قضية لافون وأصابع الاتهام للإخوان
مقدمة
كانت مصر حاضنة لليهود ورسالة سيدنا موسى عليه السلام وظلت لهم بلد أمن وأمن حتى دخلتها المسيحية ثم الإسلام والذي جاء للعالمين كافة، غير أن اليهود وجود قلوبهم حاقدة عليه وعلى أتباعه، ومن ثم عملوا منذ اليوم الأول على وقف مسيرة هذا الدين الجديد ومحاولة وضع العراقيل والفتن في طريقة، وعندما وجدوا أن هذا الوسائل لم تجدي نفعا سعوا لتشويه هذا الدين بوضع الانحرافات والخرافات والضلالات به ليفتنوا به عموما الشعوب الإسلامية وحققوا في ذلك نجاحات كثيرة.
وعاث اليهود في الأرض فسادا من مشارقها لمغاربها حتى لفظها الجميع، ولذا سعوا لإيجاد وطن قومي يجمع شتات هؤلاء اليهود فوقع اختيارهم على فلسطين لتكون أرض الميعاد، ولحيوية موقعها وضعف جيرانها ولغاية وجدانية في نفوسهم لهذا المكان باعتبار أن فيه هيكل سليمان المزعوم.
لكنهم فوجئوا بحركة عنيفة من التيار الإسلامي سواء في فلسطين أو مصر أو غيرها، فعمدوا لاستعداء كل الدول على هذه الحركة حتى لا تكن عقبة أمام أحلامهم، وانساق ورائهم كل مغبون خدعته العمالة لهؤلاء أو سال لعابه لذهبهم،أو لقناعته بكره هذه الحركات واختلافه معها ولذا عمد لمحاربتهم نيابة عن هؤلاء اليهود.
سعى اليهود لبسط نفوذهم على فلسطين في الوقت الذي نشأت فيه حركة إسلامية بمصر هى جماعة الإخوان المسلمين والتي أعلنت منذ يومها الأول عدائها للصهاينة، فقال البنا: فالإخوان المسلمون لا يقرون أبدا دعوة اليهود إليه، فليس اليهود طرفا آخر فى القضية، وإنما هم نزلاء مغتصبون جاءوا تحت حماية الحراب وفى ظل المخادعة إلى أرض ليست لهم، فضايقوا أهلها وأثاروا هذه المشاكل فيها ولا يعرف العرب هؤلاء اليهود، ولا يعترفون بهم (1).
حرصا على الأمن القومي
انتفض الإخوان من أجل قضيتهم مصر وقضية فلسطين، لأنهم وجدوا أن اليهود المعتدين يشكلون خطر على الأمن القومي المصري والعربي. ولقد أهتم الإمام البنا بحدود مصر الشرقية والتي كانت تهددها الأخطار الصهيونية والتي غرست بأيدي المستعمر لتعمل على زيادة الفرقة بين الكيانات الإسلامية، وحذر من خطورة هذا الجسد الغريب الذي زرع بين البلاد الإسلامية، خاصة أنه لم تقتصر الدعاوي الصهيونية الزائفة على فلسطين فقط بل امتدت أطماع الصهيونية لتشمل العديد من الأقطار العربية، فحدود فلسطين كما تريدها الصهيونية هي من النيل إلى الفرات.
وأطماع الصهيونية في مصر بدأت بصورة مبكرة، وكما قال هرتزل "إن سيناء والعريش هي أرض اليهود العائدين إلى وطنهم".
ولذا فطن الأستاذ البنا إلى الخطر الذي تمثله الصهيونية على مصر، وأن نجاح المخططات الصهيونية في فلسطين يشكل تهديداً خطيراً لمصر ليس فقط على المستوى الأمني بل في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، ولذلك نجد الكثير من الكتابات التي تعبر عن هذا الخطر، ومن الواضح أن هذا الإدراك قد جاء مبكراً ويتضح ذلك من تواريخ مقالات كتابات الإخوان.
فيذكر حسن البنا قوله:
إن فلسطين هى خط الدفاع الأول؛ والضربة الأولى نصف المعركة، فالمجاهدون فيها إنما يدافعون عن مستقبل بلادكم وأنفسكم وذراريكم كما يدفعون عن أنفسهم وبلادهم وذراريهم، وليس قضية فلسطين قضية قطر شرقى ولا قضية الأمة العربية وحدها (2).
ويؤكد وكيل الجماعة الأستاذ صالح عشماوي على هذا الأمر فيقول:
إن قيام دولة يهودية على حدود مصر الشرقية لتهددنا في كياننا وفي استقلالنا وفي تجارتنا وفي أخلاقنا وفضائلنا، أليس اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا؟ أليسوا أصحاب المذاهب الهدامة من شيوعية وإباحية؟
فإلى الذين يؤمنون بأن مصر فرعونية نقول لهم إن استقلال مصر أمسى في خطر الزوال بقيام دولة اليهود في فلسطين (3).
لقد ترسخ هذا الفهم في نفوس جميع أفراد الإخوان المسلمين بأن فلسطين أمن قومي لوطننا الذي نعيش فيه نهيك عن كونه قطعة عزيز في جسد الأمة الإسلامية.
كما الأستاذ البنا في مؤتمر رؤساء المناطق والشعب ومراكز جهاد الإخوان المسلمين على مستوى القطر المصرى، المنعقد في 2شوال 1364ه- 8 سبتمبر 1945م يقول:
نريد أن تؤمن حدودنا الشرقية بحل قضية فلسطين حلاً يحقق وجهة النظر العربية أيضاً يحول دون تغلب اليهود علي مرافق هذه البلاد (4).
لقد أدرك الإخوان أن إنشاء كيان صهيوني في فلسطين يعني تنفيذ المخططات الاستعمارية في البلاد العربية، وأن هذا الكيان سيشكل قاعدة للدول الاستعمارية ويعمل على فصل الدول العربية عن بعضها ويهدد كيان العرب فقضية فلسطين "كارثة خطيرة تهدد كيان العرب ووجودهم لا في فلسطين وحدها بل في جميع البلاد العربية إذ لم يعد خافياً أن الصهيونيين لا يطمعون في فلسطين وحدها بل في جميع البلاد العربية" وأن مصلحة أمريكا وانجلترا السياسة أن يثبتوا شوكة يهودية في جسم الدول العربية حتى يأمنوا جانبها وحتى يهددوا هذا الجسم العربي بالانحلال السريع" (5).
فبعد وضوح موقف الإخوان من الصهيونية وما يقومون به في فلسطين يخرج كل صاحب هوي –وفي وقت لا يستطيعون الرد- ليتهم الإخوان بعلاقتهم الطيبة مع الجواسيس الصهاينة، معتمدا في كتابة ما قال على صحيفة "يسرائيل ديفنس" الإسرائيلية في عددها الصادر 24 أغسطس 2014م والذي ذكر فيه علاقة الإخوان الطيبة بالجواسيس اليهود في سجن ليمان طره عام 1955م (6).
ولا يحتاج ما قاله لرد لأن لم يستند إلى مرجع علمي ولا وثيقة حقيقية بل لشهادة واحد من الصهاينة الذين كرهوا الإخوان والتيار الإسلامي بقوة.
نحو فكر تخريبي
أمام هذا السيل الجارف من الأعمال من قبل جماعة الإخوان المسلمين سعى الصهاينة لإرباك المشهد على الساحة المصرية فعمدوا لاستقطاب أفرادهم الموجودين بمصر والذين تربوا على أرضها للعمل ضدها لصالح الكيان الجديد –دولتهم المزعومة- فكونوا الشبكة (اليهودية) المصرية بهدف القيام بأعمال مخابراتية ضد مصر وشعبها لصالح الصهاينة وأهلها، بل عمدوا للأعمال التخريبية التي تصب في مصلحتهم.
والشبكة اليهودية تم تشكيلها في صيف 1951، بواسطة الرائد، إفراهام دار، رجل الوحدة "131" التابعة لجهاز المخابرات الإسرائيلية، الذي أرسل إلى مصر في شخصية مزيفة كرجل أعمال بريطاني الجنسية، يحمل اسم، جون دارلينج، لإقامة قاعدة العمليات في مصر.
وقد تمكن من تجنيد جماعات من اليهود المصريين ليقيم بعدها خليتين، واحدة في القاهرة والأخرى في الإسكندرية، وبعد ذلك عاد إلى إسرائيل وانفصل عن العمليات حتى المراحل الأخيرة ليتولى رئاسة الشبكة، أفري إلعاد، خلفا له.
بعد ذلك بدأت القضية في الظهور، وشملت كل عناصر القصة المثيرة، من تضحية بالنفس، صهيونية، غش، احتيال، عدم الخبرة، الفشل المهني، خيانة الفرد، خيانة الدولة، أكاذيب وانشقاق، موت ومأساة لدولة كاملة، تزييف ومؤامرات، تشكيل لجان تحقيق قضائية، إقالة وزير الدفاع، عودة واستقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها.
من جانبه، حرص الجيش الإسرائيلي على عدم الكشف على تفاصيل الواقعة، ودار خلاف وقتها عن المسؤول الرئيسي عن إصدار أمر تشكيل الشبكة المخابراتية، ذلك لأن وزير الدفاع نفسه، يتسحاق لافون، المتهم الأساسي في القضية، لم يكن على دراية بموعد تنفيذ العملية (7).
ويقول حسين مؤنس: أرادت جهة أخري زرع البلبلة في مصر فقامت المخابرات الإسرائيلية بتنفيذ الانفجارات في أهداف أمريكية وبريطانية وهو ما عرف بعد ذلك بعملية " لافون" ثم فضيحة " لافون" التي ظلت تخيم على السياسة الإسرائيلية ربع قرن وشكلت فيها أكثر من لجنة تحقيق حتى سقط مدير المخابرات الذي نفذ العملية ثم "بنحاس لافون" وزير الدفاع الإسرائيلي الذي أمر بتنفيذها بل أصابت " بن جوريون" نفسه مؤسس إسرائيل (8).
ويقول عباس السيسي: كانت مخاوف إسرائيل من احتمالات تطور في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية – بعد التوصل إلى إطار الجلاء – هي الهاجس المسيطر على تفكير القيادة الإسرائيلية .
وفي هذا الوقت أعدت المخابرات الإسرائيلية ( الموساد) خطة لإساءة العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية وكان الهدف هو الوقيعة بين الإخوان المسلمون وجمال عبد الناصر باتهام الإخوان .
وفجأة انفجرت قنبلة حارقة أمام مكتب الاستعلامات الأمريكي في القاهرة ثم لحقتها قنبلة ثانية انفجرت أمام مكتب الاستعلامات الأمريكي في الإسكندرية واحتجت الولايات المتحدة على الحكومة المصرية بسبب هذه الأضرار التي لحقت بمنشآتها في مصر بسبب مناخ التهييج والإثارة . والغريب أن المصادفات وحدها هي التي سارعت بكشف المخطط الإسرائيلي ففي الساعة السادسة والنصف من مساء يوم 24 يوليو 1954 اشتعلت النار في ملابس يهودي وأخذ يجري مستغيثا وأحاط به الجمهور ثم استدعي البوليس وإذا الأمر يتكشف عن هذا الشاب كان يحمل في جيبه عبوة حارقة سالت بعض محتوياتها في الجيب فاشتعلت فيه النار .
وبدأ التحقيق معه فإذا اسمه " فيليب ناتاثون" وإذا هو عضو في شبكة من اليهود, بعضهم من مصر وبعضهم من إسرائيل كلفوا بنسف عدد من المنشآت الأمريكية في مصر واعترف " فيليب ناتاثون " على شركة له بينهم " فيكتور لافي " و" روبير داسا" .
ووضعت الحكومة المصرية كافة التفاصيل أمام السفارة الأمريكية وتحول ما اشتهر باسم " عملية لافون" إلى فضيحة في العالم كله , ووجدت إسرائيل نفسها في وضع حرج ومع ذلك فإنها لم تلبث أن شنت حملة واسعة ضد الأحكام التي صدرت بالإعدام ضد جواسيسها في مصر رغم أنهم ضبطوا متلبسين بالجرم وفي أيديهم أدلته ووثائقه (9).
بداية القصة
ففي شهر يونيو 1954 شارفت المفاوضات المصرية البريطانية على الانتهاء، بشأن انسحاب القوات البريطانية من قناة السويس، الأمر الذي زاد من المخاوف الإسرائيلية بتمكن الجيش المصري من التمكن واستخدام معسكرات ومطارات الجيش البريطاني المتروكة في شبه جزيرة سيناء وغيرها، ولهذا بحثت أجهزة المخابرات العسكرية الإسرائيلية إمكانيات عرقلة هذا الانسحاب من خلال تفعيل خلية إرهابية يهودية مصرية، للتخريب في مرافق بريطانية وأمريكية ومصالح غربية في مصر والإيعاز بأن هذه العمليات تمت من قبل خلية مصرية، وقد نجحت الخلية والتي ضمت 13 يهودي صهيوني مصري من الإسكندرية بتنفيذ عدة عمليات إلى أن قبض عليها في يوليو 1954 حيث تم تقديمهم للمحاكمة فيما عرف بفضيحة لافون، وهي عملية سرية إسرائيلية فاشلة كانت تعرف بعملية سوزانا.
كانت التعليمات تصل من إسرائيل إلى الخلية التخريبية من خلال راديو إسرائيل ، وبالتحديد من برنامج منزلي يومي ، وفى أحد حلقات البرنامج ( طريقة عمل الكيك الإنجليزي ) أطلقت إسرائيل كلمة السر ( اختيار ربة البيت) لبدء العملية.
في 2 يوليو 1954 كانت أولي العمليات الإرهابية للشبكة نجحوا فيها بتلغيم مكتب البريد الأمريكي في مدينة الإسكندرية بطرد صغير الحجم في البداية مما أسفر عن حريق المكتب وعدد من الضحايا، وفي 14 يوليو نفذت الشبكة عمليتها الثانية عندما زرعت قنابل حارقة في مقر المكتبة الأمريكية بالقاهرة والإسكندرية في توقيت واحد مما أدي لحرائق وإصابات بين العاملين والمترددين علي المكتبتين. . وتعاملت الصحافة –وقتها- مع هذه الحوادث باعتبارها ماس كهربائي .
وفي 23 يوليو (احتفالات الثورة) كان من المفترض وضع متفجرات في محطة القطارات ومسرح ريفولي بالقاهرة وداري السينما (مترو وريو) في الإسكندرية، غير أن سوء الحظ لعب دوره واشتعلت إحدى المتفجرات في جيب العميل ( فليب ناتاسون ) المكلف بوضع المتفجرات بدار سينما ريو فأنقذه المارة ولسوء حظه تواجد رجل شرطة في المكان تشكك في تصرفاته فاصطحبه إلى المستشفى بدعوى إسعافه من أثار الحريق وهناك قال الأطباء أن جسم الشاب ملطخ بمسحوق فضي لامع وأن ثمة مسحوق مشابه في جراب نظاره يحمله في يده ورجح الأطباء أن يكون الاشتعال ناتج عن تفاعل كيميائي.
وبتفتيش الشاب عثر معه على قنبلة أخرى عليها أسم “مارون أياك” صاحب محل النظارات. وتم اعتقاله، وقال أن أسمه فيليب ناتاسون يهودي الديانة وعمره 21 عام وجنسيته غير معروفه، وأعترف بأنه عضو في منظمة إرهابية هي المسئولة عن الحرائق ، وعثر في منزله على مصنع صغير للمفرقعات ومواد كيميائيه سريعة الاشتعال وقنابل حارقة جاهزة للاستخدام وأوراق تشرح طريقة صنع القنابل..
وبناء على اعترافات ناتاسون تم القبض على كل من ( فيكتور ليفى ، روبير داسا )
تولى الصاغ ممدوح سالم ( عضو مجلس قيادة الثورة ) التحقيقات..
أصر الثلاثة على أنهم يعملون بشكل فردي دون محرضين أو ممولين، أما الأسباب فهي “حبهم لمصر ومساهمة في قضيتها الوطنية ولكي يعرف الإنجليز والأمريكان أنهم سيخرجون من مصر بالقوة والإرهاب!!”.
سألهم ممدوح سالم : لماذا أحرقتم مبنى البريد وهو ملك المصريين ؟؟.. لم يجدوا جوابا!
بمواصلة التحريات تم القبض على صمويل عازار مهندس وهو مؤسس خلية الإسكندرية وزعيمها لبعض الوقت قبل أن يتنازل عن الزعامة لفيكتور ليفي الذي يفوقه تدريبا.
ومن اعترافات عازار وصلت السلطات إلى مائير ميوحاس ذو الأصل البولندي
وكان أخطر ما أعترف به ميوحاس هو إشارته إلى جون دارلنج الذى اتضح فيما بعد أنه قائد الشبكة ومؤسس فرعيها بالقاهرة والإسكندرية وأحد أخطر رجال المخابرات الإسرائيلية في ذلك الوقت.
كما كشف ميوحاس عن الطبيب اليهودي موشية مرزوق المسؤول عن فرع القاهرة، وتم القبض عليه ومن أعترفاته تم القبض على فيكتورين نينو الشهيرة بمارسيل وماكس بينيت وإيلي جاكوب ويوسف زعفران وسيزار يوسف كوهين وإيلي كوهين ..
هرب إفرى إلعاد من مصر قبل القبض عليه ،وكانت إسرائيل تساورها الشكوك فى تورط إلعاد فى تسليم أعضاء الشبكة للمخابرات المصرية.
المحاكمة
في 11 ديسمبر عام 1954 جرت محاكمة أفراد الشبكة في محكمة القاهرة العسكرية التي أصدرت أحكامها كالتالي:
- الأشغال الشاقة المؤبدة لفيكتور ليفي وفيليب ناتاسون.
- الأشغال الشاقة لمدة 15 سنة لمارسل فيكتورين نينو وروبير داسا.
- الأشغال الشاقة لمدة 7 سنوات لماير يوسف زعفران وماير صمويل ميوحاس.
- براءة إيلي جاكوب وسيزار يوسف كوهين وإيلى كوهين.
- مصادرة أجهزة اللاسلكي والأموال وسيارة ماكس بينيت.
- وتجاهل الحكم ماكس بينت لأنه كان قد انتحر في السجن!، وأعيدت جثته لإسرائيل بعد ذلك بأعوام.
وفي 31 يناير 1955 تم تنفيذ حكمي الإعدام في موشية مرزوق (دُفن بمقابر اليهود بالبساتين) وصمويل عازار (دُفن بمقابر اليهود بالإسكندرية) وعلى الفور أعلنهما موشي شاريت “شهداء”.. ووقف أعضاء الكنيست حددا على وفاتهما وأعلن في اليوم التالي الحداد الرسمي ونكست الأعلام الإسرائيلية وخرجت الصحف بدون ألوان وأطلق أسما الجاسوسين على شوارع بئر سبع.
والغريب أن هذه الحملة وصلت إلى مداها في الولايات المتحدة ذاتها وإلى درجة أن الرئيس الأمريكي " دوايت إيزنهاور" كتب بنفسه خطابا إلى " جمال عبد الناصر يرجوه تخفيف الأحكام عن " هؤلاء الشبان " رغم جرمه – لأسباب إنسانية (10).
وبعث أنتوني إيدن وونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني ومسؤولين فرنسيين بخطابات وطلبات مماثلة غير أنها جميعا قُوبلت بالرفض المطلق.
ولقد نشرت روزاليوسف: عدة خطابات أرسلها جهاز الموساد للرئيس جمال عبد الناصر عن طريق ضابط أسير وقد انتهت هذه الرسائل بالإفراج عن المتهمين في فضيحة لافون الشهيرة وتسليم بعض جثث القتلى اليهود ونحو ستة جنود وقعوا في الأسر مقابل الإفراج عن 6000 أسير مصري في عام 1967 وذلك بعيدا كما .ومتبع عن هيئة الصليب الأحمر، وتم الإفراج عام 1968م (11).
واستقبلوا في إسرائيل “استقبال الأبطال” ، وتم تعيينهم في الجيش الإسرائيلي كوسيلة مضمونة لمنعهم من التحدث بشأن القضية.
وللفضيحة نتائج
وكان لهذه الفضيحة صدى مدويًا نظرا لنتائج فشلها على الصعيد السياسي والعسكري والاستخباراتي، ونجمت عنها أزمات سياسية بعيدة الأمد بين القيادات السياسية والعسكرية. وأدت لمطالبات داخلية بكشف المسؤولين عن هذه العملية ومن أعطى الأوامر بتنفيذها؟، وسميت لاحقا بقضية العار.
في السنوات الأولى التي أعقبت القضية قامت إسرائيل بمنع نشرها فيما تم التعامل مع الفضيحة تحت اسم "القضية ", دون التفاصيل. ولم يعرف من أعطى الأوامر بتفعيل هذه الخلية، وجرى تبادل للاتهامات بين موشيه ديان قائد الأركان واللواء في الجيش بنيامين جيبلي الذي شهد انه تلقى أمر مباشر لتنفيذ العملية من لافون بنفسه.
لم يتم الكشف عن القضية في إسرائيل، وبقيت أسماء الشخصيات المتورطين سرية، غير أن هذه القضية ظهرت على خلفية صراعات حادة بين لافون الذي عين وزير للدفاع بعد اعتزال بن غوريون، وبين تلاميذ بن غوريون موشيه ديان وشمعون بيريز، وفي أعقاب استقالة لافون عاد بن غوريون من عزلته لتولي منصب وزير الدفاع ومن ثم فاز مرة أخرى برئاسة الوزراء واستمر حتى استقالته الثانية عام 1963 على خلفية نفس القضية.
بادرت الحكومة والكنيست الإسرائيلي إلى عدة لجان تحقيق لكشف السؤال الأهم "من أعطى الأوامر بتفعيل الخلية؟"، اللجنة الأولى لم تصل إلي إي استنتاج، فيما وصلت لجنة تحقيق سياسية إلى أن لافون بريئ وان عملية تزوير وثائق قد تمت من قبل اللواء جيبلي بن غوريون لم يقبل بنتائج هذه اللجنة واستمر بالمطالبة بلجنة تحقيق قضائية.
كان بن غوريون من اشد المؤيدين للتحقيق في قضية لافون، مما ادخله في صراعات حادة مع حزبه مباي الذي لم يعطه الدعم لاستمرار التحقيق، حيث أعلن استقالته مرة أخرى عام 1963، واستمر بالضغط على من أعقبوه في رئاسة الوزراء ومنهم ليفي اشكول، إلا أن رد حزب مباي كان مدويًا حيث تم انتخاب اشكول مرة أخرى للترشح لرئاسة الوزراء مقابل رفض ترشيح بن غوريون في عام 1965، وتعتبر هذه القضية جزء من خلفية انشقاق بن غوريون عن مباي وتكوين حزب رافي لاحقًا (12).
ويمكن القول أن أزمة إسرائيل الداخلية امتدت سنة 1966 على مستويات مختلفة سياسية واجتماعية واقتصادية فمنذ اختفاء بن جوريون سنة 1965 صار حزب الماباى يبحث عن زعامة جديدة . وفى رأى بن جوريون أن أوضاع إسرائيل الصعبة تجعلها دائما في حاجة إلى زعامة قوية . ومن المعروف أن نتائج التحقيق فى فضيحة لافون , والتى انتهت بتبرئة رجل المخابرات الإسرائيلي قد أغضبت بن جوريون وجعلته ينسحب هو وموشى ديان من حزب الماباى ليشكل حزبا جديدا هو حزب رافى . وهنا حدث تنافس على زعامة الماباى بين ليفى اشكول وجولدامائير , ورغم حالة اشكول الصحية السيئة , فقد اختاره الحزب قبيل انسحاب بن جوريون وذلك إرضاء لمؤسس الدولة , الذي كان يبغض مائير لأنها لا تطيعه مثل اشكول (13).
شبهات في طريق الفضيحة
من الملفت للنظر وجود وثيقة توضح مدى تقبل مندوب مصر في الأمم المتحدة بالتفاوض مع إسرائيل عام [[]1948]م مما شكل طعنه خطير للقضية الفلسطينية في ذلك الوقت الحرج، حيث جاء فيها:
وثيقة رقم 3548 – 4 / فلسطين ب ب 501 .
برقية من المندوب الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة .
السفير أوستن إلى وزير الخارجية الأمريكي :
" عقد بروسكار رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية اجتماعين مع محمد فوزي بك المندوب المصري وكان فوزي بك متقبلا بما فيه الكفاية فكرة تشجيع الاتصالات بين العرب واليهود في فلسطين بهدف ترتيب هدنة تيسر ترتيب الأحوال فور انتهاء الانتداب البريطاني وقال فوزي بك إنه مخول من القاهرة وفي الغالب من الجامعة العربية أيضا حسب إشارته بأن يجلس مع وسطاء وممثلين يهود لبحث الموقف كله بدون تعهد نهائي من جانبه " إمضاء ،أوستن (14).
و بعد 63 عاما على فضيحة التجسس الإسرائيلي على مصر، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن كتاب نادر، تناول أدق تفاصيل الفضيحة التي جرت في خمسينيات القرن الماضي.
تقول الصحيفة إنه خلال عشرات السنين حاولت تل أبيب إخفاء الفضيحة التي عرفت بـ "فضيحة لافون" أو "عملية سوزانا" أو"الأعمال السيئة"، وهي عملية سرية إسرائيلية فاشلة كان من المفترض أن تتم في مصر والتي أدت إلى استقالة رئيس الحكومة الإسرائيلية، آنذاك ديفيد بن غوريون.
ونقلت الصحيفة أنه تم العثور على الكتاب النادر، لدى باروخ فيلاح، وهو مؤرخ متعدد التخصصات وباحث أكاديمي، قام بشراء كمية من الكتب من تاجر تحف، وكان من ضمنها هذا الكتاب المثير الذي لا يحمل أي علامات تدل على مكان نشره أو مؤلفه.
وتشير الصحيفة إلى أن الكتاب عبارة عن كتيب صغير يضم اعترافات بخط اليد لمجموعة من الجواسيس الإسرائيليين الذين قبض عليهم الأمن المصري، بالإضافة لبعض صورهم، مرجحة أن يكون إصدار الكتاب تم عبر "حزب النهضة الوطنية" المصري بتمويل من المخابرات المصرية.
ويؤكد باروخ، بحسب الصحيفة، أن الكتاب يكشف عن معلومات سرية دقيقة، كما أن تلك النسخة هي الوحيدة من هذا الكتاب المثير.
وشدد باروخ فيلاح، الذى يملك الكتاب في حديث له مع "يديعوت أحرونوت" على أن الكتيب: "يضم أسماء الجواسيس، وصورهم، والمرافق البريطانية، وطرق وضع المتفجرات، ووصف دقيق للعمليات وصور لضحايا العمليات والمواقع المستهدفة" (15).
ولقد نشرت صحيفة إسرائيلية عام 1975 خبرا عن حضور جولدا مائير وموشى ديان حفل زواج فتاة فى الخامسة والأربعين من عمرها ( مارسيل نينو ).. تنبه أحد الصحفيين للخبر مندهشا من حضور جولدا مائير وديان حفل زفاف سيدة مجهولة ولا تربطها بهما أى صلة قرابة ؟؟؟ .. سعى الصحفي لمقابلة العروس وأجرى معها حوارا صحفيا لتنكشف له أحداث عملية تخريبية فى مصر خطط لها وزير الدفاع الإسرائيلي – فى فترة الخمسينات – بنحاس لافون وكانت …العملية تسمى ( عملية سوزانا ) وأطلق عليها الصحفي الإسرائيلي اسم (فضيحة لافون).
الآثار المترتبة على لافون
تكمن أهمية فضيحة لافون أنها السبب الرئيسي في:
- 1- تأسيس المخابرات السرية المصرية برئاسة زكريا محيي الدين.
- 2- بداية ظهور البطل المصري رأفت الهجان.
- 3- استقالة كلا من بن جوريون من رئاسة وزراء إسرائيل وبنحاس من وزارة الدفاع.
الإخوان وقضية لافون
شاءت الأقدار أن يسجن الإخوان مع المتهمين في قضية لافون في سجن ليمان طرة حيث تباينت المعاملة من قبل النظام نحو الطرفين فكان الإخوان معذبون في وقت كان اليهود ينعمون.
يقول حسن عبد الستار –أحد شهود الحادثة والناجين من مذبحة طرة- وكان في الليمان مجموعة من اليهود ضبطوا سنة 1954 في فضيحة لافون المعروفة يفجرون القنابل في القاهرة بل لقد ضبط واحد منهم أثناء انفجار القنبلة في جيبه وهو يهم بدخول إحدى دور السينما لتفجير القنبلة في المشهدين.
هؤلاء اليهود كان يسمح لهم بالمسكن المناسب والراحة في الجبل والزيارة الخاصة لساعات وإدخال كافة الأطعمة والملابس وكان ضباط السجن يتفانون في خدمتهم ويقوم بعضهم بتوصيل ما تحضره زائراتهم اليهوديات حتى زنازينهم في الدور الثاني في عنبر «1» بينما كان يجري حرمان الإخوان من استلام أي شيء في زياراتهم على الإطلاق، وكانوا معنا في نفس «الفرقة» «2جمالة».
وأريد أن أضع لك صورة للمعاملة التي كان يعامل بها اليهود الجواسيس والصورة التي كنا نتعامل بها نحن أبناء الوطن كان اليهود خمسة أشخاص مقيمين معنا كما سبق أن ذكرت لك فكانوا يقسمون زياراتهم بحيث كل أسبوع واحد منهم يزار، وبذلك كانوا على صلة بالخارج كل أسبوع على الأكثر أما طريقة الزيارة والكيفية التي تتم بها ففيها كثير من الريبة والشك... فبينما كانت زيارات جميع المساجين بما فيهم نحن –الإخوان المسلمين - تتم في المكان المخصص للزيارة والذي كان يفصل بين المساجين وأهليهم الزائرين سلك سميك لا يسمح بدخول أي شيء، ولا تستغرق الزيارة من الوقت أكثر من ربع ساعة ولا يسمح بدخول أي شيء من المأكولات أو الملابس الداخلية أو الأحذية أو الأدوية إلا بعد عناء شديد ورجاء كثير، وكان أهالينا يعودون بما أحضروا لنا من أشياء ضرورية بعد أن تعييهم الحيل وبعد أن يصم الضباط آذانهم أمام رجائهم وإلحاحهم.
أما اليهود الخمسة.. بل الجواسيس الخمسة فكانت زياراتهم تختلف تماما عن تلك الصورة كانوا دائما محل عناية ورعاية السادة ضباط السجن وبصفة خاصة النقيب عبد الله ماهر، والملازم أول عبد العال سلومة... لذلك كانت زيارتهم دائماً (خاصة) وفي مكتب حضرة الضابط وكانت كافية لأن يقال فيها كل ما يريد اليهود أن يقولوه فهم يتكلمون اللغة العبرية التي يجهلها الضابط، أما بخصوص ما يحضره زوارهم معهم من كل شيء فكانوا لا يتكلفون حتى حمله من مكان الزيارة إلى العنبر بل كان سيادة الضابط يأمر أحد الحراس السجانة ليحمله عنهم على مرأى ومسمع من جميع المسجونين المحرومين من مثل ذلك المعاملة بل أكثر من ذلك كان الضابط يحضر إلى هؤلاء الجواسيس الخمسة ويجلس معهم في زنزانتهم بالساعة وأكثر حتى أثار ذلك انتباه الجميع لدرجة أنه لما كان أحد المسجونين يسأل أحد اليهود عن العلاقة التي تربطهم بالضابط عبد الله ماهر كان يجيبه الجاسوس «فكتور» بأنه صديق أختي.. كان يقول ذلك بلا خوف ولا حياء!! ولما كثر الهمس في هذا الموضوع اتهمنا اليهود والجواسيس أننا وراء هذا الأمر وقالوا لعبد الله ماهر أننا الذين نبهنا أنظار المسجونين إلى هذه الصلة المريبة فأسرها في نفسه وعقد النية على الانتقام منا حين تحين الفرصة وجاءته الفرصة من أوسع الأبواب حين دبرت المؤامرة لإبادة الإخوان في الليمان.
وبلغ إجرام هذه الفئة من الضباط إلى حد أن احدهم صرح وهو الضابط عبد الله ماهر أنه سيحرق الإخوان بالجاز!! ولعله قد صرح بذلك أيضا أمام اليهود الذين نقل البعض منهم هذا التعبير عنه. وإذا كان قد قدر لنا أن نرى مساخر ومساوئ هؤلاء الضباط في الليمان وخاصة تصرفاتهم مع اليهود ونسائهم وما كان يشاع ويقال عن لقاءات في الخارج خارج الليمان فإنه قد قدر لنا أن نرى الوجه الآخر بأنفسنا أيضا في سجن القناطر حيث تم ترحلينا بالجنازير والحديد ليلا، في القناطر رأينا مارسيل نزيلة سجن النساء، وكانت في سجن .. فستانها الهفهاف وشعرها المسترسل وحذاءها العالي وحركتها بين سجن النساء وسجن الرجال ومكتب المدير المفتوح لها دائما وسجانتها إن سمحت بمرافقتها تجري خلفها مارسيل اليهودية أيضا لم تكن حبيسة زنزانة ولم تلبس ملابس السجن ولم يقفل في وجهها باب السيد المدير (16).
الهامش
(1) مجلة النذير، العدد (27)، السنة الأولى، 13 شوال 1357- 6 ديسمبر 1938، ص(6)
(2) مجلة النذير، العدد (18)، السنة الأولى، 2 شعبان 1357ه- 26 سبتمبر 1938م، ص(3-5).
(3) النذير – العدد (18) – 2شعبان 1357هـ / 1938م.
(4) مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (70)، السنة الثالثة، 14شوال 1364ه- 20 سبتمبر 1945م، ص(3-15).
(5) إبراهيم البيومي غانم: الفكر السياسي للإمام حسن البنا ، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 1992م، صـ478- 479.
(6) عبدالعزيز صبحي: فضيحة لافون.. كيف جمعت كراهية عبد الناصر الإخوان والإسرائيليين؟، موقع دوت مصر، الاثنين، 11 مايو 2015م
(7) المرجع السابق
(8) حسين مؤنس: بشوات وسوبر بشوات، دار الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، 1984م.
(9) عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، الجزء الثاني، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2000م
(10) مصطفى أمين، سنة أولى سجن، مؤسسة أخبار اليوم، 1991م.
(11) مجلة روزا اليوسف، العدد رقم 3581، بتاريخ 15 يناير 1997م.
(12) RT Arabic. بتاريخ 16 سبتمبر 2017م.
(13) إبراهيم العبد : الماباى , الحزب الحاكم في إسرائيل , منشورات منظمة التحرير الفلسطينية ,مركز الأبحاث , بيروت 1966
(14) منتصر مظهر: عبد الناصر الملف السري، مكتبة النافذة, 2003م.
(15) الخليج الجديد، 21/ 1/ 2017م
(16) جابر رزق: مذبحة الإخوان في ليمان طرة، دار الاعتصام.