوقت نفسه، استنكفت عن اتخاذ مواقف محايدة ومجمع عليها في الأزمة السورية.
كما أخفقت جامعة الدول العربية منذ اتفاق السلام المصري - الإسرائيلي في 1979، وكذلك القمم العربية، في صوغ التزام عربي مشترك في مواجهة إسرائيل، ولعل حرب 1948 كانت الأولى والأخيرة التي خاضتها الجيوش العربية بقرار من مجلس الجامعة، ثم تحولت قضية فلسطين، بعد ذلك، إلى الأمم المتحدة. ومن غرائب الأحوال أن جامعة الدول العربية لم تدافع حتى عن الاتفاقات والبروتوكولات التي وُقِّعت في كنفها، مثل معاملة الفلسطينيين في الدول العربية كمواطنين عرب (عدا التجنيس)، ولم تحاول تخفيف وطأة الحرب على المخيمات في لبنان بين الأعوام 1985 و1987، فضلاً عن إنقاذ الرئيس ياسر عرفات إبّان حصاره في رام الله بين الأعوام 2000-2004.
ثم فشلت في منع التطبيع مع إسرائيل، مع أن مكتب مقاطعة إسرائيل هو أحد مؤسسات الجامعة، ولعل ذلك راجع إلى أن الدول العربية التي تقيم علاقات سرية أو علنية بإسرائيل صارت الأكثر تأثيراً في قرارات الجامعة، مثل مصر والسعودية والأردن. ومنذ اندلاع الربيع العربي عام 2011 أظهرت الجامعة "عداءً واضحاً للثورات الشعبية ودعمت الأنظمة الساقطة أو التي كانت تجابه السقوط، في السر والعلن"، لكنها ظلت محتفظة بموقفها الثابت من القضية الفلسطينية، والقائم على التمسك بالمبادرة العربية للسلام أساساً لمستقبل العلاقات مع "إسرائيل".
والآن في القرن الحادي والعشرين أصبحت جامعة الدول العربية أداة طيعة في أيدى الدولة الصهيونية، فلم تستطع أن تستنكر إقدام دولة الإمارات ولا البحرين على التطبيع الكامل مع الدولة الصهيونية على حساب القضية الفلسطينية وذلك بدعم ومباركة مصرية وأردنية وسعودية. (13) ويبدو أن المحور الذي يضم السعودية والإمارات ومصر والبحرين، والذي يروّج للتطبيع ويمهد له بكل السبل، إلى جانب معاداته أي دعوة للتغيير السياسي بالمنطقة، بات مسيطراً على قرار الجامعة بشكل كامل.
ولم تستطع جامعة الدول العربية أدانة تطبيع الإمارات مع إسرائيل، بل حاولت بعض الدول الأعضاء – على رأسها البحرين ومصر - إضافة بنود تُضفي الشرعية على اتفاق التطبيع. لدرجة أن المحلل السياسي ياسين التميمي اعتبر إن الموقف الأخير للجامعة "موقف مخز"، ويعكس مدى هشاشة هذه المؤسسات، وخضوعها لدول بعينها، في مقدمتها السعودية ومصر والإمارات التي تقودها لتبني مصالح تتعارض تماماً مع المصلحة العربية.
حتى أن جاريد كوشنر - مستشار الرئيس الأميركي - عدم إدانة الجامعة العربية اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل دليل على تحول مهم في الشرق الأوسط. (14) لقد وقفت جامعة الدول العربية ضد مصالح أعضائها كالقضية الليبية وشجعت خليفة حفتر وقواته على انتهاك حرمات الليبيين وانصاعت وراء المطالب المصرية والإماراتية السعودية، ولم تستجب لاستغاثات الشعب الليبي ضد مذابح حفتر، لكنها صمت على التدخل الخليجي في شئون البلاد العربية كاليمن وليبيا والسودان.
ومع ذلك لا ننكر ما قامت به من إنجازات مثل لاءات مؤتمر الخرطوم في 1967 (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض)، وقرار وزراء البترول العرب استخدام سلاح النفط في حرب أكتوبر - تشرين الأول 1973، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني (مؤتمر الرباط 1974)، ودعم دول المواجهة مالياً في مؤتمر القمة العربية في 1978م.
لقد فشلت جامعة الدول العربية في إيجاد آلية لإدارة الخلافات، وهي مشلولة أيضًا بسبب الخلافات الطائفية والإقليمية، ومن ثم تحولت الجامعة عن أهدافها التي نشأت من أجلها إلى دار للسياسيين المتقاعدين.
لكن لا تتحمل جامعة الدول العربية، كهيئة سياسية اعتبارية – كما يقول صقر أبو فخر - مسؤولية الأحوال التي صار إليها العرب، على الأقل منذ هزيمة يونيو - حزيران 1967، فالجامعة هي صورة العرب، ومرآة أوضاعهم، ومن المحال أن تكون مؤسستهم مقدامة وهم متراجعون، أو حرة وهم منقادون، أو مستقلة وهم ذيليون. وسيكون من الظلم أن نحمّل الجامعة أوزار دولها، وهي المؤسسة الأضعف بين المؤسسات العربية قاطبة.
المراجع
- مفيد شهاب: جامعة الدول العربية ميثاقها وإنجازاتها، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1978م، صـ5- 20.
- محمد حسين هيكل: مذكرات في السياسة المصرية، طـ1،دار المعارف، القاهرة، جـ3، صـ19.
- محمد حسين هيكل: المرجع السابق، صـ20.
- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة، الإسكندرية، 1999م، جـ1، صـ260.
- وحيد الدالي: اسرار الجامعة العربية وعبد الرحمن عزام، مؤسسة روزاليوسف للصحافة والطباعة والنشر, القاهرة، 1982م.
- جميل عارف: شاهد على مولد جامعة الدول العربية - الوثائق السرية لدور مصر وسوريا والسعودية، الدولية للإعلام والنشر، القاهرة، طـ1، 1995م، صـ9.
- جميل عارف مرجع سابق: صـ10.
- عبدالعزيز سرحان: المنظمات الإقليمية والمتخصصة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1974م، صـ91.
- جميل عارف: صفحات من المذكرات السرية لأول أمين جامعة الدول العربية عبدالرحمن عزام، جـ1، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1977م، صـ260
- شاهد على مولد جامعة الدول العربية: مرجع سابق.
- جهاد القطيط، حسين شحاتة، مجدي مدني، هيثم الكيلاني: العرب ومقاطعة إسرائيل، طـ1، مركز دراسات الشرق الأوسط، عمان الأردن، 2008، صـ31.
- صقر أبو فخر: جامعة الدول العربية.. انتهاء الصلاحية، 3 أكتوبر 2017م
- صقر أبو فخر: جامعة الدول العربية.. انتهاء الصلاحية، مرجع سابق
- كوشنر يصف رفض جامعة الدول العربية إدانة التطبيع مع إسرائيل بـ"التحول المهم: 10 سبتمبر 2020م