مؤتمر طلبة الإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مؤتمر طلبة الإخوان


بقلم:الإمام الشهيد حسن البنا

2003-01-04

مقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيـمِ

الحمد لله والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيمًا) (النساء:174).

إلي العمل

أيها الأخوة ..

كلما وقفت هذا الموقف من جمهور يستمع، سألت الله أن يقرب اليوم الذي ندع فيه ميدان الكلام إلي ميدان العمل، وميدان وضع الخطط والمناهج إلي ميدان الإنفاذ والتحقيق، فقد طال الوقت الذي قضيناه خطباء متكلمين والزمن يطالبنا في إلحاح بالأعمال الجدية المنتجة، والدنيا كلها تأخذ بأسباب القوة والاستعداد، ونحن مازلنا بعد في دنيا الأقاويل والأحلام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف:2-4). أيها الأخوة..

تحدث إليكم الإخوان في شمول معنى الإسلام وإحاطته واستيعابه لكل مظاهر حياة الأمم، ناهضة أو مستقرةً منشئةً أو مستكملةً، وعرض بعضهم لموقف الإسلام من الوطنية، فأظهركم علي أن وطنية الإسلام هي أوسع الوطنية حدودًا، وأعمها وجودًا، وأسماها خلودًا، وأن أشد المتطرفين لوطنه المتعصبين لقومه لن يجد في دعــوة الوطنيين المجردين ما يلقاه من حماسة وطنية المؤمنين، ولست أفيض في شرح ذلك بعد إذ عرضوا له، ولكــــني سأعرض إلي ناحية واحدة كثر لغط الناس بها وكثر تبعاً لذلك غلطهم فيها، هي: (السياسة والإسلام).

الدين.. والسياسة

قلما تجد إنساناً يتحدث إليك عن السياسة والإسلام إلا وجدته يفصل بينهما فصلاً، ويضع كل واحد من المعنيين في جانب، فهما عند الناس لا يلتقيان ولا يجتمعان، ومن هنا سميت هذه جمعية إسلامية لا سياسية، وذلك اجتماع ديني لا سياسة فيه، ورأيت في صدر قوانين الجمعيات الإسلامية ومناهجها (لا تتعرض الجمعية للشئون السياسية).

وقبل أن أعرض إلي هذه النظرة بتزكية أو تخطئة أحب أن ألفت النظر إلى أمرين مهمين:

أولهما: أن الفارق بعيد بين الحزبية والسياسية، وقد يجتمعان وقد يفترقان، فقد يكون الرجل سياسيًا بكل ما في الكلمة من معان وهو لا يتصل بحزب ولا يمت إليه، وقد يكون حزبياً ولا يدري من أمر السياسة شيئاً، وقد يجمع بينهما فيكون سياسياً حزبياً أو حزبياً سياسياً على حد سواء، وأنا حين أتكلم عن السياسة في هذه الكلمة فإنما أريد السياسة المطلقة، وهى النظر في شؤون الأمة الداخلية والخارجية غير مقيدة بالحزبية بحال.. هذا أمر.

والثاني: أن غير المسلمين حينما جهلوا هذا الإسلام، أو حينما أعياهم أمره وثباته في نفوس أتباعه، ورسوخه في قلوب المؤمنين به، واستعداد كل مسلم لتفديتة بالنفس والمال، لم يحاولوا أن يجرحوا في نفوس المسلمين اسم الإسلام ولا مظاهره وشكلياته ، ولكنهم حاولوا أن يحصروا معناه في دائرة ضيقة تذهب بكل ما فيه من نواح قوية عملية، وإن تركت للمسلمين بعد ذلك قشور من الألقاب والأشكال والمظهريات لا تسمن ولا تغنى من جوع.... فأفهموا المسلمين أن الإسلام شئ والاجتماع شيء أخر، وأن الإسلام شيء والقانون شئ غيره، وأن الإسلام شئ ومسائل الاقتصاد لا تتصل به، وأن الإسلام شئ والثقافة العامة سواه، وأن الإسلام شئ يجب أن يكون بعيداً عن السياسة.

فحدثوني بربكم أيها الإخوان، إذا كان الإسلام شيئًا غير السياسة وغير الاجتماع،وغير الاقتصاد، وغير الثقافة... فما هو إذن؟

أهو هذه الركعات الخالية من القلب الحاضر، أم هذه الألفاظ التي هي كما تقول رابعة العدوية: استغفار يحتاج إلى استغفار، ألهذا أيها الإخوان نزل القرآن نظامًا كاملاً محكمًا مفصلاً: (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:16).

هذا المعنى المتضائل لفكر الإسلام، وهذه الحدود الضيقة التي حُدد بها معنى الإسلام، هي التي حاول خصوم الإسلام أن يحصروا فيها المسلمين، وأن يضحكوا عليهم بأن يقولوا لهم لقد تركنا لكم حرية الدين، وأن الدستور ينص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام.

الإسلام الشامل

أنا أعلن أيها الإخوان من فوق المنبر بكل صراحة ووضوح وقوة، أن الإسلام شئ غير هذا المعنى الذي أراد خصومه والأعداء من أبنائه أن يحصروه فيه يقيدوه به، وأن الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وسماحة وقوة، وخلق ومادة، وثقافة وقانون: وأن المسلم مطالب بحكم إسلامه أن يعني بكل شؤون أمته، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.

وأعتقد أن أسلافنا رضوان الله عليهم ما فهموا للإسلام معنىً غير هذا، فبه كانوا يحكمون، وله كانوا يجاهدون، وعلى قواعده كانوا يتعلمون، وفى حدوده كانوا يسيرون في كل شأن من شؤون الحياة الدنيا العملية قبل شؤون الآخرة الروحية، ورحم الله الخليفة الأول إذ يقول: "لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله".

بعد هذا التحديد العام لمعنى الإسلام الشامل ولمعنى السياسة المجردة عن الحزبية، أستطيع أن أجهر في صراحة بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيًا، يعيد النظر في شؤون أمته، مهتمًا بها غيورًا عليها.

وأستطيع كذلك أن أقول أن هذا التحديد والتجريد أمر لا يقره الإسلام، وأن على كل جمعية إسلامية أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بشؤون أمتها السياسية وإلا كانت تحتاج هي نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام.

دعوني أيها الإخوة أسترسل معكم قليلاً في تقرير هذا المعنى الذي قد يبدو مفاجأةً غريبةً على قوم تعوّدوا أن يسمعوا دائمًا نغمة التفريق بين الإسلام والسياسة، والذي قد يدع بعض الناس يقولون بعد انصرافنا من هذا الحفل: إن جماعة الإخوان المسلمين قد تركت مبادئها، وخرجت علي صفتها، وصارت جماعةً سياسيةً بعد أن كانت جمعيةً دينيةً، ثم يذهب كل متأول في ناحية من نواحي التأويل ملتمساً أسباب هذا الانقلاب في نظره، وعلم الله أيها السادة أن الإخوان ما كانوا يومًا من الأيام غير سياسيين، ولن يكونوا يومًا من الأيام غير مسلمين، وما فرقت دعوتهم أبداً بين السياسة والدين، ولن يراهم الناس في ساعة من نهار حزبيين (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) (القصص:55)، ومحال أن يسيروا لغاية غير غايتهم أو يعملوا لفكرة سوى فكرتهم أو يتلونوا بلون غير الإسلام الحنيف:(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (البقرة:138).

السياسة الداخلية

دعوني أيها الأخوة أسترسل معكم في تقرير هذا المعنى، فأقول إن كان يراد بالسياسة معناها الداخلي من حيث تنظيم أمر الحكومة وبيان مهماتها وتفصيل حقوقها وواجباتها ومراقبة الحاكمين والإشراف عليهم ليطاعوا إذا أحسنوا وينقدوا إذا أساءوا... فالإسلام قد عني بهذه الناحية، ووضع لها القواعد والأصول، وفصل حقوق الحاكم والمحكوم، وبين مواقف الظالم والمظلوم، ووضع لكل حداً لا يحدوه ولا يتجاوزه.

فالدساتير والقوانين المدنية والجنائية بفروعها المختلفة عرض لها الإسلام، ووضع نفسه منها بالموضع الذي يجعله أول مصادرها وأقدس منابعها.

وهو حين فعل هذا إنما وضع الأصول الكلية، والقواعد العامة، والمقاصد الجامعة، وفرض علي الناس تحقيقها، وترك لهم الجزئيات والتفاصيل يطبقونها بحسب ظروفهم وعصورهم، ويجتهدون في ذلك ما وسعتهم المصلحة وواتاهم الاجتهاد.

وقد قرر الإسلام سلطة الأمة وأكدها، وأوصى بأن يكون كل مسلم مشرفاً تمام الإشراف علي تصرفات حكومته، يقدم لها النصح والمعونة ويناقشها الحساب، وهو كما فرض على الحاكم أن يعمل لمصلحة المحكومين بإحقاق الحق وإبطال الباطل فرض علي المحكومين كذلك أن يسمعوا ويطيعوا للحاكم ما كان كذلك، فإذا انحرف فقد وجب عليهم أن يقوّموه علي الحق ويلزموه حدود القانون ويعيدوه إلي نصاب العدالة، هذه تعاليم كلها من كتاب الله:(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:48-50)، إلي عشرات من الآيات الكريمة التي تناولت كل ما ذكرنا بالبيان والتفصيل.

ويقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تقرير سلطة الأمة وتقرير الرأي العام فيها: (الدين النصيحة). قالوا: لمن يا رسول الله ؟ قال: (لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم).. ويقول أيضاً (إن من أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)، ويقول كذلك (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلي إمام جائر فأمره ونهاه فقتله).. وإلي مئات الأحاديث التي تفصل هذا المعنى وتوضحه، وتوجب على المسلمين أن يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر، وأن يراقبوا حكامهم ويشرفوا علي مبلغ احترامهم للحق وإنفاذهم لأحكام الله.

فهل كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين يأمر بهذا التدخل، أو الإشراف أو التناصح، أو سمِّه ما شئت، وحين يحض عليه، ويبين أنه الجهاد الأكبر، وأن جزاءه الشهادة العظمي.. يخالف تعاليم الإسلام فيخلط السياسة بالدين، أم أن هذه هي طبيعة الإسلام الذي بعث الله به نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأننا في الوقت الذي نعدل فيه بالإسلام عن هذا المعنى نصور لأنفسنا إسلامًا خاصًا غير الذي جاء به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ربه.

لقد تقرر هذا المعنى الفسيح للإسلام الصحيح في نفوس السلف الصالح لهذه الأمة، وخالط أرواحهم وعقولهم، وظهر في كل أدوار حياتهم الاستقلالية قبل ظهور هذا الإسلام الاستعماري الخانع الذليل.

ومن هنا أيها الإخوان كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتكلمون في نظم الحكم، ويجاهدون في مناصرة الحق، ويحتملون عبء سياسة الأمة، ويظهرون علي الصفة التي وصفوا أنفسهم بها "رهبان بالليل فرسان بالنهار" حتى كانت أم المؤمنين عائشة الصدِّيقة تخطب الناس في دقائق السياسة، وتصور لهم مواقف الحكومات في بيان رائع وحجة قوية، ومن هنا كانت الكتيبة التي شقت عصا الطاعة على الحجاج وحاربته وأنكرت عليه بقيادة ابن الأشعث تسمى كتيبة الفقهاء، إذ كان فيها سعيد بن جبير وعامر الشعبي وأضرابهما من فقهاء التابعين وجلة علمائهم.

ومن هنا رأينا من مواقف الأئمة رضوان الله عليهم في مناصحة الملوك ومواجهة الأمراء والحكام بالحق ما يضيق بذكر بعضه ـ فضلاً عن كله ـ المقام.

ومن هنا كذلك كانت كتب الفقه الإسلامي قديماً وحديثاً فياضةً بأحكام الأمارة والقضاء والشهادة والدعاوى والبيوع والمعاملات والحدود والتعزيزات، ذلك إلي أن الإسلام أحكام عملية وروحية، إن قررتها السلطة التشريعية فإنما تقوم علي حراستها وإنفاذ السلطة التنفيذية والقضائية، ولا قيمة لقول الخطيب كل جمعة علي المنبر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90)، في الوقت الذي يجيز فيه القانون السكر وتحمي الشرطة السكيرين وتقودهم إلي بيوتهم آمنين مطمئنين، ولهذا كانت تعاليم القرآن لا تنفك عن سطوة السلطان، ولهذا كانت السياسة جزءاً من الدين، وكان من واجبات المسلم أن يعني بعلاج الناحية الحكومية كما يعني بعلاج الناحية الروحية. وذلك موقف الإسلام من السياسة الداخلية.

السياسة الخارجية

فإن أريد بالسياسة معناها الخارجي، وهو المحافظة علي استقلال الأمة وحريتها، وإشعارها كرامتها وعزتها، والسير بها إلي الأهداف المجيدة التي تحتل بها مكانتها بين الأمم ومنزلتها الكريمة في الشعوب والدول، وتخليصها من استبداد غيرها بها وتدخله في شؤونها، مع تحديد الصلة بينها وبين سواها تحديداً يفصل حقوقها جميعًا، ويوجه الدول كلها إلي السلام العالمي العام وهو ما يسمونه (القانون الدولي).. فإن الإسلام قد عني بذلك كل العناية وأفتى فيه بوضوح وجلاء، وألزم المسلمين أن يأخذوا بهذه الأحكام في السلم والحرب علي السواء، ومن قصر في ذلك وأهمله فقد جهل الإسلام أو خرج عليه.

قرر الإسلام سيادة الأمة الإسلامية وأستاذيتها للأمم في آيات كثيرة من القرآن ومنها قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (آل عمران:110)، وقوله تعالى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة:143)، وقوله تعالى: (وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8)، وأكد قوامتها وأرشدها إلي طريق صيانتها وإلي ضرر تدخل غيرها في شؤونها بمثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ: هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) (آل عمران:118-119)، وأشار إلي مضار الاستعمار وسوء أثره في الشعوب فقال تبارك وتعالى: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (النمل:34).

ثم أوجب علي الأمة المحافظة علي هذه السيادة، وأمرها بإعداد العدة واستكمال القوة، حتى يسير الحق محفوفاً بجلال السلطة كما هو مشرق بأنوار الهداية)وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ( (لأنفال:60)، ولم يغفل التحذير من صورة النصر ونشوة الاعتزاز وما تجلبه من مجانبة للعدالة وهضم للحقوق، فحذر المسلمين العدوان علي أية حال في قوله تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا) (المائدة:8)، مع قوله تعالى (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج:41).

ومن هنا أيها الإخوة رأينا أخلاء المسجد، وأنضاء العبادة، وحفظة الكتاب الكريم، بل وأبناء الروابط والزوايا من السلف رضوان الله عليهم، لا يقنعون باستقلال بلادهم، ولا بعزة قومهم، ولا بتحرير شعوبهم، ولكنهم ينسابون في الأرض، ويسيحون في آفاق البلاد فاتحين معلمين، يحررون الأمم كما تحرروا، ويهدونها بنور الله الذي اهتدوا به، ويرشدونها إلي سعادة الدنيا والآخرة، لا يغلون ولا يغدرون، ولا يظلمون ولا يعتدون، ولا يستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا.

ومن هنا رأينا عقبة بن نافع يخوض الأطلسي بلبة جواده قائلاً: (اللهم لو علمت وراء هذا البحر أرضًا لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك)، في الوقت الذي يكون فيه أبناء العباس الأشقاء قد دفن أحدهم بالطائف إلي جوار مكة، والثاني بأرض الترك من أقصى الشرق، والثالث بأفريقيا من أقصى المغرب، جهاداً في سبيل الله وابتغاءً لمرضاته. وهكذا فهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان أن السياسة الخارجية من صميم الإسلام. الحقوق الدولية:

وأحب قبل أن أختم هذا الاسترسال أن أؤكد لحضراتكم تأكيداً قاطعاً أن سياسة الإسلام داخليةً أو خارجيةً تكفل تمام الكفالة حقوق غير المسلمين، سواء أكانت حقوق دولية أم كانت حقوق وطنية للأقليات غير المسلمة، وذلك لأن شرف الإسلام الدولي أقدس شرف عرفه التاريخ، والله تبارك وتعالى يقول:(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ( (لأنفال:58)، ويقول:)إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:4)، ويقول تعالى:(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (لأنفال:61).

ولئن كانت إيطاليا المتمدنة قد غزت الحبشة حتى استولت عليها ولم تعلن عليها حربًا ولم تسبق إلي ذلك بإنذار، وحذت حذوها اليابان الراقية فهي تحارب الصين ولم تخطرها ولم تعلنها، فإن التاريخ لم يؤثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن صحابته أنهم قاتلوا قومًا أو غزوا قبيلاً دون أن يوجهوا الدعوة ويتقدموا بالإنذار وينبذوا إليه علي سواء.

وقد كفل الإسلام حقوق الأقليات بنص قرآني هو قول الله تبارك وتعالى:(لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8).

كما أن هذه السياسة الإسلامية نفسها لا تنافي أبداً الحكم الدستوري الشوري، وهي واضعة أصله ومرشدة الناس إليه في قوله تعالى من أوصاف المؤمنين (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الشورى:38)، وقوله تعالى:(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (آل عمران:159)، وقد كان صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه وينزل علي رأي الفرد منهم متى وضح له صوابه كما فعل ذلك مع الحباب بن المنذر في غزوة بدر، ويقول لأبي بكر وعمر: (لو اجتمعتما ما خالفتكما)، وكذلك ترك عمر الأمر شورى بين المسلمين، ومازال المسلمون بخير ما كان أمرهم شورى بينهم. سعة التشريع الإسلامي:

كما أن تعاليم الإسلام وسياسته ليس فيها معنى رجعي أبداً، بل هي على أدق قواعد التشريع الصالح، وقد اعترف التشريع لكثير منها ـ وسيكشف الزمن للناس علي جلاله ما لم يعرفوا بأنها قد سبقته في دقة الأحكام وتصوير الأمور وسعة النظر، وشهد بذلك كثير من غير المسلمين كما ورد كثيراً في كلام "المسيو لامبير" وأضرابه، وأكدت ذلك مؤتمرات التشريع الدولية على أن الإسلام قد وضع من القواعد الكلية ما يترك للمسلم بابًا واسعًا في الانتفاع بكل تشريع نافع مفيد لا يتعارض مع أصول الإسلام ومقاصده وأثاب علي الاجتهاد بشروطه، وقرر قاعدة المصالح المرسلة، واعتبر العرف، واحترم رأي الإمام. كل هذه القواعد تجعل التشريع الإسلامي في الذروة السامية بين الشرائع والقوانين والأحكام.

هذه معان أحب أيها السادة أن تذيع بيننا وأن نذيعها في الناس، فإن كثيرين لا زالوا يفهمون من معنى النظام الإسلامي ما لا يتفق بحال مع الحقيقة، وهم لهذا ينفرون منه ويحاربون الدعوة إليه، ولو فقهوه علي وجهه لرجعوا به ولكانوا من أوائل أنصاره وأشدهم تحمسًا له وأعلاهم صوتاً في الدعوة إليه.

الحزبية السياسية

أيها الإخوة الكرام..

بقى للسياسة معنى آخر يؤسفني أن أقول أنه وحده هو المعني الذي يرادفها ويلازمها بغير حق في أذهان كثير منا، ذلك هو (الحزبية).

وإن لي في الحزبية السياسية آراء هي لي خاصة ولا أحب أن أفرضها على الناس فإن ذلك ليس لي ولا لأحد، ولكني كذلك لا أحب أن أكتمها عنهم، وأرى أن واجب النصيحة للأمة ـ وخصوصًا في مثل هذه الظروف ـ يدعوني إلي المجاهرة بها وعرضها على الناس في وضوح وجلاء، وأحب كذلك أن يفهم جيداً أني حينما أتحدث عن الحزبية السياسية فليس معنى هذا أني أعرض لحزب دون حزب، أو أرجح أحد الأحزاب على غيره، أو أن أنتقص أحدها وأزكي الآخر، ليس ذلك من مهماتي، ولكني سأتناول المبدأ من حيث هو، وسأعرض للنتائج والآثار المترتبة عليه، وأدع الحكم على الأحزاب للتاريخ وللرأي العام والجزاء الحق لله وحده(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (آل عمران:30).

أعتقد أيها السادة، أن الحزبية السياسية إن جازت في بعض الظروف في بعض البلدان، فهي لا تجوز في كلها، وهي لا تجوز في مصر أبداً، وخاصةً في هذا الوقت الذي نستفتح فيه عهداً جديداً، ونريد أن نبني أمتنا بناء قوياً يستلزم تعاون الجهود وتوافر القوى والانتفاع بكل المواهب، والاستقرار الكامل والتفرغ التام لنواحي الإصلاح .

إن وراءنا في الإصلاح الداخلي منهاجاً واسعاً مطولاً، يجب أن نصرف كل الجهود إلي تحقيقه، لإنقاذ هذا الشعب الدائم الحيوية، الجم النشاط، المجهز بكل وسائل النشاط، الذي لا ينقصه إلا القيادة الصالحة والتوجيه القويم، حتى يتكون أصلح تكوين، يقضي علي الضعف والفقر والجهل والرذيلة، وهي معاول الهدم وسوس النهضات، وليس هنا محل تفصيل هذا المنهاج فذلك له وقت آخر، وأنا أعلم أننا جميعًا نشعر بثقل وطأة الأعباء، وبالمجهودات العظيمة التي يجب أن تبذل في سبيل التنظيم الداخلي في كل مظاهر الحياة.

وأعتقد كذلك أننا جربنا الوحدة مرتين: كانت كل واحدة منهما ألمع نجم في تاريخ النهضة: أما أولاهما ففي فجر النهضة حينما برزت الأمة صفًا متحدًا تنادي بحقها وتطالب باستحقاقها في اجتماع أفزع الغاصبين وروع المستعمرين ووهنت أمام سلطانه قوى الظالمين: أما الثاني فحين تكوين الجبهة الوطنية التي خطت بنا خطوة مهما كانت قصيرة فهي إلى الأمام على كل حال: وجربنا التفرقة في مرات كثيرة من قبل ومن بعد فما رأينا إلا تمزيق الجهود: وإحباط الأعمال: وإفساد الشؤون: وإتلاف الأخلاق: وخراب البيوت وتقطيع الأرحام: واستفادة الخصوم على حساب المختلفين المتنابزين.

الحزبية والتدخل

وأعتقد أيها السادة أن التدخل الأجنبي في شؤون الأمة: ليس له من باب إلا التدابر والخلاف, وهذا النظام الحزبي البغيض: وأنه مهما انتصر أحد الفريقين فإن الخصوم بالمرصاد: يلوّحون له بخصمه الآخر: ويقفون منهما موقف القرد من القطتين: ولا يجني الشعب من وراء ذلك إلا الخسارة من كرامته واستقلاله وأخلاقه ومصالحه. إننا ياإخوان أمة لم نستكمل استقلالنا بعد استكمالاً تامًا: ولا زلنا في الميزان: ولا زالت المطامع تحيط بنا من كل مكان: ولا سياج لحماية هذا الاستقلال والقضاء على تلك المطامع إلا الوحدة والتكلف.

وإذا جاز لبعض الأمم التي استكملت استقلالها وفرغت من تكوين نفسها أن تختلف وتتحزب في فرعيات الأمور: فإن ذلك لا يجوز في الأمم الناشئة أبدًا: على أننا نلاحظ أن الحوادث العالمية قد ألجأت الأمم جميعًا إلى التجرد من الحزبية مطلقًا: أو الإبقاء على حزبية صورية تقليدية مع الوحدة في كل الاتجاهات. لا أحزاب في مصر:

وأعتقد كذلك أن هذه الأحزاب المصرية الحالية أحزاب مصنوعة أكثر منها حقيقية: وأن العامل في وجودها شخصي أكثر منه وطني: وأن المهمة والحوادث التي كونت هذه الأحزاب قد انتهت ويجب أن ينتهي هذا النظام بانتهائها.

لقد تكوّن الوفد المصري من الأمة كلها للمطالبة بالاستقلال على أساس المفاوضة وتلك هي مهمته: ثم تفرع منه حزب الأحرار الدستوريين للخلاف في أسلوب المفاوضات: وقد انتهت المفاوضة بأساليبها ونظمها وقواعدها فانتهت مهمتها بذلك:: وتكوّن حزب الشعب لإيجاد نظام خاص ودستور خاص: وقد انتهى ذلك الدستور وذلك النظام بأشكاله وأوضاعه فانتهت مهمته هو الآخر: وتكون حزب الشعب لموقف خاص بين السراي والأحزاب: لقد انتهت هذه الظروف جميعًا: وتجددت ظروف أخرى تستدعي مناهجًا وأعمالاً, فلا معنى أبدًا لبقاء هذه الأحزاب: ولا معنى أبدًا للرجوع على الماضي والمستقبل يلح إلحاحًا صارخًا بالعمل والسير بأسرع ما يمكن من الخطوات.

الإسلام لا يقر الحزبية

وبعد هذا كله أعتقد أيها السادة أن الإسلام وهو دين الوحدة في كل شئ: وهو دين سلامة الصدور: ونقاء القلوب: والإخاء الصحيح: والتعاون الصادق بين بني الإنسان جميعًا فضلاً عن الأمة الواحدة والشعب الواحد: لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه: والقرآن الكريم يقول: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران:103): ويقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: (هل أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصوم ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين: فإن فساد ذات البين هي الحالقة: لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين).

وكل ما يستتبعه هذا النظام الحزبي: من تنابز وتقاطع: وتدابر وبغضاء: يمقته الإسلام أشد المقت: ويحذر منه في كثير من الأحاديث والآيات : وتفصيل ذلك يطول وكل حضراتكم به عليم.

حرية الرأي

وفرق أيها الإخوان بين الحزبية التي شعارها الخلاف والانقسام في الرأي والوجهة العامة وفي كل ما يتفرع منها: وبين حرية الآراء التي يبيحها الإسلام ويحض عليها: وبين تمحيص الأمور وبحث الشؤون والاختلاف فيما يعرض تحريًا للحق: حتى إذا وضح نزل على حكمه الجميع سواء أكان ذلك اتباعًا للأغلبية أو للإجماع: فلا تظهر الأمة إلا مجتمعةً ولا يرى القادة إلا متفقين.

أيها الإخوان لقد آن الأوان أن ترتفع الأصوات بالقضاء على نظام الحزبية في مصر: وأن يستبدل به نظام تجتمع به الكلمة وتتوحد به جهود الأمة حول منهاج إسلامي صالح تتوافر على وضعه وإنفاذه القوى والجهود.

هذه نظرات يرى الإخوان المسلمون أن واجبهم الإسلامي أولاً والوطني ثانيًا والإنساني ثالثًا يفرض عليهم فرضًا لا مناص منه أن يجهروا بها وأن يعرضوها على الناس في إيمان عميق وبرهان وثيق: معتقدين أن تحقيقها هو السبيل الوحيد لتدعيم النهضة على أفضل القواعد والأصول:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (لأنفال:24). خاتمة:

وبعد أيها الإخوان: فهذه نظرات سيضحك لها كثير من الناس حين يستمعون إليها: وأولئك هم الذين يئسوا من أنفسهم وغفلوا عن تأييد الله لعباده المؤمنين: وجهلوا أن هذا الذي تجهرون به اليوم ليس شيئًا جديدًا ولكنه دعوة الإسلام التي جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاهد في سبيلها وعمل لها أصحابه من بعده: والتي يجب على كل مسلم يؤمن بالله وبرسوله وكتابه أن يعمل لها كما عملوا ويجاهد في سبيلها كما جاهدوا.

أمّا أنتم أيها الإخوان فتؤمنون بذلك كله وتعتقدون أن الله غالب على أمره: وأن معكم على ذلك البرهان العلمي والتطور التاريخي والوضع الجغرافي والتأييد الرباني: وتجدون البشرى في قول رب العالمين: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص:5): واعلموا أن الله معكم: ولا أطيل عليكم في بيان واجبكم فإنكم لتعلمونه: فآمنوا وأخلصوا واعملوا وانتظروا ساعة الفوز وترقبوا وقت الانتصار.. (للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ: بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم:5).

الله أكبر ولله الحمد

المرشد العام للإخوان المسلمين

حسن البنا

المصدر