الإخوان المسلمون والمجتمع المصري
بقلم / الأستاذ محمد شوقى زكى
تصدير بقلم / الدكتور محمد كمال خليفة
الأستاذ بجامعة القاهرة والمشرف على الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
زحفت العقيدة الاسلامية على كثير من البيئات المتفاوتة فى الرقى والحضارة ، والمستويات المتنافرة فى المعيشة والتفكير وأحوال الاجتماع المختلفة ، فمن بداوة جافة تلقت الدين بما فى طبعها من صرامة فى عصور الاسلام الأولى ، حيث تمسك الناس بالنصوص والحرفيات وبالغوا فى التزام ظواهر الايات والأحاديث الشريفة .
الى طراوة مرنة فى عصور ازدهار الدولة الاسلامية واتساع رقعتها ، تحايل الناس معها فى تأويل النصوص بما يكفل لهم حريات اوسع فى الفكر ، ومجالات اوفر للنشاط فى المجتمع .
وتأرجحت العقيدة بعد ذلك بين أقوام تذبذبت آفكارهم بين هؤلاء وهؤلاء ، واخرين ليسوا على شئ من اتباع المؤمنين ولا اجتهاد المفكرين ، ولكنهم على جهل أرادته لهم الأهواء الحكنة ، والأطماع الظالمة ، فكان الخنوع والاستسلام لبطش الحكام ، وكان الزيغ عن سواء العقيدة وطريقها القويم .
وكانت النتيجة الطبيعية بعد ذلك ، وهى انهيار الدولة الاسلامية كدولة لها شأن وسلطان ، بعد أن تخلى عن أهلها سند العقيدة وقوة الايمان " وترنح المجتمع الاسلامى فى تلك العصور بين الامن والخوف كما تأرجحت دويلاته الصغيرة بعد ذلك بين القوة والضعف ، الى ان اطبق الغرب فكيه فى النهاية فاتى عليها جميعا ، ولفظت الامبراطورية الاسلامية أنفاسها الأخيرة .
ودار الزمن دورته ، وآن الأوان للمشرق كى يبعث من جديد ، فكانت لكك الصيحات الثائرة من هنا وهناك ، وكان من أقواها صيحة الأفغانى .
التى كانت شعلة النور الأولى بعد ظلام دامس طويل وجاهد الرجل أعنف جهاد ليعيد إلى الاسلام مكانه فى المجتمع ، وصارع الفساد السياسى فى كل أنحاء ا العالم الاسلامى باسم الدين ، وكافح الرجل حتى قضى ولم بسمع عن كفاحه الا خاصة أهل زمانه وهكذا مضى جمال الدين وخلف من بعده حفنة من الرجال .
وحاء محمد عبده . ليسير مع الأفغانى فى نفس الطريق بادىء الأمر ، ثم يؤثر فى النهاية لونأ هادئا من الكفاح العلمى هو فى نظره اجدى على الدين والمجتمع ، ومضى الرجل بعد أن بعث نهضة فكرية لا زال الفكر الاسلامى مدينا لها ، ومجموعة من المريدين على طريقنه العلمية وثروة من الكتب والمؤلفات الاسلامية .
وجاء حسن البنا ليأخذ من هذا وذاك ، يسلك طريقا شعبيا يكفل العصبة المؤمنة ، وطريقة تعيلمية تنشر العقيدة المسلمة ، والفهم الصحيح الشامل للإسلام ونظامه ، وأخذ يكافح فى سبيل ذلك كفاحأ أدهش الجميع ، حتى ركز للاسلام مكانته فى المجتمع وكل ذلك بتلك البساطة المعجزة فى اقناعها ، وبذلك الأسلوب الممتع فى سهولته ، وبذلك المنطق الذى أرضى العامة والخاصة ، وبتلك الروح الانشائية التى تهدف الى المبادىء الأساسية للاسلام فتركزها وتبعد عن الخلافات الفرعية وتتجنبها ، حتى اكتسب ثقة الجميع ومحبتهم ، وكون بتلك المجموعة من الشباب المؤمن التى كافحت ولا تزال فى سبيل استخلاص الحقوق الوطنية ، وإنقاذ الكرامة العربية وشهد لها الأعداء والأصدقاء .
ثم اتجه اتجاها علميا فى اصلاح ، المجتمع فأقام المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتربوية باسم الاسلام ، حتى عادت الثقة شيئا فشيئأ الى النفوس ، وترعرعت نبتة الايمان الكامنة فى القلوب ، ووصل الناس الى مرحلة من فهم الاسلام الكامل الشامل كما يفهمه الإخوان وكما كان فى عهود الصدر الأول للاسلام ، وهكذا ادى الرجل رسالته حتى قضى وقد خلف من بعده جيلا من الايمان يسعى على الأرض تحوطه ظلال الوحى وأنوار النبوة الكريمة وأمثلة حية للرجولة المؤمنة والكفاح المجيد .
وقد تناول الكثيرون موضوع الكتابة عن حسن البنا وعن الدعوة التى أسسها ( الإخوان المسلمون ) ولعل دعوة فى مصر بل فى الشرق كله لم تظفر بما ظفرت به دعوة الإخوان ، من كثرة الأقلام التى تناولتها ووفرة الرسائل التى بسطتها غير أن كثيرا من تلك الرسائل تناولها بأسلوب العرض الحماسى الذى يصدر عن دافع الايمان الملتهب بخلاف القلة التى تناولت الدعوة بالطريقة العلمية التى تصدر عن العقل الممحص الذى يعتمد أكثر ما يعتمد على الحقيقة المجردة يعرضها فى بساطة ، والبيانات الحقيقية ينقلها فى صراحة ولعل هذه الرسالة من تلك الصنف الأخير ، كما ان كثيرا من البيانات الاحصائية الواردة بها قد جمعت لأول مرة من الميدان لا من المراجع ، فكانت سابقة فى هذه الناحية .
ولهذه الأسباب مجتمعة ، فقد كنت مرحبا بالاشراف عليها ، سعيدا بما بذلت فيها من جهد ، ونظرا لما لسمته فى كاتب الرسالة من نشاط وافر ، واستعداد طيب ، وعقلية علمية تهدف الى رصد الحقائق فى غير مبالغة ، وسرد الشواهد فى أمانة ودقة ، فقد طلبت اليه أن يبذل فيها جهدا مضاعفأ ، على انها رسالة تشرح فكرة ، لا على أنها رسالة يجتاز بها امتحانا ، أو يحصل بها على شهادة ، وأعتقد أنه قد قام بذلك خير قياسم ، فى حدود الوقت المضروب للرسالة ، والامكانيات الفردية المحدوة ، مما يجعلنى احيى الجهد الكبير الذى بذله فيها ، والروح المنصفة التى سطرها بها ، واترك الرسالة بعد ذلك للقارىء تقدم اليه نفسها ، تاركأ له الحكم بعد ذلك لها أو عليها .
مقدمة
من الأمور ما ترسمه لنفسه ، فتخطه على مهل ، ولكسنه على أسلوب ، وتعالجه على طريقة ، وتفنن فى ابداعه فنونا .
ومن الأمور ما يرسمه لك القدر ، فيحدد لك الزمن ، ويعين لك الطريقة ، ويرغمك على أسلوب ، فلا تملك الا أن تخضع للقدر وتذعن للمشيئة .
ومن المألوف أن تجبر النفس على ما تكره ، وأن يختار الانسان لنفسه ما يحب ، حتى يجد لمواهبه متنفسا فى ذلك العمل الذى صدر عن نفسه اختيارا ، لا عن غيرها اجبارا .
لا غير أن الأمر على النقيض من ذلك فى هذه الرسالة ، فقد أجبرت عليها على غير كراهية لموضوعها ، بل كنت أتمنى أن اختارها لنفسى ، وأن يكون الوقت فى ملكى ، -فأعطيها حقها من الاتقان بما يتناسب مع ما لها من المكانة والجلال . غلعر أنى كنت مجبرا على الكتابة فيها لألها كانت الحل الوحيد لاشكال وقعت فيه ، فما هو هذا الاشكال ؟ .
كان ذلك فى نوفمبر عام 1952 ، وكنت اذ ذاك فى السنة الرابعة بمدرسة الخدمة الاجتماعية بالقاهرة ، وأعلنت ادارة المدرسة أن الوقت قد حان ليقدم كل طالب مشروع رسالته ، وكان الاشكال ان الرسالة لا بد وأن تتناول موضوعأ اجتماعيا لم يسبق لأحد أن قدم رسالته فيه ، وكان الحل بالنسبة الى هو ما اقترحه على الزميلان العزيزان الاستاذ محمد صبرى الخولى - والأستاذ محمد فتحى شحاتة من الكتابة فى موضوع الإخوان ، فلما تساءلت مستبعدا الموافقة على الموضوع ، كان الجواب : أن الوقت الذى كان يحتمل فيه مثل ذلك قد مضى ولن يعود .
وكأنى كنت ذاهلا عن الزمن وأنه قد تغير ، فانتبهت فجاة وقد انتعش كيانى وعقلى جميعا ، وفى دقائق عشر سطرت مشروع الرسالة كما هو مبين بالفهرس ، وكان أن كتب له القبول .
ثم رجعت أتأمل تلك الكلمات التى سطرتها فى مشروع الرسالة فوقفت حائرا أمام الموضوعات الضخمة التى حملت نفسى اياها بتلك السهولة ، ولولا بقية من ايمان ، وفضل من ثقة ، لتراجعت عن المضى فيها ، ولكنى عزمت امرى على أن أبدأ بأولها وأصعبها - تاريخ الدعوة - فكانت تجربة قاسية حين قضيت أكثر من شهر بلا طائل أبحث عن مراجع تاريخية يطمأن اليها ولم يسعفنى إلا تلك البحث القيم الذى سبق به الدكتور / اسحاق موسى الحسينى " ( الإخوان المسلمون كبرى الحركات الاسلامية الحديثة ). و ( مذكرات حسن البنا ) طبعة سوريا التى وافانى بها مشكورا الأستاد محمود نفيس حمدى ، وكان اعتمادى رئيسيا عليها فى الجزء التاريخى ، وتتابعت سلسلة الكفاح بعد ذلك فى سبيل الحصول على جميع الرسائل الإخوانية ، وجميع البيانات الاحصائيه .
وكان للأستاذ المشرف على الرسالة - الدكتور محمد كمال خليفة - مدبر عام الطرق والكبارى ، والأستاذ بجامعة القاهرة ، وعضو لجنة الدستور ، وعضو مكتب الارشاد العام للاخوان المسلمين فضل كبير فى أن تظهر الرسالة فى الثوب العلمى الذى ظهرت فيه ، وذلك بما تعهدنى به من التوجيهات السليمة ، والآراء الحكيمة ، والمراجع النفيسة . ولم يقف أمام عمل استفتاء ( Questionnaire ) لعمل تقييم أو تقويم (Evaluation ) لفكرة الإخوان وأثرها فى المجتمع المصرى ، الا ما تبين من استحالة وجود عينة غير متحبزة لمثل جميع الاتجاهات فى المجتمع المصرى ، وما اتضح من أن طريقة المسح الاجتماعى (Social Survey) للمجتمع المصرى كله ، هى الطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك الأئر ، وهذه الأخيرة لا يستطيعها إلا بضع مئات من الباحثين الاجتماعيين ، يحتاجون لعام على الأقل لاتمام ذلك العمل ، فانتهت الآراءإلى أن أقوم بجمع البيانات الاحصائية للخدمات التى يؤديها الإخوان للمجتمع فى أوجه النشاط المختلفه فى مدينة القاهرة وبندر الجيزة ، وهو ما قمت به وأثبته فى الباب الثانى .
وتولى مناقشة الرسالة الأستاذ الكبير محمد عبد الواحد خلاف - مدير عام التعليم الابتدائى ( بالمعاش الان ) - وامتدت المناقشة قرابة ساعتين ، وتضمنت سلسلة من المقارنات بين الحركات السياسية وحركة الإخوان ، وبين زعماء الفكر الاسلام والأستاذ البنا ، وتشعب الحديث إلى نواح كثيرة أسجل منها لأهميتها ما أثير حول ماهية فكرة الإخوان ، والمدرك الكلى ( Concept) للفلسفة الإخوانية ، وكان الجواب أن ماهية الفكرة والمدرك الكلى لفلسفتها هو الاصرار على ان الاسلام كل لا يتجزأ ، تماما كما تصر تلك المدرسة الألمانية لعلم النفس " مدرسة الجشطلت " على أن السلوك هو كل بنتظم تدريجيا أثناء لكييف الكائن الحى نفسه للبيئة التى يعيش فيها .
وكان مما نلته من تشجيع الأستاذين الكبيرين ، الأستاذ المناقش والأستاذ المشرف - عقب انتهاء المناقشة - ما حدا بى إلى طبعها وكان من تقديرهما لشخصى الضعيف ، ولمجهودى المتواضع ، أن نالت هذه الرسالة85 بالمائة من مجموع درجاتها ، وهو ما يعادل تقدير " ممتاز " كما هو الحال فى سائر المعاهد العليا والجامعات ، غير أن التقديرات رفعت ابتداء من ذلك العام بالنسبة لمعاهد الخدمة الاجتماعية ، فأصبح تقدير " ممتاز" يبدأ من 90 بالمائة ، وعلى هذا اصبح تقدير الرسالة " جيد جدأ " والحمد لله على كل حال
ولست أقول ذلك اعتقادا منى بكمال هذه الرسالة وامتيازها ، وإنما هو مجرد نسجيل للحقيقه والتاريخ ، وأنا أقرر سلفا أن هناك أبوابا كثيرة لم تستوف حقها من البحث والاستقصاء ، وخاصة فى الفصول الأخيرة ، حيث أرغمنى ضيق الوقت على اقتضابها لأدرك آخر موعد لتقديم الرسالة ، ويسرنى بهذه المناسبة أن أعلن ترحيبى الكامل بكل نقد من أى شخص كائنا من كان لأتعرف به على أخطائى ، ويسترشد به الباحثون من بعدى فى نفس الموضوع ، أو فيما يتصل به من قريب أو بعيد .
ولا يفوتنى فى الختام أن أقدم أجزل الشكر الى الساده الفضلاء من الإخوان الذين أعجز عن شكرهم باسمائهم ، والذين تفضلوا بمعاونتى فى الحصول على الرسائل أو فى جمع البيانات ، واقدم شكرى الخاص للاستاذ أحمد أنس الحجاجى ، لتشجيعه المستمر ، وتفضله بما كان ينقصنى من مؤلفاته التى نفدت والتى كانت من المراجع الهامة للرسالة .
و فقنا الله جميعا الى عمل الخير ، وخير العمل ، وهدانا لما فيه صالح المجتمع ، وسعادة البشرية .
الباب الأول : عرض عام لدعوة الإخوان المسلمين
الفصل الأول : تاريخ الدعوة.
الفصل الثانى : فلسفة الإخوان ومبادئهم .
الفصل الثالث : التنظيم الادارى لهيئة التمويل.
الفصل الأول : تاريخ الدعوة
1 - أردت أن أكون موضوعيا فى هذا البحث ، فأتحدث عن تاريخ الإخوان كفكرة سيطرت على أذهان كثير من المسلمين فى مصر ، وتوسعت دائرتها حتى شملت كثيرا من الأقطار العربية والاسلامية فحاولت أن أفصل بين تاريخ هذه الدعوة وتاريخ أى شخص آخر ولو كان مؤسسها وباعث فكرتها ، ولكنى وجدت أن هذا ضرب من المستحيل أولا كما رأيت أنه سوف يتنافى مع موضوعيتى ثانيا إذ إنى بعد أن قرأت عن تاريخ دعوة الإخوان ما قرأت ، وجدت أنها كانت أولأ وقبل كل شئ فكرة ناشئه مع الأستاذ " الإمام حسن البنا " .
2 - نشأت معه فى صباه فكانت ثورة على كل مظاهر الفسق والتحلل ، دفعت بالصبى الصغير " حسن البنا " وهو إذ ذاك تلميذ فى المدرسة الإعدادية - مدرسة الرشاد الدينية - إلى أن يثور عند رؤيته تمثال خشبى عار على صورة تتنافى مع الآداب معلق على سارية إحدى السفن الشراعية على شاطىء ترعة المحمودية : فيندفع الصبى الصغير بفطرته السليمة ، وطبيعته المستقيمة ، إلى ضابط النقطة ليبلغه ما رأه معلقا عليه باستنكار . فيستجيب الضابط الصالح لتلك الغيرة المؤمنة ، ويقوم من فوره إلى حيث يهدد صاحب السفينة ويأمره بإنزال التمثال فى الحال وكان له ما أراد .
3 - هذه الثورة التى اشتعلت فى نفس الصبى الصغير ظلت متوقدة على حالها ولم تهدأ لحظة من حياته ، ولم يعجبه ذلك الإيمان الخامل الذى لا يدفع صاحبه للعمل لكى تكون عقيدته مطبقة قولا وعملا مسيطرة على سلوك الناس فى حياتهم الخاصة . وفى مجتمعهم العام . وتبلورت شعلة الإيمان المقدسة فى نفسه على مر الأيام ، فاستطاع أن يترجمها إلى عباراته القوية فيما بعد ، حيث يقول : " والفرق بيننا وبين قومنا ، أن الإيمان عندهم إيمان مخدر نائم فى نفوسهم لا يريدون أن ينزلوا على حكمه ، ولا أن يعملوا بمقتضاه على حين أنه إيمان ملتهب ، مشتعل ، قوى ، يقظ ، فى نفوس الإخوان المسلمين .
4 - ويبدو أن مقومات الزعامة والقيادة كانت متوفرة لدى الأستاذ " البنا " ، من عهد حداثته ، ففي هذه المدرسة الإعدادية بعينها كان التلميذ " حسن البنا " متميزا بين زملائه ، مرشحا لمناصب القيادة بينهم ، حتى إنه عندما تألفت فى المدرسة جمعية الأخلاق الأدبية ، وقع اختيار زملائه عليه ليكون رئيسا لمجلس إدارة هذه الجمعية .
5 - وكأن المقادير كانت تعطيه فرصة المران على القيادة من صغره ، وتنمى فيه ذلك الاستعداد للتوجيه والإرشاد . ولعل المصادفة العجيبة هى أيضا التى اختارت له المدرسة ،( مدرسة الرشاد الدينية ) لتكون مدرسته الإعدادية . حتى يكون إعداده من أول نشأته ، مناسبا لذلك الدور الخطير الذى ينتظره ليتولى مهمة الإرشاد العام لأكبر حركة دينية فى مصر ، وليكون المرشد العام للاخوان المسلمين .
غير أن تلك الجمعية المدرسية لم ترض رغبة هذا الناشىء وزملائه المتحمسين ، فألفوا جمعية أخرى خارج نطاق مدرستهم سموها " جمعية منع المحرمات )، وكان نشاطها مستمدا من اسمها ، عاملا على تحقيقه بكل الوسائل ، وكانت طريقتهم فى ذلك هى إرسال الخطابات لكل من تصل إلى الجمعية أخبارهم بأنهم يرتكبون بعض الاثام ، أو لا يحسنون أداء العبادات .
6 - ثم تطورت الفكرة فى رأسه بعد أن التحق بمدرسة المعلمين بدمنهور ، وانتسب إلى الطريقة الحصافية ، فأعجب بشيخها وتأثر به تأثرا كبيرا ، فألف مع جماعة من الإخوان الحصافية ( الجمعية الحصافية الخيرية )، وتولى هو سكرتير هذه الجمعية التى زاولت عملها فى ميدانين مهمين :
الأول : نشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة ، ومقاومة المنكرات والمحرمات الفاشية .
والثانى : مقاومة الإرسالية الإنجيلية التبشيرية ، التى هبطت إلى البلد واستقرت فيها ، تبشر بالمسيجية فى ظل التطيب وتعليم التطريز وإيواء الصبية من بنين وبنات .
7 - وبعد أن انتقل إلى القاهرة وانتسب إلى مدرسة دار العلوم العليا ، بعد انتهائه من الدراسة فى مدرسة المعلمين بدمنهور . اشترك فى جمعية مكارم الأخلاق الاسلامية ، وكانت الجمعية الوحيدة الموجودة بالقاهرة فى ذلك الوقت . وكان - يواظب على سماع محاضراتها ، كما كان يتتبع المواعظ الدينية التى كان يلقيها فى المساجد حين ذاك نخبة من العلماء العاملين .
8 - غير أن ما راه فى القاهرة من مظاهر التحلل والفساد والبعد عن الأخلاق الاسلامية ، جعلته يفكر فى أن المساجد وحدها لاتكفى فى إيصال التعاليم الاسلامية إلى الناس . وهنا تبدو عقلية البنا المبتكرة ( ! ! ) إن الجمهور الذى لا يغشى المساجد ، أشد حاجة إلى الوعظ من جمهور المساجد ، فهو منقطع الصلة بالدين ، بعيد عن سماع الموعظة ، فلماذا لا تنتقل الموعظة إليه ؟!! وكان أن اقترح على جماعة من زملائه بدار العلوم ، وبعض أصدقائه لا الأزهريين ، أن يخرجوا للدعوة فى القهاوى والمجتمعات العامة فعجبوا لفكرته واستنكروها أول الأمر ! ! ، وانتهى الجدل بينهم أن تكون التجربة هى الحد الفاصل بين المضى فيها أو الإقلاع عنها . وكان أن نجحت التجربة نجاحا عظيما شجعهم على الاستمرار فيها . وانشعبت منهم شعبة تتولى نشر الدعوة الاسلامية فى الريف والمدن أثناء الإجازة الصيفية . وأفادوا من هذه التجربة كسب الثقة النفسية ، وحسن الأحدوثة فى الأوساط الشعبية .
9 - ثم كان أن اجتاحت مصر موجة من الإلحاد والإباحية ، على أثر الانقلاب الكمالى فى تركيا وإلغاء الخلافة الاسلامية ، وفصل الدولة عن الدين ، ووضعت نواة الحزب الديمقراطى فى مصر ، الذى مات قبل أن يولد ، ولم يكن له منهاج إلا الدعوة إلى الحرية والديمقراطية بهذا المعنى المعروف حينذاك : معنى التحلل والانطلاق . وظهرت كتب وجرائد ومجلات ، لا هدف لها إلا إضعاف أثر الدين ، والقضاء عليه فى نفوس الشعب ، لينعم بالحرية الحقيقية فكريا وعمليا فى زعم هؤلاء الكتاب والمؤلفين .
10 - وكان لهذه الموجة الإلحادية فى الأوساط الاسلامية عامة وفى نفوس الأستاذ " البنا " خاصة ، رد فعل قوى ، فكان يتحدث عن شعوره لكل المتصلين به من الزملاء ، ولكل من يعرفه ويمكنه الاتصال بهم من الشيوخ والعلماء . وكان ممن اتصل بهم المرحوم السيد محمد رشيد رضا ، والمرحوم الشيخ الدجوى والأستاذ الأكبر محمد الخضر حسين - شيخ الأزهر الحالى - والأستاذ الكبير السيد محب الدين الخطيب . وكان يتحدث معهم دائما فى ضرورة مواجهة- الموقف بعمل إيجالى ، وكان أن انتهت هذه الجهود إلى نتيجة طيبة " وأثمرت صدور مجلة الفتح ثم جمعية الشبان المسلمين فيما بعد "
11 - ويبدو أن فكرة الإخوان قد تبلورت فى رأسه أول ما تبلورت وهو طالب بدار العلوم . فقد كتب فى موضوع إنشائى كان عنوانه ، ما هى امالك فى الحياة بعد أن تتخرج ؟ فقال :
" إن أعظم امالى بعد إتمام حياتى الدراسية أملان :
خاص : وهو إسعاد أسرتى وقرابتى ما استطعت إلى ذلك سبيلا إلى اكبر حد تسمح به حالتى ويقدرفى الله عليه .
عام : وهو أن أكون مرشدا معلما ، إذا قضيت فى تعليم الأبناء سحابة النهار ، ومعظم العام ، قضيت ليلى فى تعليم الآباء هدف دينهم ، ومنابع سعادتهم ، ومسرات حياتهم تارة بالخطابة والمحاورة ، وأخرى بالتأليف والكتابة ، وثالثة بالتجول والسياحة .
12 - وقد يعجب الكثير أن تكون هذه آمال طالب فى مقتبل الشباب حيث !!! الغرائز مستعرة لا تطلب إلا الإرضاء !! ، والنزوات مشتغلة لا تطلب إلا الإطفاء ، والشباب فوار ينشد المتعة من أى طريق !! ، ولكن عجبهم سيزول إذا علموا أن " حسن البنا " منحدر من أسرة دينية عريقة فى التدين ، فوالده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا عالم محقق ، له مؤلفات فى السنّة مطبوعة ، أخذت مكانتها العلمية " ومنها كتاب الفتح الربانى فى شرح مسند الإمام أحمد ، بعد تنظيمه وتبويبه بما لم يسبق به ، ومسند الشافعى ، وغير ذلك ،) وعلى هذا فقد تكاتف عامل الدم والوراثة ، مع عامل البيئة ، على تكوين الأستاذ " البنا " ، وتوجيهه إلى الاتجاه الذى انهى به إلى أن يسلك طريق الدعوة الاسلامية.
كما أن حاجات المجتمع المصرى فى ذلك الوقت ، كانت تتطلب إصلاحا قائما على أسس دينية ، لما كان شائعا من انحلال وفوضى خلقية ، واضطراب اجتماعى - كا سبق أن ذكرنا - ولا علاج له إلا عن طريق المثل العليا ، المستمدة من عقيدة لها صفة القداسة فى النفوس .
والمتتبع بعد ذلك لتاريخ الأستاذ ،( حسن البنا )، يجد أنه لم يخرج عن ذلك البرنابج الذى رسمه لنفسه وهو طالب ، فى هذا الموضوع الإنشائى بالذات فقد رسم فى أمله العام الغاية التى يسعى لتحقيقها وهى تعليم الناس هدف دينهم ، ومنابع سعادتهم . والوسيلة وهى :
ا لخطا بة ، والمحا ورة ، و التأليف ، والكتا بة ، و التجو ل ، والسياحة وأستطيع أن أقول إن وجدان الأستاذ " البنا " ظل مرتبطا بهذا الموضوع الإنشائى حتى كأنه وجد نفسه فيه ، واكبر دليل على ذلك أنه رفض أن يسمى نفسه فيما بعد رئيسا للاخوان متمسكا بكلمة المرشد التى وردت فى مطلع أمانيه فى ذلك الموضوع التاريخى .
وحصل الأستاذ " البنا ،، على دبلوم دار العلوم العليا فى سنة 1927 ، وكان أول دفعته وعين فى وظيفة مدرس بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية الأميرية . 13- وسافر إلى الإسماعيلية فى 19 سبتمبر سنة 1927 وكان إذ ذاك فى الحادية والعشرين من عمره .
14- ولما استقر به المقام بالإسماعيلية أثر فى نفسه ما راه من الاستعمار العسكرى المتمثل فى المعسكرات الإنجليزية بالقنال ، والاستعمار الاقتصادى المتمثل فى شركة قناة السويس ، ثم ساءه أن يعرف أن المسلمين فى البلد منقسمون بسبب خلافات دينية . نتيجة تعصب كل فريق لرأى خاص . فكان أن اعتزل جمهور المسجد ، وعاد إلى جمهور المقاهى مرة أخرى .
15 - واختار لذلك ثلاثة مقاهى كبيرة تجمع ألوفا من الناس ، ورتب فى كل منها درسا فى الأسبوع ، وأخذ " يزاول التدريس بانتظام فى هذه الأماكن . وكان يتحرى الموضوع الذى يتحدث فيه جيدا حتى لا يتعرض لبعض النواحى الخلافية ، كما كان فى نفس الوقت يضرب لهم مثلا لتسامح علماء المسلمين فى الصدر الأول مع بعضهم مع اختلافهم فى الاراء . وكان أن عمل هذا الوعظ عمله فى نفوس المستمعين وبخاصة المواظبين منهم ، فأخذوا يفيقون ويفكرون ، ثم تدرجوا من ذلك إلى سؤاله عما يجب أن يفعلوا بحق الله عليهم ، وليؤدوا واجبهم نحو دينهم وأمتهم .
6 1 - وفى ذى القعدة سنة 1337 هـ - مارس 1928 م زار الأستاذ " البنا " بالمنزل حضرات حافظ عبد الحميد - وأحمد الحصرى وفؤاد إبراهيم - وعبد الرحمن حسب الله - وإسماعيل عز - وزكى المغربى . وجلس هؤلاء الستة يتحدثون إليه وفى عيونهم بريق العزم ، يسألونه عن الطريقة العملية لعزة الاسلام ، ويحملونه مسئولية العمل والقيادة والتوجيه . فتقبل هذه المسئولية بصدر منشرح ، وكانت بيعة بينهم جميعا فى أن يعملوا للإسلام والمسلمين وقال قائلهم : بم نسمى أنفسنا ؟ جمعية ، نادى ، طريقة ، نقابة ، حتى نأخذ الشكل الرسمى؟ .
وررد عليه الأستاذ " البنا " : لا هذا ولا ذاك ، دعونا من الشكليات والرسميات ، وليكن أول اجتماعنا وأساسه الفكرة ، والمعنويات ، والعمليات ، نحن إخوة فى خدمة الاسلام ، فنحن إذن " الإخوان المسلمون " .
وجاءت بغتة ، وذهبت مثلا ، وولدت أول تشكيلة للاخوان المسلمين من هؤلاء- الستة ، حول هذه الفكرة ، على هذه الصورة ، ، بهذه التسمية .
17 - وهكذا غرست البذرة الأولى لفكرة الإخوان المسلمين فى أرض طيبة من هذه القلوب الستة ؛ امنوا بها ، وعاهدوا الله على الجهاد فى سبيلها ، فكانت تلك الثمار المباركة لوفائهم وإخلاصهم ، وكان ذلك التوفيق والنجاح الذى حالف الدعوة وقائدها فيما بعد ، ولا غرو فذلك مصداق الاية الكريمة : ( ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) . ولبث الأستاذ "البنا" يعمل لدعوته صامتا بغير ضوضاء ولا ضجيج ، ولا دعاية ولا تهريج ، وكسب من وراء ذلك لنفسه ولدعوته الكثير فسارت الدعوة فى طريقها تكسب كل يوم مزيدا من الأنصار والجنود ، وذلك بفضل إخلاصه العميق ، وفهمه الدقيق للفكرة وأهدافها ، وكان يغريه النجاح على مواصلة الكفاح ، ويدفعه الإيمان بالفكرة والحماسة لها على الفناء فى سبيل نشرها ، وعلى توسيع نطاق البيئة التى يعمل فيها . فلم يترك قرية ولا بلدة ولا دسكرة ولا كفرأ إلا زاره وبات به واجتمع بالناس فيه ، فى مساجدهم وبيوتهم ودورهم . ولكن المسجد كان مقره الأول ، يجد فيه أمانا وسترا ، ومن يستطيع أن يعترض مصليا فى محرابه أو مدرسا أو واعظا فى مسجده ؟!.
18- وكانت أسفاره فى عطلته الأسبوعية ، وفى عطلته السنوية فى الصيف ، ففى الأولى - يزور البلاد القريبة ، وفى الثانية البلاد البعيدة ، وظل فى هذه المدة كلها مواظبأ على التدريس فى مدرسته الابتدائية ، لايتعلل بمرض .أو بعذر طارئ ، وربما زاده عمله المدرسى منعة وتسترا . وكانت مواظبته على التدريس بالمدرسة بالإضافة إلى ما كان يتحلى به من تواضع طبيعى غير متصنع ، خير معوان له على عدم استثارة الحاسدين والحاقدين ، والأنانيين المحطمين ، الذين لا يريدون أن يرتفع صوت غير صوتهم !! ، أو الذين يسيئون الظن بالناس !! ولا هم لهم دائنا إلا التجريح والتحطيم !! . وكان معظم من استجاب لدعوته من طبقة العمال ، وكانت شعبيته المثالية خير معوان له على نجاح دعايته فى هذه الأوساط ، فكان يخاطب كل فئة بالأسلوب الذى يروق لها ولا غرو ، فقد اكتسب من كثرة أسفاره واتصاله بالناس ، واحتكاكه بأوساطهم المختلفة ، خبرة اجتماعية عظيمة فى معرفة الطبائع والميول ، ولعل ذلك كان دستورا رسمه لنفسه ، فقد سمع كاتب هذه الرسالة من الأستاذ أحمد العبد " من إخوان شبين الكوم " ، وكان إذ ذاك يحاضر مجموعة فيها اكثرية من العمال فى شعبة تلا منوفية ، حوالى سنة 1940 ، أن فضيلة الأستاذ المرشد كان يقول لهم " اكثروا من أصحاب الأيدى الخشنة )، وفسر الأستاذ العبد صفة الأيدى الخشنة ، بأنها صفة العمال الذين يأكلون من كدح أيديهم ، وأن الدعوة فى حاجة إلى أيدى المكافحين من كل مهنة ، وفى حاجة أشد إلى أصحاب الأيدى الخشنة ، لأنهم خير من يستعان بهم وقت الشدة .
وهكذا استمر الأستاذ " البنا " ينشر - دعوته فى كل مكان يصل إليه فى أسفاره البعيدة آو القريبة . وأثمرت أسفاره بعد سنتين ، شعبة فى كل من أبو صوير وبورسعيد والبلاح . وبعد ثلاث سنوات ، شعبة أخرى فى السويس ، وبعد أربع سنوات نحوا من عشرة فروع ، ومعهدا فى الإسماعيلية لتربية البنات وإعدادهن ليكن أخوات مسلمات .
19- وبعد خمس سنوات من تاسيس الدعوة بالإسماعيلية ، نقل الأستاذ " البنا " سنة 1933 إلى القاهرة ، ودخلت الدعوة بنقله طورا جديدا . وإن ظلت سائرة على النهج السابق من كتمان وإسرار ، ونزول فى المساجد ووعظ فيها ، وتجميع للأنصار تأسيس للفروع ، بحذر وصمت . وذكر الأستاذ " البنا ،، فى إحدى مقالاته المنشورة سنة 1934 ، أى بعد مضى عام واحد من إقامته بالقاهرة أن فكرة الإخوان قد انتشرت فيما يزيد على خمسين بلدا من بلدان القطر المصرى ، وقامت فى كل بلد من هذه البلدان تقريبا بمشروع نافع ، أو بمؤسسة مفيدة ففى الإسماعيلية أسست مسجد الإخوان ، وناديهم ومعهد حراء لتعليم البنين ، ومدرسة أمهات المؤمنين لتعليم البنات ، وفى شبراخيت أسست مسجدا ، وناديا ، ومعهدا للبنين ، ودارا للصناعة يتعلم فيها طلبة المعهد الذين لا يستطيعون إتمام التعليم ، وفى المحمودية- البحيرة - قامت بمثل ذلك فأنشأت منسجا للنسيج والسجاد ، إلى جوار معهد تحفيظ القران الكريم . وفى المنزلة - 1934 - أقامت معهدا لتحفيظ القران . وقل مثل ذلك أو بعضه فى كل شعبة من شعب الإخوان المنتشرة فى أنحاء القطر من أدفو إلى الإسكندرية .
20 - وكان منهاج الأستاذ " البنا " أن يزور المركز العام فى الصباح الباكر ، ويترك فيه مذكرات فيها توجيهات وأعمال تتطلب إنجازا ، ثم يقصد مدرسته ، فإن كان مسافرا ، يتوجه من المدرسة إلى المحطة ، وإن لم يكن ، يعرج على المركز العام ثانية ، يقابل ويوجه ، ويصرف ما يجد من عمل ، وفى المساء يزور المركز ثالثة ، ويقضى فيه وقته مقابلا الوفود والزائرين ، أو مجتمعا فى لجان أو محاضرا .
ولم يمنعه ذلك من متابعة أسفاره إلى الريف ، فى أثناء العطلة الدراسية .
21 - وكان فى كل بلد يهتم به الإخوان ، ينتظرونه على القطار ، ويذهبون به إلى الدار ، ثم ينتقلون معه فى زيارات مختلفة ، ثم يقام السرادق ويتحدث بعد أن يجتمع فيه الناس ، ولم يكن يخطب فى الناس ثم ينصرف وينصرفون . . ،كلا، كان فنه اقتناص بعض من يراهم فى الاحتفال مهتمين بما يقول ، فكان يطيل الجلوس بعد الخطابة وانصراف الجماهير ، إلى الذين يريدون الجلوس معه ، وهناك يكون صفوة الحديث والكلام عن ألامال ، امال مصر ، والاسلام ،والشرق ، فى الشباب ، والإيمان ، والنهضة . . . وكان يقطع الوجه القبلى كله بلدا بلدا ، وقرية قرية ، فى عشرين يوما ، فى بعض الأحيان يصبح فى بنى سويف ، ويتغدى فى ببا ، ويمسى فى الواسطى ، ويبيت فى الفيوم .. . وهكذا كان ينام ساعة أو بعض ساعة ، وفى الوقت الذى يضع فيه رأسه على الوسادة ينام ونحن نتحدث من حوله .
22 - وفى هذه المدة اقتحم الإخوان الميدان السياسى ، فابتدأ الأستاذ فى إلقاء أحاديث دينية واجتماعية بالإذاعة والأندية ، وفى إرسال رسائل إلى رؤساء الوزارات المصرية المتعاقبة ، من عهد محمد محمود حتى قيام الحرب العظمى الثانية ، وكان محور الرسائل الدعوة إلى الإصلاح الداخلى على أساس النظام الاسلامى غير أن الإخوان لن يسترعوا نظر الحكومة ، لأن نشاطهم السياسى كان مغلفا بالطابع الدينى فلم يبال به الرسميون .
3 2 - وفى سنة 1355 هـ ــ 1936 م . أرسل الأستاذ " البنا ،، خطابا إلى الملك السابق فاروق ، والرئيس السابق مصطفى النحاس - رئيس الحكومة حينذاك - وإلى حضرات ملوك ورؤساء الدول العربية ، وحكام بلدان العالم الاسلامى المختلفة ، وكثير من زعمائها الدينيين . والسياسيين ، رسالة عنوانها ،( نحو النور ) يدعوهم فيها إلى طريق الاسلام ، وأصوله ، وقواعده ، وحضارته ، ومدنيته نابذين طريق الغرب ومظاهر حياته ونظمها ، ثم يبين فى خصائص كل من الطريقين ، ويوضح بأن الاسلام كفيل بإمداد الأمة الناهضة بما تحتاج إليه فى الجندية ، والصحة والنظام ، والاقتصاد ، وينتهى بالدعوة إلى أن يكونوا أولى من يتقدم باسم رسول الله T بقارورة الدواء ، من طب القران ، واستنقاذ العالم المرضى ثم يضع منهاجا للإصلاح الشامل فى مختلف مظاهر الحياة ، محللا على خمسين بندا وكان أخطر ما فى هذه الرسالة ، هو :
" القضاء على الحزبية ، وتوجيه قوى الأمة السياسية وجهة واحدة وصفا واحدا " .
4 2 - وفى سنة 1938 استكملت الدعوة عناصرها وتبلورت فى كامل صورتها ، وأوضح الأستاذ فكرة الإخوان المسلمين ، بأنها فكرة جامعة تضم كل المعانى الإصلاحية ؛ فهى :
• دعوة سلفية : لأنهم يدعون إلى العودة بالاسلام إلى معينه الصافى من كتاب الله وسنة رسوله .
• وطريقة سنية : لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة فى كل شىء .
• وحقيقة صوفية : لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ، ونقاء إلقلب ، والحب فى الله ، والارتباط على الخير .
• وهيئة سياسية : لأنهم يطالبون بالإصلاح للحكم فى الداخل وفى الخارج ، وتربية الشعب على العزة والكرامة .
• وجماعة رياضية: لأنهم يعنون بجسومهم عن طريق فرقهم الرياضة التى تضارع فرق الأندية المتخصصة فى الرياضة .
• ورابطة علمية ثقافية : لأن أندية الإخوان هى فى الواقع مدارس للتعليم والتثقيف ومعاهد لتربية العقل والروح .
• وشركة اقتصادية : لأن الاسلام يعنى بتدبير المال ، وقد عمل الإخوان على دعم الاقتصاد القومى بشركاتهم الاسلامية .
• وفكرة اجتماعية : لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الاسلامى ، ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها ، وشفاء الأمة منها .
5 2 - ودخلت الدعوة من سنة 1939 حتى سنة 1945 طورا جديدا من حيث علاقتها بالسياسة ، وبداية الازدهار من حيث النشاط وتحقيق البرامج الواسعة . وتضاعف نشاط الإخوان ، وانضم إليهم عنصر جديد من شباب جامعتى القاهرة ، والجامعة الأزهرية ، ومختلف الطوائف العمالية والمهنية ، من عمال وتجار وصناع ، وأصحاب أعمال ومهندسين ، وأطباء ومدرسين ومحامين ، وأصبح بها ممثلون لسائر طوائف المجتمع المصرى ، وضربوا فى النشاط الاقتصادى بسهم وافر ، وأقبلوا على النشاط الرياضى والكشفى ، وانتظمت أعمالهم فى الفروع التى عمت القطر ، وأصبحوا قوة يحسب لها كل حساب .
وتولد حكم مصر فى هذه الفترة من رؤساء الوزرات المصرية :
على ماهر ، وحسن صبرى ، وحسين سرى ، ومصطفى النحاس ، وأحمد ماهر ، والنقراشى ، وإسماعيل صدقى ، والنقراشى ثانية ، وفى وزارات الأولين على ماهر ، وحسن صبرى ، دأبوا على الموعظة والنصيحة فى كتبهم وخطبهم الخاصة والمفتوحة ، شأنهم مع جميع الحكومات السابقة وفى عهد على ماهر خاصة ، اعلنوا تأييدهم لقراره تجنيب مصر ويلات الحرب فحسب ، دون أن يقابلوه أو يتقدموا إليه بطلب معين .
وبدأت المحنة الأولى للاخوان المسلمين على يد حسين سرى ، بضغط من السفارة والقيادة الإنجليزية ، فصادرت حكومته مجلتى التعارف ، والشعاع الأسبوعيتين ، ومجلة المنار الشهرية ، ومنعت طبع أية رسالة من رسائلهم ، أو إعادة طبعها ، وأغلقت مطبعتهم ، وحرمت على الجرائد أن تذكر شيئا عنهم ، كما منعت اجتماعاتهم . ثم عمدت إلى تشريد رؤساء الجماعة : فنقلت الأستاذ البنا من القاهرة إلى قنا ، ونقلت الوكيل إلى دمياط ، ثم أعادتهما بضغط من الحملة البرلمانية . ولكنها عادت إلى ما هو أعنف من ذلك وأشد ، فاعتقلت الأستاذ البنا مرة ثانية ، كما اعتقلت السكرتير العام ، ثم أفرجت عنهما لاتقاء ما أحدثه هذا الإجراء من حرج فى صدور الإخوان .
26 - وهكذا كانت الحكومات المصرية فى ذلك العهد المظلم أدوات استعمارية ، لا تبالى بحريات الشعب وكرامتة !! إذ كان فى ذلك إرضاء لسادتها الإنجليز ، بل لا تبالى فى سبيل الوصول إلى تلك الغاية ، وهى إرضاء المستعمر ، أن تحارب الجماعات الإصلاحية ، التى تعمل لصالح الدين والوطن ، وتشرد العاملين المخلصين ، وأن تبطش بهم إذا لزم الأمر ، وتعتقلهم وتسجنهم ، وتحرم على الجرائد ذكر اسمهم . وإن كان هذا الاضطهاد والتشريد قد أدى إلى عكس النتيجة المرجوة منه ، فقد استرعى أنظار الجماهير ، وكسبت الجماعة المؤمنة عددا جديدا من الأعضاء والأنصار .
ثم جاءت وزارة النحاس ، ورغب الأستاذ البنا أن يرشح نفسه نائبا فى البرلمان عن دائرة الإسماعيلية ، مهد الدعوة ، ليمثل الإخوان وينطق بلسانهم ، ولكن النحاس رجاه أن يعدل عن الترشيح فعدل ، وبدأ النحاس بمهادنتهم ، فسمح لهم بالاجتماعات ، وأعاد إليهم المجلة والمطبعة ، ثم تكرر ضغط السفارة الإنجليزية مرة أخرى ، فعادت المحنة فى -صورة أشد من الأولى !! ، إذ أغلق النحاس جميع الشعب ماعدا المركز العام ، وضيق عليهم فى اجتماعاتهم ومطبوعاتهم وسائر نواحى نشاطهم ، وقابلوا شدة الحكومة بالأناة والصبر ، فعدلت الحكومة النحاسية عن شدتها ، واستمر الموقف بينهما يتقلب ، تارة تدع الحكومة لهم الحرية فيعملون ، وطورا ترهقهم بالتضييق فيصبرون ، ولكنهم ظلوا على عادتهم فى تقديم النصح كتابة ومشافهة إلى أن أقيلت الوزارة سنة 1944 . .
27- وجاءت بعد وزارة النحاس وزارة أحمد ماهر ، فأخذتهم بالشدة ، وحالت دون نجاج من رشح نفسه للنيابة منهم ، بناء على قرار مؤتمر الإخوان العام سنة 1941 : بأن يرشح اخفاء على أساس خدمة المنهج الاسلامى .
ومن حسن حظ الباحث أنه فى ذلك الحين كان قد اندمج فى الحياة العامة وأتيح له أن يرى المعركة الانتخابية فى الإسماعيلية ، حيث رشح الأستاذ البنا نفسه . وأذكر أن أهالى الإسماعيلية - لأول مرة فى تاريخ الحياة النيابية المصرية - قد أقاموا على حسابهم الخاص ، ستين سرادقا للدعاية الانتخابية ، فى مختلف أنحاء المدينة ، خلال مدة الدعاية ، وكان كل ما فى المدة ينطق بأن الفوز الساحق للأستاذ البنا . فإعلانات الحوائط وهتافات الشعب ، والعمال ، وتلاميذ المدارس ، كلها تنادى بانتخاب : " الأستاذ حسن البنا زعيم النهضة الاسلامية )، ولكن كلا من الحكومة المصرية ، والقيادة الإنجليزية ، قد عملت بكل ما عندها من وسائل لإسقاطه .
أما الحكومة المصرية : فلإرضاء الإنجليز أولا ، ولإنجاح مرشح الأحرار الدستوريين شركائهم فى الحكم ثانيا .
أما القيادة الإنجليزية : فبناء على تعليمات السفارة ، التى كانت تتابع نشاط الإخوان ، وتعرف خطرهم على مطامعهم الاستعمارية . وكانت عربات الجيش الإنجليزى تعمل علنا لحساب المرشح الاخر ، وتنقل له ناخبيه إلى أماكن الانتخابات ، كا نقلت كثيرا من العمال بالمعسكرات البعيدة عن الدائرة الانتخابية ، والتى لا تنتمى إليها .
وبالرغم من كل ما حدث من وسائل الضغط والإرهاب ، والإغراء ، والتهديد ، والتزوير ، فقد نجح الأستاذ البنا على منافسه ، ولكن الانتخاب أعيد وكان لابد أن يعاد ، للفروق اليسيرة المفتعلة بين الأصوات وفى الإعادة طرد همرسلى باشا حاكم سيناء العسكرى الإنجليزى مندوب الأستاذ من لجان .العريش ، وسيناء وضاعفت عربات الجيش نشاطها فى استجلاب العمال من المعسكرات البعيدة والقريبة. فقفز العدد فى بعض اللجان لحساب المرشخ الإخر ، أضعاف ما كان فى الانتخاب الأول ، لكل من المرشحين معا.
وهكذا سقط الأستاذ البنا فى انتخابات الإعادة ، وسقط جميع مرشحى الإخوان ، فى الدوائر الأخرى ، وإن كان حربهم بصورة أخف . وقد بذلت هذه الجهود الضخمة كلها لغرض واحد ، وهو الوصول إلى إصلاح المجتمع عن الطريق الرسمى .
وحين أعلن أحمد ماهر الحرب على ألمانيا وإيطاليا ، عارضه الإخوان ، وكتبوا إليه بالعدول عن ذلك . ثم اغتال العيسوى أحمد ماهر لهذا السبب ، وتولى النقراشى الحكم . وبدأ حكمه باعتقال الأستاذ المرشد العام ، والسكرتير العام ،بعض الإخوان . بتهمة الاشتراك فى الاغتيال .
28- ولعل السبب الرئيسى فى ذلك الاعتقال ، أن العيسوى ذكر فى معرض التحقيق معه ، أنه يطلب أخذ رأى زعماء البلد فى إعلان الحرب ، وذكر اسم الأستاذ البنا فى معرض أسماء الزعماء الذين يجب أخذ رأيهم . ولكن النيابة آفرجت عنهم بعد ذلك ، وبادرالأستاذ البنا إلى زيارة النقراشى معزيا فى ماهر ، وراجيا أن يطلق له حرية العمل . بيد أن النقراشى لم يستجب إلى الرجاء وفرض عليهم أثقل القيود فى نشاطهم ، واجتماعاتهم ، ومراقبة دورهم وكان يسمح لهم بعقد اجتماعات عامة ، أو مؤتمرات عامة ، تحت ضغط الظروف . . ولكن سرعان ما يعود إلى سياسة العنت والإرهاق .
وانتهت الحرب سنة 1945 ودخلت الجماعة بعد ذلك فى دور المحنة الكبرى ، لأنها تزعمت قيادة الحركة الشعبية ، وألهبت المشاعر الوطنية ، للمطالبة بحقوق البلاد التى وعد الإنجليز اثناء الحرب بتحقيقها ، فور انتهاء الحرب وإعلان الهدنة . واجتمعت الجمعية العمومية للاخوان فى 8 سبتمبر سنة 1945 م ، شوال سنة 1364 هـ ، وأدخلت بعض التعديلات على النظام الأساسى حتى أضحى شاملا لجميع غايتها ووسائلها بصورة واضحة . واقاموا شركات اقتصادية متنوعة ، ودرت عليهم الأرباح ، ومكنت لهم فى أوساط العمال . وأصدروا جريدة يومية ، صدر العدد الأول منها يوم 5 مايو سنة 1946 الموافق 3 جمادى الثانى سنة1365 وأضحى بذلك صوتهم مسموعا فى مصر والبلاد العربية . وأنشئوا الكتائب ، وأقاموا أماكن التدريب على الأعمال العسكرية . ونظموا الشعب تنظيما دقيقا فى مصر والأقطار العربية . ووزعوا الأعمال على الأعضاء ، وأوثقوا العهود بصورة بيعة لرئيس الشعبة فالمرشد العام شخصيا ، وقرروا السمع والطاعة فى المنشط والمكره ، مقرونا بالقسم ، ووضعوا المرشد العام موضع الثقة التامة ، وجعلوا له المنصب مدى حياته ليس له أن يتخلى عنه ، أويعفى منه ، إلا بقرار من الهيئة التأسيسية .
29- وبلغ أعضاء الجماعة العاملون فى مصر وحدها نصف مليون والأعضاء المنتسبون والمؤازرون أضعاف هذا العدد ، أما عدد شعبهم فى مصر وحدها فبلغ ألفى شعبة ، وفى السودان حوالى خمسين شعبة ، عدا شعبهم فى معظم البلدان العربية ، والبلاد الاسلامية ، والأصدقاء فى جميع البلاد وفى أوروبا وأمريكا .
30- ولهذا لقيت الجماعة مقاومة فى غاية العنف من قبل الحكومات التى وليت الحكم بعد الحرب العالمية الثانية . وزار الأستاذ البنا النقراشى ثانية ، وأهاب به أن يسرع بالعمل فى سبيل الحقوق القومية ، واستكمال استقلال وادى النيل ووحدته ، وإلا فليدع الأمة إلى الجهاد ، ويتقدمها فى سبيله وقدم النقراشى مذكرة إلى الحكومة البريطانية وجاءهم الرد عليها ، ولم يرض الإخوان عن هذه المساجلة القلمية ؛ وقاموا بمظاهرة مع الطلاب أدت إلى معركة مع البوليس فى حادثة كوبرى " عباس " الشهيرة فاستقالت الوزارة . وانصرف الإخوان منذ إعلان الهدنة إلى إثارة الشعب ، وإيقاظ وعيه بالمؤتمرات العامة تارة ، وزيارة القرى والريف تارة أخرى ؛ وبالرسائل الأحاديث والنشرات وتولوا زمام المعارضة الداعية إلى الجهاد . وتركزت جهودهم فى هذه الناحية طمعا فى أن تنال البلاد استقلالها التام !
وجاءت حكومة إسماعيل صدقى واشتدت المظاهرات ! ودعا البنا جميع الهيئات لتأليف لجنة قومية ، توحد القوى ، وتنظم الصنوف ، ولكنه لم يجد مؤازرة من الأحزاب . وعندئذ رأى أن يجنح إلى النصح يقدمه إلى صدقى ، على أساس قطع المفاوضات والالتجاء إلى الجهاد السافر ، واستمر نشاطهم السياسى فى هذا النهج ، وأخذوا يحاسبون الحكومة حسابا عسيرا ، ويتهمونها بممالأة الأجانب على حساب الوطن ، والتساهل بتأليف الشركات التى تلبس أثوابا مصرية مستعارة ، وبعجزها عن علاج مشكلة العمال العاطلين ، وبترددها فى قطع المفاوضات ، وإعلان الجهاد . واشتدت حملة جريدتهم على المفاوضات ، وعلى حكومة صدقى ، وعلى الإنجليز بوجه خاص . وشن عليهم صدقى حملة ، فاعتقل عددا منهم ، وصادر جريدتهم ، ثم قبض على الوكيل العام ، وقابله الإخوان بحملة مثلها . ووقعت انفجارات فى القاهرة والإسكندرية ، اتهمتهم الحكومة بها ، فحوصرت دورهم وفتشت . وقاد صدقى حملة واسعة النطاق من النقل والتشريد ، تناولت خلصاء الموظفين من الإخوان فى شتى المصاع والوزارات .
31- واستقال صدقى ، وتألفت وزارة النقراشى فى 10 ديسمبر 1946 وفى يوم تاليفها نشر البنا مقالا دعا فيه الحكومة الجديدة إلى اختصار الطريق ، واحترام إرادة الأمة ، وإنهاء المفاوضات ، وسلوك سبيل الجهاد ، ثم تابع نشر مقالاته فى الجريدة مسفها منهاج الحكومة ، مشيرا الى أنها حاربت الإخوان ، وأغلقت مدارسهم ، وسجنت أحرارهم ولا حقتهم بالتضييق والإرهاق ، وكانت هذه بداية حرب داخلية بين النقراشى والإخوان ، وزادتها قضية فلسطين ، التى ساهم فيها الإخوان مساهمة فعالة ، وكانت بالتالى محك قوتهم ونفوذهم من جهة ، ومصدر عزة لهم فى مصر والعالم العربى حدة وعنفا واشترك الإخوان فى المعركة تحت إشراف الجامعة العربية ، وأتاح لهم هذا الاشتراك المسلح التدريب على القتال ، كما كشفت عن مدى استعدادهم الحربى ومدى نفوذهم ، ، خشيت حكومة النقراشى سلطتهم . فاغتنمت فرصة وقوع حوادث عنف فى داخل القطر ، واتهمتهم بان لهم ضلعا فيها ، وأنهم ينوون إحداث انقلاب . فأصدرت أمرا عسعكريا رقم 63 مؤرخا فى 8 ديسمبر 1948 :
" بحل جماعة الإخوان وشعبها أيأ وجدت ، وبغلق الأماكن المخصصة لنشاطها ، وبضبط جميع الأوراق والوثائق والمجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال وكافة الأشياء المملوكة للجمعية " . وتبع هذا الأمر صدور أوامر عسكرية أخرى ، بتصفية شركاتهم ، والعمل على استخلاص أموال الجمعية لتخصيصها فى الوجوه العامة التى يقررها وزير الشئون الاجتماعية . وحاول البنا أن يسد هذه الثغرة ، ويسوى الموقف ، ولكنه لم يجد من النقراشى وحكومته أدنى استعداد ، حتى قضى مقتل النقراشى فى 28 ديسمبر1948 على هذه المحاولات ، إذا اتهم الإخوان بقتله ، وزاد الموقف حرجا بينهم وبين الحكومة
32- وقد تنبأ الأستاذ البنا بحصول كل هذه المحن وطالما كان يتحدث عنها وكأنه يراها ، ويبين أن هذه هى سبيل أصحاب الدعوات ، ويضرب الأمثال بما حدث للمجاهدين والنبيبن من قبل ، ولكأنه وثق منها حتى أصبحت عقيدة راسخة فى رأسه ، فسجلها الإخوان فى إحدى رسائله . يقول : " أحب أن أعرفكم أن دعوتكم لازالت مجهولة عند الغير من الناس ، ويوم يعرفونها ، ويدركون مراميها وأهدافها ، ستلقى منهم خصومة شديدة ، وعداوة قاسية ،وستجدون أمامكم كثيرا من المشقات ، وسيعترضكم كثير من العقبات ، وفى هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات ، أما الآن فلا زلتم مجهولين ، ولا زلتم تمهدون للدعوة ، وتستعدون لما تطلبه من كفاح وجهاد ، سيقف جهل الشعب بحقيقة الاسلام عقبة فى طريقكم ، وستجدون من أهل التدين من العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام ، وينكر عليكم جهاد كم فى سبيله ، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان وستقف فى وجوهكم كل الحكومات على السواء ، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم ، وأن تضع العراقيل فى طريقكم ، وسيتذرع الغاصبون بكل طريق لمناهضتكم ، وإطفاء نور دعوتكم وسيستعينون فى ذلك بالحكومات الضيفة ، والأخلاق الضعيفة ، والأيدى الممتدة إليهم بالسؤال ، وإليكم بالإساءة والعدوان ، وسيثير الجمع حول دعوتكم غبار الشبهات ، وظلم الاتهامات ، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة ، وأن يظهروها للناس فى أبشع صورة ، معتمدين على قوتهم وسلطانهم ، معتدين بأموالهم ونفوذهم ، وستدخلون بذلك ولا شك فى دور التجربة والامتحان ، فتسجنون وتعتقلون وتنقلون وتشردون ، وتصادر مصالحكم ، وتفتش بيوتكم ، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا امنا وهم لا يفتنون ) ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ، ومثوبة العاملين المحسنين ،،.
33- ولكأن الرجل الملهم كان ينظر بعين الغيب ، . فقد تحقق بعد الحل كل ما كتبه فى هذه الرسالة التى كتبها للاخوان قبل نشوب الحرب العالمية الثانية وقبل أن تحل تلك المحنة بسنوات ، وإن كان قد عكف على تكرار هذه المعانى قبل المحنة مباشرة ، حتى يعد الإخوان لاستقبالها ، فلا يصدموا بحقيقتها المروعة ، ووسائلها التى أعادت إلى الأذهان صور محاكم التفتيش الأسبانية . وقد صدقت جميع نبوءاته حتى فى رجال الدين أنفسهم ، فقد تطوع منهم من القى حديثا فى الإذاعة يؤيد به ماذهبت إليه الحكومة من نفى الإخوان ، مستدلأ بالآية الكريمة : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ) وعلقت هذه الآية الكريمة فى معتقل الطور وسائر المعتقلات ليقرأها الإخوان بأمر إدارة تلك المعتقلات . وواضح أن فى ذلك مافيه من معانى التحدى ، واستفزاز للشعور ، والإيلام النفسى للاخوان باتهامهم بأنهم يحاربون الله ورسوله ، مع أن هتافهم : " الله غايتنا ، والرسول زعيمنا ) .
حدث كل ذلك فى وزارة إبراهيم عبد الهادى التى تولت الحكم بعد مقتل -النقراشى ، والذى عمل على أن يثأر لسلفه فى شخص الجماعة وأعضائها وشد أزره فى ذلك ما أشيع عن سوء علاقة الجماعة بالملك السابق . وأن لها أغراضا إنقلابية . وكان أشنع ما حدث فى عهد تلك الحكومة هو مقتل الأستاذ ( البنا ) أمام دار الشبان المسلمين بعد أن جرد من سلاحه المرخص به ، ومنع من السفر إلى الخارج ، أو التنقل من مكان إلى اخر داخل القطر بغير إذن من الحكومة ، وحين أبلغ الحكومة أنه سوف ينتقل إلى عزبة أحد الإخوان ببنها ، اعتقلوا ذلك الأخ " !!!" وكان ذلك قبل مقتله بأيام معدودات . وتفاصيل مقتله نقلا عن إحدى الجرائد اليومية هى كما يلى :
طلب الأستاذ الناغى ، عضو مجلس إدارة جمعية الشبان المسلمين إلي الأستاذ محمد الليثى رئيس قسم الشبان بالجمعية ، أن يذهب إذ دار الشيخ البنا ويدعوه إلى مقابلته فى الساعة الخامسة من مساء يوم السبت 12 فبراير 1949 بدار الجمعية ، لكى يبلغه نتائج هامة وسارة عن المسائل المعلقة الخاصة ب جماعة الإخوان المسلمين ، لأنه مكلف بإبلاغه ذلك من قبل قريبه الأستاذ إبراهيم عبدالهادى - رئيس الوزارة حينذاك - فذهب الأستاذ الليثى إلى منزل الأستاذ " حسن البنا "، فى الساعة الثانية بعد الظهر ، وأخبره بذلك ، فقال له الأستاذ البنا : إن هؤلاء الناس نيتهم سيئة ، ،وإفهم لا يريدون أى تفاهم ، ولقد بلغنى الان أنهم اعتقلوا الرجل الطيب المسن الذى كنت قد أخبرتهم بأنى سأسافر عنده بعد يوم أو اثنين !! وعلى كل تإنى سأحضر لمقابلة الأستاذ الناغى .
وذهب الأستاذ فى الموعد المحدد ، وبعد انتهاء المقابلة التى قال عنها إنه لم يخرج منها بنتيجة تذكر !! إلا أن الناغى أعاد على مسامعه مسألة تسليم الأسلحة ومحطة الإذاعة !! ؟ طلب الأستاذ البنا سيارة أجرة ، وكان ذلك فى الساعة الثامنة والثلث ، وكان معه صهره الأستاذ عبد الكريم منصور المحامى ، وكان يرافقه الأستاذ الليثى ، وفى هذه الأثناء جاء خادم وأبلغ الليثى أن التليفون يطلبه !! ولكنه رافق الشيخ إلى أن ركب السيارة ومعه صهره ، ثم دخل دار الجمعية ليتحدث فى التليفون وفى أثناء ذلك سمع طلقات نارية . . فترك التليفون ، وذهب إلى الخارج ليستطلع مصدر هذا الصوت ، فوجد فى مواجهة الدار شابا طويل القامة ، نحيل الجسم ، يلبس جلبابا ويضع على رأسه كوفية بيضاء ، ويمسك بيده مسدسا ، فصاح الليثى طالبا إمساكه ، فأطلق عليه عيارا ناريا أخطأه وأصاب حائط دار الجمعية ثم جرى وراء الليثى فى الشارع وأطلق عليه عيارين ناريين أخطاه أيضا ، وبعد أن استنفد الطلقات النارية اتجه نحو الرصيف الاخر ، حيث لحق به شخص آخر ، وركبا سيارة سوداء انطلقت بهما فى شارع الملكة ، وكان الأستاذ البنا وقتئذ قد نزل من السيارة ، ودخل إلى الجمعية وهو يقول " قتلت قتلت "، وعندئذ دخل محمد الليثى إلى الجمعية فوجد سماعة التليفون ما زالت مرفوعة ، وقد اتضح له أن المتحدث هو الصاغ محمد الجزار الضابط بالقلم السياى !! وكان ما زال منتظرا حتى يتحدث معه !! ؟؟ فصاح محمد الليثى فى التليفون قائلا : إن الأستاذ " حسن البنا "، قد أطلق عليه الرصاص أمام الجمعية . ..
فقال له الجزار متسائلا : وهل مات أم لا يزال حيا ؟ وفى هذه الأثناء ذهب الأستاذ البنا إلى دار الإسعاف . وذهب على إثره إلى هناك محمد الليثى ، فوجد الأستاذ البنا يكرر الشهادتين ، وهناك رأى محمد الليثى شابا أسمر اللون يلبس جلبابا وطربوشا ، وقال إنه كان بالقرب من مكان السيارة التى هرب عليها الجناة ، وأنه التقط رقمها وهو " 9979 " . وقد تبين بعد البحث فى إدارة المرور أن السيارة المذكورة هى سيارة ،( القائمقام )، محمود عبد المجيد مدير إدارة المباحث الجنائية بوزارة الداخلية وقتئذ . وقد بذلت محاولات عديدة مع الشاهد لتغيير رقم السيارة ، قام بها الصاخ الجزار ، تارة بالإغراء بالمال ! ، وأخرى بالخمر !! . وثالثة بالنساء !! ، وأخيرا بالتهديد !!! ، كما ورد فى نفس الجريدة على لسان الجزار ، " اعلم أن قاتل البنا حر طليق ، وسيظل حرا طليقا ، وفى وسعه أن يطيح برأس كل شخص يقف فى سبيله ، أو يضر به ، وأنت عندك أولاد فحرام عليك تيتمهم ).
34 - وفعلا ظل القتلة أحرارا طلقاء ، إلى أن قامت ثورة الجيش فى 23 يوليو 1952 وقبض عليهم جميعا وهم : الأميرالاى محمود عبد المجيد، والأميرالاى أحمد كامل والبكباشى حسين كامل ، واليوزباشى عبده أرمانيوس ، و محمد حسن خادم الملك الخاص ، والبكباشى محمد الجزار ، والباشجاويش محمد محفوظ سائق السيارة التى فر عليها الجناة و أحمد حسين جاد ( مباحث جرجا ) و محمد سعيد ، و مصطفى محمد أبو الليل غريب ، والأومباشى حسين محمدين رضوان.
35 - وقد ذكر الأستاذ البنا قبل مقتله فى مذكرة أسباب حل الإخوان ، ردا على المذكرة التى قدمها وكيل الداخلية الأستاذ عبد الرحمن عمار وطلب فيها حل الإخوان ، وكانت هذه المذكرة من اخر ما كتبه الأستاذ البنا ، وقد لخص فيها أسباب الحل فيما لى :
الضغط الأجنبى ، فقد أقر وكيل الداخلية بنفسه للمرشد العام بنفسه أن مذكرة قدمت إلى النقراشى ( باشا ) من سفير بريطانيا ، وسفير فرنسا ، والقائم بأعمال سفارة أمريكا ، بعد أن اجتمعوا فى فايد 6 ديسمبر 1948 تقريبا يطلبون فيها المبادرة بحل الإخوان المسلمين . وذلك بالطبع طلب طبيعى من ممثلى الدول الاستعمارية ، الذين يرون فى الإخوان المسلمين أكبر عقبة أمام امتداد مطامعهم وتشعبها فى وادى النيل وفى بلاد العرب ، وأوطان الاسلام . وليست هذه اول المرات التى طلب فيها هذا المطلب . بل هو طلب تقليدى كان يتكرر دائما على لسان السفير البريطانى فى كل المناسبات لكل الحكومات .
وكانت كلها تحجم عن إجابتها حتى فى أحرج الأوقات . فلقد طلبت السفارة من ( رفعة ) النحاس ( باشا ) فى سنة 1942 والحرب العالمية على أشدها ، والألمان على الأبواب ، حل الإخوان المسلمين وتعطيل نشاطهم ، فأبى أن يجيبهم إلى ذلك ، واكتفى بإغلاق الشعب كلها مع بقاء المركز العام إلى حين .
وكان فى وسع ( دولة ) النقراشى ( باشا ) أن ترفض هذا الطلب ، وأن يتفاهم مع الإخوان على وضع يريحهم ويريحه ، ولقد كان الإخوان على أتم الاستعداد لهذا التفاهم ، وخاصة بعد عودة المرشد العام من الحجاز ، إلا أنه لم يفعل ، وخطا هذه الخطوة التى لا تدل إلا على أن مصر لا زالت للأجانب قبل ان تكون لأبنائها ، وأنه لأ زال للأجانب كل النفوذ والسلطان فى هذه الأوطان .. ثم مضى فى تفصيل الظروف والأسباب إلى أن قال : إن هذا من تدبير اليهودية العالمية ، والشيوعية الدولية ، والدو ل الاستعمارية ، وأنصارالإلحاد والإباحية الذين يرون فى الإخوان السد المنيع الذى يحول بينهم وبين ما يريدون .
36 - وأجاب الأستاذ البنا ردا على سؤال صحفى عن الأسباب التى دفعت بالمسئولين إلى حل الإخوان فقال : " . . . كما يقال إن كل من هذه الأسباب العوامل الحزبية التى تصاحب قرب موعد الانتخابات النيابية ، إذ إنه من المعروف أن الحزب السعدى يريد أن يظفر بأغلبية برلمانية تمكنه من الاستمرار فى الحكم . ومن المعروف أن الإخوان قوة شعبية ينتظر منها الصمود فى هذا الموقف . فمن التكتيك الحزبى أن يشوه موقفهم بمثل هذا العمل ، قبل حلول موعد الانتخابات الذى سيكون فى أكتوبر 1949 مالم تطرأ عوامل أخرى على الموقف . ويقال كذلك إن رغبة الحكومات العربية فى إنماء قضية فلسطين ولو على غير ما تريد الشعوب ، كان من العوامل التى أوحت إلى الحكومة المصرية بهذا الموقف .
37 - وقد أكدت الأيام صدق هذا الظن ، ففى 24 فبراير 1949 ، وبعد استشهاده بأيام معدودة ، أذيع توقيع شروط هدنة رودس ، وسحب الجيش من فلسطين .
وقد استمرت وزارة عبد الهادى نحوا من سبعة شهور ، بلغت محنة الإخوان فى أثنائها الذروة حتى ظن بعض المراقبين أنهم لن تقوم لهم قائمة ، ولكن الواقع أنها كانت كالنار صهرتهم ، وصفت معدنهم ، فخرج منهم قلة ضئيلة ، وبقى على الدعوة غالبيتهم العظمى ممن زادتهم المحنة صلابة وتماسكا ، وقيل فى هذه الفترة إن الإخوان انتخبوا سرا مرشدا جديدأ ، وانتقلت حركتهم من الجهر إلى السر .
38 - وفى5 2 يوليو 1949 استقالت وزارة عبد الهادى ، وجاءت وزارة حسين سرى الائتلافية ، ثم المحايدة ، التى أشرفت على الانتخابات ، ونال حزب الوفد أغلبية ساحقة كان لتأييد الإخوان لهم فيها ، وتولى النحاس الحكم فى 12 يناير 1950 وأخذ الكابوس يرتفع عنهم رويدا رويدا وأخذت أقلامهم تتحرك وصحفهم تعود . وأعلنوا انتخاب الأستاذ ،( حسن الهضيبي - وهو مستشار سابق مرشدا عاما ) .
وفى15 ديسمبر 1951 أفرجت الحكومة عن بعض ممتلكاتهم منها دار المركز العام ، ودار الصحافة ، ودار الطباعة ، ودور الفروع ، وكان ذلك بناء على حكم مجلس الدولة ، الذى أنصف الإخوان بحكم تاريخى خالد ، ونص على أن أمر الحل باطل من أساسه !!! وخرج حتى على حدود سلطة الحاكم العسكرى نفسه !! وسرعان ما استرجع الإخوان مكانتهم السابقة ، وأبرزوا جهودهم على مسرح الحوادث قوة يحسب حسابها ، ويخطب ودها ، ففى شهر أكتوبر 1951 عندما اشتدت الأزمة بين مصر وبريطانيا ، اشتركت كتائبهم فى حركة التحرير فى القنال اشتراكا بارزا ، حتى إن الحكومة الوفدية فاوضتهم قبل إقالتها بيوم واحد على أن تعهد إليهم بالإشراف الكلى على جميع المتطوعين . كما ذكرت الصحف بعد ذلك .
وفى وزارة الأستاذ أحمد نجيب الهلالى ، وقف الإخوان موقف المحترس وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الداخلية ، وأعلنوا أنهم لن يدخلوا الانتخابات . ومما يلاحظ أنه فى وزارة الأستاذ على ماهر القصيرة الأجل - التى جاءت قبل وزارة الهلالى - وكذلك وزارة الهلالى ، درجتا على سنة جديدة فقد درج الأول على استشارة المرشد العام ، والاجتماع به مع رؤساء الأحزاب السياسية واستمر الثانى فى الاستشارة ، وفى ذلك اعتراف بقوتهم فى الميدان السياسى . ثم تتابعت الوزارات القصيرة الأجل نتيجة عبث فاروق واستهتاره بمصالح البلاد ، فكانت وزارة حسين سرى ، فالهلالى مرة ثانية ثم قامت الحركة المباركة بعد وزارة الهلالى الثانية بيوم واحد فقط ؟ بزعامة اللواء أركان الحرب محمد نجيب ، وأسندت الوزارة بناء على طلب الجيش إلى على ماهر . ثم أرغم الملك على التنازل لولى عهده ، ومغادرة البلاد ، فى يوم 26 يوليو سنة 1952 ، وقام الإخوان والشعب بأجمعه وراء الحركة المباركة ، يؤيدها ويسندها وذكرت بعض الجرائد أن على ماهر عرضن على المرشد العام الاشتراك فى وزارته فاعتذر ، ثم استقالت وزارة على ماهر ، وألف الوزارة الرئيس محمد نجيب وعرض على الإخوان الاشتراك فى الوزارة فاعتذروا مع تأييد رجال الثورة ، وتمنى التوفيق لهم ، واضطر الشيخ الباقورى إلى الاستقالة ، لأنه اشترك فى الوزارة قبل أن يعلم شيئا عن قرار الاعتذار ، وقويت شوكة الإخوان فى العهد الجديد ، باعتبار أنهم كانوا دائما أشد الثائرين على الأوضاع المقلوبة ، والفساد المستشرى ، فى عهد فاروق ، كما كانوا دائما موضع اضطهاد دائم من جميع الحكومات التى توالت فى عهده . وبلغ عدد شعب الإخوان الآن حوالى " 1500 " شعبة ، ويتجول المرشد العام أثناء كتابة هذا البحث فى أنحاء القطر المصرى وتأتى أخبار الجرائد بأنه يفتتح فى كل منطقة يزورها شعبا جديدة ، وفى مدينة القاهرة وحدها حاليا " 70 " شعبة . ويبلغ عدد الأعضاء العاملين المسجلين اكثر من مليون ، وإن كان عدد الإخوان الحقيقى لا يعرف بالضبط . لأن قسم الإحصاء بالمركز العام قد استأنف نشاطه من وقت قريب أولا ، ولأن هناك كثيرا من الإخوان يفضلون العمل لدعوتهم بوسائلهم الخاصة ، دون أن يحرصوا على إظهار نشاطهم أو التقيد بأوضاع الجماعة الرسمية ثانيا .
ولو أن العبرة عند الإخوان هى دائما بالكيف ل ابالكم . فقد يكون آحدهم فردا واحدا فى مصلحة ، أو شركة ، أو مصنع ، ولكنه يبلغ من إيمانه بدعوته وفهمه لها أن يؤثر على البيئة المحيطة به كلها ، فتنحاز كلها أو غالبيتها إلى صفة . خاصة أنهم كسبوا خبرة ومرانا فى الإقناع لكثرة احتكاكهم بالأحزاب وصراعهم مع الحكومات والعهود السابقة بالإضافة إلى اهتمامهم بتربية أفراد الإخوان وتثقيفهم إلى درجة كنت تجد معها صانعا أو عاملا يخطب الجمعة ، ويلقى درسا دينيا ، أو خطابا سياسيا ، كأحسن ما يلقيه العلماء والخطباء . بهذه الروح من العزم الاكيد والثقة الكاملة اندفعوا فى أوساط المجتمع المصرى .
وقد اجتمع مكتب الارشاد العام فى 4 ذى القعدة شنة 1371 الموافق 26 يوليو 1952 وقرر إصدار بيان برأى الإخوان فى الموقف ، وتحديد الخطوط الرئيسية التى ينبغى أن يسير عليها الإصلاح المنشود . ثم دعيت الهيئة التأسيسية للاخوان يوم 10 ذى القعدة سنة 1371 الموافق أول أغسطس 1952 وأقرت إصدار بيان مكتب الارشاد العام . وحدد الإخوان فيه خطوط الإصلاح الخلقى والتربوى ، ووسائل الإصلاح الدستورى ، والإصلاح الاجتماعى ، والإصلاح الاقتصادى ، والتربية العسكرية ، وتقوية الجيش ، وإصلاح البوليس .
ثم صدر قانون تنظيم الهيئات والأحزاب وذكرت فى الأهرام فى عددها الصادر فى 3 / 10 / 1952 أن الهيئة التأسيسية للاخوان المسلمين قد اجتمعت فى مساء يوم 2 / 10 /1952 وأعادت النظر فى نظام الجماعة على ضوء القانون المذكور ، وأدخلت بعض تعديلات منها تكون مدة رئاسة الرئيس ثلاث سنوات ، بدلا من أن يكون رئيسا مدى الحياة ، وقرروا أن عدد الأعضاء المؤسسين ( الهيئة التأسيسية ) 150 عضوا ، وقدم الإخوان إخطارهم الأول الذى أدخلهم فى نطاق قانون الأحزاب . ولكنهم عادوا فرأوا أنهم كهيئة إسلامية عالمية ، لا يحسن أن يقيدوا أنفسهم بقانون الاحزاب فى مصر . فاجتمعوا ثانية ، وقرروا أنهم -لا يعتبرون الحكم من وسائلهم فى الوقت الحاضر ، وعلى هذا فلن يدخل الإخوان الانتخابات كهيئة ، إذا أجريت الانتخابات ، مع الاحتفاظ لأنفسهم بحق التوجية والنقد فى الأمور السياسية والوطنية ، وقدموا إخطارهم الثانى بذلك فى 17 - 11 - 1952 فخرجوا من نطاق قانون الأحزاب السياسية .
وفى 3 ديسمبر 1953 احتفل الإخوان بالمولد النبوى فى مركزهم العام ، بميدان الشهيد حسن البنا ( الحلمية سابقا ) وزارهم فى ذلك الاحتفال الرئيس محمد نجيب ، والبكباشى جمال عبد الناصر ، وخطب المرشد العام ، ثم أتبعه الرئيس محمد نجيب بكلمة حيا فيها الإخوان ، وأشاد بروحهم وجهادهم ، وقرأ الفاتحة على روح مرشدهم الأول .
وفى 12 فبراير 1953 حينما حلت الذكرى الرابعة لاستشهاد الأستاذ حسن البنا ، ذهب الرئيس اللواء محمد نجيب ، وبصحبته جمع من الوزراء وضباط الثورة إلى قبره ، زائرين ومعزين ، وألقى الرئيس اللواء كلمة خالدة ، أذيعت من محطة الإذاعة ، جاء فيها : " إن الإمام الشهيد حسن البنا ، أحد أولئك الذين لا يدرك البلى ذكراهم ، ولا يرقى النسيان إلى منازلهم ، لأنه رحمه الله لم يعمق لنفسه ، بل عاش للناس ، ولم يعمل لمنفعته الخاصة ، بل عمل للصالح العام .
وقد رد على كلمة الرئيس الأستاذ عبد الرحمن البنا شقيق الشهيد ، نيابة عن الأسرة ، والأستاذ عبد الحكيم عابدين السكرتير العام للاخوان المسلمين ، نيابة عن الإخوان .
وكان لتلك الزيارة أجمل الأثر فى نفوس الإخوان ، ولفتة كريمة من الرئيس اللواء وحكومته تقديرا للشهيد العظيم . وقد أعيدت إذاعة كلمة الرئيس ، وكلمتى شقيق الشهيد ، والسكرتير العام ، من محطة الإذاعة مساء نفس اليوم ، واقتصرت الإذاعة فى تلك الليلة على قراءة القرآن الكريم ، والأخبار وكلمات فى رثاء الإمام الشهيد .
وهكذا قدرت الدولة رسميا مكانة الرجل فى الذكرى الرابعة لا ستشهاده ، وسعت ممثلة فى رئيس وزرائها إلى قبره . وقد سعى هو وحده إلى ذلك القبر منذ أربع سنوات ، وليس فى جنازته إلا خمسة من الجنود يمنعون الناس عن جنازته ، التى لم يمش فيها إلا والده وولده .
الفصل الثانى : فلسفة الإخوان ومبادئهم - الدين والسياسة
39 - فكرة الإخوان المسلمين فكرة إسلامية صميمة ، لا تخرج عن نطاق " (الاسلامية ) بحال من الأحوال ، ولا تخرج فلسفتهم على أن تكون كذلك إسلامية مستمدة من روح الاسلام . وأحب أن أوضح أنى أقصد بالفلسفة هنا ، الفكرة والعقيدة التى تبلورت فى النفس ، وسارت عليها واصطبغت بها طريقة الحياة (Style of life ) ولا أعنى بها تلك الفلسفة البيزنطية التى لا تصلح إلا للنقاش ، ولا يمكن أن توضع موضع التطبيق فى عالم الحقيقة والواقع ، وعلى هذا المعنى يمكن أن ألخص فلسفة الإخوان فى ثلاثة أركان رئيسسية :
ا - الفلسفة الروحية.
2- الفلسفة الاقتصادية .
3 - الفلسفة الاجتماعية .
ولنتناول كلا من هذه الأركان الثلاثة بشئ من التفصيل :
1 - الفلسفة الروحية : الناحية الروحية هى المرتكز الأول ، والدعامة الأساسية ، فى دعوة الإخوان المسلمين ، بل هى شغلهم الشاغل ، وموضع اهتمامهم الكبير فى تكوين ( الأخ المسلم ) أولا ، حتى لتجعل من واجباته المفروضة " أن يديم مراقبة الله تبارك وتعالى ، ويخلص النية له فى كل عمل ، ويذكر الاخرة ويستعد لها وأن يحافظ على الطهارة الحسية و المعنوية " .
40 - وفى تكوين الأسرة ، بل الأمة ثانيا ، فهم يعتقدون " أن تكوين الأمم وتربية الشعوب ، وتحقيق الامال ، تحتاج من الأمة التى تحاول هذا إلى قوة نفسية عظيمة " .
41 - وهم فى الوقت نفسه لا ينكرون القوى المادية ، وأهميتها فى تكوين الشعوب ونهوضها " يظن الكثيرون أن الشرق تعوزه القوى المادية من المال والعتاد وآلات الحرب والكفاح ، لينهض ويسابق الأمم التى سلبت حقه ، وهضمت أهله ، وذلك صحيح ومهم ، ولكن أهم منه وألزم القوى الروحية من الخلق الفاضل ، والنفس النبيلة والإيمان بالحقوق ومعرفتها ، والإرادة الماضية ، والتضحية فى سبيل الواجب ، والوفاء الذى ينبنى عليه الثقة والوحدة ، وعنهما تكون القوة ).
42 - بل هم يذهبون فى الاهتمام بالناحية الروحية إلى حد أنهم يجعلون حرب الموجة المادية هدفا من أهدافهم ، وغاية من غاياتهم ، تلك الموجة التى جعلت الناس عبيدا للمادة ، بدلا من أن يستعبدوها لصالح أنفسهم ولصالح المجتمع ، " أما مهمتنا إجمالا : فهى أن نقف فى وجه هذه الموجة المادية من مدنية المادة ، وحضارة المتع والشهوات ، التى جرفت الشعوب الاسلامية فأبعدتها من زعامة النبى صلى الله عليه وسلم وهداية القران " .
43 - على أن فلسفة الإخوان الروحية تقوم أولا وقبل كل شئ على عدة مبادىء نستطيع أن نجمعها فى ثلاثة :
( أ ) الربانية والشمول .
(ب ) الروحانية الاجتماعية .
(ب ) العقلية الإيجابية .
(أ) الربانية والشمول : دعوة الإخوان كما سبق أن قلنا فكرة تنبت من صميم الاسلام والاسلام وسائر الأديان السماوية من أول أركانها الإيمان بوجود الله والغيبيات عموما ، وتقرير عقيدة الجزاء ، والتسامى بالنفس الإنسانية ، فليس بدعا أن يعمل الإخوان على ذلك ، وأن يقرروا أن أصول الإصلاح لا بد وأن تعتمد على " ربانية تحيا عليها القلوب الميتة ، ويرتفع بها الشعور الإنسانى إلى الملأ الأعلى ، وتصل الناس بالله تبارك وتعالى "
44 - وقد أصدر الأستاذ البنا رسالة خاصة لنظام الأسر الذى هو المجال العملى للتربية الروحية فى الإخوان ، ووجه الخطاب ، فى هذه الرسالة إلى خاصة الإخوان ممن أسماهم " الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين " وأوضح فى هذه الرسالة معنى الهتاف الإخوانى " الله غايتنا - والرسول زعيمنا - والقر ان دستورنا - والجهاد سبيلنا - والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا " وحدد أركان البيعة بعشرة هى :
الفهم - و الإخلاص - والعمل - والجهاد - والتضحية - والطاعة - والثبات - والتجرد - والأخوة - والثقة .
ثم تناول هذه الأركان العشرة بشىء من الإيضاح والتفصيل ، وفسر الفهم وحده فى حدود عشرين أصلا من الأصول الاسلامية ، أهمها ضرورة فهم الاسلام بالمعنى الشامل الذى سنوضحه فيما بعد ، ومنها أن الاسلام يحرر العقل ، ويحث على النظر فى الكون ، ويرفع قدر العلم والعلماء ، ويرحب بالصالح النافع فى كل شىء والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها .
وفسر الإخلاص بأن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله وابتغاء مرضاته ، من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر ، وبذلك يكون جندى فكرة وعقيدة ، لا جندى غرض. ومنفعة . وفسر العمل بأنه ثمرة العلم والإخلاص ، وأوضح مراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق وهى سبعة يهمنا منها فى معرض الربانية الثلاثة الأولى وهى :
أ - إصلاح نفسه حتى يكون قوى الجسم ، متين الخلق ، مثقف الفكر ، قادرا على الكسب ، سليم العبادة ، منظما فى شئونه ، نافعا لغيره .
2 - وتكوين بيت مسلم ، بأن يجعل أهله محافظين على آداب الاسلام فى كل مظاهر الحياة المنزلية ، ويحملهم على احترام فكرته .
3 - وإرشاد المجتمع بنشر دعوة الخير فيه ، ومحاربة الرذائل والمنكرات ، وتشجيع الفضائل ، والأمر بالمعروف ، والمبادرة إلى فعل الخير ، وكسب الرأى العام إلى جانب الفكرة الاسلامية .
وفسر الجهاد بأنه الفريضة الماضية إلى يوم القيامة ، والمقصودة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية " ، وأول مراتبه إنكار القلب ، وأعلاها القتل فى سبيل الله ، وبين جهاد اللسان والقلم واليد ، وكلمة الحق عند السلطان الجائر .
وفسر التضحية بأنها بذل النفس والمال ، والوقت والحياة ، وكل شئ فى سبيل الغاية .
وفسر الطاعة بأنها امتثال الأمر وإنفاذه توا ، فى العسر واليسر ، والمنشط والمكره .
وفسر الثبات بأن في الأخ عاملا مجاهدا فى سبيل غايته ، مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام ، حتى يلقى الله على ذلك ، وقد فاز بإحدى الحسنيين ، فإما الغاية وإما الشهادة .
وفسر التجرد بأن يتخلص الأخ لفكرته من كل ما سواها من المبادئ والأشخاص ، لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها .
وفسر الأخوة بأنها ارتباط القلوب والأرواح برباط العقيدة والعقيدة أوثق الروابط وأعلاها ، والأخوة أخوة الإيمان ، والتفرق أخوة الكفر ، وأول القوة قوة الوحدة ، ولا وحدة بغير حب ، وأقل الحب سلامة الصدر ، وأعلاه مرتبة الإيثار .
وفسر الثقة بأنها اطمئنان الجندى إلى قائده فى كفاءته وإخلاصه اطمئنانا عميقا ، ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة ، وللقيادة فى دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية ، والأستاذ بالإفادة العلمية ، والشيخ بالتربية الروحية ، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة ، ودعوتنا تجمع هذه المعانى جميعا . والثقة بالقيادة هى كل شىء فى نجاح الدعوات .
45 - كما أوجب على جمهرة الإخوان من الإخوان العاملين أربعين واجبا ، يهمنا منها ونحن فى معرض الحديث عن الربانية . أن يحسن الصلاة ، ويواظب على أدائها فى أوقاتها ، وأن يحرص على المسجد والجماعة ، ويصوم رمضان صياما صحيحا ، ويحج البيت إن استطاع إليه سبيلا ، ويجدد التوبة والاستغفار ، ويجاهد نفسه جهادا عميقا حتى يسلس له قيادها ، وأن يحافظ على الأوراد الإخوانية ولا يقصر فى أدائها لضرورة قاهرة .
46 - ومن هذه الأوراد المأثورات ، وهى مجموعة من الايات القرانية ، والدعوات النبوية ، على طراز الوظيفة التى يقرؤها أتباع الطرق الصوفية .
وقد أصبح للأسر فى التنظيم الإدارى الجديد للاخوان ، قسم مستقل بالمركز العام ، وقد أصدر هذا القسم رسالته الأولى وهذه الرسالة ماثلة للطبع ، وذكر فى مقدمة تلك الرسالة ، أن نظام الأسر قد تعدل من قبل إلى نظام الإخوان العاملين ، أى أن الإخوان العاملين الذين ذكرناهم فيما سبق كان نظامهم مرحلة من مراحل التطور فى قسم الأسر والذى كان فى أول أمره يسمى الكتائب .
أما الشمول الذى نعنيه ، فهو فهم الإخوان لمعنى الاسلام الشامل الصحيح كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والذى عرفه الأستاذ البنا تحت عنوان إسلامنا بقوله : " دعوتنا أجمع ما توصف به أنها ( إسلامية ) ولهذه الكلمة معنى واسع غير ذلك المعنى الضيق الذى يفهمه الناس فإننا نعتقد أن الاسلام معنى شامل ينتظم شئون الحياة جميعا ، ويفتى فى كل شأن منها ، ويضع له نظاما محكما دقيقا ، ويقف مكتوفا أمام المشكلات الحيوية ، والنظم التى لابد منها لاصلاح الناس " .
47 - كما أكد ذلك المعنى فى رسالة أخرى بقوله : " نحن نعتقد أن أحكام الاسلام وتعاليمه شاملة تنتظم شئون الناس فى الدنيا وفى الآخرة " وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الررحية دون غيرها من النواحى ، مخطئون فى هذا الظن فالاسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ، ودين ودولة وروحانية وعمل ، ومصحف وسيف ، والقران الكريم ينطق بذلك كله ويعتبره من لب الاسلام ومن صميمه ، ويوحى بالإحسان فيه جميعه ، وإلى هذا تشير الاية الكريمة : ( وابتغ فيما اتاك الله الدارالاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحس كما أحسن الله إليك .
4 – ولا شك أن فهم الإخوان للإسلام هذا الفهم ، كان خطوة تقدمية كبيرة فى العقلية الاسلامية فى ذلك الوقت ، ردت الاسلام إلى أصوله الأولى ، ومرحلة انتقال خطيرة من فهم الاسلام على أنه ( دين ) بالمعنى الغربى لا علاقة له بالحياة ، إلى فهم الاسلام على أنه دين ودنيا ، أو نظام اجتماعى شامل ، ينظم شئون الناس وعلاقاتهم فى جميع نواحى الحياة ، كما تفعل الديمقراطية والشيوعية وما إليهما من سائر النظم الاجتماعية سواء بسواء .
(ب ) الروحانية الاجتماعية : إن معنى الشمول الذى سبقت الإشارة إليه ، جعل الإخوان لا يؤمنون بمبدأ ( الروحانية الاعتزالية ) التى يؤمن جمها ويدعو لها غلاة الصوفية ، والتى هى إلى رهبانية المسيحية أقرب منها إلى تصوف الاسلام .
فالإخوان روحانيون أو ربانيون ، يسلكون فى حياتهم الخاصة وفى النواحى العبادية مسلك أهل التصوف ، واجتماعيون يأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق ، ويختلطون بالمجتمعات كلها على اختلاف أنواعها ، وينشرون دعوتهم ، ويروجون لفكرتهم ، ويعتبرون أنفسهم فى الحالين جميعا مجاهدين فهم فى نشاطهم الروحى يجاهدون أنفسهم ، ويخلصونها من شوائب المادية الطاغية على النفوس ، ويصقلون أرواحهم بالعبادة ، وفى نشاطهم الاجتماعى يجاهدون فى إصلاح . المجتمع الذى تنخر فيه الأمراض الاجتماعية ، وتفتك به العلل الأخلاقية ، ضاربين المثل بأنفسهم فى البذل والتضحية ، وخاصة بعد أن طغت موجة النفعية التى روجت لها فى الشرق فلسفة الغرب المادية . لذلك كانت التضحية من دعائم البنا فى شخصية الأخ المسلم ، فيقول المرشد- الأول الأستاذ البنا : " إن هذه الدعوة لا يصلح لها إلا من حاطها من كل جوانبها ، ووهب لها ما تكلفه إياه من نفسه ووقته وصحته ( قل إن كان آباؤكم وأبناوكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين )
49 - ويعتقد الإخوان أن علوم التصوف هى " علوم التربية والسلوك " وأنها من لب الاسلام وصميمه ، ولكنهم يرون أن من صالح المجتمع أن تخرج إليه تلك الفئة التى تربت هذه التربية الروحية القوية ، ليكونوا مثلا عملية يقتدى بها الناس ، وصورا ناطقة متحركة للفضائل والأخلاق الكريمة يكون لها أعظم الأثر فى إصلاح المجتمع ، فليس أبلغ فى إقناع الناس من القدوة العملية ، وطالما تمنى الإخوان أن تخلص الطرق الصوفية من المبالغات والشوائب التى لحقتها ، وأن تتعاون يجهودها مع الأزهر والجماعات الاسلامية ، " ولو أراد الله والتقت قوة الأزهر العلمية ، بقوة الطرق الروحية ، بقوة الجماعات الاسلامية العملية ، كانت أمة لا نظير لها ، توجه ولا تتوجه ، وتقود ولا تنقاد ، وتؤثر فى غيرها ولا يؤثر شئ فيها ، وترشد هذا المجتمع الضال على سواء السبيل ) .
50 - وتنظيم التعاون بين هذه الجهات ا الثلاث فى سبيل إصلاح المجتمع على هذا النحو مما يسمى حاليا بعلم تنسيق المجتمع . (Community Organization ) وليس عندى ما يؤكد أن الأستاذ البنا قد درس هذا العلم أو قرأ عنه ، وإن كانت ظواهر الأمور تحكم أنه كان يسنده ظهير كبير من سعة المعلومات ، كما قال عنه أحد الكتاب : " حيثما وجهت طرفك فى ميادين الاقتصاد والسياسة والقانون أو الفقه والتاريخ والتصوف ، أو الإدارة والشركات والمشاريع ، أو فى الصحافة والطباعة والتوزيع ، وجدته دارسا فاهما " .
51 - كما كنا نسمع أنه كان يلتهم النظريات العلمية الحديثة التى ظهرت فى علم النفس أو علم الاجتماع ، ويحاول تطبيقها والانتفاع بها.
ولعله من المفيد فى معرض الحديث عن الروحانية الاجتماعية أن نعرض لرأى للأستاذ البنا قسم فيه مراحل تطور عقلية الإنسان إلى ثلاث مراحل :
ا - طور الخرافة والبساطة والتسليم المطلق للغيب المجهول له ، والقوى البعيدة عنه ، فهو ينسب إليها كل شئ ، ويفسر بها كل شئ ، ولا يرى لنفسه معها عملا ولا فكرا . أو ما يسمى بالعقلية الغيبية .
2 - وطور الجمود والتنكر لهذا الغيب المجهول ، والخروج عن القوى البعيدة عن حس الإنسان ، والرد على كل ما يتصل إليها بسبب ، ومحاولة تفسير مظاهر الكون جميعا محاولة مادية صرفة وفق قوانين تجريبية اهتدى إليها الإنسان بطول تجاربه ، ودوام بحثه وتفكيره ، أو ما يسمى بالعقلية العلمية .
وفى هذا الطور أنكر الإنسان المادى الألوهية وما يتصل بها ، والنبوات وما يحدث عنها ، والآخرة والجزاء والعالم الروحى بكل مافيه :
3 - العقلية الاسلامية . أو الجمع بين الإيمان بالغيب ، والانتفاع بالعقل ، فنحن نعيش فى عالمين فعلا لا فى عالم واحد ، ونحن عاجزون عن تفسير كثير من مظاهر الكون فعلا ، فلذلك كان لزاما على الناس .
52 - أن يعودوا إلى الإيمان بالله ، وبالنبوات وبالروح وبالحياة الاخرة فى الوقت الذى يجب عليهم فيه أن يطلقوا لعقولهم العنان لتعلم . وتعرف وتخترع ، وتكشف ، وتسخر هذه المادة الصماء ، وتنتفع بما فى الوجود من خيرات وميزات .
ويتفق هذا التقسيم إلى حد كبير مع تقسيم " أوجست كومت " (August Comte )العالم الاجتماعى الكبير الذى قسم مراحل التطور الإنسانى إلى ثلاث
1 - المرحلة الدينية (Teological Stage ) وفى هذه المرحلة يعلل الإنسان كل شئ بأن مرجعه إلى الله .
2 - المرحلة الطبيعية (Metaphysical Stage )
وفى هذه الحالة يحلل الإنسان الشئ تحليلا طبيعيا كأن يعلل لا المطر بأنه نتج من السحب التى تبخرت من مياه البحر والمحيطات .
3 - المرحلة الموضوعية أو العملية . ( Positive Stage ) وفى هذه المرحلة يحلل الإنسان الشىء تحليلا علميا ، فمثلا يستطيعون حاليا فى أمريكا معرفة مقدار البوصات التى سوف تنزل من المطر ، وذلك لكثرة الأجهزة العلمية عندهم .
53 - ومن العجيب أن يأتى تفكير الأستاذ البنا فى هذه الناحية الاجتماعية الصرفة أقوى من تفكير مؤسس علم الاجتماع . فقد أدمج الأستاذ البنا المرحلتين الطبيعية والموضوعية فى مرحلة واحدة ، هى التى سماها مرحلة العقلية العلمية . ومن الطبيعى أن تحليل الإنسان للظواهر تحليلا طبيعيا يستلزم معرفة الإنسان بعلوم الطبيعة والكون ، مما يؤكد إمكان إدماجها فى المرحلة العلمية . وزاد الأستاذ البنا عن " أوجست كومت " مرحلة اكثر تقدمية ، وهى مرحلة العقلية الاسلامية ، التى توفق بين العقليتين الغيبية والعلمية ، وتؤكد أن الإنسان يستطيع أن يحيا مع روحه فى عالم ما وراء المادة ، ويحيا بعقله فى عالم المادة .
وعلى هذا الأساس من الجمع بين الروح والمادة لصلاح المجتمع وعمرانه ، قام مبدأ الروحانية الاجتماعية فى نفوس الإخوان وعقولهم ، ولم يكن هناك أدنى تعارض عندهم من أن يكونوا رهبانا بالليل ، وفرسانا بالنهار .
(جـ) العقلية الإيجابية : وأعنى بها تلك العقلية الإنشائية التى تفكر فى أن تبنى ولا تهدم ، وتصدح ولا تحطم ، وتتعالى عن سفاسف الأمور وتنشغل بعظائمها ، وتتوجه إلى أهداف الدين الأساسية فتعمل على تحقيقها ، بدلا أن تضيع قرونا طويلة من الزمان فى الخلاف حول أمور فرعية لا تمس جوهر الدين فى شئ ، كما حدث فى مسألة التوسل والوسيلة . وكانت العقلية الإيجابية هى طابع الإخوان ، فدعوتهم دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة ، ولا تنحاز إلى رأى عرف عند الناس بلون خاص ، ومستلزمات وتوابع خاصة ، وهى تتوجه إلى صميم الدين ولبه ، وتود أن تتوحد وجهة الأنظار والهمم ، حتى يكون العمل أجدى ، والإنتاج أعظم وأكبر .
54 - وهم لهذا متسامحون بعكس ما أشيع بالباطل عنهم ، واسعو الأفق غير محدودى التفكير ، يتميزون بالمرونة العقلية ، ويجيزون الخلاف فى المسائل الفرعية فى الدين ويعتبرونه ضرورة . فهن نعتقد أن الخلاف فى فروع الدين أمر لابد منه ضرورة ، ولا يمكن أن نتحد فى هذه الفروع والاراء والمذاهب لأسباب عدة : منها اختلاف العقول فى قوة الاستنباط أو ضعفه ، وإدراك الدلائل والجهل بها ، والغوص فى أعماق المعانى وارتباط الحقائق بعضها ببعض ، ومنها سعة العلم وضيقه واختلاف البيئات واختلاف تقدير الدلالات . . . كل هذه الأسباب جعلتنا نعتقد أن الإجماع على أمر واحد من فروع الدين مطلب مستحيل ، بل هو يتنافى مع طبيعة الدين ، وإنما يريد الله لهذا الدين أن يبقى ويخلد ويساير العصور ويماشى الأزمان .
55 - ثم تبدو العقلية الإيجابية فى أوضح مظاهرها حيث يدعوالإخوان إلى الاتجاه لما هو أنفع من ذلك كله على الناس والمجتمع ، ومحاربة المنكرات الشائعة التى تخالف لب الدين وصميمه ، بدلا من ضياع الجهود والأوقات فى الخلاف حول الأمور الفرعية " ويعلم الإخوان المسلمون أن هناك ناحية اجتماعية هى أخطر النواحى على كيان هذا الدين ، وحبذا لو وجهت جهود الدعاة من المسلمين إلى جمع الناس حول محاربة هذه النواحى الخطرة التى تهدد الدين من أساسه ، والتى نحن جميعا مجمعون على استنكارها ووجوب العمل على إزالتها " ثم يلخصون رأيهم فى هذه الناحية : بأنهم يجيزون الحلاف ، ويكرهون التعصب للرأى ، ويحاولون الوصول إلى الحق . ويحملون الناس على ذلك بأسف وسائل اللين والحب .
56 - ولهذا كله نص القانون الأساس للاخوان المسلمين على أن الإخوان :
" هيئة إسلامية جامعة ، تعمل لتحقيق الأغراض التى جاء من أجلها الاسلام الحنيف ، ومما يتصل بهذه الأغراض ويتناول الناحية الروحية التى نحن بصددها :
أ) شرح دعوة القران الكريم شرحا دقيقا يوضحها ويردها إلى فطريتها وشمولها ، ويعرضها عرضا يوافق روح العصر ، ويرد عنها الأباطيل والشبهات .
(ب ) جمع القلوب والنفوس على هذه المبادئ القرآنية وتجديد أثرها الكريم فيها ، وتقريب وجهات النظر بين الفرق الاسلامية المختلفة .
الفلسفة الاقتصادية :
57- إن فلسفة الإخوان الاقتصادية ، ليست من طراز ذلك الاقتصاد المجرد ، الذى يعتبر الخمر والخنزير مما يدخل فى باب المتاع أو المنفعة الاقتصادية ، لأنها تشبع حاجة من الحاجات ، ولكنها أولا وقبل كل شئ مستمدة من طبيعة الاسلام ، ولا تستطيع أن تخرج عن حدود الاسلامية التى هى شعار دعوتهم فى قليل أو كثير ، فالخمر والخنزير ليست متاعا ، أو منفعة اقتصادية ، فى عرفهم ، لأن الحاجات التى تصلح لإشباعها ليست موجودة أصلا فى المجتمع الاسلامى الذى يسعون لإنشائه ، كما أن شريعة الاسلام التى تقضى بالتكافل الاجتماعى بين أفراده جميعا ، وتحتم الضمان الاجتماعي لكل مواطن لا تخضع فى تشريعها خضوعا كاملا للسياسة الاقتصادية البحتة ، التى تعمل على تمويل المشاريع الإنتاجية ، وإهمال المشاريع الاستهلاكية ، فالضمان الاجتماعى الذى هو فى عرف الاقتصادينن الخلص مشروع استهلاكى ، يجب إهماله . هو فى عرف الاسلام الذى يستمد منه الإخوان فلسفتهم ، واجب يتحتم على الدولة قضاؤه ، فإن القوانين الدولية تلزم الدولة بالإنفاق على أسرى الحرب ، وكفالة الطعام والشراب واللباس والمأوى ، ولا تستطيع الدولة أن تهمل الأسرى فتتركهم فريسة للجوع والعرى ، بحجة أن الإنفاق عليهم من باب المشاريع الاستهلاكية ، فأولى ثم أولى على الدولة أن تراعى مواطنيها الضعفاء ، الذين وقعوا أسرى الفقر والمرض ، ولن تكون الدولة أبر بأبناء أعدائها بحكم القوانين الدولية ، منها ببنيها الأعزاء بحكم العدالة الاجتماعية .
وعلى هذا فيمكننا أن نقول إن فلسفة الإخوان الاقتصادية هى من ذلك النوع الذى يسمونه الان " بالاقتصاد الاجتماعى "، على أنهم فى سبيل تنظيم الشئون الاقتصادية وإنعاشها قد نادوا ولا زالوا ينادون بالمطالب الاتية :
1 - استقلال النقد :
كان الإخوان من أشد الحاملين على اعتماد رصيد الدولة على أذونات الخزانة البريطانية . وعلى الاستغلال الشائن الذى استغله البنك الأهلى لقرار وفي وزارة المالية غير الموقع من أحد فى يونيو سنة 1916 ، فيصدر بمقتضاه من الأوراق المالية ما يشاء . وظلوا ينادون بضرورة استقلال النقد ، حتى انفصلت مصر عن كتلة الاسترلينى ، ثم تابعوا حملتهم بضرورة تدعيم الغطاء الذهبى للنقد ، وتأميم البنك الأهلى ، ومطالبة الإنجليز بالديون المتأخرة عليهم وقد حققت الدولة كثيرا من هذه الأمور بفضل مطالبهم وإلحاحهم .
2 - تمصير الشركات :
كما كانوا ينادون بضرورة تمصير الشركات ، وإحلال رءوس الأموال الوطنية محل رءوس الأموال الأجنبية ، كلما أمكن ذلك ، وتخليص المرافق العامة ، وهى أهم شئ للأمة من يد غير أبنائها . كشركة النور ( إدارة الغاز والكهرباء الان ) وشركة المياه ، وشركات المواصلات الداخلية والخارجية. كما كانوا يستنكرون أن يكون استغلال الثروة المعدنية حتى الملح والصودا فى يد شركات أجنبية ، ولا يصيب الجمهور الوطنى ، أو العامل الوطنى منها إلا البؤس والشقاء والحرمان .
3- التصنيع :
وهم يعتقدون ( أن التحول إلى الصناعة فورا من روح الاسلام ، الذى يقول نبيه صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب المؤمن المحترف " والذى أثنى على داود وسليمان بهذا التقدم الصناعى ، وذكر لنا من دقائق الرقى فيه ما أعجز البشر . وحرام على الأمة التى تقرأ فى كتابها من الثناء على داود عليه السلام . ( وألنا له الحديد " أن اعمل صابغات وقدر فى السرد ) ، وتقرأ ( وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم ) ثم لا يكون فيها مصنع للسلاح . ثم تقرأ ( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا ال داود شكرا ) ثم لا يكون فيها مسبك عظيم ، ولا مصنع كامل للأدوات المعدنية ثم تقرأ : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس )، ثم تهمل ما عندها من هذا المعدن هذا الإهمال ، وهو من أجود الأنواع ويكفى العالم مائتى عام كما قدر الخبراء .
4 - نظام الملكيات فى مصر :
58 - سيعجب الكثيرون عندما يقرءون أن الإخوان أول من نادى بتحديد الملكية ، الذى كان من أهم المشاريع الإصلاحية التى حققها العهد الحاضر . . ولكن عجبهم سيزول عندما يعرفون أن المرحوم الأستاذ البنا نفسه هو الذى طالب بذلك على صفحات جريدة الإخوان المسلمين ، وكان ذلك طبعا قبل ديسمبر سنة 1948 ( تاريخ حل الإخوان ) وقبل أن تقوم ثورة الجيش بسنوات . " توجب علينا روح الاسلام الحنيف ، وقواعده الأساسية فى الاقتصاد القومى . أن نعيد النظر فى نظام الملكيات فى مصر فنختصر الملكيات الكبيرة ونعوض أصحابها عن حقهم بما هو أجدى عليهم وعلى المجتمع ، ونشجع الملكيات الصغيرة ، حتى يشعر الفقراء المعدمون بأنه قد أصبح لهم فى هذا الوطن ما يعنيهم أمره ، ويهمهم شأنه ، وأن توزع أملاك الحكومة حالا على هؤلاء الصغار حتى يكبروا ". .
5- تنظيم الغرائب :
59 - وتوجب علينا روح الاسلام فى تشريعنا الاقتصادى ، أن نبادر بتنظيم الضرائب الاجتماعية . وأولها ضريبة الزكاة ، وليس فى الدنيا تشريع فرض الضريبة على رأس المال . لا على الربح وحده . كالاسلام وذلك لحكم كثيرة منها : محاربة الكنز ، وحبس الأموال عن التداول ، وما جعلت الأموال إلا وسيلة لهذا. التداول ، الذى يستفيد من ورائه كل الذين يقع فى أيديهم هذا المال المتداول . فلا بد من العناية بفرض ضرائب اجتماعية على النظام التصاعدى ، بحسب المال لا بحسب الربح ، يعفى منها الفقراء طبعا ، وتجبى من الأغنياء الموسرين ، وتنفق فى رفع مستوى المعيشة بكل الوسائل المستطاعة ، ومن لطف عمر رضى الله عنه أنه كان يفرض الضرائب الثقيلة على العنب لأنه فاكهة ا لأغنياء . و الضريبة التى لا تذكر على التمر لأ نه طعام الفقراء
6 - محاربة الربا :
وتوجب علينا روح الاسلام أن نحارب الربا حالا . ونحرمه ونقضى على كل تعامل على أساسه ، ولقد كان المصلحون يتجنبون أن يقولوا فى الماضى هذا الكلام . حتى لا يقال لهم إن ذلك مستحيل . وعليه دولاب الاقتصاد العالى كله . أما الآن فقد أصبحت هذه الحجة واهية ساقطة لا قيمة لها بعد أن حرمت روسيا الربا وجعلته أفظع المنكرات فى دارها .
7 - تشجيع الصناعات المنزلية :
كما يجب تشجيع الصناعات المنزلية واليدوية ، وهذا هو باب الإسعاف السريع لهذه العائلات المنكوبة ، وباب التحول إلى الروح الصناعى والوضع الصناعى ، وأول ما تفعله هذه الأيدى العاطلة الغزل والنسيج بالأنوال الصغيرة ، وصناعة الصابون ، وصناعة العطور والمربات وأنواع وصنوف كثيرة تستطيع النساء والبنات والأولاد أن يشغلوا الوقت فيها .
فتعود بالربح الوفير ، وتمنعهم بؤس الحاجة وذل السؤال .
8 - تقليل الكماليات والاكتفاء بالضروريات :
وأن يكون الكبار فى ذلك قدوة للصغار ، فتبطل هذه الحفلات الماجنة ويحرم هذا الترف والإسراف الفاسد . وهى أمور يحتمها الاسلام وتحتمها الظروف القاسية الحاضرة والمنتظرة . كما أنها سياسة تتفق كثيرأ مع سياسة التقشف التى يدعو إليها العهد الحاضر . وقد نفى القانون الأساسى للاخوان المسلمين على أن من مبا دئهم :
" تنمية الثروة القومية وحمايتها وتحريرها ، والعمل على رفع مستوى المعيشة " .
وجدير بالذكر أن هذه الاراء والمقترحات جميعا قد اندثرت ولم تظهر معالمها فى الفكر الاسلامى فى خلال عهود تخلف الدول الاسلامية إلى أن بعثتها فكرة الإخوان .
9 - الإخوان ومشكلة السكان :
لم يتناول الأستاذ البنا هذه المشكلة فى رسائله إلى الإخوان وإن كان اعتقاد الإخوان دائما هو أن مصر لا تشكو من قلة الموارد التى تكفى حاجة سكانها . وإنما تشكو من سوء توزيع الثروة ، وعدم استغلال الثروة المعدنية ، والعمل على توسيع رقعة الأرض الزراعية . وبالجملة ، فقد كانوا يؤمنون " بالوسائل الإيجابية " فى علاج مشكلة السكان ، كما يتضح من النص الذى أثبتناه من قانونهم الأساسى ، ومن المقترحات العملية السابق ذكرها . أما عن الموانع أو " الوسائل السلبية " لعلاج مشكلة السكان بالامتناع كلية عن الزواج ، أو تأخير سن الزواج ، أو تقييد حجم الأسرة ، أى " تحديد النسل " فيبدو أنها وسائل لا تروق فى نظر الإخوان . فقد ألقى المرحوم الأستاذ البنا سلسلة محاضرات عن الأسرة والزواج ، وكيف يحض الاسلام على تكوينها ، وكان يحمل على الإخوان الذين تسمح لهم ظروفهم المادية بالزواج ولا يتزوجون ، وهى سياسة تتفق ودعوتهم الاسلامية التى تولى عناية كبيرة للأخذ بأسباب الحصانة الخلقية بالزواج ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الزواج نصف الدين " كما أن الاسلام يرغب فى زيادة النسل ، ويسعى إليها بشتى الوسائل " تناكحوا ، تناسلوا ، تكاثروا ، فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة " .
61 - أما عن تحديد النسيل فبالرغم من أنهم لايعتقدون فى حرمته إذا كانت تقتضيه ضرورات محترمة . إلا أن أحد كتابهم قد تناول هذا الموضوع ردا على كاتب اخر طالب بتحديد النسل كعلاج لمشكلة الفقر فقال تحت عنوان تكثير النسل لا تحديده :
" الحقيقة أن الفقر فى مصر مرده إلى سوء توزيع الثروة ، لا قلة الإنتاج ، ثم إن ما يمكن إنتاجه أضعاف ما نحصل عليه فعلا ، ولو أن كل يد تستطيع العمل وجد لها المجال الذى تكدح فيه ، ولو أن الثروة الوطنية بعد ذلك وزعت على العاملين لا على القاعدين ، لما كان فى مصر بائس ولا محروم ، إن مصر تتسع لأربعين مليونا ولا يضج فرد فيها بشكوى لو أن الحكومات فى مصر فكرت فى استغلال الصحراء بالزراعة والتعدين . وفكرت فى استغلال بحارها الواسعة ، وفكرت فى استغلال موقعها العالمى الفريد ، وفكرت فى استغلال نيلها الذى يفيض بالخير الدافق كل عام ، .
62 - وهذا الرأى هو ترديد لما سبق أن ذكرناه من مقترحات الإخوان ، وتأكيد لاعتقادهم فى جدوى الموانع الإيجابية لمشكلة السكان ، وفى انها تغنى عن استعمال الموانع السلبية ، وتكفى لمواجهة المشكلة .
غير أننا مع تقديرنا للآراء المخلصة التى أدلى بها الكاتب المحترم لا نستطيع أن نوافقه على أن الفقر مرده فى مصر إلى ( سوء توزيع الثروة ) ،لا قلة الإنتاج ، وقوله إن مصر تتسع لأربعين مليونا ولا يضج فرد فيها بشكوى . ونلتمس للأستاذ الكاتب العذر فى نفس الوقت ، فبالإضافة إلى أنه ليس اختصاصيا فى الاقتصاد ، فقد غلبته الحماسة وهو فى معرض الرد على كاتب اخر دفاعا عن عقيدة دينية .
أما سوء توزيع الثروة فالجميع متفق عليه بلا استثناء والذى يقصد الاعتراض عليه هو إنكار قلة الإنتاج . أما الرد عليه فهو : لا أن الكسب فى مساحة الحاصلات المترتب على تحويل الحياض إلى الرى الصيفى أو المستديم بلغ نحو " 25 % " مما كان عليه فى بداية هذا القرن . لكن متوسط غلة الفدان لم يتحسن بوجه عام مما كان عليه إذ ذاك . فزادت كمية الإنتاج الزراعى بمقدار25 % فى نصف قرن ، بينما زاد عدد السكان بمقدار 100 % .
63 - وعلاوة على ذلك تبين الإحصاء ات الزراعية هبوطا محسوسا فى غلة أهم الزراعات الغذائية كما يتضح من الأرقام الآتية :
النوع | متوسط 1932 -1939 | متوسط 1946- [[ 1949]] | الفرق |
---|---|---|---|
قمح بالأردب | 5.65 | 4.85 | - 0.80 |
ذرة شامية | 26 ، 7 | 28 ، 6 | - 98 ، 5 |
ذرة رفيعة | 23 ، 8 | 54 ، 7 | - 69 ، . |
شعير | 66،6 | 29،6 | -37،. |
عدس | 12 ،4 | 07، 4 | - ه . ، . |
فول | 71 ، 4 | 76 ، 4 | - ه . ، . |
بصل بالقنطار | 38 1 | 4 4 1 | + 6 |
قصسب السكر | 754 | 613 | – 141 |
وأغلب الظن أن هذا الهبوط راجع إلى اطراد إجهاد التربة تبعا لزيادة استغلالها بالدورة الثنائية من جهة ، وإلى نقص ( فى الكم وفى النوع ) فى الأسمدة اللازمة لتعويض خسارة التربة فى العناصر المعدنية ( ازوت ، كالسيوم ، فوسفور . .. ) من جهة أخرى .
64 - أما القول بأن - مصر تتسع لأربعين مليونا ولا يضج فرد فيها بشكوى فهو لا يخلو من المبالغة التى أملتها الناحية الحماسية كما سبق الإيضاح ، فالأرقام الإحصائية توقفنا على حقائق مروعة . فقد زاد عدد السكان فى مصر من 9.700.000 سنة 1900 إلى 16.200.000 سنة 1938 . أى زاد عدد السكان بنسبة 7 6% وكانت نسبة الزيادة خلال نفس المدة فى إنجلترا وويلز26.9% و فر نسا 3 % وألما نيا 37 % .
هذه الزيادة الكبيرة فى عدد السكان لم تكن مصحوبة بزيادة مماثلة فى الأرض المنزرعة ، ولم تكن كذلك مصحوبة بنمو الصناعة والتجارة نموا يخفف من حدة هذه الكثرة . أى أن الأرض المنزرعة لم تزد زيادة كبيرة ، فمساحة المحاصيل سنة 1886 كانت 6. 6 مليون فدان وكانت سنة 1947 - 5 ، 8 مليون .
65 - كما أن معظم الاقتصادين قد اتفقوا على أن الحجم الأمثل للسكان فى مصر (Optimum Population)لا يزيد عن 12 مليون " ويمكن أن يقدر عدد السكان الذى يتناسب مع الاقتصاد المصرى وطاقته الإنتاجية الحالية بنحو 10 أو 12 مليون فقط .. ومنذ أن جاوز عددهم هذا الحد . أصبحت مصر فى ازدحام حقيقى . وكانت النتائج المترتبة حتما على زيادة السكان عن القدر المناسب " .
3 - الفلسفة الاجتماعية :
66 - إذا كانت الناحية الروحية هى المرتكز الأول فى دعوة الإخوان كما سبق أن قلنا وكانت الناحية الاقتصادية من الدعائم القوية التى لا بد منها لكل دعوة وفكرة . فإن الناحية الاجتماعية هى الهدف الأسمى والغاية العظمى فى دعوة الإخوان . فهى دعوة اجتماعية أولا وقبل كل شئ ، ترمى إلى إصلاح المجتمع أفرادا ، وأسرا ، وشعوبا وحكومات . وتحاول أن تعاون هؤلاء جميعا بأن تقدم لهم النظام الإصلاحى فى كل شأن من شئونهم كما يراه الاسلام . وكما يعتقد الإخوان أنه أحسن الحلول لمشاكل الأفراد والجماعات والأمم والحكومات . ولذلك نستطيع أن نقول إن فلسفتهم الاجتماعية إنسانية إصلاحية . وإن شئت فقل إنها أيضا إسلامية تتفق مع عقيدتهم الراسخة فى أن الاسلام نظام اجتماعى كامل لا دين فحسب . ولكن كلمة الاسلامية هذه لا يكفى تكرارها لكى تتضح فى أذهان الناس . فلذلك رأيت أن أقسم فلسفة الإخوان الاجتماعية فى نطاق عقيدتهم الاسلامية إلى نقاط ثلاث :
أ- بناء المجتمع الاسلامى .
ب - الوطنية الاسلامية .
جـ - الإنسانية العالمية .
ولنتناول هذه النقاط الثلاث بشئ من التفصيل فنقول :
أ - بناء المجتمع الاسلامى :
يعتقد الإخوان أن المجتمع الاسلامى هو المجتمع المثالى الذى يسعون إليه والذى تنشده الإنسانية لتظفر بما تحلم به من سعادة واستقرار ويحددون قواعد الإصلاح الاجتماعية التى يمكن أن تيسر بناء المجتمع الاسلامى والتى استمدوها من القران الكريم بما يأتى :
1- إعلان الأخوة بين الناس .
2 - النهوض بالرجل والمرأة جميعا وإعلان التكافل والمساواة بينهما فى الحقوق الإنسانية.
3ـ تأمين المجتمع بتقرير لاحق الحياة ، والملك ، والعمل ، والصحة ، والحرية والعلم ، والأمن لكل فرد . وتحديد موارد الكسب .
4 - ضبط الغريزتين : غريزة النفس ( البحث عن الطعام ) وحفظ النوع ( الغريزة الجنسية ) وتنظيم مطالب الفم والفرج .
5 - الشدة فى محاربة الجرائم الأصلية .
6 - تأكيد وحدة الأمة والقضاء على كل مظاهر الفرقة وأسبابها .
7 - إلزام الأمة بالجهاد فى سبيل مبادئ الحق التى جاء بها هذا النظام .
8 - اعتبار الدولة ممثلة للفكرة وقائمة على حمايتها ومسئولة عن تحقيق أهدافها فى المجتمع الخاص وإبلاغها إلى الناس جميعا ويحددون لهذا النظام شعائر عملية لا بد أن تمارس فعلا لا قولا حتى ينصهر الناس فى بوتقة هذا النظام . ويصقلون بجلائه . ويتشربون روحه ، ومن هذه الشعائر :
1- الكسب والعمل وتحريم السؤال .
2 - الجهاد والنضال وتجهيز المقاتلين ورعاية أهليهم ومصالحهم من بعدهم . 3 - الأمر بالمعروف وبذل النصيحة .
4 - النهى عن المنكر ومقاطعة مواطنه وفاعليه .
5- التزود بالعلم والمعرفة لكل مسلم ومسلمة فى فنون الحياة الختلفة كل فيما يليق به .
6 - حسن المعاملة وكمال التخلق بالأخلاق الفاضلة .
7 - الحرص على سلامة البدن والمحافظة على الحواس .
8 - التضامن الاجتماعى بين الحاكم والمحكوم بالرعاية والطاعة
67 - وعلى قواعد هذا النظام الاجتماعى القرآنى ، يريد الإخوان بناء مجتمع إسلامى فاضل . يؤمن جهذه المبادئ إيمانا عميقا . ويطبقها تطبيقا دقيقا . وفى سبيل استكمال هذا البناء لا يمانع الإخوان فى الأخذ بأسباب العلوم والحضارة النافعة من الأم الأخرى ، من غير أن يؤثر ذلك على القومية الاسلامية للأمة . واعتزازها بطابعها . ويضربون المثل لذلك بالأمم الاسلامية السابقة . وقد اتصلت هذه الأمم الاسلامية بغيرها من الأمم . ونقلت كثيرا من الحضارات ولكنها تغلبت بقوة إيمانها ومتانة نظامها عليها جميعا . فعربتها أو كادت ، واستطاعت أن تصبغها ، وأن تحملها على لغتها ودينها . ولم يمنعها أن تأخذ النافع من هذه الحضارات جميعا ، من غير أن يؤثر ذلك فى صبغتها الاجتماعية أو السياسية.
68 - أما وسيلة الإخوان لبناء المجتمع الاسلامى فيمكن تلخيصها فى أربع مراحل :
1- الفرد المسلم.
2- الأسرة المسلمة .
3 - الأمة المسلمة.
4- الحكومة المسلمة .
1-الفرد المسلم :
يعتقد الإخوان أنه لا يمكن أن تتحقق اليقظة الروحية التى يدعون الناس إليها قبل أن تسبقها نهضة شاملة تتناول الأفراد والأسر والجماعات . وأعلنوا أنهم سيعملون على تربية الفرد حتى يصير نموذجا قائما لما يريده الاسلام للأفراد . وأن الاسلام يريد فى الفرد وجدانا شاعرا يتذوق الجمال والقبح . وإدراكا صحيحا يتصور الصواب والخطأ ، وإرادة حازمة لا تضعف ولا تلين أمام الحق ، وجسما سليما يقوم بأعباء الواجبات الإنسانية حق القيام ، ويصبح أداة صالحة لتحقيق الإرادة الصالحة . ويقصد الحق والخير . ولهذا أوجبوا على الأخ المسلم أن يتعبد بما أمره الله به ليرقى وجدانه ، وأن يتعلم ما وسعه العلم ليتسع إدراكه ، وأن يتخلق بأخلاق الاسلام لتقوى إرادته . وأن يلتزم نظام الاسلام فى الطعام والشراب والنوم . ليحفظ عليه بدنه من غوائل الأمراض والسقام . وأوضحوا أن هذه القواعد للرجال والنساء على السواء .
2 - الأسرة المسلمة :
وسيكون لهذا الإصلاح الفردى أثره فى الأسرة . فإنما الاسرة مجموعة أفراد ، فإذا صلح الرجل والمرأة وهما عماد الأسرة ، استطاعا أن يكوّنا بيتاً نموذجيا على القواعد التى وضعها الاسلام ، وقد وضع الاسلام قواعد البيت فأحكم وضعها . فأرشد إلى حسن الاختيار . وبين أفضل الطرائق للارتباط ، وحدد الحقوق والواجبات ، وأوجب على الطرفين رعاية ثمرات هذا الزواج حتى تينع وتنضج ، فى غير عبث ولا إهمال . وعالج ما يعترض هذه الحياة الزوجية من المشكلات أدق علاج . واختط فى كل نظراته طريقا وسطا لا تفريط فيه ولا إفراط .
2-الأمة المسلمة :
وإذا صلحت الأسرة فقد صلحت الأمة . وإنما الأمة مجموعة هذه الأسر . وقد وضج الاسلام للأمة قواعد الحياة الاجتماعية السعيدة ، فعقد بين بنيها آصرة الأخوة وجعلها قرينة الإيمان . ورفع مستوى هذه الصلة إلى المحبة بل إلى الإيثار . وقضى على كل ما من شأنه أن يمزق هذه الروابط ، أو يضعف هذه الوشائج وحدد الواجبات والحقوق والصلات . وبين للعلاقات نجين الناس أحكامها بأفصح بيان . ولم يجعل لأحد على أحد فضلا إلا بالتقوى .
4 - الحكومة المسلمة :
69 - وغاية ما يسعى إليه الإخوان هو إقامة الحكومة الاسلامية التى تطبق نظام الاسلام فى الحكم تطبيقا صحيحا كاملا شاملا . والدولة التى تقود الأمة الاسلامية ، وتضم شتات المسلمين ، وتستعيد مجدهم وترد عليهم أرضهم المفقودة . وحقوقهم المسلوبة ، وبلادهم المغصوبة . ثم تحمل علم الجهاد ولواء الدعوة إلى الله . حتى تسعد العالم بتعاليم الاسلام .
70 - وهكذا يتكون المجتمع الاسلامى يحمل فى طابعه الوحدة التى تضم الحاكمين والمحكومين على السواء .
حكم الأقليات والأجانب فى هذا المجتمع :
يرى الإخوان أنه ليس هناك تعارض بالمرة من وجود أقليات غير إسلامية ، مع التمسك بالنظام الاسلامى ، فيقول المرشد الأول الأستاذ البنا : " يظن الناس أن التمسك بالاسلام وجعله أساسا لنظام الحياة ينافى وجود أقليات غير مسلمة فى الأمة المسلمة . وينافى الوحدة بين عناصر الأمة ، وهى دعامة قوية من دعائم النهوض فى هذا العصر ، ولكن الحق غير ذلك بالمرة ، فإن الاسلام قد احتاط لتلك العقبة ، فلم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الواضح الذى لا يحتمل لبسا ولا غموضا فى حماية الأقليات : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) فهذا النص لا يشتمل على الحماية فقط ، بل أوصى بالبر والاحسان إليهم ".
71 - ويقول المرشد الحالى للاخوان الأستاذ " الهضيبي " : " إن مما أتى به الاسلام فيما يعتبر من المعاملات ما يسمى بقوانين الأحوال الشخصية . وهذه لاتنفق على المسيحيين ولا على غيرهم . بل ينفق عليهم حكم ديانتهم . لذلك أمرنا بتركهم وما يدينون . فما داموا متفقين على التحاكم إلى كتابهم فليس لنا بهم شأن ، أما إذا جاءونا ، فإننا نحكم بينهم بما أنزل الله . أما المعاملات مثل البيع والإجارة والرهن . فليس للمسيحية فيها نصوص . فلذلك كان الأخذ بما تراه الأغلبية فى مصلحتها واجبا ؛ يأخذه المسلمون على أنه دين ؛ ويأخذه المسيحيون على أنه قانون . على أن المعاملات فى شريعة الاسلام غاية فى السمو والعدالة ؛ وليس للمسيحيين أن يشكوا من أنها تحرم الربا فإنه محرم فى ديانتهم ، وقد أقام المسيحيون على ذلك ثلاثة عشر قرنا ؛ حتى أصبحت شرائع الاسلام فى هذه الناحية تعتبر بالنسبة لهم شرائع قومية " .
ب - الوطنية الاسلامية :
72 - ولعل هذا التعبير جديد على الأسماع . ولكنه التعبير الصحيح عن الوطنية كا يفهمها الإخوان . فهم يربطون كل أعمالهم ومبادئهم ومعتقداتهم بالاسلام . فالوطنية عندهم ليست إلا جزءأ- من الدين . فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( الوطنية من الإيمان " وهم حينما يعملون للوطن ، انما يعتقدون أن عملهم هذا لون من العبادة ، التى يتقربون بها إلى الله . وهذا يتفق مع ما سبق أن أوضحناه فى فهمهم الواسع للدين ، وربطهم الدين بالحياة . غير أنهم يختلفون مع دعاة الوطنية المجردة إلى جوار ذلك فى مبدأ اخر من الأهمية بمكان . ولعله هو المبدأ الذى تقوم عليه وطنيتهم . وهذا المبدأ هو أنهم : ( يعتبرون حدود الوطنية بالعقيدة ، لا بالتخوم الأرضية ، والحدود الجغرافية ، فكل بقعة فيها مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وطن له حرمته ، وقداسته ، وحبه ، والإخلاص له ، ،والجهاد فى سبيل خيره . وكل المسلمين فى هذه الأقطار الجغرافية أهلنا ، وإخواننا ، نهتم لهم ، ونشعر بشعورهم ونحس بإحساسهم ودعاة الوطنية فقط ليسوا كذلك ، فلا يعنيهم الا أمر تلك البقعة المحدودة والضيقة من رقعة الأرض ) .
73 - على أنه من المستحسن أن نعرض لرأى الإخوان ازاء الآراء والاتجاهات المختلفة التى تتناول ، الوطنية من قريب أو بعيد ، والتى عاصرت مدة قيامهم بدعوتهم ومنها:
1 - القومية :
يؤيد الإخوان القومية المصرية ويعتقدون أن هذا يتفق مع مبادئهم . بل ويعتزون بهذه المصرية ويخلصون لها لأن مصر وطنهم الأول الخاص : ( اننا نعتز بأننا مخلصون لهذا الوطن عاملون له ، محبون له ، مجاهدو ن فى سبيل خيره ، و سنظل كذلك ماحيينا ، معتقدين أن هذه هى الحلقة الأولى فى سلسلة النهوض المنشود وأنها جزء من الوطن العربى العام وأننا حين نعمل لمصر نعمل للعروبة والشرق والاسلام .
74 - ولكن الإخوان لا يؤمنون بالقومية العنصرية التى حاول الغربيون المستعمرون استثارتها فى الشعوب العربية حتى تتفكك روابطها ، وتنفصم عرى وحدتها ( فالإخوان المسلمون لا يؤمنون بهذه المعانى ولا بأشباهها ، ولا يقولون فرعونية ، وعربية ، وفينيقية ، وسورية ، ولا شيئا من هذه الألقاب والأسماء التى يتنابز بها الناس . ولكنهم يؤمنون بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالاباء ، الناس لآدم وآدم من تراب ، لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى ) .
2 - الجامعة العربية :
75 - يشجع الإخوان الجامعة العربية لأنها تضم شتات الأمم العربية ومعظمها إسلامية . ويعتبرون أن هذه خطوة فى سبيل تحقيق أمل (من آمالهم وهو الجامعة الاسلامية .
ويعتقدون أن عزة العرب عزة للإسلام كقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (إذا ذل العرب ذل الاسلام ) ولن ينهض الاسلام بغير اجتماع كلمة الشعوب العربية ونهضتها وأن " كل شبر أرض فى وطن عربى نعتبره من صميم أرضنا ومن لباب وطننا ، فهذه الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية لا تمزق فى أنفسنا أبدا معنى الوحدة العربية الاسلامية " كما أنهم يعتقدون أن العروبة يحددها اللسان والاسلام ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
" يأيها الناس إن الرب واحد ، والأب واحد ، والدين واحد ، وليست العربية بأحد من أب ولا أم ، وإنما هى اللسان ، فمن تكلم العربية فهو عربى " وهم لهذا يعتقدون أنهم حين يعملون للعروبة ، يعملون للإسلام ولخير العالم كله .
3 - الكتلة الشرقية :
76 - والإخوان يتحمسون للشرق وللشرقيين ، بحكم أنهم مسلمون وشرقيون ، ويحاولون استثارة الشعوب الشرقية للاعتزاز بشرقيتهم ، كما يعتز الغرب ويتفاخر بغربيته ، ولهذا فقد ناصروا الدول الشرقية فى كفاحها ضد الاستعمار مناصرة أدبية ومادية . فكانت جريدتهم اليومية دائمة الحملة على الاستعمار فى الهند و أندونيسيا كما ناصروا قضية باكستان حتى تحققت وخرجت إلى الوجود . أما المساعدة المادية فكانت تقتصر على إرسال البعثات الطبية كما حدث فى سوريا ، أو الأدبية كما حدث فى أندونيسيا ، وعلى مد الطلاب الشرقيين بالمعونة المادية حينما منعت عنهم السفارات الاستعمارية النقود التى يرسلها لهم أهلوهم ، إلا إذا استنكروا أعمالهم وكفاحهم الوطنى ، وقد رد هؤلاء الطلاب الجميل بأحسن منه ، فحينما رجعوا إلى ديارهم كانوا خير دعاية للاخوان ، بل لمصر والمصريين جميعا . على أن إيمان الإخوان بالكتلة الشرقية ومبدئها هو إيمان مؤقت ، بعثه فى نفوسهم اعتزاز الغرب بصبغته - كما سبق أن ذكرنا - وهم فى ذلك يقولون : " والشرقية لها فى دعوتنا مكانها ، وإن كان المعنى الذى يجمع بين المشاعر فيها معنى وقتيا طارئا ، إنما ولده وأوجده اعتزاز الغرب بحضارته ، وتغاليه بمدنيته ، وانعزاله عن هذه الأمم التى سماها ( الشرقية ) ؛ وتقسيم العالم إلى شرق وغرب ، ونداؤه بهذا التقسيم حتى فى قول أحد شعرائه المأثورة : المشرق شرق ، والغرب غرب ولا يمكن أن يجتمعا . هذا المعنى الطارئ هو الذى جعل الشرقين يعتبرون أنفسهم صفا يقابل الصف الغربى . أما حين يعود الغرب إلى الإنصاف ، ويدع سبيل الاعتداء والإجحاف . فستزول هذه العصبية الطارئة وتحل محلها الفكرة الناشئة ، فكرة التعاون بين الشعوب على ما فيه خيرها وارتقاؤها .
77- هذا فيما يختص بتعصب الشرق والشرقيين ؛ ضد الغرب والغربيين أما تكتل الدول الاسلامية واتحادها ، فالإخوان يؤيدونه ويعتقدون أن الكتلة الاسلامية قوة هائلة بين الكتلتين الشرقية و الغربية .
جـ - الانسانية العالمية :
لعل الجملة التى وردت قبل انتهاء الفقرة السابقة ، والتى تبين رأى الإخوان فى التكتل الشرقى : ( وأنه عصبية طارئة قبلوها علي مضض منهم لاعتزاز الغرب بصبغته ، واحتقاره للشرق والشرقيين ، ثم تأكيدهم أنه حين تزول تلك العصبية الطارئة بزوال أسبابها ، وتحل محلها فكرة التعاون بين الشعوب على ما فيه خيرها ، وارتقاؤها " لهى من الأدلة القوية على أن روح الإخوان تتجه اتجاها إنسانيا عالميا .
على أن هذا ليس هو الوضع الوحيد الذى تحدثوا فيه عن الإنسانية العالمية فكثيرا ما وردت فى رسائلهم وعلى ألسنتهم . بل انهم يبالغون قى تقدير هذه الفكرة حتى ليجعلونها غاية غاياتهم ، وأسمى أهدافهم : " والعالمية أو الإنسانية هى هدفنا الأسمى ، وغايتنا العظمى وختام الحلقات فى سلسلة الإصلاح ، والدنيا صائرة إلى ذلك لا محالة ولقد رسم الاسلام للدنيا هذه السبيل فوحد العقيدة أولا ، ثم وحد النظم والأعمال بعد ذلك فرب الناس واحد . ومصدر التدين واحد ، والأنبياء جميعا مقدسون معظمون ، والكتب السماوية كلها من عند الله . والغاية المنشودة تجمع القلوب : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه " .
78- بل إنهم يعتقدون ان اصول الإصلاح الاسلامى وقواعده هى :
1- ربانية :
تحيا عليها القلوب الميتة ويرتفع بها الشعور الإنسانى إلى الملإ الأعلى ، وتصل الناس بالله تبارك وتعالى .
2 - وإنسانية:
ترفع من خسيسة هذا الغلاف الطينى ، إذ تقرر أن الله خلقه بيديه ، وسواه بقدرته ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته .
3 - وعالمية :
تجعل البشرية كلها إخوانا على الحق وأعوانا على الخير . وفى نطاق هذه المعانى الثلاث يعيش أبناء ادم خلفاء الله فى ارضه وامناء على خلقه ، إذ سخر لهم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه ، وفى تضاعيف هذه المعانى الكلية الحالية حقوق والتزامات ، ونظم وأوضاع ، نثبتها فى النفوس المؤمنة ونركزها فى القلوب المترددة ، ونفسح لها الطريق فى البيئات الفاسدة ، ذلك هو الاسلام ، وتلك هى الدعوة التى آمن بها الإخوان المسلمون .
79 - ولهذا كله نصت مبادئ الإخوان على : " مناصرة التعاون العالمى مناصرة صادقة ، فى ظل المثل العليا الفاضلة ، التى تصون الحريات ، وتحفظ الحقوق ، والمشاركة فى بناء السلام والحضارة الإنسانية ، على أساس جديد ، من تآزر الإيمان والمادة ، كما كفلت ذلك نظم الاسلام الشاملة .
الدين والسياسة
80- إن لكلمة الدين عند الغربيين مدلولا خاصا ، فلا يتعدى عن كونه العقيدة التى تنظم صلة العبد بربه فقط ، كما أن المسيحية ، قد نشأت فى ظل الامبراطورية الرومانية ، التى كان لها من قوانينها المشهورة ، ما لا يزال حتى الان مصدرا من مصادر التشريعات الأوروبية الحديثة ، فلم تكن المسيحية بحاجة يومئذ - ولا كانت بقادرة يومذاك - أن تضع للدولة الرومانية الوطيدة ، وللمجتمع الرومانى المعقد ، قوانين ، ونظما ، وحدودا ، للسير على هداها فى الدولة والمجتمع ، بقدر ما كانت محتاجة وقادرة على أن تنصرف إلى الهذيب الروحى ، والتسير الوجدانى .
81 - وعلى ذلك فقد انصرفت المسيحية إلى تسير الوجدان والأرواح من غير أن تمس مجتمع الناس ، وواقع حياتهم من قريب أو بعيد ، هذا من ناحية الظروف التاريخية التى نشأت فيها المسيحية . وهناك ناحية أخرى ، هى أن الناس قد وجدوا استحالة مادية فى أن يطقوا الأوامر المسيحية ، وأن يتجردوا من ماديتهم الكاملة ، فى عهد وثنيتهم الإغريقية إلى الروحية الخالصة فى عهد المسيحية ولم يستطيعوا أن يركنوا فى واقع حياتهم ، إلى نظريات المسيحية السمحة الموغلة فى التسامح :" من لطمك على خدك الأيمن فحول له الاخر أيضا ، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا ، لقد رأى، هؤلاء القوم أن الدين لا يصلح للحياة ، فقالوا إن الدين صلة ما بين العبد والرب ، وأنه لا بأس عليهم أن يستظلوا بظله فى الكنيسة ، وأن كما يستروحوا نسماته فى الهيكل المقدس وأن يواجهوا صراع الحياة بعد ذلك فى المجتمع بتقاليدهم البربرية ، وأن يدعوا السيف يقضى بحكمه فى إبان الهمجية ، ويدعوا القانون المدنى يقضى بحكمه بعد أن تحضروا ، فأما الدين فقد بقى فى عزلته الوجدانية ، هناك فى القلوب والضمائر ، وفى الهيكل المقدس ، وكرسى الاعتراف ، ومن هنا كانت العزلة بين الدين والدنيا فى حياة الأوروبيين .
82 - وحينما زحف الاستعمار الغربى على الشرق والشرقيين ، وزحفت معه أفكاره ومبادئه ، ومثالياته ونظم حياته ، وأخذ يروج لها بوسائل الدعاية المنظمة ، عن طريق البرامج الثقافية وغيرها من وسائل الاتصال المختلفة(Meams of Communication ) التى تكيف العقول حسب رغبته ، وتوجه الميول حسب مشيئته ، وحسبما تملى مصالحة السياسية ، والاقتصادية ، والثقافية ، على حد سواء . ومرت الأيام والسنون ، وإذا فى الشرق جيل كامل يؤمن بهذه المبادئ ويعتقدها ، ويروج لها ، بل ويتشيع ويتعصب لها ، إذا أراد أحد أن يناقشه فيها أو يقنعه بخلافها .
والآن فلنعد إلى الاسلام الذى هو الدين الذى قصدناه فى بحثنا هذا لنرى مدى علاقته بالسياسة ، ولنستعرض بعض أحكام الاسلام وقوانينه . لنرى مدى علاقتها بحياة الناس ومجتمعهم ، فى جميع شئونهم عامة ، وفى شئونهم السياسية خاصة ورد فى كتاب الاسلام ودستوره الخالد : ( وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة " أى أن الله قد استخلف آدم وذريته - وهم البشر أجمعون - فى الأرض وهذا معناه أن الله تعالى أسكنهم الأرض واستعمرهم فيها ، ومنحهم حق التسلط على الكون للانتفاع بما فيه من خيرات فى حدود أمر الله ونهيه . واستخلاف البشر فى الأرض نوعان : " استخلاف عام ، واستخلاف خاص ) .
فالاستخلاف العام :
هو استخلاف البشر فى الأرض ، باعتبارهم مستعمرين فيها ، ومسلطين عليها : ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) ، وقد بدأ هذا الاستخلاف لآدم عليه السلام ومن بعده كل ذريته ، فهم جميعا مستعمرون فى الأرض مستخلفون عليها .
والاستخلاف الخاص :
هو الاستخلاف فى الحكم ، وهو نوعان :
استخلاف الدول . واستخلاف الأفراد .
والاستخلاف بالحكم هو بنوعيه منة أخرى يمن الله بها على من يشاء من عباده ، أمما وأفرادا . بعد أن من عليهم جميعا بنعمة الاستخلاف فى الأرض : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) . واستخلاف الدول معناه الأول : تحرير الأمة واستقلالها بحكم نفسها ، وجعلها دولة لها من سلطان ما يحمى مصالح الأمة ويعلى كلمتها . ومعناه الثانى : اتساع سلطان الدولة حتى يشمل فوق أبناء ، الأمة أمما وشعوبا أخرى .
83 - وهذه كلها أدلة على أن الاسلام يلزم أتباعه بحكم شريعته لا على أن يستعمروا الأرض ويسخروا ما فيها لصالحهم ، ويتحرروا وينهضوا بأنفسهم فحسب ، بل على أن يعملوا لنشر مبادئهم بين سائر الأم والشعوب ، التى هى مبادءئ الحق الذى استخلفهم الله عليه فى الأرض .
ولعل قائلا يقول إن هذه الآيات التى أوردناها ليس فيها ما يلزم إلزاما صريحا بفرضية الحكم بالقرآن . فلنذكر له الايات التى تدل على أن الحكم بكتاب إلله ، فرض علينا لا يحق لنا أن نتحلل منه ، لا بأى وجه من الوجوه ، ولا ينبغى أن نتعلل فى عدم تطبيقه بالظروف والملابسات ، لأن هذه الظروف والملابسات من فعلنا ، ويجب العمل على إزالتها ، هذه هى الايات فاقرأها إن شئت : قال تعالى : ( يأيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول - وأولي الأمر منكم فإن تنازعم فى شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ).
( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) .
( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) . ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) .( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون). هذه آيات بينات فيها أقطع برهان على وجوب الحكم بكتاب الله ، ولا يقول بغير ذلك إلا من رضى لنفسه ، بالكفر والظلم والفسوق ومحادة الله ورسوله ، وعدم الاعتصام بحبل الله فهو قليل الحظ من التوفيق والهداية .
84 - هذا من جهة كون الحكم والسياسة من فرائض الدين . فلنعرج على أوامر هذا الدين ونواهيه لنرى مدى اتصالها بحياة الناس . وهل هى لتنظيم الصلة بين العبد وربه فقط ؟ إن صريح هذه النصوص ينفى ذلك . فأكثر ما جاء به الاسلام لا يدخل تنفيذه فى اختصاص الأفراد ، وإنما هو من اختصاص الحكومات ، وهذا وحده يقطع بأن الحكم من طبيعة الاسلام ومقتضياته . وأن الاسلام دين ودولة . فالاسلام قد أتى بتحريم كثير من الأفعال واعتبر إتيانها جريمة يعاقب عليها ، وفرض لهذه الجرائم عقوبات ، ومن هذه الجرائم القتل العمد وعقوبته القصاص : ( يأيها الذين امنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى) والسرقة وعقوبتها قطع اليد : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )، والقذف وعقوبته الجلد : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ) . ولا جدال فى أن تحريم الأفعال واعتبارها جرائم ، وفرض العقوبات عليها ، إنما هو من مسائل الحكم ، ومن أخص ما تقوم به الدولة ، ولو لم يكن الاسلام دينا ودولة ، لما سلك هذه المسالك .
85- ولهذا كان الأستاذ " البنا " ، من أشد الثائرين على النص الذى يتصدر دائما قوانين الجمعيات الاسلامية ، وهو أن : " الجمعية لا تتعرض للشئون السياسية " ، وكان يقول : " إن الاسلام عقيدة وعبادة ، ووطن وجنسية ، وسياسة وقوة ، وثقافة وقانون ، وإن المسلم مطالب بحكم إسلامه . أن يعنى بشئون أمته ، " ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم . . . " وأستطيع أن أجهر فى صراحة بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيا بعيد النظر فى شئون أمته ، مهتما بها ، غيورا عليها ، وأن على كل جمعية إسلامية أن تضع فى رأس برنامجها الاهتمام بشئون أمتها السياسية وإلا كانت هى نفسها تحتاج إلى أن تفهم الاسلام " .
ولعل أبلغ دليل على أن الاسلام دين وسياسه ، أن طريقته فى اختيار الولاة ، وفى شغل المناصب - العامة ، هى طريقة ممعنة فى الواقعية ، وفى جعل أساس الاختيار هو الكفاءة وحدها ، والمقدرة على تحمل التبعة والقيام بمهام المنصب دون أى اعتبار اخر . ويذهب الاسلام فى هذا الحد إلى أقصى ما يأمر به نظام دنيوى لصلاح الدنيا وأمورها ، " فالواجب فى كل ولا ية الأصلح بحسبها فإذا تعين رجلان ، أحدهما أعظم أمانة ، والاخر أعظم قوة ، قدم أنفعهما لتلك الولاية ، وأقلهما ضررا فيها ، فيقدم فى إمارة الحروب الرجل القوى الشجاع ، وإن كان فيه فجور ، على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا . كما سئل الإمام أحمد عن الرجلين يكونان أميرين فى الغزو ، وأحدهما قوى فاجر ، والاخر صالح ضعيف ، مع أيهما يغزو ؟ فقال : أما الفاجر القوى ، فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه ، وأما الصالح الضعيف ، فصلاحه لنفسه ، وضعفه على المسلمين ، فيغزو مع القوى الفاجر . وقد قال النبى صللى الله عليه وسلم " إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " .
ولهذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ أسلم مع أنه كان أحيانا يعمل ما ينكره النبى صلى الله عليه وسلم ، حتى إنه مرة رفع يديه إلى السماء وقال : " اللهم إنى أبرأ إليك مما فعل خالد " لما أرسله إلى جزيمة فقتلهم وأخذ أموالهم بنوع شبهة ، ولم يكن يجوز ذلك ، وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة . حتى وداهم النبى صلى الله عليه وسلم وضمن أموالهم . ومع هذا فمازال يقدمه فى إمارة الحرب . لأنه كان أصلح فى هذا الباب من غيره . وفعل ما فعل بنوع تأويل .
وكان أبو ذر رضى الله عنه أصلح منه فى الأمانة والصدق . ومع هذا فقد قال له النبى صلى الله عليه وسلم " يا أبا ذر إنى أراك ضعيفا وإنى أحب لك ما أحبه لنفسى ، لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم " رواه مسلم .
نهى أبا ذر عن الإمارة والولاية ، لأنه رآه ضعيفا . مع أنه قد روى ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبى ذر .
86- ولعله أن يطمئن بعد ذلك أولئك الذين خيل لهم أفقهم الضيق ، وفهمهم الضعيف المحدود للإسلام ، أن الولاية والحكم والوظائف العامة ، لاتوكل فى ظل نظامه إلا لأصحاب الأردية المسابح الطويلة ، والعمائم الضخمة ، واللحى الوفيرة .
والان يحسن بنا أيضا أن نعرض لعوامل تكوين الدولة فى العصر الحديث لنرى مدى إمكانيتها وتوفرها فى الاسلام .
الوحدة السياسية أو الدولة (State) تعزى إلى عدة عوامل :
أولا : إرادة إجماعية :
( I onte Generale , The Generel Will )
ثانيا : قانون ينظمها . وفى بعض التعارف دستور ( Constitution ).
ثالثا : إدارة منفذة وفى بعض التعارف حكومة أو سلطة ( Ouvernment , Authortg )
رابعا : ولاء النظام القائم ( Loyaity )
87 - ولنتناول هذه العوامل الأربعة على ضوء الاسلام بشئ من التفصيل فنقول :
أولا - إرادة إجماعية :
وقد تناول الاسلام هذه الناحية بعناية كبيرة . وأولاها اهتماما كبيرا . فهو يهىء جميع الوسائل ، التى تجعل الأمة تصدر عن إرادة جماعية ، ورأى موحد . وعمل بمختلف الطرق على صيانة وحدة الأمة فى كل أمورها ، يقول الأستاذ البنا : " وأما عن وحدة الأمة فإن الاسلام الحنيف يفترضها افتراضا ، ويعتبرها جزءا أساسيا فى حياة المجتمع الاسلامى لا يتساهل فيها بحال ، إذ إنه يعتبر الوحدة قرين الإيمان : ( إنما المؤمنون إخوة ) كما يعتبر الخلاف والفرقة قرين الكفر كما قال تعالى : ( الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ) أى بعد وحدتكم متفرقين . وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ترجعوا من بعدى كفارا يضرب بعضكم وجوه بعض " فعبر بكلمة الكفر عن الفرقة والخلاف ، وأن يضرب بعضهم وجوه بعض .
88 - وهكذا ترى أن الاسلام قد حرص على سد كل أبواب الفرقة التى تحول دون تكوين الإرادة الإجماعية ، وجعل كل ضرب من ضروب هذه الفرقة معصية وفسوقا عن الدين ، فضلا عن كونها عاملا من عوامل الفساد الدنيوى.
ولعل الدولة المصرية لم يتوفر فيها قبل حركة الجيش الأخرة ذلك الشرط الأساسى لكمالها وهو الإرادة الإجماعية ، وكان ذلك بفضل تلك التنظيمات التى كانت تسمى نفسها الأحزاب المصرية ، والتى كان كل همها بلبلة الرأى العام بالحق والباطل ، لصالح الحزب أولا ، دون صالح الوطن ، ولعل هذا أيضا هو السبب فى أن الإخوان أول من طالبوا بحل هذه الأحزاب : " لا ندرى ما الذى يفرض على هذا الشعب الطيب ، المجاهد ، المناضل ، الكريم هذه الشيع والطوائف من الناس التى تسمى نفسها الأحزاب السياسية !!! إن الأمر جد خطير ، ولقد حاول المصلحون أن يصلوا إلى وحدة ولو مؤقتة لمواجهة هذه الظروف العصيبة التى تجتازها البلاد فيئسوا وأخفقوا ، ولم يعد الأمر يحتمل أنصاف الحلول ، ولا مناص بعد الان من أن تحل هذه الأحزاب جميعا وتجمع قوى الأمة فى حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها ،
ثانيا - القانون الأساس أو الدستور :
89 - ويكون عادة مصدرا لسائر القوانين والتشريعات التى تحتاجها الدولة ، والاسلام غنى بمصادره التشريعية ، التى تكون فى مجموعها مصدرا متكاملا لسائر التشريعات اللازمة للحياة بجميع أنواعها ، ومصادر التشريع الاسلامى أربعة :
أولا - الكتاب : وهو القرآن الكريم فى كل ما تلاه من أوامر ونواه ، سواء فهم ذك من صريح صيغته ، أو من طريق الإشارة ، أو الدلالة ، أو الاقتضاء .
ثانيا - السنة : وهى كل حديث صحيح قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح مبهما ، أو يفسرمجملا ، أو يستهدى تفصيلات سكت عنها القرآن ، بشرط أن تكون الأحاديث مما يتفق وروح القرآن ومما يهضمه العقل الناضج البصير ، لتخرج بذلك الأحاديث الموضوعة والمدسوسة على رسول الله .
ثالثا - الاجماع : وهو اتفاق أغلبية أهل الحل والعقد وثقاته من مجتهدى المسلمين ، على رأى من الآراء دينيا كان أو دنيويا فيصبح بذلك قانونا شرعيا من الواجب الانصياع له والأخذ به شرعا .
رابعا - القياس : وهو إلحاق فرع بأصل ، ويأتى فى الأشياء التى لم يرد فيها نص ، فيجب على الإنسان أن يحكم عقله مستهديا روح الكتاب والسنة . ويقيس ما بعرض له على ضوء الغاية من التشريع ، وعلى ضوء العلة فى الأوامر والنواهى . . .
90 - فالاسلام من هذه الناحية غنى بدستوره ومصادر تشريعه ، التى تعين على تكوين أصلح الدول فى العصر الحديث .
ثالثا - إدارة منفذة أو حكومة :
وهذه أيضا أولاها الاسلام عناية كبيرة ، واعتبرها من أعظم واجبات الدين ، يقول الإمام ابن تيمية : لا يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين ، إلا بها فإن بنى آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ، ولا بد عند الاجتماع من رأس ، حتى قال النبى صلى الله عليه وسلم : " إذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا أحدهم " . فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد فى الاجتماع القليل العارض فى السفر ، تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع ، ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة ، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد ، والعدل ، وإقامة الحج ، والجمع ، والأعياد ، ونصرة المظلوم ، وإقامة الحدود ، ولا تتم إلا بالقوة والإمارة . ولهذا روى أن السلطانظل الله فى الأرض ، ويقال : " ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان " .
91- وأحب أن أوضح هنا أن كون السلطان ظل الله فى الأرض ، لا يعنى أن الاسلام يعترف للملوك أو السلاطين بتلك القداسة أو السيادة المطلقة التى كانت تستند فى العصور الوسطى إلى " الحق الإلهى " بل على العكس يؤمن الاسلام بالسيادة الشعبية ، التى هى أساس نظرية ( العقد الجمعى ). أما كون السلطان ظل الله فى الأرض ، فليس إلا من قبيل ربط الأرض بالسماء ، والدين بالحياة والحكم بالعقيدة ، واعتبار الإخلاص فى الأعمال جميعا وعلى رأسها الحكم نوعا من أنواع العبادة يتقرب الناس بها إلى ربهم . أما الحكم أو الخلافة فى الاسلام فهى بيعة ، وهى تطابق إلى حد ما نظام الانتخاب الحالى . كما أن الحاكم فى الاسلام مسئول بين يدى الله وبين الناس ، وهو أجير لهم وعامل لديهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " وأبو بكر رضى الله عنه يقول عندما ولى الأمر وصعد المنبر : " أيها الناس كنت أحترف لعيالى فأكتسب قوتهم ، فأنا الان أحترف لكم ، فافرضوا لى من بيت مالكم " وهو بهذا قد فسر نظرية العقد الاجتماعى أفضل وأعدل تفسير ، بل هو قد وضع أساسه ، فما هو إلا تعاقد بين الأمة والحاكم على رعاية المصالح العامة . فإن أحسن فله أجره وإن أساء فعليه عقابه .
92 - وهذا هو موقف الاسلام من الحكومة والقائمين على أمرها ، أما كيف تسير هذه الحكومة أو كيف تحكم فهذا جانب لم يغفله الاسلام أيضا ولكننا سوف نتحدث عنه عندما نتناول نظام الحكم فى الاسلام .
رابعا - ولاء للنظام القائم :
وهذا الركن من أركان وجود الدولة مأمور به فى الاسلام فهو كما أوجب العدل على الحاكمين أوجب الطاعة على المحكومين : ( يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم )، وللجمع فى الآية بين الله والرسول وأولى الأمر معناه فى بيان طبيعة هذه الطاعة وحدودها فالطاعة لولى الأمر مستمدة من طاعة الله والرسول ، لأن ولى الأمر فى الاسلام لا يطاع لذاته ، وإنما يطاع لقيامه على شريعة الله ورسوله ومن تنفيذه لهذه الشريعة دون سواها يستمد حق الطاعة، فإذا انخرف عنها سقطت طاعته ، ولم يجب لأمره نفاذ ، يقول صاحب الشريعة : ( لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق) .
93 - وليس معنى هذا الرد على النظام من كل دعى يحاول التشكيك فى تصرفات الحاكم ، بل المقصود أن يكون الجميع حراسا على مبادئ الدين والدولة ، أو مبادئ الاسلام . وهذه اليقطة الجماعية هو ما يسمونه الان بالوعى الاجتماعى ، أو النضوج السياسى . فالسمع والطاعة واجب مفروض على كل مسلم بحكم الدين : " اسمعوا وأطيعوا أولو امر عليكم عبد حبشى "، ولكن الذى نقصده ونود تأكيده هو أنه " ليس لحاكم فى الاسلام صفة قداسة ولا صفة إلهية خاصة ، فالخلفاء الذين أخطئوا فى أحكامهم ، وجدوا من الرعية من يقوم باسم الله ورسوله ، وبدافع من الاسلام وحده ، لينقد تصرفاتهم ،ويكشف أخطاءهم وخطيئاتهم ،فإذا أسقطهم أقام حكما دينيا اخر ، هو فى رأيه أقرب إلى الحق . وأعان على ذلك أن كل شخص فى الاسلام رجل للدين . وليس الدين احتكارا على طائفة دون الأخري"
94 - وعلى هذا فالولاء للنظام القائم فى الدولة الاسلامية هو ، ولاء لا يقف عند حد ، لأنه يرتبط بالعقيدة والوجدان الدينى ، حتى إن الحاكم نفسه لا يبقى فى منصبه لحظة واحدة ، إذا خرج على هذا النظام أو حاول الخروج عليه . أما إذا ظهر ولاؤه للنظام ، وحرصه عليه ، وعمله لصالحه ، فالسمع والطاعة ولو كان عبدا حبشيا.
وليس بعد هذا مبالغة فى الولاء للنظام . ولعله لا توجد حتى الآن الدولة التى يتوفر فيها الولاء لنظامها واحترامه كما تفعل الدولة ، الاسلامية ، وكما كانت فى عصر الخلفاء الراشدين ومن تبعوهم بإحسان . وهكذا نرى أن جميع عوامل تكوين الوحدة السياسية أو الدولة فى العصر الحديث كما حددها فقهاء العلوم السياسية ، ليست متوفرة - فى الاسلام فحسب ، بل إنها جميعا مما يشترطه الاسلام ، وينص على وجوبه لصالح الجماعة الاسلامية . ولعله اتضح بعد هذا العرض ، أن الدين والسياسة لا تعارض بينهما فى الاسلام ، بعكس ما يثيره الكثيرون بغير برهان قائم إلا تقليدهم الأعمى للغربيين ومن لف لفهم ، وترديدهم لأفكار نشأت عن دين اخر غير الاسلام ، " إن رد الحكم إلى الاسلام ، وقيام نظمه وقوانينه على شريعة الاسلام ، مسألة لا يمكن فصلها عن العقيدة لأنها جزء من العقيدة لا تتم تمامها إلا به ، فوجودها الذاتى تعتمد على تحققه ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، فالدولة التى لا تحكم بما أنزل الله كافرة قطعا بحكم هذا النص الذى لا يقبل التأويل ، والمسلم لايجوز له إلا مضطرا فى حالة العجز المطلق عن التغيير أن يخضع لدولة كافرة ، ومن هذا يعدو أن محاولة الفرد المسلم إقامة حكيم إسلامى هى محاولة لتحقيق ذات العقيدة الاسلامية ، وليست شيئا اخر غير صميم العقيدة ، وفى هذا تختلف العقيدة الاسلامية اختلافا أساسيا عن العقيدة المسيحية أو العقيدة الهندوكية " .
95 - وقد رغبت أن أغير عنوان هذه النقطة كلها فأجعل عنوانها ،( الاسلام والسياسة " بدلا من ،( الدين والسياسة ،، ذلك لأن كلمة الدين كما سبق أن أوضحت قد تهيأ لها فى الأذهان أنها ما ينظم صلة العبد وربه فقط ، وليس كذلك الاسلام . فما الناحية العبادية إلا جانب يسير منه . ولهذا صح فى اعتقاد الإخوان ان الاسلام ليس دينا فحسب ، بل إنه نظام للحياة فى كل شأن من شئونها ، السياسية والاجتماعية ، والاقتصادية ، فضلا عن الروحية . أما كيف يحكم هذا الدين وكيف تسيطر هذه الشريعة على شئون الحكم وتنظيمها ، فهذا ما سنتعرض له عندما نتناول النقطة القادمة وهى ( الاسلام كنظام اجتماعى ) .
الاسلام كنظام اجتماعى
لا شك أن كل منصف ، يسلم معنا تمشيا مع المنطق السليم وطبائع الأشياء أن الأديان السماوية جميعا ، كانت فى حد ذاتها ، خطوات تقدمية كبيرة فى حضارة البشرية ، ورفع مستوى الإنسانية ، إلا أن الناس ظلوا يتذبذبون بين مادية الهودية التى لا يسلم معها الوجدان ، ورهبانية المسيحية التى لا يستقيم معها العمران ، حتى أتى الاسلام فوفق بين الناحيتين ، ومزج يين العقيدتين ، وخرج منها بنظام كامل متكامل ، لصلاح الدنيا والاخرة ، وحياة الروح والمادة ولا عجب ، فهو خاتم الديانات السماوية ، النعمة الإلهية على البشرية " اليوم اكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينأ ) ومن هنا صار الاسلام دستورا لحياة البشر فى دنياهم المادية ، وحياتهم الأرضية ، كما هو نبراس يهديهم إلى طريق أخراهم ، وحياتهم الروحية ، ولم يترك شأنا من شئونهم إلا تناوله بالتشريع والتنظيم .
فهم هذا المسلمون الأولون ، فكان الاسلام عندهم شريعة دنيوية ، الى جانب كونه عقيدة دينية ، ثم فترت حماسة الناس لدينهبم كلما بعد العهد بالنبوة ، وعصر الخلافة الرشيدة التى كانت تطبيقا عمليا لمبادئ النظام ، وسيطرت الأطماع والأهواء شيئا فشيئا على الحماكمين المسلمين ، كما سيطرت الغفلة فى الوقت نفسه على المحكومين ، وأصبح الناس وإذا أهواء حكامهم هى الشريعة النافذة ، ورغبات أمرائهم هى القانون المطاع ، وتربى على هذا الوضع الفاسد أجيال وأجيال ، حتى صار المسلمون إلى حال هى أبعد ما تكون عن الاسلام ، وأخذت دعائم الدولة الاسلامية إلقوية تنهار مع انهيار النظام ، وكشر أعداء الاسلام المتربصون عن أنيابهم . واهتبلوها فرصة للنيل من الاسلام ، ودول الاسلام ، فكانت هجمات التتار والمغول على دولة العباسيين ، ثم حملات الصليبيين على دولة العثمانيين ، فتمزقت الدولة الاسلامية إلى أشلاء ممزقة . وأصبحت دولة الفتوحات العظيمة عرضة للفتح والغزو من الدول الصغيرة والكبيرة . تعاقب عليها منهم من تعاقب ،وطمع فيها من طمع ،إلى أن جاء عصر النهضة الأوروبية الحديثة وعمل كل من البخار والماكنة ( الالة) ، والكهرباء ، عمله فى اصطناع أسباب القوة المادية للغرب . فنظم زحفه المحكم على الشرق بالاستعانة بالوسائل العلمية والعملية الحديثة ، وكان له ما أراد . ولكن الاستعمار الغربى أيقن بعد التجارب التى أخذها من الحروب الصليبية ، أن قوة السلاح وحدها ، لاتكفى لتمكن له فى الشرق . فعمل على الاستعانة بوسائل أخرى غير ذلك ، كان فى مقدمتها بالطبع الوسائل الثقافية عامة . والتعليمية منها خاصة ، ويبدو أن هذه الفكرة كانت مدروسة ومتفقا عليها من الغربيين جميعا ، حتى إنها لم تفت نابليون ، فاستحضر مع بعثته الحربية ، بعثة علمية . كا لم تفت الإنجليز حين قذفوا مصر بدنلوب ، الذى كان من جنايته على العلم والتعليم ما زلنا نعافى من اثاره . وعملت تلك الوسائل عملها فى عقليات الناس وأفكارهم ، حتى نشأ جيل من أهل الشرق والاسلام ، هو إلى غير الاسلام أقرب ، لشدة تأثره بثقافة الغرب ومدنيته . وأصبح الدين فى عرفهم - كا سبق أن قلنا- هو صلة مابين العبد وربه فقط ، أما أن يكون له علاقة بحياة الناس ومجتمعهم ، أو أن يكون نظاما اجتماعيا يسلكونه فى حياتهم . فلا !! فهناك الديمقراطية ، والشيوعية ، و النازية ، و الفاشية ، وأحد هذه النظم هو الذى يمكن أن يسود ، لأنه طبق فعلا على دولة من الدول -، وسارت على نظامه سنوات أو قرون .
والحقيقة التى يقررها التاريخ ، أن الاسلام قد سيطر قرونا عديدة كنظام اجتماعى على كثير من بلاد الشرق والغرب أيضا . كا أن الاسلام قد جاء نظامأ اجتماعيا كاملا ، لا مجرد دين لا هوتى . يقوم على مخاطبة الفطرة الإنسانية ، واستثارة ما فيها من قوى روحية ، تمثل عقائد ثابتة ، وخلائق فاضلة ، وأفكارا عالية ، وأعمالا نافعة ، وتنظم ملكات الفرد ، وحياة الأسرة وطبقات الأمة ، وواجبات الدولة ، وعوامل الاتصال والأخوة بين العالمين .
1 - طبيعة النظام الاجتماعى :
إن طبيعة النظام الاجتماعى المتعارف عليه الان تستلزم أن يكون النظام مستوفيا للاركان الثلاثة الاتية حتى يكون نظاما اجتماعيا كاملا وهى :
1 - تنظيم علاقات الناس بعضهم ببعض فى كافة شئونهم .
2 - تنظيم علاقات الحاكمين بالمحكومين .
3- تنظيم علاقات الدولة أو المجتمع بالدولة الأخرى أو المجتمع ا لخارجى - ولنتحدث فى شىء من التفصيل ، عن كل ركن من هذه الاركان الثلاثة ، لنرى مكانها فى الاسلام
96 - تنظيم علاقات الناس بعضهم ببعض :
كفل الاسلام للناس حرياتهم وحقوقهم ، ونظم العلاقات بينهم تحت باب واسع فى الفقه الاسلامى هو باب " المعاملات ،، كما نظم علاقة المسلمين بغير المسلمين ، وفرض عقوبات على المخالفين ، وعمل على صيانة المصالح العامة ، وفرض التكافل الاجتماعى بين المواطنين ، ولنتحدث عن ذلك فننقول:
أولا - ضمان الحريات العامة :
1 - الحرية الشخصية : كفلت الشريعة الاسلامية لبنى الإنسان حريتهم الشخصية ، بأوسع مما خطر على بال واضعى الدساتير الحديثة ، فقد كتب عمر إلى أحد ولاته يقول : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا
2- حرية الفكر: قال تعالى : ( قل سيروا فى الأرض فإنظروا كيف بدأ الخلق) ولم يحد من هذه الحرية المطقة سوى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لاتفكروا فى الله فتضلوا : وتفكروا فى خلق الله " ليصون الناس من الإلحاد
3 – حرية القول : وهى جماع ما عرفته الدساتير الحديثة ، من حرية اسلام ، وحرية الخطابة ، وحرية الكتابة ، وحرية النقد .
فقد أمرنا الله أن نصدع بالحق ، ونأمر بالعدل والإحسان ، وننهى عن المنكر والبغى ، ونحاج باللين والمنطق ، وندعو إلى ما نعتقد بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولا نقر ظلما ، ولا نسكت على ضيم أو خسف ، كل ذلك دون أن نقول زورا أو بهتانا ، أو نعصى الله . وهذا أبو بكر يقول للناس فى أول خطبة له عند الخلافة " أطيعونى ما أطعت الله فيكم " " وهذا ثانى الخلفاء عمر الفاروق يخطب فيقول : " من رأى منكم فىّ اعوجاجا فليقومه " فرد عليه واحد من عامة الناس : " والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد السيف فحمد الله على أن جعل فى الأمة من يقوم اعوجاج عمر بحد السيف . وهو الذى خطب الناس يحثهم على الإقلال من المهور . فتقول له امرأة من اخر المسجد : ليس ذلك ياعمر . يعطينا الله بالقنطار وتعطينا بالدينار " . فلم يجفل من مقاطعتها وقولها بل قال : " أصابت امرأة وأخطأ عمر " وهو الذى كان يمشى فى المدينة فلقيته عجوز ، فاستوقفته وأخذت تملى عليه إرشاداتها ، وتنبهه إلى ما تراه حقا ، وأوصته بالعدل فى الرعية . فما تولاه منها برم ، ولا أزعجه منها نقد.
4 - حرية العمل : وهذه تنتظم أوسع . ما وسعته الدساتير الوضعية من :
أ - حرية الاجتماع : فقد نهى النبى عن الاستماع إلى قوم فى مجلسهم ، من غير إذن منهم ، وعن الجلوس بين اثنين بغير رخصة منهم .
ب - حرية المسكن : فحرمته مصونة فى الاسلام : ( لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا ) ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ) ونهى الرسول عن النظر إلى الجيران من نوافذ منازلهم : " من نظر إلى كوة جاره فإنما ينظر فى النار " من تتبع عورات الناس تتبع الله عوراته ففضحه فى عقر داره " . جـ- حرية اللباس : حفظها الاسلام للناس فى حدود الكمال ، خشية الفتنة، فللرجل أن يلبس ما يشاء مالم يكشف العورة ، ويكره الاسلام للرجل الترف ، كلبس الحرير ، والتختم بالذهب ، وهما غير مكروهين للمرأة ، ولها أن تتخير ما تشاء من ملابسها ، بشرط أن تكون ساترة للعورات لا تشف ولا تفسر ، فإن شفت عما تحتها ، أو كانت من الضيق بحيث تفسر تقاطع جسم المرأة ، فهى بمثابة الكشف عن العورات وهى حرام .
د - حرية التنقل : فالهجرة والتنقل مأمور بهما فى الاسلام ( فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه ) ( قل يسيروا فى الأرض ) ( قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة تهاجروا فيها ) هـ - حرية العقيدة : أمرنا الاسلام أن ندع أهل الأديان الأخرى ، ونضمن لهم حرية إقامة شعائرهم وعباداتهم ، مقابل أن يدفعوا الجزية ، ويمكن أن تقوم مقامها الضرائب التى يدفعها لخزانة الدولة المواطنون من ذوى الأديان الأخرى ، بل أمرنا أن ندع لهم حرية فى أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية ، وألا نقيم عليهم من الحدود إلا ما كان خاصا بحقوق العباد ، أما ما كان خاصا بحقوق الله فأمره إلى الله : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن ) ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) بل ذهب فى تقديس حرية العقيدة إلى أن أمر المسلمين أن يعاملوا المجوس كما يعاملون الكتابيين فقد جاء فى حديث لعلى عن النبى أنه قال : " سنوا بهم ستة ، أهل الكتاب " .
ثانيا- تنظيم المعاملات :
97 - وهى الأحكام التى تنظم علاقات الناس ببعضهم وتقيم - - الروابط بينهم على العدل والرحمة والتعاون والمحبة ورفع أسباب الضرر ، والعدوان وحب الخير والمنفعة للناس جميعا ويدخل فى ذلك نوعان :
أ - المعاملات المالية : من بيع وإيجار ورهن وشركة . .. إلخ وهذه القوانين فى الشريعة كأحدث القوانين فى العصر الحاضر إلا ماحرم الله فهوحرام إلى يوم القيامة .
ب - الأحوال الشخصية : من زواج وطلاق وعدة وثبوت نسب . . . إلخ وقد نظمها الاسلام بصورة لم تصل إلى مستواها معظم القوانين الوضعية الحديثة .
موقف غير المسلمين فى المجتمع الاسلامى :
قال تعالى : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن ) فنص كتاب الاسلام ودستوره الخالد على طريقة المجادلة وهى الحالة التى قد تبلغ فيها حدة الكلام أشدها ، وحددها بأنها ( التى هى أحسن ) وبلغ من حرص الاسلام على هذا المعنى أن أصدر الأمر إلى المسلمين فى صورة نهى ، ثم أتبعه باستثناء ، مبالغة فى الأمر : ( ولا تجادلوا . .. إلا .. . ) وهكذا نظم الاسلام طريقة التفاهم بين المسلمين وغيرهم وحددها . وكما سبق أن قلنا ، إن ما أتى به الاسلام من قوانين الأحوال الشخصية، لا ينطبق على المسيحيين ، ولا على غيرهم ، بل ينطبق عليهم حكم ديانتهم ، لذلك أمرنا بتركهم وما يدينون ، وما داموا متفقين على التحام لكتابهم فليس لنا بهم شأن ، أما إذا جاءونا ، فإننا نحكم بينهم بما أنزل الله .
أما المعاملات ، مثل البيع ، والإجارة ، والرهن ، فليس للمسيحيين فيها نصوص ، لذلك كان الأخذ بما تراه الأغلبية فى مصلحتها واجبا يأخذه المسلمون على أنه دين ويأخذه المسيحيون على أنه قانون ، ولعله من الخير أن يأخذه المسلمون على أنه دين ، لأن هذه الفكرة تعصمهم من الزلل فى تنفيذه ، وعين الله الساهرة ترقبهم ، لا رهبة الحاكم، التى يمكن التخلص منها فى كثير من الأحيان .
على أن المعاملات فى شريعة الاسلام غاية فى السمو والعدالة ، وليس للمسيحيين . أن يشكوا من أنها تحرم الربا ، فهو محرم فى ديانتهم ، فقد أقام المسيحيون على ذلك ثلاثة عشر قرنا ، حتى أصبحت شرائع الاسلام بالنسبة لهم ، شرائع قومية .
98 - على أن التسمية التى يسميها علماء الفقة الاسلامى لأهل الكتاب ، وهى " الذميين " أو " أهل الذمة " هى ضمان الأمان ، كل الأمان ، فإن فيها استثارة لمعانى الرجولة السامية ، التى تجعل الإنسان بعيدا كل البعد عن مجرد التفكير فى خفر الذمة ، والغدر بقوم أعطوا ميثاق الأمان ، لأنها جريمة من أكبر الجرائم فى عرف الاسلام ، بل على العكس ، فإن مجرد الشعور بأنهم " أهل الذمة " يدفع المسلمين دفعا إلى المبالغة فى الحفاظ عليهم ، حتى لا يشعروا بأقل مظاهر الظلم والعدوان ، ومن ثم الحفاظ عليهم ، حتى لا يشعروا بأقل ويعيش الجميع فى محبة وسلام .
ثالثا : فرض العقوبات :
وقد شرعت فى الاسلام لحفظ حياة الناس وأعراضهم ، . وأموالهم ، تأديبا للناس ، وزجرا لهم عن ارتكاب الجرائم . مثل عقوبات القتل ، والسرقة ، وقطع الطريق ، وأهل الفساد ، والزنا ، والقذف . أى القصاص والحدود . والحق أن الاسلام لم يقم نظامه على العقوبات ، بل قام فى حقيقة الأمر على تهذيب النفس وتطهير القلب ، وإصلاح المجتمع من المفاسد ، والعمل على سد الذرائع للجرائم كافة . وقد قال الرسول عليه السلام : " ما تركت من خير إلا وأمرتكم به وما تركت من شر إلا ونهيتكم عنه " فالتربية الدينية التى أوجبها-الاسلام كفيلة بتنشئة المرء على حب الخير ، ومساعدة الناس ، ومودتهم ، والإحسان إليهم . وهى التى تخلق فيه روح التسامح ، وتبعده عن روح البغى . وكلما تعصب المسلم لعقيدته ، بعد عن التعصب ضد الناس وعمل على احترام عقائدهم ، وأموالهم وأعراضهم وأرواحهم ، وأما العقوبات فهى لا تأتى إلا فى المقام الأخير لأنها إنما وضعت لشواذ الناس ، الذين لا تردعهم الموعظة الحسنة .
واكعر ما يعترض به على العقوبات ، هو قطع يد السارق - ورجم الزانى المحصن - وقد أوضح الاسلام أنه لا تقطع يد السارق إلا إذا استوفى حقه من التعليم ، والمسكن ، والملبس ، والمأكل ، والعلاج ، وسداد دينه إن كان مدينا . لذلك لم يثبت فى تاريخ الاسلام أنه قطعت أيدى أكثر من ستة أشخاص ، ورهبة العقوبة مانعة من التعدى . واما حد الزنا فحسبنا أنه لم يثبت ولا مرة واحدة بشهادة الشهود ، وهم أربعة ، لا بد أن يروا رأى العين .
فهذه عقوبات تهديدية ، لكى تبين للناس فداحة الجرائم ، إن هم أقدموا عليها ، وعادلة لأنها لا تطبق إلا فى مجتمع إسلامى متكامل ، توفرت فيه دعائم التربية السليمة . وأسباب الاستقرار الاجتماعى المادية والأدبية.
ووراء الحدود القليلة التى نص عليها الكتاب وبينتها السنة ، باب واسع لنظام العقوبة فى الاسلام اسمه ،( التعزير) استفاضت فيه بحوث فقهاء الاسلام ، وبلغت حدا من الغنى والدقة ، يعز معهما على دارسى القانون أن يرى جهل المسلمين بها ، وغفلتهم عن الاستفادة منها ، وآراء الفقهاء فيها تقابل الاراء المعمول بها فى القوانين القائمة .
99 - رابعا -: إقامة المصالح العامة وصيانتها : ونستطيع أن نلخص المصالح العامة فى ثلاثة بنود رئيسية :
1- المصالح القومية .
2 – المصالح الاجتماعية .
3 – المصالح الاقتصادية .
1 – المصالح القومية : وهذه نستطيع ان نقسمها إلى قسمين :
(أ) إثارة الاعتزاز بالقومية .
(ب) الاهتمام بالقوة العسكرية .
(أ) إثارة الاعتزاز بالقومية :
تحتاج الأم الناهضة إلى اعتزاز بقوميتها كأمة فاضلة مجيدة ، لها مزاياها وتاريخها ، حتى تطبع الصورة فى نفوس الأبناء ، فيفدون ذلك المجد والشرف بدمائهم وأرواحهم ، ويعملون لخير الوطن وإعزازه وإسعاده . هذا المعنى لن نراه واضحا لأن نظام من النظم ، عادلا فاضلا رحيما ، كما هو فى الاسلام الحنيف . فإن الأمة التى تعلم أن كرامتها وشرفها ، قد قدسه الله فى سابق علمه ، وسجله فى محكم كتابة . فقال تبارك وتعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) لهى أجدر بافتداء عزتها الربانية بالدنيا وما فيها . غير أن القومية فى الاسلام ليست من نوع العصبية الجنسية ، والفخر الكاذب . كما تنادى بعض الدول التى تلقن أبناءهابأنها فوق الجميع . ولكنها قومية فاضلة تدعو العالم إلى خير ( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )
(ب ) الاهتمام بالقوة العسكرية :
100 - لم يغفل الاسلام هذه الناحية بل جعلها فريضة من فرائضه حماية للنظام القائم ، ولم يفرق بينهما وبين الصلاة والصوم فى شئ وليس فى الدنيا كلها نظام عنى بهذه الناحية كما عنى بذلك الاسلام فى القرآن الكريم والحديث ( وأعدوا لهم ما استعطم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوم ) " علموا أولادكم السباحة والرماية ومروهم ليثبوا على الخيل وثبا " .
وفى آيات القرآن الكريم ، وسنة النبى فى غزواته ، والخلفاء الراشدين من بعده ، من الطرق الحربية ما يضارع أحدث النظم الحربية التى تلقنها الكليات العسكرية مما ليس هنا مجال تفصيله .
على أن الاسلام الذى قدس القوة ذلك التقديس ، هو الذى اثر عليها السلم فقال تعالى بعد آيات القوة مباشرة ( وإن جنحوا للسلم فإجنح لها وتوكل على الله )
2 – المصالح الاجتماعية :
وهى التعليم ، والصحة العامة ، وتقوية الأخلاق ، ومحاربة الفقر ، والجهل ، والمرض ، والرذيلة . وقد تناول الاسلام هذه الأمور جميعها كما - يأتى :
1- الاسلام والعلم :
يجعل الاسلام العلم فريضة من فرائضه . وأول آية نزلت من كتاب الله ( اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذى علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم ) كما أن رسول الله قد جعل من فداء المشركين فى بدر ، أن يعلم أحدهم من الأسرى عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة . عملا على محو الأمية من الأمة ، ولم يسو بين العلماء وبين الجاهلين ، قال تعالى : ( هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ) ولم يفرق بين علم الدنيا وعلم الدين ، بل أوصى بهما جميعا ، وجمع علوم الكون فى آية واحدة ، وحث عليها وجعل العلم بها سبيل خشيته ، وطريق معرفته ، فذلك قوله تعالى : ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ) وفى ذلك إشارة إلى الهيئة والفلك ، وارتباط السماء بالأرض ثم قال تعالى : ( فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ) وفى ذلك إشارة إلى علم النبات وغرائبه وعجائبه ، وكيميائه : ( ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ) وفى ذلك الإشارة إلى علم الجيولوجيا وطبقات الأرض ، وأد وارها ، و أطوا رها : ( ومن الناس و ا لد واب والأ نعام مختلف ألوانه كذلك ) وفيها الإشارة إلى علم البيولوجيا ، والحيوان بأقسامه من إنسان وحشرات ، وبهائم . ثم يردف ذلك بقوله ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) وهذا يدل على أن الله يأمر الناس بدراسة الكون ، ويحضهم على ذلك، ويجعل العارفين بدقائقه وأسراره أهل معرفته وخشيته .
وهكذا حارب الاسلام الجهل .
2 - الاسلام والصحة العامة :
حث الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين على المحافظة على قوة أبدانهم كما حثهم على قوة أرواحهم حيث يقول : " المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف " ، ويقول : " إن لبدنك عليك حقا " ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة كثيرا من قواعد الصحة ، وبخاصة فى علم الوقاية وهو أفضل شطرى الطب فقوله صلى الله عليه وسلم : " نحن قوم لا نأكل إلا إذا جعنا ، وإذا اكلنا لا نشبع " . وتحريه صلى الله عليه وسلم فيما يشرب من ماء ، فى الحديث : " كان صلى اللله عليه وسلم يستعذب الماء " ، ونهيه عن التبول والتبرز فى المياة الراقدة ، وإعلانه الحجر الصحى على البلد المطعون وأهله فلا يتركونه ولا ينزله غيرهم ، وتحذيره بن العدوى ، وطلب الفرار من المجذوم ، وأخيرا عنايته بكثير من فروع رياضة ا لبدن ، كا لرمى ، والسباحة ، وا لفروسية ، والعدو ، وحث أمته عليها وعلى العناية بها ، حتى ورد فى الحديث : " من علم الرمى ثم نسيه فليس منى " ونهيه صلى الله عليه وسلم نهيا مشددا عن التبتل ، والترهب ؛ وتعذيب الجسوم وإضوائها تقربا الى الله تبارك وتعالى . وإرشاده الأمة إلى جانب الاعتدال فى ذلك كله . كل هذا ينطق بعناية الاسلام البالغة بصحة الأمة - العامة ، وتشديده فى المحافظة عليها ، وإفساح صدره لكل ما فيه خيرها وسعادتها من هذا الجانب الهام ، وهكذا حارب الاسلام المرض .
3 - الاسلام والخلق :
101 - عنى الاسلام عناية كبيرة بالخلق فهو الذى جعل صلاح النفس وتزكيتها أساس الفلاح ، فقال تعالى : ( قد أفلح من زكاها ) وجعل تغيير شئون الأم وقفا على تغيير أخلاقها ، وصلاح نفسها : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) وهو الذى يحض على الوفاء : (مبن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينظر وما بدلوا تبديلا ليجزى الله الصادقين بصدقهم ) كما يحض على البذل والتضحية ، والصبر واحتمال الشدائد : ( ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة فى سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لايضيع أجر المحسنين، ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ) وليس كالاسلام عامل على إيقاظ الضمير ، وإحياء الشعور ، وإلهامة رقيب النفس ، وذلك خير الرقباء .
وهكذا حارب الاسلام الرذيلة .
4 - التكافل الاجتماعى ومحاربة الفقر :
152 - حارب الاسلام الفقر نظريا فجعله قرين الكفر ، واستعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر " وحبب فى المال الصالح فقال : " نعم المال الصالح للرجل الصالح " وجعل الزهادة فى القلوب لا فى الحطام ، فأزهد الناس هو من كان بما فى يد الله أشد ثقة منه بما فى يد نفسه . وحارب الفقر عمليا ، فأوصى بالعمل والكسب وأمر به .
( فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه ) وجعل السعى فى كسب العيش قربة إلى الله تعالى من أعظم القربات . توجب مثوبته ، ومغفرته ، ومحبته ، حتى قال النبى صلى الله عليه وسلم " إن الله يحب المؤمن المحترف " وطارد فى نفس الفقير معنى الذلة ، وأفهمه أن الفقر ليس أعراض الحياة الدنيا ، ولكن فى النفوس ، والأخلاق فقال الرسول : " ليس الغنى عن كرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ".
103 - أما التكافل الاجتماعى ، فقد قرر الاسلام مبدأه فى كل صوره وأشكاله فهناك تكافل، بين الفرد وأسرته القريبة : ( وبالوالدين إحسانا ) ، ( ووصينا الانسان بوالديه ) ، ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ) ، وقيمة هذا التكافل فى محيط الأسرة أنه قوامها الذى يمسكها ، والأسرة هى اللبنة الأولى فى بناء المجتمع . وهناك تكافل بين الفرد والجماعة ، وبين الجماعة والفرد ، يوجب على كل منهما تبعات ، ويرتب لكل منهما حقوقا . فكل فرد مكلف أولا أن يحسن عمله الخاص . لأن ثمرة العمل الخاص ملك للجماعة وعائد عليها فى النهاية : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " .
وكل فرد مكلف أن يرعى مصالح الجماعة كأنه حارس لها . موكل بها : " أنت على ثغرة من ثغر الاسلام ، فلا يؤتين من قبلك " وليس هناك فرد معفى من رعاية المصالح العامة : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " والتعاون بين جميع الأفراد واجب لمصلحة الجماعة ، فى حدود البر والمعروف : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا عل الاثم والعدوان ) .
والأمة مسئولة عن حماية الضعفاء فيها ، ورعاية مصالحهم وصيانتها فعليها أن تقاتل عند اللزوم لحمايتهم : ( وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان ) وعليها أن تحفظ لهم أموالهم حتى يرشدوا : ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تاكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ) وهى مسئولة عن فقرائها ومعوزيها أن ترزقهم بما فيه الكفاية ، فتتقاضى أموال الزكاة وتنفقها فى مصارفها ، فإن لم تكف فرضت على القادرين ، ما يسد عوز المحتاجين ، بلا قيد ولا شرط إلا هذه الكفاية .
104 - وقد أراد الدين الحنيف أن يحيط البر والإحسان بسياج من الضمان ، ففرض على كل مسلم قادر أن يساهم فى تخفيف عبء الحياة عن الفقراء والمحتاجين : ( والذين فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) وشدد الاسلام فى جباية الزكاة من الأغنياء . وفرض عليهم نسبة معينة5 ، 2% من رءوس أموالهم ، يتسلمها بيت المال كل عام ، ليوزعها على الفقراء والمساكين . ولم تقتصر الزكاة على الذهب والفضة ، بل كانت تشمل الإبل والغنم والعروض والثمار والزروع . وهناك نوع من الزكاة يفرض فى الفطر ، أو يكون عقب الصوم .
وقد توخى الاسلام العدل فى توزيع الصدقات على مستحقيها واتبع ما أشار به القران الكريم : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل ) فكانت أموال الزكاة تقسم بنصيب معلوم على الفئات الآتية :
1- المساكين : وهم الذين لا شئ لهم .
2 - الفقراء : وهم الذين ليس لديهم ما يكفيهم .
3 - العاملين عليها : وهم القائمون بجباية الزكاة وتوزيعها .
4 - المؤلفة قلوبم : وهم الذين كانوا يريدون إعلان إسلامهم ، ويخشون أن يحرمهم أهلهم من أموالهم وميراثهم .
5 - الرقاب : الأرقاء المسلمون الذين يملكهم الكفار بعتقهم .
6 - الغارمين : وهم المدينون ، فيعطى لهم ما يقضون به ديونهم .
7 - الغزاة وأهل الجهاد : نفقة ما يحتاجون إليه فى حروبهم .
8 -أبناء السبيل : وهم المسافرون الذين لايجدون نفقة سفرهم .
105 - وهكذا تكفل الاسلام بجميع المصالح الاجتماعية العامة للأمة وصيانتها حتى يقوم المجتمع الاسلامى على أساس التكافل ، والتعاون ، والمحبة ، والثقة ، بين الفرد ونفسه ، والأفراد وبعضهم ، والأفراد والمجتمع . 5 - المصالح الاقتصادية : يعمل الاسلام على صيانة المصالح الاقتصادية للأمة . ويلخص قواعد الإصلاح الاقتصادى فى نقط كثيرة منها :
ا - إيجاب العمل والكسب على كل قادر :
فالاسلام يحث على . العمل والكسب ، ويعتبره واجبا على كل قادر ، ويثنى على العمال المحترفين ، ويحرم السؤال : ويعلن أن من فضل العبادة العمل ، وأنه من سنة الأنبياء ، وينعى على أهل البطالة أنهم عالة على المجتمع ، مهما كان سبب تبطلهم ولو كان الانقطاع لعبادة الله . فالاسلام لا يعرف هذا الضرب من التبطل ، والتوكل على الله إنما هو بالأخذ فى الأسباب ، وأيضا بالنتائج ، فمن فقد أحدهما فليس بمتوكل ، والرزق ، المقدور مقرون بالسعى الدائب : " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " ويقول الرسول (ص) " ما اكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يديه " ويقول عمر : " لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة " .
2 - الكشف عن منابع الثروات الطبيعة
ووجوب الاستفادة من كل ما فى الوجود من مواد . ففى الاسلام لفت النظر إلى ما فى الوجود من منابع الثروة ، ومصادر الخير ، والحث على العناية بها ، ووجوب استغلالها ، وأن كل ما فى هذا الكون العجيب مسخر للإنسان ليستفيد منه ، وينتفع به : " ألم تر أن الله سخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة0
3 - تحريم موارد الكسب الخبيث
وتحديد الخبث فى الكسب بأنه ما كان من غير مقابل من عمل ، كالربا ، والقمار ، واليانصيب ونحوها . . . أو كان بغير حق ، كالنصب ، والسرقة ، والفسق . أو عوضا عما يضر ، كثمن الخمر ، والخنزير ، والخدر ، ونحوها فكل هذه موارد للكسب لا يبيحها الاسلام ، ولا يعترف بها .
4 -تقريب الشقة بين مختلف الفقات : تقريبا يقضى على الثراء الفاحش والفقر المدقع ، وذلك لتحريم الكنز ، ومظاهر الترف على الأغنياء ، والحث على رفع مستوى المعيشة بين الفقراء ، وتقرير حقهم فى مال الدولة ومال الأغنياء ، ووصف الطريق العملى لذلك وأكثر من الحث على الإنفاق فى وجوه الخير والترغيب فى ذلك ، وذم البخل والرياء ، والمن ، والأذى ، وتقرير طريق التعاون ، والقرض الحسن ، ابتغاء مرضاة الله :" وتعاونوا على البر والتقوى " .
106 - ولكمال الرعاية لهذه المصالح وضمانها جميعا من قومية واجتماعية ، واقتصادية ، أعطت الشريعة أولى الأمر حق التشريع ، وإن كان هذا الحق مقيدا بأن يكون ما يضعونه من التشريعات متفقا مع نصوص الشريعة ، ومبادئها العامة ، وروحها االتشريعية . كما قصرت ذلك الحق على نوعين :
أ - تشريعات تنفيذية :
يقصد بها ضمان تنفيذ نصوص الشريعة الاسلامية ، والتشريع على هذا الوجه يعتبر بمثابة اللوائح والقرارات التى يصدرها الوزراء اليوم ، كل فى حدود اختصاصه ، ولضمان تنفيذ القوانين
ب - تشريعات تنظيمية :
يقصد بها تنظيم الجماعة وحمايتها ، وسد حاجتها ، على أساس مبادىء الشريعة العامة ، وهذه التشريعات لا تكون إلا فيما سكتت عنه الشريعة فلم تأت فيه بنصوص خاصة ، ويشترط فى هذا النوع من التشريعات ، أن يكون قبل كل شىء متفقأ مع مبادىء الشريعة ، وروحها التشريعية
107 - على أن هناك تشريعات اجتماعية واقتصادية لم تعرفها القوانين الوضعية الحديثة إلا فى القرن العشرين ، بينما قررتها شريعة الاسلام منذ اكثر من ثلاثة عشر قرنا ومنها :
1 - تحريم الخمر وإباحة الطلاق :
وهى قوانين لم تعرفها الدولة الحديثة إلا فى هذا القرن ، وبعض القوانين تحرم الخمر تحريما مطلقا ، وبعضها يحرمها تحريما جزئيا ، وبعضها يبيح الطلاق دون قيد ، وبعضها يقيده .
2 - التعاون والتضامن الاجتماعى :
فالشريعة الاسلامية أول شريعة جاءت بنظرية التعاون الاجتماعى : "وتعاونوا عل البر والتقوى " ونظرية التضامن الاجتماعى : " والذين فى أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم " وهاتان النظريتان لم يعرفهما العالم غير الاسلامى إلا فى هذا القرن أيضا ، وهو يطبقهما إلى حد محدود .
3 - تحريم الاحتكار والرشوة واستغلال النفوذ :
يقول الرسول (ص) : " لا يحتكر إلا خاطىء " ويقول تعالى : "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم وأنم تعلمون " وهذه المبادىء لم تعرفها القوانين الوضعية إلا أخيرا .
2 - تنظيم علاقات الحاكمين بالمحكومين :
158 - نظم الاسلام علاقة الحاكم بالمحكوم على صورة لم تتوفر حتى الان فى أى نظام من نظم الحكم فى المجتمعات الحديثة. فطريقة الحكم " شورية " والحاكم لا يصل إلى مكانه إلا عن طريق واحد هو رغبة المحكومين واختيارهم المطلق : ( وأمرهم شورى بينهم ) ، ( وشاورهم فى الأمر ). وإذا كانت الشريعة لم تحدد طريقة معينة للشورى . فذلك متروك لحاجات كل عصر وضروراته وطريقة حياته . ولكن المبدأ مقرر والطريقة معينة ، ومن شأنها إشراك الناس فى تدبير أمورهم .
109 - وعلى هذا نستطيع أن نقول إن الحكومة الاسلامية ، هى أقرب ما يكون إلى نظام الحكومات البرلمانية الحالية. كما أن اختيار الحاكم بهذه الطريقة ، يشبه نظام اختيار رئيس الجمهورية ، إلا أن النظام الاسلامى يختلف عن النظام الجمهورى فى أن الحاكم فى الاسلام يمكن أن يظل مدى الحياة ، ما لم يرتكب من المخالفات ما يوجب العزل . وبهذه الطريقة يجمع الحكم الاسلامى بين أحسن مميزات النظام الجمهورى . وهى اختيار الحاكم من الشعب وللشعب بناء على رغبة الشعب . وأحسن ميزات النظام الملكى ، وهى الثبات والاستقرار ، والاستفادة من خبرة الحاكم ، وتجاربه . ، من طول ممارسته للحكم ، لصالح، الأمة والنظام ، مع التخلص من عيوب هذين النظامين .
على أن النظام الاسلامى يختلف عن هذه النظم أيضا فى أشياء جوهرية منها :
مسئولية الحاكم :
فالحاكم فى الاسلام مسئول عن أعماله ، ويحاسب على أعماله السياسية ، والجنائية ، والمدنية ، سواء بسواء . وهى ميزة لا تتوفر فى غالبية النظم الحديثة ، التى لا زال معظمها ينص على الحاكم - ملكا كان أو رئيسا للجمهورية - لا يسأل سياسيا ولا جنائيا ، عن أفعاله ولكن الوزراء يتحملون مسئولية أعماله . وكما كانت تنص المادة 62 من الدستور المصرى الذى سقط بثورة الجيش فى 23 يوليو 1952 على أن ( أوامر الملك شفويه أو كتابية لا تخلى الوزارة من المسئو لية) .
110 - أى أن الملك لا يتحمل مسئولية أعماله ، وإنما يتحملها الوزراء . ولعل الجميع قد لمسوا فى مصر ما سببته أمثال تلك النصوص الفاسدة من مظالم وقعت على البلاد والعباد ، من الملك : لأنه غير مسئول عن أعماله ، ومن الوزراء : الذين كانوا يحتجون دائما فى أوامر الملك الشفوية والتحريرية ، ليتهربوا بذلك من المسئولية ، لأن أحدا لم يكن يستطيع أن يتناول تصرفا نتج عن أوامر الملك ، نتيجة للطغيان الذى كان سائدا فى ذلك الوقت .
2 - المساواة المطلقة :
فالحاكم والمحكوم يتساوون فى جميع الحقوق بكافة أنواعها ، ولأى فرد من أفراد الشعب أن يقاضى الحاكم أمام أى محكمة عادية ، ويرفع عليه الدعوى بما يشاء ، فالاسلام لا يعرف فى ذلك صغيرا ولا كبيرا ، كلهم عنده سواسية كأسنان المشط .
111 - ويتشدد الاسلام فى التمسك بهذه المساواة إلى أبعد الحدود ، حتى إنه لا يجيز أن تكون هناك أى نوع من أنواع التفرقة فى المعاملة بين الخصمين أمام المحكمة ، أثناء إجراء ات المحاكمة . فقد روى أن عليا كرم الله وجه غضب لأن قاضيه ناداه بكنيته ، ونادى خصمة باسمه المجرد فقال : " قم يا فلان ، قم يا أبا الحسن " فلما توهم القاضى أن عليا قد غضب لأنه أوقفه بجوار خصمه ، وكان يهوديا ، سأله عن غضبه فقال : " لأنك لم تسو بيننا ، ناديته باسمه وناديتنى بكنيتى " فلم يقبل أن يحابى أو يجامل ، حتى تلك المجاملة اليسيرة ، لكيلا لا تختل معايير المساواة المطلقة فى أذهان الناس .
3 - العدالة المطلقة :
فالعدل فى الاسلام هو العدل المطلق الذى لا يتأثر بالمحبة والشنآن ، ولا بالمال والجاه والحكام ، وآيات العدل فى القرآن صارمة جازمة حاسمة :
( يأيها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين " ، ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ) وتقوم السلطة القضائية فى الاسلام بإقامة هذه العدالة المطلقة ، معتمدة على البيانات والأدلة ، بصرف النظر عن أشخاص المتقاضين ، وكونهم من الحاكمين أو المحكومين ، ولنضرب هذا المثل أيضا عن على بن أبى طالب بعد أن ولى إمارة المؤمنين : " وجد على درعه عند رجل نصرانى . فجاء به إلى شريح القاضى . وقال : إنها درعى ولم أبع ولم أهب فسأل شريح ذلك النصرانى : ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين ؟
قال النصرانى : ما الدرع إلا درعى ، وما أمير المؤمنين عندى بكاذب. فالتفت شريح إلى على يسأله : يا أمير المؤمنين هل من بينة ؟ فضحك على وقال : أصاب شريح مالى بينة فقضى القاضى للنصرانى بالدرع .. ، فأخذها ومضى .. إلا أن الرجل لم يخط خطوات حتى عاد يقول : أما أنا فأشهد أن هذه أحكام أنبياء ، أمير المؤمنين يديننى إلى قاضيه فيقضى عليه !!! أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الدرع درعك يا أمير المؤمنين ، اتبعت الجيش وأنت منطلق من صفين ، فخرجت من بعيرك الأورق ، فقال على أما إذا أسلمت فهى لك .
4 - التزام حدود الشريعة :
112- وكما أوجب الاسلام العدل على الحاكمين ، والطاعة على المحكومين ، فإنه أطلق الأولى وجعلها عدالة مطلقة ، وقيد الثانية وجعلها فى حدود ما أمرت به الشريعة ، يقول الحديث : ( لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ) فطاعة الناس للحاكم مرهونة بإقامة هذه الشريعة ، وتنفيذ ذلك القانون ، فإذا فسق عنه فقد سقطت طاعته قال النبى صلى الله عليه وسلم : " اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشى كأن رأسه زبيبة ، ما أقام فيكم كتاب الله " فوقت الطاعة الطاعة بإقامة كتاب الله دون سواه . 5 - وحدة الأمة :
113 - والأمة الاسلامية أمة واحدة ، لأن الأخوة التى جمع الاسلام عليها القلوب أصل من أصول - الإيمان ، لا يتم إلا بها ،
124ولا يتحقق إلا بوجودها . ولا يحقق ذلك إلا حرية الرأى ، وبذل النصح من الصغير إلى الكبير ، ومن الكبير إلى الصغير . وذلك هو المعبر عنه فى عرف الاسلام ببذل النصيحة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : " الدين النصيحة قالوا : لمن يارسول الله ؟ قال : لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم " وقال : " إذا رأيت أمتى تهاب أن تقول للظالم : يا ظالم فقد تودع منها " ولا تتصور الفرقة فى الشئون الجوهرية فى الأمة الاسلامية ، لأن نظام الحياة الاجتماعية الذى يضمها نظام واحد ، .هو الاسلام ، معترف به من أبنائها جميعا ، والخلاف فى الفروع لا يضر، ولا يوجب بغضا ، ولا خصومة ، ولا حزبية يدور معها الحكم كما تدور ، ولكنه يستلزم البحث والتمحيص ، والتشاور وبذل النصيحة .
114- على أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم فى النظام الاسلامى ، تقوم أولا وآخرا على الحب والأخوة ، والرعاية والثقة . ولهذا سمى الحاكم فى الاسلام راعيا ، ولم يسم حاكما ، لما فى كلمة الراعى من معانى العطف ، والعناية ، والحب ، والرعاية . ولأمر ما قال صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " .
3 - تنظيم علاقات الدولة بالدول الخارجية :
الاسلام يعتبر الأمة الاسلامية أمينة على رسالة الله فى أرضه ، ولها فى العالم مرتبة الأستاذية ، ولا نقول السيادة ، بحكم هذه الأمانة فلا يسمح لدولة من دول الاسلام أن تذل لأحد ، أو تستعبد لأحد أو تلين قناتها لمغامر ، أو تخضع لغاصب معتد أثيم . وعلاقة الدولة بالدول الخارجية ، هى ما ينظمه فى عصرنا الحديث ما يسمى ( بالقوانين الدولية ) والمعاهدات والمواثيق العالمية التى توقع عليها مجموعة الدول المشتركة ، وتلتزم القيام بشرائط هذه المعاهدات وقيودها . وقد جعل الاسلام قانونه فى العالم الدولى . بل العالم الإنسانى ، هو الوفاء بالعهد : ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ) وقد عظم الله الوفاء بالعهد والموفين به ، بقدر ما حقر الذين ينقضون عهودهم ، ويخفرون ذممهم ، حتى نبذهم من ساحة الإنسانية ، وزج بهم فى حظيرة الحيوانية : !( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون " الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم فى كل مرة وهم لا يتقون " وحتى المسلمين حين يستنصرون المسلمين على الأعداء ، فإن هذا لا يبيح لإخوانهم نقض العهد الذى سبق له الأداء : ( وإن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ) ، وهى قمة الوفاء بالعهد تقصر دونها الكلمات .
ولم تكن هذه مثلا أو مبادىء مثالية ، إنما كانت سلوكا واقعيا فى حياة المسلمين . وفى علاقاتهم الدولية جميعا ، والأمثلة على ذلك كثيرة من الواقع التاريخى فى الاسلام ، قال حذيفة بن اليمان : ما منعنى أن أشهد بدرأ إلا أننى خرجت أنا وأبو الحسيل فأخذنا كفار قريش . فقالوا إنكم تريدون محمدا ؟ قلنا : ما نريده وما نريد إلا المدينة . فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننطلق إلى المدينة ، ولا نقاتل معه . فأتينا رسول الله فأخبرناه الخبر فقال : " انصرفا نفى بعهدهم ، ونستعين الله عليهم " .
ثم يمضى الاسلام فى طريقه العلوى ، مع الشرف والكرامة والأخلاق فلا يبيح الغدر حتى وهو يخشى خيانة الاخرين . فلا بد أن يعالنهم بالعدوان ، ويجاهرهم بالحرب ، وينبذ إليهم عهدهم فى وضح النهار ، ولا يبيتهم بالغدر . وهم منه على عهد وميثاق : ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين )
على أن الاسلام أمر أيضا بأن تتكتل الدول الاسلامية جميعا تحت الراية الاسلامية فى ميدان السياسة الدولية ، وفى المجال الاقتصادى ، وفى المجال الحربى ، ويكون تكتلها على أساس أنها أولا : تطلب الاستقلال والحرية كاملين لها ولأهلها جميعا ، وأنها ستكون حربا على كل معتد على هذا الاستقلال . وأنها ثانيها : تقف ضد كل اعتداء وكل استعمار من أى نوع على ظهر هذه الأرض جميعا . وهذه الكتلة المتجانسة هى التى تملك أن تحمل راية جديدة تمثل فكرة إنسانية جديدة وتلوح بها للبشرية الضالة المعذبة .
115 - وهكذا نرى أن الاسلام ينظم علاقات الأفراد ببعضهم ، وعلاقات الحاكمين بالمحكومين ، وعلاقات الدولة بالدول الأخرى كأحدث ما تتطلبه النظم الاجتماعية العصرية ، بل بصورة لم يتوفر لإحدى هذه النظم أن يبلغها .
ولعل هذا الإيضاح يكفى لتنوير الأذهان عن صلاحية الاسلام ليكون نظاما اجتماعيا للحياة ، فضلا عن كونه دينا ينظم صلة العبد بخالقه ، وهكذا فهم الإخوان المسلمون الاسلام واقتنعوا بذلك الفهم وامنوا به ، ودعوا الناس إليه . ولعل خير ما نختم به هذا الفصل ، هو أن ننقل رأى المؤتمر الدولى للقانون المقارن ، الذى عقد فى باريس ، وقررت شعبته الشرقية فى جلستها النهائية فى 7 يوليو 1951 القرار الاجتماعى التاريخى الآتى :
" إن المؤتمرين - وقد أبدوا الاهتمام بالمشاكل المثارة أثناء أسبوع القانون الاسلامى ، وما جرى فى شأنها من مناقشات ، أوضحت بجلاء ما لمبادئ القانون الاسلامى من قيمة لا تقبل الجدال ، كما أوضحت أن تعدد المدارس والمذاهب داخل هذا النظام القانوق الكبير ، ( إنما يدل على ثروة من النظريات القانونية والفن البديع " فكل هذا يمكن هذا القانون من تلبية جميع حاجيات الحياة العصرية - يبدون الرغبة فى أن يواصل الأسبوع أعماله كل سنة ، ويكلف مكتب الأسبوع بوضع لائحة بالموضوعات التى جرت مناقشتها خلال الأسبوع ، حتى تكون موضع البحث أثناء الدورة القادمة .
116 - وهكذا تعترف المؤتمرات الدولية بروة القوانين الاسلامية وصلاحيتها لتلبية جميع حاجيات الحياة العمرية ، ويجهل ذلك أو ينكره كوة غالبة من أبناء الاسلام .
الفصل الثالث : التنظيم الادارى لهيئة التمويل
نلاحظ فى اللوحة المبينة للتنظيم الإدارى للاخوان المسلمين أنها تبدأ بالهيئة التأسيسية ، وهى الهيئة التى تنبع منها السلطة الأولى فى الإخوان ، وهى تقوم مقام الجمعية العمومية فى سائر المنظمات الأخرى لأن الجمعية العمومية الحقيقية للاخوان لا سبيل إلى اجتماعها لأنها تبلغ عدة ملايين ، ومن ثم استعيض عنها بالهيئة التأسيسية ، لعدم توافر الإمكانات المادية لاجتماع جميع الإخوان . والهيئة التأسيسية هى مجلس الشورى العام للاخوان المسلمين ، والجمعية العمومية لمكتب الارشاد ائعام . وتتكون الهيئة التأسيسية من الإخوان الذين سبقوا بالعمل للدعوة . ، ومهمتها " الإشراف العام على سير الدعوة ، واختيار أعضاء مكتب الارشاد ، وانتخاب مراجع حسابات " .
117 - واجتماعات الهيئة الدورية أول شهر من كل عام هجرى ( محرم ) لسماع ومناقشة تقرير مكتب الارشاد عن نشاط الدعوة فى العام الجديد ، واختيار الأعضاء الجدد إذ حل موعد اختيارهم ، ومناقشة تقرير المراجع عن الحساب الختامى للسنة الماضية ، والميزانية المقترحة للسنة الاتية ، وانتخاب المراجع الجديد ، إذا حل موعد انتخابه ( ويجب أن يكون من أعضائها وألا يكون من المختارين لمكتب الارشاد العام ) وللنظر فى غير ذلك من الأعمال والمقترحات التى تعرض عليها . وتجتمع فى غير هذا الموعد اجتماعا فوق العادة بدعوة من المرشد العام إذا حدث ما يدعو إلى ذلك ، أو بقرار من مكتب الارشاد ، أو بطلب من عشرين عضوا .
والمرشد العام هو الذى يرأس الاجتماع ، فإذا لم يحضر أو كان الاجتماع لأمر متصل به ، أو رأى أن يتنحى عن رئاسة الجلسة ، قام بذلك الوكيل فإذا تخلف أو اعتذر ، فأكبر الأعضاء سنا . ويكون الاجتماع صحيحا إذا حضرته الأغلبية المطلقة ( النصف زائدا واحدا ) إلا فى الحالات التى اشترط لها نصاب خاص . وللهيئة التأسيسية أن تقرر فى أي اجتماع منح بعض الإخوان حق العضوية للهيئة التأسيسية بشرط أن تتوفر فيه يراد منحه إياها هذا الشروط :
(أ) أن يكون من الأعضاء المثبتين .
(ب) ألا تقل سنه عن خمس وعشرين سنة هلالية .
(ج) أن يكون قد مضى على اتصاله بالدعوة خمس سنوات على الأقل .
(د) أن يكون متصفا بالصفات الخلقية والثقافية والعملية التى تؤهله لذلك . ويجب ألا يزيد عدد من يمنحون هذه العضوية على عشرة إخوان فى كل عام ، على أن يراعى فى اختيا ر هؤلاء تمثيل المناطق بقدر الإمكان .
118 - ومكتب الارشاد العام الذى تنتخبه الهيئة التأسيسية يتكون من اثنى عشر عضوا ، ينتخبون من بين أعضاء الهيئة ، عدا المرشد العام ويلاحظ فى انتخابهم أن يكون تسعة منهم من إخوان القاهرة ، والثلاثة الباقون من بين إخوان الأقاليم .
ويشترط ، فيمن يرشح لعضوية المكتب أن تتوفر فيه الشروظ الآتية :
(أ) أن يكون من بين أعضاء الهيئة التأسيسية وأن يكون قد مضى على عضويته فيها مدة لا تقل عن ثلاث سنوات.
(ب ) أن يكون مؤهلا من النواحى الخلقية والعملية والعلمية لهذه العضوية . (ج ) ألا تقل سنه عن ثلاثين سنة هجرية
ويتم الانتخابات بالاقتراع السرى ، وبعد إعلان النتيجة يقسم العضو على أن يكون حارسا لمبادىء الإخوان ، واثقا بقيادتهم ، منفذا لقرارات المكتب القانونية وإن خالفت رأيه ، ويبايع على ذلك ، ثم تنتخب الهيئة التأسيسية أيضا من بين الإخوان التسعة القاهريين وكيلا ، وسكرتيرا عاما ، وأمينا للصندوق ، ومدة عضوية المكتب سنتان ، ويتجدد الانتخاب فى نهاية المدة ، ويجوز اختيار العضو لأكثر من مدة ، وإذا خلا مكان أحد الأعضاء قبل مضى المدة المحدودة ، حل محله الذى يليه فى عدد الأصوات فى انتخابات الهيئة .
119 - والمقر الرئيسى للاخوان ، والمرشد العام ، ومكتب الارشاد هو المركز العام . ويتفرع من المركز العام المكاتب الإدارية ، وعددها فى القطر المصرى تسعة عشر مكتبا إداريا ، فى كل مديرية أو محافظة ، والمكاتب الإدارية الموجودة حاليا هى .
القاهرة ، و الأسكند رية ، و القنال ، و السويس ، و الشرقية ،والغربية والفؤادية ، والمنوفية ، والبحيرة ، والقليوبية ، والجيزة ، والفيوم ، وبنى سويف ، والمنيا ، وأسيوط ، وسوهاج ، وقنا ، وأسوان ، والبحر الأحمر . ويتفرع من المكاتب الإدارية المناطق ، وهى فى كل قسم أو مركز ، وإن كان من الجائز أن تضيق أو تتسع عن هذه الدائرة ، وعدد المناطق الموجودة حاليا " 300 " منطقة .
ويتفرع من المناطق الشعب ، ويمكن أن توجد شعبة فى كل قرية أو بلدة ، وعدد الشعب الموجودة حاليا " 1500 " شعبة . ويوجد بمدينة القاهرة وحدها حاليا " 70 " سبعون شعبة مع ملاحظة التضييق الشديد ، والالتزامات المادية والأدبية ، والتى يشترط المركز العام للسماح بفتح الشعبة . والمكتب الإدارى له مجلس إدارة يتكون من رئيس المكتب الإدارى ويكون عادة رئيس الشعبة الرئيسية ، ويجوز أن يختاره مكتب الارشاد العام وإن لم يكن رئيس شعبة أو عضوا فيها ، ووكيل المكتب الإدارى ، وسكرتيره ، وأمين صندوقه ، ويكونون عادة لا يشغلون هذه المناصب فى الشعبة الرئيسية ، أما باقى أعضاء مجلس إدارة المكتب الإدارى ، فهم رؤساء المناطق فى دائرة المكتب وأعضاء الهيئة التأسيسية بنفس الدائرة ، ومندوبو النشاط فى المكتب الإدارى ، وزائر لمكتب الارشاد ، ورأيه استشارى ، وليس له حق التصويت .
120 - ويتكون مجلس إدارة المنطقة من رئيس الشعبة الرئيسية فى المنطقة ، ورؤساء بقية الشعب الداخلة فى المنطقة ، وزوار الشعب ، وزائر المكتب الإدارى ، ومندوبى أوجه النشاط فى الشعبة الرئيسية .
121 - ومجلس إدارة الشعبة يتكون من خمسة أشخاص أحدهم يختاره المركز العام وهو رئيس الشعبة ، والأربعة الباقون تنتخبهم الجمعية العمومية للشعبة ، على أن يكون اثنان منهم وكيلين ، والثالث سكرتيرا ، والرابع أمين صندوق ، وعلى أن يكون الانتخاب سريا.
122 - ويشترط فى عضو مجلس إدارة الشعبة ، أن تكون سنه 21 سنة هلالية على الأقل ، وأن يكون قد مضى على عضويته فى الشعبة مدة عام على الأقل لم يعرف عنه فى أثنائها ما يتنافى مع واجبات العضوية . ويشترط فى عضو الشعبة ما يأتى :
(أ) أن لا يقل عمره عن ثمانية عشر عاما .
(ب ) أن يكون حسن السير والسلوك ولم تصدر ضده أحكام مخلة بالشرف . (ج ) أن يكون فاهما فكرة الإخوان ناهضا بواجباته .
(د) أن يفرض على نفسه اشتراكا شهريا يدفعه للشعبة بانتظام .
(ر) أن يتعهد بالعمل بقانون الإخوان المسلمين ويبايع بيعتهم .
123 - والشعبة خاضعة للمنطقة التى تتبعها ، والمنطقة خاضعة للمكتب الإدارى الذى تتبعه ، والمكتب الإدارى خاضع لمكتب الارشاد العام . ويكون الاتصال بين هذه الوحدات طرديا أو عكسياعن طريق هذا التسلسل . وباستعراض التنظيم الإدارى للاخوان ، تجد أنه يضارع أحسن التنظيمات الإدارية الحديثة التى يقررها علم الإد ارة (Administation) ، ولوأن الناحية الإدارية المظهرية للاخوان توحى لمن لا يعرفهم بأن إدارة الجماعة تسير على نظام الفردية (ِAutocracy) التى كانت تسير عليها النازية والفاشية ، والتى تنحصر فى العبارة " أنت تفعل ما آمرك به ، وأنا أفعل ماهوفىصالحك " (You dowhat Itey ou and I dowhat is good for you ) وأنه لا مجال لتنافس الاراء بين الإخوان وخاصة فى النواحى الإدارية . إلا أن الحقيقة غير ذلك ، فهم يسيرون على الطريقة الشورية تماما . فالهيئة التأسيسية هى التى تنتخب مكتب الارشاد العام ، والمرشد العام ، والوكيل العام ، والسكرتير العام ، وأمين الصندوق . كما أن كلا من المكتب الإدارى ، والمنطقة ، والشعبة ، هى التى تنتخب مجلس إدارتها ، وقد احتفظ المركز العام لنفسه بحق تعيين الرئيس حرصا على وحدة الأمر (Unity of command) أولا ، وحرصا على أن يكون رؤساء هذه الوحدات ممن تشربوا الفكرة جيدا ، ووضع الرجل الصالح فى المكان الصالح إذا لم يكن معروفا أو لم يكن يحسن التعريف بنفسه ثانيا . أما إذا وافق الأعضاء فى هذه الوحدات إلى انتخاب من يراه المركز العام صالحا لقيادتها ، فإن المركز العام يقر ذلك الانتخابات ويوافق عليه فى الحال . على أن الإدارة فى الإخوان تسير إلى حد كبير على أمثل النظم الإدارية الحديثة الذى يسمى " المسئولية المشتركة"(Responsipility) والذى كان نتيجة لسابق تجربة النظامين الاخرين ، وهما نظام الفردية والديمقراطية . ونظام المسئولية المشتركة الذى يقوم على العمل على أخذ موافقة الجميع لا الأغلبية فقط ، كا هو الحال فى النظام الديمقراطى ، حتى ولو أدى ذلك إلى الاتصال الشخصى بالأعضاء لإقناعهم برأى الأغلبية ، حتى يصدر الرأى بالإجماع ، ومن ثم يتعاون الجميع فى تنفيذه . ولهذا كانت معظم قرارات الإخوان الهامة تصدر بالإجماع ، وذلك حرصا على وحدتهم ، وعدم ،وجود انقسام فىصفوفهم ، أو تكتلات داخلية بينهم . إلا فى الحالات التى يتعذر فيها الإجماع فتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة . كما أنه قد نص فى القرارات الخطيرة مثل تعيين المرشد العام أو عزله ، أن تصدر الاراء بموافقة ثلاثة أرباع الحاضرين ، على أن يكون عدد الحاضرين أربعة أخماس أعضاء الهيئة . بينما فى الطريقة الديمقراطية تصدر جميع القرارات بالأغلبية المطلقة " النصف زائدا واحدا " . ولا يشترط حضور أربعة أخماس أعضاء الهيئة ، بل يشترط أن يكون العدد يسمح بقانونية الاجتماع فقط . كما يلاحظ أننا لم نبين فى لوحة الهرم الإدارى " الهيئة الفنية "(Staff unit)المبينة بلوحة التنظيم الإدارى ،
وذلك لأن هذه الهيئة فى الإخوان - كا تنص على ذلك أيضا النظم الإدارية الصحيحة-استشارية فقط (for Advisory & investigation)
فهى للدراسة والاستشارة ، ولهما حق تقديم توصيات فقط . أما الأقسام الرئيسية والوحدات المنفذة أو ال(Line Units)فهى وحدات الأمر والتنفيذ (for Command & Action)
ثانيا- التمويل :
ينص القانون الأساس أن : " على كل عضو أن يقرر على نفسه اشتراكا ماليا ، شهريا أو سنويا ، يقوم بتسديده بانتظام . ولا يمنع ذلك من المساهمة فى نفقات الدعوة والتبرع ، أو الوصية ، أو الوقف ، أو كلها معا . كما أن للدعوة حقا فى زكاة أموال الأعضاء ثم القادرين على ذلك . ويعفى من كل هذه التكاليف المالية غير المستطيعين بقرار من إدارة الشعبة ، بعد التاكد من حالة عدم الاستطاعة . وكل ما يدفع لا يجوز طلب رده بحال .
124 - كما أنه على كل شعبة أن تساهم بما يكفى نفقات ، المنطقة التى تتبعها . ثم المكتب الإدارى ، وعلى كل مكتب إدارى أن لا يقدم شهريا للمركز العام ما يكفى نفقاته . ويحدد مكتب الارشاد ما يدقعه كل مكتب شهريا وتواريخ الدفع .
125 - كما أن جميع المؤسسات الإخوانية التى تدر أرباحأ - تخصص جانبا من أرباحها السنوية للمركز العام .
الباب الثانى : الخدمات التى يؤديها الإخوان للمجتمع المصرى
الفصل الأول : الخدمات الاجتماعية :
أ- بر وخدمات اجتماعية
ب - التربية البدنية والكشافة
جـ - وطنية وقومية
الفصل الثانى : الخدمات القافية :
أ - تربوية روحية
ب - ثقا فية إسلامية .
جـ - علمية تعليمية
د - أبحاث توجيهية
الفصل الثالث : نشاطات الأخوات المسلمات
الفصل الرابع : الخدمات الاقتصادية :
أ - تدعيم الاقتصاد القومى
ب - تشجيع ا لادخار فى الطبقات الشعبية
الفصل الخامس :الخدمات الصحية : المستشفيات والمستوصفات التى أنشأها الإخوان
الفصل الأول :الخدمات الاجتماعية
قد يعجب الكثيرون إذا أراد إنسان أن يتحدث عن نشاط الإخوان الاجتماعى ، وذلك لأن الإخوان لا يهمون بالدعاية لأعمالهم - أولا ، ولحملات التشهير الواسعة التى شنتها الحكومات السابقة ضدهم - ثانيا . إلا أن الحقيقة الواقعة ، هى أن نشاط الإخوان الاجتماعى قد بدأ منذ نشأتهم . وقد سبقت الإشارة فى الجزء التاريخى إلى شئ من ذلك . كما أن قانون الإخوان الاسلامى قد نص على أن من غايات الإخوان : " تحقيق العدالة الاجتماعية ، والتأمين الاجتماعى لكل مواطن ، والمساهمة فى الخدمة الشعبية ، ومكافحة الجهل والمرض والفقر والرذيلة ، وتشجيع أعمال البر والخير " .
126 - لذلك عملوا من أول يوم على الإصلاح الريفى ، وأسسوا جماعة للعناية بنهضة القرى المصرية ، واشترك بعض الإخوان فى عمل مزرعة تعاونية نموذجية فى فرشوط ، وشيدوا فى إحدى القرى أربعة مدافن واسعة لدفن الفقراء والمساكين ، وتبارت الشعب فى إطعام الففراء خلال الأشهر الثلاتة المباركة ، وفى إنارة القرى ، وإخراج الزكاة فى رمضان ، والعناية بالمصالحة بين المتخاصمين ، وتولت إحدى اللجان إحصاء الأطفال المشردين والأسر الفقيرة ، لتشغيل الأطفال فى صناعة تتفق وإمكاناتهم ، وإعالة العجزة الذين لا عائل لهم .
127 - ولهذا فقد أنشئوا قبل صدور القانون رقم 49 لسنة 1945 الخاص بتنظيم الجماعات والمؤسسات الخيرية ، مكتبا للمساعدات. الاجتماعية ، لرعاية الأسر الفقيرة للقيام بالخدمة الاجتماعية على أساس علمى صحيح ؛ ليمكن الأسر الفقيرة من السير فى طريق الحياة العادية ، ولا نتشالها من السقوط أو الموت جوعأ على أنه يمكن تبويب الخدمات الاجتماعية التى يؤديها الإخوان تجمع المصرى إلى ثلائة أبواب :
1 - بر وخدمة اجتماعية .
2 - التربية البدنية والكشافة .
3 - خدمات وطنية وقومية .
ولنتناول كل من هذه الأبواب بشىء من التفصيل فنقول :
1 - البر والخدمات الاجتماعية : كانت أنواع البر والخدمات الاجتماعية التى سبقت الإشارة إليها طابع الإخوان فى أول عهدهم . ولكنهم أنشئوا حين استقر بهم المقام فى القاهرة مكتبا للمساعدات الاجتماعية على أحدث نظم الخدمة الاجتماعية . إذ نص على أن الخدمات الاجتماعية التى يقدمها تنقسم إلى أربعة أقسام هى :
1 - خدمات مسكنة : كإعطاء مساعدات للمحتاجين ، وتكون عادة عينية إلا إذا اقتضت الضرورة أن تكون المساعدة مالية . وجمع زكاة الفطر ، ولحوم الأضاحى وجلودها ، لتوزيعها على المستحقين .
2 - خدمات شافية : كمساعدة العاطل للحصول على عمل ، وذلك بالاتصال بمصلحة العمل ، والمصالح الأخرى ، وأصحاب الأعمال ، وإقراض رءوس أموال صغيرة فى بعض الأجوال بدون فائدة ، وكذلك علاج المرضى بالمجان أو نظير أجر رسمى .
3 - خدمات واقة : مثل بث الدعوة الصحية بين الأسر التى يرعاها المكتب ، والعمل على توفير وجبات غذائية تباع بمبلغ زهيد لفقراء الحى .
4 – خدمات إنشائية : للارتفاع بمستوى الحياة العادى ، وذلك بالعمل على إنشاء ناد للعمال ، وصغار أصحاب الأعمال الحرة ، تنظم به أوقات فراغهم لكى ينتشلوا من السقوط ، ويوجهوا توجيها مهنيا ووطنيا وصحيا .
وقد نص مشروع المكتب على أن المساعدات المادية تقدم للفئات الآتية :
1- الأسر الكريمة التى أخنى عليها الدهر .
2 - الأسر التى فقدت عائلها الوحيد وليس لها أى مورد ورزق كاف .
3 - الأسر لا الفقيرة التى اشهرت بحسن السير والسلوك ولم تصدر ضدها أحكام مخلة بالشرف ، ولها استعداد بمعاونة المكتب فى تحقيق رسالته . بتنفيذ إرشاداته وتوجيهاته .
128- وحينما صدر القانون رقم 9 4 لسنة 1945 الخاص بتنظيم الجماعات والمؤسسات الخيرية ، انشعب هذا المكتب من هيئة الإخوان ، وأصبح قسما مستقلا له لا ئحته الخاصة به ، وسمى باسم : " جماعات أقسام البر والخدمة الاجتماعية للاخوان المسلمين " . وتوسعت دائرة نشاطه إلى تقديم خدمات صحية وثقافية سنتحدث عنها فى بابها ، بالإضافة إلى أنواع النشاط القديمة التى كان يقدمها ، مكتب المساعدات الاجتماعية السابق ذكره .
وقد قدم قسم البر والخدمة الاجتماعية قبل الحل خدمات كثيرة لا سبيل إلى حصرها ، وكان للقسم قبل الحل 500 شعبة فى أنحاء القطر المصرى تشرف عليها وزارة الشئون الاجتماعية .
129 - أما بعد الحل والسماح للجماعة باستئناف نشاطها ، فقد بدأ القسم نشاطه بمشروع ضخم يقوم به فرع البر والخدمة الاجتماعية للاخوان بحى الروضة بالقاهرة وهو بناء مؤسسة اجتماعية تشمل مسجدا ومستوصفا للعلاج ، ومكتبة للمؤلفات العلمية ، وصالة للمحاضرات ، وقد تنازلت وزارة الأوقاف عن الأرض لهذا ى الغرض ، وتطوع الدكتور المهندس سيد كريم بعمل تصميم المشروع . وقام الإخوان بتنظيف الأرض فى الحال ، وعمل سور خشبى وسقف مؤقت من الحصير وأدخلوا النور الكهربائى إلى الأرض التى تستعمل كمسجد حاليا لعدم وفرة المساجد فى ذلك الحى إلى أن تتم التبرعات التى تسمح لبدء البناء . ولا يكتفى الإخوان بالإشراف على المساجد التى يمتلكونها بل إنهم يتعهدون المساجد المهجورة بالتعمير ، والمهملة بالرعاية والإشراف وتزويدها بالإمام وخطيب الجمعة باستمرار . وقد قمت بحصر المساجد التى يشرف عليها الإخوان هذا النوع من الإشراف فى القاهرة وبندر الجيزة ، فوجدت أن الإخوان يشرفون على المساجد الاتية :
هذا بالنسبة للقاهرة وبندر الجيزة فقط ، ومن الطبيعى أن يكون هناك مثل هذا الإشراف أو بعضه فى جميع مديريات القطر المصرى . وتقوم الأقسام الرئيسية بالمركز العام بالمساهمة فى الخدمات الاجتماعية بجوار الخدمات الأخرى التى تقوم بها قسم العمال والفلاحين تنص لا ئحته على أن من أغراضه : " دراسة وشرح ونقد قوانين العمل وتبصير العمال بحقوقهم ، والعمل للحصول على هذه الحقوق . وتوجيه الشركات العمالية وصبغها بالصبغة الاسلامية ، وتوجيه العمال الصناعيين للاشتراك فى النقابات والمطالبة بعمل نقابات للعمال الزراعيين ، وبث روح التعاون فى صفوف العمال من الإخوان والاستفادة من تكتلهم فى مشروعات تعاونية " . وقد خطا القسم فى سبيل ذلك خطوات عملية فأنشأ مدرسة عمالية بالمركز العام لتبصير العمال بحقوقهم ، وشرح التشريعات العمالية وتبسيطها لهم ، ومساعدتهم على الاستفادة من هذه التشريعات إلى أقصى حد ممكن . كما نصت لائحة القسم أيضا على : " العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق التكافل الاجتماعى والأخذ بمبدأ الخدمات الاجتماعية فى جميع المصانع . وحل مشاكل الفقر بين الفلاحين وما يتصل بها من مشاكل الملكية الزراعية . ومطالبة الدولة بإصدار التشريعات الاقتصادية والاجتماعية التى تكفل ضمان حقوقهم . والعمل على حل المشاكل الاجتماعية العمالية المتجددة بما يحقق مصلحة العامل الصناعى والزراعى .
130 - وقد عمل قسم العمال من جانبه أيضا على تقديم خدمات اجتماعية للعمال ، وذلك بمساعدتهم على حل مشاكلهم ففى إدارة القسم بالمركز العام محامون متخصصون فى الشئون العمالية لتوجيه العمال التوجيه السليم ، وإرشادهم إلى ما فيه صالحهم كما يعمل القسم أيضا على مساعدة العاطلين على إيجاد أعمال لهم فى حدود إمكانياته ، وذلك بالاتصال بمصلحة العمل ، والمؤسسات التجارية والصناعية التى تربطها بالإخوان صلات طيبة . ويقوم قسم المهن بالمركز العام ببعض الخدمات الاجتماعية بالإضافة إلى انواع نشاطه الأخرى ، وقد نص على أن من أغراضه : ،( توثيق الصلة بين أرباب المهن فى مصر والبلاد الاسلامية )، وتوسل لذلك بأن يعمل على توثيق الصلة بالشخصيات المهنية ، والنقابات والأندية والروابط ، والجمعيات العلمية المحلية والدولية ، وتنظيم إلحاق الإخوان الخريجين فى الأعمال الحكومية والحرة حسب الحاجة والإمكان .
131 - أما فروع قسم المهن فإن ما يهمنا منها ونحن فى صدد الحديث عن الخدمات الاجتماعية هو نوعان :
1- فرع الزراعيين :
وقد ورد فى أغراضه أنه يهدف إلى إعداد المناهج الإصلاحية من الناحية الزراعية ومنها دراسة مشروعات الصناعات الزراعية وتنفيذ ما يمكن تنفيذه عن طريق شركات مساهمة أو جمعيات تعاونية مثل :
أ - منتجات الألبان .
ب - حفظ الخضر والفاكهة ومستخرجات النباتات الطبية .
جـ - العمل على رفع مستوى الإنتاج الزراعى وزيادة غلة الفدان وذلك بما يأتى :
1- حث المزارعين على اتباع أحدث الطرق الزراعية .
2 - استعمال التقاوى المنتقاة .
3 - العناية بالإنتاج الحيوانى وتربية السلالات الممتازة .
4 - استغلال الآلات الميكانيكية استغلالا تعاونيا لقصر الحيوانات على الإنتاج فقط .
5 - تربيه الدواجن على أسس علمية صحيحة .
6 - نشروتربية النحل ودود القز .
7 - نشر الصناعات الريفية .
8 - تسويق المحاصيل تعاونيا
132 - 2 - فرع الاجتماعيين : ويتكون من :
1- المشتغلين والمتخصصين بالشئون الاجتماعية .
2 - الباحثين الاجتماعيين بمصلحة الضمان الاجتماعى .
3 - الأخصائيين الاجتماعيين بمصلحة الفلاح .
4 - خريجى قسم الاجتماع بكلية الاداب
5 - خريجى مدرسة الخدمة الاجتماعية
أهداف الفرع :
أ - تقديم البحوث لتوجيه الحكومة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية على ضوء المبادىء الاسلامية .
ب - المساهمة فى الخدمه الشعبية عن طريق تقديم البحوث العلمية ، والبيانات الفنية ، اللازمة لإنشاء مؤسسات اجتماعية. لمكافحة الفقر والجهل والمرض والرذيلة . كما يقوم بتنسيق التعاون بين هذه المؤسسات .
جـ - العمل على تقديم الخدمات الاجتماعية للاخوان ، وذلك عن طريق تعميم المشروعات الاجتماعية ، مثل التأمين الاجتماعى والصحى ، وتنظيم القوض الحسن . وكذلك دراسة مشكلات الأفراد ، وتقديم وسائل العلاج لمشاكلهم .
د - جمع البيانات فى الميادين الإجتماعية وفى مجتمع الإخوان ، بقصد ترتيبها وعرضها، فى صورة يمكن استيعابها ثم تحليلها واستخلاص النتائج منها للاستفادة منها فى ميادين الدعوة .
اللجان التنفيذية للفرع : يقوم بتنفيذ هذه الأهداف اللجان الآتية:
أ- لجنة الإحصاء الاجتماعى .
ب - لجنة خدمة الفرد .
ج - لجنة المشروعات الاجتماعية .
د - لجنة تنسيق الخدمات الاجتماعية .
هـ - لجنة النشر والتسجيل .
133 - ويقوم قسم الطلاب بالمركز العام بالقيام على حاجات الإخوان الطلاب وتنظيم التعاون المدرسى بينهم ، وتنظيم الاستفادة من الطلاب فى العطلة الصيفية وإفادتهم . وتوجيه الطلبة إلى الاستفادة من النشاط المدرسى .
134 - ويساهم قسم الأسر فى النشاط الاجتماعى أيضا بالإضافة إلى نشاطه الروحى والتربوى . فاهتمت اللائحة بتأكيد روابط الإخاء بين أفراد الأسر ، وأوجبت عليهم أن يجتمعوا فى صلاة الجمعة فى مسجد واحد ، وأن يبيتوا معا ليلة فى الشهر على هيئة معسكر كشفى ، ويتناولون معا طعام العشاء والإفطار ، كما نظمت اللائحة كيفية حل مشكلات الأسرة ، فالخلاف يبن افراد الأسرة مرده إلى النقيب ، والخلاف بين النقيب وأحد أفراد الأسرة مرده إلى - الأسرة ، فإذا لم يسو الخلاف رفع الخلاف إلى رئيس العشيرة ، فإذا عجز فللجنة العامة وحكمها واجب النفاذ . كما أوجب نظام الأسر على الإخوان التكافل الاجتماعى فيما بينهم . وارتفعوا بقيمة التكافل حتى أسموه صريح الإيمان ولب الأخوة .
135 - وقد بدأ الإخوان فى تنفيذ مشروع التكافل الاجتماعى فيما بينهم عمليا وقامت شعبة باب الشعرية التابعة لمنطقة وسط القاهرة بتنفيذ هذا المشروع على نظام اشتراكى تعاونى ، فيساهم كل أخ بمبلغ عشرة قروش شهريا ، ثم تجمع الأموال المتحصلة ، وتستثمر فى مشاريع تجارية ، ويخصص دخل هذه المشروعات لإعانة الإخوان الذين يتعطلون عن العمل ، أو تستلزم ظروفهم المادية المساعدة . ويقوم قسم الاتصال بالعالم الاسلامى بالإضافة إلى نشاطه الخارجى الممتد خارج القطر بخدمات اجتماعية لطلاب البعوث الذين يحتاجون إليها ، فهو الذى يقوم ببحث حالة من تستدعى حالته المساعدة ويقرر الإعانة التى يجب صرفها ، وهذه الخدمات الاجتماعية اليسيرة تعود بأكبر كسب مادى وأدبى للمجتمع المصرى فى البلاد التى قدم منها طلاب هذه البحوث . وخاصة بعد عودتهم لبلادهم وقد حدث أن منعت احدى السفارات الاستعمارية الإعانات التى يرسلها أهالى طلاب احدى البعوث إليهم واشترطت لصرفها أن يقوم هؤلاء الطلاب باستنكار الأعمال الوطنية التى يقوم بها أهلوهم فى بلادهم ، فامتنعوا ولجئوا الى قسم الاتصال ، الذى شجعهم على موقفهم ، وقرر صرف الإعانات اللازمة لهم حتى تزول تلك الحالة الشاذة وكان أن حملوها جميلا كبيرا ، واستطاعوا أن يردوا الجميل بعد ذلك مضاعفا عندما عادوا إلى بلادهم وكان هذا العمل اكبر دعاية للاخوان ، والمجتمع المصرى على وجه العموم. وقد حاول الإخوان تنفيذ مشروع اجتماعى ضخم لإنقاذ اللاجئين ال فلسطينيين باسم : " قطار فلسطين " وانهالت عليهم التبرعات ، واستأجروا العربات لجعمها فعلا ، ولكن الحكومة النقراشية الثانية أوقفت المشروع ، لا عتقادها أنه سوف يكون دعاية للاخوان ، حتى تم تنفيذه بعد حركة الجيش باسم : " قطار ا لرحمة " .
المدينة النموذجية التعاونية المدينة الفاضلة :
ولم يقف الإخوان عند حد التعاون المحدود الأثر فى حل مشاكلهم الخاصة ، بل علموا على أن يمتدوا بذلك التعاون حتى يشمل محيطا أوسع فى حياتهم ، فكونوا الجمعية التعاونية المصرية للتوفير والتسليف لبناء المساكن بمصر القديمة ، ومقرها الحالى 77 شارع الملكة بالقاهرة . وقرروا إنشاء مدينة نموذجية تعاونية : " يشترط فى سكانها حسن السمعة ، ومكارم الأخلاق ، والروح التعاونى ، والخلق الاجتماعى ، الذى يجعل من الفرد عضوا أصيلا فى المجموع يعيش فيه وله ، ومن المجموع جسما سليما ، يجعل الفرد عضوا يعيش فيه ويعمل لخيره " . ومن المزايا الاقتصادية لذلك المشروع أن تكاليف بناء المسكن وثمن الأرض المقامة عليه والحديقة المحيطة به ستكون فى حدود الف جنيه ، وذلك لاستفادة المشروع من المزايا التى يمنحها قانون التعاون للجمعيات التعاونية . وسيقام المسكن على مساحة 400 متر منها 150 مترا للبناء و. ه 2 مترا للحديقة ، وسيكون دفع الثمن على أقساط زهيدة تتناسب مع حالة الطبقة المتوسطة من محدودى الدخل ، كالموظفين والعمال ومتوسطى التجار . إذ سيدفع العضو خمس الثمن تقريبا مقدما ويسلم إليه السكن ، ويقوم بسداد باقى الثمن على أقساط شهرية فى مدة عشر سنوات ، وستكون جميع المرافق الاقتصادية فى المدينة من تجارة ، وصناعة، وغيرها ملكا للجمعية، بحيث يعم نفعها على جميع الأعضاء ، وبذلك يتلاشى نظام الاحتكار ويحل محله نظام التعاون .
ومن مزايا المشروع الاجتماعى ، أنه سوف يعمل على تحقيق التآخى والتآلف بين سكان المدينة ، بخير العناصر الصالحة المتقدمة للسكنى بها . كما أنه يرمى إلى إعداد جيل جديد قوى ، وذلك بإسناد تربية الأبناء وتعليمهم إلى أيد أمينة ، فتقوم الجمعية بإنشاء مدارس لرياض الأطفال وللتعليم الابتدائى والثانوى ، كما سيعمل المشروع على تحقيق معنى التكافل، الاجتماعى بين مجموعة السكان وتنفيذ فكرة التأمين الاجتماعى بينهم . وستنشئ الجمعية الأندية الرياضية ، ومكتبة عامة ، ومسجدا ، وغير ذلك مما يعتبر مرافق ضرورية للمجتمع الحديث .
136 - وستكون هذه المدينة عاملا من عوامل تفريج أزمة المساكن على طائفة متوسطى الدخل من الإخوان ، ولبنة نظيفة فى بناء المجتمع المصرى الصالح الذى ينشده الجميع .
2 - التربية البدنية والكشافة :
(أ) التربية البدنية :
تعتبر التربية البدنية فى الإخوان احدى الفروض الواجب أداؤها ا يوميا ، وذلك لإعداد الأخ المسلم الكامل الذى يمكنه تحمل تبعات " الجهاد ، وأعباء الدعوة ، التى لا يمكن لأحد أن يؤديها إلا إذا كان له من القوة البدنية ما يمكنه من ذلك . ممثلين فى ذلك بالحديث الشريف : " المؤمن القوى خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف " ومن وسا ائل الإخوان لتحقيق ذلك ما يأتى :
1- التمرينات البدنية يوميا بالمنزل والشعبة.
2- الرحلات والمعسكرات وتقوم الشعبة بهذه الرحلات بكثرة وخاصة المناطق الأثرية والأماكن الخلوية .
3 - الفرق الرياضية : وهناك فرق للألعاب الآتية : كرة القدم - كرة السلة - كرة طائرة - العاب قوى ( حديد ، وملاكمة ، ومصارعة ، كرة منضدة " بنج بونج " ، العاب سويدية ، دراجات ، سباحة ، راجبى ( وهى لعبة جديدة تشبه كرة السلة الا أنها تلعب فى ملعب كرة قدم ، وكرتها بيضاوية الشكل ) .
وكان للاخوان قبل الحل أندية رياضية كبرى مجهزة بمختلف اللعبات ، واشترك أعضاؤها فى كثير من البطولات ، مسجلة بالاتحادات المصرية ، واللجنة الأهلية ، فى كل من الإسماعيلية وطنطا والمنصورة وبورسعيد والسويس ورأس غارب ومنوف وبنى سويف والمنيا ومنهور وحلوان وشبين الكوم .
وكان للاخوان " 99 " فرقة كرة قدم فى مناطق القطر المختلفة منها " 36 " فرقة فى القاهرة وحدها و " 32 " فرقة لكرة السلة و " 28 " فرقة لتنس الطاولة و " 19 " فرقة لرفع الأثقال و " 16 " فرقة للملاكمة و " 9 " فرق للمصارعة و " 8 " فرق للسباحة كان يشرف عليها السباح العالمى حسن عبد الرحيم . أما فى الدراجات فقد اشترك الإخوان فى مسابقات عدة داخل القطر وخارجه وفاز الأخ محمد مصطفى اللورى ببطولة فلسطين والشرق الأو سط .
137 - وأما بعد الحل ، فبالرغم من أن قسم التربية البدنية لازال مبتدئا فى نشاطه ، إلا أنه قد أتم تكوين فرق لجميع هذه الألعاب بواقع فريق لكل لعبة فى كل مكتب إدارى على الأقل أى " 19 " فرقة لكل لعبة . وإن كان الإخوان ،لا يتحمسون فى تكوين الفرق الرياضية قبل التمهيد لها قبل تأليفها وذلك بتفهيم الإخوان هذه الفرق غرضها الأساسى تربية الأبدان ، وتقويم الأخلاق ، وتعليم التعاون ، لا التنافس وكسب المباريات فحسب ، مما لا يتفق وطابع الإخوان .
4 - المعسكرات الصيفية :
وقد أقام الإخوان فى العام الماضى ( صيف سنة 1952 ) معسكرين كبيرين ، أحدهما بالدخيلة بالإسكندرية ، وكان به عشرون خيمة كل خيمة تتسع لخمسة أفراد ، أى أن سعة المعسكر " 100 " فرد ، وقد استمر شهرين ، وكانت تتناوب عليه أفواج ، أسبوعية ، فبلغ عدد المترددين عليه " 800" فرد ، خلال مدة الشهرين ، ومعسكر آخر بجمصة ، دمياط وكان به حوالى 12 خيمة كل خيمة تسع خمسة أفراد أيضا ، أى أن سعة المعسكر كله "60 " فردا ، وقد مكث شهرا ونصفا وكانت أفواجه أسبوعية، أى أن عدد المترددين عليه بلغ حوالى " 360 " فردا .
138 - وفى هذه المعسكرات كان يقوم الإخوان إلى جوار السباحة ببعض التمرينات السويدية ، والألعاب العنيفة ، وحفلات السمر التى تقدم فيها تمثيليات إخوانية .
( ب ) الكشافة :
كشافة الإخوان كفكرة ، الغرض منها تكوين المواطن الصالح عن طريق الأخلاق الفاضلة ، والتربية الدينية ، وبذلك يتيسر تحقيق رغبات الشباب فى المعانى التى تستهويهم ، وتربيتهم فى آن معا . والشباب نوعان :
(أ) شباب يهوى الحركة الكشفية لما فيها من مظاهر الفتوة والشباب ، فيدخلها إشباعا لغرائزه وميوله ، فيصهر فى بوتقها وتعاليمها وتدريبها ، فيخرج مواطنا نافعا لأمته عاملا على إصلاحها .
(ب ) وشاب تربى على التقوى والفضائل والأخلاق ؛ ولن تنقصه التدريبات الجسمانية ، والدراسات العامة ، والقدرة على الاندماج فى جماعات والتعامل معها ، والاشتراك والتعاون على تأدية خدمات إنسانية . فيدخلها فإذا به بعد فترة عضو يستطيع أن يقوم بالواجب نحو نفسه أولا ، ثم نحو مجتمعه الصغير ، ثم مجتمعه العام وهو الوطن .
وقد بدأت الفكرة فى مخيلة الأستاذ البنا عام 1938 ، إذ رأى أن الشباب عدة وأنه يحتاج إلى أن يتعلم القدرة على التكيف مع المجتمع . وربط الحياة الدينية والصلة بالله ، بالحياة الدنيوية . وما تحتاجه من مقومات ، كإعداد أجسام قوية ، والتدريب على تقديم خدمات للمجتمع ، ولما كانت الكشافة فى الماضى لا تهتم بهذا المعنى ولا بتوجيه الشباب إليه . فكانت هناك هوة واسعة بين ما كان يريده حسن البنا فى ذلك الوقت ، وبين جمعية الكشافة ولهذا العمل على تكوين نظام يحقق له ما يريد من إعداد للشباب ، يخرج به عن أنظمة وتقاليد الكشافة فى مصر ، وسيرا على رسالة الكشف فى العالم ، من إعداد للشباب دينيا وقوميا ، واجتماعيا . فكون أول فريق من هذا النوع وأسماه فريق الرحلات سنة 1938 وبدأ بتنفيذه فى الإسماعيلية . ثم أعد لوائح الفريق وأنظمته واشرف عليه بنفسه ، ورعاها بتفكيره وحسه حتى نجحت الفكرة ، وعندئذ بدأ بتنفيذها فى القاهرة عندما نقل إليه ، ثم بدأ بالفريق الثالث بمديرية ال1934 ، وتبعها بالشرقية.
وفى سنة 1940 بدأ تفكير الأستاذ البنا جديا فى الانضواء رسميا تحت تشكيل النظام العام لجمعية الكشافة، حتى تستفيد هيئة الإخوان ، وفرق الرخلات على الأخص من التسهيلات والمزايا ا التى تستفيد بها الكشافة من تسجيلها رسميا ، بالجمعية ، والاستفادة أيضا من وجود بعض شباب الإخوان ، الذى يعمل رسميا بالجمعية أوخارجها فى محيط الحركة الكشفية . فتشكل أول فريق للكشافة - وسجل ، وكان برئاسة الأستاذ محمود أبو السعود ، والأستاذ عبد العزير أحمد . وكان يتكون من " 35 " فردا أغلبهم الان من أعضاء في الهيئة التأسيسية للاخوان . ونشطت الفكرة وبدأ أثرها يدب فى محيط القاهرة ، وأقيم أول معسكر لها فى الدخيلة فى نهاية عام 1939 . وفى تلك المرحلة التقى بها المرحوم الصاغ محمود لبيب فأعجب بالشباب ، وكان إذ ذاك يتمنى أن تتحقق أمنيته فى أن يكون فى مصر شباب مسلح بالإيمان والقوة ، فعمل على المساهمة فى هذا الإعداد بكل ما اوتى من قوة .
وفى أول عام 1949 ، بدأ أول تشكيل عام للحركة الكشفية ، فى محيط الإخوان ، ورسمت لها سياستها العامة فى أن تعم فى أنحاء القطر ، فحددت أهدافها وأغراضها وكانت كالآتى :
1- الشباب عدة الوطن ولا بد أن تعبأ جهوده .
2- إعداد مجموعة من القادة يكونون نواة لتدريب هذه الجموع . فيلقنون مبادئها وأغراضها وتدريباتها حتى يبثونها فى صدورمن يشرفون عليهم .
3 - تشكيل مجموعة بكل شعبة من شعب الإخوان من عشرة من الإخوان العاملين " الممتازين روحيا وخلقيا " وتشربوا الفكرة لمدة ثلاث سنوات على الأقل .
4 - السماح بانضمام خمسة أفراد لكل مجموعة كل شهرين وبذلك يتيسر أن يتشربوا هذه المبادئ عن طريق العشرة ، وبذلك يتسنى لهم أن يتأثروا بطباع الأولين .
ثم بدأ التنفيذ العملى للفكرة على الوجه الاتى .
1- تكون المجلس الاعلى للجوالة من سبعة أفراد - المرشد العام الأستاذ " حسن البنا ". رئيسا أعلى للجوالة ، والأستاذ الدكتور حسين كمال الدين مديرا عاما للجوالة ، والمرحوم الصاغ محمود لبيب مفتشا عاما ، وحضرات الأساتذة محمود أبو السعود ، وسعد الوليلى ، وعبد الغنى عابدين ، وعبد العزيز أحمد أعضاء .
2 - افتتاح مدرسة المدربين لتخرج عدد " 35 " مدربا للإشراف على هذه المجموعات ، وقد تم تخريجهم بعد شهرين على أيدى صفوة من رجال الكشف 3 - تكونت المجموعات ، فى محيط القاهرة مبدئيا ، وأشرف عليها هؤلاء المدربون .
4 - بعد نجاح الفكرة أو المشروع فى القاهرة بدئ بتنفيذه فى الإسكندرية ثم أعد معسكر عام لمندوبين من المديريات ، لإعدادهم للإشراف على شئون مناطقهم .
5 - فى بداية عام 1941 كان تعداد جوالة الإخوان المسلمين (2000 ) جوال ثم بدأت الفكرة تعم وتستحوذ على ألباب الشباب من أنها مظهريا تحقق لهم مطامعهم ، فيدخلونها ، فإذا بهم بعد فترة من المؤمنين ، بفكرة الإخوان والعاملين لها .
وفى خلال سنة 1941 ، بدأت الفكرة توجه هذا الشباب لميادين الخدمة العامة ، فبدءوا يعملون فى محيط تشكيلاتهم كأقسام للبر والخدمة الاجتماعية ، يساعدون الغير ، . ويقدمون العون - للمحتاج ، فى محيط تشكيلات الإخوان . وفى عام 1942 وصل تعداد الجوالة ( 15000 )، جوال ، ،لا حيث بدأت الفكرة تتعمق فى أحضان الريف ، وعندئذ كان للحركة ، الكشفية أثر واضح فى المجتمع الريفى ، فهذا الريفى الذى تعود أن يسير حافى القدمين ، هو الذى تعود فى نظام الجوالة أن يرتدى الشراب . والحذاء وهو الذى قبل وتعود أن يلبس البنطلون القصير ( الشورت ) ، بعد أن تعود على الملابس الطويلة ، حسب تقاليد الريف ، وهو الذى تعود أن يسير منتصب القامة ، بعد أن كان يسير محدودب الصدر ، وهو الذى تعود أن يرتبط بالتزام الجماعة . بعد أن كان يعيش حياة قروية اعتزالية ، ثم بدأ هذا الفرد لا يعيش من أجل نفسه ، إنما بدأ يعمل لغيره ، من مواطنى قريته . وكل هذه الخدمات ، فى محيط تشكيلات الإخوان .
وفى عا م 1943 بدأ الإخوان يعملون فى التشكيل العام فبدئ ، بأول مشروع اجتماعى فى محيط القرية المصرية بالخدمات الآتية :
1- تنظيف القرية وشواعها بأيدى الجوالة من أبناء القرية .
2 - عمل مجالس للمصالحات من أهل القرية ، ومن عليه القوم بها ، مهمتهم فض المنازعات ومصالحة المتخاصين .
3 - إعداد المصابيح للإضاءة فى شوارع القرية ، من نقود يجمعونها من أهل القرية ، وتقوم الجوالة من شباب القرية بإضاءتها والإشراف عليها .
4 - تقديم الخدمات الصحية فى حدود المستطاع ، كتوجيه الأهالى إلى أن المستشفيات هى المكان الطبيعى للعلاج ، بالإضافة إلى ما يحملونه من أدوات طبية لمعالجة الحالات التى تستدعى إسعافا سريعا .
5 - تجميع أهل القرية على الناحية الاجتماعية العامة ، كعقد اجتماعات تشمل شباب القرية يتعودون فيها التعارف ويألفون الحياة الاجتماعية .
6 - بث روح السمر واللهو البرئ ، الذى يكون موجها للخير وداعيا للرجولة ، ودافعا للوطنية والقوة فى صورة تربوية .
7 – تشجيع شباب القرية للتفكير فى العمل لخدمة مجتمعهم الصغير وهو القرية .
8 - العمل على الترحال ، والتشجيع على زيارة أهل القرى المجاورة ، وبذلك تيسر صلات التعارف بين شباب كل مركز على حدة ، لعمل ترابط اجتماعى ينهم .
وفى سنة1945 وصل تعداد الجوالة فى محيط الإخوان ( 45000 ،) جوال بعد أن امن الشباب أنها طريق القوة تبثها فى صدورهم لا لغرض الاعتداء . ولكن لتربية الجسوم لما فيه خير الوطن ، وتربية النفس وإعداد لما فيه فائدتها ومنفعتها . ولقد كان الاستعمار وآثاره الواضحة من الأسباب القوية التى دفعت كثيرا من الشباب للانضمام إلى جوالة الإخوان ، لأنها الفكرة الحية التى تعلن الرجولة فى نفوس الشباب ، فى وقت عمت الخنوثة ، والميوعة جموع الشباب . فكانت فكرة الجوالة ملاذا لكل شاب يود أن يتسم بهذه المعانى الكريمة بانضوائه تحت فكرة الجوالة فى محيط الإخوان .
وعندما انتشر وباء الملاريا فى صعيد مصر فى ذلك العام ، بدأت " قيادة جوالة الإخوان تفكر فى عمل من اجل هؤلاء ، فجندت جميع جوالة الإخوان فى بلاد الصعيد لمواجهة هذا الخطر فعملوا جنبا إلى جنب مع المسئولين من رجال الإدارة كرجال الصحة ، وهيئات ، الهلال الأحمر وخلافه ، فكانوا أصددق مثال لشعار الجوالة - الخدمة ا لعا مة –
وفي هذا الوقت العصيب الذى كانت البلاد فى الصعيد تئن فيه من وطأة الملاريا وانتشارها ، إذا بهم يفاجئون بالفيضان الطاغى الذى عم القرى ودمرها ، فكانت جوالة الإخوان هم الحراس الذين قاموا بحراسة الجسور والتبليغ عنها ، والعمل مع الأهلين ورجال الإدارة فى إنشاء تحصينات تقى الكثير من القرى من الفيضان . وظلوا فى مقاومة هذا التيار شهرين كاملين . ولم يكن ذلك فى الصعيد فحسب بل كان العبء الأكبر على جوالة الإخوان فى بلاد الوجه البحرى فيما يختص بالفيضان . وفى عام 1946 - بدأت هذه الخدمات تتضح للناس جميعا فإذا بهم يقبلون على الانضمام تحت لواء الجوالة وإذا بعدد الجوالة فى نهاية سنة 1946 – " 60000 " ستين ألف جوال من جوالة الإخوان المسلمين .
وفى عام 1947 اشتد وباء الكوليرا فى الوجه البحرى وجندت الأمة رجالها ، وكان كثير من المسئولين للأسف يفرون أمام خطر الموت ، وانتشار الوباء ، فإذا بقيادة جوالة الإخوان تضع تحت إمرة المسئولين " 70000" سبعين ألف جوال ليعملوا فى محاربة هذا الوباء . وعندئذ شكل مجلس ليكون أداة اتصال وتنسيق للأعمال التى يقوم بها الجوالون ، وبين المسئولين فى وزارة الصحة . ومثل الإخوان فى هذا المجلس عضوان ، وهما المرحوم الصاغ محمود لبيب - والأستاذ عبد الغنى عابدين - وقد عمل الجوالة بهمة ، وخاصة فى الريف حيث أقنعوا الأهلين ، بخطر عدم التبليغ عن المصابين . ولقد كان لدقة الاتصالات ، وسرعتهم فى تبليغ الحالات وتلقى التعليمات والتوجيهات بشأنها أثر كبير فى نجاح حالة المقاومة ، مما كان له أعظم الأثر فى وقف تيار هذا الوباء الذى انتشر فى ذلك الحين . ولقد كان من تقدير المسئولين فى ذلك الحين ، ما أعلنه وزير الصحة الدكتور نجيب اسكندر من الإشادة بمجهود جوالة الإخوان .
أما الأعمال التى قام بها الجوالة أثناء مدة الوباء فهى :
أولا - فى القرى :
1- التبليغ عن الحالات والإصابات .
2 - محاصرة القرى الموبوءة لعدم دخول أو خروج أحد منها .
3 - نشر النصائح الطبية بواسطة الإعلانات أو عربات ومكروفونات الدعاية الصحية .
ثانيا - فى المدن :
1- القيام بأعمال النظافة فى الأحياء الوطنية ، مما كان له أعظم الأثر فى تقديرالاهلين ، حيث كان الجوالة ومعظمهم من الطبقات المثقفة يقومون بأعمال الكنس بأيديهم .
2 - القيام بتطهير المنازل برشاشات د . د . ت ، وإقناع الناس بفائدتها مما كان محل ارتياح الجميع .
الإبلاغ عن الحالات والقاذورات إلى رجال الصحة والنظافة . . دورات 3 - المياه : المراحيض .. . إلخ .
4 - الدعاية بالمساجد والميادين ولصق الإعلانات على الحوائط وفى نهاية 1947 وصل تعداد جوالة الإخوان إلى " 75000 " خمسة وسبعين ألف جوال فى محيط القطر المصرى . وظل هذا الرقم ثابتا حتى نهاية عام 1948 حيث صدر أمر الحل .
وفى 26 يوليو سنة 1952 بعد قيام حركة الجيش ، وكان الإخوان أول من يحس بضرورة تغيير الحركة الكشفية حتى تأخذ طريقها المستقيم ، كما رسمته جوالة الإخوان المسلمين وسارت عليه واستفادت منه . وعندئذ تدارسوا أمرهم مع المسئولين فى تصحيح هذه الأوضاع التى كانت سببا فى الصراع الدائم بين جمعية الكشافةالمصرية وجوالة الإخوان المسلمين . من أنهم ينظرون للكشافة على أنها تربية وإعداد ورجولة وقوة . لا خنوثة وميوعة ومظاهر غربية . واستجاب المسئولون للعمل على تصحيح الأوضاع فاجتمعت أول جمعية عمومية فى 10 أغسطس سنة 1952 . وتشكلت أول لجنة مؤقتة للحركة الكشفية كان فيها عنصر الشباب واضحا قويا ، وجه الحركة إلى وجهتها الصحيحة . حتى تم تشكيل أول مجلس إدارة للجمعية ، من رجال أمناء عاصروا الحركة الكشفية ، وجاهدوا من أجلها عاملين ، وخاصة بعد أن تولى الكشاف الثائر الدكتور " عباس عمارة " وزارة الشئون الاجتماعية والذى يؤمن أن حركة الكشافة إن هى إلا مدرسة تربوية لإعداد شباب الأمة ، وتشاء المقادير أن يكون الإخوان ممثلين فيها تمثيلا واضحا ، لا لأنهم من الإخوان ، ولكن لأنهم يؤمنون بمبادىء الإصلاح المطلوب .. وفى ظرف شهرين من تاريخ الحركة الكشفية الصحيح ، تم للأمة ما تريد من إعداد شباب قوى ، وربطت المحبة بين الفرق المسيحية والاسلامية ، ولا فرق بينهما ، يجمعهم الحب والعمل لله فى خدمة الوطن . كا تم تجميع الفرق المصرية والأجنبية ، حب وتضحية وفداء ، عاملين بإخلاص من أجل هذا الوطن .
ثم مساهمة عملية فى ميادين الخدمة العامة ، فما أن أعد مشروع أسبوع الأمان حتى كانوا القوة المنفذة لهذا الأسبوع ، مما كان موضوع تقدير الرئيس اللواء محمد نجيب وأعضاء الحركة ، حتى لقد أحس الرئيس ورجال الجيش أن الحركة الكشفية هى فى الواقع الحركة الدافعة ، فأهاب بكل وطنى أن ينضوى تحت لوائها ، فلا بد من جوالة فى كل مدرسة وفى كل مصنع وفى كل مصلحة وفى كل حقل . ولقد كان لعظيم إيمان الرئيس بهذه المبادىء والخدمات التى قام بها أن رأت جمعية الكشافة منحه أرقى وسام كشفى وتم ذلك فى 26 أبريل سنة 1953 ، ولقد كان لجهود جوالة الإخوان فى هذه الفترة أثر واضح لكل ذى عينين . وعدد جوالة الإخوان حاليا - نهاية أبريل سنة 1953 " 7000 " سبعة آلاف جوال ، وقد تم تكوين هذه الرهوط فى الفترة من 26 يوليو 1952 ، وبعد أن اطمأن المسئولون فى الإخوان إلى أن الحركة الكشفية فى مصر أصبحت فى أيد أمينة توجهها الوجهة الصحيحة . كما أن جمعية الكشافة المصرية الان بصدد عمل مشروعات خدمات اجتماعية فى الريف ، وتقوم على بناء القرية على أسس اجتماعية سليمة ، وسوف يوكل لجوالة الإخوان العبء الأكبر فى القيام بهذا العمل ، نظرا لتواجدهم وانتشارهم فى أرجاء الريف المصرى .
139 - (3) خدمات وطنية وقومية :
أ – الخدمات الوطنية : سبق أن تحدثنا فى معرض الحديث عن فلسفة الإخوان ومبادئهم ، أن حدود الوطنية عند الإخوان هى العقيدة وليست الحدود الجغرافية ، ولكنهم بطبيعة ظروفهم وتواجدهم فى المجتمع المصرى ، كان ذلك المجتع وكانت مصر موطنهم الأصلى موضع اكبر جانبا من عنايتهم واهتمامهم ، فقد دأبوا فى أول أمرهم على كتابة الرسائل إلى رؤساء الحكومات المتعاقبة ، مطالبين بإصلاح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وظلت هذه هى وسيلتهم فى مخاطبة الحكومات إلى أن قويت شوكتهم ، وأصبحوا قوة شعبية لها أثرها وخطرها ، فلم يكتفوا حينئذ بالرسائل والمكاتبات بل كانت المؤتمرات العامة الضخمة، والمظاهرات العنيفة التى تسقط الحكومات ، وتقف بالقوة الشعبية دون إبرام مواثيق الذل ، وصكوك العبودية ، كما حدث فى معاهدة - صدقى - بيفن - وجدير بالذكر أن الإخوان قد ارتقوا بمعنى الوطنية المجردة الخالصة ، دون تلك الحزبية الصارخة التى كانت هى الوطنية الصحيحة فى عرف الأحزاب المنحلة ، التى كانت تفهم أتباعها أن العمل لصالح الحزب هو الوطنية ، وهو كل شىء مهما اختلفت الوسيلة الموصلة لذلك . ومن هنا كانت كل حكومة تهدم ما بنته الأخرى ، ولو كان للصالح العام ، فى سبيل التغطية على آثارها الإصلاحية ، فلا يكون لغيرها آثار نافعة تذكر الشعب بأعمالها وعهدها . وهكذا كانت تلك الحلقة المفرغة من الحكومات المصرية الهزيلة التى تعاقبت طوال فترة ماقبل حركة الجيش . باستثناء حكومات مستقلة كانت تأتى لفترات قصيرة لا تسمح لها بأن تؤثر فى مسلك الشعب تأثيرا يذكر ، وأخص بالذكر حكومات الرئيس السابق على ماهر وإزاء تلك الحالة المؤسفة ، وقف الإخوان موقفا حازما يعلنون فيه آراءهم فى كل ما يدور من الأوضاع السياسية فى صراحة وقوة ، ويضربون للناس أمثلة من إخلاصهم للوطن لأجل الوطن وحده ، وتأييدهم للحق لأنه الحق فحسب . من غير أن يتأثروا فى سبيل ذلك بعداوة عدو أو صداقة صديق ، وبدت تلك المثالية العظيمة عندما ساندوا النقراشى وهو فى مجلس الأمن بالرغم من حربه العنيفة لهم قبل سفره ، حتى إن كثيرا من الشعب الذى لم يتعود هذا النوع من السلوك ، لم يكن يصدق أن مثالية الإخوان قد بلغت هذا المبلغ ، وخاصة أن المستويات الأخلاقية عامة كانت فى تدهور سريع وصدق بعض الناس ما روجه موتورو الأحزاب الأخرى من أن هناك اتفاقا بين الإخوان والسعدينن ، ولكن الأيام ما لبثت أن أظهرت حقيقة معدن الإخوان عندما واجهوا النقراشى بعد عودته ، حينما أراد أن يفرط فى حقوق الوطن ، وتخاذل عن مواصلة الكفاح ، وكان من الحرب بينهم وبين النقراشى ما لم يكن له مثيل بين حكومة من الحكومات أوهيئة من الهيئات فى تاريخ مصر الحديث .
على أن شعب الإخوان المنتشرة فى أرجاء القطر المصرى ، كانت كلها مدارس للوطنية والجهاد والكفاح ، فى إبان المطالبة بالحقوق الوطنية المغصوبة ، ولأنه ليس هناك فى مصر هيئة غنية بخطبائها كالإخوان المسلمين ، على أنه يمكننا أن نقول إن الإخوان قد قاموا فى الناحية الوطنية بالخدمات الاتية :
أ - محو الأمية السياسية من الأوساط الشعبية فى المدن والأوساط الريفية فى إلقرى .
2 - ربط الأوساط الشعبية بالحياة الاجتماعية . وحثها على الكفاح فى الأعمال الوطنية ، ونجاحها فى ذلك .
3 - إحياء الرجولة والفتوة بين الشباب ، وإحياء روح الكفاح بين الشعب ، تلك الروح التى قتلها المستعمر ، وكان ولا يزال يجاهد فى سبيل كبتها .
4 - تنوير الأذهان بحقيقة ما يدور فى الموقف السياسى ، وخاصة بين أهل الريف والأوساط الشعبية العامة ، وعلى الأخص إذا كان هناك ما يدبر فى الظلام لغير صالح البلد وما أكثر ما كان .
5 - تربية جيل جديد يلتهب وطنية وحماسة وعلى أتم استعداد لبذل روحه وماله وكل ما يملك ، فى سبيل الدفاع عن الوطن وعزته وكرامته ، كما حدث فى القنال . ولعل أحدا لا يستطيع أن ينكر بندا واحدا من تلك البنود الخمسة السابقة ، فجهاد الإخوان فى سبيل تنوير الأذهان واضح فى الوعى القومى الحالى ، وكفاحهم ضد الحكومات الفاسدة لا سبيل إلى إنكاره . مما جعل بعض الحكومات كحكومة صدقى التى كانت ستبرم المعاهدة تصدر بلاغاتها الرسمية بالتشهير بالإخوان واتهامهم ، مما لا عهد للناس به ، فضلا عن الحكومات السعدية التى تلتها .
أما كفاح الإخوان فى القنال دفاعا عن أرض الوطن ، فقد سبق أن أشرنا إليه ، ويكفى أن معظم الشهداء كانوا منهم ، كما أن وزارة النحاس الأخيرة قد اعترفت بعد ذلك أنه كانت بسبيل مفاوضة الإخوان للإشراف العام على حركة التحزير ، لأنهم أقدر الناس على ذلك . وجدير بالذكر أن توجيه الإخوان السياسى كان على أسس علمية مدروسة ، وقد أنشئوا لجنة سياسية من اثنى عشر عضوا تختص بدارسة المسائل السياسية العامة ، ومتابعة الأحداث الجارية وإحاطة الإخوان بذلك ، لتقوية وخلق وعى سياسى موحد بين الإخوان .
140 - (ب ) الخدمات القومية :
وأقصد بالقومية هنا القومية العربية ، التى أحياها الإخوان وأحيوها بتطوعهم فى الكفاح والجهاد فى حرب فلسطين ، مما لم يسبق له مثيل فى الطوائف الشعبية فى الدول العربية جميعا . وأحب أن أذكر أن حرب فلسطين التى تحمس لها الإخوان ، ودعوا اليها وهيئوا الأذهان لقبولها والاشتراك فيها ، لم تعد على مصر بالخسارة المادية والأدبية كما يشيع دعاة التردد والهزيمة ، بل إنها كانت ناقوس الخطر الذى نبه الشعب المصرى إلى الهاوية التى كان سيتردى فيه بفضل فساد الطاغية السابق ، وحاشيته المجرمة ، التى بلغ من استتارها وعبثها بالأرواح والكرامات أن تاجرت فى السلاح الفاسد ، لتثرى على أشلاء الأبرياء والشهداء من الوطنيين المجاهدين غير مكتفية بما كانت تنهب وتسلب من أرزاق العباد والبلاد . فحرب فلسطين التى كان الإخوان من اكبر دعاتها ، وأشد المتحمسين لها قولا وعملا ، أفادت مصر وعادت على المجتمع المصرى بفوائد جليلة منها:
1- فتحت العيون والأذهان إلى ضعف استعدادنا الحربى كأمة تحب أن تدافع عن استقلالها ، وتحافظ على كرامتها بين الدول ! ومن الطبيعى أن معرفة موطن الضعف يستلزم العمل على علاجه .
2 - بعثت الشعب المصرى من جديد ، وأخرست ألسنة الجبناء من دعاة الضعف والاستسلام ، الذين روجوا أن الشعب المصرى شعب زراعى مسالم ، لم يألف الحرب ولا يصلح لها . فأعادت ثقة الشعب فى نفسه من ناحية صلاحيته للحرب ، متى توفرت العدد اللازمة ، وكان الإخوان أصدق مثال على ذلك .
3 - جددت فى الشعب روح التضحية والكفاح ، وقد كان كل يعيش لنفسه فقط ، ولايرض أن يضحى بأتفه شىء فى سبيل الاخرين ، فتزعزعت أركان الأنانية والنكوص فى قلوب النفعيين والأنانيين ، عندما رأوا ضروب البطولة والتضحية التى كان يأتيها الإخوان والجيش فى بعض المواقع .
4- وجهت الأنظار إلى موطن الداء الحقيقى فى الأمة ، وسند الاستعماراخبر ، وأسس الفساد المنتشر ، وهو الطاغية الذى كان يجلس على العرش ، وأحال البلاد إلى هذه الحالة البائسة التى تردت فيها ، وكانت من الأسباب الرئيسية المباشرة لحركة الجيش الأخيرة . ولعل أبلغ دليل على سمو الإخوان بالوطنية والقومية إلى آفاق عليا لم يبلغها كثير من أفراد الأمم المتحضرة ، أن المرشد العام كان يحدث الإخوان إبان محنة الاضطهادات والاعتقالات الأخيرة بقصة الطفل الذى اختصمت عليه امرأتان إلى سليمان الحكيم ، وادعت كل منهما بنوته ، فحكم بشطره نصفين بينهما ، فوافقت المرأة التى لم تلده على قسمته ، بينما لم توافق الأم الحقيقية ، وتنازلت عن نصيبها فى ابنها نظير أن يظل متمتعا بحياته .
وكان يعقب على هذه القصة بقوله " إننا نمثل نفس الدور مع هؤلاء الحكام ، ونحن أحرص منهم على مستقبل هذا الوطن وحريته فتحملوا المحنة ومصائبها ، وسلموا اكتافكم للسعدينن ليقتلوا! ويشردوا كيف شاءوا ، حرصا على مستقبل وطنكم وإبقاء على! وحدته واستقلاله ".
وكان خوف المرشد الشهيد هو أن تقع حرب أهلية بين ! الإخوان والحكومة تستوجب التدخل الإنجليزى لإقرار النظام ، والتى كانت متوقعة لو أجاب الإخوان على قرار الحل الغاشم بمثله " فقد كانت شعب الإخوان فى ذلك الوقت (2000) شعبة فى القطر المصرى ، ومنها " 120 " شعبة فى القاهرة فقط ، ولم تكن تعجز كل شعبة عن أن تدافع عن نفسها بعشرة من الإخوان المحاربين شمجعان ، فتحدث الفاجعة التى كان يدبرها الإنجليز عندما أوعزوا إلى النقراشى باستعمال الشدة المتناهية ، والاستفزاز العنيف ، الذى ظهر جليا عندما أرسل النقراشى بضع مئات من الجند والفرسان ، واكثر من عشر سيارات مصفحة لمحاصرة المركز العام الذى لم يكن به غير عشرة من الإخوان ، لم يكن فى نيتهم رد الاعتداء بأى صورة من الصور . بل سلموا أنفسهم دون مقاومة ، وأصر المرشد الشهيد على -: أن يعتقل مع إخوانه فرفضوا ، لأنه لم يكن عندهم تعليمات بذلك فقال لهم " أنتم تقتلوننى بعدم القبض على " على ما روت الصحف جميعا صبيحة ليلة الحل . وكان ما قال . وهناك موقف اخر تنحنى الرءوس له إجلالا ، ذلك هو موقف الأبطال المجاهدين من الإخوان فى حرب فلسطين بعد قرار الحل ، فقد ظنت القيادة أنهم سوف يتخاذلون عن معونة الجيش ، وخاصة أن الأزمة كانت قد أخذت بخناق الجيش،بفضل الخطط العرجاء التى كان يمليها ساسة القاهرة على قبراد الميدان . ولكن الإخوان أظهروا روحا عالية ، ووطنية مثالية ، واستماتوا فى القتال والدفاع فى جميع المواقع بعد الحل ، وخاصة عندما هددت جيوش اليهود حدوده الشرقية ، حتى قال اللواء فؤاد صادق قائد الجيش فى ذلك الوقت عندما سئل عن الإخوان : " كان الإخوان المسلمون جنودا أبطالا أدوا واجبهم كأحسن ما يكون " .
141 - وهكذا حارب الإخوان بهذه الروح العظيمة ، التى كانت من أكبر عوامل بعث القوة والمعنوية فى نفوس جنود الجيش ورجاله ، حتى انتهت الحرب وصدرت أوامر القاهرة باعتقال الأبطال فاعتقلوا فى معسكر رفح .
هذا ولا زال جهاد الإخوان فى فلسطين موضع فخر المصريين جميعا ، ومجال التحدث عن البطولة المصرية فى جميع البلاد العربية ، وقد أصدر أحد الإخوان المجاهدين كتابا عن جهاد الإخوان المشرف فى فلسطهين بعنوان ( الإخوان المسلمون فى حرب فلسطين ) والكتاب صفحة مجد وفخار للاخوان ليس فيه من الشعر والخيال أوالإنشاء شىء ، وإنما هو سرد للوقائع والمعارك لن شاهد عيان ، وقد صدرت الطبعة الأولى ونفدت لتوها وصدرت الطبعة الثانية منه هذه ا لأ يا م ( 1 ) .
ولا يفوتنى أن نقول ونحن بمعرض الخدمات القومية ، إن الإخوان كانوا عاملا قويا فى تقوية الجامعة العربية ، والترابط الاجتماعى بين الحكومات والشعوب العربية جميعا.
الفصل الثانى :الخدمات الثقافية
ونستطيع أن نقسم الخدمات الثقافية التى يؤديها الإخوان للمجتمع إلى أربعة أقسام :
أ - تربوية روحية.
2 - ثقافية إسلامية
3 - علمية تعليمية
4 - أبحاث توجيهة .
ونتحدث عن كل قسم من هذه الأقسام فنقول :
أ - تربوية روحية :
يهتم الإخوان بالتربية الروحية اهتماما كبيرا ، وقد سبق أن تحدثنا عن ذلك فى الكلام عن الربانية والشمول ، وقد أوجب نظام الأسر على الإخوان تسعة وثلاثين واجبا ، على رأسها أن يكون للأخ " ورد يومى من كتاب الله لا يقل عن جزء وأن يحسن تلاوة القرآن والاستماع إليه والتدبر فى معانيه ،) .
142 - كما أوجب ذلك النظام على الإخوان العاملين أربعين واجبا لا تختلف كثيرا عن التسعة والثلالين واجبا السابق الإشارة إليها ، واختتمت هذه الواجبات ، بأن يكون للأخ قبل النوم ساعة يحاسب فيها نفسه على مبلغ أدائه لهذه الواجبات ، فإن وجد خيرا حمد الله ، وإن وجد تقصيرا استنفر وتاب إليه .
143 - ويشرف قسم الأسر بالمركز العام على التربية الروحية للاخوان جميعا . وعنه تصدر التوجيهات والتعليمات فى هذا الشأن والأسرة هى المجال الطبيعى للتربية الروحية للاخوان .
وقد تضمنت الرسالة الأولى للأخوات المسلمات . منهاجا للتربية الروحية تسير عليه الأخوات ، وحدد عدد كل أسرة من " 5 " إلى " 8 " وحدد الاجتماعات بأنها مرة كل أسبوع . وقسم مراحل التربية الروحية إلى أربع ووضع امتحانات للنقل من مرحلة إلى أخرى .
144 - ولم يهمل الإخوان شأن الناشئة الصغار فى برنامجهم التربوى الروحى ، فقد تحدد فى برنامج مدارس الجمعة التى أنشأها الإخوان لتربية الجيل الجديد على المبادىء الاسلامية نظاما للتربية الروحية ، على أن تحتل الغدوة الصالحة المحل الممتاز ، ومراعاة أن تكون العبادات بالرغبة لا بالرهبة ، والاستعانة فى سبيل ذلك بالقصص ، والأناشيد التى يمكن أن يفهمها الأطفال فهما طيبا واضحا .
145 - وقد وضع لمدارس الجمعة منهاج مفصل فى التربية الروحية ، مزود بالقص والأناشيد الدينية والخلقية والوطنية. ، شارحا طريقة إلقائها وتدريسها
2 - ثقافة إسلامية :
ويقوم بالجانب الرئيسى فى هذا الدور قسم نشر الدعوة بالمركز العام للاخوان المسلمين . فهو الذى يعد الدعاة للخطابة والمحاضرات ويصدر ما . تحتاج إليه الدعوة من رسائل ونشرات ، وينظم إصدار الرسائل والكتب التى يصدرها الإخوان المسلمون ولها مساس بالدعوة بحيث لا تطهبع أى رسالة إلا بعد عرضها على القسم وإقرار نشرها .
146 - هذا وقد صدر عن المركز العام للاخوان المسلمين الرسائل الاتية :
1- دعوتنا .. للأستاذ البنا
2 - إلى أى شئ ندعوالناس .. للأستاذ البنا
3- نحوالنور..
للأستاذالبنا
4 -هل نحن قوم عمليون .. للأستاذ البنا
5-المنهاج .. للأستاذ البنا
6-المناجاة .. للأستاذ البنا
7-المأثورات .. للأستاذ البنا
8-عقيدتنا .. للأستاذ البنا
9 - رسالة المؤتمرالخامس .. للأستاذ البنا .
0ا- العقائد .. للأستاذ البنا
11- إلى إخوان الكتائب .. للأستاذ البنا
12- رسالة المؤتمرالسادس .. للأستاذ البنا
13 - الإخوان المسلمون تحت راية القران .. للأستاذ البنا
14- بين الأمس واليوم .. للأستاذ البنا
15- نظام الأسرورسالة التعاليم .. للأستاذ البنا
16 -مشكلاتنا فى ضوء النظام الاسلامى .. للأستاذ البنا
17- دعوتنا فى طورجديد .. للأستاذ البنا
18- دستورنا .. للأستاذ الهضيبي
19 - الرسالة الأولى للأخوات .. قسم الأخوات المسلمات
20-كيف ندعوالناس .. عبدالبديع صقر
21-تذكرة الدعاة .. البهى الخولى
22-المرأة بين البيت والمجتمع .. البهى الخولى
23 - صفحة من مساوئ الاستعمار فى وادى النيل محمد عبد البارى .
24 - لا المنهج الدرامى الاسلامى لإخوان الأسر قسم نشر الدعوة صدر منه سبع رسائل شهرية . وهناك مؤلفات أخرى للاخوان ولكنها لم تصدر عن المركز العام :
1- الاسلام والأوضاع الاقتصادية .. محمد الغزالى
2 -الاسلام والمناهج الاشتراكية .. محمد الغزالى
3-عقيدة المسلم .. محمد الغزالى
4-من هنانعلم ... محمد الغزالى
5 - تأملات فى الدين والحياة محمد الغزالى
6 - الاسلام وأوضاعنا القانونية
7 - المال والحكم فى الاسلام
8 - الاسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه
9 - العدالة الاجتماعية فى الاسلام
10 - السلام العالى والاسلام
11 - معركة الاسلام والرأ!سمالية
12 - ا لاسلا مية - لا شيوعية و لارأسمالية
13 - القران والذرة
14 - فقه السنة
15 - المعز لدين الله الفاطمى
16 - الهجرة
17- بدر
18- - ثورة الدم
19 - روح رريحان
20 - مع المرأة المسلمة
21 - ثلاثة وثلاث
22 – محاكمة
23 - وثائق
24 - رجل الساعة
25 - صوت من الجنة
26 - الرجل الذى أشعل
27 - الإمام الجزء الأول والثانى
28 - الإخوان المسلمون فى ميزان الحق أنور الجندى
29- قائدالدعوة أنورالجندى
30- مع بعثة الحج أنورالجندى
31- المسألة المصرية أنورالجندى
32- تاريخ الرسول أنورالجندى
33- شمائل الرسول أنورالجندى
34- الزعامة النبوية أنورالجندى
35- القيادة والجندية أنورالجندى
36 - أثر الدعوة الاسلامية فى الصحافة والأدب - أنور الجندى
37- قضايا الأقطارالاسلامية أنورالجندى
38 - كفاح الذبيحين - فلسطين والمغرب أنور الجندى
39- الاسلام يزحف أنورالجندى
40 - الوفدوالإخوان فى الميزان كامل الشافعى
41- دولة الخلق كامل الشافعى-
42- دعوتنا والوحدة الدينية كامل الشافعى
43- الاسلام يحارب الفقر محمد فتحى عثمان
44- مصرع الفقرفى الاسلام على شحاته
45-قذائف الحق محمد جبرالتميمى
46- ميلادالخلود أحمد مختاررمزى
47- الشهداء قسم الطلاب
48- سلسلة الأبحاث الجامعية جزان قسم الطلاب
49- فليسوف من الغرب قسم الطلاب
50 - من أنت
51 - مجلة البركان
52 - أخبار السويس
53 - تاريخ القرآن واداب التلاوة
54 - انهيار الحضارة الغربية
55 - إخوانيات - ديوان شعر
56 - من وحى الدعوة- ديوان شعر
57 - البواكير - ديوان شعر
58 - الشيوعية والاسلام
59 - بين الهدى والضلال
60 - الرجل المستجاب الدعاء
61 - مذكرات صائم
62 - الحياة بعد الموت
63- مصر فى عهد ادم
64 - الداء والدواء
65-يوسف
66 – يعقوب
67 - الطريق إلى الله
68 - من روائع قص الجهاد
69 - مع المرشد العام
70 - تاريخ الدعوة
71 - وحى العقيدة
72 - آداب الحج وأسراره
73 - عطا رد
74 - تاريخ الأحزاب السياسية
75 - مناورات السياسة
76 - بين لا ظوغلى وقصر الدوبارة
77 - فهرس الجامع الصحيح
78 - فهرس الأحاديث المرفوعة
79 - فهرس الأحاديث المعلقة
80 - فهرس الآثار
81 - " 9 " الاف حديث
82 - " 1600 ،، فتوى صحالى وتابعى
83 - القران والعلوم الحديثة
84 - أصول الاسلام
85-عمر
86 - أبو هريرة
87 - أبو أيوب الأنصارى
88 - عبد الرحمن بن عوف
89 - أبو عبيدة الجراج
95 - عمار بن ياسر
91 - أبو ذر الغفارى
92 - الزبير بن العوام
93 - خالد بن الوليد
94- سلمان الفارسى صابرعبده إبراهيم
95- بلال صابرعبده إبراهيم
96- سعدبن أبى وقاص صابرعبده إبراهيم
97- أبوبكرالصديق صابرعبده إبراهيم
98- عثمان بن عفان صابرعبده إبراهيم
99 - الوحى أنورالصناديقى- وعبد الغنى إسماعيل
100 - الأخلاق أنورالصناديقى
101ـ ظلال المجد عبدالعزيزعزت الخياط
102 صولة الحق على جولة الباطل طه الفياض
103 الاسلام فى الصين محمد تواضع
104- ميلادالنبى محمد محمود زيتون
105- قصة شعرية محمد محمود زيتون
106 - الإنسانية تستيقظ على صوت النبى الصاوى عوض محمود
107- الوعظ المصور الصاوى عوض محمود
108- عاطفة الشباب الصاوى عوض محمود
109 - الاسلام ( بالإنجليزية ) عبد السميع المصرى
110 المجاهدون كمال الدين فاروق
111- الصراع عبد المجيد محمد هيكل
112- حسن البنا كماعرفته فتحى العسال
113- القتال فى الاسلام أحمد نار - ولم تقتعهر مجهودات الإخوان على هذه الكتب والرسائل فى سبيل نشر الثقافة الاسلامية ، بل هناك وسائل ومجهودات أخرى
كانت تعمل إلى جوار هذه المؤلفات منها :
1- الأحفال العامة :
فى الأعياد والمناسبات الاسلامية التى يعدها قسم البر . ويشرف على تنظيم الأحاديث فيها قسم نشر الدعوة . والتى كانت تقوم عادة فى الميادين العامة فينتفع بها ألوف الشعب .
2 - الدروس والمحاضرات المنتظمة :
وتكون عادة أسبوعية وأهمها درس الثلاثاء بالمركز العام الذى كان يلقيه الأستاذ البنا بنفسه ، ويشرف قسم نشر الدعوة على تنظيم الأحاديث فيه حاليا . كما أن جميع الشعب لابد أن تلقى فى كل منها محاضرة وتتفق شعب القاهرة على ألا تكون محاضراتها الخاصة يوم الثلاثاء ليحضروا جميعا درس الثلاثاء بالمركز العام .
3 - الصحافة الإخوانية :
وهى بالطبع من أهم وسائل الاتصال بالشعب وأوسعها نطاقا وأبلغها أثرا فى سبيل نشر الثقافة الاسلامية بين محيط الشعب . وقد كان للاخوان قبل الحل الجرائد الآتية :
1- جريدة " الإخوان المسلمون " اليومية .
2 - مجلة ". الإخوان المسلمين " الأسبوعية .
3 - مجلة " الشهاب " شهرية .
4 - مجلة " الكشكول " أسبوعية .
أما الجرائد التى تعبر عن آراء الإخوان الان وتروج لفكرتهم وإن لم تكن لسان حالهم الرسمى فهى :
أ - مجلة " الدعوة " أسبوعية .
2 - مجلة " منزل الوحى" أسبوعية .
3 - جريدة " منبر الشرق " أسبوعية .
4 - مجلة " المسلمون " شهرية .
وجميع هذه الجرائد والمجلات تجمع بين الثقافة الاسلامية والأخبار السياسية ما عدا مجلتى ،( الشهاب - والمسلمون ) التى صدرت على غرارها بعد الحل . فكلاهما مجاة علمية من طراز رفيع . وجميع محتوياتها هى ثقافة إسلامية فقط
'5 - المكتبات الإخوانية :
ويوجد بالمركز العام للاخوان المسلمين مكتبة قيمة تحوى " 2500 " كتاب ومجلة ومجلد مصنفة فى " 25 " بابا هى:
أ - تاريخ إسلامى 2 - تراجم 3 - أشعار 4 - علوم قرآ ن 5 - فلسفة ومنطق 6 - قصص 7 - اجتماع 8- سياسة 9 - وعظ وإرشاد 10 - لغة 11 - فقه 12- نحو 13 – أخلاق14 - أصول فقه 15 - حديث 16 - عقائد 17 - حولى الفكرة الاسلامية 18 - قانون 19 - أدب 20 - بلاغة 21 - سيرة 22- تفسير 23 - تصوف 4 2 - تاريخ قومى وسياسى 25 - مجموعات من المجلات الأدبية والسياسية . وواضح أن معظم محتويات المكتبة تدور حول الثقافة الاسلامية ويوجد بكل شعبة من شعب الإخوان المسلمين مكتبة وغرفة أو منضدة للمطالعة على الأقل ، ويتحتم على كل شعبة أن تكون لها مكتبة مهما كانت صغيرة ، لاطلاع الإخوان وزيادة ثقافتهم . ويعمل قسم الأسر بالمركز العام حاليا على وضع رسالة فى محتويات الشعبة مبينا المؤلفات التى لا بد أن تشمل عليها ، والحكمة فى اختيارها ، حتى تتمكن المكتبة من أداء دورها فى نشر الثقافة الاسلامية .
3-علمية تعليمية:
ويضطلع قسم المهن بالمركز العام للاخوان بدور كبير فى النشاط العلمى المحض ، فهو يقدم مساء كل خميس بالمركز العام للاخوان ، محاضرة علمية قيمة يلقيها أحد المحاضرين المتخصصين وقد نظم القسم المحاضرات الاتية التى ألقيت جميعا فى المركز العام وبيانها :
تاريخ المحاضرة
23/4/ 1953
3./4/ 1953
7/5/ 1953
وقد أدت هذه المحاضرات خدمات علمية جليلة فى تنوير أذهان الشعب عامة ، وخاصة أن روادها كانوا يتزايدون على مر الأيام حتى كادوا أن يبلغوا فى المحاضرات الأخيرة عدد رواد درس الثلاثاء ، وهم عدة ألوف .
على أن هناك مؤلفات للاخوان فى النواحى العلمية المحضة فضلا عن النواحى الاسلامية منها :
1- سرالذرة الأستاذ محمود حامد
2- الميثولوحيا الأستاذمحمود حامد
3- المنار الأستاذ أحمد عبد الجليل
4- الخوارق المستعملة للأساسات فى مصر الدكتور / محمد كمال خليفة – والأستاذ محمد سعيد يوسف
5 - المظاهرات والتجمهر الأستاذ عبد الكريم منصور
6- مجلس العموم الأستاذعلوى عبدالهادى
7 - أيامنا السود 11 يوليو سنة 1882 الأستاذ محمد منير الجندى
8- كتاب الكون الأستاذ عبد العزيز الزهيرى
أما الخدمات التعليمية فقد أدى الإخوان فيها دورا كبيرا قبل الحل وبعده ، أما قبل الحل ، فقد ساهموا مساهمة فعالة فى نشر التعليم ، فأنشئوا لجنة للعناية بالثقافة تابعة للجنة التربية بالمركز العام فى يوليو سنة 1946 وأنشئوا لجنة لإنشاء مدارس ابتدائية وثانوية وخاصة للبنين والبنات ، تكون ذات طابع تتميز به عن سائر المدارس الحرة فى مايو سنة 1946 وقد حققوا من ذلك :
1- فتح عدد من المدارس لمحو الأمية وتنمية الثقافة الدينية بالمجان .
2 - مكاتب لتحفيظ القران الكريم نهارا .
3 - مدارس ليلية لتعليم العمال والفلاحين .
4 - أقسام خاصة للراسبين فى الامتحانات العامة يتولى التدريس فيها أساتذة اخصائيون من خريجى الجاسة .
5 - شعب لتعليم الغلمان الذين حرموا من التعليم لاشتغالهم بالصناعا ت .
6 - معاهد لتعليم البنين - معاهد حرة أى خصوصية .
7 - مدارس أمهات المؤمنين لتعليم البنات .
8 - دور للصناعات ملحقة بالمعاهد يتعلم فيها الذين لا يستطيعون إتمام التعليم العلمى .
وليس هناك إحصاء عن عدد هذه المدارس المتنوعة ولا عدد طلابها وأساتذتها . ولكن هذه المدارس كانت تقوم إلى جانب الفروع بحيث لا يخلو فرع من مؤسسة علمية . وقد ذكر أن عدد طلاب إحدى مدارس محو الأمية بلغ مائة عامل . والراجح أن الإقبال على هذه المدارس كان كبيرا لا سيما ما كان منها فى بيئات العمال والفلاحين . وحين وضعت الحكومة منهاجا لمكافحة الأمية أثناء تولى العشماوى ( باشا ) وزارة المعارف سنة 1946 طلب من الإخوان أن يساعدوا الوزارة فى تنفيذ خطتها اعترافا منها بنفوذهم .
147 - وقد عثرت بالبحث فى مكاتب حضرات المحامين الذين يترافعون عن قضايا الإخوان على قانون مدارس الإخوان المسلمين بالإسكندرية . وقد نص فيه على أن القائم بالمشروع ( شركة مدنية بحتة ) لا يكتسب أعضاؤها او مساهموها الصفة التجارية لمجرد اشتراكهم فيها ، وأغراضها إنشاء وإدارة مدارس تسير على مناهج وزارة المعارف العمومية المصرية وتربية الطلاب تربية إ سلا مية.
ومركز الشركة - ا - ميدان إسماعيل بالإسكندرية ومدتها خمسة وعشرون عاما تبدأ من 10 / 5 / 1948 . ورأس مال الشركة الابتدائى " 4000 " أربعة آلاف جنيه قابلة للزيادة موزعة على " 1000 " سهم .
148 - وقد بدأت هذه الشركة بإنشاء روضة للأطفال ثم مدرسة ابتدائية ثم أسست فصولا ثانوية استكملت بعد ذلك واختير لهذه المدارس الأسماء الآتية : روضة عمرالفاروق - مدرسة أبى بكر الصديق الابتدائية - المدرسة المحمدية الثانوية .
149- أما بعد الحل - أى بعد استئناف نشاطهم من جديد فى الفترة الحالية - فقد اهتم الإخوان فى الناحية التعليمية بالمعاهد الليلية ، ومدارس الجمعة ، التى سميت فى بعض المناطق بمدارس الجيل الجديد ، ومدارس رياض الأطفال ومدارس محو الأمية . وقد تمت بحصر هذه المدارس فى المناطق التابعة لمكتب إدارة القاهرة و شعبة بندر الجيزة فكان بيانها كالآتى :
" بيان المعاهد والمدارس التابعة للاخوان بالقاهرة وبندر الجيزة .
منطقة شمال القاهرة :
أ - معاهد ليلية :
- معهد شبرا مصر ، 18 شارع خمارويه شبرا مصر ، 60 طالبا .
- معهد شبرا البلد ، بجوار سراى محمد على ، 55طالبا .
- معهد قليوب البلد ، قليوب البلد 60 طالبا .
- معهد القناطر الخيرية ، شارع . البحر ، 30 طالبا .
ب - رياض أطفال :
- مدرسة روضة شبرا مصر ، 18 شارع خمارويه شبرا مصر 300 طفل وطفلة .
مدرسة روضة الشرابية ، شارع الألايلى بجوار المسجد 120 طالبا.
مدرسة روضة مهمشة - 80 طفلا وطفلة .
مدرسة روضة شبرا البلد ، بجوار سراى محمد على ، 250 طفلا وطفلة
مدرسة شبر المحطة ، بجوار محطة البنزين ، 150 طفلا وطفلة .
مدرسة قليوب البلد ، قليوب البلد ، 280 طفلا وطفلة .
جـ – مدارس الجمعة :
- مدارس الجيل الجديد ، شعبة حدائق شبرا 22 طالبا.
مدرسة الجيل الجديد ، شعبة شبرا مصر ، خمارويه ، 55 طالبا .
مدرسة الجيل الجديد ، شعبة منية السيرج ، 25 طالبا.
مدرسة الجيل الجديد ، شعبة روض الفرج ، 350 طالبا
مدرسة الجيل الجديد ، شعبة شبرا البلد ، 50طالبا .
مدرسة الجيل الجديد ، شعبة بيجام ، 15 طالبا.
مدرسة الجيل الجديد ، شعبة شلقان ، 15 طالبا.
مدرسة الجيل الجديد ، شعبة قليوب ، 20 طالبا.
مدرسة الجيل الجديد ، شعبة الشرابية وهاشم أغا ، 60طالبا.
منطقة وسط القاهرة :
محو الأمية :
مدرسة محو الأمية ، شعبة الموسكى شارع درب المناصرة 20طالبا
أ - مدارس الجمعة :
مدرسة الجمعة بعابدين ، 42 شارع محمد بك فريد65 طالبا
منطقة غرب القاهرة :
لا يوجد بها معاهد أو مدارس منطقة جنوب القاهرة :
أ- معاهد ليلية :
المعهد الابتدائى ، 15 شارع البغال بالسيدة ، 20 طالبا .
منطقة شرق القاهرة :
أ- معاهد ليلية :
معهد العباسية ، 6 شارع محمد رفعت 600 طالب به معمل كيمياء وطبيعة .
معهد حدائق القبة ، شارع الأجهورى ، 100 طالب معهد المطرية ، منزل النجومى ، 90 طالبا معهد مصر الجديدة ، شارع سيدى جابر ، 150 طالبا
أ- دراسات تجارية :
مدرسة التجارة بالعباسية ، 6 شارع محمد رفعت ، 20 طالبا
أ- رياض أطفال :
مدرسة حدائق شبرا ، شارع الأجهورى ، 75 طفلا وطفلة
شعبة الجيزة :
أ- محو الأمية :
مدرسة محو الأمية ، شعبة الجيزة شارع الملكة ، 50طالبا
ب - معاهد ليلية : معهد الإخوان المسلمين ، شارع الأمير فاروق ، 150 طالبا معهد الطلاب ، شعبة الجيزة شارع الملكة 300 طالب أبحاث توجيهية : وهذا النوع من الأبحاث ينقسم إلى قسمين :
أ - أبحاث علمية إسلامية لتوجيه الإخوان ، أو تنوير أذهان الشعب إزاء المشاكل المعاصرة على ضوء الاسلام ، ومن هذه الأبحاث :
1- نظام الأسر - نشأته وأهدافه - وهى رسالة علمية أصدرها قسم الأسر بالمركز العام تبحث نظام الأسر فى الإخوان ، وتبين الأوضاع السياسية العامة فى مصر . والأوضاع الداخلية فى بناء الإخوان التى صاحبته منذ نشأته ، وأثرت على تطوره كما تشرح لا ئحة نظام الأسر وأركانه ، وتختمها بدراسة وتعليق على النظام .
2 - المرأة بين البيت والمجتمع - للأستاذ البهى الخولى - وهى رسالة علمية تبدأ ببيان مكانة المرأة فى الحضارات القديمة ، ثم مكانتها فى الاسلام ، وتحدث عن حقوق الأسرة ، والزواج ، والعلاقات الزوجية ، والطلاق ، وتعدد الزوجات ، وتحديد النسل وزينة المرأة ، وحقوق الأولاد ، وحرمة البيت ، والمرأة والمجتمع والمرأة والعمل ، وحقوق المرأة السياسية ، ورأى الاسلام فى كل هذه المشاكل ، حتى تكون عونا للاخوان ولجميع المسلمين المتمسكين بدينهم ، على التكيف فى الحياةالأسرية والاجتماعية على ضوء الاسلام السمح الصحيح .
3 - عقيدة المسلم - للأستاذ محمد الغزالى - وهو بحث شامل فى العقيدة ، يتحدث عن الألوهية والتوحيد ، وصفات الله والقضاء والقدر ، وأسس الإيمان والخطيئة والمتاب ، والنبوات والخلود . ويتناول كل هذه الأمور بصورة تنفى عنها تحريف الغالين ، وتأويل المبطلين ، وانتحال الجاهلين .
4 - الاسلام وأوضاعنا القانونية - للأستاذ عبد القادر عودة - وهو بحث يتناول القرانين الوضعية ورأى الاسلام فيها، وخطرها على النظام االاجتماعى ، ودراسات مقارنة تبين فضل الاسلام وتوجه إلى ضرورة الأخذ به للصالح العام .
5 - تذكرة الدعاة - للأستاذ البهى الخولى - وهو بحث ضخم فى توجيه دعاة الإخوان المسلمين ، وشرح لمهمة الداعية ، ومصادره ، وموارده التى يستمد منها . وشرح للوسائل التى يجب استعمالها ، وتعريف ألوان النشاط المختلفة التى يقوم بها الداعية ، من المحاضرات ، إلى الدرس ، إلى الخطبة ، إلى المقالة ، إلى البحث العادى .
ب - أبحاث علمية بحتة - قام : بها الإخوان لتوجيه الحكومات نحو الإصلاح المنشود ، بشرح الأخطاء ، وبيان العلاج الصحيح على أسس علمية سليمة . وقد صدر من هذه الأبحاث بحثان :
1 - السياسة العامة للتربية والتعلم . وقد أصدره فرع المعلمين بقسم المهن بالمركز العام ، وبه اراء قيمة فى مبادىء التربية والععليم وتنظيم مراحل التعليم والمناهج ، ونظم الامتحانات ، وإعداد المعلم الصالح ، وإزالة المركزية 2 - خطوط فى الاصلاح على ضوء الاسلام . وهو من قسمين :
الأول : فى الاقتصاد والنقد والضرائب ، قام به فرع الاقتصادينن بقسم المهن . والثانى : فى الزراعة والتصنيع والمواصلات والعمارة وقد اشتركت فيه الفروع الختصة . وهو يعالج كل هذه النواحى بأساليب علمية قوية .
" وهذا النوع من الأبحاث من اختصاص قسم المهن الذى من مهمته إعداد البحوث والمشروعات والبرابخ الإصلاحية ، لتنظيم شتى نواحى الحياة مع تواعد الاسلام ، وإذاعتها على الرأى العام المحلى والدولى ، والتقدم بها للجهات الختصة والعمل على تنفيذها" .
الفصل الثالث :الأخوات المسلمات
150 - فى سنة 1932 تكونت أول لجنة للأخوات المسلمات بمدينة الإسماعيلية تحت عنوان " فرق الأخوات المسلمات " نشرت لا ئحتها الداخلية بالسنة الأولى من مجلة " الإخوان المسلمين " . وتكونت لجنة أخرى بهذا الاسم فى القاهرة كذلك . وفى سنة 1944 اعتزم لفيف من الأخوات المسلمات اللاتى فقهن الدعوة ، وتشربت نفوسهن بها ، تنظيم الفكرة من جديد ، والنهوض بها تحت إشراف المركز العام للاخوان المسلمين . ووافق مكتب الارشاد على ذلك وتكونت أول لجنة تنفيذية بتاريخ 12 ربيع الأول سنة1363 الموافق 14 أبريل سنة 1944. واتخذت لها مقرا بالمنزل رقم 17 شارع سنجر الخازن بالحلمية الجديدة بالقاهرة .
ثم انتشرت حركة الأخوات المسلمات بالقطر المصرى ، ووثبت إلى الخارج ووضع لها المركز العام لا ئحة خاصة تنظم القسم وتضمن له النهوض برسالته .
وفى سنة 1948 أصبح لهذا القسم بالقطر المصرى خمسون شعبة . تضم خمسة آلاف سيدة وآنسة ، تقوم بالوعظ فيهن سيدات منهن ممن فهمن الفكرة وعرفن دينهن معرفة صحيحة ، وكذلك بعض العلماء الأكفاء .
51 - ثم صدر أمر الحل فى ديسمبر سنة 1948 ، فأوقف نشاط الأخوات الرسمى تبعا لذلك . ولكنهن قمن أثناء المحنة بدور محمود فى رعاية أسر الإخوان المعتقلين والمسجونين ، وزيارتهم ومواساتهم وتشجيعهم ، وإشعارهم بروح التكافل الاجتماعى كما أمر به الاسلام ، مما كان له أطيب الأثر فى تقوية الروح المعنوية لدى الإخوان وأسرهم على السواء .
ثم انزاحت الغمة ، وبدأ الإخوان نشاطهم الرسمى ، ثم تلاهم الأخوات ، وفكر قسم الأخوات فى عمل مركز لهن ، ولما كان هذا العمل يحتاج إلى مال فقد تقرر إقامة معرض وضع له رأس مال نقدى قدره 80 جنيها ، ثم وصل إلى القسم تبرعات مختلفة من الأخوات ، إما بالمال وإما بأشياء عينية كالأقمشة والخيوط ، ومنهن من تبرعن بتأدية خدمات عملية ، كتفصيل هذه الأقمشة والخيوط وخياطتها والقيام بعمليات التطريز . وقد أقيم المعرض فى دار الجريدة اليومية السابقة للاخوان أمام المركز العام ، استمر أسبوعا بدون إيجار . وكان الزوار يلاحظون انخفاض الأسعار بشكل واضح عن السعر فى الخارج . وقد اشترك فى هذا المعرض من البلاد بخلاف القاهرة ( الإسكندرية للعرض فقط ) ، وكفر الدوار - والمنيا - وأسيوط - والإسماعيلية للعرض والبيع .
وكان مقررا أن يأخذ المركز الرئيسى للأخوات المسلمات 25 % من ثمن مبيعات كل بلدة ، ولكن مندوبات البلاد ألححن فى ضرورة أخذ 50 % للمركز الرئيسى ، مساهمة منهن فى إعانة المركز لتدعيمه ماليا لحداثة نشأته ، وقد وصلت مالية القسم بعد إقامة هذا المعرض إلى 350 جنيها تقريبا بعد أن قامت لجنة بتصفية المالية وجرد الحساب الخاص بالسوق .
وكان من نتيجة ذلك أن افتتح القسم مركزه الرئيسى بالقاهرة فى حى الروضة 13 شارع الملك المظفر وقام بتأثيثه .
152- وكان من بين الأشياء التى عرضت فى هذا المعرض - ملابس جاهزة للأطفال والسيدات - وقمصان افرنجي للرجال - وجاكتات للأطفال - وروائح عطرية - وأنواع مختلفة من صابون غسيل الوجه وغسيل الملابس من صنع الأخوات - ومربات وشربات - ولوحات زيتية تمثل مناظر إيحائية للمرأة المسلمة ، كل ذلك كان من صنع الأخوات .
برنامج الأخوات ولا ئحتهن :
كانت أول رسالة ثقافية قام قسم الإخوان بطبعها ونشرها هى رسالة مع "المرأة المسلمة " وكان ذلك فى أكتوبر 1947 وقد ورد فى هذه الرسالة برنامج صريح ، وتصريحات خطيرة عن رسالة الأخوات المسلمات منها : أولا : محاربة النظام الحاضر والمذاهب المعاصرة القائمة ،وتصحيح الأوضاع الحالية ، سواء من وجهة نظر المجتمع للمرأة والإقرار لها بحقوقها كاملة ، والنظر إليها نظرة الاحترام والتقدير الواجبة ، وذلك عن طريق خطوتين إحداهما إيجابية ، والأخرى سلبية .
فالايجابية : أن جهودنا ستأخذ شكلا عمليا يتجه إلى البناء بالتكوين والتربية ، أى بالعمل على تكرين المجتمع الصالح ، وبالتالى تقديم نماذج للمرأة المثالية ، لتحققه بالمبادىء التى تريدها وتدعو إليها.
والسلبية : هى أننا سنعبىء الجهود ونوجهها إلى نسف قواعد النظم الحاضرة بما فيها من إباحية وفسق وفجور ، وتمرد على قواعد الخلق والفضيلة ، ومعنى ذلك كله بالواضح الصريح :
( إعلان الثورة على النظم القائمة ، وتجنيد المرأة لقيادة هذه الثورة ، وتحقيق الغاية الإصلاحية المطلوبة ) .
سنثور لحماية المرأة وصيانة أعراض الأمة ، والمرأة نفسها هى التى ستحمل علم هذه الثورة لإحداث الانقلاب الذى سنهيىء له .
سنحرض المرأة عل الثورة حتى تثور .
وذلك بتنويرها وإماطة اللثام عما يخفى عليها من الحقائق المستوردة ، وسنقنعها بأن بقاء هذه الحال إصرار على المضى فى سياسة امتهانها وتحقيرها ، والاتجار بشرفها ، واعتبارها متاعا يباع ويشترى ، ويعرض ويباح حيث يهوى الفجرة الخادعون وأنها بذلك الوضع المهين تخسر كل الميادين ولاتكسب شيئأ .
تلك خطوة رئيسية ، ومادة أساسية فى رأس المنهاج . ثمارها تعبئة المرأة لقيادة النهض النسائية السليمة ، وإعدادها لهذه القيادة .
ثانيا : إعلان حقوق المرأة الإنسانية ، وتسليمها زمام قيادة النهضة النسائية ، على أساس نظام عام مستمد من دستورية القرآن وروح النظام الاسلامى ، بأن يشمل هذا الإعلان تقرير حريتها الصحيحة ، ومنحها حقوقها الطبيعية العامة والخاصة ، والاعتراف بمساواتها بالرجل فى الحقوق الإنسانية العامة . التى لا تتعارض مع أداء وظيفتها الخاصة للمجتمع .
ثالثا : تحديد رسالة المرأة الإصلاحية ووظيفتها الاجتماعية وهى :
" تكوين المجتمع الصالح وتعهده فى حراسة الفضائل الاجتماعية العليا". . وهى بهذا التحديد قانون جامع ، ومعنى واسع ينسحب على كل ما يمكن أن نستحدثه من التعبيرات ، أو تتطور إليه المطالب والحاجات ، ما دامت نامية فى ظل المثل الأخلاقية العليا فإذا جندنا المرأة فى أعمال البر والخير ، وأطلقناها فى ميدان النشاط الاجتماعى فى أى صورة من صوره ، كان ذلك داخلا فى رسالتها . وإذا أسندنا إليها القيام بمهمتها الأصلية الطبيعية فى البيت كزوجة وأم صالحة تقدم الفرد النافع الذى تتكون منه الجماعة ، كان هذا من صميم رسالتها . وإذا ساهمت فى أى ميدان من ميادين العمل الذى يناسبها ويتلاءم مع طبيعتها ، فإن هذه المساهمة عمل تؤدى به جزءا هاما من رسالتها .
وإذا تقدمت لحمل أعباء الجهاد الوطنى ، وشاركت بجهودها وبعقلها وبثقافتها وبتجاربها وخبرتها وبكل صور المشاركة التى تناسبها ، ولا تتعارض مع روح الدستور الاسلامى العام ، وإذا هبت للمطالبة بحقوقها التى اعترف لها بها الاسلام ونظمت طرائق الجهاد لإقرار هذه المبادىء ، وتطبيقها عمليا ، والثورة على ما عداها من مذاهب الظلم والفوضى الاجتماعية ، كان ذلك أول واجب رئيسى تحث عليه رسالتها وتأمر به .
رابعا : تعهد نظام الأسرة عن طريق التشريع ، وتعهد المرأة نفسها وحمايتها بقوة القانون . 153 - ونستطيع أن نخرج من ذلك بحقائق جديدة على الأذهان هى أن الأخوات ، وبالتالى الإخوان ، يعترفون للمرأة بالحقوق الاتية :
أ - المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة فى الحقوق الإنسانية .
2 - السماح للمرأة بالخروج إلى المجتمع الخارجى مكشوفة الوجه واليدين . 3 - السماح للمرأة المساهمة فى النشاط الاجتماعى إذا كان العمل خيريا والوسط كله نسائيا .
وقد صدرت منذ أيام رسالة من رسائل الإخوان المسلمين عنوانها ( المرأة بين البيت والمجتمع ) أضافت إلى ماسبق الحقوق الاتية للمرأة :
ا - حق التزين بالأصباغ التى يزول أثرها للزوج وحده مع حرمة جراحة التجميل .
2 - حق التعليم فى جميع المراحل التى يسمح بمثلها للرجال ويفضل التعليم الذى يتصل بوظيفتها الأصلية كربة بيت .
3 - السماح بخروج الرجل مع زوجته للتروح عن أنفسهم فى المتنزهات العامة أو الذهاب لمشاهدة أفلام ثقافية أو مسرحيات تاريخية . وأوضح الإخوان أن هذه " الدور " أى السينمات والمسارح ليس فيها حرج لذاتها ، بل الحرج على الأفلام الرخيصة التى تعرض فيها.
4 - السماح للمرأة بالعمل فى الوظائف الحكومية وغيرها إذا كانت هناك ضرورة تدعو لذلك .
5 - حق المرأة فى تحديد النسل إذا كان ضارا بصحتها أو لظروف اقتصادية .
6 - الاعتراف بحقوق المرأة السياسية ، مع بيان أن المجتمع عندما لم يتهيأ بعد لمزاولته والأخذ به .
أما الغاية من تكوين قسم الأخوات فقد لخصتها لائحته فيما يلى:
أ - بعث الروح الدينية ، وبث التعاليم الاسلامية الكفيلة بتكوين شخصيات من النساء مهذبة تسطيع الاضطلاع بما يناط بها ، من أعمال وواجبات.
ب - التعريف بالفضائل والآداب المزكية للأنفس ، والموجهة للخير والكمال ، وتعريفها بما لها من حقوق ، وما عليها من و اجبات .
ج - إرشادهن إلى طرق التربية الاسلامية الصحيحة النافعة ، التى تضمن لأبنائهن النمو الجسمى والعقلى ، وتجنبهم الإشراف الصحى والنقص العقلى . د - العمل على صبغ البيت بالصبغة الاسلامية وبث تعاليم القرآن الكريم ، والسنة المطهرة ، وسيرة أمهات المؤمنين ، وفضليات النساء ، ممن حفل بهن التاريخ الاسلامى المجيد.
هـ - محاربة البدع والخرافات ، والأباطيل والترهات ، والأفكار الخاطئة ، والعادات السيئة التى تنتشر وتروج بينهن .
و - نشر الثقافة العامة ، والمعارف التى تنير عقولهن وتوسع مداركهن .
ز - الاهتمام بالشئون المنزلية لتجعل من البيت مكانا سعيدا يضم أسرة هانئة على أساس فاضل سليم .
ط - المساهمة فى المشروعات الاجتماعية النافعة ، بالقدر الذى يتناسب مع ظروفهن وجهودهن وفى محيطهن .
ومن هذه المشروعات :
المستوصفات - دور الطفولة - رعاية اليتامى - وأندية الصبيان - المدارس - تنظيم مساعدة الأسر الفقيرة - وتوضع كل مشروع لائحة خاصة - وتؤلف له هيئة إدارية تنهض به وتشرف عليه ، طبقا لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1945 وتسجل بوزارة الشئون الاجتماعية .
ط - المعاونة فى حدود ظروف الأخوات وجهودهن ، فى تحقيق البرنامج الإصلاحى الأساسى لهيئة الإخوان المسلمين العامة .
نشاط الأخوات
1- عمل زى إسلامى للسيدات :
154 - عندما بدأ القسم بنشر الدعوة للفكرة الاسلامية فى محيط المرأة المصرية ، لاقى صعوبات كثيرة بالنسبة للتيار الغربى الجارف الذى انساقت معه المرأة المصرية ، فبعدت به كل البعد عن الاسلام فى، مظهرها ومخبرها ، وكانت أول المشاكل التى قابلتها مشكلة الزى ، فإن واجب الاحتشام الذى فرضه الاسلام على المرأة كان يلزم الأخوات بذلك ، فكن أول أمرهن يغطين رءوسهن بذلك الغطاء الذى اصطلح على تسميته ( بالطرحة ) وكانت فى أول أمرها سوداء فبهانت منفرة للأخوات المبتدئات ، ومحل تعليق من غيرالأخوات ، بالنسبة لأن السواد قد اصطلح على أنه شعار الحزن أو حداد . فكان أن وفق الله الأخوات إلى التخلص من هذه المشكلة بتغيير لون الطرحة من الأسود إلى الأبيض ، وبهذا أصبح مقبولا ، ولم يعد هناك مجال للاعتراض على اللون من وجهة كونه شعارا للحزن أو خلافه ، وانتشر الزى حتى أصبح زيا لمجموعة كبيرة من فضليات السيدات فى سائر الجماعات النسائية الاسلامية .
2 - التربية الدينية والثقافية للسيدات :
وكان أول عمل بدأه القسم ، هو إقامة دروس عامة فى كل حى من الأحياء ، يحاضرها إما واعظ من الوعاظ ، أو أخ من الإخوان الدعاة إن أمكن ، ولكنه وجد بالتجربة أن هذه الدروس لم تكن لها فائدة محسوسة ، حيث يحضرها خليط من السيدات غير المتقاربات فى الثقافة أو السن ، ووجد أن الفائدة تكون أعظم بكثير لو قسمت الأخوات إلى مجموعات متقاربة فى الثقافة والسن ، وكل مجموعة تسمى أسرة .
ويسير نظام الأسر فى الأخوات على النظام العام للأسر فى الإخوان ، الذى تنظمه لا ئحة خاصة به ، وإن كان هناك نظام اخر خاص بنظام الأسر الروحية ، نظمته الرسالة الأولى للأخوات ، وهو يشمل منهاجا دراسيا كاملا فى دراسة القرآن ، والحديث ، والفقه ، والتفسير ، وقراءة رسائل الإخوان ومؤلفاتهم .
وقد نفذ هذا النظام فعلا سنة1945 ، واتضح بالتجربة أنه أجدى وأنفع من ناحية التحصيل ، وإيجاد الألفة والمحبة والتعاون ولذا كان يسمى بالنظام التعاونى . كا أنه مصر ملاءمة المرأة ، ومناسب لظروفها المختلفة . كما وجد القسم أن اكثر فئة يجدى معها العمل هى فئة المثقفات ، وتقل هذه الفائدة تدريجيا كلما قلت الثقافة ، لذا فكر القسم تفكيرا جديا فى أن يوجه اهتماما كبيرا لطالبات المدارس الثانوية ، والعليا ، والجامعات ، وعملت لهن من أجل ذلك ندوة أسبوعية كل ثلاثاء ، من الساعة الخامسة حتى صلاة المغرب ولم يتم التفكير فى خطوات أخرى .
2 - إنشاء دار التربية الاسلامية للفتاة :
وتقع هذه الدار فى شارع بستان الفاضل رقم 8 بالمنيرة ، وتشمل السلاملك والبدروم من المنزلى المذكور ، وبكل منهما خمس غرف وصالة وتستعمل غرف السلاملك فى الإدارة والفصول الدراسية و ( البدروم ) فى تعليم الغسيل والطهى والكى والشئون المنزلية عامة . ويوجد خلف المنزل فناء واسع نسبيا ، يمكن لبنات المؤسسة الوقوف فيه قبل دخول الفصول .
نظام العمل فى الدار قال الحل :
اقتصر العمل فى هذه الدار أولا على 42 فتاة حديثة السن ، لا يتجاوز عمر الواحدة 15 سنة . ونظم العمل بالدار على أساس أن تتكفل الدار بالمأكل والملبس والسكن والرعاية الثقافية والاجتماعية ، ولهؤلاء الفتيات ، فكانت أشبه بمدرسة داخلية .
وقسمت البنات إلى فصلين دراسيين . يدرس للبنات بهما القران الكريم والدين . وتضمن البرنامج الثقافى أيضا تعليم الحياكة والتطريز والأشغال اليدوية وشغل الإبرة ، وتمرين الفتيات فى المؤسسة على إدارة المنزل ، وبعض الألعاب الرياضة ، وتقوم الدار بالإضافة إلى ذلك بما يأتى :
أ- مساعدة أسر الفتيات وبعض العائلات الفقيرة ، بتقديم الكساء والعلاج والإعانات المالية وغيرها من المساعدات .
ب - إطعام الفقراء فى شهر رمضان .
جـ - توزيع أغطية وملابس على العائلات الفقيرة فى الشتاء وفى المواسم والأعياد .
د - المساهمة فى الإرشاد الاجتماعى والوعظ عن طريق محاضرات تعد لذلك . هـ- القيام بالإصلاح بين السيدات " فى البيوت .
هذا بالإضافة إلى مهمتها الأولى الرئيسية ، وهى تنشئة جيل من الفتيات يربى تربية عملية إسلامية صحيحة .
ولم توافق وزارة المعارف على منح الدار إعانة مالية ، لأنها اشترطت أن يكون بها أربعة فصول على الأقل .
155 - نظام العمل فى الدار بعد الحل :
فى تقرير لرابطة الإصلاح الاجتماعية أنها استلمت دار التربية الاسلامية للفتاة فى مارس سنة 1949 ، ولم يغفل التقرير أن " جمعية الأخوات المسلمات هى التى أنشأت الدار . ويتفق نظام العمل فى الدار حاليا إلى حد كبير مع ما كان عليه قبل الحل ، إلا أنها توسعت فى خدماتها فأصبحت تخدم الان حوالى 124 فتاة ، إلا أنها خارجية ، وليست داخلية كما كانت سابقا ، كما أن بها الان عشر موظفات منتدبات من وزارة المعارف ، منهن رئيسة ، وسكرتيرة ، وزائرة اجتماعية ، وسبع مدرسات . وتقدم الدار حالياء الخدمات الاتية :
أ - تعليم مدرسى للبنات على نظام المدارس الأولية .
2 - تعليم مهنى خاص بالبنات كالتطريز والحياكة والكى والغسيل .
3 - رعاية الأسر الفقيرة ، وخاصة أسر الفتيات ، وتقديم مساعدات عينية ومالية وأدبية وصحية لها ، فى المناسبات المختلفة .
وجدير بالذكر أن العمل فى الدار الان يتبع البرامج الاجتماعية فى كثير من صوره ، ففى الدار زائرة اجتماعية تقوم ببحث حالة الأسرالاجتماعية ، كما أنشئ ناد للبنات بالدار لمزاولة أنواع النشاط الفنى والرياضى والثقافى . والسبب فى أن الأخوات المسلمات لم يفكرن فى تسلم هذه الدار بعد ، هو أن نفقاتها الان تبلغ حوالى2825 جنيها فى السنة تتكفل بها رابطة الإصلاح الاجتماعى . وهو مبلغ لا تستطيع أن تتحمله ميزانية قسم الأخوات العلى وربما فكرت الأخوات على المطالبة به ثانيا لو دعمت ماليتهن إلى درجة تسمح بالإنفاق على الدار فى وضعها الحالى .
نشر الثقافة الصحية :
يقوم المركز الرئيسى للأخوات حاليا بإلقاء محاضرات علمية وعملية فى وسائل عمل الإسعافات المنزلية ، كتنظيف الجروح والحروق وتضميدها ، وتعليم المس ، وإعطاء الحقن ، وذلك فى دار المركز الرئيسى بالروضة ، ويقوم بإعطاء هذه الدروس والمحاضرات أخوات من الاختصاصيات فى تلك الشئون كالحكيمات والممرضات . وحتى تنجح التجربة ويتزايد العمل شيئا فشيئأ ، يأمل قسم الأخوات أن ينشئ مستوصفا عاما بعد ذلك .
5 - مدرسة للداعيات :
يعمل القسم على انتقاء صفوة من الأخوات اللاتى هضمن الفكرة ، ومهمة الأخت منهن أن تحل محل المدرس فى المدرسة فى الدرس العام إذا تغيب .
كما افتتح مركز الأخوات بالإسكندرية مدرسة للداعيا ت نواتها عشرة أختا من الأخوات المثقفات .
6 - الدعاية للفكرة الاسلامية فى المحيط النسائى : وذلك بإصدار النشرات وتوزيعها فى الأوساط النسائية المختلفة فى المنازل ، وبين طالبات المدارس وطالبات الجامعة ، وللأخوات فى الإسكندرية نشاط ملموس فى هذه الناحية. ومن وسائلهن فى سبيل ذلك أيضا زيارة المنازل ، وتكوين صداقات مع الأسر المجاورة لنشر الفكرة ، وفض المنازعات ، ومد يد المعونة فى حدود الإمكان .
وفى تقرير عن نشاط للأخوات بالإسكندرية . أن القسم يفكر فى ثلاثة مشروعات وهى :
أولا - مشغل للفتيات يتعلمن فيه التفصيل بالحياكة والتطهريز وكل ما تحتاج إليه الفتاة مع تزويدها بالثقافة الدينية ، وتعويدها الأخلاق الكريمة .
ثانيا : دار لكفالة الفتاة تقوم برعاية الفقيرات واليتيمات ، وإيوائهن لينشأن نشأة إسلامية كريمة .
ثالثا - إنشاء مدرسة محو الأمية بين السيدات .
ويقوم قسم الأخوات بإلقاء الدروس الأسبوعية الاتية لنشر الثقافة الاسلامية ، والدعاية للفكرة الاسلامية فى محيط السيدات ، وبيانها :
الفصل الرابع : الخدمات الاقتصادية
نستطيع أن نقسم الخدمات الاقتصادية التى أداها الإخوان للمجتمع المصرى إلى قسمين رئيسيين :
أولأ - دعم الآقتصاد القومى .
ثانيا - تشجيع الإدخار فى الطبقات الوسطى والشعبية .
ولنتحدث عن كل منهما فنقول :
أولا - دعم الاقتصاد القومى :
ينص قانون الإخوان على أن من أغراضهم " تنمية الثروة القومية وحمايتها وتحريرها " .
156 - كما تنص واجبات الأخ العامل على " أن تزاول عملا اقتصاديا ، مهما كنت غنيا ، وأن تقدم على العمل الحر مهما كان ضئيلا ، وأن تزج بنفسك فيه مهما كانت مواهبك العلمية " وعلى " أن تخدم الثروة الاسلامية العامة بتشجيع الصناعات والمنشآت الاقتصادية الاسلامية ، وأن تحرص على القرش فلا يقع فى غير يد إسلامية ، ولا تلبس ولا تأكل إلا من صنع وطنك الاسلامى " 157 - ولم يكتف الإخوان بذلك بل عملوا على تحقيق هذه المبادىء عمليا ، فانشئوا لتدعيم الاقتصاد الوطنى الشركات الأتية :
1 - شركة المعاملات الاسلامية :
وقد تكونت برأس مال أساس قدره 4000 جنيه مصرى سنة 1939 ، ثم تطورت فى سنة1945تطورا كبيرا، فقد أقبل الإخوان وغير الإخوان على الاكتتاب فى أسهمها ، وزيد رأس المال من 4 أربعة الاف جنيه إلى 20000 عشرين ألف جنيه ، وقامت الشركة بإنشاء خطوط نقل ، وأقامت مصنعا كبيرا للنحاس ، ينتج وابور غاز كامل وقطع غياره المختلفة راجت فى الأسواق المحلية والخارجية ، وخاصة أسواق الأقطار الشقيقة .
2 - الشركة العربية للمناجم والمحاجر :
وقد تكونت فى سنة 1947 برأس مال قدره 60000 ستين ألف جنيه ، وفى سنة 1948 اتحدت الشركة العربية للمناجم والمحاجر وشركة المعاملات الاسلامية ، لتوحيد الجهود ، للارتباط الوثيق بين ما تقوم به الشركتان . فشركة المعاملات تملك سيارات نقل ، وتوكيل لسيارات من أمريكا ، ومصنعا كبيرا للبلاط والاسمنت بجميع أنواعه وهو يستهلك كميات كبيرة من كسر الرخام الناتج من شركة المناجم . ولدى شركة المعاملات مصنع للنحاس ، وورشة ميكانيكية . وقد استوردت شركة المناجم آلات حديثة لقطع وصقل الرخام ، إلا أن هذه الالات التى كانت تقدر أثمانها بعشرات الألوف من الجنيهات ، تركت فى العراء بدون صيانة أيام الحراسة فى فترة الحل ، وبيعت خردة ، مما تسبب للشركة فى أضرار مالية جسيمة ، ورفعت قضية بذلك على الحراسة فى هذه الأيام للمطالبة بالتعويض .
3 - شركة الإخوان المسلمين للغزل والنسيج :
تأسست هذه الشركة سنة 1948 برأس مال أساسى قدره 8000 ثمانية الاف جنيه ، جمع منه فعلا 6500 جنيه ، وظل باب الاكتتاب مفتوحا حتى وقت الحل ، وبدأت الشركة عملها ، وكان عدد عمالها حوالى 60 عاملا جميعهم من المساهمين فى الشركة ، وفى عشرة أشهر صرفت أجور عمال 2700 جنيه أى بما يوازى نصف رأس المال ، وبالرغم من ذلك فقد بلغ صافى أرباحها فى هذه الفترة الصغيرة 1400 جنيه . وكانت تنتج البفتة ، والدمور ، والأقمشة الحريرية ، والجبردين المقلم ، وكانت منتجاتها تباع بأقل من أسعار أى بضاعة أخرى من مثيلاتها . وقد قامت الحراسة أثناء فترة الحل بتصفية هذه الشركة وبيعها نهائيا ، وقد رفعت الشركة قضية ، وصدر حكم قضائى لصالحها أخيرا .
4 - شركة المطبعة الاسلامية والجريدة اليومية :
وكل منهما منفصلة عن الأخرى ، وسميت الأولى " شركة الإخوان للطباعة " الشركات الإخوانية .
5 - شركة التجارة والأشغال الهندسية بالإسكندرية :
وقد تكونت برأس مال قدره 14000 جنيه موزع على 3500 سهم للقيام بأعمال التجارة والهندسة .
6 - شركة التوكيلات التجارية :
وقد بدأت مشروعها فى السويس للتجارة أولا ، ثم توسعت أعمالها حاليا حتى شملت التجارة والنقل والإعلان ، وصار لها مركز رئيسى فى القاهرة بشارع محمد على حارة المزين ، وأصبح لها عدة فروع فى جميع أنحاء القطر المصرى تقريبا ، بالإسكندرية وبورسعيد ، والإسماعيلية ، والسويس ، والفيوم ، وبنى سويف . وتقوم الشركة حاليا بعمل مشروع اقتصادى تعاونى تكفل به اللوازم المنزلية ، والسلع الاستهلاكية للاخوان بأسعار الجملة .
7 - شركة الاعلانات العربية :
وقد أنشئت قبل الحل بحوالى عام ، وكانت أعمالها تشمل النشر بالصحف ، والدعاية بالسينما ، وعمل الرسوم الفنية ، وأغلفة الكتب والمجلات ، وتصميم لا فتات وواجهات المحلات ، وشرعت فى عمل دليل تجارى عام للدول العربية ، حال وقف النشاط بعد الحل درن إصداره ، وتوقفت أعمال الشركة بعد ذلك وهناك شركات إخوانية كثيرة منتشرة فى أنحاء القطر المصرى أسسها الإخوان بالاشتراك والتعاون مع بعضهم فى حدود إمكانياتهم كأفراد ، ولا سبيل إلى حصرها .
ثانيا - تشجيع الادخار فى الطبقات المتوسطة والشعبية :
فجميع الشركات الإخوانية السابقة موزعة أسهمها على مجموعة كبيرة جدا من المساهمين ، بعكس ما ألف الناس فى الشركات الكبيرة فى مصر التى يتحكم فيها ويملك غالبية أسهمها قلة من الرأسماليين ، ولعل أوضح مثال لذلك هو شركة الإخوان المسلمين للغزل والنسيج ، فرأس المال الفعلى لها كان 6500 جنيه وكان عدد المساهمين 550مساهما ، ومعظمهم من العمال الذين كانوا يساهمون بمبلغ 25 قرشا شهريا فكانت الشركة بذلك سبيل ادخار للفقات التى لم تتعود الادخار ، وتكوين رأس مال صناعى من الطبقات الشعبية .
ولا يفوتنا أن نذكر أن الادخار مأمور به فى الإخوان المسلمين ، فقد نصت واجبات الأخ العامل على " ان تدخر للطوارىء جزءا من دخلك مهما قل ، وألا تتورط فى الكماليات أبدا " .
الفصل الخامس :الخدمات الصحية
سبق أن أشرنا عندما تناولنا نشاط الجوالة ، إلى المجهودات التى قام بها الجوالة من الإخوان فى مكافحة الأوبئة ، ونشر الدعاية الصحية . وقد أنشأ قسم البر والخدمة الاجتماعية للاخوان المسلمين قبل الحل . قسما طبيا نصت لائحته العامة على أن من أغراض القسم :
أ- إنشاء العيادات والمستوصفات والمستشفيات والإشراف على تنظيمها وإدارتها .
ب - العمل على تحقيق التأمين الصحى للاخوان .
ج - العمل على نشر الدعوة الصحية ورفع المستوى الصحى لجميع الطبقات بكافة الوسائل ، ومعاونة الهيئات الرسمية والشعبية فى مقاومة الأمراض المتواطنة والأوبئة ، بالنشر والإذاعة والمحاضرات . . . إلخ
د - توثيق الصلة بين الهيئات الطبية وهيئة الإخوان المسلمين فى مصر ، والبلاد العربية والاسلامية ، بإرسال الوفود والبعوث وعقد المؤتمرات وحضورها واستقبال المندوبين .
158 - كما نصت اللائحة على أن القسم لا يتعرض للمسائل السياسية ، أو الحزبية حتى مايتصل بهيئة الإخوان المسلمين نفسها .
159 - وقد تأسس القسم الطبى للاخوان فى15 نوفمبر سنة 1944 من مجموعة من الأطباء برئاسة الدكتور محمد أحمد سليمان . وافتتح مستوصفا فى عيادة الدكتور سليمان فى نفس التاريخ ، وبعد مضى شهر خصص للمستوصف جانب من دار المركز العام ، ونشط العمل فى المستوصف حتى بلغ عدد الذين عولجوا سنة1945 (21877) مريضا . وفى سبتمبر سنة 1946 اختيرله بناءضخم بشارع خير بن حديد بالحلمية الجديدة ، وأنشىء به معمل للأدوية يشرف عليه صيدلى قانونى .
وفى هذا العام بلغ عدد المرضى الذين عولجوا بالمستوصف ( 39039 ) مريضا .
وفى سنة 1947 بلغ عدد المرض المنتفعين (51300) مريضا وفى أواخر سنة1945 أنشىء مستوصف طنطا بإدارة الدكتور محمد المأمون حبيب . وبلغ عدد المرضى الذين عولجوا به سنة 1946 خمسة آلاف مريض ، وفى سنة 1947سبعة الاف مريض . وأنشأ القسم الطبى فى سنة 1946 مستوصفا بشبرا بإدارة الدكتور محمد ناجى المحلاوى ، وبلغ عدد المرض الذين عولجوا به فى سنة 1946 و 1947 ( 0 5 275 ) سبعة وعشرون ألف مريض .
ثم رأى القسم الطبى أن ينشىء مستشفى به عيادة خارجية وأخرى داخلية ، بشارع عبده باشا بالعباسية فى أبريل سنة 1948 ، وبلغ عدد المرضى الذين عولجوا بهذا المستشفى فى الأشهر كالأتى :
أبريل :- ه 6 4 1 مريضا ، مايو : -673 2 مريضا
يونيو :- 8 0 29 مرضى ، يوليو :- 87 22 مريضا وبلغت ميزانية القسم 23500 ثلاثة وعشرون ألف جنيه سنة 1948
160 - وقد اتصلت بالسيد الدكتور محمد أحمد سليمان الذى كان المشرف العام على جميع مستشفيات ومستوصفات الإخوان ، فحدثنى أنه ليلة صدور أمر الحل أخرج البوليس بالقوة عشرين مريضا داخليا بمستشفى العباسية ، بعد أن أجريت لهم عمليات جراحية لم تلتئمم بعد وظل المستشفى مغلقا عشرة شهور ، بدون أن تتصرف فيه الحكومة بالبيع بالمزاد ، كما أعلن عن ذلك من أول يوم ، وبيعت محتويات المستشفى التى كان يبلغ ثمنها 14000أربعة عشر ألفا من الجنيهات بمبلغ 600 جنيه ستمائة جنيه مصرى لم تكمل سداد إيجار المستشفى عن الشهور العشرة ، إذ كان قث ترا كم عليها إيجار متاخر قدره 750 جنيها ، بواقع 75 جنيها للشهر الواحد .
أما بعد الحل واستئناف الإخوان لنشاطهم الرسمى ، فقد نشطوا فى إنشاء المستوصفات والمستشفيات إلى حد كبير . ويوجد بكل مديرية على الأقل مستوصف للاخوان المسلمين ،و لم أستطع حصر عددها بالضبط ، لعدم وجود إحصاءات حالية عنها ، وقد قمت بحصر المستوصفات التى افتتحها الإخوان فى القاهرة .
الباب الثالث : تعليق - نقد – اقتراحات
أوضحنا فى البابين السابقين من هم الإخوان المسلمون ، وما هى أوجه نشاطهم المختلفة فى المجتمع المصرى ، وأعتقد أنه قد وضح للقارىء ما تؤديه هذه الهيئة من خدمات ، ومازالت تستطيع أن تؤديه فى أوجه الإصلاح المختلفة ، مما يبين ضرورة اهتمام المسئولين بأمر هذه الجماعة ، وتمهيد الطرق لها ليتم الإصلاح المنشود ، وبدلا من محاربتها وعرقلة جهودها كما حدث فى عهود الحكومات السابقة . وليس لنا من ملاحظات على البرنامج ، فهو جامع شامل يبدأ من التربية الفردية للأخ المسلم ، حتى يصل إلى التعاون العالمى ، كما نص على ذلك القانون الأساسى . إلا أنه باستعراض اللائحة الداخلية العامة للاخوان وباستعراض الملاحظات التى عنت . للباحث أثناء قيامه بعمل هذه الرسالة ، نستطيع أن نقدم المقترحات الاتية :
ا - فيما يتعلق بانتخاب أعضاء مجالس إدارة الشعب والمناطق والمكاتب الإدارية ، يحسن أن يعلن الإخوان عنها ، حتى تعلم الأوساط الشعبية المحيطة أن النظم الإخوانية تسير على الطريقة الشورية الانتخابية ، فتنتفي بذلك الدعاية الخاطئة التى تروج عنهم وتصفهم بالدكتاتورية أو الفاشية والنازية ، مما ينفر من يقدسون حرية الرأى من تشكيلات الجماعة . ولا مانع من أن يشهدها جمع كبير من الناس من أهل الحى من غير الإخوان ، فتكون عملية الانتخاب فى هذه الحالة عملية تعليمية لهذه المجموعة ، تعلمهم طريقة الانتخاب الصحيح ، فضلا عما سيكون فيه من استشارة لهذه المجموعة للانضمام إلى الجماعة ، ليكون لها بالتالى حق التصويت جريا وراء إشباع غريزة حب الاستطلاع ، وهنا يأتى دور الإخوان بتربيتهم وصقلهم دينيا واجتماعيا . . . فإذا بهم من الإخوان المسلمين .
2 - يلاحظ أن اللائحة الداخلية نصت فى رأس برنامج كل قسم من الأقسام الرئيسية بالمركز العام : أن من أغراض القسم " تنظيم نشر الدعوة " فى محيطه . والواجب أن يضطلع بهذه الناحية قسم نشر الدعوة فقط ، فهذه هى مهمة القسم الرئيسية . ويجب أن يتخصص لها ، إذ إن التخصص بالإضافة إلى أنه سبيل التقدم ، فإنه سوف يكون فى هذه الناحية بالذات مانعا من تضارب جهود الأقسام المختلفة بالمركز العام ، لاختلاف وسائلها فى نشر الدعوة والواجب على كل قسم أن يقتصر على العمل فى محيطه بما نصت عليه اللائحة ، وبما سنوضحه فيما بعد .
ويكون لقسم نشر الدعوة مندوب كفء فى كل قسم من هذه الأقسام .
وتقتصر مهمة الأقسام فى نشر الدعوة على معاونة مندوب قسم نشر الدعوة بكل الوسائل ، وتهيئة الفرصة المناسبة فى اجتماعات القسم لاستدعائه للقيام بمهمته ، وتكون هذه خطوة مهمة فى سبيل تنسيق الجهود التى تبذلها الأقسام بالمركز العام ، للحصول على أحسن النتائج بأقل مجهودات .
3 - فى سبيل تخفيف العبء عن قسم نشر الدعوة بما أضفناه فى الاقتراح السابق إلى برنامجه ، يجب حذف الفقرة " د " من المادة " 58 " من اللائحة من برنامج قسم نشر الدعوة ، والتى تنص على أن من أغراض القسم : " إعداد الإخوان بصفة عامة إعدادا إسلاميا من النواحى البدنية والروحية والعلمية ، عن طريق تنظيم المحاضرات والرسائل فى المواضيع التى يهم الأخ معرفتها ، وتوجيهم إلى قراءة الكتب النافعة التى تزيد من ثقافتهم الاسلامية ، وتبعث الروح الرياضية فى محيط الإخوان المسلمين ، ونشر الألعاب الرياضية المناسبة لتقوية أبدانهم وتحسين صحتهم " .
وهذه الفقرة برمتها تحمل قسم نشر الدعوة عبئا ثقيلا ، فضلا عن كونها لا يجب أن تدخل فى اختصاصه ، فإعداد الإخوان من الناحية البدنية ، يجب أن يوكل إلى قسمى التربية البدنية والجوالة فقط ، وإعداد الإخوان من الناحية الروحية ، يجب أن يقتصر على قسم الأسر فحسب ، أما إعداد الإخوان من الناحية العلمية ، فيشترك فيه كل من قسم الأسر المشرف على المكتبات ، وقسم المهن بما فيه من أساتذة متخصصين فى كل علم وفن ، وقسم الطلبة .
كما يجب تقسيم العمل بحيث يقتصر قسم نشر الدعوة على العمل فى نشر الدعوة والدعاية لها فى الأوساط الخارجية عن الإخوان ، بالإضافة إلى المهام الأخرى التى نصت عليها اللائحة .
على أن يقتصر قسم الأسر على تأكيد معانى الدعوة فى صفوف الإخوان ، وتركيزها فى نفوسهم . ويتمشى هذا مع المنطق السليم فى أن يستمد كل قسم وظيفته من اسمه ، ولايطغى على الأقسام الأخرى .
4 - الاستعانة بوسائل الخدمة الاجتماعية الحديثة ، فميدان الخدمة الاجتماعية هو أقرب الميادين الإصلاحية إلى الإخوان فى غايته ، ومن ثم كانت وسائله أيضا يمكن أن ينتفع بها الإخوان ولا بد وأن يكون فى الإخوان مجموعة من الأخصائيين الاجتماعيين يمكن الاستعانة بهم فى تنظيم الأقسام الختلفة ، وخاصة قسم البر والخدمة الاجتماعية ، وهو ميدان من الميادين الأصلية للخدمة الاجتماعية . ولو تم هذا لاستطاع القسم المذكور أن يؤدى خدمات جليلة الأثر للمجتمع المصرى ، فيكون بالتالى اكبر دعاية للهيئة عاملا على نشر نفوذها .
ولم نشر لهذا القسم فى التنظيمات الإدارية للاخوان ، لأنه قسم مستقل بإدارته عن هيئة الإخوان المسلمين ، ويخضع لإشراف وزارة الشئون الاجتماعية ، ولقانون الجمعيات الخيرية ، ويرأسه الوكيل العام لأقسام البر والخدمة الاجتماعية ، ويخضع لإشراف المرشد العام مبا شرة .
5 - يستطيع قسم المهن بالمركز العام أن يؤدى الخدمات الأتية بالإضافة إلى ما يقوم به حاليا :
أ- فرع الاجتماعين : يستطيع أن يقوم بفتح عيادة اجتماعية لعمل استشارات للاخوان قبل الزواج ، ولحل المشاكل الزوجية ومشاكل تربية الأطفال ، وسائر المشاكل الاجتماعية ، على أسس علمية بحتة ، ولا مانع أن تكون الاستشارات نظير أجر يدفع للفرع فتتجمع منه حصيلة لإنشاء عيادة سيكولوجية فيما بعد ، يتعاون على العمل فيها فرع الأطباء وفرع الاجتماعيين . ويقينى أن مثل هذا العمل سوف يؤدى للاخوان أجل الخدمات ، ولن يكون هنإك تعارض بالمرة بين فرع الاجتماعيين ، وقسم البر والخدمة الاجتماعية ، إذ إن عمل الفرع فى هذا الميدان سوف تقتصر خدماته على الإخوان فقط أولا ، تاركا العمل فى الميدان الاجتماعى العام لقسم البر والخدمة الاجتماعية .
ب - فرع المعلمين : يجب أن يقوم هذا الفرع بالإضافة إلى برنامجه الحالى ، بإعداد مدرسة لتخرج مدرسين لمدارس الجمعة يعدون إعدادا مهنيا تربويا ، يمكنهم من الاضطلاع بتربية الناشئة على أسس تربوية سليمة ، بدلا من ترك الإشراف على مدارس الجمعة إلى كل من عنده وقت من الإخوان ، أو عنده مجرد رغبة فى العمل ، بدون أن يكون معدا الإعداد الكافى للقيام بمهمة توجيه النشء ، وفى هذا من الخطورة ما فيه .
ج - فرع الاقتصاديين : يستطيع أن يفتتح مكتبا للمحاسبة فى إدارة القسم ، يقوم بعمل الحسابات السنوية للمؤسسات والشركات الإخوانية وسائر المؤسسات الاسلامية التى تخص الإخوان بثقتها وهى كثيرة ، ويستطيع هذا المكتب أن يؤدى خدمات كثيرة ، وأن يكون بابا من أبواب الإيراد للاخوان الاقتصاديين ، ولقسم المهن ، والمركز العام على حد سواء .
د - فرع الزراعيين : يستطيع أن يبدأ العمل فى المزارع النموذجية التى تسير على الطرق العلمية الحديثة ، ويستطيع عن طريق هذه المزارع أن يقنع الفلاحين بالوسائل الحديثة فى الزراعة ، ولا شك أن الإخوان هم أقدر الناس على التأثير فى أفكار الشعب واتجاهاته ، لأنهم ليسوا غرباء عنه ، ولو نجحت هذه المزارع يقوم القسم بالتالى بعمل صناعات زراعية ، من مستخرجات الألبان وخلافه ، ويكون سبيلا لنهضة اقتصادية ضخمة ، وعمل انقلاب كبير فى الاقتصاد الزراعى ، ويكون عاملا من أكثر عوامل رفع مستوى المعيشة . وزيادة الدخل القومى ، وجدير بالذكر أن الفرع يجب أن يتجه فى سبيل ذلك اتجاها عمليا ، فليس أبلغ فى الإقناع من المثل العملية وخاصة لأهل الريف .
6 - الإحصاءات : أهمل الإخوان الناحية الإحصائية فى أول أمرهم ، وربما كانوا فى ذلك متعمدين ، لكثرة احتكاكهم بالحكومات السابقة ، التى كانت تحمل تسجيلاتهم ما لا تتحمل من المعانى ، وربما كان ذلك أيضا لانشغال الإخوان بالعمل للدعوة فقط دون التسجيل لهذه الأعمال التى تأتى فى المرتبة الثانية من الأهمية بالنسبة لنشر الدعوة . إلا أن الإحصاءات يمكن أن تؤدى فئ حد ذاتها خدمة جليلة فى الدعاية للهيئة . وخاصة بعد أن أصبح المنطق المادى هو المسيطر على الأفهام ، وبعد أن أصبحت لغة الأرقام هى أبلغ لغة فى الحديث والدلالة على قوة الرأى أو المبدأ ، والهيئة تقدم خدمات كثيرة فعلا للشعب ، ولكنه لايحس بها لأن الإخوان يهملون إحصاءها وعرضها على الشعب ، فتضيع ثمارها الكاملة التى لا كمال لها إلا بأن تكون هى فى حد ذاتها دعاية لنفسها بنفسها . ولن يكون ذلك إلا عن طريق الإحصاءات .
وبغيرها تضيع هذه الخدمات وتذوب فى محيط المجتمع المصرى ولا يحس بها أحد .
وقد أنشأ الإخوان أخيرا لجنة للإحصاء بالمركز العام ، وبدأت عملها فعلا إلا أنها لا تزال قاصرة عن أداء المطلوب منها لعدم كفاية الأيدى العاملة بها .
7 - وجوب تفرغ كبار المسئولين بالمركز العام للعمل للدعوة فقط . فالمرشد العام ، والوكيل العام ، والسكرتير العام ، يجب أن يكونوا جيعا متفرغين تفرغا كاملا للدعوة فقط . دون انشغال بأى عمل اخر . ويجب على الهيئة أن توفر لكل هؤلاء ما يكفل لهم حياة كريمة مناسبة ليتفرغوا لها ، فقد ان الأوان لأن يكون كل هؤلاء المتفرغين . وإن كان المرشد العام متفرغا حاليا ، فيجب أيضا أن يكون كل من الوكيل العام والسكرتير العام ، متفرغا كذلك . وعلى الهيئة أن تخص لكل منهم ما يكفيه ، حتى يستطيعوا أن يضطلعوا اضطلاعا كاملا بالأعباء الضخمة الملقاة على عواتقهم .
8 - عدم كفاية الأيدى العاملة بالمركز العام ، فالمركز العام لهذه الهيئة الكبيرة لا زال جل اعتماده على المتطوعين ، والذين يستقطعون من وقتهم ساعات قليلة من ساعات راحتهم آخر النهار ، وهذا بالطبع لا يمكن أن يستقيم معه عمل ضخم كذلك الذى يقوم به بالمركز العام .
9 - عدم كفاية وسائل الاتصال بالشعب . وقد اقتصر الإخوان فى وسائل الاتصال على الصحف والمؤتمرات . وقد عجزت صحافة الإخوان على القيام بهذا الدور الكبير الذى لا بد منه لكل فكرة ودعوة تريد أن تزحف على المجتمع المصرى كله ، بل المجتمعات الاسلامية بأسرها . ومن وسائل الانصال : الصحف ، والنشرات ، والإذاعة ، والمؤتمرات ، والتمثيل ، والسينما ، والإعلان بشتى الطرق . ويجب على الإخوان أن يولوا هذا الجانب كثيرا من اهتمامهم ، وعلى قسم نشر الدعوة بالذات أن يفكر فى ذلك ، فهذا دوره الرئيسى ، وميدان عمله الأصلى . وعلى الأقسام الأخرى أن توافيه بالبيانات والإحصاء ات الكافية عن أنواع نشاطها .
10 - عدم العناية بالناحية الترويحية : فالترويح له أهميته الكبرى فى الصقل الاجتماعى للأفراد ، وتخليصهم من مشاكل العزلة والانطواء ، وتعويدهم الحياة الاجتماعية . وقد تنبه الإخوان أخيرا لهذه الناحية فأقاموا معسكرات الشواطىء ، الا أنها لا تزال غير كافية ، كما أنه يجب إعطاء الترويح جانبا من النشاط فى المعسكرات الإخوانية ، لأنها فى الواقع معسكرات تربوية صرفة ، فيجب الاهتمام بهذه الناحية التى هى من اكبر عوامل الصحة النفسية للاخوان المسلمين .
11 - الاستعانة بالكفاءات الخارجية : لا شك أن الإخوان قد مثلت فيهم جميع طبقات الأمة والوانها العلمية والمهنية المختلفة أصدق تمثيل ، غير أن الكفاءات الموجودة من هذه الأنواع جميعا والتى تربت فى أحضان الدعوة ، لا تزال قاصرة عن أن تقوم بالعبء الضخم الذى يستلزم القيام به فى مثل هذه الهيئة الكبيرة ، ولا بأس من الاستعانة ببعض الكفاءات المسلمة ، ممن لا تتوفر فيهم جميع الشروط الإخوانية ، والانتفاع بهم نظير عضوية شرفية ، أو نظير أجر إذا لزم الأمر ، وإن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر .
12- ضرورة جمع كل ما كتبه الأستاذ " البنا " فئ مجلد واحد ، وعدم الإكتفاء بالرسائل الصغيرة المتفرقة الموجودة حاليا ، ليسهل على الباحث مهمة الاطلاع ، بدل البحث عن رسائل متعددة يصعب الحصول عليها جميعا لنفاد بعضها حال صدوره ، وتعذر الحصول عليها ، وهذه تسهل مهنة الكتابة عن الرجل ودعوته على السواء .
13 - ضرورة توفر أحد كبار الإخوان المعاصرين للدعوة من أول نشأتها على كفاية تاريخ مفصل لها ، فقد أمل الإخوان هذه الناحية إهمالا بالغا مع أهميتها الكبيرة . وقد لقى الباحث عناء كبيرفى كتابة تاريخ الدعوة ، وأضعت شهورا أبحث عن مذكرات الأستاذ " البنا " لأنها لم تبع فى مصر ، بل طبعت فى سوريا ، ولم يصل منها إلى مصر إلا أعداد معدودة ، ولا شك أن هذا تقصير يستوجب العلاج السريع .
تمت الرسالة بحمد الله تعالى
المراجع
الباب الأول
الفصل الأول - تاريخ الحركة
1- الإمام - الجزء الأول ، أحمدأنس الحجاجى ، صفحة 80- 90 فصل فى إمامة حسن البنا .
2- مذكرات حسن البنا ، صفحة 7 .
3- الرسائل الثلاث - دعوتنا ، صفحة 10 .
4- مذكرات حسن البنا صفحة 6 .
5- مذكرات حسن البنا صفحة 8 و 9 والإخوان المسلمون كبرى الحركات الاسلامية الحديثة للدكتوراسحق موسى الحسينى صفحة 07
6- مذكرات حسن البنا ، صفحة 17 و 18 والإخوان المسلمون كبرى الحركات الاسلامية الحديثة للدكتور إسحق موس الحسينى صفحة 8 .
7- مذكرات حسن البنا ، . صفحة 51.
8- مذكرات حسن البنا ، صفحة 52و 53والإخوان كبرى الحركات ، صفحة 16 .
9 - مذكرات حسن البنا صفحة 56و 57.
10 - مذكرات حسن البنا صفحه 62 و 63 .
11 - الامام و 84 لجزء الأول ، أحمد أنس الحجاجي ، صفحة83 و 84 .
12- مذكرات حسن البنا صفحه 68 و 69 .
13 - الإخوان كبرى الحركات صفحة 17 مذكرات حسن البنا صفحة 70.
14 - مذكرات حسن البنا صفحه 73 .
15- مذكرات حسن البنا صفحة 74 و75 .
16 - مذكرات حسن البنا صفحة 88 و 89 .
17 - الإخوان كبرى الحركات صفحة 20 ، حسن البنا حياة رجل وتاريخ فدرسة ، لأنور الجندى صفحة 127 .
18 - الإخوان كبرى الحركات صفحة 20 .
19 - الإخوان كبرى الحركات صفحة 20
20- روح وريحان - أحمد أنس الحجاجى - صفحة 250 .
21 - عطارد ، العدد الثانى يناير سنة 1953 صفحة 23 .
22 - الإخوان كبرى الحركات صفحة 23 .
23 - الرسائل الثلاث ، نحو النور صفحة 113 .
24 - رسالة المؤتمر الخامس صفحة 14 و15 و 16 .
25 - الإخوان كبرى الحركات صفحه 26 .
26 - المصدر نفسه صفحة 27 .
27 - المصدر نفسه صفحة 38 .
28 - المصدر نفسه صفحة 30 .
29 - المصدر نفسه صفحة 31 .
30 - المصدر نفسه صفحة 33 ..
31- المصدر نفسه صفحة 34 و35 .
32 - بين الأمس واليوم صفحة 28 و 9 2 .
33 - الأهرام عدد يوم 8 / 1 1 / 9 4 9 1 والإمام ، لأحمد أنس الحجاجى الجزء الأول صفحة 38 .
34 - جريدة المصور الأسبوعية عددها بتاريخ 6 1 / 1 / 953 1 .
35 - الإمام الجزء الأول - لأحمد أنس الحجاجى صفحة 63 و 64.
36 - الإمام - لأحمد أنس الحجاجي : صفحة 112 و 113 وقد نشرهذا الحديث فى جريدة المصرى فى 2 أكتوبر سنة 1949.
37 - الإ خوان كبرى الحركات - الدكتور إسحق موسى الحسينى صفحة 37 . 38 - الأهرام عدد يوم 3 1 فبراير سنة35 9 1
الفصل الثانى
فلسفة الإخوان ومبادئهم
39- نظام الأسر ورسالة التعاليم للأستاذ البنا صفحة 34 .
40 - الرسائل الثلاث ، إلى أى شئ ندعو الناس للأستاذ البنا صفحة 59.
41- الرسائل الثلاث - إلى اى شئ ندعو الناس صفحة 61 .
42 - الإخوان المسلمون تحت راية القرآن للأستاذ البنا صفحة 13 .
43- الإخوان المسلمون فى ميزان الحق ، تأليف أنور الجندى صفحة 4 مقال للأستاذ البنا .
44 - نظام الأسر ورسالة التعاليم للأستاذ البنا صفحة 10 .
45 - نظام الأسر ورسالة التعاليم للأستاذ البنا صفحة 34 .
46 - الرسائل الثلاث ، دعوتنا - صفحة 13 .
47 - رسالة المؤتمر الخامس للأستاذ البنا صفحة 10 .
48 - الرسائل الثلاث ، دعوتنا - صفحة 9 .
49 - مذكرأت حسن البنا صفحة 21 .
50- قائد الدعوة أو حسن البنا ، حياة رجل وتاريخ مدرسة لأنور الجندى صفحة 88 .
51 - دعوتنا فى طور جديد للأستاذ البنا صفحة 7 - 9 .
52- مذكرات فى علم الاجتماع - الدكتور صلاح العبد .
53- الرسائل الثلاث ، دعوتنا - صفحة 26 .
54 - الرسائل الثلاث ، دعوتنا - صفحة 28 .
55- الرسائل الثلاث ، دعوتنا - صفحة 30 .
56 - قانون النظام الأساسى لهيئة الإخوان المسلمين العامة - الباب الثانى مادة 2 صفحة 2 .
57- مشكلاتنا فى ضوء النظام الاسلامى للأستاذ البنا صفحة 83 و 87 .
58- مشكلاتنا فى ضوء النظام الاسلامى للأستاذ البنا صفحة 89 .
59 - مشكلاتنا فى ضوء النظام الاسلامى للأستاذ البنا صفحة 92 و 93 .
60 - قانون النظام الأساسى للاخوان صفحة 2 مادة 2 فقرة جـ .
61- من هنا نعلم - محمد الغزالى - صفحة 139 .
62- تقرير عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية - مريت غالى صفحة 39 .
63- مشكلة تنمية الاقتصاد القومى - هنرى مونيه ، ترجمة مريت غالى صفحة 38 .
64- مذكرات ومحاضرات فى مشكلات مصر الاقتصادية للدكتور سعيد النجار . 65- مشكلة تنمية الاقتصاد
القومى - هنرى مونيه – ترجمة مريت غالى صفحة 81 .
66 - بين الأمس واليوم للأستاذ البنا صفحة 4 ، 6 .
67- بين الأمس واليوم للأستاذ البنا صفحة 7 .
68- دعوتنا فى طور جديد- للأستاذ البنا صفحة 21 - 23 .
69- الإخوان المسلمون تحت راية القرآن - للأستاذ البنا صفحة15 .
70 - الرسائل الثلاث ، نحو النور للأستاذ البنا صفحة105 .
71 - دستورنا ، بقلم المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي صفحة10 .
72- الرسائل الثلاث ، دعوتنا - للأستاذ البنا صفحة 18 .
73- دعوتنا فى طور جديد - للأستاذ البنا صفحة 12 .
74- الرسائل الثلآث ، دعوتتا - للأستاذ البنا صفحة 23 .
75- دعوتنا فى طور جديد - للأستاذ البنا صفحة 13 .
76 - دعوتنا فى طورجديد - للأستاذ البنا صفحة 14 .
77- دعوتنا فى طور جديد - للأستاذ البنا صفحة15 .
78- الإخوان المسلمون فى ميزان الحق - أنور الجندى - من مقال للأستاذ البنا صفحة 4 .
79- قانون النظام الأساسى لهيئة الإخوان - الباب الثانى - مادة 2 حرف ز .
الدين والسياسة
80- العدالة الاجتماعية فى الاسلام - سيد قطب – صفحة 7 .
81- العدالة الاجتماعية فى الاسلام - سيد قطب - صفحة 9 .
82 –المال والحكم فى الاسلام - عبد القادر عودة – صفحة 61 .
83- دستورنا بغلم المرشد العام الأستاذ الهضيبي صفحة5و 6 .
84- المال والحكم فى الاسلام - عبد القادر عودة - صفحة 61.
85 - الاسلام سياسة وحكم - الأستاذ البنا صفحة 9 .
86- السياسة الشرعية فى إصلاح الراعى والرعية ، لتقى الدين ابن تيمية صفحة 14 و15.
87 - مذكرات فى العلوم السياسية - الدكتور عبد الله العريان .
88 - مشكلاتنا فى ضوء النظام الاسلامى- للأستاذ البنا صفحة 54.
89 - مشكلاتنا فى ضوء النظام الاسلامى - للأستاذ البنا صفحة 54 .
90- هذا هو الاسلام - محمد عبد القادر العماوى صفحة 99.
91 - السياسة الشرجمة فى إصلاح الراعى والرعية - لتقى الدين ابن تيمية . صفحة 16 .
92- مشكلاتنا فى ضوء النظام الاسلامى - للأستاذ البنا - صفحة 40 .
93- العدالة الاجتماعية فى الاسلام - سيد قطب - صفحة95.
94 - من هنا نعلم - محمد الغزالى - صفحة 39 .
95 - السلام العالمى والاسلام - سيد قطب - صفحة 181 .
الاسلام كنظام اجتماعي
96 - مجلة المسلمون - العدد الأول - السنة الاولى - صفحة 2 97.
97- جريدة الأهرام فى5 1 /53/3 9 1 مقال للأستاذ على على منصور.
98 - جريدة الإخوان المسلمين اليومية بتاريخ 20/5/1948 مقال للأستاذ البنا تحت عنوان معركة المصحف ، دستورنا صفحة 10 بقلم المرشد العام الأستاذ الهضيبي .
99 - دستورنا- بقلم المرشد العام الأستاذ الهضيبي صفحة 9 و 11
0 0 1 - الرسائل الثلاث ، نحوالنورللأستاذالبناصفحة 1 9 و 93 ، 6 9 .
101 - الوسائل الثلاث ، نحو النور للأستاذ البنا صفحة 100 و 101 .
102 - مجلة الامانة - العدد الثانى صفحة 33 مقال للأستاذ البنا.
103 - العدالة الاجتماعية فى الاسلام - سيد قطب صفحة 62 و 68 .
104 - الخدمة الاجتماعية - تطورها وفلسفتها - السيدة زاهية مرزوق - يحيى درويش .
105 - مشكلاتنا فى ضوء النظام الاسلامى للأستاذ البنا صفحة 77 و 79
106 - الاسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه - عبد القادر عودة صفحة25 107 - الاسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه - عبد القادر عودة صفحة 61 و 62
108 - السلام العالى والاسلام - سيد قطب - صفحة95
109 - مذكرات فى العلوم السياسية - للدكتور عبد الله العريان
110 - دستورنا - بقلم المرشد العام الاستاذ الهضيبي صفحة 8
111 - السلام العالمى والاسلام - سيد قطب صفحة 99
112 - السلام العالمى والاسلام - سيد قطب صفحة 96
113 - مشكلاتنا فى ضوء النظام الاسلامى - للأستاذ البنا صفحة
114 - السلام العالمى والاسلام - سيد قطب صفحة 1461 و 150
115 - السلام العالى والاسلام - سيد قطب صفحة 177
116 - مجلة المسلمون العدد الأول ديسمبر سنة 1951 صفحة 40
الفصل الثالث
التنظيم الادارى للهيئة - التمويل
رسمت لوحتى التنظيم الإدارى والهرم الإدارى من واقع قانون النظام السياسى واللائحة الداخلية العامة للاخوان المسلمين ما عدا منصب نائب المرشد العام ، فقد كان بقرار من المرشد العام ومكتب الارشاد ، ولم يرد ذكره فى القانون أو اللائحة ، وأغلب الظن أنه منصب مؤقت آملته ظروف خاصة .
117 - قانون النظام الأساسى لهيئة الإخوان المسلمين العامة - مادة 45.
118 - قانون النظام الأساسى لهيئة الإخوان المسلمين مادة 35 و 36 .
119 - قانون النظام الأساسى لهيئة الإخوان المسلمين العامة - مادة 19 و 24 .
120 - اللائحة الداخلية العامة للاخوان المسلمين المادة 29
121 - اللائحة الداخلية العامة للاخوان المسلمين المادة 25
122 - اللائحة الداخلية العامة للاخوان المسلمين المادة 11
123 - اللائحة الداخلية العامة للاخوان المسلمين المادة 7
124 - قانون النظام الأساسى لهيئة الإخوان المسلمين العامة مادة 6
125 - اللائحة الداخلية العامة للاخوان المسلمين المادة 92
الفصل الأول
الخدمات الاجتماعية
126 - قانون النظام الأساسى لهيئة الإخوان المسلمين العامة مادة 2 حرف د .127 - الإخوان المسلمون كبرى الحركات الحديثة للدكتور إسحق موسى الحسينى ، صفحة 86 .
128 - مشروع مكتب المساعدات الاجتماعية لرعاية الأسر الفقيرة صفحة 3 و5و 7 صادر عن المركز العام للاخوان المسلمين .
129 - ملحق العدد الممتاز لجريدة الإخوان المسلمين بمناسبة مرور عشرين سنة على تأسيس دعوة الإخوان المسلمين صفحة 4 .
130 - لا ئحة قسم العمال والفلاحين للاخوان المسلمين مادة (ا) من 3- 10 . 131 - لا ئحة قسم المهن للاخوان المسلمين مادة (ا) بند جـ ــ ومادة (2) بند : ب : جـ . 132 - عن منهاج فرع الزراعيين بقسم المهن بالمركز العام للاخوان المسلمين ( من ورقتين ) .
132-عن منهاج فرع الزراعيين بقسم المهن بالمركز العام للاخوان المسلمين ( من ورقتين ) .
133 - عن منهاج فرع الاجتماعيين بقسم المهن بالمركز العام للاخوان ( من ثلاث ورقات ) .
134 - اللائحة الداخلية العامة للاخوان المسلمين المادة 70 صفحة 28 . 135 - نظام الأسر ورسالة التعاليم للاستاذ البنا صفحة 26 . والرسالة الأولى لقسم الأسر بالمركز العام وعنوانها نظام الأسر نشأته وأهدافه صفحة 21 - 23 .
136 - قانون الجمعية التعاونية المصرية للتوفير والتسليف لبناء المساكن بمصر القديمة صفحة 2 .
137 - ملحق العدد الممتاز لجريدة الإخوان المسلمين بمناسبة مرور عشرين سنة للاخوان صفحة 23 .
138 - تقرير عن النشاط الرياض للأستاذ صالح غانم بإدارة القسم الرياضى بالمركزالعام للاخوان .
139- تقرير عن النشاط الكشفى للأستاذ عبد الغنى عابدين السكرتير العام المساعد لجمعية الكشافة المصرية ووكيل عام جوالة الإخوان .
140 - لا ئحة اللجنة العامة للشئون السياسية للاخوان المسلي (ثالثا).
141 - الإخوان المسلمون فى حرب فلسطين - كامل إسماعيل الشريف صفحة 189 و 173 .
الفصل الثانى
الخدمات الثقافية
142 - نظام الأسر ورسالة التعاليم - للأستاذ البنا صفحة 6
143 - نظام الأسر ورسالة التعاليم - للأستاذ البنا صفحة ه
144 - الرسالة الأولى لقسم الأخوات المسلمات صفحة 20
145 - مذكرة تفصيلية عن منهاج مدارس الجمعة للاخوان المسلمين صفحة 3
146 - اللائحة الداخلية العامة للاخوان المسلمين المادة 58 صفحة 22 و 23
147 - الإخوان المسلمون - كبرى الحركات الاسلامية الحديثة للدكتور إسحق موس الحسينى صفحة 84 و85
148 - قانون مدارس الإخوان المسلمين بالإسكندرية صفحة 25 و 6 المواد 2 - 6
149 - ملحق العدد الممتاز لجريدة الإخوان المسلمين بمناسبة مرور عشرين سنة،صفحة25
150 - اللائحة العامة لقسم المهن بالمركز العام للاخوان المسلمين مادة (2) حرف د
الفصل الثالث
الأخوات المسلمات
151 - ملحق العدد الممتاز لجريدة الإخوان المسلمين بمناسبة عشرين عامأ على تأسيس الإخوان صفحة 28 والرسالة الأولى للأخوات المسلمات صفحة25 و 26
152 - من تقرير عن نشاط الأخوات المسلمات عامة ، للسيدة الفاضلة وكيلة الاخوات المسلمات
153 – مع المرأة المسلمة - أحمد أنس الحجاجى
4 5 1 - الرسالة ألأولى للأخوات المسلمات صفحة 7 2 و 28
155 - ملحق العدد الممتاز للجريدة اليومية بمناسبة مرور عشرين عاما صفحة 28
الفصل الرابع
الخدمات الاقتصادية
156 - قانون النظام الأساسى لهيئة الإخوان المسلمين العامة مادة 2 حرف ب
157 - نظام الأسر ورسالة التعاليم - للأستاذ البنا صفحة 19
158 - نظام الأسر ورسالة التعاليم - للأستاذ البنا صفحة 20
الفصل الخامس
الخدمات الصحية
159 - لا ئحة القسم الطبى العامة المادة 2 و 3
160 - ملحق العدد الممتاز لجريدة الإخون المسلمين بمناسبة مرور عشرين عاما صفحة 24 .