مدرسة القضاء الشرعي وأثرها وموقف الإخوان منها

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مدرسة القضاء الشرعي وأثرها وموقف الإخوان منها


مقدمة

جاءت الدعوة المحمدية لتغيير وضعية القوانين التي كانت تحكم الأرض آنذاك حيث كانت القوة هي القانون الأكبر في الحكم بين الناس، حتى جاء الإسلام فنظم المعاملات ووضع الجميع أمام ميزان الحكم الشرعي لا فرق بين أمير وفقير ولا سيد وعبد ولا مسلم وغيره فالحقوق المدنية صانها الإسلام بين جميع الناس.

القضاء الشرعي في مصر

ذكر الدكتور حمادة حسني:

"كان النظام القضائى فى مصر منذ الفتح الإسلامى للبلاد، هو النظام القضائى الشرعى فكانت المنازعات تعرض على القاضى وهو يفصل فيها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ويقوم هذا النظام على "الإنابة"، فالخليفة يعين "قاضى القضاة" وهو بدوره يعين القضاة، ولكن لم تكن هناك درجات متعددة من التقاضى بل كان هناك ما يسمى بوحدة القاضى
وفى هذا النظام أيضاً نوع من القضاء الإدارى يتولاه "صاحب المظالم"، وقد كان ينظر فى الشكاوى التى يتظلم بها الناس من تصرفات الحكام، كما كان هناك فرع متخصص للنظر فى قصايا الجند يسمى قاضيه "قاضى العسكر" وهى وظيفة التى عرفت فى النظام القضائى الإسلامى من قديم، وبالإضافة لكل ما سبق كان هناك "المحتسب" الذى كانت وظيفته مراقبة الأسواق والطرق وقد طبق هذا النظام حتى الفتح العثمانى لمصر (1517م)، فأصبحت مصر ولاية وأنشئت فيها محاكم شرعية بعد تقسيمها إلى 36 ولاية قضائية" (1)

لكن القضاء الشرعي تعرض لكثير من الانتهاكات والحروب منذ أن ضعفت دولة الخلافة الإسلامية وقويت يد الدول الغربية التي طمعت في ميراث دولة الخلافة فسعت إلى تفكيكها والسيطرة عليها واحدة تلو الأخرى بمعاونة جندها وعتادها وبعض الخونة في نظم الحكم في الولايات التابعة لدولة الخلافة وعلى رأسهم مصر.

فما أن وطأ الاستعمار الفرنسي أرض مصر عام 1897م حتى كان هدفه الأول طمس الهوية الإسلامية ومعالمها ومنها القضاء الشرعي غير أن الاضطرابات والقلاقل وقصر مدة احتلاله لم تمكنه من اجتثاث القضاء الشرعي حتى خرج.

لكن ما إن عاد محتل جديد يطأ أرض مصر وهو المحتل الإنجليزي عام 1882 إلا وقد سعى إلى تغيير كل المعالم والمظاهر الإسلامية لكن بالتدريج تارة وبالقوة تارة أخرى حتى لا يصطدم مع الشعب مباشرة، فعملوا تدريجياً على بسط نفوذهم على سائر وظائف الحكومة ومناصبها من خلال وظيفة "المستشار" المعين من قبلهم فى كل وزارة وهيئة

وكانوا قد تركوا للخديو ثلاثة مجالات هى الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، فلما تمت لهم السيطرة على جهات الحكومة المختلفة شرعوا عام 1899 فى العمل على النفاذ إلى المحاكم الشرعية، وأعد المستشار الانجليزى لوزارة الحقانية مشروعاً لإعادة تنظيمها، وكان هدفه الحقيقى إلغاءها لكنه لم يستطع وظلت كذلك حتى ألغاها جمال عبد الناصر في سبتمبر 1955م

بعد حملة شرسة قامت بها صحف القاهرة لطخت فيها القضاء الشرعي بكل ما هو مستقذر، على إثر تلفيق قضية لقاضيين من قضاته الأجلاء، هما فضيلة الشيخ عبد الفتاح سيف، وفضيلة الشيخ عبد القادر الفيل، استخدمت فيها امرأة تحوطها شبهة! خاصة بعدما حكم الشيخ الفيل على صلاح سالم بدفع نفقه لمطلقته كما كان الشيخ الفيل معارضا لحكم عبد الناصر متهكما عليه.

حيث يصف حمادة حسني هذا القرار بقوله:

"وبعد يوليو 1952 حدثت تحولات جذرية فى بنية السلطة وهيكل النظام السياسى، كان من نتائجها تغير كبير فى نمط علاقة الدولة بالمجتمع، فزال نمط "الاستقلال النسبى" الذى ساد طوال العهد الملكى وحل محله نمط "الدولة السلطوية"، التى أصبحت مسئولة عن كل صغيرة وكبيرة فى حياة المجتمع" (2)

رحلة إنشاء مدرسة القضاء الشرعي

عهدت الحكومة إلى الشيخ محمد عبده (مفتي مصر عام 1899م) بالتفتيش على المحاكم الشرعية ودراسة أحوالها واقتراح ما يراه لازماً لإصلاحها، فحمل الأمر محمل الجد ووضع يده على كثير من ثغراتها، حيث طالب باسترداد اختصاصات المحاكم الشرعية، وأيضا إقامة مدرسة للقضاء الشرعي.

وفي (أبريل 1905) شُكلت لجنة برئاسة الشيخ محمد عبده، مفتي مصر وقتها، لإعداد لائحة المدرسة المقترحة، ووضع نظامها الدراسي، وتحديد الكتب المقررة، ومدة الدراسة، والميزانية، لكن وفاة الشيخ محمد عبده، أخرت التنفيذ.

وبعد فترة أحى المشروع سعد زغلول (وزير المعارف)، وبعد ضغوط كبيرة تمت الموافقة على إنشاء المدرسة في 12 من المحرم 1325ه الموافق 25 فبراير 1907م وكان هدفها تخريج القضاة والمفتين، وقد تخرج فيها أمثال الشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ محمد الخضري بك، الشيخ مصطفى عبد الرازق، وإبراهيم مدكور، وأحمد أمين، وعبد الوهاب عزام، والشيوخ: حسنين مخلوف، وعلي حسب الله، وعبد الوهاب خلاف، وغيرهم. (3)

وانقسمت المدرسة إلى قسمين:

الأول لتخريج الكتبة، والثاني لتخريج القضاة والمحامين. وظلت المدرسة قائمة حتى ألغيت في سنة (1347هـ = 1928م) وألحقت بالجامعة الأزهرية.

لائحة مدرسة القضاء الشرعي

لقد صدر القانون رقــم 2 لسنة 1907 — بتاريخ 27 / 2 / 1907

بشأن إنشاء مدرسة القضاء الشرعي، حيث جاءت مواده كالتالي:

المادة (0): بعد الاطلاع على قانون الجامع الأزهر الصادر به الأمر العالي بتاريخ 20 محرم سنة 1314 (أول يوليو سنة 1896) نمرة 3. وبناء على ما عرضه علينا ناظر المعارف العمومية وموافقة رأي مجلس النظار. أمرنا بما هو آت.

المادة (1): يخصص قسم من الأزهر لتخريج قضاة ومفتين أعضاء ووكلاء دعاوى وكتبة للمحاكم الشرعية ويسمى (مدرسة القضاء الشرعي).

المادة (2): تكون هذه المدرسة باعتبار كونها قسما من الأزهر تحت إشراف شيخه ويكون لطلبتها من الامتيازات ما لغيرهم من الأزهريين ويتولى إدارتها ناظر يعينه ناظر المعارف ويكون لها محل مخصوص.

المادة (3): تنقسم هذه المدرسة إلى قسمين القسم الأول لتخريج كتبة للمحاكم الشرعية والقسم الثاني لتخريج قضاة ومفتين وأعضاء ووكلاء دعاوى للمحاكم الشرعية أيضا.

المادة (4): يشترط فيمن يدخل القسم الأول من مدرسة القضاء الشرعي ما يأتي:

أولا: أن يكون طالب علم في الأزهر أو أحد ملحقاته مدة ثلاث سنين وأن يكون حميد السيرة.

ثانيا: أن يكون صحيح الجسم سليما من العاهات.

ثالثا: أن ينجح في امتحان الدخول في المواد الآتية:

(أ) حفظ نصف القرآن الكريم على الأقل.

(ب) المطالعة في الكتب السهلة مع الصحة وفهم المعنى.

(جـ) الإملاء.

(د) النحو.

(هـ) الفقه.

(و) مبادئ علم الحساب.

المادة (5): يكون امتحان الدخول في هذا القسم تحت رئاسة شيخ الجامع الأزهر أو من ينيبه عنه بواسطة لجنة أو أكثر على حسب الأحوال مؤلفة من عضوين ينتخبهما ناظر المعارف العمومية بعد أخذ رأي لجنة الإدارة المبينة في المادة 17.

المادة (6): تكون مدة الدراسة في هذا القسم خمس سنوات.

المادة (7): تدرس في هذا القسم العلوم الآتية: التفسير - الحديث - الفقه على مذهب أبي حنيفة - التوثيقات الشرعية - التوحيد - المنطق - آداب وأخلاق دينية - نظام المحاكم الشرعية والأوقاف والمجالس الحسبية ونظام القضاء والإدارة - اللغة العربية - الحساب والهندسة - التاريخ والجغرافيا - الخط.

المادة (8): الامتحان النهائي للقسم الأول يكون تحت رئاسة شيخ الجامع الأزهر أو من ينيبه بواسطة لجنة أو أكثر على حسب الأحوال مؤلفة من عضوين ينتخبهما ناظر المعارف بعد أخذ رأي لجنة الإدارة المبينة في المادة 17.

المادة (9): يكون الامتحان في مواد الدراسة بالقسم الأول تحريريا وشفهيا على حسب التفصيل الذي تشتمل عليه اللائحة الداخلية.

المادة (10): تعطى لمن نجح في الامتحان النهائي لهذا القسم شهادة الأهلية الأزهرية ويكون أهلا بموجبها لأن يعين كاتبا بالمحاكم الشرعية فضلا عن المزايا المقررة لها بحسب قانون الأزهر.

المادة (11): يشترط فيمن يدخل القسم الثاني من مدرسة القضاء الشرعي ما يأتي:

أولا: أن يكون حاملا لشهادة القسم الأول.

ثانيا: أن يكون صحيح الجسم سليما من العاهات.

ثالثا: أن يكون حميد السيرة لم يسبق الحكم عليه بسبب أمر مخل بالشرف وأن لا يعرف بالتساهل في أمور دينه.

المادة (12): تكون مدة الدراسة في هذا القسم أربع سنين.

المادة (13): تدرس في هذا القسم العلوم الآتية: تفسير وحديث - الفقه على مذهب أبي حنيفة - حكمة التشريع - الأصول على مذهب أبي حنيفة - آداب البحث - توحيد - منطق - آداب وأخلاق دينية - أصول القوانين - نظام المحاكم الشرعية والأوقاف والمجالس الحسبية ونظام القضاء والإدارة - محاضرات عامة ودراسة بعض القضايا ذات المبادئ الشرعية - اللغة العربية - العلوم الرياضية - التاريخ - تقويم البلدان - الخواص التي أودعها الله تعالى في الأجسام.

المادة (14): الامتحان النهائي للقسم الثاني يكون تحت رئاسة شيخ الجامع الأزهر أو من ينيبه عنه بواسطة لجنة أو أكثر على حسب الأحوال وتتألف كل لجنة من خمسة أعضاء ينتخبون من علماء الأزهر وأرباب المعارف الفنية بمعرفة ناظر المعارف بعد أخذ رأي لجنة الإدارة المبينة في المادة 17.

المادة (15): يكون الامتحان في مواد الدراسة بالقسم الثاني تحريريا وشفهيا على حسب التفصيل الذي تشتمل عليه اللائحة الداخلية.

المادة (16): يصدر لمن نجح في الامتحان النهائي للقسم الثاني البيورلدي العالي المنوه عنه في المادة 53 من قانون الأزهر وزيادة عما لحامله من المزايا يصير أهلا بموجبه لأن يكون وكيل دعاوى أو قاضيا أو مفتيا أو عضوا أو نائبا بالمحاكم الشرعية.

المادة (17): يكون للمدرسة لجنة إدارية تسمى لجنة الإدارة وتتألف من شيخ الجامع الأزهر أو من ينوب عنه رئيسا ومن مفتي الديار المصرية ومن ناظر المدرسة ومن عضوين آخرين ينتخبهما ناظر المعارف بالاتفاق مع ناظر الحقانية.

المادة (18): تختص لجنة الإدارة بما يأتي:

أولا: تحرير اللائحة الداخلية.

ثانيا: وضع برجرامات الدراسة وتوزيعها على السنين والأوقات المختلفة وبيان درجات كل علم.

ثالثا: انتخاب المدرسين بالمدرسة.

رابعا: انتخاب أعضاء لجان الامتحانات المختلفة.

خامسا: تقرير ما ينبغي صرفه من الإعانات الشهرية لطلبة القسم الأول والثاني.

سادسا: تقرير الإجازات التي تعطل فيها الدراسة.

سابعا: ما يطلب منها ناظر المعارف النظر فيه. قرارات هذه اللجنة تكون نافذة بعد تصديق ناظر المعارف عليها.

المادة (19): مرتبات الموظفين والمدرسين بهذه المدرسة تقدر على حسب أهمية وظائفهم وأهمية الدروس التي يكلفون بإلقائها ويعطى لطلبتها إعانة شهرية.

المادة (20): لا يصح أن ينتخب مدرس في هذه المدرسة من غير علماء الأزهر إلا إذا كان مسلما حميد السيرة ومشهودا له بالبراعة في الفن المعين لتدريسه.

المادة (21): ناظر المدرسة هو المكلف بضبطها ونظامها وتنفيذ قرارات لجنة الإدارة فيها.

المادة (22): إذا ظهر من نتيجة امتحان الدخول في القسم الأول في أثناء السنوات الأربع الأولى التالية لافتتاح المدرسة وجود طلبة مستعدين لتلقي دروس أي سنة أعلى من السنة الأولى وعددهم كاف لتشكيل هذه السنة جاز تشكيلها وذلك بطريق الاستثناء من أحكام المادة 6.

المادة (23): في أثناء السنوات الخمس التالية لافتتاح المدرسة يجوز للجنة الإدارة بطريق الاستثناء من المادتين الحادية عشرة والثانية عشرة أن تقبل في أية سنة من السنوات المقررة للدراسة بالقسم الثاني من ترى فيه استعدادا لتلقي الدروس التي تعينها لتلك السنة ولو لم يكن حاملا لشهادة القسم الأول.

المادة (24): على ناظر المعارف تنفيذ هذا القانون.

التوقيع: عباس حلمي - خديو مصر. (4)

طبيعة المدرسة

كان عدد الأستاذة عند نشأة المدرسة عام 1908 حوالي (24) أستاذا، منهم (11) من الأزهر، وفي العام 1909 وصل عدد الأستاذة إلى (31) منهم (24) من علماء الأزهر، ونجح هؤلاء في الارتقاء بمكانة القضاء الشرعي. كانت يدرس الطالب في المدرسة العلوم الشرعية إلى جانب العلوم اللغوية، والقانونية، وعلوم الإدارة، والطبيعة والجغرافيا والتاريخ، والحساب والرياضيات، ووضعت شروطا لاختيار الطلاب، منها أن يكون درس في الأزهر عدة سنوات، وأن يكون حسن السيرة، صحيح الجسم، يحفظ نصف القرآن على الأقل.

كان النظام في المدرسة صارما ودقيقا، فلم يكن هناك مجال لتهاون أو تقصير، وكان العدل هو الميزان الذي رفعته المدرسة شعارا ومنهجا في سيرها، ومن صرامتها أنه لم يكن للراسب الحق في إعادة الامتحان، ولا البقاء في المدرسة، كما كانت تنظر في ملابس الطلاب وتشترط هندامها وجودتها، فعملت على تنمية الذوق والتحضر في نفوس الطلاب.

وكان لجنة امتحانها مكون من شيخ الأزهر (أو من ينوب عنه) إضافة إلى مفتي الديار المصرية، وكبار شيوخ المذاهب. (5)

لماذا ألغيت مدرسة القضاء الشرعي؟

كانت التنافسية البغيضة التي غرسها فينا الاستعمار السبب الأكبر في إلغاء مدرسة القضاء الشرعي، وساعد في ذلك مشايخ لايهمهم إلا مناصبهم. فقد وقع تنافس بين مدرسة القضاء الشرعي وبين الأزهر ودار العلوم رغم أن مدرسي مدرسة القضاء الشرعي كانوا من الأزهريين ومن مدرسة دار العلوم.

لكن شعر مدرسي دار العلوم بالمنافسة بعدما صدرت أصوات تطالب بضم مدرسة دار العلوم إلى مدرسة القضاء الشرعي، لتكون قسما من أقسامها، كما أن الإقبال على دار العلوم تناقص بعد إنشاء مدرسة القضاء الشرعي.

أما الأزهر، فكما يقول الشيخ رشيد رضا: "وما زال الأزهر بعد إنشاء مدرسة القضاء الشرعي في أمر مريج" ولعل ذلك يعود إلى ظن الأزهريين أن خريجي مدرسة القضاء الشرعي سيستأثرون بالمناصب في المحاكم الشرعية دونهم، ويزاحمونهم في التدريس، بما يمتلكونه من كفاءة وتكوين شرعي وعلمي متين" لذا نظم الأزهريون اعتصامات ضد المدرسة مطالبين الأزهر بإصلاح التعليم داخله، وتضمين العلوم العصرية ضمن مناهجه، وإلغاء المدرسة.

ولعب الشيخ الأحمدي الظواهري، شيخ الأزهر، دورا في إلغاء المدرسة، وذلك بعد صدور قانون إصلاح الأزهر في (1349هـ=1930م) القاضي بإعادة تنظيم الجامع الأزهر، وقضى بإنشاء ثلاث كليات هي الشريعة ، وأصول الدين، واللغة العربية. وبذلك وضعت النهاية لتلك المدرسة. (6)

موقف الإمام البنا والإخوان من القضاء الشرعي

كان الإمام البنا والإخوان يكنون كل التقدير للقضاء الشرعي حتى أن الإمام حسن البنا بعث ببرقية تأييدا لما جاء فى مذكرة القضاة الشرعيين جاء فيها:

صاحب المعالى رئيس مجلس الشيوخ:

يؤيد المركز العام (للإخوان المسلمين) وجهة النظر الواردة بمذكرة القضاة الشرعيين فيما يتعلق بتشكيل هيئة المجالس الحسبية، ويرجو أن يأخذ المجلس الموقر بها صيانة للحقوق ووضعا للأمور فى نصابها. (7)

كما أرسل برسالة لرئيس الوزراء أعلى فيها من شأن القضاة الشرعيين فقال:

أن تأمروا بإعادة تشكيل لجنة تعديل القوانين الحالية التي يرأسها الأستاذ كامل بك صدقى تشكيلا جديدا يحقق هذه الغاية بأن تسند رياستها إلى معاليكم رأسا أو إلى فضيلة شيخ الأزهر أو المفتى الأكبر، وأن تضم بين أعضائها أكبر عدد ممكن من رجالنا البارزين فى الشريعة الإسلامية من رجال القضاء الشرعى والأزهر الشريف، وفى القانون الوضعى بفروعه المختلفة ولا بأس بأن يكون من بينهم الأستاذ كامل صدقى بك. (8)

ويقول أيضا:

"وأخيرا يرجف هؤلاء القائلون بفكرة مادية بحتة تدور حول المصالح الشخصية فيقولون: إنكم بهذا تعطلون هذا الجيش من رجال المحاكم الأهلية من قضاة ومحامين ومستشارين محترمين، وتتعصبون لرجال المحكمة الشرعية على اختلاف أعمالهم، فتعطون قوما أكثر مما يستطيعون أن يقوموا به وتحرمون الآخرين من كل شىء ذلك إلى أنكم ترون أن المحاكم الأهلية أدق نظاما
وأعظم فى الإجراءات إحكاما من سابقتها، فكيف تريدون أن تحملوا المنظم الدقيق على ما هو أقل منه فى ذلك؟ وهذه مغالطة مكشوفة فليس العلم وفقا على قوم دون آخرين، وفى وسع القاضى الأهلى والمحامى الأهلى أن يدرس أحكام الشرع الإسلامى فى بضعة شهور، والنظام فى المحاكم لا يتقيد بنصوص مواد القانون
وإنما يرجع إلى أسباب أخرى كلها تزول إذا صحت العزائم. على أننا لا نريد بهذا الإصلاح تعصبا لناحية بل نريد أن يزول هذا التفريق كله، ونقضى على هذا الانقسام فى حياة أمة تسير إلى الوحدة، ولا قوة لها إلا بالوحدة فلا محاكم أهلية ولا محاكم شرعية ولكن محكمة واحدة إسلامية مصرية على أدق النظم وأحكم الإجراءات عماد قانونها شريعة الله وحكم الإسلام" (9)

غير أنه نظر لكل المدارس التي نشأت بعيدة عن الأزهر وفي ظل الاحتلال محاولة لتقليص وتحجيم دور الأزهر الشريف بما فيهم مدرسة القضاء الشرعي

حيث يقول الإمام البنا:

ولقد أتى على الشرق حين من الدهر كان الأزهر هو المعهد الوحيد لتخريج رجال العلم الدينيين والمدنيين، ليس فى مصر وحدها بل فى الشرق كله، ثم اقتضت الحوادث أن تنشأ مدرسة الحقوق حين عدلت مصر عن التحاكم إلى الشريعة الإسلامية - وهى بضاعة الأزهر - إلى القوانين الوضعية، وحينئذ وجد معهد ينافس الأزهر ويقوم ببعض مهمته
وجاءت دار العلوم على أنها جزء من الأزهر يتخصص طلبته بتدريس اللغة العربية فى المدارس، وبعد حين صارت مدرسة برأسها لها صبغتها وحقوقها وامتيازاتها، وتبعتها مدرسة القضاء الشرعى على هذا الغرار، فصار الأزهر بين معاهد ثلاثة تجاذبه مهمته الأولى وتضيق من اختصاصه.
ونشأت بعد ذلك مدارس ومعاهد تختلف مهمتها وتبعيتها باختلاف الغايات التى أنشئت من أجلها، ومنها المكاتب الأولية التى يستمد الأزهر منها طلبته وتكاد تكون هى المعين الأول لتغذيته بما يحتاج إليه من الطلاب.
وكل هذه المعاهد صغيرها وكبيرها، لم تحدد صلتها بالأزهر حتى هذا النوع الوحيد الذى هو أمس أنواع التعليم به، ونعنى به التعليم الأولى، فإنها جميعًا تابعة فى كل شئونها لوزارة المعارف.
وانتهى الأمر بإنشاء الجامعة المصرية التى أخذت تجاذب الأزهر حبل قيادة الفكر والسيطرة على شئون التعليم والثقافة، وكل ذلك جعل الميادين الخالية للأزهر محصورة فى الإمامة والخطابة والتدريس فى الأزهر خاصة والمأذونية والقضاء الشرعى (ولا ننسى تلك الدعوة الجريئة التى ينادى بها قوم من مرضى القلوب بين الفينة والفينة يريدون بها تعديل نظم القضاء الشرعى، بحيث يندمج فى القضاء الأهلى، وحينئذ يقفل باب القضاء جملة فى وجه الأزهر والأزهريين، وتنقطع صلة الأمة بالبقية الباقية من تشريعها السماوى) (10)

ومع ذلك فقد نظر الإخوان للمحاكم الشرعية أنها كيان يحافظ على الأسرة من خلال أحاكمها الشرعية، وحينما لفق عبد الناصر تهمة زور لقاضيين شرعيين اتخذها ذريعة لحل القضاء الشرعي في سبتمبر 1955م – ولا نعرف اذا أخطأ قاضي فهل يحل بسببه كيان قضائي كامل- انتفض الإخوان بسوريا واعترضوا على حل القضاء الشرعي

حيث أصدروا بيان حينما

"عقدت الجماعة اجتماعا يوم 30 سبتمبر 1955، عقب صلاة الجمعة فى الجامع الكبير بحلب استنكرت فيه ذلك القرار، ووزع المكتب التنفيذى التابع لها منشورات فى سوريا بعنوان "طاغية مصر يحارب الإسلام"، أشارت فيه إلى أن عبدالناصر بإلغائه المحاكم الشرعية يؤسس اللادينية فى مصر، ويتأسى بخطوات مصطفى كمال أتاتورك فى القضاء على الإسلام" (11)

وهكذا كانت علاقة الإخوان بمؤسسة ومدرسة القضاء الشرعي والتي استمر حتى قام بالقضاء عليها عبد الناصر.

المراجع

  1. حمادة حسني: القضاء الشرعى فى مصر، 8 سبتمبر 2008
  2. حمادة حسني: مرجع سابق.
  3. محمد عبد الوهاب غانم: أثر مدرسة القضاء الشرعي على الفكر الإسلامي المعاصر، طـ1، دار المقاصد للطبع والنشر والتوزيع، 2018، صـ34 وما بعدها.
  4. بشأن إنشاء مدرسة القضاء الشرعي: قانون رقم 2 لسنة 1907
  5. عبد المنعم إبراهيم الجميعي: مدرسة القضاء الشرعي: دراسة تاريخية لمؤسسة تعليمية 1907 - 1930، دار الكتاب الجامعي، 1981م، صـ21.
  6. محمد عبد الوهاب غانم: أثر مدرسة القضاء الشرعي على الفكر الإسلامي المعاصر، مرجع سابق، صـ59- 63.
  7. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (333)، السنة الثانية، 14 رجب 1366 هـ - 3 يونيو 1947م، ص(4).
  8. جريدة النذير، العدد (7)، السنة الأولى، 13 جماد أول 1357 - 11 يوليو 1938، ص(3-8).
  9. مذكرة الإخوان لوزير الحقانية: جريدة النذير، العدد (7)، السنة الأولى، 13 جماد أول 1357 - 11 يوليو 1938، ص(3-8).
  10. من مذكرة أرسلها الإمام البنا لشيخ الأزهر، جريدة الإخوان المسلمين: العدد (13)، السنة الثالثة، 8 ربيع الآخر 1354ه - 9 يوليو 1935م، ص(3-10).
  11. عبد الله فوزي الجنايني: ثورة يوليو والمشرق العربي 1956-1956، دار الكتب والوثائق القومية – القاهرة، 2012.