حسن البنا وحكاية مقاهي ما زالت موجودة بالإسماعيلية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حسن البنا وحكاية مقاهي ما زالت موجودة بالإسماعيلية


مقاهي لها تاريخ في جماعة الإخوان المسلمين


إخوان ويكي

مقدمة

المقهى أو الكوفي شوب أو الكافيه هو مكان عام يجلس الناس فيه لشرب القهوة أو الشاي أو تدخين النارجلية أو الشيشة وشرب العصائر والمشروبات الغازية أو تناول الحلويات، ويعتبر بمثابة مجلس للشباب وغيرهم فيتجمعون ويتبادلون الأحاديث.

وكان بداية القرن العشرين يهرب إليه الجميع لقضاء وقت مع أصحابهم وتبادل الأحاديث ومشاهدة ما يقدمه المقهى من مراقص وراديو يندر وجوده في البيوت.

تقول أمل غريب:

اعتاد المصريون الجلوس على المقاهي منذ زمن طويل، واعتبروها متنفسا لهم من ضغوط الحياة فكانت قديما، إحدى وسائل التواصل الاجتماعي بين الناس، للتعرف على أحوال البلاد وملتقى للأصدقاء، وكانت قديما إحدى النوافذ الثقافية وتبادل الخبرات والمعلومات والتباهي بين روادها بقدر ما قرأوا من صحف ومجلات، فكم من مشهدا سينمائيا من أفلام الزمن الجميل
رأينا فيه شخصا يتناول كوبا من الشاي أو فنجانا من القهوة أثناء تصفحه لإحدى الجرائد، صباحا، قبل أن يهم إلى عمله، وكذلك العديد من المشاهد التي كان يجلس فيها موظفين على المقهاهي خلال فترة المساء، يتبادلون النكات ويتسامرون بالحكايات ويناقشون موضوعات سياسية أو حتى اجتماعية، وتخصصت بعض المقاهي حسب موقعها بأنها مقاه أدبية يجلس فيها الأدباء للتشاور والنقاش.

غير أن حسن البنا (الداعية الشاب) استطاع أن يحوله لملتقى إيماني يخطب فيه الدعاة ويذكرون فيه الناس بعلاقتهم بالله وحقيقة الدنيا حتى ولو لوقت قصير.

حسن البنا ومقاهي القاهرة

جاء حسن البنا إلى القاهرة عام 1923م لأول مرة في حياته وحيدا وعمره كان 16 عاما لاجراء اختبارات القبول في كلية دار العلوم حيث نزل في باب الحديث ومنه ركب الترام للعتبة ثم السوارس إلى الحسين حيث صديق والده، واستطاع أن يذهب لدار العلوم ويتعرف على صحبة من الزملاء عاش معهم فترة الكلية.

وحينما ازدادت الصلة بينهم اتفقوا على العمل للدعوة لدين الله وتذكير الناس به وبالدار الأخرة، ويصور هذا المشهد بقوله:

فعرضت عليهم أن نخرج للوعظ في القهاوي فاستغربوا ذلك وعجبوا منه وقالوا: إن أصحاب القهاوي لا يسمحون بذلك ويعارضون فيه لأنه يعطل أشغالهم، وإن جمهور الجالسين على هذه المقاهي قوم منصرفون إلى ما هم فيه وليس أثقل عليهم من الوعظ فكيف نتحدث في الدين والأخلاق لقوم لا يفكرون إلا في هذا اللهو الذي انصرفوا إليه؟؟
كانت الإجابة كفيلة بأن تثبط عزائم كل من يفكر للعمل في الدعوة، غير أن البنا لم ييأس وطلب منهم أن يخضوا الترجمة ثم يقيموها. وقع الاختيار على مقاهي حي طولون ثم الموجودة في شارع سلامة حتى وصلوا مقاهي السيدة زينب، حيث كانت الخاطرة لا تزيد عن 5 دقائق أو 10 حتى لا تمل الناس، وقد بلغ ما ألقاه وحده ما يقر من 20 خطبة. وقد تعجب الناس لهذا الأسلوب الجديد من شباب صغيرا مما دفعهم لجمع أسماعهم وقلوبهم لسماع ما يقوله هؤلاء الشباب.

أين عاش البنا في الإسماعيلية؟

حينما نزل الإمام البنا على محطة الإسماعيلية في يوم الاثنين الموافق 16 سبتمبر سنة 1927م فنزل في فندق مؤقتا، واتجه للمدرسة حيث التقى بناظرها والمدرسين، فتصادف أن أحد أصدقاءه مدرسا في المدرسة، فاصطحبه للعيش معه في غرفة واحدة في منزل السيدة "أم جيمي" الإنجليزية ثم في منزل السيدة "مدام ببينا" الإيطالية.

ويضيف البنا:

ومن الطرائف أننا بعد أربعين يوما من نزولنا إلى الإسماعيلية، لم نسترح في الإقامة في البنسيونات، فعولنا على استئجار منزل خاص، فكانت المصادفة أن نجد دورا أعلى في منزل، استؤجر دوره الأوسط مجتمعاً لمجموعة من المواطنين المسيحيين، اتخذوا منه ناديا وكنيسة، ودوره الأسفل مجتمعا لمجموعة من اليهود، اتخذوا منه ناديا وكنيسة، وكنا نحن بالدور الأعلى نقيم الصلاة، ونتخذ من هذا المسكن مصلى، فكأنما هذا المنزل يمثل الأديان الثلاثة.

وذلك قبل أن يكون للإمام البنا منزل خاص به ملحق بالمسجد وتزوج فيه من ابنة حسين الصولي. حيث تقول منة حسام الدين: فى أحد الشوارع الجانبية المتفرعة من شارع الثلاثينى بحى المحطة الجديدة يتواجد منزل الشيخ حسن البنا وداخله مسجد "الرحمة".

وتكتب آيات الحبال عن شكل الإسماعيلية وقت وصول البنا لها بقولها:

شوارع قديمة، ومبانٍ خشبية آيلة للسقوط لكنها تقاوم الزمن لتحكى تاريخ حى شعبى خرجت منه أروع البطولات فى مقاومة الاحتلال الإنجليزى، فهذا الحى القديم المكون من منطقتى المحطة الجديدة وميدان عباس التابعتين إدارياً لحى أول، حيث بدأ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، دعوته، كان بيئة خصبة لنشر أفكاره الدعوية.

عاش الإمام أو "مولانا الإمام حسن البنا"، كما يسميه حتى الآن سكان هذا الحى، بالقرب من شارع الثلاثينى بمحافظة الإسماعيلية منذ عام 1927، وذلك بعد اجتيازه امتحان دبلوم دار العلوم وتعيينه مدرسا بمدرسة "الإسماعيلية الابتدائية الأميرية" التى يطلق عليها حالياً مدرسة "طه حسين"، والتى شهدت بداية دعوات "البنا" لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين لنشر الأفكار الإسلامية بين أبناء الإسماعيلية.

لماذا لجأ البنا إلى المقاهي؟

كانت تجربة مقاهي القاهرة حاضرة أمام أعين الشاب حسن البنا ومدى فاعليتها ونجاحها وإقبال الناس عليها لمعرفة حقيقة دينهم، وتهامسهم مع بعض حول هذا الداعية الشاب الذي يرتدي الطربوش والبدلة الإفرنجية ويتكلم بلسان عربي فصيح، بل العجيب أنه كان يتحدث بلسان كل قوم على قدر فهمهم وطبيعة أعمالهم حتي يبسط لهم حقيقة الإسلام.

(وهي ما حاول بعض أتباع عسكر السيسي والأنظمة الديكاتورية أن تغمز وتلمز الشيخ البنا بأنه اختار رواد المقاهي لجهلهم ولقدرته على خداعهم والسيطرة عليهم بخلاف رواد المساجد الذين كشفوا ألاعيبه. ولكن لا غروا في كلام هؤلاء فقد قال المنافقون والكفار عن أنبياء الله من قبل ذلك: "فَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرٗا مِّثۡلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأۡيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلِۢ بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَٰذِبِينَ" "هود:27". وحسن البنا سار على منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فقالوا عنه مثلما لمزوا غيره من المصلحين كالبخاري وابن تيمية وعلماء المسلمين لا لشيء إلا لهوى في نفوس هؤلاء الأفاكين أتباع العسكر والأنظمة الديكاتورية).

حينما نزل حسن البنا من محطة القطار لهذا البلد الجديد الذي لا يعرف فيه أحد، وضع نصب علينه العمل لدين الله، فعمد إلى التعرف على طبيعة المجتمع الإسماعيلاوي حتى تكشفت أمامه الأمر، فابتعد عن دعوة المسجد الوحيد (وهو مسجد العباسي) لأن من كان فيه من دعاة كانوا في صراعات فقهية ومذهبية فيما بينهم، بالإضافة أنهم لم يقبلوا بهذا الوافد الجديد أن يشاركهم الدعوة في المسجد، ولذا اتجه البنا إلى أكثر مكان فيه تجمعات وهو المقاهي.

حيث يوضح ذلك عبدالرحمن حسب الله في حوار معه بقوله:

بدأ الإمام البنا كأي داعية من المسجد الوحيد بالمدينة - وهو المسجد العباسي - حيث كان يصلي المغرب ثم يلقي درسًا في العدد القليل الموجود بالمسجد حتى أذان العشاء، وقد استحسن المصلون الدرس وبدأ عددهم يزداد يومًا بعد يوم، وقد حاول الإمام البنا أن يبتعد بهؤلاء عن الفرقتين المتخاصمتين في المسجد ويتجنب الانضمام لإحداهما على حساب الأخرى، فاتفقت كلمة شيوخ الفرقتين على طرده من المسجد.

أيضا من الأسباب الهامة لتوجه الشاب حسن البنا إلى المقاهي أن المنصرين والمشككين في دين الله كانوا يستهدفون هؤلاء الفقراء الضعفاء البسطاء الذين لا يعرفون كثيرا عن أمور دينهم.

جاء في مجلة الكشكول الجديد:

خاصة أن جمهور المقاهي كان مستهدفًا من قبل المشككين في الإسلام، والداعين إلى النصرانية، ومن ذلك أن أحدهم ويدعى رستم، وقف بمقهى بشارع فؤاد في تلك المدينة يخطب في المارة، ويسب الإسلام وقواعده دون مبالاة..
وصمت الجمهور وحملق في الرجل بعد أن عقد ذراعيه على صدره ومرت دقائق، وإذا بشاب يناهز العشرين، ويتخطى الجميع ويقف في مواجهة المبشر ويصيح بنبرة كلها عنفوان الشباب وملؤها الإيمان والثقة في وجه المبشر: أما تستحي، وبهت الذي كفر، وتحركت قلوب القوم، وانطلق الشاب الرجل في طلاقة خلابة يسمع المسلمين الإسلام من جديد، استمر قريبًا من الساعة حين تساءلت الجماهير: مَنْ الرجل؟! مَنْ الرجل؟!.. وجاء الجواب تحمله الآذان بإعجاب "حسن البنا المدرس بالمدرسة الابتدائية".

حسن البنا على مقاهي الإسماعيلية

كان في الإسماعيلية عدد من المقاهي التي يأوي إليها العمال وأصحاب المهن والصنيعية لقضاء بعض الوقت عليها بعد يوم طويل من العمل خاصة الموجودة في شارع الثلاثيني، وكان أشهر هذه المقاهي قهوة الزبير والواقعة بشارع الثلاثينى وهو على أسم الزبير مؤسس هذة المقاهى وكان من أصول نوبية.

أيضا قهوة العمال ناصية الثلاثيني والسكة الحديد وسميت بذلك لجلوس عمال التراحيل عليها، وهو بالقرب من موقف الفردوس وكان مقر لتجمع العمال على كافة أنشطتهم وحرفهم، وبعد إنشاء نفق الثلاثينى فوق مزلقان السكة الحديد الذى كان يقع بالقرب من مقهى العمال. هذا غير قهوة الأميرة الصغيرة بشارع التحرير والثلاثيني.

كان الشاب حسن البنا يضع الدعوة إلى الله نصب عينيه، ولذا لم يرهب الخوض في أماكن قد يراها البعض أماكن لهو (خاصة أنه خاض هذه التجربة من قبل في القاهرة ونجحت). أيضا لم يستخدم حسن البنا لغة لا يفهموا مريدي المقاهي، أو موضوعات لا تفيد مريدي هذه المقاهي، بل أجاد في إختيار اللغة وطريقة العرض واختيار الموضوع.

فيصف الإمام البنا ما قام به بقوله:

كان المدرس دقيقا في أسلوبه الفريد الجديد، فهو يتحرى الموضوع الذي يتحدث فيه جيدا بحيث لا يتعدى أن يكون وعظا عاما: تذكيرً بالله واليوم الآخر، وترغيبا وترهيبا، فلا يعرض لتجريح أو تعريض، ولا يتناول المنكرات والآثام التي يعكف عليها هؤلاء الجالسون بلوم أو تعنيف، ولكنه يقنع بأن يدع شيئا من التأثير في هذه النفوس وكفي.
وهو كذلك يتحرى الأسلوب فيجعله سهلا جذابا مشوقا، خليطا بين العامية أحيانا، ويمزجه بالمحسات والأمثال والحكايات،ويحاول أن يجعله خطابيا مؤثرا في كثير من الأحيان،وهكذا يتحايل دائما على جذب هذه النفوس باعثا الرغبة والشوق إلى ما يقول،وهو بعد هذا لا يطيل حتى لا يمل
ولكنه لا يزيد في الدرس على عشر دقائق،فإذا أطال فربع ساعة، مع الحرص التام على أن يوفي في هذا الوقت معنى خاصا، يقصد إليه، ويتركه وافيا واضحا في نفوس السامعين، وهو حين يعرض - فيما يعرض - لآية أو حديث يتخير تخيرا مناسبا، ثم يقرأ قراءة خاشعة، ثم يتجنب التفاسير الاصطلاحية، والتعليقات الفنية، ويكتفي بالمعنى الإجمالي يوضحه، والاستشهاد المقصود يشرحه).

كان للأسلوب الذي اختاره وسلكه حسن البنا تاثير كبير على الناس الذين أخذت كلمات الوعظ من قلوبهم، وأخذوا يتلمسون وجود الشاب البنا في أى مكان فيذهبون للاستماع إليه. وكانت فكرة الوعظ على المقاهي أسلوب جديد من هذا العصر حتى أن أصحاب المقاهي حينما وجدوا الجموع تبحث عن الشاب حسن البنا حرصت على تهيئة المكان له، فكان يخطب يومين في كل مقهى من المقاهي الثلاثة. فكيف كانت بداية البنا مع الناس حتى يلفت له الأنظار ؟؟

يقول محمود عبدالحليم:

وفي أحد المقاهى وبعد استئذان صاحبها أراد الإمام البنا أن يلفت الأنظار إليه قبل أن يتكلم في الجالسين، فتناول جذوة من النار وألقى بها إلى أعلى وسط الجالسين فتناثرت وارتاع الحاضرون، وغادروا أماكنهم مذعورين، وتلفتوا يبحثون عن مصدرها فرأوا شابًا وسيمًا واقفًا على كرسي يقول لهم: إذا كانت هذه الجذوة الصغيرة قد بعثت فيكم الذعر إلى هذا الحد، فكيف تفعلون إذا أحاطت النار بكم من كل جانب! من فوقكم ومن تحت أرجلكم، وحاصرتكم فلا تستطيعون ردها.. وأنتم اليوم استطعتم الهروب من الجذوة الصغيرة فماذا أنتم فاعلون في نار جهنم ولا مهرب منها؟!

وهكذا كان لمقاهي الإسماعيلية وعلى رأسها مقى الزبير الدور في نشر الإمام البنا الإسلام الوسطي وتعريفهم بحقيقته، وتشكيل جماعته من أفراد هذه المقاهي.

المصادر

  1. حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2002م.
  2. محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ – الجزء الأول، دار الدعوة، 1999، صـ66
  3. مجلة الكشكول الجديد – السنة الثانية – العدد 54 – 9 ذي الحجة 1367هـ - 12 أكتوبر 1948م، صـ8.
  4. لواء الإسلام غرة شعبان 1408هـ - 19 مارس 1988م صـ27.
  5. جمال حراجي: صور.. مقاهى صنعت تاريخ الإسماعيلية، اليوم السابع، 8 يوليو 2019.