الإخوان المسلمون وحكومة صدقى سنة 1946

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون وحكومة صدقي سنة 1946

مركز الدراسات التاريخية (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)

أولا المقدمة: حكومة إسماعيل صدقى 1946 لمحة تاريخية.

استقالت حكومة النقراشي غير القادرة على حفظ الأمن وغير الجديرة بإجراء المفاوضات ، وجب أن يأتى إلى الحكم من يستطيع كبح جماح الجماهير بعد أن أبدت عندا وشراسة. (1)،وتم تكليف إسماعيل صدقى بتشكيل الوزارة فى 16 فبراير 1946 عقب إقالة حكومة النقراشي ، فقام بتشكليها يوم 18 من فبراير 1946، وقد استمرت حتى استقالة صدقي فى 9 ديسمبر 1946 بعد أن مكثت حكومته تسعة أشهر وثلاثة وعشرون يوما .

حقيقة لقد رأت هذه الدوائر بعد ظهورضعف حكومة النقراشي أن تقدم إلى الوزارة أفضل العناصر السياسية ذات الارتباط المباشر بها والولاء الكامل لها، وكان صدقى نجمها الأول سياسيا وحاكما مدربا .

وبالرغم من ماضى صدقى الذى يشهد له بالظلم والاستبداد، وعدم احترام القانون أو الدستور والتنكيل بالحريات"، وما أن عهد صدقى بتأليف الوزارة حتى مر سريعا على رئيسى حزبى الأحرار والسعديين ، واستطاع أن يحصل على تأييدهما وتناسى ما بينهما وبينه من خصومه و يضمها لوزارته ويحظى بثقة البرلمان ،وقد روجت له الصحف البريطانية لتعيين صدقى بوصفه رجل مصر القوى .

وفور أن تولى صدقى الوزارة صرح لمراسل رويتر بأنه كان من قبل خادما أمينا للملك فؤاد مشيرا إلى أنه يستند فى حكمه إلى السراى. (2)

وقد "استقبلت العناصر الوطنية صدقى بضجة كبيرة .. بهذا كان تعيين صدقى رئيسا للوزراء فاضحًا لطبيعة الحكومة الطبقية أمام الكثيرين وكاشفا المضمون الطبقى لسياسة التحالف مع بريطانيا .. وكان وجود صدقى فرصة سانحة للحديث عن الأزمة الطبقية الحادة التى يعانى منها المجتمع ". (3)

ويبدىء الدكتور هيكل اندهاشه لاختيار صدقى لأنه ليس له الشعبية التى تؤهله لذلك بقوله (وقد دهش المشتغلون بالسياسة لهذا الأمر)، لأنه ليس لصدقى حزب يستند إليه. (4)

ولعل الأمر الأكثر غرابة ديكتاتورية الرجل ومعاداته للحركة الوطنية والتى ظهرت فى حكومته سنة 1930 يقول د. يونان لبيب رزق:

"يبدو من الغرابة بمكان وقوع الاختيار على صدقى باشا لتأليف" الوزارة القومية "على ضوء ماضى الرجل فهو من رؤساء الوزراء القلائل الذين يذكر لهم أن كافة الأحزاب قد وقفت فى وقت ما (1930ـ 1933) ضد استمراره فى الحكم ، فكيف يمكنه تأليف وزارة من كل الأحزاب ؟!". (5)
ومن هنا فقد جاء صدقى المقرب من الإنجليز والقصر من أجل التفاوض مع الإنجليز حول الجلاء والعمل على تحقيقه بعد فشل معاهدة 1936 خاصة بعد مساندة مصر لبريطانيا أثناء حربها الأخيرة ، فقد " كان ظن صدقي أنه يمكن تحقيق الجلاء بالمفاوضة مع إنشاء حلف عسكرى إقليمى مع بريطانيا؛
وأن هذا سيؤدى إلى تصفية الحركة الوطنية، برغم أن الحركة الوطنية وقتها كانت منتبهبة لهذا الثمن الذى يمكن أن يقدم مقابل الجلاء، فرفعت شعار الجلاء غير المشروط، ورفض مبدأ التحالف أو الدفاع المشترك .ويتأكد إخلاص صدقى لمبدأ التحالف بما ذكره فى مذكراته إذ يصف بريطانيا بأنها:(البلد العظيم صديقنا وحليفنا). (6)

وناجز الوفد حكومة صدقى العداء بما لديه من قوة شعبية وسعى كذلك إلى إفشال مساعيها فى كل الاتجاهات التى تنشدها ورفض التعاون معها مما جعله يتجه إلى الإخوان المسلمين القوة الشعبية الناشئة لتأييده.

وقد سعى صدقى فى الشهورالأولى من حكومته إلى كسب الرأى العام فى جانبه والعمل على تغيير الصورة المعهودة عنه من قبل، فقد سعت القوى الوطنية إلى التظاهر ضد الاحتلال الإنجليزى، ولم تقم الحكومة بأية إجراءات ضد تلك المظاهرات؛

لكن الإنجليز هم الذين تصدوا لتلك المظاهرات، فقد روعت البلاد يوم 21فبراير 1946 حيث قام الجيش البريطانى بالتصدى للمظاهرات فى الإسماعيلية، وكان نتيجتها سقوط 23 قتيلا و121 جريحا، وقامت المظاهرات فى البلاد مطالبة بالجلاء. (7)

مما أثار النفوس وزادها حقدًا علي الإنجليز، ومن صفاقة الحكومة الإنجليزية وعدم حيائها أنها علي أثر هذه المظاهرات، وما أزهقه هجومهم الغادر عليها من أرواح بريئة أرسلت إلى الحكومة المصرية مذكرة تطلب منها الطلبات الثلاثة الآتية:

  1. معاقبة المسئولين.
  2. دفع تعويضات عن الخسائر.
  3. المحافظة علي الأمن. (8)

وتوافقت جماعات الأمة على جعل يوم الاثنين 4 مارس يوم حداد وطنى بالإضراب العام على شهداء 21 فبراير، وقد ظهرت الأمة يوم الجلاء 21 فبراير 1946 وفى يوم الحداد العام 4 مارس بروح وطنية عالية خالية من شوائب الحزبية والانقسام. (9)

وفي جلسة مجلس النواب في 27/2/1946 كان صدقي باشا قد ألقي بيانًا صرح فيه بأنه رفض المطالب الثلاثة التي كان قد طلبتها الحكومة البريطانية عقب مظاهرات يوم 21/2/1946 فأيده المجلس . وفي اليوم التالي لمقابلة رئيس الوزراء للجنة القومية طلبت الحكومة المصرية من الحكومة البريطانية رسميًا إجلاء جنودها فورًاعن القاهرة والإسكندرية. (10)

وكان الوفد قد تخلف عن مواكبة الحركة الجماعية التي دعا إليها الإخوان وكان هو وحده الهيئة التي تخلفت عن الاشتراك في اللجنة القومية ، وقد أصدر الوفد بيانًا حث فيه الشعب علي مقاومة الحكومة الجديدة ، وأصدر الإخوان بيانًا يطلبون فيه إلي الأمة اعتبار يوم 4 مارس 1946 يوم حداد عام تكريمًا لأرواح الضحايا والشهداء الذين راحوا ضحية اعتداء الجيش البريطاني الغاشم وأعلنوا في البيان عن تكوين لجنة تمثل فيها جميع الطوائف والأحزاب لتنظيم الإضراب العام في ذلك اليوم وقد مثلت في هذه اللجنة مختلف الطوائف ، ماعدا الوفد الذي رفض الاشتراك.

ولا شك في أن إحراز هذه اللجنة التي دعا إلي تكوينها الإخوان هذا النجاح كان عجبًا لعود الإخوان المسلمين وامتحانًا خطيرًا لمدي شعبيتهم وتأثر الشعب بدعوتهم. (11)

وفى 7 مارس 1946 أى بعد تأليف وزارة صدقى بسبعة عشر يوما صدر مرسوما ملكى بتأليف الوفد الرسمى لمفاوضة الحكومة البريطانية لتعديل المعاهدة.ومع الاستمرار فى المفاوضات تبين للشعب عودة صدقى سيرته الأولى، وسار بنفس الأسلوب والمنهج القديم فى المفاوضات، وقدم كثير من التنازلات، فبدلا من التفاوض حول الجلاء عن وادى النيل، إذا به يربط مصر بانجلتر فى معاهدة جديدة ، وكأننا أمام توقيع معاهدة 1936 من جديد .

وقد قام صدقى بتوقيع المعاهدة التى عرفت باسم اتفاقية (صدقى، بيفن) فى يوم 25 أكتوبر سنة 1946 والتى رفضها سبعة من أعضاء الوفد المصرى فى المفاوضات وعددهم اثنا عشر. وهؤلاء الرافضين لاتفاقية (صدقى، بيفن) من وفد المفاوضات هم: (شريف صبرى،وعلى ماهر،و مكرم عبيد،وعبد الفتاح يحيى، وحسين سرى، وعلى الشمسى، و أحمد لطفى السيد).

وأراد صدقى أن يمارس القهر والاستبداد المعهود منه من قبل لإرغام الجميع على قبول الاتفاقية بكل ما فيها من عوار ، فأخذ يعتقل ويصادر الصحف ويرهب الجميع ظنا منه أن تلك السياسة قد تنجح فى إرغام الشعب علي القبول بها مما جعله فى مواجهة واسعة من القوى السياسية والشعبية، وإزاء الرفض الواسع لاتفاقيته مع الإنجليز مارس حرب شاملة ضد معارضيه وأعلن أن ما قام به عمل حاسم ونهائى وشامل .

وانتشرت المظاهرات المناهضة للمعاهدة فى جميع أنحاء مصر.وواضح من طابع العنف والعناد التى اتسمت بها هذه المظاهرات مقدار ما كان من إصرار على ألا ترى المعاهدة النور بأى حال. (12) وقد أدت المعارضة القوية ضد المعاهدة وسياسته إلى سقوط حكومته فى 9 ديسمبر 1946.

يقول د. يونان لبيب رزق:

" فمن ناحية رفض سبعة من الأعضاء الاثنى عشر لوفد المفاوضات مشروع المعاهدة مما أوقع حرجا شديدا بحكومة صدقى مما أدى إلى حل هذا الوفد.و سارت المظاهرات فى طول البلاد وعرضها تحتج على مشروع صدقى بيفن وترفضه.ومن ناحية أخرى فقد اختلف الطرفان المصرى والبريطانى على تفسير برتكول السودان الملحق بمشروع المعاهدة ." (13)

ثانيا:اتفاق الإخوان مع صدقى سنة 1946 حول السياسة الوطنية

الإخوان والحركة الوطنية فى عهد صدقى 1946

لم يحتمل الشعب المصرى بقاء الإنجليز بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بعد أن قدم الكثير من التضحيات ، ولم يحتمل كذلك تضييع الوقت فى مفاوضات عقيمة تكرس للاحتلال فى معاهدات جديدة ، واتجه الشعب إلى التظاهر ضد الإنجليز فى أعقاب الحرب العالمية الثانية.

وقد اشترك الإخوان فى الحركة الوطنية فى عهد حكومة صدقى ،فشاركوا فى "اللجنة القومية" التى شكلت فى اجتماع بمركز الإخوان منهم ومن مصر الفتاة وحزب الفلاح الاشتراكى وجبهة مصر التى كان على رأسهاعلى ماهر أنشأها عام 1945 ، وبعض شباب الأحرار الدستوريين والحزب الوطني؛

وقابلت اللجنة صدقى فى الأول من مارس فأظهر عطفا عليها واتفق على أن يكون محمد حسن العشماوى وزير المعارف هو ممثل الحكومة فى اللجنة ثم أعلنت بيانا بشأن الموافقة على عد 4 مارس يوم الحداد العام، وأفسحت الحكومة للجنة المجال فى الصحف لنشر بيانها فى الوقت ذاته الذى كانت فيه تمنع نشر بيانات وأخبار اللجنة الوطنية .

واشتدت المظاهرات ودعا البنا جميع الهيئات لتأليف لجنة قومية توحد القوى وتنظم الصفوف ولكنه لم يجد موزارة من الأحزاب. (14)

وفى 21 مارس أصدر مكتب الإرشاد العام بيانا ذكر فيه أنه مع حرصه على وحدة الأمة يعتذر عن عدم الاشتراك مع أى هيئة أو حزب أو جماعة فى تشكيلات أو لجان لا تحمل طابع الوحدة الكاملة الحقيقة لجميع الهيئات التى تمثل الشعب .والحاصل أنه لم يكتب للجنة القومية الاستمرار مدة طويلة ، وكان خروج جماعة الإخوان منها موهنا لقوتها . (15)

صدقى يطلب من الإخوان مساندة حكومته

تتفق المراجع جميعا فى طلب صدقى تأييد الإخوان لحكومته وموافقة الإخوان على ذلك، وتختلف فيما بينها حول طبيعته وتفسيركيفية التأييد وشروطه والذى يمكن أن يدخل فيما يعرف بالتحالفات السياسية ، وهذا معروف فى عالم السياسة فى كل دول العالم ، وليس يعنى ذلك أن التحالفات السياسية تعنى التوافق فى الاتجاهات الفكرية للمتحالفين بقدر ما تعنى الاتفاق على موقف سياسى من القضايا الوطنية فى الوقت الراهن.

يقول المستشار البشرى:

لم يكن صدقى يتمتع بقوة شعبية تسانده، لذا لجأ إلى البحث عن قوة شعبية تسانده بعد أن رفض الوفد الانضمام إليه وعما جاهدا على إسقاط حكومته.وكانت جماعة الإخوان المسلمين القوة الشعبية التى تضاهى الوفد فى ذلك الوقت.
لذا فقد سعى صدقى جاهدا لكسب تأييد الإخوان لحكومته .. بعد أن تولى صدقى الوزارة زار مركز الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين.وقد بادر الإخوان بتأييد صدقى عند مجيئه للحكم وروّجوا لما قاله فى البداية عن عزمه خدمة بلاده وعدم استعمال العنف ..
ثم يضيف تفسيرا لذلك بقوله:ورأى أن اعتماده عليهم هو خير ما يفتت الوحدة التى ظهرت بين الشباب فى مظاهرات هذه الفترة ، ورأى أن يستغل موقفهم التقليدى المعادى للوفد وللتنظيمات الشيوعية والشباب التقدمى. (16)

يقول د.محمود عساف:

"عندما كلف إسماعيل صدقي بتشكيل الوزارة في عام 1946 أخذ يبحث عمن يؤيده.وكان رجلا ذكيا فحاول أن يطوي الإخوان المسلمين بما لهم من شعبيه تحت جناحه .. زار إبراهيم رشيد زوج ابنة إسماعيل صدقي الأستاذ الإمام طالبا تحديد موعد في ذات اليوم ليستقبل فيه الإمام إسماعيل صدقي بمكتبه بالمركز العام وتم تحديد الموعد في الساعة الحادية عشرة صباحا بعد أن استشار الإمام أعضاء مكتب الإرشاد تليفونيا .
هاج الإخوان وماجوا لما علموا أن إسماعيل صدقي كان في زيارة الإمام ذلك بسبب ما هو معروف عنه من أنه لا شعبية له وأنه ديكتاتوري الطبع كاره للجماهير ويسميهم الغوغاء. قال الإمام لإسماعيل صدقي،إن تاريخه السياسي لا يشجع للتعامل معه بيد أن الإخوان لا يفقدون الأمل . (17)

ويذكر محمود عبد الحليم الاتفاق الذى تم بين الإخوان وصدقى برواية أخرى،فيقول:

وبعد سقوط وزارة السعديين ورؤى إسناد الوزارة إلي إسماعيل صدقي، ولمس في واقع الحياة المصرية أن الإخوان المسلمين صاروا العنصر الفعال والقوة الشعبية المسيطرة ورأي أنه مقبل علي مواجهة موقف خطير يتوقف عليه مستقبل البلاد الذي رشحه لهذه المهمة كان مُسَلِّمًا بهذا الواقع الجديد فترك له الفرصة الكافية للتباحث مع الإخوان في هذا الشأن . (18)

ثم يذكر الاتفاق مع صدقي علي أسس المفاوضات،فيقول:

تم الاجتماع الثاني بين الأستاذ المرشد وصدقي باشا أبلغه الأستاذ المرشد قرارالهيئة بقبول مبدأ التفاهم معه.وطلب من صدقي باشا شرح وجهة نظره فيما سيطالب به الإنجليز في المفاوضات ثم أخذ الأستاذ يشرح له وجهة نظر الإخوان والحد الأدنى الذي لا يقبل الإخوان بأقل منه من مطالب البلاد في الجلاء والاستقلال ووحدة وادي النيل .. ووافق صدقي باشا علي الحد الأدنى من المطالب الذي حدده الأستاذ المرشد وأعطي العهد والميثاق بذلك علي نفسه .

اجتماع ثان للهيئة التأسيسية:

ونظرًا لخطورة الموضوع فقد دعا الأستاذ المرشد الهيئة للمرة الثانية في ظرف نحو أسبوع ليعرض عليها ما تم الاتفاق عليه من مطالب هي الحد الأدنى لما يرتضيه الإخوان، وقد ناقشت الهيئة البنود وأقرتها، وقررت أن يكون الإخوان وراء هذه الوزارة ما سارت في الطريق الذي حدده لها الإخوان، فإذا ما حادت منه عنه فإن الإخوان يسحبون تأييدهم لها ويتخذون من المواقف ما تلزمهم به دعوتهم.
وأبلغ صدقي بالقرار، وأعلن تشكيل الوزارة التي لم يشترك فيها السعديون، وشاع في مختلف الأوساط أن هذه الوزارة مؤيدة من الإخوان .. وبالرغم مما أعده الوفد من حملات علي هذه الوزارة فإن الظروف قد استقرت لها في ظل تأييد الإخوان،واستمرت كذلك حتى بدأت جلسات المفاوضات،وهي المفاوضات المشهورة باسم " مفاوضات صدقي، بيفن " كان بيفن هذا وزير خارجية حكومة العمال في بريطانيا ، وكان من كبار الدهاة الماكرين ..
وقد استغرق تشكيل الوزارة وإجراء المفاوضات نحو عام، انتهي بإخفاق صدقي في تحقيق ما اتفق عليه من مطالب تعد الحد الأدنى لحفظ كرامة البلاد .. وحاول صدقي إقناع الشعب بأن التافه القليل الذي حققه هو نجاح للمفاوضات محاولا البقاء في الحكم..
وهنا أعلن الإخوان سحب تأييدهم له ، ولكنه أخذ في التشبث بأهداب الحكم إلا أنه اضطر أخيرًا إلي الاستقالة تحت وطأة موجات عارمة من المفاوضة الشعبية التي لم يسبق لها مثيل.ويشير إلى أن مظاهرات 21 فبراير التى شارك فيها الإخوان كانت دعما لحكومة صدقى . (19)

تأييد الإخوان لصدقى مقابل: إجلاء الإنجليز عن مصر

تم التفاق بين الإخوان وصدقى على أساس تأييد الإخوان لحكومة صدقى ظنا منهم أن ذلك يقوى موقفها أثناء المفاوضات مع الإنجليز ويحمل الإنجليز على قبول الجلاء عن مصر، وكان صدقى يريد تأييد الإخوان لحكومته بعد أن رفض الوفد التحالف مع حكومته وعمل على إسقاطها معتمدا على شعبيته خاصة أن صدقى لا يتمتع بشعبية تؤازه فى سياسته .

ويضيف د. محمود عساف:

"وعد إسماعيل صدقي بتلبية مطالب الإخوان، وكلها مطالب وطنية تتضمن مقاومة الاستعمار إلى أن يقضى عليه وتعديل الدستور بما يتفق مع الديمقراطية والسماح للإخوان بالنشاط بغير قيد وإقامة انتخابات نزيهة .. الخ
قال إسماعيل صدقي: تستطيع أن تتقدم بهذه المطالب من خلال مجلس الوزراء وأنت وزير للأوقاف. فهم الإمام من هذا أن صدقي يعرض عليه الوزارة فقال سنفكر في الأمر. (20)

ويؤكد ذلك محمود عبد الحليم فيقول:

تعهد صدقي باشا للإخوان من المطالبة الجادة القوية بحقوق البلاد أو التخلي عن الحكم إذا تعسرت الأمور ، كون وزارته من حزب الأحرار الدستوريين ومن المستقلين وكان صدقي باشا مضطرًا إلي إيجاد وزارة من هذا الحزب أو من حزب السعديين لأن الحزبين معًا الأمر الواقع يكونان أغلبية أعضاء مجلس النواب ..
وعند عرض صدقي وزارته علي مجلس النواب طالبًا الثقة بها حصل بالأغلبية وامتنع السعديون عن التصويت .. وقد احتفظ صدقي باشا لنفسه بالرياسة والداخلية والمالية وكان وزير الخارجية أحمد لطفي السيد وكان تأليف هذه الوزارة في 18/2/1946. (21)

وتأييدًا لهذه الوزارة وتثبيتًا لمركزها أمام الإنجليز قامت في 21/2/1946 مظاهرات تتسم بالقوة والنظام ، وفي الوقت الذي لم تتعرض فيه قوات البوليس لهذه المظاهرات برزت فجأة قوات من الجيش البريطاني تصدت لهذه المظاهرات وهاجمت المتظاهرين المسالمين العزل بأسلحتها وفتكت بعدد كبير منهم.

في 24/2/1946 قابل وكيل الإخوان رئيس الوزراء صدقي باشا بمكتبه بالرياسة وأطلعه علي رأي الإخوان في الموقف الحاضر وسلمه بيانًا عن الحوادث الأخيرة ورأي الإخوان فيما يجب أن يتبع حيالها.

ونورد فيما يلي نص هذا البيان:

حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا رئيس مجلس الوزراء . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعـد

فقد توليتم دولتكم الحكم والشعب يجتاز أدق مرحلة في تاريخه ، في الوقت الذي هبت فيه شعوب الأرض جميعًا تطالب بحريتها واستقلالها. ولقد دبت اليقظة في نفوس الأمة المصرية عن بكرة أبيها ، وقامت هي الأخرى تطالب بحقوقها المغصوبة ،وأجمعت بمختلف طبقاتها وهيئاتها علي ضرورة نيل هذه الحقوق مهما تكلفها ذلك من مرتخص وغال .

ولقد كان للوعي القومي في مصر واليقظة المشبوبة في قلوب المصريين أثر هائل تجاوبت به الأصداء في مختلف بلاد العالم ، وكان حريًا بالوزارة السابقة أن تستغل هذا الشعور القومي الرائع فتنتفع به في مواجهة المستعمرين وتستند إليه في مطالبتها بحقوق البلاد كاملة غير منقوصة؛

ولكنها فشلت كل الفشل في ذلك ، وظهرت علي الأمة بمذكرتها الهزيلة الملتوية ورد البريطانيين المثير علي هذه المذكرة مما أزعج النفوس وأثار العواطف ، وكان ما كان نتيجة سوء تصرفها في سياستها الداخلية فضلا عن فشلها في السياسة الخارجية ،وإساءة ممثليها في هيئة الأمم المتحدة إلي القضية المصرية خاصة وقضية الأمم العربية والإسلامية بوجه عام .

ولقد ظلت الأمة علي يقظتها وستظل كذلك حتى تتحقق لها أهدافها وفي يوم الخميس الماضي قام الشعب بمختلف طبقاته من شباب وشيب وعمال يظهرون شعورهم في إجماع رائع لم تشبه شائبه ولم يدفعه غرض مستتر اللهم إلا إعلان مطالبهم المشروعة والاستمساك بحقوقهم المغتصبة

فلم يعكر صفوه معكر حتى كان هذا الحادث المؤلم إن دل فإنما يدل علي استهتار عجيب بعواطف المصريين وتحد ظاهر لمشاعرهم وإحساساتهم إذ اعتدي علي المتظاهرين من جانب الإنجليز اعتداء ظاهرًا للعيان شهده كل إنسان؛

ولا شك أن التحقيق العادل المنصف سيثبت أن الإنجليز هم البادئون وأنهم هم المعتدون، فهذه اللوريات الضخمة الأربعة التي هجمت علي صفوف المتظاهرين من الأبرياء في شارع القصر العيني فقتلت وجرحت من جرحت بلا رحمة ولا شفقة ولا هوادة كانت الشرارة الأولي التي أثارت النفوس وطيلات الألباب .

وليت الأمر وقف عند هذا الحد بل انطلقت المدافع الرشاشة من مكانها تفتك بالمصريين العزل الذين لم يجدوا ما يردعهم عنهم غوائل المعتدين، ولولا حكمة القادة منهم وحسن توجيه أولي الأمر من رجالهم لتفاقم الخطب وعم الخطر وسادت الفوضى .

لهذا يا صاحب الدولة ولما يحمه الشعب لهذه التصرفات الجائرة لا يسع الإخوان المسلمين أمام هذه الظروف إلا أن يتقدموا للحكومة المصرية بالمطالب الآتية:

أولا: التقدم إلي الحكومة البريطانية علي وجه السرعة بمذكرة صريحة تطلب فيها الجلاء التام عن أرض وادي النيل ووحدة الوادي وحل المشاكل الاقتصادية التي تسبب عنها ما نراه اضطراب في الأسواق وكساد في التجارة وعسر مالي لا يعلم إلا الله مدي ما يجر إليه البلاد من تدهور وخطر .
ثانيا: سحب ممثلي مصر في هيئة الأمم المتحدة وهم الذين أساءوا إلي قضية البلاد وقضايا الأمم العربية والإسلامية . وإيفاد من يمثل مصر تمثيلا صحيحًا مشرفًا .
ثالثا: عرض القضية علي مجلس الأمن في أول انعقاد له إذا لم تستجب انجلترا لطلب الحكومة المصرية في موعد عاجل محدد .
رابعا: أن تطلب الحكومة المصرية من الإنجليز اعتذارًا رسميًا عن سوء تصرف الجنود البريطانيين في الحوادث الأخيرة مع دفع تعويضات مناسبة لأهالي القتلى والمصابين .
خامسا: اعتبار المدن المصرية (القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والسويس والإسماعيلية) مناطق حرام علي الجنود البريطانيين إلي أن يتم ترحيلهم إلي بلادهم .
سادسا: أن تطلب الحكومة المصرية عقد مجلس الجامعة العربية بصفة استثنائية لعرض تطورات القضية المصرية عليه واتخاذ قرار حاسم إجماعي أسوة بما اتخذ في قضايا الدول الشقيقات سوريا ولبنان وفلسطين .

هذا فيما يختص بالسياسة الخارجية والحوادث التي سببها الإنجليز ، أما فيما يختص بالموقف الداخلي فيري الإخوان:

  1. الإسراع في تحديد المسئولية في الحوادث الأخيرة التي أساءت فيها الحكومة السابقة إلي الشعب أيما إساءة حيث صادرت الحريات ونكلت بالطلبة الأطهار وأسالت الدماء الزكية ومحاكمة المسئولين والمتسببين في هذه الحوادث الخطيرة .
  2. الاستغناء عن خدمات موظفي البوليس والجيش المصري من الإنجليز .
  3. الإفراج عن جميع المعتقلين الذين زج بهم في السجون ولا ذنب لهم إلا النداء بمطالبهم والهتاف لوادي النيل .
  4. تعويض أهالي الشهداء الذين ذهبوا فداء حرية الوطن واستقلاله .

يا صاحب الدولة:

هذا ما أردنا أن نتقدم به إلي دولتكم .. وأنتم اليوم علي رأس الحكومة المصرية ، والبلاد تجتاز أدق مرحلة في تاريخها ، وسيسجل التاريخ في صفحاته الخالدات لكل امرئ ما قدمت يداه وإن مصر العزيزة التي لها من ماضيها أروع آيات المجد والفخار لترقب من أبنائها جميعًا يقظة شاملة وجهدًا متصلا حتى يتحقق لها أملها ، وتصل إلي ما ترجو من مستوي رفيع بين سائر الأمم والشعوب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (22)

ثالثا:الإخوان يهاجمون اتفاقية (صدقى، بيفن) ويدعون لإقالة صدقى

كان تأييد الإخوان لحكومة صدقى مشروط بالعمل على إجلاء الإنجليز ووحدة وادى النيل، وعند فشله فى تحقيق ذلك عليه بمصارحة الشعب كى يصبح على بينة من الأمر، ويحدد الشعب موقفه من الاحتلال، لكنه لم يفعل لا هذا ولا ذاك، ومضى فى سبيل تكريس الاحتلال بمعاهدة جديدة مما دفع الإخوان إلى إعلان تخليهم عن تأييده، ومطالبته بقطع المفاوضات مع الإنجليز، وسعى الإخوان ومعهم القوى الوطنية إلى السعى لعرقلة إتمام المعاهدة بكل السبل .

الإخوان يتخلون عن تأييد صدقى ويطالبون بقطع المفاوضات

يقول إسحاق موسي الحسيني:

ولما سارت المفاوضات فى غير مسارها رأى البنا أن يجنح إلى النصح يقدمه إلى صدقى باشا على أساس قطع المفاوضات والالتجاء إلى الجهاد السافر، واستمر نشاطهم السياسى في هذا النهج.
ورفعوا عريضة إلى الملك يعلنون فيها أن لا تعاون مع الإنجليز اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا حتى يتم الجلاء الناجز السريع من غير قيد ولا شرط. (23)

وفى ذلك يقول محمود عبد الحليم:

لما شعر الإخوان بأن الوزارة راغبة في التساهل مع الإنجليز في حقوق البلاد اعتبروا هذا إخلالا من صدقي في تعهده لهم ونكثًا منه في وعده الذي قطعه علي نفسه وأيدوه علي أساسه؛ فأعلنوا تخليهم عن تأييده،ووضح هذا في عريضة وقعوها إلي الملك في 8 أكتوبر 1946 وفي خطابه أرسلوه إلي صدقي باشا في نفس التاريخ وقد نشر كلاهما في الصحف في نفس اليوم،ونثبت فيما يلي نصهما:
إلي مقام جلالة الملك

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام علي رسوله ومن والاه والله أكبر ولله الحمد حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وبعد

فقد تتابعت الأيام والشهور ومضت الحوادث يتلو بعضها بعضًا وكلها تثبت أن المفاوضات بين مصر وبريطانيا لم تعد الوسيلة الصالحة لتحقيق مطالب البلاد، وأنها ليست أكثر من إجراء يقصد من ورائه الإنجليز التعاقد لحماية مصالح بدعوتها لا تتفق قطعًا مع استقلال البلاد وحريتها مع تفويت الفرص السانحة وكسب الوقت والعمل علي تفريق كلمة الأمة .

وقد أدرك شعب وادي النيل بفطرته السليمة هذه الحقيقة فحدد مطالبه تحديدًا واضحًا ثم انتظر وصبر طويلا حتى إذا لم يبق في قوس الصبر منزع طلب إلي الحكومة ممثلا في كل هيئاته الوطنية وصحفه وجرائده، بل علي لسان بعض أعضاء وفد المفاوضة نفسه أن تعلن فشل هذه المفاوضات وتتجه اتجاها سليما، فترفع الأمر إلي هيئة الأمم المتحدة ، وتعلن سقوط معاهدة 1936 التي أصبحت بحكم الحوادث والظروف غير ذات موضوع كما صرح بذلك معالي وزير الخارجية المصرية في مجلس النواب؛

وتطلب إلي الإنجليز وغيرهم سحب جميع القوات الأجنبية عن أرض الوادي وجوه وماله ، وتدعو الأمة وتنظم معها سبيل الجهاد للوصول إلي الاستقلال الكامل والحرية الصحيحة كما تفعل كل أمة مجاهدة نكبتها الحوادث بظلم واحتلال غير مشروع ولكن حكومة صدقي باشا الأولي والثانية لم تصغ إلي هذا الصوت القوي والوطني المخلص وأصرت علي المشي في طريقها ، حتى بعد أن سافر المفاوضون الإنجليز إلي بلادهم واعتزم صدقي باشا أن يلاحقهم إلي هذه البلاد وأن يسافر إلي لندن لاستئناف المفاوضات التي لا خير فيها ولا فائدة ترجي من ورائها .

وأمام هذا الموقف الضار بمصلحة الوطن في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلي الدقائق فضلا عن الأيام والشهور ننفقها في العمل المنتج يفزع الإخوان المسلمون إلي جلالتكم راجين أن تتفضلوا بتوجيه الحكومة هذا التوجيه الشعبي السليم أو إعفائها من أعباء الحكم والجهاد في سبيل حقوق البلاد لتنهض بذلك حكومة قوية علي هذه القواعد السليمة والأسس الصالحة .

ويعتقد الإخوان المسلمون من كل قلوبهم أنهم إنما يعيرون بذلك عن شعور أمة وادي النيل جميعًا من الشمال إلي الجنوب ،وإن جلالتكم وأنتم الوطني الأول خير من تتحقق علي يديه الآمال وتنصلح بسامي حكمته وجميل إرشاده وتوجيهه الأحوال .

وفقكم الله للخير وحقق للوادي في عهدكم الزاهر ما يرجوه من صلاح وحرية واستقلال والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

والخطاب الثانى إلى إسماعيل صدقى رئيس الوزراء،ونصه:

حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

فقد أسندت إلي دولتكم مقاليد الحكم في فبراير سنة 1946 وكانت معروفًا أن المهمة الأولي للحكومة هي مفاوضة الإنجليز لاستخلاص حقوق الشعب الحقة التي أعلنتها الأمة وسلمت بها الحكومة (الجلاء التام ووحدة وادي النيل) .

وكان المفروض أن لا تستغرق هذه المفاوضات أكثر من شهر أو شهرين أو ثلاثة في نظر أطول الصابرين صبرًا ، وخصوصًا وحقوق الوطن واضحة لا تحتاج إلي كثير من لف أو دوران .. وقد درست القضية درسًا وافيًا من الجانبين ، وضاع علي الأمة عام كامل أو يزيد بتفريط الحكومة الماضية وعدم مبادرتها إلي المطالبة بحقوق البلاد منذ وضعت الحرب أوزارها في وقت تتقرر فيه مصائر الأمم وتقف فيه الشعوب علي مفترق الطرق أحوج ما تكون إلي الدقائق والساعات لا الشهور والسنوات .

ولكن المفاوضة طالت حتى أسأمت وأملت فتوقفت واستؤنفت ثم انقطعت ووصلت ثم يتجني علينا المفاوضون الإنجليز فهزوا أكتافهم وجمعوا أوراقهم وانصرفوا عنا إلي بلادهم هازئين ساخرين .

وكان المنتظر بعد هذه اللطمة القاسية وبعد أن عبث الغاصبون بحقوقها ووقتنا ورجالنا هذا العبث وأضاعوا علينا كل هذا الوقت الطويل ، وارتفعت الأصوات من كل جانب تهيب بالحكومة أن تعدل عن هذه الخطة التي لا خير فيها ولا فائدة ترجي من ورائها .

وبلغت إليها قرارات الجمعية العمومية للإخوان رسميًا،وهي إنما تعبر تعبيرًا صادقًا عما يحتلج في صدور الأمة بأجمعها من الشمال إلي الجنوب، ووضح أن المشروع الإنجليزي والمشروع المصري لا يحققان مطالب البلاد ، ولا يريد كل منهما عن أنه تنظيم مهذب الحواشي للحماية والاحتلال ، وأن الإنجليز غير مستعدين إلي أي تغيير جوهري فيما عدا الصيغ والألفاظ .

كان المنتظر من الحكومة أمام هذا كله أن تصغي إلي هذه الأصوات الوطنية القوية المخلصة وتحترم إرادة الشعب الذي تدعي أنها تحكم باسمه وتبادر فتتخذ هذه الخطوات .

إعلان فشل المفاوضات الحالية وأنها لن تقبل بعد الآن أن تدخل مع الإنجليز في مفاوضات أخري بعد أن أثبتت الحوادث كلها أن بريطانيا لا تريد من وراء أي مفاوضة إلا التعاقد والاعتراف بمصالح تدعيها تتعارض كل التعارض مع حريتنا واستقلالنا وحقوقنا الثابتة المقررة .

وإعلان سقوط معاهدة 1936 التي ألغتها الحوادث العالمية وأقر وزير الخارجية المصرية في مجلس النواب أنها أصبحت غير ذات موضوع .

وأن تطلب إلي الإنجليز وغيرهم في عزم وإصرار سحب جميع البرية والبحرية والجوية من الوادي كله ، وإلا اعتبر وجود هذه القوات اعتداء مسلحًا علي سيادة البلاد تترتب عليه آثاره العملية من عدم التعاون مع بريطانيا ، والقانونية من قطع العلاقات الدبلوماسية بيننا وبينها .

وتدعو الأمة إلي الجهاد في سبيل حقوقها ، وتنظم وسائله وأساليبه كما تفعل كل أمة ترجو الحياة العزيزة ، وتؤثر الموت الكريم في ظل الاستشهاد علي الاستكانة والذل والاستعباد . لكن حكومة دولتكم لم تفعل شيئًا من هذا بل أصرت إصرارًا عجيبًا علي موقفها الضعيف المتـخـاذل؛

وأمعنت في الإصرار والتمسك بأهداف أمل خائب باعتزامكم السفر إلي لندن لاستئناف المفاوضات هناك ، وأخذت تكبت شعور الهيئات والجماعات والأفراد وتصادر الحريات، وتمنع الاجتماعات، وتتهيأ لقمع الحركـات الشـعـبية المخلصة بالحديد والنار .

وأمام هذا الموقف الضار بقضية الوطن ومصالحه في الداخل، وأمام قرار الجمعية العمومية للإخوان المسلمين الذي يقضي بأن الحكومة المصرية إذا أصرت علي المفاوضة ، ولم تنزل علي رأي الأمة، ولم تعلن الخـطـوات السابقة خلال شهر سبتمبر الماضي ، فإن الأمة تعتبرها متضامنة مع الغاصبين في الاعتداء علي استقلال الـوطـن وحريته وتجاهدها معهم سواء بسواء .

يسجل المركز العام للإخوان المسلمين علي حكومة دولتكم أنكم بإصرار كم هذا تضيّعون علي هذه البلاد أثمن الفرص وتكونون بذلك قد تضامنتم بقصد مع الغاصبين في الاعتداء علي استقلال الوطن وحريته وأن هذه الحكومة لا تمثل رأي البلاد في شيء، وكل إجراء تتخذه باطل أساسًا ، وعليكم أن تدعو أعباء الحكم لمن هو أقدر منكم علي سلوك النهج القويم؛

وإعلان حقوق الوطن كاملة من غير حاجة إلي تصديق الغاصبين، وتنظيم قوي الأمة لتكافح الظالمين المعتدين وستجاهد الأمة كل معتد علي حقوقها من أبنائها أو من الأجانب عنها بكل وسيلة مشروعة حتى تصل إلي ما تريد وهي واصلة بإذن الله ، والله غالب علي أمره ولكـن أكـثر الـناس لا يعلمون . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... (24)

هجوم متبادل بين صدقى والإخوان بسبب الاتفاقية

فهم صدقي باشا عقب الخطابين أنه لم يعد من سند شعبي إليه وأن الشعب الذي ظل هادئًا طيلة مدة وزارته السابقة سيتحرك، ومعروف للجميع أنه هو الحاكم الجبار الذكي القوي البارع في استقلال سلطاته الـحكومية في محاربة أعدائه السياسيين والذي طالما لجأت إلي السراي الملكية لتأديب المتمردين علي طاعتها مـن الزعـمـاء الوطنيين ..

وإذن فلابد من رجوعه إلي طبيعته وحشد قواته وتعبئة جنوده لمواجهة هؤلاء الوطنيين الجـدد .. وقـد سبق له أن أذل من هم أعظم منهم شأنًا فأدخلهم جحورهم .. وكان أن فعل صدقي ما كان متوقعًا منه فاتخذ الإجراءات الآتية:

  1. قررت الحكومة تأجيل الدراسة في الجامعة وجميع المعاهد والمدارس إلي ما بعد عيد الأضحى 9 نوفمبر أي نحوًا من شهر .
  2. في 15 أكتوبر أصدر النقراشي وهيكل بيانًا يتحديان فيه رأي الإخوان ويقولان:لقد رأينا في سفر رئيس الوزراء ووزير الخارجية الضمان الكافي لبيان وجهة النظر المصرية وكان وزير الخارجية في ذلك الوقت إبراهيم عبد الهادي .
  3. صودرت جريدة الإخوان المسلمين ، وصدر قرار حظر من النيابة يحظر نشر أية أخبار عن حوادث المظاهرات وأجري تحقيق مع وكيل الإخوان ورئيس الإخوان في الإسكندرية .
  4. أصدرت وزارة الأوقاف أمرًا إلي أئمة المساجد بعدم السماح لغير وعاظ الحكومة بالخطابة في المساجد .
  5. في 24/11/1946 سافر صدقي ووزير خارجيته الجديد إبراهيم عبد الهادي إلي لندن وأتـي بـمشـروع معاهدة أدعي فيه في بيان أذاعه أن مشروعه حقق مطالب البلاد في الجلاء ووحدة وادي النيل .
  6. أذاع مستر إتلي رئيس وزراء بريطانيا ومستر بيفن كذبا فيه صدقي من ناحية السودان وأعلنا أن بريطانيا لن تجلو عن السودان حتى لو تخلت مصر عنه.
  7. حاول صدقي عرض مشروعه علي هيئة المفاوضات فرفضه سبعة أعضاء منها، وهم المستقلون . فطلب من الهيئة إرجاء البت في المشروع حتى اجتماع آخر ثم رفض دعوة هذه الهيئة بعد ذلك .
  8. أصدر المعارضون السبعة بيانًا بأن المشروع لا يحقق أهداف مصر في الجلاء ووحدة وادي النيل ، فصـدر مرسوم ملكي بحل هيئة المفاوضات وذلك في 26-11-1946 .
  9. بعد أن تخلصت الحكومة من هيئة المفاوضات عرضت مشروعها علي مجلس النواب الذي يمثل السعديـون والأحرار الدستوريون أغلبية ساحقة فيه ، فانسحب 55 عضوًا هم أعضاء الحزب الوطني وحزب الكتلة والمستـقلون وطلبت الحكومة عقد جلسة سرية . ومنحها هذا المجلس الثقة بأغلبية 159 صوتًا . وشكر صدقي الأعضاء الـذيـن أيدوه ، وكان ذلك في 27/11/1946 . (25)

بعد حصول صدقي علي الثقة من مجلس النواب اعتقد أنه قد أضحي في مـأمن، وقد استخدم بكل ما عرف عنه من فجور كل وسائل القمع والإرهاب حتى يوقف التيار الزاحف نحوه فاعتقل الوكـيل العام للإخوان وعاث في البلاد فسادًا محتميًا في قرار حظر أنباء المظاهرات الذي أصدرته النيابة، ولكن استجوابًا قدمه النائب موريس فخري عبد النور هتك الستار الذي حاكه حول إجرامه؛

ونورد نص هذا الاستجواب الذي يقول:

" تواترت الأخبار بأن حوادث مؤلمة وقعت يوم 26 نوفمبر سنة 1946 علي طلبة أبرياء ، ومنها أن طلبة كلية العلوم بالعباسية وفؤاد الأول وفاروق الأول ومصر الثانوية والأهرام الثانوية والهندسة التطبيقية هاجمهم البوليس وقد قتل منهم الكثيرون ، كما اقتحمت دبابة مبني إحدى المدارس وأطلقت نيرانها الحامية علي الطلبة العزل فأصابـت الكثيرين ، كما قبض علي مئات في مختلف أنحاء القطر " .

وفي 2/12/1946 نشرت جريدة الديلي ويركر الإنجليزية مقالا وصفت فيه الاضطرابات التي وقعـت في مصر أخيرًا وقالت إن صدقي باشا كان محروسًا بأورطة كاملة من رجال البوليس المسلحين عندما وصل إلي البـرلـمـان لإحراز قرار الثقة الأخير . وبعد كل هذا أصر صدقي باشا علي إيفاد وزير خارجيته إبراهيم عبد الهادي إلي لندن لتوقيع المعاهدة. (26)

إزاء رفض صدقى الانصياع لصوت الشعب والنزول على رأيه ، وعودته إلى سياسة الاستبداد والقمع والإرهاب لمعارضيه فما كان من الإخوان إلا أن يشنوا عليه حربا شعواء مستغلين فى ذلك قاعدتهم الشعبية المنتشرة فى البلاد.

" واشتدت حملة جريدتهم على المفاوضات وحكومة صدقى وعلى الإنجليز بوجه خاص .. وشن عليهم صدقى باشا حملة فاعتقل عددا منهم صادر جريدتهم ثم قبض على الوكيل العام أحمد السكري وقابله الإخوان بحملة مثلها ووقعت انفجارات في القاهرة و الإسكندرية اتهمتهم الحكومة بالقيام بها، فحوصرت دورهم وفتشت،وقاد صدقى باشا حملة واسعة النطاق من القتل والتشريد تناولت خلصاء الموظفين في الدواوين والمصالح والوزارات و توعد بما هو أشد من ذل وأقسى" . (27) .

و قام مأمور مركز الخليفة بالتنكيل بجوالة الإخوان أثناء مرورهم أمام المركز . وقامت قوات كبيرة من البوليس بقيادة اللواء سليم زكي باشا حكمدار العاصمة بمحاصرة المركز العام للإخوان المسلمين بالحلمية الجديدة وبتفتيشه وتفتيش دار الجريدة والمطبعة، ولم يعثر علي شيء.

وإزاء تصاعد حدة التوتر التى عبرت عنها جريدة الإخوان المسلمين اليومية التى شن الإخوان عبر صفحاتها هجوما عنيفا على صدقى خاصة فى شهر نوفمبر والتى حمل بعض أعدادها عنوان الصفحة الأولى:(بلاغ للنائب العام ضد صدقى باشا)، وأخذوا يطالبون الملك عبر صفحات الجريدة بإقالة صدقى باشا .

ولعل لغة المعارضة والهجوم الضارى الذى شنه الإخوان على حكومة صدقى سواء فى المظاهرات التى خرجت ضد الإنجليز أو على صفحات جريدتهم رسالة إلى صدقى بأن أساليبه فى القمع والإرهاب معهم لن تخيفهم ولن ترجعهم عن المطالبة بحقوق البلاد .

الإخوان يهاجمون الإنجليز لإسقاط معاهدة صدقي

اتجه الإخوان إلى مهاجمة الإنجليز فى أمكان مختلفة من البلاد فى رسالة إلى الإنجليز وصدقى على حدِّ سواء، فيدرك الإنجليز أن الشعب لن يسكت على استمرار الاحتلال وأن حكومة صدقى لا تمثل الشعب ، وليس لصدقى السند الشعبى لإتمام المعاهدة ، ولن تستطيع حكومته السيطرة على الأمور.

ويشير محمود الصباغ أحد قادة النظام الخاص للإخوان المسلمين والمؤرخ لأعماله وأحد من شاركوا فى الأحداث التى قام بها النظام الخاص فى تلك الفترة،فيقول:

" كان لا بد للنظام الخاص وقد تطورت الأمور إلى هذا الحد أن يرى كلا من الحكومة والإنجليز أن محاولتهما لتقنين احتلال الإنجليز لمصر لن تمر دون قتال مسلح فعمد إلى:
  1. تفجير قنابل في جميع أقسام البوليس في القاهرة يوم 3/12/ 1946م بعد العاشرة مساء، وقد روعي أن تكون هذه القنابل الصوتية، بقصد التظاهر المسلح فقط دون أن يترتب على انفجارها خسائر في الأرواح، وقد بلغت دقة العملية أنها تمت بعد العاشرة مساء في جميع أقسام البوليس ومنها أقسام بوليس الموسكي والجمالية والأزبكية ومصر القديمة ونقطة بوليس السلخانة، ولم يضبط الفاعل في أي من هذه الحوادث، فاشتد رعب الحكومة من غضبة الشعب وفكرت كثيرًا قبل إبرام ما عزمت عليه، ثم توالى إلقاء القنابل على أقسام بوليس عابدين والخليفة ومركز إمبابة وعلى المعسكرات البريطانية.
  2. عمد النظام الخاص إلى إرهاب الحزبين الذين منحا صدقي باشا الأغلبية البرلمانية للسير قدمًا في تضييع حقوق مصر دون أن تقع خسائر في الأرواح، وذلك بإلقاء قنابل حارقة على سيارات كل من هيكل باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين والنقراشي باشا رئيس حزب السعديين في وقت واحد.
وقد نفذ عملية هيكل باشا الأخوان أحمد البساطي، ومحمد مالك، أما عملية قنبلة النقراشي باشا فلم تنفذ لعدم العثور على سيارته في ذلك اليوم، ولقد زادت هذه العملية من رعب الحكومة وأعوانها خاصة أن كل فئات الشعب كانت ثائرة ضد ما اعتزمت الحكومة أن تقدم عليه، فأضرب المحامون واشتدت المظاهرات؛
حتى اضطر صدقي باشا إلى النزول على إرادة الأمة، وتقديم استقالته في 9 ديسمبر سنة 1946م، ولم يكن أمام القصر بد من قبوله.. وأقرر أن التخطيط لعملية قنابل السيارات الخاصة برئيسي هذين الحزبين قد تمت بمعرفتي أنا والأخ عبد المنعم عبد الرؤوف.
وقد قمت شخصيًا بمراقبة خط سير سيارة النقراشي باشا، لوضع القنبلة عليها وأنا جالس على موتوسكل خلف قائده الأخ علي عمران من إخوان السيدة عائشة، وقد أجهدتنا المراقبة دون أن نعثر لهذه السيارة على أثر، بينما قام الأخ أحمد البساطي من ناحية أخرى بإلقاء القنبلة على سيارة هيكل باشا من مسافة بعيدة؛
عندما شاهد السيارة تقف عند باب منزل هيكل باشا، ويخرج منها ركابها، وكانت القنبلة حارقة، صوتية لا يؤذي انفجارها أحدًا ممن حولها، ولكنها لم تنفجر فاضطر الأخ محمد مالك أن يلقي القنبلة الشديدة الانفجار، التي كان يحملها لتغطية الانسحاب إذا لزم الأمر، جهة السيارة، بعد أن اطمأن إلى ابتعاد الركاب عنها، وكان توقيته دقيقًا، فأحدثت القنبلة انفجارها الشديد وخسائرها الكبيرة للسيارة دون أن يصاب أحد من الركاب الذين كانوا قد وصلوا إلى المنزل آمنين.
ولقد تعمدنا إذاعة سر هذه العملية وبيان أن المقصود منها كان رئيسي الحزبين لإرهابهما بسبب موقفهما المتخاذل في المطالبة بحقوق مصر، دون أن نوضح أي إشارة تشير إلى الجهة التي نفذت العملية، ليعلم النقراشي باشا أنه كان مقصودًا أيضًا، وأنه لم يحل دون إلقاء قنبلة على سيارته إلا عدم ظهورها في تلك الليلة، وقد تحقق الغرض المنشود والحمد لله دون أي خسائر فاستقال صدقي باشا، ولم تبرم معاهدته مع بيقين. (28)

مقاطعة الثقافة الإنجليزية (حرق الكتب الإنجليزية)

انطلاقا من سياسة الإخوان لمواجهة الاحتلال وإحراج حكومة صدقى أمام الإنجليز ، وإظهار عجزه عن قمع الحركة الوطنية الرافضة لسياسة المفاوضات والاتفاقية ، فقد قام الإخوان بالتصعيد ضد الإنجليز على المستوى الثقافى فأعلنوا عن مقاطعة الثقافة الإنجليزية وناشدوا كل من عنده كتب انجليزية التقدم بها إلى المركز العام للإخوان؛

حتى اجتمع لديهم كتب كثيرة انتظارا لحرقها، وأعلنت جريدة الإخوان المسلمين اليومية عن حرق هذه الكتب فى يوم أطلقت عليه (يوم الحريق)، وأشعلوا النيران في كومة من الكتب الإنجليزية، وفي بـاب الشعرية هاجم الأهالي مكتبة تبيع الكتب الإنجليزية واستولوا عليها وأحرقوها ..

واشتدت الحوادث ضد الإنجليز ، فقد وقعت حوادث شديدة في أنحاء القاهرة، فقد قام الأهالي بالتجمهر في ميدان سليمان باشا وكذلك في ميدان الملكة فريدة وفي شبرا، وفي بعض عربات الترام كما حطموا واجهات بعض المحلات في شارع فؤاد وفي القصر العيني قلبوا بعض عربات الترام .

وفي مساء ذلك اليوم أصدرت وزارة الداخلية ورياسة مجلس الوزراء بلاغين نسبا فيهما هذه الحوادث إلي الإخوان وتوعداهم بأشد العقوبات إذا تكـررت هذه الحوادث ... مع أن هذه الأحداث وما تلاها لم تكن إلا يقظة شعبية عامة ، ولم تكن دور الإخوان فيها أكثر من بعث الوعي الوطني. (29)

وإزاء تصاعد حدة التوتر تجاه صدقى اضطر إلى الاستقالة فى 9 ديسمبر 1946.ويقدم الأستاذ محمود عبد الحليم تفسيرا لذلك يقول:

إن إسقاط صدقي باشا لم يكن هزيمة شخصية له، بل كان هزيمة له وللحزبيْن المؤيدين له السعديين والأحرار وبين الملك من ورائهم وللسياسة الإنجليزية التي كانت متلهفة علي عقد المعاهدة في أقرب وقت ممكن تثبيتًا لمركزهم في مصر في الوقت الذي يوهمون فيه المصريين بأنهم نزلوا عند إرادته وتنازلوا عن معاهدة 1936 التي أحسوا أنها فقدت فاعليتها وآذنت بانتهاء .
وكشفت هذه الأحداث عن القوة الحقيقية للإخوان، وليس معني ذلك أن الأطراف المختلفة لم تكن تعرف أن الإخوان قوة كبيرة لها وزنها فلقد كان الكل يعرفون ولكن هذه الأحداث أسلطت اللثام عن قدر هائل فاق ما كانوا يعتقدون وتخطي ما كانوا يتصورون
ونورد فيما يلي مقالات نشرت ترجمته جريدة المصري في يوم 9 ديسمبر سنة 1946 تحت عنوان: (رأي لندن في الأحزاب المصرية)
كما أن هذه القوة التي كشفت عنها هذه الأحداث قد وضعت هذه الهيئة في وضعها الصحيح في مكان الصدارة ، فإنها جرت عليها ويلات ومصائب من كل جانب ، فالوفد أحس أن مركزه الشعبي صار في خطر وسنفرد لذلك فصلا إن شاء الله وأحس الملك أنه أصبح لأول مره وجها لوجه أمام هيئة شعبية قادرة مسيطرة لا مطامع لها في حكم ولا مناصب ، وهذه المطامع هي التي كان يقود بها الزعماء الشعبيين وغير الشعبيين من مناخرهم ليركعوا تحت أقدامه .
وأحس محترفو السياسة من الزعماء الوهميين من خدام القصر أنهم أصبحوا بذلك مهددين . وأحس الإنجليز والمستعمرين أنهم أصبحوا أمام وضع جديد يهدد سياستهم في مصر والبلاد العربية والبلاد الإسلامية . (30)

رابعا : تعقيب

يقدم الأستاذ محمود عبد الحليم تبريرا لذلك الموقف بقوله:

إن مساندتهم لحاكم أو معارضتهم لحاكم لم يكن الدافع إليها تحقيق مأرب شخصي أو نفع مادي ، وإنما كان الدافع إليها الحرص علي تحقيق مطالب البلاد ، وانتزاع حقوقها في الحرية والاستقلال .. ولو كان هدفهم شخصيًا لما أيدوا صدقي باشا أول الأمر حين قطع علي نفسه عهدًا بالعمل علي تحقيق هذه المطالب كاملة ، ولما عارضوه حين بدا منه التفريط في بعض هذه الحقوق وحين أصر علي فرض اتفاقيته القاصرة علي الشعب .
فمساندة الحاكم لمغنم تظل علي حالها لا تتغير ما ظل الحاكم قابضا علي أزمة السلطة بتأييد الملك والبرلمان حتى آخر يوم من أيامها، ولولا معارضة الإخوان لها لما تزعزع مركزها .. فإذا كان هدف الإخوان من مساندتها تحقيق المآرب وحتى المغانم لما عارضوها وزعزعوا مركزها لتظل لهم بقرة حلوبًا .. (31)

حقيقة لا يمكن أن نتهم الإخوان بالتفريط فى حقوق البلاد من أجل مصلحة شخصية تنالها الجماعة من حكومة ما،وإنما ما يمكن قواله: إن [[الإخوان] أخطأوا حين أحسنوا الظن بصدقى فى الوقت الذى ينبغى أن يأخذوا فيه الأمر بحكمة؛

فصدقى البالغ من العمر (71) عاما أحد أقطاب الرأسمالية وتاريخه معروفا بالظلم والاستبداد والقمع والإرهاب وموالاة الاحتلال الإنجليزى وله علاقة وثيقة بالمنظمات الصهيونية العالمية داخل مصر وخارجها ، وسياسته تجاه فلسطين تؤيد التقسيم قبل أن يصدر قرار التقسيم فى نوفمبر 1947 .إن تلك الصفات التى يتصف بها صدقى تتناقض تماما مع فكر الإخوان وأهدافهم السياسية داخليا تجاه القضية المصرية وخارجيا تجاه فلسطين.

يقول محمد حسنين هيكل عن علاقة صدقى باليهود والصهيونية:

وكان الملك فاروق يعرف أن صدقى باشا رئيس وزراء مصر سنة 1946 له هوى يهوديا بالمصلحة،وهوى يهوديا بالعاطفة.
فقد كان إسماعيل صدقى رئيس أو عضو مجلس إدارة لأكثر من خمس عشرة شركة يملكها أو يسيطر عليها يهود.كذلك كان على علاقة عاطفية استمرت طويلا بسيدة يهودية معروفة فى المجتمع المصرى ذلك الوقت، وهى قرينة "مزرحى باشا "...
كذلك كان الملك فاروق يعرف عن اتصالات رئيس وزرائه بالوكالة اليهودية ومبعوثها فى ذلك الوقت "إلياهو ساسون "، وكان صدقى باشا فى اجتماع مع "إلياهو ساسون " فى الإسكندرية صيف 1946 قد أبدى موافقته على تقسيم فلسطين بشرط:
  1. تأييد دولة عربية أخرى حتى لا يبدو موقف الحكومة المصرية منفردا ومعزولا عن العالم العربى .
  2. ضغط اليهود على بريطانيا فى مفاوضاتها مع حكومة صدقى .
  3. مساعدة اليهود لحكومة صدقى فى الحصول على مساعدات أمريكية .
كما ورد فى تقرير "إلياهو ساسون " بتاريخ 2 أغسطس 1946عن لقائه بصدقى باشا فى محفوظات الوكالة اليهودية برقم 25 /9076 .(32)
ألا يدل تفريط صدقى واتصال بمبعوث الصهيونيين ، وموافقته على قرار التقسيم قبل صدوره تشجيعا لليهود على إصداره وعلى إهدار وتفريط صدقى باشا فى قضايا مصر و الأمة العربية، وبالتالى لا يستحق المساندة والتأييد من الإخوان ولا حسن الظن به؟!
إن أى محاولة لتبرير تأييد الإخوان لحومة صدقى يبدو غير منطقيا ويعتبر من أخطائهم السياسية فى تلك الفترة، وقد دافع الأستاذ محمود عبد الحليم عن وجهة نظر الإخوان فى تأيدهم لصدقى وهذا حقه ووجهة نظره وأن قرار التأييد أُخذ بشكل جماعى، ومع كل ذلك يبقى تأييد الإخوان لإسماعيل صدقى عصيا على التسويغ ، من وجهة نظر الحركة الوطنية وصالح الإخوان معا .وصدقى بأى معيار من المعايير رجل المصالح الأجنبية فى مصر .
من الناحية الوطنية لم يؤثر عنه إلا العداء لكل فصائلها. ومن الناحية الديمقراطية هو من هو عداء لها . ومن الناحية الاقتصادية هو ذو العلاقة العضوية الوثيقة برءوس الأموال الأجنبية وبالجاليات الأجنبية واليهودية المهيمنة على الاقتصاد وقتها . ولم تكن شجاعة الجهر بكل ذلك تنقصه ... ومن ناحية الإسلام والتغريب لم يؤثر عنه أنه تحلّى أو تجمّل بأى من آثار الإسلام فى أى من المجالات . " (33)
فكيف يُؤيد ديكتاتور يشهد له تاريخه فى الاستبداد والقمع يريد أن يلبس ثوب الديمقراطية والوطنية ؟!،خاصة والإخوان يدركون جيدا وعبروا كثيرا على أن الاحتلال لن يخرج أبدا بالمفاوضات وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة."ولا وجه بعد كل هذه السنين الطويلة لمعالجة الأمور بروح الدفاع المطلق".
ولا مجال لتبرير خطأ مساندة الإخوان لصدقى كما يقول محمود عبد الحليم أن الوفد هو من شوه مساندة الإخوان لصدقى، لأن الوفد رأى فى موقف الإخوان المعارض لموقفه ما ينتقص من شعبيته ص366 وإذا كان حقا الوفد عارض صدقى لأنه كانوا يريد الحكم هو؛
إلا أننا لابد أن نعترف بأن الإخوان كانوا مخطئين فى تأييده،"ولا حجة تقوم بأن الإخوان كانوا محقين فى تأييد صدقى،لأنهم سحبوا تأييدهم عنه لما رأوا تهاونه.إن هذا القول يسوغ معه حمل خطإ الإخوان على حسن النية .
ولكن يبقى الخطأ خطأ. لأن ما ظهر للإخوان من تهاون صدقى فى أواخر حكمه توقعه غير الإخوان من الوطنيين من البداية،واستندوا فى توقعهم إلى أسباب سائغة من تاريخ الرجل وعلاقاته وظروف توليه الحكم وأنه ما اختير أصلا إلا لتهاونه . (34)

ولعل من المفيد أن ننهى الحديث عن علاقة الإخوان بصدقى برأى الأستاذ عمر التلمساني فى صدقى باشا ، فيقول فى (ذكريات لا مذكرات) تحت عنوان(أنا وفدى قديم):

وأنا رغم وفديتى كان لى فى المرحوم إسماعيل صدقى باشا رأى أخالف به الكثيرين ، فالحق أن صدقى باشا لم يكن محبوبا من الشعب، وكان قاسيا فى حكمه على الجماهير وكان يصف الشعب المصرى بأنه شعب كل حكومة، وقد كان مخطئا فى نظرته استبداديا فى معاملته للجماهير .
لكنى كنت أراه سياسيا واقعيا يدير سياسته على اساس من الواقع الذى يعيش فيه كانت سياسته أن الحقوق إذا استحال الحصول عليها كلها فمن الخير أن يحصل عليها جزءا بعد جزء وفى السياسة ما لا يضر إذا ما تتابعت الجهود.
ولعلنا لا ننسى أن صدقى باشا وجهت إليه اتهامات كثيرة عندما عهد بطريق الكورنيش فى الإسكندرية لشركة دانتمارو. وقد أثبتت الأيام أنها كانت اتهامات باطلة .
وها هو الكورنيش أجمل ما يزين الإسكندرية من الطرقات التى ثبت نفعها وعادت على الإسكندرية بالخير الكثير ولكن أحدا لا يذكر لصدقى باشا هذه اليد التى قدمها للإسكندرية والباقية ما بقيت الإسكندرية .
وعلى أىّ حال فإن الإخوان لعبوا دورا مؤثرا فى تاريخ مصر فى عهد حكومة صدقى سنة 1946 ، وإن أخطئوا فى نظرنا فى تأييد صدقى منذ بداية حكومته إلا أنهم غير متهمين ، وسرعان ما خاصموه واشتدوا عليه،ودخلوا معه فى مرحلة يمكن أن تسمى مرحلة الصدام والتى انتهت باستقالته ليتولى بعده النقراشي للمرة الثانية .

خامسا: المراجع

  1. طارق البشري: الحركة السياسية فى مصر (1945ـ 1952) ، دار الشروق،القاهرة، ط2، 1423 /م2002، ص 162،الفصل الخامس :حكومة صدقى والحركة الوطنية.إسماعيل صدقى باشا ولد فى 17 فبراير 1875، وتوفى 9 يوليو 1950، ويشير المستشار طارق البشري إلى أن صدقى كلف بتشكيل الوزارة، وكان رئيس اتحاد الصناعات الذى يعد نقابة الرأسماليين الكبار فى مصر وعضو مجلس إدارة نحو عشرين شركة .وماضيه السياسى ظاهر العداء للحركة الوطنية بتياراتها المختلفة ، وانصرف إلى ميدان المال، فهو من كبار رجال السياسة الرأسماليين ذوى المراكز الاحتكارية المتصلين برأس المال الأجنبى .وقد عين وزيرا للداخلية فى أول انقلاب دستورى يحدث بعد عام 1919، فكان هو الرئيس الفعلى فى الوزارة لا أحمد زيور ، ومارس أول تزييف لانتخابات مجلس النواب فى ذلك العهد ، فلما أسفرت النتيجة عن انتصار الوفد برغم ذلك حل المجلس بعد اجتماعه بساعات خارجا على أحكام الدستور ثم رأس حكومة عام 1930ليوجه الأصداء المحلية العنيفة للأزمة الاقتصادية العالمية ... وليواجه الحركة الوطنية بقيادة الوفد والحركة الشعبية بالحديد والنار، وألغى دستور 1923 ووضع بدله دستورا يزيد سلطات الملك و يقيم برلمانا صوريا منتخبا على درجتين .راجع الحركة السياسية فى مصر ص164ـ 165.وقد نُشرت لصدقى مذكرات في مجلة «المصور» قام سامي أبو النور بجمعها وتحقيقها وإصدارها في كتاب باسم «مذكراتي» ، وتناولت المراجع الأجنبية التأريخ لصدقى ، ومنها على سبيل المثال:Malak Badrawi : Isma'il Sidqi, 1875-1950: Pragmatism and Vision in Twentieth Century Egypt
  2. راجع : الحركة السياسية فى مصر ص166.
  3. الحركة السياسية فى مصر ص170ـ169.
  4. راجع : مذكرات فى السياسة المصرية ج1ص318.
  5. د. يونان لبيب رزق:تاريخ الوزارات فى مصر (1878ـ1953)، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، وحدة الوثائق والبحوث التاريخية ،1975،ص 479.
  6. طارق البشري :الحركة السياسية فى مصر ص164.
  7. عبد الرحمن الرافعي:فى أعقاب الثورة المصرية،دار المعارف،القاهرة ، ط2، 1409هـ /1989،ج3 ص191.
  8. محمود عبد الحليم:الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ، نسخة الكترونية على موقع إخوان ويكي ، مكتبة الدعوة .
  9. عبد الرحمن الرافعي:فى أعقاب الثورة المصرية ، ج3 ص194.
  10. محمود عبد الحليم: السابق .
  11. المرجع السابق.
  12. طارق البشري:الحركة السياسية فى مصر (1945ـ1952) ص196 .
  13. تاريخ الوزارات فى مصر (1878ـ1953)، ص 484.
  14. اسحاق موسى الحسينى:الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة.
  15. طارق البشري:الحركة السياسية فى مصر (1945ـ 1952) ص 139ـ140. وقد انتقد المستشار البشرى موقف الإخوان من اللجنة القومية فى الطبعة الأولى من الكتاب بقوله:المهم أن حركة الإخوان بوضعها هذا نجحت فى امتصاص جزء كبير من حيوية الشعب السياسية وأبقتها بعيدا عن المشاركة الايجابية فى أحداث الفترة. راجع:ص141ـ142 .على أنه مما يلاحظ أن جماعة الإخوان كان مسلكها يطرد على رفض الاشتراك مع غيرها من الهيئات والتنظيمات فى شمل واحد وعلى الحرص على العمل المنفرد ، وقد ساهمت فى تشكيل اللجنة القومية لتحطم اللجنة الوطنية التى جمعت حولها الكثير من عناصر الشباب فى الأحزاب المختلفة ، جذبت إليها فى اللجنة القومية حزب مصر الفتاة الذى باعد بينه وبين اللجنة الوطنية نظرة التنظيمات الماركسية له بوصفه حزبا فاشيا وجهت إليه أعنف الهجوم وتبادل معه الاتهامات كما انجذب بعض شباب الحزب الوطني وغيره بجانب العداء للوفد أو للتنظيمات الشيوعية .ولكن جماعة الإخوان كانت أول من خرج عن هذه اللجنة وحرصت على إصدار البيانات المستقلة ثم أذاعت فى 4 من مارس بيانما بأن اللجنة القومية التى دعت إليها فى 28 فبراير كانت لإظهار شعور الأمة فى حداد 4من مارس وانتهت مهتها بانتهاء هذا اليوم وأن ليس للإخوان علاقة بها ولا بغيرها.راجع أيضا ص180.ثم راجع نفسه وعدل عن رأيه فى الطبعة الثانية عن ما كتبه عن الإخوان بصفة عامة:كما أنه يتعين على غير الإخوان أن يتخذوا أسلوب إعادة التفهم ونقد الذات خصوصا بالنسبة لما عسى أن يكون خاطئا من مواقفهم إزاء الإخوان ..ثم يقول عن الإخوان واللجنة الوطنية، ص55:ويلحظ قارىء الكتاب مثلا فى وقائع عام 1946أنى اعتمدت مواقف اللجنة الوطنية للعمال والطلبة،وكان شباب الوفد والإخوان والشيوعيون قد ساهموا فى تشكيلها، ولم اعتمد من وجهة نظر الكفاح الوطنى موقف اللجنة الوطنية التى كان الإخوان أقوى المساهمين فيها ، وكان فيها حزب مصر الفتاة والحزب الوطني وبعض الجميعات الدينية ، وأيا كان وجهة الرأى فى هذا الأمر فإنى لم أفطن وقتها أن التصنيف السياسى بين اللجنتين كان يعكس بشكل ما انفصام الحركة السياسية فى مصر بين تيارات الفكر الوافد وتيارات الفكر الموروث ، .....وهذا الانقسام ذاته كان ملحوظا بين طلبة الجامعة ، وتلك ملاحظة مهمة يغفل عنها الباحث ما دام لا يدخل فى حسابه ما يمكن تسميته بالصراع بين الوافد والموروث فى الفكر والحضارة.
  16. طارق البشري : الحركة السياسية فى مصر (1945ـ 1952) ص 179 ـ 180.
  17. مع الإمام الشهيد . نسخة الكترونية على موقع إخوان ويكي ، مكتبة الدعوة .
  18. الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ .
  19. المرجع السابق.
  20. مع الإمام الشهيد.ويضيف ما حدث بينه وبين الأستاذ حسن البنا بقوله: في المساء وأثناء سيرنا من المركز العام إلى منزله سألت الإمام عن حقيقة ما يشاع حول قبولنا فقال:ما رأيك أنت؟قلت:لا بأس فهي خطوة على الطريق غير أن وزارة الأوقاف ليست من مقامنا ونحن القوة الشعبية الوحيدة التي يستند إليها إسماعيل صدقي ، فحبذا لو كانت وزارة المالية مثلا أو إحدى وزارات الدرجة الأولى . أما الأوقاف فهي وزارة من الدرجة الثالثة.(لكي ترفع درجة هذه الوزارة ضم إليها اختصاص شئون الأزهر بعد ذلك).ضحك الإمام وقال:نحن رجال دعوة ولسنا رجال حكم . ألا تعلم أن وزارة الأوقاف تسيطر على ما يقرب من عشرة آلاف خطيب مسجد؟! إن هؤلاء سوف يكونون للدعوة في كل مكان إذا تولينا وزارة الأوقاف لا للحكم من خلالها ولكن لنشر دعوتنا التي هي دعوة الإسلام . بعد أيام شكلت الوزارة ولم يكن الإمام من بين أعضائها ، وكانت تلك رحمة من الله حيث حفظت بنا الدعوة ونقاوة سمعة الإمام كنا نخشى أن يستغرقه الحكم عن العمل لها ، والله لطيف بعباده.
  21. الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ .
  22. المرجع السابق .
  23. الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة.
  24. الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ .
  25. المرجع السابق .
  26. المرجع السابق ..
  27. الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة.
  28. حقيقة النظام الخاص ، نسخة الكترونية على موقع إخوان ويكي .
  29. الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ .
  30. المرجع السابق.
  31. المرجع السابق ..
  32. محمد حسنين هيكل:العروش والجيوش ، دار الشروق، القاهرة ، ط 7 ،2002 ص35. ثم يعلق الأستاذ هيكل على ذلك بقوله: ومهما يكن فإن أهواء صدقى باشا اليهودية ليس لها أن تجعله (بظروف زمانه) وكيلا أو عميلا لأحد. ولعل الأستاذ هيكل جانبه الصواب فى ذلك فإنه نفسه يذكر لقاء صدقي بمبعوث الوكالة اليهودية وموافقته على قرارالتقسيم قبل صدوره بعام .أليس ذلك عمالة للصهيونية .
  33. طارق البشري:الحركة السياسية فى مصر ، ط2 ص 62.
  34. المرجع السابق ،ط2 ص63.