وطنية الإخوان والدفاع عن الوطن
مقدمة
بيع الوطن والتأمر عليه ضلال مبين وخيانة عظمى، أكبر مما تتحمله أي نفس لأن كل عمل مشين يمكن للمرء أن يجد مبررا لفاعله إلا خيانة الوطن لا مبرر لها، فالأوطان لا تباع إلا على أيدي الخونة والسفلة من أبنائها الذين باعوا شرفهم وما بقي من كرامتهم في سوق المصالح وفتات المال من أسيادهم.
وتُعدّ الجاسوسية مهنة من أقدم المهن التي مارسها الإنسان داخل مجتمعات البشرية المنظمة منذ فجر الخليقة، وعلى مر العصور ظهر ملايين من الجواسيس.
ومن أثمن الأشياء عند أهل الفطرة السليمة حب البلاد التي ولدوا فيها وعاشوا على ثراها، وأكلوا من خيرات الله - جلَّ وعلا - فيها. وإن هذه الحقيقة قد أقرتها شريعة الإسلام، وأحاطتها بحقوق وواجبات رعاية لمصالح الدين والدنيا معا؛ فقد اقترن حب البلاد والديار عند الإنسان بحب النفس، ولقد خاطب الرسول - صلى الله عليه وسلم – وطنه مكة وقت أن أخرجها أهلها منها بحزن وشوق فيقول: "ما أطيَبُكِ مِن بلدٍ، وما أحبُّكِ إلَيَّ، ولولا أن قومَكِ أخرَجُونِي مِنكِ ما سكَنتُ غيرَكِ" (رواه الترمذي).
ثرثرة عبيد الانقلاب
منذ أن تفاجأ العالم بثورات الربيع العربي وقد اتحدت جهود الغرب والشرق على إجهاض هذه الثورات التي زحفت نحو العديد من الدول العربية، وخشى منها زعماء خوفا على عروشهم، كما أنها أفزعت الكيان الصهيوني خشية أن يحاصرها دول الربيع العربي بشعوب وحكومات تكره إسرائيل وتعمل على طردها، ولذا رأينا جميع أجهزة المخابرات العالمية تتحد من أجل إجهاض هذه الثورات أو على الأقل التضييق عليها والسيطرة عليها وإلا فالانقلاب عليها كما حدث في مصر وسوريا واليمن وليبيا.
وبالفعل لم تمر أيام حتى بدأ مخطط الانقلاب على ثورة الشعب المصري، وكان عمود فقرها بعض قادة العسكر الذين التقت مصالحهم مع التوجهات العالمية تجاه ثورات الربيع العربي، وكان سيناريو استغفال الشعب وإشعال نار الفرقة بين شركاء الميدان حتى دب الصراع بينهم ودارت رحى الحرب فيما بينهم واستعرت البلاد بنيران فرقتهم كان قادة الجيش هم ملاذ كثي منهم خاصة العلمانيين والشيوعيين ضد كل ما هو إسلامي في صورة الإخوان المسلمين ورئيسهم.
ومنذ وقع انقلاب 3 يوليو 2013 م على الرئيس المصري المنتخب وقد أفسح المجال للجميع أن ينشروا أكاذيبهم في تضليل الرأى العام بأن الإخوان خونة الأوطان فقط لأنهم اعترضوا على ما وقع من إنقلاب، ولو كان الإخوان وافقوا على سياسة الانقلاب منذ اليوم الأول وحضر الدكتور الكتاتني بيان الإنقلاب لكان الوضع غير ذلك
وكان الإخوان في أحضان العسكر والدولة العميقة وأنصار الثورة المضادة، لكن لأنهم جابهوا واعترضوا على ما جرى فقد كيلت لهم اتهامات الخيانة، بدعوى أن القانون أقر ذلك، وما القانون إلا مطية في يدي الحاكم التنفيذي.
فوجدنا مثلا حلمي النمنم يجوب الفضائيات والصحف يفرغ سمومه وحقده دون أن يقدم دليل واحد إلا الكلام الرطراط، والادعاءات الجوفاء. ففي حلقة مع عزة مصطفى على قناة صدا البلد يوم 28 سبتمبر 2020م أخذ يكيل الاتهامات للإخوان مع تأييد المذيعة وأن خيانتهم منذ أيام عبد الناصر، وأنهم حاولوا هدم القناطر الخيرية وقتل أم كلثوم وعبدالحليم حافظ. (1)
بل أنه صرح مع حمدي رزق في برنامجه على صدا البلد يوم 9 يوليو 2020م بأن الخيانة جزء من تكوين جماعة الإخوان المسلمين، وأنها تأسست بإيعاز من بريطانيا لضرب الحركة الوطنية في مصر. (2) وإذا تتبعنا ما قيل وما كتب عن هذا الموضوع لوجدنا مواقع وصحف وإعلام مصر والسعودية والإمارات خاصة من أشد الدول التي حملت على هذا الأمر وتكراره بين الشعوب لتصويره على أنه حقيقة.
فكتب أيضا على صفحته بتويتر علي راشد النعيمي - عضو المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي - لم ارى مثل الإخوان خونة الاوطان من يتامر على وحدة خليجنا و يعمل على شق صفنا. ثم أفسح موقع البوابة نيوز لكتابة وغيرهم للكتابة حول خيانة الإخوان وعلى رأسهم رئيسهم محمد مرسي الذي تخابر مع حماس وقطر.
وهذا أحمد محمد الشحي يكتب في مجلة البيان الإماراتية:
- "الإخوان المسلمون" هم أعداء للأوطان، كما شهدت بذلك أفكارهم، وشهد به واقعهم وتاريخهم، وقد جاهروا بروح العداء للأوطان في مؤلفاتهم ومواقفهم، وقد قيل قديماً: "من فمك أدينك"، وظهرت هذه الروح العدائية بجلاء، إبان الثورات العربية، فجاهروا بإسقاط الحكومات، ومعاداة رجال الشرطة والجيش، وقاموا بالاعتصامات التخريبية.
وزيادة في جهله كتب الشحي:
- لقد دعا حسن البنا في رسائله، إلى ما سماه بوطنية المبادئ والعقائد، لا وطنية الحدود الجغرافية، وقال مفرقاً بين مفهوم الإخوان للوطنية ومفهوم غيرهم: "وجه الخلاف بيننا وبين دعاة الوطنية، أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية" .. ومن وسائل "الإخوان" لهدم الأوطان، الغلو في مفهوم الأمة الإسلامية على حساب الوطن القُطري. (3)
ولقد دخل على الخط كثير من مشايخ الأوقاف المصرية بل ووزير الأوقاف المصرية نفسه، يل لم يقتصر على كيل هذه الاتهامات وتسطيرها على ذلك بل شارك في ترويجها مفتى مصر شوقي علام، وأنشأ مرصد تابع للأوقاف للدفاع عن دولة السيسي واتهام الإخوان بالخيانة في كل مناسبة ومن غير مناسبة.
ولو أردت المزيد فما عليك إلا أن تكتب في محرك البحث العالمي (جوجل) وسيخرج لك آلاف المقالات التي كتبت من أجل ترويج هذا الاتهام سواء في مصر أو السعودية أو الإمارات.
والسؤال؟
- أين كانت هذه الأبواق الناعقة من هذه الاتهامات من قبل طيلة ما يزيد عن 40 سنة فترة حكم السادات ومبارك؟.
- لماذا لم يقدم إخواني واحد طيلة هذه الفترة بل فترة حكم عبد الناصر بل لو شئت فكل منذ نشأت الجماعة إلى القضاء بتهمة خيانة الوطن، حتى القضية الوحيدة التي اتهم فيها الإستعمار الإخوان بأنهم تعاونوا مع روميل والألمان أثناء الحرب العالمية الثانية لم يستطيعوا تقديم دليل مما دفع القضاء المصري بالحكم ببراءة الإخوان، فيما عرف بالقضية العسكرية العليا 883 لسنة 1942م قسم الجمرك. (4)
- لماذا لم تكتب صحيفة أو موقع او قناة عن خيانة الإخوان المسلمين؟
- كيف لخونة ومرتزقة وتاريخهم معروف منذ بداية دعوتهم أن يدخلوا البرلمان عقود طويلة، ويسيطروا على انتخابات النقابات المهنية، بل ويشكلوا الحكومة ويصبح منهم رئيس للجمهورية؟.
- إن كان الأب الروحى للجماعة الإرهابية حسن البنا، والذي قام بعمليات تجسس لصالح بلدان أجنبية، لماذا كرمه عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة وزاروا قبره في فبراير 1954م
ووصفهم جمال عبدالناصر بقوله:
- نعم أذكر فى هذا الوقت، وفى هذا المكان كيف كان حسن البنا يلتقى مع الجميع ليعمل الجميع فى سبيل المبادئ العالية، والأهداف السامية، لا فى سبيل الأشخاص ولا الأفراد ولا الدنيا، ثم قال فى نهاية كلمته: وأشهد الله أنى أعمل - إن كنت أعمل - لتنفيذ هذه المبادئ، وأفنى فيها وأجاهد فى سبيلها. (5)؟
- إن كان الإخوان خونة – كما زعم هؤلاء الثرثاريون أذناب الإنقلاب – لماذا تعاون معهم المجلس العسكري بعد ثورة يناير، وتعاون معهم كثير من الفئات والأحزاب السياسية، بل والدول الخليجية.
إنها فرية ما بعد الإنقلاب من أجل تشويه صورة الإخوان والتي لم يستطيعوا تقديم دليل واحد على ذلك، حتى أنهم حينما أرادوا أن يثبتوا لبريطانيا أن الإخوان خونة وجماعة عنف، قدموا وثائق جهاد الإخوان وحربهم ضد بريطانيا في القنال عام 1951م فكانت وبال على الانقلابين الذين لم يدركوا بأن هذه الوثائق وهذا الجهاد شرف يتمناه كل مصري أن يقاوم المحتل.
ورغم مرور ما يقرب من تسعين عاما على نشأة الجماعة إلا أنه لم يستطع أحد إثبات تهمة خيانة الوطن على أحد من جماعة الإخوان، وبالرغم من تبعية البوليس السياسي للمحتل الانجليزي إلا أنه لم يتهم الإخوان بهذه التهمة لعلمه بتاريخهم الوطني، كما لم يوجه لهم تهم التخابر أو التجسس حتى في أحلق الظروف حينما سقطت السيارة الجيب أو حلت الجماعة.
الإخوان ومفهوم الوطنية
إن مفهوم الوطنية عند عبدالفتاح السيسي ورجاله، ومحمد بن زياد وإعلامه، وآل سعود وزبانيتهم هى وطنية الحاكم، أن تأتمر بأمر الحاكم فقط وأن تأمن على كل ما يقوله ويفعله، وأن تطيعه طاعة لا جدال فيها، وأن توافق على كل قراراته سواء كانت صائبة أو خاطئة.
أما غير ذلك من وطنيات لحب الأرض أو الحرية والعزة أو وطنية الإخلاص للمجتمع الذي تنتسب له فهذه ليست بمفاهيم يرغب فيها هؤلاء لأن هذه الوطنية سينتج عنها معارضة لسياسات الحاكم والقابع على كرسي السلطة.
لقد فهم الإخوان الوطنية بمفهومها الحقيقي مثل وطنية الحنين وحب الأرض وقد ترسخت في الفطرة وأمر بها الإسلام – كما يصف الشيخ البنا – وأيضا وطنية الحرية والعزة والتي ينتج عنها تحرير البلد من الغاصبين وتوفير استقلاله له، وغرس مبادئ العزة والحرية فى نفوس أبنائه، وأيضا وطنية المجتمع
والتي وصفها الشيخ البنا بقوله:
- وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد، وإرشادهم إلى طريق استخدام هذه التقوية فى مصالحهم، فذلك نوافقهم فيه أيضًا، ويراه الإسلام فريضة لازمة. (6)
ثم رد على المتنطعين الذين حصروا الوطنية في الولاء للحاكم وسياسته وتصرفاته، واعتبروا المعارضين خونة فقال:
- وإن كانوا يريدون بالوطنية تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر، وتتضاغن، وتتراشق بالسباب، وتترامى بالتهم، ويكيد بعضها لبعض، وتتشيع لمناهج وضعية أملتها الأهواء، وشكلتها الغايات والأغراض، وفسرتها الأفهام وفق المصالح الشخصية، والعدو يستغل كل ذلك لمصلحته، ويزيد وقود هذه النار اشتعالاً، يفرقهم فى الحق ويجمعهم على الباطل، ويحرم عليهم اتصال بعضهم ببعض وتعاون بعضهم مع بعض، ويحل لهم هذه الصلة به والالتفاف حوله، فلا يقصدون إلا داره، ولا يجتمعون إلا زواره، فتلك وطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس. (7)
ويقول:
- الإخوان المسلمون لا يؤمنون بالقومية بهذه المعانى ولا بأشباهها، ولا يقولون: فرعونية وعربية وفينيقية وسورية، ولا شيئًا من هذه الألقاب والأسماء التى يتنابز بها الناس، ولكنهم يؤمنون بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان الكامل، بل أكمل معلم علم الإنسانية الخير: "إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى". (8)
فلو عرف هؤلاء المتنطعين عبيد السلطان، الإسلام حق معرفته لعلموا أنه دين وجنسية ووطن وأمة، لكن الواضح أن الوطنية عندهم ما يتماشي مع القابع فوق العرش ومصالحهم الشخصية. وخير دليل من كان معهم واعترض عليهم بعد ذلك نعتوه بأقذع الألفاظ والخيانة للوطن.
عسكر والإنقلاب على العسكر
بلا شك يحاول السيسي وأعوانه استنساخ تجربة جمال عبد الناصر لاستنساخ بطولة زائفة، جلبت لمصر الهزائم في مصر، كما جلبتها لها في عهد عبد الناصر.
بل إنه مع ضربه لجميع قوى المعارضة، كان لابد من توجه ضربه إلى رفقاء الانقلاب حيث استطاع أن يطيح بهم جميعا بل ومن جاء خلفهم، حتى لا تتكرر سيناريوهات عبد الناصر ويظهر عبد الحكيم عامر أخر أو شمس بدران أو صلاح نصر الذين كدوا أن يهدموا المعبد بمحاولة الانقلاب العسكري على عبد الناصر في أواخر حياته قبل أن يموت حسرة على محاولته الحفاظ بالكرسي إلا أن الموت حال بينه وبين الكرسي. وهكذا السيسي يخشى أن يوجد من مؤسسة الجيش أو المخابرات من ينقلب عليه، ولذا يسارع بحركة تعينيات الموالين له لكن سرعان ما يقوم بعزلهم خشية أو يبسطوا نفوذهم.
كانت هزيمة 1967م كاشفة لخواء العلاقة والصراع بين أباطرة الجيش الذين تحولوا للعمل السياسي وفي يدهم سواط القوة، إلا أن عبد الناصر ورجاله كان لهم الغلابة فقتل عبد الحكيم عامر، وتم القبض على شمس بدران – وزير الحربية – وصلاح نصر – رئيس المخابرات العامة – وجلال هريدي – قائد قوات الصاعقة - وعثمان نصار – لواء بالقوات المسلحة
و55 غيرهم من أفراد القوات المسلحة المتهمين بمحاولة الإنقلاب والاستيلاء على الحكم، حيث وجهت لهم تهمة الخيانة ومحاولة الانقلاب على السلطة – وهى التهم الجاهزة في حقائب العسكر لكن من يخالفهم حتى ولو كانوا في يوم شركائهم في أفعالهم بل ويعاونهم ثرثاريون الإعلام – حيث حكمت عليهم القضاء العسكري بأحكام معدة مسبقا كالعادة، وظلوا في السجن حتى أفرج عنهم السادات بعفوا وفروا هاربين خارج البلاد. (9)
صور من وطنية الإخوان
الإخوان أفراد من نسيج المجتمع الذي يعيشيون على أرضه ويعملون على النهوض والارتقاء بهم والدفاع عنه ضد أي معتدي، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل رفعة أوطانهم - رغم ما لاقوا في سبيله من ظلم وعنت واضطهاد من قبل الأنظمة الحاكمة خاصة العسكرية – ومع ذلك ضربوا أروع الأمثلة في حب وطنهم.
لقد تجلت وطنية الإخوان في مطالبهم التي اشتملت على:
- اقتصاديًّا: بالاكتفاء والاقتصار على ما عندنا وعند إخواننا من العرب والمسلمين والدول الصديقة إن كانت. و استقلال النقد، وتمصير الشركات، واستغلال منابع الثروة، والتحول إلى الصناعة فورًا، ومحاربة الربا، وتشجيع الصناعات المنزلية.
- اجتماعيًّا: بتشجيع روح العزة والكرامة وحب الحرية.
- علميًّا: بتدريب الشعب كله تدريبًّا عسكريًّا حتى يأتى أمر الله. (10)
وأكد الشيخ البنا على هذا الشعور الذي يجب أن يسيطر على مشاعر كل مصري وعربي ومسلم نحو وطنهم والدفاع عنه بالغالي والنفيس
فقال:
- إن دعوتنا إلى تقوية الوحدة العربية، وتحرير الشعوب الإسلامية، أمر تفرضه علينا مصلحتنا الوطنية ورابطتنا القومية، كما يفرضه كذلك الشعور الإنساني الذي يجب أن يؤمن به كل إنسان في هذا الوجود، ويفرضه الإسلام ويحتمه ويدعو إليه. (11)
وحينما تحدث أحد الأصدقاء مع الشيخ البنا وعرض عليه أن ينشغل الإخوان بالأغراض الأدبية والاجتماعية والاقتصادية من برنامجها -وهى من الإسلام أيضًا- وتدع الناحية القومية أو الوطنية، أو السياسية بعبارة أخرى لسواها من الهيئات حتى لا يتعرض للعواصف القاسية
ورحب الأستاذ البنا بهذا الكلام غير أنه ذكر له أن الأمة تحتاج لكل ساعد من سواعد أبنائها للتحرير ويحتاج هذا الشعب لمن يبث روح الوطنية في قلبه دون خوف أو تزييف لهذه الوطنية، وكان من واجب الإخوان ذلك
فيقول البنا:
ولتأكيد المعنى يقول:
- ويخطئ من يعلن أن الإخوان المسلمين يتبرمون بالوطن والوطنية؛ فالإخوان المسلمون أشد الناس إخلاصًا لأوطانهم، وتفانيًا فى خدمة هذه الأوطان، واحترامًا لكل من يعمل لها مخلصًا، وها قد علمت إلى أى حد يذهبون فى وطنيتهم، وإلى أى عزة يبغون بأمتهم. ولكن الفارق بين الإخوان وبين غيرهم من دعاة الوطنية المجردة أن أساس وطنية الإخوان العقيدة الإسلامية. فهم يعملون لمصر، ويجاهدون فى سبيل مصر، ويفنون فى هذا الجهاد؛ لأنها من أرض الإسلام وزعيمة أممه، كما أنهم لا يقفون بهذا الشعور عند حدودها، بل يشركون معها فيه كل أرض إسلامية، وكل وطن إسلامي. (13)
وفي رسالة المؤتمر الخامس يرد على من يشككون في وطنية الإخوان المسلمين فيقول:
- فكل مسلم مفروض عليه أن يسد الثغرة التي هو عليها وأن يخدم الوطن الذي نشأ فيه ، ومن هنا كان المسلم أعمق الناس وطنية وأعظمهم نفعًا لمواطنيه لأن ذلك فرض إلهي . فالإخوان أشد الناس حرصًا علي خير وطنهم ، وتفانيًا في خدمة قومهم ..
- فالإخوان يحبون وطنهم ويحرصون علي وحدته القومية بهذا الاعتبار ، ولا يجدون غضاضة علي أي إنسان أن يخلص لبلده وأن يفني في سبيل قومه وأن يتمني لوطنه كل عز ومجد وفخار .. الإخوان المسلمون يحترمون قوميتهم الخاصة باعتبارها الأساس الأول للنهوض المنشود ، ولا يرون بأسًا بأن يعمل كل إنسان لوطنه وأن يقدمه في الوطن علي سواه. (14)
ويقول الأستاذ عمر التلمساني (لمرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين):
- وليس معنى حب الوطن التنكر للمسلمين في العالم كله، أو أننا لسنا امة واحدة .. لا .. فإن المسلمين على اختلاف أفكارهم امة واحدة كما يقول القرآن الكريم "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ"، إننا يجب أن نحب وطننا وليس معنى هذا الحب أن نتعصب للوطنية.
- إن الكلام عن الوحدة الوطنية، أمر ليس له معنى، ودردشة غير ذات موضوع، ذلك لأن المقيمين على أرض وطن واحد مفروض فيهم أنهم جميعًا يحافظون على كرامة هذا الوطن، الوحدة الوطنية التي يحرص عليها كل مواطن مخلص، تجد لها في ظل الشريعة الإسلامية دعائم راسخة وضمانات واسعة، توقف كل مسلم عند حده إذا ما اعتدى على غير المسلم أو انتقصه حقه أو كلفه مالا يطيق أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس. (15)
نماذج مضيئة
- في عام 1947م – وبعدما استقلت سوريا ولبنان – خرج الإخوان في مظاهرات مطالبين النقراشي باشا بعرض قضية مصر على مجلس الأمن مثل سوريا، وتحت الضغط الشعبي تقدم النقراشي إلى مجلس الأمن، إلا أن النحاس باشا أرسل برسالة إلى ليك سكس - رئيس مجلس الأمن – يخبره بأن النقراشي لا يمثل الأمة في عرض قضية مصر، مما شكل طعنة في ظهر القضية المصرية، سارع الشيخ البنا بإرسال رسالة إلى ليك سكس يؤكد فيها أن النقراشي يعبر عن الأمة المصرية في عرض قضيتها لنيل استقلالها، ولم يقتصر على ذلك بل أرسل الأستاذ مصطفى مؤمن إلى نيويورك لدعم موقف النقراشي في مجلس الأمن، حيث استطاع تحريك عدد من المظاهرات في نيويورك دعما للقضية، بل انتقل إلى لندن لحشد الرأى العام الإنجليزي مع قضيته مصر لنيل الإستقلال. (16)
- حينما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عام 1956م، انتفض الإخوان في السجون رغم قسوة التعذيب عليهم مطالبين بالخروج للدفاع عن بلدهم فإن ماتوا تحقق مراد النظام وارتاحوا من الإخوان وإن انتصروا أعادهم النظام للسجون، إلا أن عبد الناصر رفض ذلك حتى لا يظهروا بالوطنية أمام الشعب. ومع أن المحنة كانت شديدة عام 1954م حتى مات من الإخوان من مات تحت التعذيب وسجن من سجن وطرد من البلاد من طرد، بل أقدم عبد الناصر على سقاط الجنسية عن عدد من الإخوان الذين هربوا أمثال سعيد رمضان والمجاهد كامل الشريف و عبد المنعم عبد الرؤوف وسعد الدين الوليلي، إلا انهم أثناء العداون الثلاثي بعثوا برسالة إلى عبد الناصر جاء فيها: سيادة الرئيس جمال عبد الناصر – القاهرة: قلوبنا مع الجيش الباسل والشعب الأبي في جهاده ضد الاستعمار والصهيونية نعلن باسم إخواننا أن دماءنا وجميع ما نملك تحت تصرف الوطن في أي ميدان يوجهنا إليه وكفى بالله نصيراً. سعيد رمضان – سعد الدين الوليلى – كامل الشريف – دمشق :31 تشرين الأول - أكتوبر 1956م. (17) وهو ما حفظه لهم أنور السادات، وما كاد يتولى الحكم حتى أصدر قرار بإعادة الجنسية لهم، بل وترقية اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف إلى رتبة فريق وإعطاءه معاش وزير حتى توفاه الله، مما دل على أن إتهامات عبد الناصر كانت سياسية للصراع بين الطرفين، وهو ما يسير عليه عبدالفتاح السيسي ورجاله الآن.
- في إحدى سفريات الأستاذ عمر التلمساني حاصره الإعلاميين للحصول على بعض الإجابات، حيث صور هذا المشهد بقوله: كان المراسلين يحاصرونني بأسئلة دقيقة رغبة منهم في أن يحصلوا منى على انتقاد أو هجوم على الحكومات القائمة، وكنت أفسد عليهم هذه المحاولات .. حتى قال لي احد المراسلين في لندن: إنك تتهرب من الإجابات عن أسئلة واضحة. فكان جوابي: إن التهرب ليس من خلقي ولكن طباعي تأبى على أن أنقد حكومتي خارج وطني ولا أشنع عليها في الخارج بل أوجه مآخذي إليها مباشرة داخل مصر وهو مبدأ وليس سياسة. (18)
- المستشار محمد المأمون الهضيبي كان يعمل رئيسا لمحكمة غزة عام 1956م، وشارك فى أعمال المقاومة الشعبية خلال العدوان الثلاثي على مصر 1956م، وقد وقع في الأسر لدى اليهود، وكان الفريق محمد فؤاد الدجوي هو الحاكم العسكري لغزة وقد وقع في الأسر أيضا، وقد حاول اليهود مع المستشار الهضيبي أن يقول لفظ في وطنه فأبى ورفض الخضوع والخنوع للمحتل الصهيونى، وهذا بخلاف الفريق الدجوي الذي بكى مثل الأطفال بعدما سلم نفسه وجيشه لهم وأذاع من إذاعتهم أن مصر تُحكم حكمًا دكتاتوريًّا وأن الجيش المصري لا يصلح للحرب، كما أرشد المحتل على البنية التحتية للدولة والجيش في المدينة. يقول مصطفى أمين: استدعاني الرئيس جمال عبد الناصر، وطلب مني أن أركب وحدي أول طائرة مصرية مدنية تغادر مصر أثناء العدوان، وأن أحمل معي صور العدوان وأنشرها في جميع أنحاء العالم.. ووصلت إلى مدينة نيويورك وفوجئت بجميع تليفزيونات أمريكا تعرض فيلمًا للواء فؤاد الدجوي حاكم غزة، وهو يستسلم للجيش الإسرائيلي، كان الفيلم مُهينًا للجيش المصري ولمصر كلها، وكان الحاكم المصري يقف ذليلاً أمام ضابط إسرائيلي يقدم له خضوعًا، ويثني على الجيش الإسرائيلي وشجاعته وقوته ومروءته وإنسانيته، ويدلل على هذه المروءة بأن زوجته كانت مريضةً وأن اليهود نقلوها إلى مستشفى في تل أبيب لإجراء عملية جراحية لها. هل يغفر لهم كل هذه الجرائم من أجل أنهم أجروا عمليةً جراحيةً لزوجة الدجوي؟! مع وجود أطباء مصريين أخصائيين ومستشفى مصري مجهز بجميع الأجهزة؟! وقد طلب منه الأطباء أن يجروا لها العملية وهي كيس دهني ولكنه رفض، وطلب نقلها إلى تل أبيب، والأطباء المصريون شهود الحادث أحياء يرزقون. وعندما عدت الى القاهرة، ورويت للرئيس ما قال اللواء الدجوي في التليفزيون قال لي الرئيس إنه سمع بنفسه في الإذاعات هذه الأقوال نفسها وصوت الدجوي نفسه من محطة إسرائيل، وإن الدجوي أسير حرب في إسرائيل الآن، وإنه ينتظر عودته مع الأسرى ليحاكمه محاكمةً عسكريةً وليُضرب علنًا بالرصاص. وعاد اللواء محمد فؤاد الدجوي من الأسر، ولم يحاكَم، ولم يعدَم رميًا بالرصاص..!! وفوجئتُ بعد ذلك بأن الاختيار يقع دائمًا على الدجوي ليكون قاضيًا في أي محاكمة يرى المسئولون أن أدلتها ضعيفةٌ أو لا أساسَ لها. (19)
- دور الإخوان الوطني في مواجهة مرض الكوليرا الذي انتشر في مصر عام 1947م، حيث اشترك فيها أربعون ألف جوَّال من الإخوان، وجميع شعبهم في مصر، واستمرت هذه الحملات عن طريق الجمعية الطبية الإسلامية والعيادات والمستشفيات الخاصة للإخوان.
قالوا عن الإخوان المسلمين
- في العدد 1224 من مجلة (روز اليوسف) كتب الصحفي الشهير إحسان عبد القدوس، معبرًا عمَّا يجول بخاطرِ كل أبناء الشعب ونظرتهم للإخوان المسلمين، مناشدًا الإخوان قيادة المعركة: "فيوم يتحرك الإخوان المسلمون ويعرفون كيف يتحركون وإلى أين، فقد اكتملت لمصر قواها الشعبية وضمنت لأيام الجهاد الاستمرار".
- كتب الدكتور حسن حنفي في مقالٍ بعنوان "ماذا كسبنا من الإخوان المسلمين؟": أثبتت الجماعة وجودها في معاركنا الوطنية وعلى رأسها معارك القناة 1951م؛ فقد كان متطوعوها في الصفوفِ الأولى، وكان شهداؤها يودعون إلى مثواهم الأخير من الجامعة والشعب، وكان الاستعمار يهاب هذا الجند المسلح الذي يسترخص الموت، وقد كان من شعاراتهم "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا".
- يقول الكاتب الأمريكي ريتشارد ميتشيل: وكان أعظم ما شهر عن كفاح الإخوان هو ما قدموه من عون للمصريين الذين حوصروا في جيب الفالوجا؛ نتيجة الزحف الإسرائيلي بعد فشل الهدنة الثانية في أكتوبر 1948م؛ إذ ساعد الإخوان على إمداد القوات المحاصرة في الميدان.
- قال الشيخ محمد متولي الشعراوي في حلقة إذاعية حينما سئل عن الإخوان: الإخوان المسلمون شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء جزى الله خيرا من زرعها وحافظ عليها.
- وهذا الكاتب أنيس منصور والذي لم يتوان عن أن يكتب في الإخوان دون أن يمالي الحاكم، فكتب يومًا قوله: هل الإخوان المسلمون – وهي حركة تحريرية إسلامية – مجرمون؟ .. مجرمون في حق من؟ في حق مصر؟ الجواب: لا.
هل مجرمون في حق الإسلام؟ الجواب: لا.
هل من الضروري أن نوزع الخيانة على كل من يطلّ برأسه ويقول لا؟!
هل من العدل أن نصف المظلومين بأنهم ظالمون خونة؟.
- وكتب ابراهيم عيسى بعد أحداث ثورة 25 يناير 2011م يقول:
- الثورة أظهرت بشكل بالغ الوضوح أن الإخوان المسلمين جزء من المجتمع المصري وليس المجتمع المصري ولا يمكن أن يتجاوز 10-15% من المجتمع المصري ومن حق الإخوان المسلمين إنهم يشتغلوا ومن حقهم إنهم ينزلوا في الشارع ومن حقهم إنهم يتظاهروا ومن حقهم إنهم يترشحوا في الإنتخابات ..
- إنما الخيابة بقى والبلاهة بتاعت اللي بيقولوا: أصل الإخوان هيسيطروا .. ده معناه: العجز البين لدى القوى الوطنية والتيارات الوطنية الأخرى كده مفيش ديموقراطية بقى كده هنبدأ من الأول ونفتح ورق فاضي ونقوم بديموقراطية الإستبعاد والإزاحة؟! لا إنتوا متخشوش لا إنتوا متعملوش إيه ده؟! ديموقراطية إيه دي اللي على الدواق دي؟! إحنا بنفتح بطيخة؟!. (20)
- يقول عمرو أديب بعد أحداث ثورة 25 يناير 2011م: بصراحة الإخوان كانوا جزء واضح ولا ينفصل ولا يتجزأ من الحركة التي حدثت يوم 25 .. الإخوان كانوا جزء من الناس الموجودين في ميدان التحرير ووقفوا قدام البلطجية وفضلوا متمسكين بأماكنهم وكان ليهم دور عظيم وعبقريز
- ويقول الفنان المصري صلاح السعدني عن الإخوان المسلمين: دول مصريين ووطنيين وعندهم تجربة سياسية 80 سنة وشديدي التنظيم وللعلم الشيخ حسن البنا أنشأ فرقة المسرح الإسلامي.
- ويقول أحمد المسلماني المتحدث الرسمي باسم رئاسة الإنقلاب في حلقة له على الهواء قبل الإنقلاب: الإخوان ليست جماعة إرهابية جماعة الإخوان المسلمين جماعة لها ما لها وعليها ما عليها وبينها وبين القوى السياسية مسافات متعددة تطول وتقصر لكن وصف الجماعة بالإرهاب يضع حاجزاً على التطور الديموقراطي في مصر. (21)
أخيرا
لا يملك أحد السلطة أن يتهم غيره بعدم وطنيته دون دليل واضح على خيانته، لكن أن تكون الخصومة السياسية هي السبب في ألقاء الاتهامات على الخصوم سواء كانوا إسلاميين أو غيرهم فهو ما لا يقبله عقل. إلا أن عقلية الانقلابيين التي تفكر في مصالحها الشخصية على حساب مصالح الوطن والمواطنين هي التي تحاول إلقاء الاتهامات جزافا حتى لا يستطيع أحد أن يكشف حقائقهم، كمن قال: "رمتني بدائها وانسلت".
المراجع
- حلمي النمنم يكشف خيانة الإخوان عبر التاريخ حاولوا هدم القناطر الخيرية: 28 سبتمبر 2020م
- حلمي النمنم يكشف سر كراهية جماعة الإخوان الإرهابية للدولة المصرية: 9 يوليو 2020م
- "الإخوان" وهدم الأوطان: 5 يوليو 2016م
- محمود عبد الحليم: (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) – جـ1 – دار الدعوة، الإسكندرية، 1999م، صـ219.
- شريط نادر يجمع نجيب وناصر والسادات على قبر حسن البنا: موقع العربية نت، 4 ديسمبر 2008م
- رسالة دعوتنا، مجلة الإخوان المسلمين، العدد الثاني، السنة الثالثة، 20 محرم 1354ه - 23 أبريل 1935م، صـ(3-5).
- المرجع السابق.
- رسالة دعوتنا: مرجع سابق، صـ 154.
- صحيفة الأهرام المصرية: العدد 29622 السنة 94، 18 يناير 1968م – 18 شوال 1387هـ- صـ1.
- رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي، المطبعة العالمية، د.ت، صـ(73-100)،نشرت بتاريخ 30 ديسمبر سنة 1947.
- مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (74)، السنة الثالثة، 14 ذو القعدة 1364ه- 20 أكتوبر 1945، صـ(3- 6).
- مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (70)، السنة الثالثة، 14 شوال 1364ه- 20 سبتمبر 1945م، صـ3.
- حسن البنا: رسالة إلى الشباب، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006م، صـ 468.
- حسن البنا: رسالة المؤتمر الخامس، صـ191.
- عبد الرحيم محمد الجوهري: عمر التلمساني مجاهدًا، مفكرًا، كاتبًا، المؤسسة الإسلامية الدولية للطبع والنشر والتوزيع، 1406هـ- 1986م.
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (374)، السنة الثانية، 3 رمضان 1366 ه/ 21 يوليو 1947م
- عمر العبسو: د. سعيد رمضان: سفير الدعوة، 4 أكتوبر 2016م
- مواقف من حياة المرشدين، محمد عبد الحليم حامد، دار التوزيع والنشر الإسلامية 1993م.
- مصطفى أمين، صحيفة الأخبار، فكرة، 1979م.
- النائب إبراهيم صرصور: هنيئا لكم يا أيها الإخوان المسلمون، 27 ديسمبر 2013م
- شهادات عن جماعة الإخوان الإرهابية: ماذا قالوا عن جماعة الإخوان المسلمين