مهازل القضاة في محنة 1954م
مهازل المحاكمات العسكرية
وهل في المحاكم العسكرية الاستثنائية حين تُعقد لمحاكمة المدنيين إلا المهازل؟! ولِمَ تلجأ إليها الأنظمة الحاكمة والمحاكم المدنية قائمة لم تغلق أبوابها؟! وقضاتها الطبيعيون لم يعلنوا عجزَهم وفشلهم عن النظر في تلك القضايا مهما كانت خطورتها؟! ولِمَ يحرم المتهم المدني من قاضيه الطبيعي؟!
إنها الرغبة في التنكيل بالمعارضين السياسيين والمناوئين للأنظمة العسكرية المستبدة وإرهابهم أيًّا كان انتماؤهم. وليست هناك مطيةٌ أذلُّ من المحاكم العسكرية؛ حيث القضاة أنفسهم من سدنة النظام والقوانين.. من تأليف وابتكار كهنة النظام وكل شيء فيها مُعَد بواسطة النظام، ومعد أيضًا لتحقيق أهداف النظام، ومحكمة الشعب نموذج صارخ للمحاكم العسكرية اجتمعت فيها كل سماتها وسوءاتها.
تشكيل المحكمة وقانونها
في أول نوفمبر أصدر مجلس الثورة أمرًا بتشكيل محكمة مخصوصة، سميت بعد ذلك بمحكمة الشعب، وكان أمر تشكيلها بموجب المرسوم التالي:
تشكيل محكمة مخصوصة وإجراءاتها.. بعد الاطلاع على المادة 7 من الدستور المؤقت قرر مجلس قيادة الثورة:
- مادة (1): تشكل محكمة على الوجه الآتي.. قائد الجناح جمال مصطفى سالم عضو مجلس القيادة (رئيسًا) قائمقام أنور السادات عضو مجلس القيادة (عضوًا) بكباشي أركان حرب حسين الشافعي عضو مجلس القيادة (عضوًا)، وتنعقد المحكمة بمقر قيادة الثورة بالجزيرة بمدينة القاهرة، أو في المكان الذي يعيِّنه رئيسها وفي اليوم والساعة اللذين يحددهما.
- مادة (2): تختص هذه المحكمة بالنظر في الأفعال التي تعتبر خيانةً للوطن أو ضد سلامته في الداخل والخارج، وكذلك الأفعال التي تعتبر موجَّهةً ضد نظام الحكم الحاضر أو ضد الأسس التي قامت عليها الثورة، ولو كانت قد وقعت قبل هذا الأمر.
- كما تختص المحكمة بمحاكمة كل من أخفى بنفسه أو بواسطة غيره متَّهَمًا بارتكاب الأفعال المنصوص عليها في الفقرة السابقة وتطلبه المحكمة، وكذلك كل من أعان بأي طريقة كانت على الفرار من وجه القضاء، كما تختص هذه المحكمة بالنظر فيما يرى مجلس قيادة الثورة عرضَه عليها من القضايا أيًّا كان نوعها، حتى ولو كانت منظورةً أمام المحاكم العادية أو غيرها من جهات التقاضي الأخرى، مادام لم يصدر فيها حكم، وتعتبر هذه المحاكم أو الجهات متخليةً عن القضية فتحال إلى المحكمة المخصوصة بمجرد صدور الأمر من مجلس قيادة الثورة بذلك.
- مادة (3): يعاقَب على الأفعال التي تُعرض على المحكمة بعقوبة الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو بالسجن أو بالحبس، المدة التي تقدرها المحكمة أو أي عقوبات أخرى تراها المحكمة.
- مادة (4): ينشأ بمقر قيادة الثورة مكتب للتحقيق والادعاء، يلحق به نواب عسكريون وأعضاء من النيابة العامة، يتولى رئاسته البكباشي أركان حرب زكريا محيي الدين عضو مجلس قيادة الثورة، وعضوية كل من البكباشي محمد التابعي نائب أحكام، والبكباشي إبراهيم سامي جاد الحق نائب أحكام، والبكباشي سيد سيد جاد نائب أحكام، والأستاذ عبدالرحمن صالح عضو النيابة، ويتولون التحقيق ورفع الدعوى بالادعاء بالجلسة، في الأفعال التي تختص هذه المحكمة بنظرها، ولهم حق الأمر بالقبض على المتهمين وحبسهم احتياطيًّا، ولا يجوز المعارضة في هذا الأمر.
- مادة (5): يُخطر المتهم بالتهم ويوم الجلسة- بمعرفة المدعي- قبل ميعادها بأربع وعشرين ساعة على الأقل، ولا يجوز تأجيل القضية أكثر من مرة واحدة ولمدة لا تزيد على 48 ساعة للضرورة القصوى، ويجب على المتهم أن يحضر بنفسه أمام المحكمة وإذا تخلَّف جاز القبض عليه وحبسه.
- مادة (6): للمحكمة أن تتبع من الإجراءات ما تراه لازمًا لسير الدعوى، ولا يجوز المعارضة في هيئة المحكمة أو أحد أعضائها.
- مادة (7): تجري المحاكمة أمام هذه المحكمة بطريقة علنية إلا إذا قررت جعل الجلسة سرية لأسباب تراها، ويصور الحكم ويُتلى في جلسة علنية ويصدِّق عليه مجلس قيادة الثورة، ويجور له تخفيف الحكم إلى الحد الذي يراه.
- مادة (8): أحكام هذه المحكمة نهائية ولا تقبل الطعن بأي طريقة من الطرق أو أمام أي جهة من الجهات، وكذلك لا يجوز الطعن في إجراءات المحاكمة أو التنفيذ.
وفي 6 نوفمبر أُطلق على المحكمة اسم (محكمة الشعب)، وفي 28 نوفمبر تألَّفت ثلاث دوائر فرعية لهذه المحكمة:
- الأولى برئاسة اللواء صلاح حتاتة
- الثانية برئاسة القائمقام حسين محفوظ ندا
- الثالثة برئاسة قائد الجناح عبد الرحمن شحاتة عدنان
تقييم المحاكمات
أشار الكثير من هؤلاء المؤرخين إلى فساد هذه المحاكمات لعدة أسباب، من بينها:
(1) أن القضاة فيها يمثلون المجني عليه وهو مجلس قيادة الثورة وهذا ما أشار إليه القاضي عبد القادر عودة وهو يدافع عن نفسه أمام المحكمة؛ باعتباره قاضيًا سابقًا، ولكن كان رد القاضي الجاهل عليه فظًّا غليظًا: "المتهم: حضرات القضاة.. أنا متهم بتهمة لو صحت لكنت الجاني وأنتم المجني عليهم.. ولست أعلم أن جانيًا ارتاح لأنْ يحاكمَه مجنٍ عليه".
جمال سالم: ليس لك الحق في هذا الاعتراض مطلقًا.
المتهم: أنا لا أعترض.
جمال سالم: ولا تلميحًا.. تقدر تتكلم مضبوط إتكلم ما تقدرشي نجيب لك محامي.
(2) افتقار القضاة لأي خبرة قانونية أو دراسة سابقة للقانون
كان قضاة المحكمة- ثلاثتهم- أعضاءً بمجلس قيادة الثورة، والمجلس هو الذي يقدم المتهمين للمحاكمة، وممثلوه هم الذين يصدرون الأحكام ثم يشتركون في التصديق عليها، ولهم أن يوقفوا تنفيذ الحكم ولو كان بالسجن خمسة عشر عامًا (وتلك مهزلة أخرى.. فالقانون لا يعرف سجن 15 سنة مع إيقاف التنفيذ.. فإيقاف التنفيذ يشمل أحكام الحبس وليس أحكام السجن!!).
ومن نماذج السقطات الشنيعة التي وقعت بتلك المحاكمات:
- "أغفل جمال سالم- رئيس المحكمة- أثناء المحاكمة تكليف الادعاء بتقديم شهود الإثبات الذين ضبطوا الجاني لحظة ارتكاب الجريمة.. وكانوا- وبالمصادفة- من العاملين بمديرية التحرير، وهؤلاء الشهود معروفون بأسمائهم ووظائفهم.
- رغم أن أي طالب بالسنة الأولى بكلية الحقوق يعلم أن أول شهود يستمع إليهم هم شهود الإثبات الذين لهم صلة بضبط الجاني أو مشاهدة الجريمة أو اكتشاف سلاح الجريمة.. ولكن هؤلاء الأربعة لم يدلوا بشهادتهم عند محاكمة الجاني؛ ولعل الادعاء خشي أن يقدمهم، ويقدم خديوي آدم- العامل الذي عثر على المسدس- حتى لا تتخبط أقوالهم، ويظهر شيء محظور كانوا يسعون لإخفائه".
(3) سرعة وصورية إجراءات المحاكمات
ومن أسوا ما يدل على صورية هذه المحاكمات وعدم جديتها ما ورد بالمادة (5) من أمر تشكيلها:
- (يخطر المتهم بالتهم ويوم الجلسة- بمعرفة المدعي- قبل ميعادها بأربع وعشرين ساعة على الأقل، ولا يجوز تأجيل القضية أكثر من مرة واحدة ولمدة لا تزيد على 48 ساعة للضرورة القصوى)
ثم ما نطق به ممثل الادعاء في أولى جلسات المحاكمة:
- (المدعي العام: المتهم لما أعلناه بالادعاءات سألنا إذا كان له محامٍ فقال معندهوش محام، وقانون تشكيل المحكمة لا يستلزم وجود محام مع المتهم، والقضية جاهزة ونطلب نظرها)، ثم هذه السرعة الغريبة في إنهاء القضايا، ومحاكمة هذا العدد الضخم من المتهمين في فترة وجيزة جدًّا؛ فقد عُقدت أول جلسة لمحكمة الشعب صباح الثلاثاء 9/11/1954م، واستمرت إلى 2/12/1954م، وبدأت الدوائر الفرعية عملها ابتداءً من 5/12/1954م.
- استمرت محاكمة محمود عبد اللطيف إلى 20/11 أي لمدة أسبوعين.
- استغرقت محاكمة الأستاذ الهضيبي 3 أيام
- ويوسف طلعت يومًا واحدًا 27/11
- وحوكم إبراهيم الطيب وهنداوي دوير في يوم واحد 29/11
- وفي يوم 30/11 حوكم خمسة من قيادات الجماعة معًا في يوم واحد.
وفي الدوائر الفرعية كان الأمر أعجب:
- ففي يوم 9/12 نظرت 28 قضية، وفي 11/12 نظرت 21 قضية، وفي 12/12 نظرت 13 قضية، وفي 13/12 نظرت 19 قضية، وفي 18/12 نظرت 40 قضية، وفي 21/12 نظرت 48 قضية، وفي 28/12 نظرت 42 قضية، وفي 9/2/55 نظرت 69 قضية أمام الدائرة الفرعية الثالثة.
(4) شمول المحاكمات والأحكام لتلك الأعداد الضخمة بما يعني الأخذ بمبدأ المسئولية الجماعية ودون الاقتصار على منفذي الجريمة والمحرِّضين عليها.
(5) قسوة الأحكام وعدم تناسبها مع الجريمة المنسوبة للمتهمين (شروع في القتل) وبناؤها على أسباب سياسية فقط، وهذا باعتراف جمال عبد الناصر نفسه لأحمد حسين. ويضاف لذلك (عدم إحالة اوراق المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام إلى فضيلة المفتي للتصديق عليها).
(6) مسلك رئيس المحكمة الشاذ وسخريته وتهجمه على المتهمين والشهود بصورة منفرة.
(7) مسلك المحامين المنتدبين للدفاع عن المتهمين؛ إذ كانوا يتعاملون مع المتهمين والشهود وكأنهم ممثلو إدعاء وليسوا محامين.
محكمة الشعب في نظر المؤرخين والباحثين
شهد بمهزلة هذه المحاكمات أو مأساتها كل من شاهدها أو قرأها:
يقول الكاتب الأمريكي ريتشارد ميتشل:
- "أما المحاكمات نفسها فكانت نموذجًا لا يُنسى لما تملكه الحكومة الثورية وما تضفيه على نفسها من حقوق تتعلق أصلاً بحكم القانون؛ إذ اتضح منذ البداية أن آخر شيء ترمي إليه الحكومة هو إيضاح القضية، وتقدير مدى إدانة كل فرد فيها.
- بل إنه في الحالات التي عَيَّنت فيها المحكمة المحامين طرح هؤلاء أسئلةً وأبدَوا ملاحظات كان من الأخلق أن تُترك لممثل الاتهام، أما رئيس المحكمة جمال سالم فقد كان تصرفه أقرب إلى تصرف المدعي العام: كان يقاطع دون تحرج إجابات الشهود إذا لم تعجبه الإجابة، وكان يضع الكلمات في أفواههم، فيتقوَّل عليهم ما لم يقولوا، وكان أحيانًا يستعمل التهديد ليفرض عليهم الإجابة التي يريدها، وكانت الأسئلة تصاغ بحيث تستبعد أي رد إلا ما تريده المحكمة
- وكان يوقف كل محاول للتخفيف من توتر الموقف، بل إنه كان يتبادل مع الشهود في بعض الأحيان الشتائم الوضيعة، وفي غالبية هذه الحالات كانت الشتائم تنهال من جانب المحكمة وحدها، وكانت تواجه شاهدًا بآخر، وقد زُيِّفت شهادة أحدهما لتثير الشاهد الآخر، وسُمح للحضور أن يشاركوا في الضحك على الشهود والهزء والسخرية بهم وسبِّهم، وكانت أكثر الأسئلة في مثل هذه المواقف غير متعلقة بالجريمة، وتضمنت فيما تضمنته أسئلةً تتعلق بإعراب القرآن وتفسيره بقصد إحراج الشهود وإرباكهم.
- أما الشهود أنفسهم فقد كانوا مشوشين، وبطبيعة الحال خائفين، وفي أغلبية الأحوال غير صريحين ولا صادقين، وطفحت الأدلة بالتناقض؛ وذلك لأن المحكمة من ناحية كانت توجه الشهود؛ ولأن الشهود أنفسهم كانوا غير راغبين في الكلام من ناحية أخرى".
هأااااااو .. يحاكم الإخوان المسلمين
أعجب قاض وأعجب محكمة
هأااااااو.. بلاش مسخرة ومهزأة.. خليك مؤدب.. يا قصير الباع؟ يا قصير الذيل.. إيه المصيبة دي اتكلم يا راجل إنت.. إتفرجوا يا مواطنيين إتفرجوا عليه وهو خارج.. لأنك عار على القانونيين الموجودين في البلد.
كانت هذه بعض مفردات القاموس الخاص برئيس محكمة الشعب.. وكانت هذه الألفاظ الرقيقة موجهة للمستشار حسن الهضيبي والقاضي عبد القادر عودة والشيخ محمد فرغلي والصيدلي خميس حميدة والمحامي هنداوي دوير وغيرهم من الدعاة والمجاهدين..
نوردها ليعلم من لم يكن يعلم المستوى الذي كان عليه قاضٍ عسكري يحاكم الإخوان المسلمين، ويصدر عليهم أحكامًا بالإعدام والسجن المؤبد، ومدى مصداقية تلك المحاكمات، ومدى عدالة تلك الأحكام، فيا له من قاضٍ، ويا لها من أحكامٍ.
إعداد: عبد الحليم الكناني
جمال سالم.. أعجب قاض
- اشترك مع الضباط الأحرار عام 1952م في القيام بثورة يوليو، وكان عضوًا بمجلس قيادة الثورة برتبة "قائد جناح".
- بعد قيام الثورة عمل بالمسائل الاقتصادية، واختير عام 1952م رئيسًا للجنة العليا للإصلاح الزراعي.
- عين في فبراير 1954م نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للمواصلات في وزارة عبد الناصر.
- ورأس محكمة الثورة في ذلك العام، وقد شكلت هذه المحكمة لمحاكمة قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وأصدر حكمًا بالإعدام على عددٍ من قياداتهم البارزة.
- في 1956 ترك الوزارة بعد إعادة تشكيلها.
- بدأ يُعاني من المرض عام 1959م وسافر إلى ألمانيا للعلاج وعاد للقاهرة ليكون تحت إشراف الأطباء.
آراء حول شخصية القاضي وتقييمها
كان جمال عبد الناصر يطلق عيه "المجنون"، وقال عنه أنور السادات - وكان السادات هو عضو اليمين في محكمة الشعب- : "كان جمال سالم- رحمه الله- حاد المزاج، عصبيًا إلى حد غير طبيعي، غير متزن في جميع نواحي شخصيته، فلما وجد الناس منصرفة عنه لسوء معاملته بدأ يُثير المعارك هنا وهناك وفي كل مجال".
وكانت له آراء متطرفة أوردها عدد من زملائه في مجلس قيادة الثورة في مذكراتهم:
- "كان جمال سالم لا يهاب الدم ويهدد بالقتل ويحث عليه، وقد اندفع مرة متأثرًا بجمال عبد الناصر ضد نجيب، فأعلن جمال سالم: أنه سيقوم بقتل محمد نجيب، وتخليص المجلس منه، وعلى المجلس أن يقوم بمحاكمته على فعلته. وعندما اعترض ضباط المدفعية على تصرفات مجلس الثورة في يناير سنة 1953 اقترح جمال سالم أن يحاكموا محاكمة صورية ويتم إعدامهم فورًا".
هأااااااو .. أعجب قاض وأعجب محكمة
وصف بأنه صاحب أشهر: "هأااااااو" في تاريخ مصر حيث قيلت للمرة الأولى في التاريخ على منصة القضاء في محكمة الشعب التي شرفت برئاسته. لم يدرس القانون ومع ذلك عُين رئيسًا لمحكمة حكمت على ستة من قيادات الإخوان بالإعدام.
وكان سلوكه وتصرفاته في هذه المحكمة غير مسبوق، ولم يلحقه أحد من بعد سوى الدجوى الشهير، فكان الاثنان رمزين مشرفين للمحاكم الثورية الاستثنائية. وعن مسلكه كقاضٍ رأس هذه المحكمة
يقول الكاتب الأمريكي ريتشارد ميتشل:
- "أما رئيس المحكمة جمال سالم فقد كان تصرفه أقرب إلى تصرف المدعي العام: كان يقاطع دون تحرج إجابات الشهود إذا لم تعجبه الإجابة، وكان يضع الكلمات في أفواههم، فيتقول عليهم ما لم يقولوا، وكان أحيانًا يستعمل التهديد ليفرض عليهم الإجابة التي يُريدها، وكانت الأسئلة تُصاغ بحيث تستبعد أي رد إلا ما تريده المحكمة، وكان يوقف كل محاول للتخفيف من توتر الموقف، بل إنه كان يتبادل مع الشهود في بعض الأحايين الشتائم الوضيعة، وفي غالبية هذه الحالات كانت الشتائم تنهال من جانب المحكمة وحدها.
- وكانت تواجه شاهدًا بآخر، وقد زيفت شهادة أحدهما لتثير الشاهد الآخر، وسمح للحضور أن يشاركوا في الضحك على الشهود والهزء والسخرية بهم وسبِّهم، وكانت أكثر الأسئلة في مثل هذه المواقف غير متعلقة بالجريمة، وتضمنت فيما تضمنته أسئلة تتعلق بإعراب القرآن وتفسيره بقصد إحراج الشهود وإرباكهم".
مشاهد عجيبة من المحاكمات
قضية محمود عبد اللطيف- الشاهد: إبراهيم الطيب:
الرئيس: (لاحظ أن الشاهد يجفف عرقه) ما تمسحش عرقك.. لسه بدري أوي.
الشاهد: (يسعل)
الرئيس: لا بأس عليك عندك برد اقفل صدرك احسن تاخد هوا في زورك ، اقفل الياقة إذا حبيت تسبها مفتوحة وأنا مكالي أنا بانصحك .
مشهد آخر:
الرئيس : شفتم المبادئ اللي بتغري .. حريات إيه .. حوريات من الجنة (ضحك).
الشاهد : أنا لم يصل لعلمي شئ بالنسبة للمؤامرة الصهيونية.
الدفاع : ده نشرته كل الجرائد.
الرئيس: باعتباره محامي في مكتب عبد القادر عودة ما يصحش إنه يقرأ حاجة عن الصهيونية.. لو قرأها في الجرنال يقول استغفر الله العظيم (ضحك)
مشهد آخر:
الرئيس: إكرامًا للتاريخ علشان إلليّ ما سمعشي اسمك في الأول يسمعه في الآخر.. اسمك إيه؟
الرئيس : بتشتغل إيه؟
إبراهيم الطيب : محامى
الرئيس : سنك كام؟
إبراهيم الطيب : 32 سنة
الرئيس : طيب! تفضل .. مع السلامة .. إتفرجوا يا إخوان .. إتفرجوا يا مواطنيين .. إتفرجوا عليه و هو خارج.
قضية محمود عبد اللطيف – الشاهد: محمد خميس حميدة
الشاهد: أيوه ياأستاذ
الرئيس: أنا مش أستاذ خليك مؤدب
الشاهد: أنا متأسف .. أنا متأسف جدا .
مشهد آخر:
الرئيس: وهل الجمعية التأسيسية رأيها استشاري أيضًا؟ هي تجبر مكتب الإرشاد، ومكتب الإرشاد يتقدم بقراره وقراره استشاري.
الشاهد: هي ملزمة
الرئيس: مكسورة من هناك ونلحم، والماسورة مكسورة وخربانة من عند الجيران (ضحك).
قضية الأستاذ حسن الهضيبي – الشاهد: محمد خميس حميدة
الرئيس: تقف كويس وتتكلم بصوت عالي وبلاش تقف زى المسكين وتعيط ..لأن ده مش وضع ، عايزين تقول الحكاية من طأطأ لسلام عليكم.
الشاهد: أي تفصيل
الرئيس: عايزين الحكاية كلها من الألف إلى الياء وإذا ثبت إنك بتلف فيه إجراء يتخذ معًا.
مشهد آخر:
الشاهد: الرأي العام في الجماعة كان كده
الرئيس: ما تقول الرأي العام هو أنا هاطلع منك الكلام بالكماشة إنت تفتكر إنك لما تنكر الكلام إن دا يعفيك ويخلصك ويخلص المتهم والجماعة؟ اتكلم.. الناس في الدنيا كلها فأسوكوا وعرفوكم على حقيقتكم إذا كان من ناحية الدعوة ما فيش، اتكلم مافيش داعي إنك تخبي ودا آخر إنذار أدهولك علشان تتكلم.
مشهد آخر:
الرئيس: هل بلغ هذا الكلام للمرشد؟
كلام عن الحكومة عاوزة حل النظام؟
الرئيس : لا .. اللى انا عاوزه وقتين بطاطس .. إيه المصيبة دى .. اتكلم ياراجل إنت.
مشهد آخر:
جمال سالم : إسمك إيه؟
د . خميس : محمد خميس حميدة
جمال سالم : زعق
د . خميس : محمد خميس حميدة
حمال سالم : كمان مرة
د . خميس : محمد خميس حميدة
جمال سالم : إوعى حد يسمي ابنه محمد خميس حميدة (ضحك).
قضية الأستاذ حسن الهضيبي - الشاهد: محمد محمد فرغلي
الرئيس: لم لم تسع وتذهب الى الرئيس جمال عبد الناصر كما سبق وتسأله ؟
الشاهد : الظروف كانت متحرجة بعض الشئ .
الرئيس :ليه انت مش كنت بتقابله قبل حادث الاعتداء بثلاثة أيام ، وكنت متغدي عنده .
أحد الحاضرين: كمان ياراجل .. ياخبر أبيض (ضحك) .
الرئيس : مش كنت متغدى عنده قبلها بثلاثة أيام واللا فطران .. وكنت قاعد عنده قبلها بثلاثة أيام؟
الشاهد : ماكنتش أنا موجود
الرئيس : انت كنت بمفردك وفطرت عنده قبلها بثلاثة أيام
الشاهد : ده قبل كده بفترة طويلة
الرئيس : قبل الحادث ؟
الشاهد : ده من عدة أشهر.
الرئيس : يعني كمان تنكر الأكل اللى بتاكله .. تعمل زي القطط تاكل وتنكر.
قضية الأستاذ حسن الهضيبي- الشاهد: يوسف طلعت
الشاهد: السلام عليكم
الرئيس:عليكم السلام ورحمة الله سي يوسف (ضحك)
مشهد آخر:
الرئيس: ده كان المستشار الفني؟
الشاهد: تقريبا كنا بنعتبره زى كده
الرئيس: المستشار الفني للبعثة الفنية لإعادة التنظيم (ضحك).
مشهد آخر:
الرئيس (للمتهم حسن الهضيبي): شفت الجهاز اللي عملته ياحضرة المستشار القانوني
المتهم: لم أعمله .. احنا
الرئيس: لماذا لم تذهب الى الحكومة ياقصير الباع ؟ ياقصير الذيل؟
المتهم : الحكومة ماتقدرش تحله
الرئيس: ما تقدرش تحله؟
المتهم: آه
الرئيس: احنا حلينا سلسلة وسط أبوه.. احنا مش حنحله هو .. مش بس هو.
المتهم : أنا مش باقول حاجة
الرئيس : اقعد
مشهد آخر:
الرئيس : المرشد جاى منين؟
الدفاع : من بره
المتهم (يريد الكلام)
الرئيس: أنا مش عارف أكلم مين فيكم أنتم الاتنين أما إنت أو المحامي (موجها كلامه للمتهم) فين القانون اللي درسته؟
المتهم: احنا ماعندناش مانع أن المتهم يتكلم مع المحامي.
الرئيس : طريقتك وصلتك للنظام ده .. طريقتك عشان خاطر ناس يحرصوا على القوانين الموجودة فى البلد ولا يستهتروا بها .. القانون تخلى عنك من يوم مارضيت أن ترأس جهاز سري ، كان يجب على القانونيين يشيلوا منك صفة القانون ويسحبوها منك لأنك عار على القانونيين الموجودين فى البلد.
قضية عبد القادر عودة – المتهم يدافع عن نفسه
المتهم : حضرات القضاة .. أنا متهم بتهمة لو صحت لكنت الجاني وأنتم المجني عليهم .. و لست أعلم أن جانيا ارتاح لأن يحاكمه مجني عليه.
جمال سالم : ليست لك الحق فى هذا الاعتراض مطلقاً.
المتهم : أنا لا أعترض.
جمال سالم : ولا تلميحاً .. تقدر تتكلم مضبوط إتكلم ماتقدرشى نجيب لك محامى .
مشهد آخر:
المتهم : أنا أرجو ان تقرأوا الخطاب لتحكموا إذا كان موضوعا بشكل يقصد منه التحريف أو يدل على الكذب.
الرئيس : احنا حافظينه زي ماانت حافظ القرآن واحنا مش حافظينه .. احنا كفرة وانتم بس اللى تعرفوا فى الإسلام.
المتهم : من قال هذا .. إن الإسلام ليس دين أشخاص إن الإسلام دين الله.
الرئيس : وانت مالك بنا احنا كفرة .
مشهد آخر:
المتهم: كوني أترافع عن عبد المنعم عبد الرءوف دليل أنى متصل بالنظام تدليل لا أستسيغه.. واخشى إن الدكتور هاشم يقال انه اشترك فى النظام لأنه دافع عن ناس فى النظام.
الرئيس: بلاش مسخرة ومهزأة .. ملكش دعوة بالدكتور هاشم واحترم نفسك.
ظهور المحامي المنتظر.. أسوأ رواية طويلة
بقلم: عبد الحليم الكناني
الفصل الأول: الهروب الكبير.. وظهور المحامي المنتظر
(1) موجز الأنباء- القاهرة في 11/11/1954م وكالات الأنباء
- "عقد مجلس نقابة المحامين المصرية برئاسة عمر عمر نقيب المحامين اجتماعًا طارئًا للبحث في طلب مكتب الادعاء التابع لمحكمة الشعب، والذي خاطب النقابة بشأن انتداب بعض المحامين للترافع عن محمود عبد اللطيف المتهم بالشروع في قتل رئيس الوزراء المصري جمال عبد الناصر، وبالفعل اتصل مجلس النقابة ببعض المحامين.. ولكنهم رفضوا جميعًا.. وهؤلاء غير الثلاثة الذين طلبهم المتهم بالاسم ورفضوا الترافع عنه بشدة"
مَن هو هذا المتهم البائس الذي رفض الجميع الدفاع عنه؟.. وما تهمته الغريبة؟ وما حكايته العجيبة؟
(2) الأنباء بالتفصيل: الهروب الكبير للمحامين الكبار
تبدأ الرواية العجيبة في يوم الثلاثاء 9 نوفمبر 1954م حين بدأت محاكمة المتهم البائس محمود عبد اللطيف، وننقل بعضًا من تفاصيل الجلسة الأولى:
قال رئيس المحكمة: أنت متهم بأنك في يوم 26 أكتوبر 1954م وما قبله في مدينتي القاهرة والإسكندرية
- أولاً: بالاشتراك مع آخرين في تنفيذ اتفاق جنائي، الغرض منه إحداث فتنة دامية لقلب نظام الحكم، وذلك بإنشاء نظام خاص سري مسلح للقيام باغتيالات واسعة النطاق، وارتكاب عمليات تدمير بالغة الخطورة وتخريب شامل في جميع أرجاء البلاد تمهيدًا لاستيلاء الجماعة التي تنتمي إليها على مقاعد الحكم بالقوة.
- وثانيًا: بالشروع في قتل البكباشي أركان حرب جمال عبد الناصر رئيس الحكومة تنفيذًا للاتفاق الجنائي المشار إليه في الفقرة الأولى.. مذنب أم غير مذنب؟
لم يرد المتهم محمود عبد اللطيف..
قال رئيس المحكمة: سمعت الادعاءات التي قلتها.. فاهم الادعاء الذي عليك؟
المتهم: نعم.
رئيس المحكمة: مذنب أم غير مذنب؟
المتهم: مذنب! (وكانت هذه أولى مفاجآت المحكمة.. أنْ يقر متهم أنه مذنب.. مهما كانت التهمة الموجهة إليه.. وكأنه يتعمد أن يقطع على نفسه أبواب الأمل).
المدعي العام: المتهم لما أعلناه بالادعاءات سألنا إذا كان له محام فقال ليس عنده محام، وقانون تشكيل المحكمة لا يستلزم وجود محام مع المتهم، والقضية جاهزة ونطلب نظرها. (وكانت هذه ثاني أعاجيب المحكمة.. فلا داعي لوجود محامٍ يترافع عن المتهم حسب قانون تشكيل المحكمة).
يتساءل رئيس المحكمة: المتهم عايز حد يدافع عنه؟
المتهم: عايز (يتمسك المتهم بهذا الخيط من الأمل.. ويطلب محامي).
رئيس المحكمة: عايز مين؟
المتهم: محمود سليمان الغنام.
رئيس المحكمة: مَن؟
المتهم: محمود سليمان الغنام المحامي.
رئيس المحكمة: وإذا كان سليمان غنام ما يرضاش؟ (هذا السؤال الغريب.. لم يُوجه إلى أي متهم آخر مطلقًا.. وكأن القاضي كان يتنبأ الغيب).
المتهم: فتحي سلامة.
رئيس المحكمة: وإذا كان سلامة ما يرضاش؟ (يتكرر السؤال الفذ.. ويتكرر توقع الرفض.. لماذا؟)
المتهم: مكرم عبيد
رئيس المحكمة: وإذا كان ما يرضاش؟ (يتكرر للمرة الثالثة.. أهو يقين أنهم سيرفضون أم ماذا؟).
المتهم: يبقي أي واحد! (يتعلق المتهم ببصيص من الأمل.. لعله)
رئيس المحكمة: أي واحد؟!.. طيب!!.. الادعاء يتصل بالمحامين اللي قال عنهم المتهم بحسب ترتيبهم فإذا رفضوا ينتدب له محام للدفاع عنه (إصرار على توقع الرفض.. ووضع الحل البديل الجاهز). وتتأجل القضية 48 ساعة لجلسة الخميس 11 نوفمبر الساعة العاشرة صباحًا.. رُفعت الجلسة"!
(3) لقاء في المنفى مع الكبار الهاربين
قالت جريدة "الأخبار" إنَّ المحامين الثلاثة الكبار اعتذروا عن الدفاع عن محمود عبد اللطيف في هذه القضية (تمامًا كما توقع رئيس المحكمة!! ياللبصيرة النافذة والفراسة التي لا تخيب.. اتقوا فراسة العسكر فإنهم يرون ما وراء الجدر).
وعندما سألتهم "الأخبار" أعطى كل واحد منهم أسبابه للرفض:
- قال سليمان الغنام: أنا لا أوافق إطلاقًا لأني أستنكر كل الاستنكار هذه الجريمة البشعة، وقلبي وشعوري معكم، فلا أستطيع بأي حال تولي هذه المهمة والدفاع عن مجرم أثيم. ويبدو أن هذا المتهم اختارني لأني من مركز إمبابة وهو يعرف اسمي عن هذا الطريق. فأنا لم أسمع باسمه إلا بعد جريمته النكراء الشنيعة!.
وقال فتحي سلامة: أنا أرفض الدفاع عن هذا المتهم لأني محام ولي شعور وطني ولأني احتقر هذا المجرم.. كيف أرغم نفسي على الدفاع عنه؟ إنني لن أجد كلامًا أقوله، ولو تكلمت عن الرأفة فسأكون مخالفًا لضميري كل المخالفة؛ لأن جريمة محمود عبد اللطيف لا تحتمل الرأفة، وقد أرسلت برقية إلى رئيس المحكمة بهذا المعنى.
وقال مكرم عبيد: هذا غريب.. وهذا عجيب..أنا طول حياتي لم أرَ هذا المتهم ولا هو رآني، وأنا لا أستطيع الدفاع عمن يعتدي على جمال عبد الناصر، ماذا يبقى بعد ذلك؟!!، إنه جُرم خطير وأنا لا أُمانع في حالة ما إذا كانت الجريمة جريمة قتل عادية.. لكن هذه الجريمة موجهة إلى قلب الوطن.. مستحيل.. مستحيل!
(هذا الرفض القاطع الذي جاء كما توقع القاضي العجيب تمامًا.. بمَ يُوحي للقارئ.. وهل لنا أن نتساءل: هل كانت الجريمة من البشاعة بحيث تبرر رفض المحامين للدفاع عن المتهم؟ كلا.. فهي محاولة اغتيال سياسي.. (ليست جريمة تجسس أو دعارة أو تجارة مخدرات.. إلخ).
هل كانت أول جريمة محاولة اغتيال سياسي تحدث في مصر؟ كلا.. لقد سبقتها عشرات بل مئات القضايا.. بعضها شروع في اغتيال، وبعضها اغتيال حدث فعلاً.. بل والعجيب أنَّ أحد قضاة المحكمة العجيبة (أنور السادات) شارك فعليًّا في عملية اغتيال أمين عثمان باشا وقُدِّم للمحاكمة وترافع عنه كبار المحامين. هل سبق أن رفض المحامون الترافع عن متهم في قضية اغتيال سياسي؟
لم تحدث هذه السابقة من قبل، وهذه أمثلة من أشهر قضايا الاغتيالات السياسية التي حدثت بمصر:
- في قضية محاولة اغتيال نسيم باشا يوم 12/6/1920م (اتهم فيها إبراهيم حسن مسعود) حضر معه جمع من المحامين ترافعوا أمام المحكمة العسكرية.
- وفي قضية الشروع في قتل صدقي باشا: اتهم محمد طه أبو زيد بمحاولة قتله، ولم يتخلَّ عنه المحامون في حين تخلَّى عنه والده وتبرأ منه نفاقًا وخنوعًا.
- وفي قضية القنابل الأولى (اتهم فيها د. نجيب إسكندر وآخرون) وترافع عنهم نوابغ المحامين: لطفي جمعة ومحمد عرفة ومحمد أمين عامر.
- وفي قضية القنابل الثانية (اتهم فيها عبد القادر بك مختار وآخرون) ترافع عنهم مَن سبق ذكرهم بالإضافة لمحمد علي علوبة باشا.
ويقول المحامي الشهير الأستاذ شوكت التوني:
- "قُتل حكمدار العاصمة، وقُتل أمين عثمان باشا وزير المالية، وقُتل أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء، وقُتل النقراشي باشا رئيس الوزراء، وشُرع في اغتيال ابراهيم عبد الهادي باشا رئيس الوزراء، واستنكر الناس هذه الجرائم وكرهوا مرتكبيها، ولكنَّ هؤلاء القاتلين وجدوا من المحامين نفرًا كريمًا يتطوع للدفاع عنهم في الموقف النكد".
فهل حقًا أبلغوا ورفضوا؟ ذلك غريب وعجيب وغير مسبوق. أم أن مكتب الادعاء وهيئة المحكمة دبَّرت الأمر بليل، وعاونتها الصحافة على هذا الدجل المفضوح؟ ولا يستطيع المحامون في تلك الظروف وهذا المناخ أن يكذبوه؟.
(4) نقابة المحامين وابحث معنا عن محامٍ
- "وقالت الصحف استكمالاً للخبر السابق، والذي أملاه عليها مكتب الادعاء: إنَّ مكتب الادعاء خاطب نقابة المحامين فاجتمع مجلس النقابة في الحال برئاسة عمر عمر نقيب المحامين واتصل ببعض المحامين.. ولكنهم رفضوا جميعًا".
- (وهذا أمر غريب على نقابة المحامين.. وعلى المحامين أجمعين.. فمما يذكره لها التاريخ بأسطر من نور أنها في 3 نوفمبر سنة 1919م اجتمعت برئاسة نقيبها عبد العزيز فهمي باشا، وأصدرت احتجاجًا شديد اللهجة على منع المحامين من الحضور مع المتهمين في التحقيقات، وكان المناخ السائد في البلاد أشد رهبة ودموية).
(5) المفاجأة: ظهور المحامي المنتظر
- "وبعد أن يئس المتهم ويئسنا معه من العثور على محامِ واحد يقبل الدفاع عنه، وسلم أمره إلى الله.. حدثت المفاجأة.. وظهر المحامي المنتظر.. ولا تسل كيف ظهر. فقد عُقدت الجلسة الثانية لمحاكمة محمود عبد اللطيف يوم الخميس 11 نوفمبر
وكانت المفاجأة:
- رئيس المحكمة للمتهم: سمعت الادعاء الذي عليك، وقلت إنك مذنب.. ما أقوالك؟ السيد حمادة الناحل رايح يترافع عنك.. وأحب أن أقول إن المحكمة تشكره على تطوعه للدفاع عنك.
- المحامي حمادة الناحل: وأنا بدوري أشكر المحكمة على هذه الثقة أدعو الله أن يوفقني في مهمتي.
- (لماذا هذا المحامي بالذات؟ وكيف اختير.. وكيف ظهر.. وما الدور الذي قام به.. في الجلسات سيأتيك الخبر).
الفصل الثاني: المحامى المنتظر .. وشهود النفى التعساء
هل قرأ المحامي المنتظر أوراق القضية والتحقيقات قراءة منصفة متدبرة؟ أشك في ذلك كثيرًا.. أو أنه قرأها وتعامى عن كثير من الثغرات الموجودة فيها.. وهذا الظن أقرب لليقين.
ومبعثه تساؤلات كثيرة واضحة كانت تحتاج إلى بيان وردود:
هل تساءل المحامي المنتظر: لِمَ لَمْ تستدعِ المحكمة شهود الإثبات؟
هل تساءل المحامي المنتظر: أين الثلاثة الآخرون الذين قُبض عليهم مع المتهم (محمد عامر حماد- محمد إبراهيم دردير- الحسيني السيد عزام)؟ ولماذا اختفوا ولم نسمع عنهم شيئًا بعد ذلك؟
هل تساءل المحامي المنتظر: أين العسكري إبراهيم حسن الحالاتي الذي قَبض على المتهم؟ ولماذا اختفى ولم يظهر بعد ذلك مطلقًا؟.
هل تساءل المحامي المنتظر: م اسر اختلاف الطلقات التي عُثِرَ عليها عن نوعية المسدس المضبوط معه؟
هل تساءل المحامي المنتظر: عن سر حكاية خديوي آدم.. والمسدس الذي عُثِرَ عليه.. والثغرات المحيطة بها؟.
لو قرأ المحامي المنتظر أوراق القضية.. بل أوراق الصحف فقط لاستنتج منها عشرات الثغرات التي يستطيع منها أن يدافع عن موكله.. ويُحاول بها أن ينقذ رقبته.. لكنه لم يفعل شيئًا من ذلك.. لماذا؟
أهي قلة خبرة وضعف كفاءة؟ كلا.. فهو من مشاهير المحامين.
إذنْ فما تفسير هذا السلوك العجيب؟!!
الغريب: أن المحامي المنتظر نزل علينا فجأةً في الجلسة الثانية، وجاءوا له بشهود النفي، وكأنهم كانوا له منتظرين (شهود النفي يأتون بناءً على طلب المحامي أو المتهم، ويفترض أن يستفيد من شهادتهم لمصلحة موكله)..
ولكن انظر كيف تعامل المحامي مع شهود النفي؟:
(1) عدم مناقشة الشهود في تفاصيل الحادث ومقدماته: والبحث عن أي ثغرة يبرئ بها موكله أو يخفف من عقوبته بقدر ما دارت المناقشة حول إدانة الجماعة واستهجان مواقفها والتعليق على بعض الأحداث السابقة من تاريخها.
(2) عدم الاستفادة من الثغرات التي ظهرت أثناء مناقشة النيابة والقاضي للشهود: وهذه ثغرة هامة وخطيرة ظهرت أثناء مناقشة الشاهد إبراهيم الطيب، وعدم تعرفه على الطبنجة التي عرضوها عليه، وأنكر أنها الطبنجة التي سلَّمها لهنداوي دوير.. وهرب رئيس المحكمة من هذه الورطة بأن قال له في سماجة: تشتريها بكام؟.. وسكت المحامي المنتظر وكأنَّ الأمر لا يعنيه ولا يعني موكله المتهم المسكين.
محكمة الشعب - الجزء الثالث - محاكمة محمود عبد اللطيف
الشاهد: إبراهيم الطيب
الرئيس للشاهد: هي دي الطبنجة؟
الشاهد: أنا لم أسلمه هذه الطبنجة إطلاقًا.
الرئيس: تشتريها بكام؟
الشاهد: أنا متأكد يا أفندم من كلامي
(3) السخرية من الشهود وتوجيه الإهانات الجارحة لهم:
والتي تمس أخلاقهم وضمائرهم ونياتهم وإيمانهم (مما اضطر رئيس المحكمة نفسه أن يلفت نظره لذلك؛ بل إن يذكره بأنهم (شهود نفي) جاءوا بناءً على طلب المتهم والمحامي ولمصلحة المتهم.
يقول المحامي الكبير الأستاذ محمد شوكت التوني بخصوص شهادة الشهود: "يجب أن يقدر للشاهد قدره كإنسان، ويُعطى من الاحترام ما يجب إعطاؤه لكل إنسان لم يقترف إثمًا أو بالأصح لم يثبت عليه جرم".
محكمة الشعب - الجزء الرابع - محاكمة محمود عبد اللطيف
شاهد: حسن الهضيبي:
مشهد آخر:
الرئيس: أرجو الدفاع أن لا ينسى أنه هو الذي طلبه شاهد.. يعني الشاهد ده بتاعك، فلا يجب إن يكون هناك حاجة عصبية بين الدفاع والشاهد الذى طلبه (ضحك).
محكمة الشعب - الجزء الرابع - محاكمة محمود عبد اللطيف
شاهد :حسن الهضيبي:
مشهد آخر:
الدفاع: ماهي ثقافة يوسف طلعت؟
الشاهد: لا أعرف
الدفاع: هل فعلاً يوسف طلعت رئيس الجهاز السري؟
الشاهد: حضرتك تسميه الجهاز السري وأنا لا أسميه الجهاز السري.
الدفاع : سميه زى ما أنت عاوز
الرئيس: سميه النظام الخاص
الدفاع: أنا!! لا يملك هو ولا ألف زيه إنهم يملوا عليَّ تسمية معينة.
الرئيس: نرجو ألا تتعرض لكرامة الشاهد إطلاقًا.
الدفاع: وهو أيضًا في كلامه تجريح لي.. ليس له أن يفرض (الرئيس: في معنى "ولا ألف زيك" تجريح لكرامة الشاهد).
الدفاع: وهو أيضًا لا يتعرض لكرامتي.. على تسمية
مشهد آخر:
الدفاع : ترى هل تؤمن بالحديث الذي يقول "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وهو أضعف الإيمان" هذا حديث أم لا ؟
الشاهد: نعم حديث.
الدفاع: ما هي مرتبة إيمانك بالنسبة لهذا الحديث؟ (الرئيس: نرجو عدم التعرض لإيمان الشاهد).
الدفاع: الشاهد.. (الرئيس: لا تتعرض لإيمان الشاهد لأن هذا شيء يخصه بينه وبين ربه وربنا الذي خلقه).
مشهد آخر:
الشاهد: إذا كان فيه منشورات أنا عملتها، قلْ لي عليها وأنا أقول أنا عملتها.
الدفاع: أنا لا أقول أنك عملت منشورات.. أنا أقول هل تدري عنها شيئًا؟
الشاهد: لا أدري.
الدفاع: آخر سؤال حاسأله ولك أن تجيب عليه أولا تجيب عليه..
الشاهد: نعم
الدفاع: هل تعرف قول الشاعر: فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
الشاهد: آه أعرفه.. نعم (ضحك).
(4) مقاطعة الشهود دائمًا وعدم تمكينهم من إكمال ردودهم على الأسئلة:
إذا كانت لا تسير في الاتجاه الذي يريده من التهجم على الجماعة وقيادتها ومواقفها، (مما اضطر رئيس المحكمة نفسه من لفت نظره لذلك).
محكمة الشعب- الجزء الرابع- محاكمة محمود عبد اللطيف
شاهد: حسن الهضيبي:
الدفاع: هل تعتقد أن رئيس أي هيئة حينما يعتصم بالسلبية المطلقة في إجابته يشرف هذه الهيئة أم لا؟
الشاهد: لا.. ولكن لازم حضرتك تلاحظ الظروف. (الرئيس: الشاهد لا يجاوب على هذا السؤال).
الشاهد: طيب
الدفاع: هل من شأن رئيس أي هيئة أن يلم بشئونها المالية- وشئونها المالية هي عصبها- أم لا؟
الشاهد: الذين يعملون في هذه المسائل لعلهم أقدر مني، وهم فعلاً أقدر مني.
الدفاع: أنا معك أنهم أقدر منك لأنهم.. (الرئيس: يترك السيد الدفاع الفرصة علشان الشاهد يجاوب).
(5) التهجم على جماعة الإخوان وتجريح تاريخها وقيادتها وشخصياتها المعروفة:
(مما اضطر رئيس المحكمة نفسه- رغم ما كان عليه من سلاطة لسان- أن يوقفه عن التمادى في هذا المسلك الشائن الذى جاوز به كل الحدود).
محكمة الشعب - الجزء الثالث - محاكمة محمود عبد اللطيف
شاهد: إبراهيم الطيب:
الدفاع: سؤال أخير.. هل كان من قبيل المصادفة وحدها أن تكتشف وزارة الداخلية مؤامرة صهيونية هدفها الفوضى والحيلولة بين مصر وبين كمال الاتفاقية في نفس الوقت الذي يبين فيه أن هناك جهازًا سريًّا للإخوان هدفه الانقلاب عن طريق الفوضى أو الفوضى عن طريق الانقلاب؟
الشاهد: أنا طبعًا لم يصل لعلمي شيء عن المؤامرة الصهيونية.
الدفاع: ده نشرته كل الجرائد.
الرئيس: باعتباره محامي في مكتب عبد القادر عودة لا يصح أن يقرأ حاجة عن الصهيونية.. لو قرأها في الجرنال يقول استغفر الله العظيم (ضحك)
الشاهد: أنا مدى معلوماتي أن الإخوان كانوا بيقفوا مواقف باستمرار..
الدفاع: أنا لا أسألك عن الإخوان.. دي مصادفة أم لها أصل؟
الشاهد: لا أعتقد أن الإخوان أداة للصهيونية
الدفاع : لا تعتقد أن الإخوان أداة للصهيونية؟
الشاهد : لا
الدفاع : ولو من غير اتفاق؟
الشاهد: لا
مشهد آخر:
الدفاع: بماذا تعلل استنكار العام الإنساني كله لأعمال الإخوان فيما عدا راديو إسرائيل فقد أقرها ودافع عنها؟
الشاهد: لم أسمعه، ولم أسمع صدى الجرايد بالخارج
الدفاع : لم تسمعه، ولم تسمع صدى الجرايد بالخارج؟
الشاهد: نعم
الدفاع: وإذا كنت أنا أنقل لك هذا الخبر.. هل تصدقني؟
الرئيس: ليه.. إنت من الإخوان؟! (ضحك).
محكمة الشعب- الجزء الرابع- محاكمة محمود عبد اللطيف
شاهد: حسن الهضيبي:
الدفاع:هل تعرف شيئًا عن ثروة محمد فرغلي؟
الشاهد: لا
الدفاع: هل تعرف شيئًا عن مرتبه؟
الشاهد: لا أبدًا
الدفاع: أتعرف شيئًا عن عمله؟
الشاهد: أنا أسمع على ما أفهم أنه واعظ في الإسماعيلية.. هذا كل الذي أعرفه
الدفاع : وبمرتب محدود أم كبير؟
الشاهد : لا أعرف ولم أسأل.. هل الحكومة تعطي مرتبات غير محدودة؟.. أنا لم أسأل عن هذه النقطة.. أنا لا أعرف إلا أنه من الإخوان المسلمين.
الدفاع: هل تعرف أن محمد فرغلي يمتلك عزبة في الإسماعيلية مساحتها عشرين فدانًا مزروعة بالفواكه؟
الشاهد: والله لا أدري .. لا أعرف
الدفاع: هل تعرف أن لمحمد فرغلي عمارتين في الإسكندرية؟
الرئيس: لا داعي للتعرض للحاجات الخاصة دي.
الشاهد: أنا لا أعرف.
الدفاع: أقدر أُبيِّن مصلحتي في هذا السؤال؟ هذا الرجل ضلل.
الرئيس: والله إذا كان التضليل إنك عاوز تشرح الشخص نفسه، فهذا ليس من اختصاص المحكمة.
الدفاع: أنا عاوز أبين أن محمود عبد اللطيف مُضلَّل..
الرئيس: هو ما ضللشي بالعزبة بتاعة محمد فرغلي ولا بالعمارتين اللي في إسكندرية..
الدفاع: أنا عاوز أقول إن مصدر هذا هو إن محمد فرغلي كان يأخد الأسلحة من الضباط الأحرار ويبيعها مرتين.
الرئيس: محمد فرغلي استفاد من هذه العملية ولكنه لم يضلل محمود عبد اللطيف بالعزبة والعمارتين.. وهذه المسائل لا تدخل إطلاقًا في التضليل.. ولا تدخل إطلاقًا في اختصاص هذه المحكمة.
الدفاع: وهو كذلك..
مشهد آخر:
الدفاع: هل يشترط في أعضاء مكتب الإرشاد شروط خاصة من حيث الصلاحية.. يعني أي واحد ممكن يعين أو لابد توافر شروط خاصة؟
الشاهد: شروط الصلاحية والأخلاق
الدفاع: مارأيك في صلاحية عبد الحكيم عابدين؟
الرئيس: لا تجب على هذا السؤال.
الفصل الثالث: الطريق الى المشنقة.. مرافعة المحامي المنتظر
تستحق أن تُسمى "أعجب مرافعة في تاريخ المحاماة" إنها مرافعة دفاع.. لكنها أقوى في إثبات التهم من مرافعة الادعاء نفسه، إنها لا تلف حبل المشنقة حول المتهم وحده، بل حول جماعة الإخوان المسلمين بأكملها
وهذه مقتطفات منها:
"وإذن ففي استطاعتنا أن نتساءل بعد ذلك ماذا سجَّل الإخوان الإرهابيون لبلادهم، سيبقى لهم فضل تسجيل أنهم ابتكروا وأول مَن ابتكروا في العالم المتمدين..أتدرون ماذا اخترعوا أول ما اخترعوا في العالم المتمدين..اخترعوا الإنسان الآلي الذي يُضغط على زرٍ فيه فإذا به يتحرك كما يشاء المحرك.. حاولت الإنسانية طويلاً أن تخترع الإنسان الآلي فعجزت.. ولكن اخترع الإخوان الإرهابيون هذا الإنسان الآلي.. فسجلوا خزيًا عالميًّا".
ولقد اتفق معي الأستاذ عبد الرحمن صالح (المدعي العام) حينما قال إنه لا يستغرب أن يختلف رجال الثورة مع هؤلاء لأن رجال الثورة أحرار فهذا صحيح..
وآية هذا
- أولاً: موقفهم من فاروق، فلقد سُجلوا في التاريخ لا في التاريخ الحديث فقط، ولكن في العالم المتمدين كله
- وثانيًّا : موقفهم من إنجلترا كان وكان تدبير الرجال لا تهريج الصغار واستهدفوا بلادهم ومصلحتها ولم يستهدفوا الديماجوجية الساقطة.. والتي كان يُقال لها لم فعلت هذا فيقال لاستجابة الجماهير.
- وثالثًا: لأنهم قدموا لنا جمال عبد الناصر.. وجمال عبد الناصر إذا لم يكن له سوى موقفه خلال هذه الرصاصات الطائشة لكان مثلاً رفيعًا من حق الأجيال أن تفاخر به..جمال عبد الناصر حينما أُطلقت عليه الرصاصات الطائشة..
- الرئيس: فوِّت والله جزء جمال عبد الناصر.
- الدفاع: إذا سمحت لي المحكمة بدقيقة لأن هذا جزء من الدفاع..
- الرئيس: مش داخل في موضوع القضية..
- الدفاع: ده مجني عليه
- الرئيس: مفيش داعي للتعرض إليه"
- "كنت أتمنى حقيقة ومن أعماق قلبي أن يجيء الهضيبي هنا وخميس ومن إليهم.. ليقفوا كرجل.. ويقولوا هذا هو إيماننا حاسبونا عليه.. تريدون إرهابًا؟.. نعم.. تريدون انقلابًا؟ نعم.. دبرنا وفشلنا.. كنت أتمنى هذا لكي يرتفع رأسي حتى بالمخطئين من مواطني..
- ولكن مع الأسف الشديد كانوا يقدمون المتهمين في الثورة الفرنسية فيقولون لقضاتهم.. هذه هي الحقيقة على ألسنتنا.. وهذه رؤوسنا على أكفنا.. فخذوا الثانية ولكن بعد أن تسمعوا الأولى.. جزوا رؤوسنا.. ولكن بعد أن تسمعوا الحقيقة.. هذا في فرنسا وفي غيرها من بلاد الحرية.. ولكن هل خلت مصر من هذا المعنى.. لا..
- ولكي يكتمل إيماننا ببلدنا يجب أن نعرف بأن الشيخ العدوي منذ حوالى 70 عامًا قُدِّم إلى محكمة عسكرية غداة دخول الإنجليز.. وكانت تحكم بالإعدام.. فواجهوه باتهاماتهم وقالوا له هل كتبت هذه المنشورات التي تُعلن فيها أن الخديوي توفيق خائن لأنه تعاون مع الأعداء.. ويريد أن يمكن لهم من احتلال البلاد.. فأجاب الشيخ العدوي منذ سبعين عامًا بعد أن اتكأ بيديه على منضدة العسكريين الذين يحاكمونه وقال لهم: نعم.. لقد وقَّعتُ هذه المنشورات واكتبوا لي مثلها لأوقعها من جديد..
- فلم تجدب مصر من رجالاتها بل كانت دائمًا سخية بهم.. ولكن الإخوان لم يريدوا أن يقفوا هذا الموقف لسبب واحد، وهو أن الشيخ العدوي كان يخدم فكرة نظيفة كان يؤمن بمثل عليا.. فسجَّلها وأراد أن يدفع حياته في سبيلها.. أما اليوم فالإخوان الإرهابيون.. لا أجد لهم مثيلاً في التاريخ.. إلا.. بلاش أمثلة.."
الخاتمة
وهل هناك خاتمة غيرها.. بعد هذه المحاكمة العجيبة.. وهذا القاضي العجيب.. وذلك المحامي العجيب.. ماذا ينتظر أن يكون الحكم غير ما صدر: "في الساعة الحادية عشرة من صباح السبت 4 ديسمبر سنة 1954م أصدرت محكمة الشعب حُكمها بإعدام المتهم محمود عبد اللطيف شنقًا".