لبيبة أحمد
بقلم: عبد الحليم الكناني
10-05-2004
مقدمة
- نموذج رائع للمسلمة الملتزمة بالإسلام، ونموذج أروع للداعية العاملة لنصرة دين الله.
- نشأت على الطاعة، واجتهدت في العبادة، والتزمت بدينها، في وقت كانت فيه شياطين الإنس والجن تدفع النساء دفعًا نحو الإباحية والانحلال، وتشجعهن على العري والفساد.
- وتحركت لنصرة دينها في وقت كان مُدَّعُو العلم والثقافة يتبرءون من دينهم وعقيدتهم، ويتباهون بالإلحاد والمروق عن الدين، فكانت داعية من الطراز الأول.
- أنشأت جمعية "نهضة السيدات"، فكان لها نشاط محمود، وأصدرت "مجلة النهضة النسائية" عام 1921 م، واستمرت في إصدارها ستة عشر عامًا متصلة دون انقطاع، فكان هذا في حد ذاته إنجاز محمود وعمل مشكور.
- وفي عام 1933 م تولت رئاسة قسم الأخوات المسلمات حتى عام 1937 م حين سافرت لأداء فريضة الحج للمرة السادسة عشرة، وأقامت بعدها إقامة دائمة في أرض الحجاز مهبط الوحي، والتي كان لها بها شغف شديد.
- تقول في مقدمة كتاب ذكرياتها فتقول: "عشت ما عشت حريصة على ذكريات الخير، وفِّية لكل من عرفته، فعرفت فيه الفضل والمكارم، متعللة بالأمل في توفيق الله وتسديده لخطواتي في كل حركة أتحركها، وسكنة أسكنها، أن يكون ذلك في سبيل مرضاته إن شاء الله تعالى".
- وكان من أعظم آمالي أن أخدم وطني وأمتي وبنات جنسي بمجلة النهضة النسائية التي أسستها قبل ستة عشر عامًا، وثابرت على إصدارها طول هذه المدة بلا انقطاع ولله الحمد.
- وكانت هذه الخدمة الخالصة لوجه الله تعالى سببًا في تشرفي بالاتصال بالطبقة العالية من ملوكنا ووزرائنا وعظمائنا وأفاضلنا، كما كانت سببًا في محاولتي إشباع النفس من حج بيت الله الحرام، وسيكون في هذا العام عدد حجاتي بعدد سنوات مجلتي، وكل ذلك بتوفيق الله- عز وجل- وكانت السيدة لبيبة أحمد محل احترام وتقدير شديد من كل مَن لقيها وتعرَّف عليها، أو قرأ لها، أو استمع لبيانها.
لبيبة.. وقصة الحياة
- ولدت السيدة لبيبة أحمد سنة (1292هـ= 1875 م) في أسرة كريمة عنيت بتربيتها وتعليمها، فأخذت دروسًا في منزلها في اللغة العربية، كما تلقت دروسًا في السيرة النبوية وآداب الشريعة، ثم التحقت بالمدرسة السنية بالقاهرة.
- وبعد تخرجها في المدرسة راسلت الصحف بمقالاتها تحت اسم مستعار، ثم تركت حياة العزلة، ولعبت دورًا في ثورة 1919م مع هدى شعراوي، ونبوية موسى، وقمْن بالمظاهرة النسائية الكبرى في 16 من مارس 1919 م، وقد ضمت هذه المظاهرة ثلاثمائة سيدة، كان من بينهن حرمُ كلٍّ منمحمود سامي البارودي، وسعد زغلول، وقاسم أمين.
- وبعد تأسيس الاتحاد النسائي سنة 1923 م بزعامة هدى شعراوي أخذت سيرة النهضة النسائية بمصر الطابع السياسي، وتأثرت بالأفكار الأوروبية، ورأت لبيبة أحمد أن هذا لا يعبر عن السواد الأعظم من النساء المصريات فأسست "جمعية نهضة السيدات المصريات"، وهي جمعية ذات طابع اجتماعي أخلاقي، تهتم بتحسين المستوى الخلقي والديني المستمَد من الشريعة الإسلامية، وتهدف إلى زيادة فرص التعليم أمام الفتيات، ومحاولة جعله إجباريًّا في المراحل الأولى، بالإضافة إلى العناية بأحوال الطبقة العاملة المصرية، وتشجيع الصناعات الوطنية والتجارة المحلية.
- وكانت لهذه الجمعية مجلة تَنطق باسمها عُرفت بمجلة النهضة النسائية، ظلت تصدر عشرين عامًا حتى توقفت سنة (1361هـ= 1942 م)، وكانت لبيبة أحمد تكتب افتتاحياتها التي دارت حول إصلاح المرأة وترقيتها وتعليمها والحجاب والسفور ومناهج التربية في مدارس الفتيات، وكان يشارك في تحريرها مجموعة من كبار الكتاب، من أمثال الرافعي، وشكيب أرسلان، وفريد وجدي، ومحب الدين الخطيب.
- ولما أنشأت جماعة الإخوان المسلمين لجنةً للأخوات المسلمات بالقاهرة رأستها لبيبة أحمد، وكانت كبرى لجان الأخوات المسلمات، وتكونت بعد ذلك عدة لجان حتى بلغن خمسين لجنة سنة (1368هـ= 1948 م) عندما تم حل جميع شعب الإخوان المسلمين، وكان المرشد العام للإخوان حسن البنا يشرف على هذه اللجان.
- ظلت لبيبة أحمد على جهادها حتى بلغت السبعين من عمرها، فآثرت أن تستريح من عناء لا تستطيع شيخوختها الواهنة القيام به، فعكفت في بيتها على قراءة كتب الشريعة والتاريخ الإسلامي حتى توفيت سنة (1385هـ= 1955 م) عن ثمانين عامًا.
- وقد أدت فريضة الحج حوالي ستة عشر مرة، وأقامت بصفة دائمة في أرض الحجاز مهبط الوحي، والتي كان لها بها شغف شديد.
رسائل لسيدة لبيبة
الرسالة الأولى
من الفاضلة "روز حداد" صاحبة مجلة السيدات والرجال: "حضرة الفاضلة المصونة الكاتبة البليغة السيدة لبيبة أحمد هانم المحترمة تحية وسلامًا، وبعد:
كم يجب عليَّ أن أشكر الظروف التي كانت سببًا لتعرفي بك؛ لأنني عرفت وصيفة فاضلة، ومهذبة خبيرة، وعاملة غيورة، وسيدة جليلة، لا أستطيع أن أعبر عن إعجابي بتلك الكلمات المؤثرة البليغة التي تفضلت بإلقائها في الحفلة، فقد كانت آيات بينات نطق بها لسان الحكمة عن الروح الوطنية التي نحتاج إليها، وإننا بحاجة إلى عاملات جادات للقيام بحركتنا الوطنية هذه، فأرجوك أن تتفضلي بإرسال صورتك مع لمحة من تاريخ حياتك لنشرها بالمجلة".
الرسالة الثانية
من ديوان كبير الأمناء بالقصر الملكي بمصر: "حضرة السيدة الفاضلة صاحبة مجلة النهضة النسائية.. لقد رفعت إلى أنظار حضرتي صاحبي الجلالة الملكية مجموعتي مجلتكم الغراء، فنالت القبول الحسن لدى جلالتيهما، وإني أتشرف بإبلاغكم ذلك مع الشكر السامي.. وختامًا أرجو قبول فائق الاحترام..
كبير الأمناء
ثناء الإمام البنا عليها
وحين رشحها الإمام البنا لتولي رئاسة قسم الأخوات- وهو مَن هو في تقييم الشخصيات- قدمها إلى الأخوات المسلمات بمقدمة ضافية، زكاها في جوانب متعددة، وأثنى عليها ثناءً جمًّا مطولاً، نشعر فيه بالتقدير الشديد والاحترام الوافر، يقول فيه: "مثال المرأة عرفتها في كتابتها، فعرفت فيها روحًا إسلاميًّا قويًّا يفيض بالإسلام ويعتز به، ويدعو إلى تعاليمه وآدابه.. وتقابلنا فإذا أنا أمام سيدة جليلة، خبرت الحياة وجربتها، وأفادت من حياتها الفاضلة التي صحبت فيها الأدوار القريبة والبعيدة للنهضة الحديثة، فقارنت بينها، ورأت ما فيها من محاسن ومساوئ، خبرة واسعة بالعلاج الناجع لعلل الأمة الاجتماعية".
ويقول البنا أيضًا: حضرتنا الصلاة في أثناء الحديث، فقمتُ لأدائها، فكانت هي الأخرى على وضوئها، وأدينا صلاة العصر في جماعة، وهي في ذلك حُجة على كثير من نسائنا اللاتي يتكاسلن عن أداء الصلاة؛ بل شبابنا الذين لا يشعرون بهذه الفريضة وهي لب الإسلام.. تلك الفضائل التي أنِستُها من السيدة لبيبة هانم جعلتني أدعوها بكل ثقة واطمئنان إلى (رئاسة (فرق الأخوات المسلمات عامة)، وكم كنتُ مسرورًا حين قبلتْ هذه الدعوة النزيهة، وعاهدتْ الله على أن تعمل لها بكل ما وهب لها الله من قوة ومضاء".
فإلى الأخوات المسلمات الكريمات: أقدم رئيستهن العاملة المجدة، سائلاً الله- تبارك وتعالى- أن يمد في حياتها، وأن يسدد خطانا جميعًا إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين".
السيدة لبيبة ترتدي الزي الشرعي
السيدة لبيبة هانم أحمد ترتدي الحجاب الشرعي الذي يفرضه الإسلام على المرأة المسلمة ،وهي في هذا الزي تجمع بين كمال الوقار وجمال التأنق، وهي بذلك خير مثال للمرأة المسلمة في زيها وحليتها، ولعل هذا ما حدا بإدارة جريدة الإخوان إلى نشر صورتها الكريمة.
عملها في خدمة الإسلام
تحدثها فترى في حديثها معنى الخوف من الله والإيمان القوى المتين بواجب المسلم والمسلمة في العمل لإعادة مجد الإسلام .
مكثت رئيسة تحرير جريدة النهضة النسائية ثلاث عشرة سنة على أدق نظام وأحكمه، وتابعت سيرها المبارك بهمة ونشاط، وفي عام 1933 م تولت رئاسة قسم الأخوات المسلمات حتى عام 1937 م.
ومن مقال لها في مجلة الإخوان المسلمون) لها تقول: "أساس إصلاح الأمة إصلاح الأسرة، وأول إصلاح الأسرة إصلاح الفتاة"، وقولها: "المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها".
رسالة إلى الأخوات المسلمات
من السيدة لبيبة هانم أحمد رئيسة قسم الأخوات المسلمات
بسم الله الرحمن الرحيم
أخواتي وبناتي:
أحمد إليكن الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وأحييكن بتحية الإسلام ، فالسلام عليكن ورحمة الله وبركاته.
كم أنا سعيدة مسرورة بأن أتقبل هذه الدعوة من حضرة المرشد العام للإخوان المسلمين للتشرف بخدمة مبادئكن والتقدم لرياسة فرقكن.
وإني مع ضعفي عن احتمال هذا العبء، وعجزي عن القيام بهذه المهمة، أعتقد أني سأجد من معاونتكن ما يجعلنا نصل إلى الغاية التي ننشدها من نشر تعاليم الإسلام، وبث آدابه ومبادئه في نفس الفتاة المسلمة والأسرة المسلمة، والله المستعان.
يا بناتي وأخواتي:
إن الأمة- كما ترون- في تدهور خلقي، وخلل اجتماعي، بدت أعراضه في كل مظهر من مظاهر الحياة؛ في المنزل وفي الشارع، في المصنع وفي المتجر، وفي كل بيئة وفي كل وسط، ودوام هذا الحال يؤدي بنا إلى أوخم العواقب وأحط النتائج.
وأساس إصلاح الأمة إصلاح الأسرة، وأول إصلاح الأسرة إصلاح الفتاة؛ لأن المرأة أستاذ العالم، ولأن المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها.
وإن على الفتاة المسلمة أن تفهم أن مهمتها من أقدس المهمات، وأن أثرها في حياة أمتها أعمق الآثار، وأن في مقدورها أن تصلح الأمة إذا وجهت عنايتها لهذا الإصلاح.
لهذا نحن نريد أن نصلح أنفسنا، وأعتقد أن في تعاليم الإسلام وأحكامه- إن علمناها وعملنا بها- ما يكفل لنا هذا الإصلاح المنشود.
وإذًا فهيا يا أخواتي وبناتي نصلح أنفسنا لنفهم الإسلام والعمل به وبث تعاليمه في نفس المرأة المسلمة، فإن صلحنا صلحت بصلاحنا الأسرة، وكان عن ذلك صلاح الأمة جمعاء.
ذلك ما أردت أن أبينه لكن كمنهاج لعملنا الذي ندبنا أنفسنا له، واللهَ أسأل أن يوفقنا إلى ما فيه الخير لأمتنا العزيزة المفداة.
وقد لقي مقالها السابق تجاوبًا وأثرًا عند الأخوات المسلمات، فكتبت إحداهن مقالاً طيبًّا وخطابًا مفتوحًا تحت عنوان:
"إلى السيدة المحترمة لبيبة هانم أحمد" قالت فيه:
سيدتي الفاضلة: أقدم لحضرتك عظيم شكري ووافر امتناني، وأهنئك تهنئة نطق بها قلبي قبل لساني على تلك الخطوة الموفقة التي تقدمت بها في سبيل خدمة الدين والإنسانية، وبث الروح الإسلامية في نفوس الذين ضلوا عنها، ورجائي أن تتقبلي هذه التهنئة من فتاتك التي لا ترجو من الحياة إلا أن ترى ديننا الإسلامي يسمو إلى أقصى حدود الرقي.
سيدتي: لساني عجز عن وصف مقدار السرور والابتهاج الذي ملأ قلبي حينما وقع نظري على مجلة (الإخوان المسلمون) على مقالتك القيمة التي تفيض نورًا وعلمًا، وتؤكد لمن قرأها أنه ما زال في زماننا هذا نساء طاهرات ينهجن نهج نساء السلف الصالح، وكأن الفضيلة قد كشفت لنا ستارًا من أستارها السندسية الخضراء، فأظهرتك لنا كالكوكب اللامع لتستنير منك عقولنا التي تحتاج إلى الإرشاد.
وما انتهيت من قراءتها حتى شعرت بدافع يدفعني لمشاركتكن في خدمة ديننا العزيز، وهذا ما كانت تصبو إليه نفسي، وقد حقق الله أملي.
سيدتي وأخواتي المسلمات: إنه من الواجب المحتم علينا جميعًا أن نعمل بقدر ما نستطيع لمناصرة ديننا الإسلامي، ورفع كلمته فوق كل كلمة، وإنقاذ الفضيلة التي تزداد في التدهور، وأن تغضضن أنظاركن عما يلهيكن عن العبادة والتقوى، وأن تظهرن بمظهر الحشمة التامة والوقار.
سيداتي وأخواتي: إنه ليؤلمني، ويؤلم كل مَن له قلب، أن نمر على المساجد التي هي بيوت الله في أيام الجمعة خصوصًا، فنجد القسم الذي أعد خصيصًا للسيدات خاليًا منهن وأبوابه، موصدة على حين أننا نملأ السينمات والملاهي التي لا تفيدنا شيئًا؛ بل تفسد أخلاقنا وتذهب أموالنا، ويجب علينا أن نترك التبرج، فإن في ذلك الدواء الناجع لهذا الكساد الذي ضرب أطنابه علينا، والله ولى التوفيق.
المصدر
لبيبة أحمد موقع:إخوان اون لاين
ألبوم صور