محمد عبد الرحيم الأنصاري

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشيخ محمد عبد الرحيم الأنصاري


إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين

أ/ بلال القصاص

تقديم

زخرت دعوة الإخوان المسلمين بالكثير من رجال الدعوة الذين انتموا إليها واستشهدوا في سبيلها، ولم يسمع الكثيرون عنهم سواء من الإخوان أو من غيرهم، مصداقا لقوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)، أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة وإن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع)، وكما جاء في الأثر: إن الله يحب الأتقياء الأخفياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا.

ومن هؤلاء الشيخ محمد عبد الرحيم الأنصاري الذي كان من دعاة الإخوان المخلصين، ولا يعرفه أحد من الإخوان، إلا أن الإمام البنا تحدث عنه في مذكراته.

تعرفه بالإخوان

يذكر الإمام البنا أنه تعرف عليه سنة 1928م بالقنطرة الغربية ؛ حيث كان يعمل ضمن أنفار الدريسة "عمال إصلاح الطرق الحديدية" بالسكة الحديدية وكان عمره وقتها يناهز التاسعة والعشرين أو الثلاثين، وقد ذكر عنه الإمام أنه كان مشرق النفس وضاء جوانب الروح، يتلألأ هذا الإشراق والنور في وجهه، وكان صلاحه وتقواه وغيرته على الدين تنم عليها جميعًا قسمات هذا الوجه ذي اللحية الشقراء المسترسلة، يدعو نفرًا من زملائه وغيرهم من الأهالي إلى الصلاة والمحافظة عليها والتمسُّك بأهداب الدين، والحرص على أداء فرائضه في حماسة وغيرة، وقد اتخذ من مصلى ترعة الإسماعيلية المجاورة لمحطة السكة الحديدية مثابة له يلقي فيها دروسه على هذا النفر وغيرهم كلما سمح له وقته، ويردد على آذانهم ما سمعه أو قرأه في كتاب (التحفة الرضية) أو (نزهة المجالس) أو (تذكرة القرطبي) أو أمثالها من كتب الوعظ والرقائق، ويستشهد بأقوال الصوفية التي تلقفها من اتصاله ببعض شيوخ الطريق.

وقد قويت صلته بالإخوان بعد انتقاله إلى الإسماعيلية؛ حيث لازم دار الإخوان ودروس الإخوان، وأخذ يصحح اتجاهاته الإسلامية على ضوء هذه الدروس والمحاضرات والمناقشات التي كانت تدور بينه وبين الإخوان.

ومنذ ذلك التاريخ وهو الجندي المخلص العامل الذي لا يمل العمل للدعوة، ولا يفتر لسانه عن تبلغيها في كل وسط من الأوساط، وإن سبَّب له ذلك كثيرًا من المتاعب والتنقلات من الإسماعيلية إلى الأقصر إلى أسوان إلى مرسى مطروح ثم إلى القاهرة أخيرًا؛ حيث كان يحضر دائمًا عند الفزع، ويغيب عند الطمع، وإن كان الإخوان المسلمون لا مطامع من حولهم بعدُ.

موقفه من المبشرين

المعروف أن نشاط المبشرين نشط في ذلك الوقت وقويت حركتهم، ولقد كان للشيخ محمد موقف معهم، حيث كان رحمه الله يلاحقهم في كل مكان يذهبون إليه ليحذِّر منهم ومن نشاطهم، وسرعان ما يفسد عليهم وحده بقوة إيمانه كل ما يعملون.

ولقد مر ذات يوم في أحد الشوارع، فوجد أحد هؤلاء المبشرين قد جمع أطفالاً في حجرة يوم الأحد، واعتبرها مدرسة أحد، فوقف يستمع من النافذة، فرأى هذا المبشر يطعن في الإسلام وفي نبيِّه صلى الله عليه وسلم ؛ فصاح في وجهه صيحةً أذهلته ثم أنذره قائلاً: «إذا جئت في مثل هذا اليوم، ورأيتك في هذا المكان؛ فسأهدمه على رأسك!!»، وتركه وانصرف.

وعمل هذا التهديد عمله في نفس الرجل، فخرج بالأطفال في الأسبوع التالي إلى الفضاء وترك المكان، وعاد الشيخ محمد عبد الرحيم في الموعد المضروب فلم يجده، وسأل عنه فدله الناس على مكانه، فذهب إليه، فوجد معه رئيس الإرسالية، وناظر المدرسة الإنجليزية يشهدون تدريسه لأطفال المسلمين، فقال له في تهكم: «يظهر أنك لم تفهم جيدًا ما أنذرتك به في الأسبوع الماضي، وكأنك ظننت أنني أريد أن أحتل مكانك في الحجرة، مع أنني أردت أن أمنعك من مزاولة هذا التغرير لهؤلاء الأطفال، وإفساد عقائدهم».

ثم اتجه من فوره إلى رئيس الإرسالية الإنجليزي ووكزه وكزةً شديدةً وقال له: «اذهب أنت إلى إرساليتك؛ لأني لا أريد أن أحدث بسببك أزمة سياسية، ولعن الله الامتيازات الأجنبية ويخلص مصر من كابوسها!!».

وليعرف صحة موقفه وكيف يتعامل مع مثل هؤلاء ذهب إلى الإمام ليقص عليه ما فعل ويقول له في صدق وإخلاص: «إنْ كنت أخطأت فهأنذا لأعاقب بما أستحق؛ فإنهم هدَّدوني بأنهم سيذكرون ذلك لك وأخشى أن تعاقبني أمامهم، فلا يرهبونني مرة أخرى، وأنا ما فعلت ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله، ومحافظة على الإسلام، وما أردت الاعتداء على أحد، ولكنهم هم الذين بدءوا الاعتداء، فكان هذا أقل جزاء لهم في نظري».

ولقد وجه الإمام الشهيد التوجيه المناسب في مثل هذه الحال، ونصح له بأخذ الأمور بالرفق والحسنى، وقد امتثل طائعًا، وقد كانت الطاعة التامة والحب العميق والإيمان القوي والإخلاص الذي لا تشوبه شائبة والشجاعة في الحق أخص صفاته -رحمه الله.

وبسبب ذلك لجئوا إلى الوسائل المعروفة عنهم من الشكوى إلى الرؤساء بغير الحق، فتم نقله فجأة إلى الأقصر.

طرفة زواجه

أقنعه أصدقاؤه في الأقصر بأن يتزوَّج ودخلوا عليه من الباب الذي يعجبه ويغريه بأن ذكروا له امرأة صالحة تقية تؤدي الفرائض في أوقاتها، وتستمسك أشد الاستمساك بدينها، فخطبها إلى إخوانها، وقبلوا خطبته، وتمَّ كل شيء، وفي ليلة الزفاف كان أول سؤال سألها إياه: هل صليت العشاء؟ فقالت: لا. فقال: والمغرب؟ قالت: لا. فقال: والعصر؟ فقالت: لا. فقال: «إنتي ما بتصليش؟!» فقالت: لا.. فلم يرد عليها بأكثر من أن أغلق عليها باب الحجرة وتركها وحدها، ونام على بابها إلى الصباح؛ حيث ذهب إلى إخوانها وطالبهم بفسخ هذا الزواج؛ لأنهم خدعوه وهو ما تزوَّجها إلا بدينها امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» أما وقد ثبت أنه لا دين لها، والصلاة عماد الدين؛ فإنه لا يستطيع أن يعيش معها على ذلك.. فلاطفوه وأخذوه بالحسنى، وجاءوه من الناحية التي تستهويه وقالوا له: اكسب أنت ثواب تعليمها وهدايتها إلى الدين وإلى الصلاة، فقال: «بشرط أن تأمروها بالطاعة التامة في هذه الناحية».

فأجابوه إلى ذلك، وذهبوا معه إليها وأوصوها بطاعته في هذه المسائل الدينية، وأن تكون معه فيها كما يريد، وانتهز هو هذه الفرصة، فبدأ يعلمها الوضوء عمليًّا والصلاة عمليًّا كذلك ويحفظها التشهد والفاتحة وبعض السور القصار حتى اطمأن على ذلك كله، ولم يقربها حتى وثق تمام الوثوق من إتقانها لذلك ومحافظتها على الصلاة.

إيمانه بدعوته

كان الشيخ محمد عبد الرحيم -رحمه الله- أينما ذهب يدعو مَن يجلسون إليه أو يتصلون به إلى الاستقامة، ويرغبهم في ذلك أشد الترغيب، حتى إنه كان يشتري من مرتبه الضئيل كتبًا كثيرةً يقدمها إليهم هدايا، ويوصيهم بقراءتها والعمل بما فيها.

وكان يحث الوعاظ والعلماء والأئمة وكل قادر على الدعوة دائمًا على دوام الاتصال بالناس، وتذكيرهم بالله واليوم الآخر، ويأخذ بأيديهم فعلاً، ويحملهم حملاً على الذهاب إلى المجتمعات والأحفال، فضلاً عن المساجد لإلقاء الدروس والعظات، ويذكرهم بتبعتهم بين يدي الله -تبارك وتعالى.

حتى إنه اشترى كتاب (الفتح الرباني) مرتين مع غلاء ثمنه بالنسبة لمرتبه، وعندما سأله الإمام الشهيد عن السبب، فقال: نسخة لي، ونسخة لأحد العلماء الصالحين يدرس منها للناس.. وهكذا كان دأبه في كل مكان نزل فيه ونُقِلَ إليه.

وكان لا يرهب الرؤساء، ولا يجاملهم في الحق كائنين من كانوا، وما كان أحد منهم يستطيع أن يجاهر بمنكر أمامه، أو يتلفظ بكلمة نابية وهو موجود خوف لسانه وثورته وانتصاره للحق.

استشهاده

كان الشيخ محمد عبد الرحيم يسأل الله صباحًا ومساءً وفي الركوع والسجود أن يكتب له الشهادة في سبيله، وألا يموت هذه الموتة الذليلة الخانعة التي يموتها الناس، وكان يبكي حتى تقطر الدموع من لحيته كلما جاشت بنفسه هذه الذكرى، وكان كثيرًا ما يستعجل أجل نفسه على شريطة أن يكون في جهاد، وكأنما كانت دعوة الشيخ محمد عبد الرحيم دعوة مستجابة، فاستشهد في المظاهرة التي قادها الإمام البنا من الأزهر الشريف احتجاجا على رفض اقتراح بعض الدول في مجلس الأمن برجوع مصر للمفاوضة مع الإنجليز وتأجيل البت في قضية استقلال مصر من قبل مجلس الأمن في يوم الجمعة 22 أغسطس 1947م، 6 شوال 1366هـ، وسيظل الشيخ محمد عبد الرحيم الأنصاري صورة من صور الإنسان المستنير والكفاح المستبسل والإخلاص المشرق في قلب كل مَن عرفه ومن سيعرفه من أبناء هذه الدعوة والعاملين لها، رحمه الله وأفسح له في جنته.

المراجع

1- الإمام حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، إعداد مركز البصائر للبحوث والدراسات، 2010م.

2- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين - دار التوزيع والنشر الإسلامية.

3- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، أغسطس 1947م.

4- فتحي محمد إبراهيم: من تاريخ العمال والفلاحين في دعوة الإخوان المسلمين ص27:29

للمزيد عن الإخوان في الغربية

من أعلام الإخوان في الغربية

ملفات ومقالات متعلقة

الغربية وثورة 25 يناير