الإخوان المسلمون وأمانى الشعب اليمانى
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب الجلالة الإمام أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين يحيى بن حميد الدين أيده الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأصدق التحيات أرفعها إلى المقام الكريم مشفوعة بأطيب التمنيات، سائلا الله -تبارك وتعالى- أن يديم لجلالتكم التأييد والتوفيق، وأن يكتب لليمن العزيز فى ظل عرشكم المجيد كل ما يصبو إليه من عزة ونهضة وإسعاد آمين.
وبعد: فليست هذه بأول مرة أتشرف فيها بالكتابة إلى المقام الكريم أو أسعد فيها بتلقى ما يرد منه، وذلك ما يشجعنى على التقدم إلى جلالتكم منتهزا فرصة عودة السيد الأجل القاضى محمد بن عبد الله العمرى لأحمله إلى المخيم المنصور هذه الرسالة، وأنا مملوء بالأمل والثقة بأن هذه الآراء المتواضعة المخلصة ستلقى من لدنكم كل رعاية وتنفيذ وتحقيق إن شاء الله.
يا صاحب الجلالة:
لقد حملتم عبء النهوض بهذا الشعب وحدكم طوال هذه السنين منذ جاهدتم فى سبيل حريته إلى هذا اليوم. والآن، وقد تكاثرت التبعات، واتسعت حاجات الأمم، وتشابكت المصالح الدولية، واشرأبت أعناق الاستعمار إلى كل جزء فى الأرض، وغمرت موجة الأفكار التنظيمية الجديدة كل مكان، لم يعد بدٌّ من أن تقوم فى اليمن حكومة إسلامية مسئولة ذات اختصاصات وسلطات واضحة موزعة، يسندها ويمدها ويؤازرها مجلس شورى يمثل طبقات الشعب ويشعر بمطالبه وحاجاته، ويستلهم الجميع من مقام الإمامة الكريم أفضل التوجيهات وأسمى الإرشادات، ويحملون عنه عبء التبعات التنفيذية والمشاكل الإدارية والسياسة فى الداخل والخارج،
ويكونون هم المسئولين عن ذلك أمامه وأمام الأمة وأمام العالم وأمام الله أولا وآخرا، فى حدود دستور مستمد من كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسول الله (ص) من الأئمة الهداة الراشدين المرضيين ومن تعاليم الإسلام الحنيف وأحكامه المطهرة، ولن ينتقص ذلك شيئا من حقوق الإمامة وسلطانها الشرعى، فلها الرأى الأعلى وعليها التبعة الكبرى، وكلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته، ولكنه تنظيم نافع تحدد به الاختصاصات، وتستغل به الكفايات، ويرتفع معه شعور الأمة بحريتها الداخلية وكرامتها الإنسانية.
وأمر ثان -يا صاحب الجلالة- هو أنه من المعلوم أن البلاد فى أول نهضتها تحتاج دائما إلى كثير من الإصلاحات الداخلية الواسعة النطاق التى تتناول كل مقومات الأمة ومرافق حياتها بالتعهد والتنظيم والتعمير والتجديد.
ولقد كان حرص جلالتكم على سلامة عقيدة الأمة اليمنية وصيانة تقاليدها الإسلامية واستقلالها يحمل دائما على الحذر الشديد من التعجل بمطالب هذا الإصلاح الذى لابد فيه من الخبراء الأجانب والاستعانة بالدول الغربية أو إرسال البعوث إليها، وفى ذلك ما فيه من خطر على الكيان الداخلى والاستقلال الخارجى.
ولكننا اليوم نحمد الله تمام الحمد، على أن وفق البلاد العربية إلى النهوض فى نبوغ وسبق فى كثير من مرافق الحياة العملية والعلمية، وامتياز فى مضمار التقدم الاقتصادى والثقافى، يجعلها كفيلة بإمداد اليمن بما تريده من الخبراء فى كل فن بمجرد الإشارة من مولانا الإمام أيده الله.
واستخيروا الله تبارك وتعالى فى ذلك واعزموا، ولن يكون إلا الخير إن شاء الله.
بقى أن أتقدم إلى جلالتكم مستأذنا فى شأن أبنائكم فى المهجر الذين دفعتهم الغيرة وحب الخير للدولة والأمة والملة، فتنادوا بالمطالب الإصلاحية، ودعوا إلى الأخذ بأسباب التقدم العمرانى، ترفعهم حماسة الشباب إلى شىء من التطرف الذى قد يصل إلى حد التهور أحيانا مع حسن القصد وبراءة الغاية، فالأمل ألا تضيق بهم ساحة فضلكم... وإن آفاق بركم وعطفكم الإمامى الأبوى لأرحب وأوسع من أن يحرم ظلها أحد المسلمين، فضلا عن رعاياكم من أبنائكم اليمانيين، وفى مقدمتهم "السيف إبراهيم" الذى له من شرف محتده وكريم نشأته وبركات والده ما يجعله أهلا لاستحقاق رضاكم السامى واستعادة عطفكم الأبوى الرحيم...
وفى الختام أسأل لمولانا الإمام موفور الصحة وتمام العافية، وأن يشد الله ملكه ويزيده ويؤيد به أمم العروبة ودول الإسلام، كما أرجو أن يكون مشروع الشركة اليمانية ببركة رضاكم عنه وتأييدكم إياه قد تجاوز العقبات وخطا إلى الأمام..
وإلى مقامكم يا صاحب الجلالة الولاء الخالص وأطيب التحية والسلام.
القاهرة فى 16 ذى الحجة 1366.
المصدر : جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (561)، السنة الثانية، 17 ربيع الثانى 1367ه- 27 فبراير 1948م، ص(2).