علي نويتو
بقلم: علاء ممدوح
موقع إخوان ويكي
مقدمة
مناضل سجن عام 1954وخرج من السجن عام 1974 وتدرج في السلم الوظيفي حتي وصل الي منصب وكيل وزارة وقام بعمل مشروع لتأهيل المساجين وجاء في حفل افتتاح المشروع الضابط الذي قبض عليه سنة 54 وكان هذا الضابط أحمد رشدي وزير الداخلية
ميلاده و نشأته
يقول عن نفسه :
- أنا إنسان بسيط للغاية ، شاهد على تاريخ الإخوان في فترة ربما مات كل من عاصرها .
- أحب دعوتي ، لذا حملت على عاتقي عبء الدفاع و الذود عنها ، ومن أجلها واجهت بحب وصبر محنة السجن 20 عاما ... فما شعرت بهاإلا فضلا من الله و نعمة .
إنه علي نويتو ، أحد أهم رموز الرعيل الأول الذين عاصروا البنا وتربوا على يديه غارسا فيهم كل القيم الإسلامية الحميدة،ومكارم الأخلاق النبيلة .
في عام 1928م ، وفي منطقة امبابة، كان مولد أستاذنا الفاضل الحاج علي نويتو ، ومن ثم نشأته و مسيرته التعليمية حتى حصل على شهادة مدرسة الفنون التطبيقية العليا (الكلية حاليا) بتقدير امتياز ، وكان الأول على الدفعة ، وذلك عام 1949م . ورغم ذلك لم يتم تعيينه نظرا لصدور قرار بوقف التعيينات في الوظائف الحكومية ، فاختارته هيئة المساحة للعمل بها .
التحاقه بركب الإخوان
(في يوم الخميس،عام 1948م قال لنا الشيخ عبدالحليم موسي و الذي تعلمت على يديه العبادات:
- "يا أولاد.. غدًا نصلي الجمعة في مسجد (حسن باشا نشأت) في جزيرة (الزمالك)؛ لأن "حسن البنا" سوف يخطب الخطبة هناك"، وكان أول لقاء لي مع الإمام الشهيد "حسن البنا".
رأيته بعباءته المعروفة ونظرته الثاقبة، وكانت خطبته (صناعة الموت)، وقد كان لهذه الخطبة دورٌ كبيرٌ في إحياء هذه الأمة ، بعد ذلك سمعته في حديث الثلاثاء وصليت خلفه عدة مرات.
ومنذ ذلك الوقت التحق علي نويتو بالركب المبارك وانضم لجماعة الإخوان المسلمين؛جنديا مخلصا وفيا،وظل كذلك حتى وفاة البنا و إعلان نبأ استشهاده .
ليبدأ بعدها بإحياء العمل الدعوي و إكمال المسيرة مع إخوانه من جديد . وقد كان من بين الإخوة الذين عرفهم نويتو وعمل معهم الأخ مصطفى الورداني
والذي يقول عنه نويتو:
- "مصطفي الورداني، الذي هزَّ (إمبابة) و(المنيرة) و(مدينة العمال)، فقد تحرك كما تحركت مصر كلها لإعادة النشاط الدعوي في كافة الشُّعَب والمناطق والمحافظات
حكاية الخمس دقائق .... بمقياس ريختر
في عام 1954م،و في الوقت الذي كان فيه أستاذنا الفاضل علي نويتو يستعد للسفر في بعثة إلى ألمانيا، إذ بعبد الناصر يخرج للملأ معلنا اتهامه الإخوان بتدبير حادثة المنشية الشهيرة و يصدر أوامره باعتقال الإخوان في كل مكان . ليفاجأ أستاذنا بمن يطرق بابه ذات مساء ، فإذ بمخبر يقول له : عايزينك خمس دقائق فقط .
و يعلق الحاج علي نويتو على هذه الخمس دقائق:
- "لكنهم كانوا 20 سنةً يعني الدقيقة عندهم بـ 4 سنين "بمقياس ريختر"؛ ولذلك الآن عندما يقول لي أحد عايزك خمس دقائق أقول له باستغراب "نعم يا خويا"."
ويكمل القصة قائلا :
- "في السجن عرضوني على محكمةٍ كان يرأسها جمال سالم والسادات عن يمينه والشافعي عن شماله عرفنا فيما بعد أنها كانت محكمةٍ الثورة ، وقامت الحكومة بتوكيل محامي للدفاع عني، وحسين الشافعي"شوف بقى المحامي اللي المفروض جاي للدفاع عني قال إيه".. قد بدأ حديثه بقوله: "هذا الثعلب الماكر الماثل أمامكم..!!. "حسين الشافعي
وحكم عليه بالإعدام ، ولكنه خفف إلى 20 عاما. يقول حفظه الله :
وفي عام 1974خرج من غياهب السجن ،ليمن الله تعالى عليه ويبدله خيرا ويفوق أقرانه في ذلك الوقت.
يقول عن تلك الفترة :
- "وبعد اللومان أصبحتُ وكيل أول بوزارة التعمير لأصبح بعدها رئيساً للمركز العلمي لمجموعة شركات الشريف. وحصلتُ على جواز سفر دبلوماسي، وكان يُفتح لي في المطار صالة كبار الزوار، وسافرتُ جميع دول العالم على حساب الحكومة التي عذبتني واعتقلتني فتحقق قول الله سبحانه وتعالى {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)} (القصص)،
- وذهبتُ إلى ألمانيا 5 مرات رئيس بعثة، وكذلك السويد وإنجلترا وفرنسا وفنلندا.ثم خرجتُ على المعاش عام 1988م فاختارني مركز الشريف العلمي للإشراف عليه، وبعد ذلك ذهبتُ إلى إندونيسيا وماليزيا وتايلاندا وسنغافورة وسيريلانكا ، ووصلت إلى منطقة في سيريلانكا قالوا لي إنها نهاية العالم، ومَن يذهب هناك يسقط دون رجعة، وبعدها ذهبتُ إلى إيطاليا والسعودية وباكستان وأفغانستان، وآخر جزر إندونيسيا على حدود أستراليا."
ومما يجدر الإشارة إليه أن هذه العشرين عاما كانت لها بصمات إيجابية رائعة في حياة هذا الرجل الهمام ،فقد تعلم المعنى الحقيقي للصبر بحيث مهما أصابته من أحداث فإنه يحتسبها عند الله تعالى ، فضلا عن همته العظيمة في الدعوة و العبادة فهو لا ينام إلا ثلاث ساعات في اليوم بأكمله.زاده الله عافية وسلاما في الدنيا و الآخرة .
واحات إيمانية .... في الواحات
كان عبد الناصر قد قام بإنشاء معتقل في الواحات يسع 100 ألف معتقل ، وقُسِّم هذا المعتقل إلى أربعة معسكرات بفواصل من السلك الشائك.
و تم وضع الإخوان والشيوعيين في معسكرٍ واحدٍ، وذلك بهدف أن يحدث ذبحٌ بين الإخوان والشيوعيين . ولكن الإخوان سيطروا على الأمور بفضل الله تعالى فقالوا للشيوعيين: إن المقصود أن يذبح بعضنا البعض وأنتم تعرفوننا جيدًا .
فقالوا: نتعايش سلميًّا.
فقلنا لهم: "تمام كده.. يبقى تختاروا مندوبًا من عندكم ونختار مندوبًا من عندنا للاتصال فقط وإحضار المتطلبات الحياتية.
أربع سنوات مواتٍ مروا علينا في الواحات بها كل اللاءاتِ.. لا زيارات ولا كنتين ولا ورقة ولا قلم ولا مصحف، وكان الهدف من ذلك عملية مسح للدماغ من كل ما فيها "بدون تجديد".
لكن كل واحد فينا كان دائرة معارف، فقمنا بعمل نظامٍ يُشبه نظام الأزهر القديم "شيخ العمود"، وكل واحد في تخصصه كان شيخ عمود يُدرِّس مادته لمَن يريد دراستها فتعلمنا الفرنسية والألمانية والعبرية وكل شيء كان متاحًا؛ "لأن معتقل الواحات كان يضم أذكى قطاعٍ في مصر بمختلفِ التخصصات من الحلاق والطعمجي حتى عالم الذرة"..
وقد كان معنا الدكتور حسين كمال الدين الذي كان يعمل أستاذًا بكية الهندسة ووضع نظريةً تُدرَّس الآن في جميع أنحاء العالم باسمه وقال في هذه النظرية:
- "إن جرينتش ليس مركز العالم ولكن المركز هو الكعبة "بيت الله الحرام" وأثبتها علميًّا في الواحات وكان عضو مكتب إرشاد ..
كما كان معنا أيضًا الدكتور محمد كمال خليفة عضو مكتب الإرشاد الذي جاء من الطائرة عائدًا من أمريكا إلى الواحات مباشرةً، وكان يعمل أستاذًا بكلية الهندسة ومدير عام مصلحة الطرق والكباري قبل أن يُسافر إلى أمريكا، وكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي درس مادة الخرسانه المسلحة؛
وبينما كنا في الواحات نحتفل به فوجئنا بأنهم ينادون عليه فقلنا له: "مبارك يا دكتور إفراج بدون إحراج"، ثم غاب مدةً وعاد فقلنا له: ماذا حدث؟ قال: الروس كان عندهم مشكلة ذهبتُ لحلها وعدتُ"، واتضح بعد ذلك أنَّ الروس قالوا للحكومة المصرية لدينا مشكلة في بناء السد ولن يستطيع حلها سوى رجل واحد فقط في الشرق الأوسط جاء مؤخرًا من أمريكا وهو الآن موجود عندكم في الواحات.
وقبل أن نزرع أو نُربي الدواجن كنا ننتظر بيضة أو فرخة تأتي لنا من القاهرة ، ولكن الأمر وصل بعد ذلك إلى أننا كنا نُعطي الزوار وهم عائدون كراتين من البيض والديوك المذبوحة واللحوم وأصبحوا يأتون من القاهرة بدون شيء ثم يعودون محملين بالخيراتِ التي أعطانا الله إياها؛
فقد ربينا الدواجن والرومي وزرعنا البامية والبطاطس والملوخية، ورأينا البركة في الزرع، وكنا نجمع من الزرع كل يوم ونأتي ببراميل السولار ونملأها بمخرجاتِ الإنسان "البول والبراز" ثم نُحكم غلقها ونستخدمها في شيئين؛ الأول كساعةٍ دقاقةٍ حيث يصدر البرميل صوتًا عاليًا عند الانكماش بالبرودةِ ليلاً، وكذلك عند التمدد بالحرارة نهارًا، والشيء الثاني نستخدم ما بداخل البرميل بعد تحلله بالحرارةِ كسمادٍ زراعي، وكان من أقوى الأسمدة وكنا نُسميه "الوبا".
والعجيب أن الشيوعيين قاموا بالزرع أيضًا حول خيامهم، ولكن لم يكن ينفع لهم زرعٌ فجاءوا وسألونا باستغرابٍ: لماذا؟ فقلنا لهم: لأننا نروي الزرعَ بالقرآن والزرع يربو وينمو على التسبيح.
كما قمنا أيضا باختيار بعضِ الأفراد من أصحاب الصوت الندي الطري للحراسةِ وإيقاظ النائمين قبل صلاةِ الفجر لقيام الليل، وكان ينشد بصوته الندي ويقول: "يا نائمًا مستغرقًا في المنام قم واعبد الحي الذي لا ينام، مولاك يدعوك إلى ذكره وأنت مستغرقًا في طيب المنام، الصلاة الصلاة الصلاة يا مؤمنين الصلاة الصلاة خير من النوم" فيقوم مَن يقوم ومَن لم يقم يأتي أخ سوداني قُبيل الفجر بربع ساعة بكرباجٍ ويمرُّ على مَن لم يستيقظ ويضربهم بالكرباج ويقول بصوتٍ غليظٍ: "قوموا للصلاة بكره تناموا ما تقوموش".
فتأمل أخي الكريم ... كيف أراد أولياء الشيطان أن تكون الواحات مقبرة جماعية ، فإذ بأولياء الرحمن يحيلونها روضة تنبض بالإيمان و بالحياة .
أخوة الدين .... عز و تمكين
وفي يوم 30 ديسمبر 1971م جاءت إشارة بترحيل أول مجموعة من إخوان سجن قنا إلى مزرعة طره وعددهم ستة وهم:
- علي نويتو (إعدام في 1954م، خفض إلى المؤبد إمبابة).
- محمد شاكر خليل (إعدام في 1954م، خفض إلى المؤبد القاهرة).
- محمود توفيق (مؤبد في 1954م مصر القديمة).
- علي محمد جريشة (12 سنة أشغالاً في 65).
- محمد عبد العزيز الصروي (12 سنة أشغالاً شاقة في 1965م).
- جلال بكري (15سنة أشغالاً شاقة في 1965م).
ثم توالت الدفعات بعد ذلك.. كما سبقنا المسجونون في ليمان طره عنبر (1) إلى سجن مزرعة طره ، وكذلك تم نقل المسجونين من الإخوان في سجن القناطر إلى مزرعة طره أيضاً..
واجتمعنا جميعاً في سجن مزرعة طره (كل إخوان قضية 65 والإخوان المحكوم عليهم بالمؤبد والإعدام في 1954م).
الاخوان وعبد الناصر قصة تنظيم 1965
وكان الأخ علي نويتو (من قضية 1954) ويعاونه الأخ عبد العزيز عبد القادر (من قضية 1965) هما المسؤولين عن الإشراف علي زيارة الإخوان لذويهم والذهاب لمقر الزيارة والاتصال بالإدارة .
يوم رحيل المجموعة الأولى
كان يوماً مشهوداً في سجن قنا .. أقام المسجونون مسرحاً كبيراً في الدور الأرضي وتجمعت كل المساجين الذين لهم مع الإخوان ذكريات منذ 4 مايو 1964م حتى 31/12/1971م. فال لإخوان على أغلب المساجين أياد كريمة، وعطف، وعلاج لمرضاهم، وتأهيل صناعي في ورشة النجارة لكثير منهم، والذين تابوا كانوا بالمئات على أيدي الإخوان..
وخصوصاً أن معظم المساجين في سجن قنا ليسوا من محترفي الإجرام، ولا من سيئي السلوك، ولكن دفعتهم الحمية والغيرة والأخذ بالثأر إلى غياهب السجون، ودرك الظلمات، فتلقفهم الإخوان، ومدّوا لهم يد العون حتى تابوا وأقاموا الصلاة وقد تعلقت قلوب المساجين برموز الإخوان..
والشهادة لله كان على رأس الإخوان الذين يحبهم ألف مسجون في سجن قنا. المرشد السابع محمد مهدي عاكف.. كان جواداً كريماً مع كل المسجونين، لا يردّ سائلاً منهم مهما كلفه ذلك.. ولقد ساعد على ذلك أن عائلته الميسورة كانت ترسل له مبلغاً كبيراً من المال كل شهر.. فينفقه كله على إخوانه وعلى المسجونين، ولا يأخذ إلا القليل.
صعد المساجين على المسرح وقالوا كلمات وداع حارة، وتعالى بكاء كثير منهم لفراقنا.. ولازلت حتى اليوم أذكر ذلك المشهد بدموعي. أما المفاجأة الكبرى.. فكانت من ضابط السجن المختص بالإخوان (الرائد محمد...) الذي صعد على خشبة المسرح، وبكى بصوت عالٍ جداً في وداعنا جميعاً وخص بالذكر د. علي جريشة والأخعلي نويتو.
المراجع
ألبوم صور
موضوعات ذات صله
روابط داخلية
روابط خارجية
روابط فيديو