محن جماعة الإخوان المسلمون في عهد الإمام حسن البنا الجزء الثالث

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محن جماعة الإخوان المسلمون في عهد الإمام حسن البناالجزء الثالث

إعداد: موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين

بقلم:أ/ علاء ممدوح

المبحث الرابع:الإخوان في معتقل عيون موسى

لما قرب موسم الحج.. كان لابد من إخلاء معتقل الطور لأن به الحجر الصحي لحجاج البواخر، فتم ترحيل 250 معتقلاً

– قالوا إنهم قيادات الإخوان – إلى معتقل عيون موسى.

ويواصل الأخ علي شعيشع قائلاً:

تحركت الباخرة بعد العصر ونحن على ظهرها نودع معتقل الطور، واتجهت بنا نحو الشمال وشاهدنا سمك القرش يقفز من الماء في رشاقة إلى سمتوى السفينة، وكان معنا الدكتور حسين كمال الدين (1)،

يرافق السفن في تحركها بحثًا عن الطعام، وإثباتاً لذلك قذفنا برغيف من الخبز فتوقفت سمكة القرش عن القفز.

بِرْكُة فرعون

وقبل المغرب بقليل أحسسنا بالباخرة تهتز بعنف وتنخفض مقدمتها حتى سطح الماء وترتفع مؤخرتها حتى كدنا نسقط منها، وتكرر ذلك عدة مرات ونحن متشبثون بالسور.. حتى انتهت هذه الهزات، وعملنا من البحارة أن الباخرة تمر الآن ببركة فرعون، حيث يزعمون أن هذه المنطقة هي التي انفلق البحر فيها لموسى عليه السلام وغرق فرعون، ولذا سميت ببركة فرعون.

أمام عيون موسى

وطلع النهار وأبطأت الباخرة في سيرها وغيرت اتجاهها نحو الشرق، ورأينا قياس الأعماق يهبط إلى نهاية السلم ويقذف بحبل في نهايته ثقل لمعرفة عمق الماء ويكرر ذلك مرات.. ثم توقفت الباخرة عن الحركة في الماء بعيداً عن الشاطئ، وطُلب منا الاستعداد للنزول، ووجدنا قوارب في نهاية السلم، وعند استعدادي للنزول منها لاحظت أنه مكتوب على القارب "الإخوان المسلمون" باللغة الإنجليزية "MOSLIMOON BROTHERS" فانشرح صدري، واستعملت المجاديب لتحريك القارب إلى أن اقترب من الشاطئ فنزلنا نحمل أمتعتنا حتى وصلنا إلى البر.

لا ماء للشرب

وما أن تكامل عددنا حتى طلبنا ماءً نشربه، فكانت المفاجأة حين قيل لنا إن المعتقل ليس به ماء وأن قارباً تجارياً سيحضر لنا مياه الشرب من السويس، وكلنا عطشى، فأحضروا لنا إبريقاً من الفخار به ماء فتسلمه أحد الإخوان وطلب فنجان قهوة وأخذ يضع في الفنجان ماءً إلى نصفه ويعطيه لكل أخ ليشرب، وارتوينا جميعاً بهذا الماء القليل الذي بارك الله لنا فيه.

الإيواء

وزعونا على المعتقل وهو عبارة عن (كرنتينة) للحجر الصحي خاص بالأجانب، لذا فإن مبانيه فاخرة وهي عبارة عن فيلات لها (فرندات) ودورات مياه وغرف بأرضية من الخشب وداخل (الكرنتينة) كنيسة يعلوها صليب ومبخرة، كما توجد ماكينة إنارة معطلة وبجوارها خزان للماء، وكان يرفع الماء من عين في باطن الأرض طلمبة ماصة كابسة، وقد توقفت الماكينة عن الحركة من عشرات السنين، وعجز مهندسو مصر والأجانب عن إصلاحها.

كرامة الإخوان

وما إن وصل الإخوان إلى معتقل عيون موسى إلا وكان شغلهم الشاغل توفير المياه، إذ وصل القارب التجاري من السويس يحمل ما يقرب من خمسة مترات مكعبة لا تكفي الشرب، وهنا تقدم المهندس " عبد المنعم صالح " رئيس شبكة النور بمدينة دسوق يطلب من المسئولين فحص ماكينة الإنارة وفتحت له أبوابها، ثم طلب بعض قطع الغيار ووسائل إنارة من السويس، واختار عدداً من الإخوان المتخصصين، وأخذ يزاول عمله متوكلاً على الله ونحن في مقر نومنا حتى أمسى الليل، فأخذنا نتسامر حتى الساعة الواحدة صباحاً، وإذا بنا نفاجأ بالأضواء قد سطعت من اللمبات، فكبرنا وحمدنا الله، واكتملت فرحتنا بعد تشغيل الطلمبة وصعود المياه إلى الخزان وسريانها في المواسير.

وسارت الحياة على وتيرة واحدة، ففي الصباح نصطاد المحار والقواقع من باطن الأرض، لأن الأسلاك الشائكة على شاطئ البحر تحول بيننا وبين الوصول إليه، وفي أثناء النهار دراسات ومحاضرات، وفي الليل نقف على الشاطئ داخل المعتقل نشاهد أضواء مدينة السويس عن كثب فيشتد الحنين إلى الأهل والخلان.

الكلاب

بدأ الفرج يأتي بسبب الكلاب التي تأتينا من خيام البدو باحثة عن بقايا الطعام، وكثيراً ما كانت تعض بعض الإخوة ويرحل المصاب إلى القاهرة للعلاج، ومن هنا يأتي الفرج!!.

الإفراجات

بدأت ترد كشوف بالإفراج عن بعض الإخوان، ومنهم الشيخ محمد الغزالي، وأخي الذي يلازمني في حياتي " محمد كرم " الذي كان نعم العون لي على متاعب الحياة، وبدأنا نتجمع في مجموعات بعد أن قل عددنا، وانتهى بي المطاف في فيلا بها (بانيو) مع الأخ الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي والأخ عبد العزيز كامل، وأخذ الأخ عبد الرحمن البنا يجمعنا في المساء في مكان إقامته ويردد أدعية مأثورة ونحن نردد خلفه، عسى الله أن يأتي بالفرج.

تلك مقتطفات مطولة جداً من كلام الأخ علي أبو شعيشع عن معتقل الطور.

وبعد أسابيع قليلة تم الإفراج عن جميع الإخوان في المعتقلات الثلاثة (معتقل الطور – معتقل عيون موسى – معتقل الهاكستب) وذلك بعد سقوط وزارة إبراهيم عبد الهادي ومجيء وزارة حسين سري باشا".

ويذكر المهندس الصروي في كتابه الإخــوان المسلمــون في سجون مصر أهوالا أخرى مما تعرض له الإخوان من محن فيقول:

"ذاق الإخوان في عهد إبراهيم عبدالهادي باشا رئيس الوزراء من التعذيب والتنكيل ما تشيب من هوله الولدان على مدى قرابة عامين ونصف العام.

ولقد أفاض الأخ محمود عبد الحليم في الجزء الثاني من كتابه " الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) في شرح صنوف التعذيب التي تعرض لها الإخوان في تلك الفترة، وننقل هنا مقتطفات منها (1).

المتهم محمد مالك

في جلسة 29/8/1949 م طلب المتهم محمد مالك من رئيس المحكمة السماح له بالكلام فقال: إنه اعتقل في الإسكندرية، جاءوا به موثق اليدين والرجلين إلى المحافظة، فقال له الأستاذ عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية " أنا عمار عدو الإخوان " ثم أمر البوليس بتعذيبه.

فانهالوا عليه بالضرب المبرح – ولما جيء به إلى القاهرة اجتمع عليه ضباط القلم السياسي ورفعوا رجليه بعد ربطهما، وانهالوا عليه ضرباً في كل جسده، وكانوا يدوسون على وجهه بأحذيتهم، ثم شفعوا ذلك بلفحات من الكرابيج، وكان يغمى عليه، ويود ألا يخرج من إغمائه حتى لا يشعر بهذا العذاب.

وخيروه بين رواية عبد المجيد وبين التعذيب، وأعدوا له حجرة تعذيب... ولما أدركوا أنه لم يعد يستطيع المشي أجبروه على أن يجري، ولما لم يستطيع الوقوف أرغموه أن يقف ساعات، وكان يترك بالأسابيع دون أن يغتسل أو يبدل ملابسه.

وهنا وقفت والدة مالك وفي يدها رباط شاش وقالت إن جسد ابنها كان كله جروح، فأسكتها رئيس المحكمة.

وكان مالك يروي بتأثر وحنق، ويقول إنه عاجز عن تصور ما كان يعانيه من العذاب حتى تلفت أعصابه، وكان يضرب بالحديد لعله ينطق، وكان البوليس يوجه إليه كلمات مقذعة خبيثة، واستعانوا بصغار إخوته ليرغموه على الاعتراف.

فسأله الرئيس: ولماذا لم تخطر النيابة وقد حقق معك أكثر من مرة؟

مالك: بلّغت إسماعيل بك رئيس النيابة بلا جدوى، كما بلّغت محمد عبد السلام بك.

محمد عبد السلام: عندما بلغني المتهم أحلته على الكشف الطبي.

دكتور عزيز فهمي: لقد عذب أيضاً بعد الكشف الطبي.

وقال مالك إنه لم ينج من التعذيب حتى في الشوارع أثناء ذهابه للتحقيق.

المتهم محمد نايل

وفي نفس الجلسة قال المتهم محمد نايل أمام المحكمة إنه كان يُضرب على قفاه من ضباط القلم السياسي وهو جالس في الغرفة المجاورة للمحقق، وأنه أُخذ بحجة التحقيق معه في النيابة واقتيد إلى قسم عابدين، حيث هدده رجال القلم السياسي بتشريح جسمه إذا لم يعترف.

وقال إنه بعد أن نال ضرباً مبرحاً أخذ مكبلاً إلى غرفة الحكمدار، فوجد فيها إبراهيم عبد الهادي باشا، فدهش لوجوده.. ويظهر أن رئيس الوزراء لاحظ تلك النظرة فقال له:

" بتبص لي كده ليه ؟ أنت عندك حاجة يا واد؟" ثم أمر بإخراجه حيث ضرب بالفلقة.

وقال المتهم إن لديه شاهداً على هذا التعذيب وهو أمان الله خان.

الرئيس: من ملوك أفغانستان؟

نايل: فعلاً من الأسرة المالكة الأفغانية، وكانت له قضية يعرفها القلم السياسي.

صمت مخجل

وقال إن هناك أشياء أخرى يخجل من ذكرها أمام الناس.

وفي الجلسة التالية المنعقدة يوم 3/9/1949 بدأ الحديث الدكتور عزيز فهمي المحامي فقال: إن هذه المحكمة تفضلت في الجلسة السابقة بالاستماع إلى أقوال المتهمين مالك ونايل، وقد اتضح من هذه الأقوال أن بعض المتهمين كان هدفاً للتعذيب لحملهم على الإفضاء باعترافات معينة.

وقد رأت المحكمة آثار هذا التعذيب على أجسامهم، ووصف الرئيس هذه الآثار بأنها لا تزول مع الزمن – واستطرد الدكتور عزيز فقال:

ولم يكن التعذيب جسمانياً فحسب، بل كان البعض هدفاً لجرائم من نوع آخر يمس أعراض المتهمين وأعراض أخواتهم وأمهاتهم وزوجاتهم، كما أشار إلى ذلك كل من مالك ونايل وأمسكا اللسان عنها استحياء.

ثم طلب الدكتور عزيز من المحكمة أن تسمع أقوال المتهمين فيما وقع عليهم من اعتداءات تمس الأعراض وتحقيقها لمحاكمة مرتكبيها طبقاً للقانون.

ودارت مناقشة بين الدكتور عزيز في ذلك وبين رئيس المحكمة رفض في نهايتها رئيس المحكمه طلبه بالتحقيق في التعذيب.

المتهم عبد الفتاح ثروت شاهداً

وفي خلال جلسة 3/9 هذه استمعت المحكمة إلى ثلاثة من المتهمين في قضايا السيارة الجيب – بناء على رأي رئيس المحكمة – كشهود في هذه القضية، ومن هؤلاء الشهود عبد الفتاح ثروت الذي قرر أنه راصد جوي.. وما إن سألته المحكمة عن آثار التعذيب في قدميه..

حتى قال إنه ارتكب معه أعمال منافية للآداب.

الرئيس: بس.. بس.

الدكتور عزيز: نريد أن نسمع الشاهد.

واستأنف الشاهد كلامه فقال: إنه كان يُعذب بالضرب في سجن الأجانب والمحافظة، وكان يجبرونه في حجرة التعذيب على الوقوف في الصباح إلى المساء حتى لا ينام.

كما قبضوا على أقاربهم ونكلوا بهم. أصبحت محطماً:

واستطرد يقول: لا يمكن أن أصور الآلام التي قاسيتها.. لقد كنت في عملي الحكومي نشيطاً، أما الآن فقد تحطمت أعصابي، وأصبحت فريسة للنوبات والاضطرابات، ولم يقدم لي طبيب السجن شيئاً.. وأنا أتناول أدوية من الخارج.

تعذيب أمام النائب العام

وقال: لقد كان البوليس السياسي يحضرون التحقيق ويهدونني بالتعذيب، وذلك أمام سعادة محمود منصور باشا النائب العام السابق، وقد شكوت له فقال لي: " لا تتعب نفسك بالشكوى فنحن نعرف والحكومة تعرف وسوف نشرحك ".

وأمام إبراهيم عبد الهادي!!

واستأنف يقول: وقاموا بضربي يوماً ثلاث مرات في المحافظة ومرة في النيابة، وأخذوني لإبراهيم عبد الهادي باشا فقال لي " تكلم أحسن لك علشان تطلع كما طلع غيرك " – وقال الشاهد:

إنه لانهيار أعصابه وقع على الأوراق لا يدري ما فيها.

وأجاب الشاهد على سؤال لغانم بك المحامي بأنه دخل على إبراهيم عبد الهادي باشا وملابسه ملوثة بالدماء فقال له: " يا ولد أنت عارف حتتكلم إزاي ولازم تقول كل حاجة " ثم أُخرج بعدها إلى غرفة التعذيب.

وقال إنهم كانوا يفصحون له بأنهم يعرفون كل شيء عن عائلته، فقالوا له إن أخته مريضة بالسكر وإنهم شردوا والده.. وقال إن البوليس طلب منه أن يذكر كلاماً عن مالك وأن يتهمه بالاشتراك في الحادث.

وأجاب على سؤال آخر لغنام بك بأنه قابل إبراهيم عبد الهادي باشا ثلاث سنوات مرات.

وكان البوليس يهمس في أذنه قبل المقابلة أن الباشا في يده كل شيء وكان الباشا يلح عليه أن يتكلم.

ثم قال الأستاذ علي منصور: والدليل على ذلك أيضاً أنه قد توفي بين أيدي الجلادين أحد الشقيقين أحمد عبد النبي أو محمد عبد النبي، وذلك بدار محافظة الإسكندرية حيث تولت الإدارة دفنه في مكان مجهول ثم أخطرت أهله.

واستطرد يقول: هذه حقائق مقتطفة من كثير مما ثبت لدي ولا أستطيع بيانه خوفاً على مراكز من يعرفني بها.

وفي هذه الكفاية أضعه أمام الضمائر الحية لحضرات المستشارين والضباط العظام لتقديرها.

التعذيب في قضية السيارة الجيب سعد جبر – ضربوني بالحذاء في وجهي:

قال إنه استأجر فيلا الزيتون، ولم تكن الأجهزة التي بها هي لمحطة إذاعة كما أذيع، وإنما هي أدوات لمشروع تجاري خاص بتسجيل الاسطوانات وقال إنه اعتدى عليه بالضرب حتى منتصف الليل على يد الصاغين (الرائدين) توفيق السعيد وعبد المجيد العشري ، والجاويش مصطفى التركي الذي كان يضربه بالحذاء على وجهه.

مصطفى كامل – عُلقت كالذبيحة وشووني بالسجائر أمام عبد الهادي:

قرر أن كل ما نُسب إليه في التحقيقات هو من إملاء اللواء طلعت بك بعد تعذيبه- وقال:

علقوني في شباك القسم زي الذبيحة، ولما صرخت شووني بالسجائر المولعة.

وجاء إبراهيم عبد الهادي باشا فاستغيث به ولكنه لم يعبأ بي، وأشار علي ضابط ضخم معه لمواصلة تعذيبي قائلاً: شرحوه.

كما أنهم لم يسمحوا لي بالنوم أبداً. وقد حاصرني ضابطان كانا يبادران بصفعي كلما همت عيني بالنوم، وجعلوني أوقع على أوراق وأنا كالجثة الهامدة، وقد استغيث بحضرة المحقق محمد عبد السلام بك فلم يعبأ بي وتخلى عني.

عبد الفتاح ثروت مرة أخرى

ولما كانت حالته لا تمكنه من أداء الشهادة واقفا، فقد سمحت له المحكمة بالجلوس على مقعد. وقد قرر أنه لم يعترف بأي شيء في التحقيق وأن التعذيب جعله فاقد الشعور.

وروى بصوت مرتعش ضعيف صنوف التعذيب فقال: إن اللواء طلعت بك هدده بالتشريح إذا لم يعترف قائلاً: إن البلد في أحكام عسكرية.

ثم قال: وأخذوني إلى غرفة الضابطين العشري وفاروق كمال وجردوني من ملابسي ونزلوا في ضربي من تسعة مساء إلى أربعة صباحاً.

ولقد قسموا أنفسهم أربع مجموعات، كل مجموعة من 12 عسكري وضابط، ووضعوا رجلي في الفلكة حتى أن الفلكة انكسرت، ثم استعملوا كرابيج الهجانة.. ولما أفقت من إغمائي قالي لي طلعت بك: هذه هي الجولة الأولى والبقية تأتي.

وأخذوني إلى إبراهيم عبد الهادي باشا فقال لي: أنا عندي أمر إني أموتك.. ثم أمر بموالاة تعذيبي، وكان التعذيب على أربع درجات:

بالضرب بالعصى والكرابيج ثم الكي بالنيران، وأحضروا (سيخ حديدي محمي) ولكن الضابط محمود طلعت طلب من الضباط أن يكفوا عني قائلاً: ده صاحبي وسعترف بكل شيء.. ثم نمت على الأسفلت فكانوا يطرقون الباب حتى يهرب النوم من عيني.

وما كانوا في حاجة إلى ذلك، لأنني لم أكن أستطيع الرقاد على أي جزء من جسمي المشوي كله.

اعتداء منكر: ثم طالبوني بالاعتراف وهددوني إن لم أفعل أن يعتدوا علي اعتداءَ منكرا.. وفعلاً تقدم واحد يريد الاعتداء علي.. فقلت له:

أنا أعرف أنني لا أستطيع مقاومتك. وأنت يمكنك أن تفعل معي هذه الجريمة. ويمكنك أن تنجو من عقاب القانون.. ولكني أريد أن أقول لك قبل أن تبدأ: إن الله لن يترك هذه الجريمة بلا حساب.. فابتعد عني.

واستمر تعذيبي. وتلفت أعصابي..

وكنت لما أذهب إلى إسماعيل عوض رئيس النيابة وأشكو له يضرب الجرس ويأتي الحرس فيقول لهم: هاتوه لي أخرس خالص.

وجاءني إبراهيم عبد الهادي باشا أربع مرات وقال لي أنا أبهدلك وأبهدل أهلك، وأنا الحاكم العسكري.

وبعد سؤاله في المحكمة ارتجف بدنه وحملق في الهواء، وأصيب بنوبة إغمائية وجعل يرسل شهيقاً عصبياً مؤلماً، أبكى معظم الحاضرين في القاعة.. فحملوه إلى خارج قاعدة المحكمة.

التعذيب في قضية الأوكار

- في 6/11/1949 م أثبت الطبيب أن أحد المتهمين نُزعت أظافره.

- فقد المتهم الرابع (فتحي محمد علام) سمعه نتيجة التعذيب.

- وأفاد المتهم يوسف عبد المعطي أن ثلاثة من رجال البوليس السياسي أقاموا في مسكنه مع أمه وأخته.

– بعد اعتقاله واعتقال والده – وقد أرسلت أخته برقية إلى النائب العام تطالب بإخراج البوليس من الشقة، ولكن عهد الإرهاب لم يستجب.

- رفض النائب العام(!!) محمود منصور باشا إثبات إصابات تعذيب المتهم محمد نايل الطالب بكلية الهندسة.

والدة المتهم تربط بقيد واحد مع إحدى العاهرات

وقبل أن ينصرف هذا الضابط وقف المتهم صالح الجنايني وأشار إليه قائلاً: إن هذا الضابط أحضرني إلى بندر الجيزة في 20 مايو 1949 م وهددني بوجود مظروف سيؤدي بي إلى حبل المشنقة إذا لم أعترف.

فلما أخبرته بأني لا أعرف شيئاً، أمر الجنود بإحضار والدتي

– وكان قد استحضرها من بلدتي بمحافظة الشرقية ووضعت في الحجز

– ولكن لم أصدق هذا حتى تبينت لي الحقيقة المرة، ووجدت العسكري يدخلها علينا وهي مربوطة بقيد حديدي واحد مع إحدى العاهرات وكانت العاهرة عارية الثياب، فأشار إليها الضابط وقال لي: سوف نجعل والدتك كهذه العاهرة إذا لم تتكلم.

واستطرد المتهم يقول: ثم أحضروا أخي الصغير – وهو كفيف البصر – ومعه ابن عمي – وهو مريض بالصرع – والدم ينزف منهما.

وقال لي الضابط: انظر بعينيك لتعرف مصيرك ومصير أهلك، ثم أخرجوني ودخلت على المحقق الذي أعرض عني وانشغل بمكالمة تليفونية.

ثم دخل هذا الضابط وأخرجني حيث نصبت لي فلقة من نوع جديد ابتكروه لي.. وتوالى التعذيب، وسُئل الضابط عن صحة هذه الوقائع، فأنكرها.

جريمة خلقية

وقال المتهم عبد الرحمن عثمان: يوم 11 يوليو ذهبت برفقة الملازم أول فاروق كامل، وظللت ست ساعات في المحافظة، واعتدى عليَّ الصاغ العشري بالضرب ومعه عسكري أظن أنه رقى لدرجة الصول ويدعى حسب الله.. وما كان الضرب والتعذيب يحملاني على الاعتراف وإنما التهديد بجريمة خلقة. وقد لمست في ذلك الوقت أن مبادئ القانون قد ديست.

وفي 13 يوليو استدعاني المحقق محمد عبد السلام بك فظننته حصناً لي، ولكني وجدته عونًا لرجال السلطة التنفيذية عليَّ.

اتهام عبد الهادي بقتل حسن البنا

وفي 14 يوليو حضر الملازم كمال الرازي وأخرجني من السجن لتوصيلي إلى نيابة الاستئناف. ولكنني فوجئت بالصاغ محمد علي صالح والملازم فاروق كامل يصحباني إلى محطة القاهرة.

وصعدت إلى القطار الذاهب إلى الإسكندرية. وبمجرد تحرك القطار أُدخلت صالوناً وجدت فيه إبراهيم عبد الهادي باشا – وأحب أن أسجل أن هذه المقابلة لم تكن كما زعم دولة الباشا بخصوص أحمد محمود يوسف ابن خالي، وإنما كانت بخصوص التحقيقات نفسها وكان مع عبد الهادي باشا محاضر التحقيقات.

وأخذ الباشا يسألني عدة أسئلة حتى يئس مني؛ لأني لم أجبه على شيء – فقال لي: ما رأيك في شعور الإخوان بعد قتل مرشدهم؟ فقلت:

إن شعورهم ينحصر في أن دولتك قاتل حسن البنا. فذهل الباشا، وكان لهذا الرد وقع أليم في نفسه، وطلب مني الإفصاح عن هذا القول فقلت له: إننا نعلم جميعاً أن الأنوار أمام جمعية الشبان المسلمين أطفئت، وارتكب الحادث بسيارة محمود بك عبد المجيد رئيس المباحث الجنائية..

فأطرق الباشا مليًا، وطلب لي مشروباً "ساقع" ولكنني رفضت، لأني كنت صائماً في رمضان فأذن لي بالخروج فخرجت.

دماء على الحائط

ثم قال: وقد فاتني أن أذكر حينما دخلت الحجرة رقم (12) في سجن الأجانب، وجدت على الحائط آثار دماء مشاراً إليها بقوس ومكتوباً تحتها عبارات " لقد مزقوني إرباً إربا، وسعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، ولا سلطان لأحد على قلبي " ومذيلة بإمضاء إسماعيل علي – وأظن أن آثار هذه الدماء موجودة حتى الآن.

العسكري الأسود

كل ما مضى شيء.. وجريمة العسكري الأسود شيء آخر تماماً.. وتطور تاريخي في التعذيب، ذلك العسكري الأسود الذي كان يستخدم للاعتداء الجنسي الرهيب على المتهمين الذين لا يعترفون على أنفسهم أو على غيرهم اعترافات باطلة.

كتب الأستاذ محمود عبد الحليم قائلاً

هو أحد معالم ذلك العهد الدنس، وهو عار لا يمحى مهما طال الزمن. وهو الشخص الدنيء الذي رضى لنفسه أن يكون آلة في يد البوليس السياسي في تهديد المتهمين بهتم عرضهم لحملهم على الاعتراف بما يريدون.

وقد ذكره المتهمون أمام المحاكم التي حاكمتهم، ولكن الأدلة القانونية واسمه الحقيقي ومكان وجوده وقت المحاكمات، لم يكن متوافراً..

ولكن جريدة أسبوعية كانت تصدر في ذلك الوقت وكانت ذات نشاط صحفي مبتكر تسمى جريدةالجمهور المصري" تبنت هذا الموضوع، وحملت على عاتقها كشف سر هذا الشخص الدنيء..

وجازف اثنان من محرريها هما الأستاذان إبراهيم البعثي وسعد زغلول وقاما برحلة يكتنفها الخطر، بعد أن أثبتت تحرياتهما أن هذا العسكري قد سُرِّح من البوليس وأنه مقيم في بلدته الأصلية "إدفو".

استطاع هذان الصحفيان – بطريقتهما الخاصة – أن يلتقيا العسكري الأسود في بلدته، ونشرت جريدة الجمهور المصري" اسم هذا الشخص ومحل إقامته.. وبناء على ما نشر في هذه الجريدة أمرت المحكمة النيابة بإحضاره لسماع أقواله باعتباره شاهداً.

وفي جلسة 10/5/1951 حضر هذا الشخص واسمه " أمين محمد محمود مرسي النقيب" في سن دون الثلاثين، وتمسك بالإنكار التام المطلق.. ولكن الدفاع كان قد علم بأن طريقة إحضاره من بلدته وحضوره إلى النيابة قد تخللتها مناورات خطيرة قام بها البوليس السياسي في مصر.

وقد واجهه الدفاع بما أحرجه في كيفية تسفيره من بلدته إلى القاهرة، وفي نزوله أول ما حضر عند ضابط من ضباط القلم السياسي اسمه مرتضى..

مع أنه كان يجب أن يسلم نفسه مباشرة إلى النيابة. وطلب الدفاع من المحكمة أن تسمع أقوال سعد زغلول الصحفي في جريدة الجمهور المصري " فكان الموجود زميله بالجريدة الأستاذ البعثي، فسمعت المحكمة أقواله على سبيل الاستدلال، قال:

" إن زميلي سعد زغلول محاصر الآن بمنزل صديق له هو عبد الرحيم صدقي شقيق اليوزباشي مصطفى كمال صدقي.

وقد عمد رجال البوليس إلى محاصرة زميلي حتى لا يحضر الجلسة، ومنعوه من الخروج من المنزل بحجة أن أشقاء العسكري الأسود ينوون قتله. ولازال أربعة من رجال البوليس السياسي يحاصرون المنزل حتى الآن.

وكانت المحكمة قد سألت العسكري الأسود عن تاريخه في البوليس وعن كيفية لقائه بالأستاذين البعثي وزغلول وعن كيفية حضوره، وأجاب إجابات كان البوليس قد لقنها له قبل مثوله أمام المحكمة.

المحكمة: هل ما ذكره الشاهد الآن هو ما حصل في إدفو ؟

البعثي: لا، هناك اختلافات كثيرة في أقواله.

أولاً، هذا العسكري ظل في المحافظة سنة لا ستة أشهر كما يقولون، ثم إنه لم يكن يعرف شيئاً عن القضية لدرجة أن أهالي بلدته جميعاً لا يعرفون أن اسمه هو ما نشر في الجرائد؛ لأنه مشهور باسم أمين النقيب.

وقد اهتديت في البلدة على الشيخ ناظر المدرسة، لعلاقة سابقة بيننا، ولما سألتهم عن أمين قال عندنا أمين النقيب.

فكلفته بإحضاره في منزل أحد أقارب الشيخ. ولما حضر كنت متحيراً كيف أبدأ الكلام معه. وفجأة انطلق زميلي سعد زغلول وقال له: يا أمين إن حيدر باشا في حاجة إليك؛ لأنك رجل شهم وهو في حاجة إلى رجل صعيدي زيك.

اعترف بالتعذيب

ثم تحول الكلام إلى رجال القلم السياسي، ووجدت منه أنه يميل إلى ضُباط القلم السياسي ويعرف عنهم الكثير.

حتى إنه يعرف أن الصاغ عشري نُقل إلى البحيرة. ولما سألته عمن كان معهم أثناء تعذيب الإخوان ذكر اسم مصطفى التركي (عسكري آخر من الفيوم) وإنه هو وذلك العسكري كانا مكلفين بارتكاب جرائم تعذيب الإخوان.

ولما توغلنا في الحديث ارتعش وبدت عليه علامات الاضطراب، والتفت إليَّ وقال: أنا عرفك مش كده؟ فقلت له أيوه أنا كنت أتردد على المحافظة أحياناً ومن هذا الوقت بدأ يتخوف ويتهرب من الحديث.

وهنا ارتفع صوت العسكري ونظر إلى الأستاذ البعثي وقال: أنا خفت منك؟ أنت يا سلام.. أمال كيف وصلتك المحطة وأنا خايف منك؟

استأنف الأستاذ البعثي كلامه فقال: أنا سألت شخصاً في البلد عن أمين فقال لي: إن أمين هذا عفريت، ده ينط على البيوت.

وأي واحدة تعجبه في البلد ينط عليها بالليل الساعة 12 منتصف الليل. واستطرد يقول: أنا فهمت أثناء حديثي مع العسكري في بلدته أنه يكره الإخوان جداً وحاقد عليهم لأقصى حدود الحقد، وكان يسألني أثناء الحديث هل أحد من الإخوان يتهمني في القضية، أنا على كل حال كنت عبد المأمور، أنا مالي، وإحنا في الأول خالص لم نفعل شيء مع الإخوان وإنما في الآخر الحقيقة نفذنا الأوامر، وعملنا فيهم كثير خالص.

وبعد قضاء هذه الفترة معه في البلدة طلب منا بإلحاح أن ننام عنده ليلة في البلدة، ولكنا تخوفنا جداً وآثرنا السفر، وودعنا هو حتى مغادرة القطار.

وعند قيام القطار من المحطة نظر إليَّ وقال: إذا جرى لي حاجة تبقى أنت المسئول.. وقد نفدنا بعمرنا.

كانت هذه هي المغامرة التي قام بها الصحفيان للتعرف على العسكري الأسود ومثوله أمام المحكمة، ولقد أحاطته الحكومة بعناية ورعاية كاملة، وبذلك أقصى جهدها لكي لا تنكشف هذه الفضائح أمام الناس.

ونسوا أن الله عز وجل لا تخفى عليه خافية ? أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ? [المجادلة: 6]. تلك صفحات من تاريخ السجون قبل ثورة يوليو 1952 م وكانت السجون كلها في يد بوليس القلم السياسي..

الذي استخدم كل سجون ومعتقلات مصلحة السجون.. أما بعد الثورة فقد انتقلت الأمور إلى العسكر الذين كانت لهم سجون أخرى أبرزها السجن الحربي".

جند الله الغالبون

كل ما مر بالإمام و إخوانه في جماعة الإخوان المسلمون إنما كان من الله لحكمة ... فقد محصت هذه المحن صفوف الجماعة ، فثبت من ثبت وآخرون نكصوا على أعقابهم، ومحصت أيضا قلوب أولئك الذين ثبتهم الله فزادتهم إيمان و تسليما

يقول أ. مصطفى مشهور

كان حسن البنا صاحب البصيرة النافذة، يدرك أن أبعاد الطريق، ومعالم الطريق، وفي الوقت نفسه عقبات ومتاعب ومحن الطريق، وهو أمر أدركه الدعاة الذين مضوا على الطريق وواصلوا مسيرة الدعوة من بعده"

ويقول أيضا :

"لنعلم أن هناك أعداء يحاولون هز الثقة في صفوف الجماعة يحاولون التشكيك في المنهج والجماعة .

ويقولون :أننا كلما ارتفع بناؤنا هدمه العدو عن طريق المحن التي نتعرض لها .

وهذا فهم خاطئ فالمحن ليست هدما ولكنها صقل وتمحيص وإعداد للقاعدة الصلبة المتلاحمة التي يقوم عليها البناء ليستمر ويستقر ويعلو ولا يتعرض للانهيار، ويحاول الأعداء هز الثقة في قيادة الجماعة وأنها بسبب خطئها تعرض الأفراد إلى المحن والابتلاءات والتعذيب .

وهذا أيضا فهم خاطئ لأن المحن سنة الله في الدعوات الحقة تعرض لها الرسل ومن آمنوا معهم دون خطأ أو تفريط منهم .

- وقد يشكك الأعداء بأن قيادة الجماعة لا تتحرى الحق والشورى عند اتخاذ قرارتها وهذا أيضا كذب وافتراء فالقيادة بفضل الله أول ما تتحرى عند أي موقف رأي الشرع وتنزل عليه كما أنها تلتزم بالشورى التي أوجبها الإسلام".

يقول أ. عباس السيسي

"الحركة الإسلامية فى العصر الحديث بقيادة البنا، التى كان لها قصب السبق فى ميادين الجهاد والتى غيبتها المحنة الضاربة عن أحداث الناس وقضايا الأمة، مدعوة اليوم لتأخذ موقعها فى خط المواجهة الأول لكل قضية، وموضوع (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين)

يقول أ. مشهور أيضا

"وبالتزام الإخوان لهذه السياسة الحكيمة وباهتمامهم بالتربية وبالحب وبالأخوة وبالصبر و الثبات شاء الله لهم عندما تعرضوا للمحن والابتلاءات أن يخرجوا منها أصلب عوداً وأشد تماسكاً وأكثر حرصاً على تحقيق الهدف الذى قامت من أجله جماعتهم ،

وها هى تواصل سيرها وتمتد فروعها وتتعمق جذورها ويشتد ساقها وتستعصى على الأعداء أن يقتلعوها وفى هذا المعنى يقول الشهيد سيد قطب - رحمه الله - وحينما سلط الطغاة الأقزام الحديد و النار على الإخوان كان الوقت قد فات ، وكان البناء الذى أسسه حسن البنا قد استطال على الهدم ، وتعمق على الاجتثاث ، كان قد استحال فكرة لايهدمها الحديد و النار ...

واستعلت عبقرية البنَّاء على الطغاة الأقزام فذهب الطغيان وبقى الإخوان".

لقد كانت آخر رسالة للإمام الشهيد حسن البنا إلى إخوانه في الجماعة في 8 ربيع الآخر سنة 1370 ، 16 يناير سنة 1951 نشرتها مجلة (المباحث) وجاء فيها :

" أيها الإخوة الفضلاء: أتقدم إليكم مهنئًا بما كتب الله لكم من توفيق، وما أجراه على أيديكم من خير.. وما اختصكم به من ثباتٍ على الحق، مهما تقلبت الأحداث، وطالت الأعوام.

كما أتقدم إليكم مذكرًا بخصائص دعوتكم بين الدعوات، وعظيم تبعتكم في هذه الأوقات.. فاذكروا

- أيها الإخوان

- أنكم الكتيبة المؤمنة التي انتهى إليها

- في هذا العصر المادي المظلم بالشهوات.. الأهواء.. المطامع

- واجبَ الدفاع عن كلمات الله ورسالاته،

والمحافظة على أحكام شريعته وآياته، ودعوته الإنسانية التائهة في بيداء الحيرة إلى الصراط المستقيم.. فأنتم بذلك تهتفون بأكرم دعوة، وتنادون بأقدس منهاج.

أيها الإخوة الفضلاء:

إن العالم الآن تتجاذبه شيوعية روسيا وديمقراطية أمريكا، وهو بينهما مذبذب حائر لن يصلَ عن طريق إحداهما إلى ما يريد من استقرار وسلام..

وفي أيديكم أنتم قارورة الدواء من وحي السماء.. فمن الواجب علينا أن نعلن هذه الحقيقة في وضوح، ندعو إلى منهاجنا الإسلامي في قوة، ولن يضيرنا أنَّ ليس لنا دولة ولا صولة؛ فإنَّ قوة الدعوات في ذاتها ثمَّ في قلوب المؤمنين بها، ثمَّ في حاجة العالم إليها، ثم في تأييد الله لها متى شاء أن تكون مظهر إرادته وأثر قدرته .

إن الله ميَّزكم بالانتساب إلى الدعوة؛ فاحرصوا على التميز بآدابها وشعائرها بين الناس، وأصلحوا سرائركم، وأحسنوا أعمالكم، واستقيموا على أمر الله، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وتوجهوا بالنصيحة في رفقٍ ولينٍ إلى الناس أجمعين، واستعدوا للبذل والاحتمال،

والجهاد بالنفس والمال، وأكثروا من تلاوة القرآن، وحافظوا على الصلوات في الجماعات، واعملوا لوجه الله تعالي مخلصين له الدين حنفاء، وانتظروا بعد ذلك تأييد الله وتوفيقه ونصره، ?وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ? (الحج: 40).

وإن أخص ما أوصيكم به بهذه المناسبة أن يكون شعارنا النظافة:

في الضمير والتفكير وفي اللسان وفي السير وفي الثوب وفي البدن وفي المطعم والمشرب والمظهر والمسكن والتعامل والمسلك والقول والعمل.

يقول أ. جمعة أمين

" حسن البنا " هو " المدرس " الذي علم المسلمين ما هو الإسلام ؟! ولكن العالم - إلي حد ما - تغيرت سياساته ووضعت خططه ، في الغرب قبل الشرق ، وكان التغير بسبب حسن البنا وكانت الخطط الجديدة تتأثر سلبا وإيجابا " بحسن البنا " وبدعوة " حسن البنا " حسب له "هلتر" حسابه ، وحسب له " موسوليني " حسابه ، وحسب له " ستالين " حسابه ،وحسبت له بريطانيا حسابه ، وحسبت له فرنسا حسابها ، وحاولوا جميعا أن يرتموا علي أقدام " المدرس " الفقير الزاهد ليتصلوا به ، ولكنه كان لا يتصل إلا بالله ، والله أعز وأقوى من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا مجتمعين ومنفردين".

ولذلك فمن يري المستوى التنظيمي والإعداد التربوي والتأهيل العلمي للإخوان المسلمين يدرك عبقرية الرجل ، وقد أشاد الأستاذ سيد قطب بتلك العبقرية الرجل يقول :

هذا البناء الضخم ، الإخوان المسلمون ، إنه مظهر هذه ال عبقرية الضخمة في بناء الجماعات ، إنهم ليسوا مجرد مجموعة من الناس ، استجاش الداعية مشاعرهم ووجداناتهم ، فالتفوا حول عقيدة .. إن عبقرية

البناء تبدو في كل خطوة من خطوات التنظيم ، من الأسرة إلي الشعبة إلي المنطقة إلي المركز الإداري إلي الهيئة التأسيسية إلي مكتب الإرشاد .. ثم بعد أن يستعرض العبقرية في بناء الجماعة وتنظيمها يقول : " وقد استطاع حسن البنا أن يفكر في هذا كله أو أن يلهم هذا كله .. فيجعل نشاط الأخ المسلم يمتد وهو يعمل في نطاق الجماعة إلي هذه المجالات كلها " .

أخيرا

ومن كل ما سبق يتضح جليا أن الجماعة منذ قيامها مستهدفة من قبل أعداء ماكرين في الخارج ،وعملاء حاقدين في الداخل .

كل هؤلاء أشتات متفرقة ... لكنهم جميعا على هدف واحد وهو ألا تقوم لدولة الإسلام قائمة...

ومن عظيم غبائهم وعميق حماقتهم أنهم يستخدمون على مر التاريخ نفس الأسلحة لتشويه صورة الجماعة عند عموم الناس واليوم تمر مصرنا الحبيبة بظروف صعبة و محنة عظيمة

واستغل الحدث فئام خبيثة هم من نفس نوعيات ما ذكرنا من عبد الهادي و رفاقه مع اختلاف صورهم وهيئاتهم ولكن نفوسهم الحاقدة على الإسلام هي ذاتها يكررها التاريخ اليوم....وحسنا فعلت الجماعة حين سارت على قول إمامها الشهيد الجماعة: الثبات عند الشدة أنجا وأكرم"

لكن هل تستفيد من دروس التاريخ في أنه لا أمان في صراعها مع قوى الشر و البغي و العدوان؟

وهل تعي دورها المهم في قيادة السفينة من أجل النجاة و الوصول بمصر إلى بر الأمان دون الإلتفات لحيل غربان الجهل و التخلف؟


المصادر