بين الإمامين العربيين
بقلم / الإمام حسن البنا
تمنينا أن تتوفر الرغبة عند الإمامين العربيين فى السلم والوفاق بالطريقة الودية، وأن ينهض المسلمون لأداء ما فرضه الله عليهم من إصلاح ذات البين، ونقول ما فرضه الله عليهم؛ لأن القرآن الكريم ناداهم بأوضح بيان: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الحجرات9-10]، ولأن النبى (ص) ناداهم هذا النداء فيما يروى عنه فى الصحيح ومعناه: "ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصوم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هى الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين".
ولقد كان الأسبوع الماضى حافلاً بالحوادث التى دلت على اهتمام العالم الإسلامى كله بإطفاء نار الحرب اهتمامًا شغل بال الجميع أفرادًا وهيئات ووحدانًا وجماعات، فقد اتصل المؤتمر الإسلامى بالعاهلين وبغيرهما من الهيئات الإسلامية، وأخذ يعد العدة لإرسال وفد من لدنه، وتحركت الهيئات الإسلامية والعربية فى مصر واتصلت هى الأخرى بالإمامين، وأخذت تعد العدة لإرسال الوفود التى تمثلها فى مكة المكرمة، وفاضت أنهار الجرائد والمجلات بسيل من البيانات والبرقيات. كل هذا جميل يدل على يقظة واهتمام بيد أنا نريد من ورائه عملاً جديًا وخطوة جريئة موفقة إن شاء الله تعالى.
هذا من حيث الشعور الإسلامى العام، أما من حيث شعور الإمامين الجليلين فقد أبرق الإمام يحيى إلى كثير من الهيئات برغبته فى المحافظة على السلام، وبأنه أرسل إلى مندوبيه فى أبها بالسفر إلى مكة للاتفاق مع جلالة الملك عبد العزيز، وهذا إذا تم خطوة سارة من غير شك تسهل على الوفود الإسلامية مهمتها فى التوفيق والإصلاح.
وجاءت خطبة الملك عبد العزيز فى وليمته السنوية التى يقيمها بمكة لحجاج بيت الله الحرام "والتى نشرناها فى غير هذا المكان" فياضة بالرغبة الأكيدة فى المحافظة على السلم، وتمنى الخير للعرب والمسلمين جميعًا، وقد بسط فيها أدوار الخلاف بسطًا وافيًا فى عبارة تفيض إخلاصًا وصراحة ووضوحًا. إن الملك عبد العزيز فى خطبته يقدر كل الأخطار التى تنجم عن الحرب ويود السلام من صميم قلبه، وهو فى الوقت نفسه لا يعبر عن جلالة ملك اليمن إلا بأخى، وبأنه يحب له ما يحب لنفسه، ويعتز كل الاعتزاز بالشيمة العربية، وبخلق الوفاء الذى اعتز به العرب وعرف عنهم قديمًا وحديثًا، وقد شرح موقفه فى نجران وأنه لا يرى مانعًا من أن تكون محايدة "كما أشرنا إلى ذلك فى افتتاحية العدد السابق"، وشرح كذلك موقفه فى عسير، وأدلى بالبيان الكافى الذى يبرئه من العدوان، وينفى عنه الملامة.
وقد أرسل الإمام يحيى إلى بعض الهيئات فى مصر برقية يشرح فيها موقفه هو الآخر "وقد نشرناها كذلك فى غير هذا المكان"، والمطلع عليها يرى الرغبة فى السلام متوفرة عند الإمام كذلك، وأنه يقدر أخطار الحرب تمام التقدير.
أمام هذا الموقف يجب أن يهتم المسلمون بتعرف الحقيقة، ويجب أن ينهض الوفد الإسلامى بمهمته فى أقرب وقت ممكن، حتى لا يتفاقم الخطر ويتسع الخرق، ولا نزال نناشد العاهلين الله والإسلام أن يحققا آمال العالم الإسلامى فيهما بإنهاء هذا الخلاف، وإمضاء المعاهدة التى تجعل منهما يدًا واحدة على من ناوأهما، ولأن يكسب أحدهما الآخر ويكسبا معًا عطف العالم الإسلامى ويجعلا من ذلك درعًا واقية لحدود بلادهما وتخوم ملكهما خير وأبقى.
المصدر : جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (35)، السنة الأولى، 27ذو الحجة 1352ه- 12أبريل 1934م، ص(1-2).