لطيفة حسين الصولي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
زوجة الإمام البنا لطيفة حسين الصولي ... المجاهدة المحتسبة

مقدمة

"لقد اعتنى الإسلام بالمرأة منذ بزوغ فجره، فأوصى بها الرسول خيراً، وسار الصحابة رضوان الله عليهم على نهج نبيهم واقتفوا أثره فى حسن معاملة المرأة، فظهر جيل من الزوجات والأبناء يحمل رسالة الإسلام ويذود عنه بقلوب شاكرة مطمئنة.

فالمرأة إذا آمنت بشيء لم تبال بعقبة تقف في طريق نشره والدعوة إليه، وعملت على إقناع من حولها مهما كلفها هذا من جهد، فهى أقوى عاطفة وأصفى قلباً.

إن جهاد المرأة المسلمة فى سبيل الله فى مطلع عهد الرسالة النبوية بصفحاته المشرقة، يؤكد أن حركة الإصلاح الإسلامى ستظل ضعيفة التأثير الاجتماعي حتى تشارك فيها المرأة، بما يتفق مع شرع الله..

ولقد أدرك الإمام الشهيد حسن البنا أهمية دور الأخت المسلمة، فأولاها عناية خاصة، فأنشا أول فرقة للأخوات المسلمات فى 26 أبريل 1933 م، بالإسماعيلية لتربيتهن التربية الإسلامية الصحيحة.

نشأت السيدة الفاضلة لطيفة حسين الصولي يرحمها الله في بيت تقوى وورع، وكان والدها أحد أعيان مدينة الإسماعيلية (شرق مصر)، ومن المحبين والمعجبين بالأستاذ حسن البنا، وأحد الذين وقفوا بجواره في كل شؤون الدعوة هو وأولاده الذين كانوا جميعاً ينتمون إلى دعوة الإخوان المسلمين .

وكان الحاج حسين الصولي أحد الذين اختارهم الإمام الشهيد لشراء قطعة الأرض اللازمة لإنشاء مشروع المسجد والدار قبيل الإجازة الصيفية للعام الدراسي الثاني 1928 - 1929 م، وكان معه الشيخ محمد حسين الزملوط، وكانا هما اللذين وقعا على عقد البيع بتفويض رسمي من الجمعية "التي كانت حينذاك قد تشكلت بوضع الجمعيات القانونية.."(1).

عاشت السيدة لطيفة في أسرة خدمت الدعوة، وفي بيتها ترعرعت نواة حركة الإخوان المسلمين ، فكانت من السابقات في مضمار الدعوة، وكانت لها وقفات إيمانية تدل على جهادها وصبرها، وقد عزفت عن الشهرة، فلم يُكتب عنها كلمة في حينها.

زواجها من الإمام البنا

عندما حان وقت الزواج، تساءل الإمام الشهيد: من تلك الفتاة التي تقترن برجل مثله؟ رجل شغفته دعوته حباً فهام بها، وطرق أبواب الغافلين يعرفهم بدعوته، رجل حياته كلها أسفار ومحن وابتلاءات.. فمن هي تلك العروس التي تناسبه؟

فالفتاة التي يطلبها حسن البنا لابد أن تعرف كيف تضحي وتجاهد وتبذل في سبيل الدعوة من أجل وجه الله ذي الجلال والإكرام.. ورزق حسن البنا العروس المناسبة.. كيف؟!

كان الإمام البنا باراً بأبويه، يستبشر خيراً بكل ما يأتيه عن طريقهما، فهو المحب لهما، الواثق في صلاحهما..

وحدث أن كانت والدته في زيارة لمدينة الإسماعيلية (في منطقة قناة السويس) وكان من عادتها زيارة بيوت الإخوان هناك، وفي إحدى زياراتها لبيت الحاج حسين الصولي، سمعت صوتا ندياً يقرأ القرآن في خشوع ترق له القلوب، فانجذبت نفسها إليه، وسألت عن صاحبة الصوت، فأجابتها زوج الشيخ الصولى: إنها ابنتنا "لطيفة" تصلي فأحبتها أم الإمام، وتأثرت بنبتة هذا البيت الطيب، وبعد أن فرغت من الصلاة قدِمت ترحب بالضيوف، وكانت أم الإمام تنظر في وجه الفتاة فتجده مشرقاً بالإيمان، فداخلها شعور بصلاح الفتاة.

وعادت ونقلت إلى ابنها أن هذه الفتاة جديرة بأن تكون زوجة له، ولم تكن "لطيفة" تدرك أن صوتها الخاشع سيكون رسولها إلى قلب الإمام أيضًا بعد أن فهمت أمه ماذا يريد ابنها من مواصفات في رفيقة الدرب والحياة(2).

وما إن سمع مشورة والدته في الزواج حتى توجه على الفور إلى بيت الحاج FFحسين الصوليDD يطلب يد الفتاة، وكان حادثاً سعيداً تلقاه الجميع بالقبول، مبتهجين مستبشرين.

وفي ذلك يقول الإمام البنا عن الزواج المبارك: ".. وكأنما أراد الله سبحانه وتعالى أن يخفف عن نفسي وقع هذه الفتن فأتاح لي فرصة الزواج، وتم الأمر بسهولة وبساطة، فكانت الخطبة في غرة رمضان 1350ه الموافق يناير 1932 م فعقد في المسجد في ليلة السابع والعشرين منه.. وكان الزفاف في العاشر من ذي القعدة.."(3).

ويذكر شقيق الإمام البنا عبدالرحمن الساعاتي في أحد خطاباته عن هذه الزواج: "وكان حفل القران قد جرى بالمسجد، وجاء الإخوة بأجولة التمر التي وزعت على الحاضرين وكان الاجتماع حافلاً بالعاطفة الدافئة والمشاعر المتأججة"(4) .

زوجة مطيعة

أيقنت السيدة لطيفة منذ الوهلة الأولى أن الزواج وسيلة تتقرب بها إلى الله تعالى، وأن حسن طاعتها لزوجها يدخلها الجنة، وكان من أهدافها إقامة بيت مسلم يكون نموذجاً طيباً، وتكون هي قدوة لبنات جنسها.. وكانت تدرك أنها زوجة رجل دعوة، كما أنها أدركت أن حسن تبعلها لزوجها نوع من الجهاد(5).

دورها الدعوي

وبعد أن اطمأن الإمام البنا أن رسالته في مدينة الإسماعيلية قد انتهت، سعى أن ينتقل إلى القاهرة ليبدأ مرحلة جديدة في دعوته، وحقق الله رغبته واستجيب لطلبه في النقل، وانتقل وأهله إلى القاهرة في أكتوبر 1932 م.

الإمام حسن البنا

وبعد انتقاله شاركته الزوجة جهاده وتحمله عبء الدعوة، فكان البيت لا يخلو يوماً من الإخوان الذين جاؤوا لمرشدهم، فتقوم الزوجة الكريمة بواجبات إكرام الزائرين، ويرتحل المرشد ليالي وأسابيع يبيتها خارج المنزل ليبلغ دعوته وهو مطمئن على أهله، فهي الزوجة التي تشاركه جهاده وهموم دعوته، وتعرف أن هذا هو الطريق، فلا سأم ولا ضجر، لقد كانت تقدم دائماً مصلحة الدعوة على مصلحة نفسها وبيتها،

تقول ابنتها الدكتورة ثناء البنا: "والدتي رحمها الله كانت تقدم دائمًا مصلحة الدعوة على مصلحة نفسها وبيتها، فقد كانت تقوم على رعايتنا حق الرعاية وتهيئ جو البيت لاستقبال الوالد المرهق من كثرة الأعباء والأعمال فيجد راحته في بيته لمدة سويعات قليلة ينطلق بعدها ثانياً إلى الدعوة.


وعندما قام والدي بتأسيس المركز العام للإخوان المسلمين ، طلبت منه أن يأخذ كثيرًا من أثاث البيت عن طيب نفس منها ليعمر بها المركز العام، فنقل السجاجيد والستائر والمكتبات وكثيرًا من الأدوات، وكانت سعيدة بذلك غاية السعادة، لقد كانت يرحمها الله تعتبر أي فرد من أفراد الجماعة هو أحد أبنائها.

وأذكر أنه عندما كانت تأتي أخت من الأخوات لتشكو زوجها كانت أمي تناقشها وكأنها أمها وفي نفس الوقت حماتها، وتبادرها بالسؤال: ماذا فعلت في ابني فلان حتى تصرف معك هذا التصرف؟!

وكانت تشارك الإخوان أفراحهم وأحزانهم، فكانت فرحة أي بيت من بيوت الإخوان هي فرحة في بيتنا، وكانت مصيبة أي بيت هي مصيبة بيتنا أيضًا"(6).

أبناؤها

ولقد رزقها الله من زوجها الإمام البنا بالذرية الصالحة فأنجبت سبعة أبناء منهم: سيف الإسلام حسن البنا المحامي والنقابي المعروف، ووفاء زوجة الداعية الراحل سعيد رمضان .. وثناء الأستاذة بكلية البنات في مصر ، وهالة الأستاذة بكلية الطب، ورجاء خريجة كلية البنات، وتوفي في الصغر: محمد حسام الدين وصفاء، وقد ألحدهما الإمام البنا بنفسه.

التربية بالحب

كانت السيدة لطيفة شديدة العناية بأسرتها وأولادها، فتعلمت من زوجها المربي ألا تكون الأوامر مباشرة للأولاد في التوجيه لكن بلسان الحال والتلميح، وتقديم المثل والقدوة واستغلال المواقف والقصص الجميلة؛ أسوة بالنبي الكريم وصحبة الكرام والسلف الصالح، وكان أبرز سماتها في تربية أولادها حثهم على صلة الأرحام، بل كانت تصحبهم في زيارة الأقارب(7).

وكانت تشارك الإمام البنا في كل مصاب يقع لهم. ففي أحد الأيام كان الإمام البنا قد دعا إلى "كتيبة" بالمركز العام، يتحدث معهم خلالها في هزيع من الليل، ثم ينامون ساعة أو ساعتين، ثم يستيقظون لصلاة الفجر، وكان قد ذهب إلى المنزل فوجد ابنه محمداً مريضاً وفي حالة خطيرة، بل وجده على شفا الموت، وكان موعد الكتيبة قد اقترب فانصرف إليها، وبينما هو يتحدث معهم في بشاشته المعهودة، جاء من يسرُّ إليه أن ابنه توفي، فما زاد على أن قال له بضع كلمات تتعلق بغسله وتكفينه.. وواصل حديثه مع أعضاء الكتيبة ونام معهم، وفي الصباح أمر بمن يذهب به إلى القبر!!(8).. فما زادها ذلك إلا صبراً واحتساباً.

ولم يتوقف دورها عند ذلك فقط، بل كانت تربي أولادها على القيم الإسلامية وحسن الأخلاق، وتساعد زوجها في رعايته لهم؛ فكانت تقوم معه بعمل ملف خاص لكل واحد منهم، يكتب فيه تاريخ ميلاده ورقم قيده وتواريخ تطعيمه، ويحتفظ فيه بجميع الشهادات الطبية التي تمت معالجته على أساسها، وهل أكمل العلاج؟ وكم استغرق المرض؟ إلى آخر هذه التفاصيل، وكذلك الشهادات الدراسية(9).

محن دعوية

تعرض زوجها للاعتقال في 14 أكتوبر 1941 م الموافق 23 رمضان 1360ه، لمدة شهر فما جزعت، بل ظلت صابرة حتى أفرج عنه.

وعندما دخل الإخوان في طور المحنة وزُج بهم في السجون عام 1948 م لم يجد النوم سبيلاً لعين هذه المجاهدة التي شاركت المرشد العام همومه في هذه الأيام الحالكة من تاريخ الدعوة.. لقد كان بكاء الأطفال وتوجع الزوجات والأمهات يعتصر قلبيهما.

وفي ليلة حزينة من ليالي هذه المحنة وفي 12 فبراير 1949 م جاءها خبر استشهاد زوجها، وفي وسط مظاهرة مسلحة من القتلة والسفاحين دفنت زوجها مع رجل عجوز هو والد الإمام الشهيد وبعض النسوة اللاتي حملن النعش وواروا الإمام في مثواه الأخير!

في هذا المشهد المرير لم تجد الزوجة المكلومة إلا أن ترفع أكف الضراعة إلى الرحمن تحتسب زوجها وتدعو على الظالمين.

وفرضت الحراسة على قبر الزوج الشهيد وحُرم على أسرته وأقاربه زيارته، ولم يسمح لأحد من أفراد الأسرة بالخروج من البيت، ولم يسمح لأحد بالاتصال بهم إلا عن طريق الشرطة، وقطع خط التليفون عنهم، وكان كل شيء حولهم مراقباً! حتى الأولاد كانوا يذهبون إلى مدارسهم تحت رقابة الشرطة، وظلت صابرة.

ولم يكتفوا بذلك بل أوعزوا إلى مصلحة التنظيم بإزالة البيت التي كانت تسكن فيه الوالدة الثكلى وأبناؤها.. بحجة أن البيت الذي يسكنونه آيل للسقوط برغم أن حالته كانت جيدة لينقلوهم من مكان إيجاره زهيد لا يتجاوز 216 قرشاً إلى بيت إيجاره عشرة جنيهات فيكون ذلك عبئًا جديدًا على الأسرة وضغطًا نفسيًا ومعنويًا، بعد أن وجدت الأسرة نفسها في العراء(10).

واستمرت المحاكمات والتحقيقات لمعرفة قاتل الإمام الشهيد عدة سنوات حتى قضت المحكمة في عهد الثورة: بمعاقبة أحمد حسين جاد بالأشغال الشاقة المؤبدة، وكل من الباشجاويش محمد محفوظ محمد والأميرلاي محمود عبدالمجيد بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة، وإلزامهم بطريق التضامن والتكافل مع الحكومة المسؤولة عن الحقوق المدنية:

بأن يدفعوا عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض للسيدة لطيفة حسين زوجة الشيخ حسن البنا وأولاده القصّر منها.

وبأن يدفعوا للشيخ عبد الرحمن البنا، والسيدة أم السعد إبراهيم صقر والدي القتيل "قرش صاغ واحد" على سبيل التعويض المؤقت.

وبأن يدفعوا للأستاذ عبدالكريم محمد منصور ألفي جنيه على سبيل التعويض.

وبمعاقبة البكباشي محمد محمد الجزار بالحبس مع الشغل لمدة سنة ورفض الدعاوى المدنية قبله.

وكان ذلك هو ما حصلت عليه وأبناؤها بعد فقد زوجها، لكنها ضربت أروع الأمثلة في الصبر(11).

وعندما تم اعتقال ابنها أحمد سيف الإسلام عام 1965 ، ظلت شامخة كالجبال الرواسي، ولم يلن لها جانب حتى أفرج عنه بعدها بقليل مع تحديد إقامته في منزله عامًا، ثم اعتقاله ومحاكمته عسكريًا عام 1969 ، لكن كان ذلك بعد وفاتها يرحمها الله وحكم عليه بالسجن عشر سنوات قضى 4 سنوات منها لخروجه أول أكتوبر 1973 م(12).

محنة الثورة

وتمضي محنة العهد الملكي وتجيء محنة العسكر، حيث صدرت أحكام بالإعدام على قيادات الإخوان، فيرسل الأستاذ عبدالقادر عودة أخاه الدكتور عبدالملك عودة إلى الوالدة الكريمة ليسلمها وصيته والتي كتب فيها: "إن عبدالقادر سينفذ فيه حكم الإعدام غداً الخميس ويتمنى لو يدفن في قبر الإمام الشهيد حسن البنا، فرحبت الزوجة الكريمة بذلك مما عرضها وأولادها فيما بعد لضرر كبير فكانت نعم المجاهدة الثابتة"(13).

وفاتها

ظلت الزوجة الثكلى والأم الممتحنة المثقلة بالأعباء وبالهموم ما بين محنتها وأولادها واعتقال إخوانها وأخواتها، حتى تجمعت عليها الأمراض منذ عام 1965 م، مما زاد من آلامها ومعاناتها حتى فاضت روحها الطاهرة في عام 1968 م، لتلحق بركب زوجها الكريم بعد ستة وثلاثين عاماً من زواجها منه يرحمه الله(14).

المراجع

(1) حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دارالتوزيع والنشرالإسلامية ص93.

(2) الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، محمود عبدالحليم، دار الدعوة، ص 68.

(3) المرجع السابق.

(4) زينب أبوغنيمة : حسن البنا من الميلاد للاستشهاد، الفتح للإعلام العربى، بدون تاريخ، ص39.

(5) مقال لناهد إمام: مجلة المجتمع، العدد 1538، بتاريخ 8-2-2003 م.

(6) زينب أبوغنيمة : حسن البنا من الميلاد للاستشهاد، الفتح للإعلام العربى، بدون تاريخ، ص 39.

(7) مقال لناهد إمام: مجلة المجتمع، العدد1538، بتاريخ 8-2-2003 م.

(8) جمعة أمين عبد العزيز : أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين ، الكتاب الأول، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2003 م، ص205.

(9) جمعة أمين عبدالعزيز : مرجع سابق ص 275

(10) محمد عبدالحكيم خيال ومحمود محمد الجوهري: الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية، دار الدعوة، 1993 المجتمع ، ص 274.

(11) عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين ، دار التوزيع والنشر الإسلامية،

(12) محمد الصروي: الإخوان المسلمون محنة 1965 م: "الزلزال والصحوة"، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

(13) محمد عبدالحكيم خيال ومحمود محمد الجوهري: الأخوات المسلمات،

(14) محمد عبد الحكيم خيال ومحمود محمد الجوهري: الأخوات المسلمات،