محمد صقر
مقدمة
بعد رحلة حافلة بالعمل والجهاد في سبيل الدعوة انتقل إلى رحمة الله تعالى الشيخ محمد عبد الله صقر من الرعيل الأول لدعوة الإخوان المسلمين.
هو رجلٌ من طرازٍ فريد، ربما لو جلست إليه لتتحدث معه لخَدَعَكَ سِنُّه بالنسبة لذاكرته وذكرياته التي تُمثِّل كتابًا مفتوحًا؛ فنادرًا ما تجد أقرانه من مثل سنِّه على ذلك، ترى في تفكيره شخصيةَ مبدِع، لا ينظر إلى الأمور إلا وله معها تحليل وتدقيق.
إنه الشيخ محمد عبد الله صقر، من مواليد قرية طوخ قراموس شرقية سنة 1927م، نشأ في بيت علم وفقه؛ حيث كان والده أزهريًّا، نذر لله على نفسه إن رزقه الله بذرية ذكور أن يُحفِّظهم القرآن بنفسه ويُلحقهم بالأزهر الشريف، ويصبر على تعليمهم حتى يراهم دعاةً إلى الله، وكان دائمًا يرغِّبهم ويقول لهم:﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾ (فصلت).
بعد تخرجه عمل فضيلة الشيخ محمد صقر إمامًا وخطيبًا ومدرِّسًا في مساجد وزارة الأوقاف بالقاهرة، ثم حصل على معهد التربية العالي من جامعة عين شمس، ثم عمل مدرسًا بوزارة المعارف في الإسماعيلية.
تعرف على جماعة الإخوان في سن مبكرة جدًّا تقريبًا سنة 1940م؛ حيث كانت تصل لوالده رسائل مكتوبة بالبريد مُوقَّعة من الإمام "حسن البنا" عليه رحمة الله.. يدعو فيها والدي وأمثاله من حفظةِ القرآن الكريم وحملة العلم إلى الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تعمل لنصرةِ الدين وتطبيق أحكام شريعة الإسلام والنهوض بالأمة وتخليصها من الاستعمار..
وكان فضيلته يقرأ هذه الرسائل باهتمام، وأشتاق لمعرفةِ المزيد عن هذا الرجل الداعية الإسلامي العظيم، وعن دعوةِ الإخوان المسلمين.
وفي ذلك الوقت قدم إلى البلد 3 شباب صغار في السن، وتقدَّم أحدهم بعد صلاة الجمعة في الجامع الكبير، وتحدَّث حديثًا رائعًا معبرًا عن الجماعة، ودعا الناس للانضمام إليها لتطبيق أحكام شرع الله وتحريم ما حرَّم الله، فقد كانت البلاد تموج بالفساد، والدعارة كانت منتشرة، والربا والسفور والتبرج والفساد بكل صوره عمومًا...
هذا الشاب كان المرحوم أ. عبد البديع صقر، وكان يكبرني بحوالي 10 أو 15 سنةً تقريبًا، واستضافهم والدي لتناول الغداء، وبعد الانتهاء من تناول الغداء علمتُ أنه سيقوم بحديثٍ آخر مماثل في مسجد آخر في صلاة العصر ثم مسجد آخر في صلاة المغرب.. وهكذا.. فتتبعته وأنصتُّ إليه وأُعجبتُ به حيث لم يكن عمره يتجاوز الـ25 سنة، إلا أن تلاوته الرائعة للقرآن وحديثه العذب أغراني للسير خلف هذه الجماعة.
معرفته بالإخوان
وعن كيفية تعرفه على جماعة الإخوان المسلمين يقول:
- لقد تعرفتُ على جماعة الإخوان في سن مبكرة جدًّا تقريبًا سنة 1940م؛ حيث كانت تصل للوالد رسائل مكتوبة بالبريد مُوقَّعة من الإمام "حسن البنا" عليه رحمة الله.. يدعو فيها والدي وأمثاله من حفظةِ القرآن الكريم وحملة العلم إلى الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تعمل لنصرةِ الدين وتطبيق أحكام شريعة الإسلام والنهوض بالأمة وتخليصها من الاستعمار.. فكنتُ أقرأ هذه الرسائل باهتمام، وأشتاق لمعرفةِ المزيد عن هذا الرجل الداعية الإسلامي العظيم، وعن دعوةِ الإخوان المسلمين.
- وفي ذلك الوقت قدم إلى البلد 3 شباب صغار في السن، وتقدَّم أحدهم بعد صلاة الجمعة في الجامع الكبير، وتحدَّث حديثًا رائعًا معبرًا عن الجماعة، ودعا الناس للانضمام إليها لتطبيق أحكام شرع الله وتحريم ما حرَّم الله، فقد كانت البلاد تموج بالفساد، والدعارة كانت منتشرة، والربا والسفور والتبرج والفساد بكل صوره عمومًا...
- هذا الشاب كان المرحوم: أ. عبد البديع صقر، وكان يكبرني بحوالي 10 أو 15 سنةً تقريبًا، واستضافهم والدي لتناول الغداء، وبعد الانتهاء من تناول الغداء علمتُ أنه سيقوم بحديثٍ آخر مماثل في مسجد آخر في صلاة العصر ثم مسجد آخر في صلاة المغرب.. وهكذا.. فتتبعته وأنصتُّ إليه وأُعجبتُ به حيث لم يكن عمره يتجاوز الـ25 سنة، إلا أن تلاوته الرائعة للقرآن وحديثه العذب أغراني للسير خلف هذه الجماعة.
- ومن حسن الحظ التحقتُ بالمعهد الديني بالزقازيق، وكان في ذلك الوقت قريبًا من مقر الجماعة هناك؛ مما أفادني كثيرًا وعرَّفني بشخصياتٍ كبيرة ومهمة في الجماعة، كما سعدتُ بالاستماع إلى فضيلة المرشد العام "حسن البنا" عدة مرات في الزقازيق وفي القاهرة أيضًا؛ حيث كانوا يحتفلون برأس السنة الهجرية ويستعرضون التنظيم العسكري لجوالة الإخوان المسلمين في الميدان، وكان عمري في ذلك الوقت حوالي 17 أو 18 سنة.
- ثم وأنا في العشرين حضرتُ مؤتمرًا عقده الإخوان لنصرة فلسطين، وقد أعلن أن الإخوان يتبعون القول بالعمل، كما بشَّر المستمعين بأنهم سوف يرسلون "10 آلاف مجاهد" يقودهم د. مصطفي السباعي.
حوار قبل وفاته
أجرى معه الأستاذ علاء عياد حوار قبل وفاته فجاء فيه:
- مَن عاصرت من علماء هذه الفترة؟
- كان من جيلي الذي أنتمي إليه ويكبرني بعامين الشيخ يوسف القرضاوي والدكتور أحمد العسال، وكان زميلي الشيخ المطراوي، وكان هذا الجيل من شباب الإخوان الناشطين في ميدان الجهاد في فلسطين أو في القناة أو في مجال الدعوة إلى الله، فكنا ولا أُزكي على الله نفسي من هذا الرعيل، وكنا جنودًا وعمالاً ومعاونين ومساعدين لمَن هم أقوى منا قدرةً وأقدر منا على الأداء.
- وعندما ذهبتُ إلى الإسماعيلية تعرفتُ على بعضٍ من الرعيل الأول من جماعة الإخوان المسلمين المؤسسين؛ فلحقتُ بالحاج عبد الرحمن حسب الله وبعض إخوانه والمرحوم الحاج علي رزة وآخرين كثيرين، فالتحمتُ بهم وانتسبتُ لهم.
- وماذا عن الاعتقالات في حياة الشيخ محمد صقر؟
- لما جاءت الثورة حاولَت أن تكتم أنفاس الدعوة، لكنَّ الله كان يفتح لنا الأبواب المُغلقة وييسر لنا السبل الصعبة، وصدق الله ﴿مَا يَفْتَحْ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا﴾ (فاطر: من الآية 2)، وجاءت موجة الصدام الأولى بين الثورة في عهد جمال عبد الناصر أوائل 1953م وجماعة الإخوان عندما كنتُ بالفرقة الثالثة في كلية اللغة العربية؛
فاعتقلوا أعدادًا كبيرةً، وكنت ضمن ممن اعتُقِلوا خمسة شهور، وتعرَّفنا على المعتقلاتِ وأنواع المعاملة الشاذة والقاسية التي تُمارَس ضد الجماعة في المعتقلات.. ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)﴾ (البروج).
- وماذا عن فترة انتدابك إلى السودان؟
- في عام 1974م جاءني انتداب إلى السودان في البعثة التعليمية المصرية، وهي مدارس مصرية تابعة لمصر وباقية منذ عهد الوحدة بين مصر والسودان (وحدة وادي النيل)؛
- حيث كان هناك أكثر من 40 مدرسة مصرية تُزوَّد بالكتب والمدرسين المصريين وكل شيء، على أن تُربي أجيالاً على الولاء إلى الإسلام والانتماء إلى الوحدة المصرية السودانية، وكنتُ مديرًا في هذا الوقت، واستمرَّ انتدابي 14 سنةً متصلةً منذ 1974م إلى 1988م، وكانت مدة الإعارة 6 سنوات كحدٍّ أقصى، ولكن بوصولي إلى السودان وجدتها أرضًا خصبةً بحاجة إلى جهود الدعاة، فالسودانيون أناسٌ على الفطرة، يحبون الإسلام وأهل مصر، ويعتزون بعلماء الإسلام وخريجي الأزهر على وجهِ الخصوص، وإذا بهم يحتضنوني ويصرُّون على استنفاد كل ما عندي من طاقة..
- فرغم أنني كنت مديرًا للمدرسةِ في الصباح، فكانوا حريصين على ترتيب برنامج لي في المساء يوميًّا، أذهبُ فيه إلى المساجد والنقابات والنوادي والمنتديات والمؤسسات، أتحدث فيه عن القضايا التي تهم المسلمين ورأي الدين فيها، وربما كان يتعدَّى اليوم أكثر من محاضرة، ما بين المغرب والعشاء محاضرة، وما بعد العشاء محاضرة أخرى.
- كيف استمرت فترة انتدابك كل هذه المدة، برغم أنك ذكرت أن أقصى فترة للانتداب 6 سنوات؟
- عندما انتهت فترة انتدابي الأولى طلبت حكومةُ السودان المدَّ لي، فجدَّدوا لي عامًا، فطلبوا بعده التجديد مرةً أخرى، فجدَّدوا لي العام الثاني، واستمرَّ الأمر على ذلك بين الحكومة السودانية ومصر إلى أن طالت فترة انتدابي إلى 10 سنوات، وأكدت الحكومة المصرية أن هذه أكثر مدة يمكن أن تمدها الحكومة لي.
- واستمرَّ تمسك الحكومة السودانية بي؛ فكان رد الحكومة المصرية أن سلطةَ وزير المعارف قد انتهت، فردَّت الحكومة السودانية أن هناك سلطةَ رئيس الدولة، فرفعوا الأمر إلى السفارة السودانية في مصر لترفع الأمر إلى رئاسةِ الجمهورية، لتحصل على تجديدٍ دائمٍ لي، فكان تمديد رئاسة الجمهورية لي أربع سنوات متتالية.
- طوال سنوات بقائي في السودان ما تركتُ أمرًا من أمورِ الدين ألا وتحدثتُ فيه في كلِّ مكان.. في جنوب السودان وفي شمال السودان وفي شرق السودان وفي غرب السودان؛ حيث عملتُ لمدة سنة في مدارس النهضة، ثم انتقلتُ إلى مدينة الشجرة بجوار الخرطوم؛ حيث عملت هناك مديرًا لمدرسة هناك إعدادية وثانوية.
- وبفضل الله قضيتُ الـ14 عامًا في الدعوةِ إلى الله؛ حيث إن هذه البلد تحب الدين وترغب في التعرف على أحكامه والتزود من علم العلماء.
- هل واجهتك صعاب في السودان أثناء تأدية دورك هذا؟
- كانت هناك فئة مضلّلة للشيوعية، وهناك ما هو أسوأ من الحزب الشيوعي، وهو الحزب الجمهوري، الذي كان يرأسه شخصٌ يُدعى محمود محمد طه، وكان قمة في الذكاء ولكنه كان يُسخِّر هذا الدهاء في خدمةِ الشيطان وتضليل عباد الرحمن؛ حيث ألف أكثر من 50 كتابًا في ادعاء أن محمدًا صلى الله عليه وسلم نبي الأميين، وهو نبي القرن العشرين!! ويستدل بآياتٍ وأحاديث موضوعة، وكانت المصيبة أن هناك قلةً تنقاد إليه!!.
- ولكن بفضل الله ما تركتُ هذا الأمر حتى اندثر في السودان، وكان قد تم تخصيص أكبر مساجد السودان، مسجد الشيخ نور الدايم لألقي خطبةَ الجمعة؛ حيث كانت تُذاع من الإذاعة السودانية، وكان لي برنامج يومي في رمضان وحديث في الأيام العشرة من ذي الحجة.
- ما حقيقة العلاقة التي ربطت بينك وبين نائب الرئيس السوداني؟
- كانت الدعارة متاحةً في الخرطوم، وكان لها بيوت مُرخَّصة، فضلاً عن الخمَّارات والعري، وقد واجهتُ ذلك فوقفتُ في مسجدٍ أتحدث عن الدعارة وكانت كلمةً مُوفَّقةً بحمد الله، أعجبت الحضور كثيرًا، وقالوا لي إن هناك أناسًا لا تأتي إلى المسجد، وطلبوا مني أن أُلقيَ محاضرةً في أحد النوادي الكبيرة وهو نادي "الخريجين"، وقامت وسائل الإعلام الحكومية السودانية بالإعلان عن موعد المحاضرة، وفي هذا اليوم كان النادي ممتلئًا بالآلاف، وكان موضوع المحاضرة: "الدعارة وخطرها على الفرد والمجتمع".
- وبعد انتهاء المحاضرة جاءني هاتفٌ من قاضي المحكمة الدستورية يشكرني على المحاضرة، وإذا به الدكتور (علي عثمان طه) نائب الرئيس السوداني الحالي، ثم نُقلت بعد سنةٍ إلى الخرطوم، وإذا به أيضًا يُنقل إلى الخرطوم، واستمرَّت العلاقة إلى أن عدت إلى مصر.
جنازته
شيع أهالي أبوكبير فضيلة الشيخ محمد عبدلله صقر بعد تاريخ حافل من الجهاد والعمل من أجل الدعوة. تقدم المشيعيين المستشار حسن النجار محافظ الشرقية وأ. فخرى السيد رئيس مجلس مدينة أبو كبير وعدد كبير من قيادات الإخوان المسلمين بالشرقية؛
وقيادات حزب الحرية والعدالة وعلى رأسهم المهندس عبد اللطيف غلوش مسئول الإخوان بشمال الشرقية والحاح محمد جودة مسئول مكتب جنوب الشرقية وأعضاء المكتب الادارى بشمال وجنوب الشرقية و الدكتور إبراهيم النجار نقيب الصيادلة والمهندس أحمد شحاتة عضو مجلس الشعب السابق
وأ. د. أمير بسام عضو مجلس الشعب السابق والمهندس عبد الله أمر الله عضو مجلس الشورى وعدد من قيادات الدعوة السلفية بابوكبير فضلا على العلماء والخطباء وتلامذة الشيخ وأحبائه ألقى كلمة الإخوان المسلمين بالشرقية أ.د إسماعيل علي الذى تحدث عن آثار الشيخ وجهاده وصبره على مشاق الطريق والعمل فى ظلال دعوة الإخوان المسلمين وما قدمه من تضحيات من أجل رفعة الدين والوطن وأختتم الكلمة بالدعاء له بأن يتقبله الله فى عبادة الصالحين والمجاهدين وأن يحشره مع النبيين والصالحين وحسن أولئك رفيقا
روابط خارجية
ألبوم صور