حسن البنا وتقدير الرجال

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حسن البنا وتقدير الرجال .. شخصيات في مذكرات الدعوة والداعية


إخوان ويكي

مقدمة

إن تقدير الرجال للرجال، واعتراف الكبار بالكبار، وتجافي الضمائر عن الانسياق وراء الهوى والأحقاد، كل ذلك من علائم الأمم الحية التي تعرف سبيلها إلى النهوض وإن تطاول على رقدتها الزمان.فاحترام الآخرين ومنحهم قدرهم المناسب، يساعد في بناء علاقات إنسانية سليمة وقوية.

وحسن البنا كان يحسن فن تقدير واحترام الرجال وإعطاء كل واحد منهم حقه دون مبالغة أو نفاق أو مديح زائف، حيث أدرك بأن ضرورة بناء الرجال، وحُسن إعدادهم -باعتبارهم سر نهضات الأمم، وعمادها فى أوقات تحولها- هم رأس مالها الزاخر ورصيدها الوافر.

لقد ترجم حسن البنا حسن احترام وتقدير الرجال إلى واقع يتجسد في الناس ويتحركون به وسط المجتمع وليس سطور بين دفتي كتاب فحسب، حينما سأل: لماذا لا تؤلف الكتب؟!.. فقال: إنما أؤلف رجال، ولذا عرفت عبقريته فى البناء وصناعة الرجال.

وبالفعل نجح حسن البنا في تأليف رجال انتشروا في ربوع الأرض حيث ترك كل واحد منهم أثره وبصمته الطيبة، وهي الصورة التي أوجزها إحسان عبدالقدوس في مقالة "الرجل الذي يتبعه النصف مليون"، حيث قال:

وستمر في طريقك داخل الدار بمخازن الذخيرة التي يمتلكها الإخوان:

وهي الشباب، شباب امتلأت بهم حجرات الدار على سعتها، ترى على وجوههم نور التقوى والإيمان، وفي عيونهم حماسة الجهاد، وبين شفاههم ابتسامة تدعو إلى المحبة والإخاء، وفي يد كل منهم مسبحة انحنى عليها بروحه يذكر اسم الله، وهم مع كل ذلك شبان (مودرن)، لا تحس فيهم الجمود الذي امتاز به رجال الدين وأتباعهم
ولا تسمع في أحاديثهم التعاويذ الجوفاء التي اعتدنا أن نسخر منها، بل إنهم واقعيون يحدثونك حديث الحياة لا حديث الموت، قلوبهم في السماء ولكن أقدامهم على الأرض، يسعون بها بين مرافقها، ويناقشون مشاكلها، ويحسون بأفراحها وأحزانها، وقد تسمع فيهم من "ينكِّت" ومن يحدثك في الاقتصاد والقانون، والهندسة، والطب. (1)

كما كتب صالح عشماوي:

لقد كتب أبناء حسن البنا بدمائهم صفحة من المجد والفخار ردت إلى المسلمين اعتبارهم، وأكدت أن الإسلام يصنع الرجال ويقدم الأبطال فى كل عصر وزمان، ولو لم يكن لحسن البنا من فضل إلا أنه استطاع أن يربى هذا الشباب الفدائى المجاهد فى هذا العصر المادى الفاسد. (2)

نماذج من تقدير حسن البنا للرجال

لقد اشتملت مذكرات الإمام حسن البنا بكثير من النماذج التي احتفى بها الأستاذ البنا خاصة في مراحل حياته الأولى التي عرفنا بكثير من الأفذاذ الذين كانوا طي النسيان لجهل الناس بهم، مما دفع كثير من الباحثين في التنقيب عن هؤلاء ودورهم وأثرهم في المجتمع.

النموذج الأول:

الشيخ محمد زهران حيث تحدث عنه الشيخخ البنا بأدب جم، وعلو مقام لشيخه الأول حيث يقول:

رحم الله أستاذنا الشيخ محمد زهران صاحب مدرسة الرشاد الدينية، الرجل الذكي الألمعي، العالم التقي، الفطن اللقن الظريف، الذي كان بين الناس سراجا مشرقا بنور العلم والفضل يضئ في كل مكان، وهو وإن كانت دراسته النظامية لم تصل به إلى مرتبة العلماء الرسميين، فإن ذكاءه واستعداده وأدبه وجهاده ند جعله يسبق سبقاً بعيداً في المعارف وفي الإنتاج العام. كان يدرس العامة في المسجد ويفقه السيدات في البيوت.
وأنشأ مع ذلك مدرسة الرشاد الدينية في سنة 1915م. تقريبا لتعليم النشء على صورة كتاتيب الإعانة الأهلية المنتشرة في ذلك العهد في القرى والريف، ولكنها في نهج المعاهد الرائعة التي تعتبر دار علم وعمل! تربية على السواء ممتازة في مادتها وطريقتها، ممتازة في مادتها وطريقتها وتشتمل مواد الدراسة فيها –زيادة على المواد المعروفة في أمثالها حينذاك- على الأحاديث النبوية حفظا وفهما، فكان على التلاميذ أن يدرسوا كل أسبوع في نهاية حصص يوم الخميس حديثا جديدا يشرح لهم حتى يفقهوه
ويكررونه حتى يحفظوه ثم يستعرضون معه ما سبق أن درسوه فلا ينتهي العام إلا وقد حصلوا ثروة لا بأس بها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذكر أن معظم ما أحفظ من الأحاديث بنصه هو مما علق بالذهن منذ ذلك الحين، كما كانت تشتمل كذلك على الإنشاء والقواعد والتطبيق، وطرف من الأدب في المطالعة أو الإملاء ومحفوظات ممتازة من جيد النظم أو النثر ولم يكن شيء من هذه المواد معروفا في الكتاتيب المماثلة. (3)

ويضيف عن شيخه:

"وكان للرجل أسلوب في التدريب والتربية مؤثر منتج، رغم أنه لم يدرس علوم التربية ولم يتلق قواعد علم النفس، فكان يعتمد أكثر ما يعتمد على المشاركة الوجدانية بينه وبين تلامذته. وكان يحاسبهم على تصرفاتهم حسابا دقيقا مشربا بإشعارهم الثقة بهم والاعتماد عليهم، ويجازيهم على الإحسان أو الإساءة جزاء أدبيا يبعث في النفس نشوة الرضا والسرور مع الإحسان كما يذيقها قوارص الألم والحزن مع الإساءة، وكثيرا ما يكون ذلك في صورة نكتة لاذعة أو دعوة صالحة أو بيت من الشعر –إذ كان الأستاذ يقرضه على قلة- ولا أزال أذكر بيتا من الشعر كان مكافأة على إجابة في التطبيق أعجبته فأمرني أن أكتب تحت درجة الموضوع:
حسن أجاب وفي الجواب أجادا
فالله يمنحه رضا ورشادا

كما أذكر بيتا آخر أتحف به أحد الزملاء على إجابة لم ترقه فأمره أن يكتب تحت درجته

يا غارة الله جدي السير مسرعة
في أخذ هذا الفتى يا غارة الله

ولقد ذهبت مثلا وأطلقت على هذا الزميل اسما فكنا كثيرًا ما نناديه إذا أردنا أن نغيظه "يا غارة الله" وإنما كان الأستاذ يوصي صاحب الكراسة بأن يكتب بنفسه ما يمليه عليه لأنه رحمه الله كان كفيفا ولكن في بصيرته نور كثير عن المبصرين (فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ولعلي أدركت منذ تلك اللحظة –وإن لم أشعر بهذا الإدراك- أثر التجاوب الروحي والمشاركة العاطفية بين التلميذ والأستاذ، فلقد كنا نحب أستاذنا حبا جما رغم ما كان يكلفنا به من مرهقات الأعمال. (4)

النموذج الثاني:

الأستاذ محمد عبدالخالق معلم الرياضة ورئيس جمعية الأخلاق الأدبية حيث يحفظ له قدره ومقامه، فقد وصفه في مذكراته بقوله:

وكان من بين أساتذة هذه المدرسة "محمد أفندي عبد الخالق" رحمه الله وكان مدرس حساب ورياضة، ولكنه كان صاحب خلق وفضيلة، فاقترح على طلبة السنة الثالثة أن يؤسسوا من بينهم جمعية مدرسية يطلقون عليها اسم "جمعية الأخلاق الأدبية" وضع بنفسه لائحتها، واعتبر نفسه المشرف عليها وأرشد الطلاب إلى اختيار مجلس إدارتها.
وكانت لائحتها الداخلية تتلخص في أن: من شتم أخاه غرم مليماً واحدا، ومن شتم الوالد غرم مليمين، ومن شتم الأم غرم قرشا، ومن سب الدين غرم قرشين، ومن تشاجر مع آخر غرم مثل ذلك - وتضاعف هذه العقوبة لأعضاء مجلس الإدارة ورئيسه - ومن توقف عن التنفيذ قاطعه زملاؤه حتى ينفذ، وما يتجمع من هذه الغرامات ينفق في وجوه من البر والخير، وعلى هؤلاء الأعضاء جميعاً أن يتواصوا فيما بينهم بالتمسك بالدين وأداء الصلاة في أوقاتها والحرص على طاعة الله والوالدين ومن هم اكبر سنا أو مقاماً.
ولا شك أن جمعية كهذه تنتج في باب تكوين الأخلاق اكثر مما ينتج عشرون درسا من الدروس النظرية، وعلى المدارس والمعاهد أن تعنى اكبر العناية بأمثال هذه الجمعيات. (5)

النموذج الثالث:

الشيخ محمد سعيد (إمام المسجد الأهلي بالمحمودية) والذي وقعت معه واقعة تربوية أظهرت فيها خلق الشيخ البنا صغيرا حيث يذكر هذه القصة بقوله: ولقد دأب كثير من تلامذة هذه المدرسة على أداء الصلاة في المسجد الصغير وهو مسجد مجاور لها وبخاصة صلاة الظهر حيث تجمعهم فسحة بعد النداء.

ومن الطرائف التي أذكرها أن إمام هذا المسجد الأهلي الشيخ محمد سعيد رحمه الله، مر ذات يوم فرأي مؤذنا يؤذن وجماعة تقام وإماما يتقدم وعددا كثيراً من التلامذة -يزيد على ثلاثة صفوف أو أربعة يصلي فخشي الإسراف في الماء والبلى للحصير، وانتظر حتى أتم المصلون صلاتهم ثم عمل على تفريقهم بالقوة مهددا ومنذرا ومتوعدا، فمنهم من أذعن وفر ومنهم من وقف وثبت.

وأوحت إلى خواطر التلمذة أن أقتص منه ولابد. فكتبت إليه خطابا ليس فيه إلا هذه الآية (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين) ولا شيء في ذلك، بعثت به إليه في البريد مغرماً واعتبرت أن غرامة قرش صاغ كافية في هذا القصاص.

وقد عرف رحمه الله ممن جاءته هذه الضربة وقابل الوالد شاكياً معاتباً، فأوصاه بالتلاميذ خيراً وكانت له معنا بعد ذلك مواقف طيبة عاملنا فيها معاملة حسنة، واشترط علينا أن نملأ صهريج المسجد بالماء قبل انصرافنا، وأن نعاونه في جمع التبرعات للحصر إذا ما أدركها البلى وقد أعطيناه ما شرط. (6)

النموذج الرابع:

الشيخ حسنين الحصافي (شيخ الطريقة الحصافية) ورغم أنه لم يعاصره ولم يتتلمذ على يده إلا أنه أحبه من كتاباته وما سمعه عنه، حيث يكره بإجلال وتوقير وإنزاله منزلة الرجال

بقوله:

وكنت إذ ذاك في سن الرابعة عشرة فلم أجتمع به على كثرة تردده على البلد فأقبلت على القراءة فيه وعرفت منه كيف كان السيد حسنين رحمه الله عالما أزهريا تفقه على مذهب الإمام الشافعي ودرس علوم الدين دراسة واسعة وامتلأ منها وتضلع فيها ثم تلقى بعد ذلك الطريق على كثير من شيوخ عصره، وجد واجتهد في العبادة والذكر والمداومة على الطاعات حتى إنه حج أكثر من مرة وكان يعتمر مع كل حجة اكثر من عمرة.
وكان رفقاؤه وأصحابه يقولون ما رأينا أقوى على طاعة الله وأداء الفرائض والمحافظة على السنن والنوافل منه - رحمه الله - حتى في آخر أيام حياته وقد كبرت سنه ونيف عن الستين. ثم أخذ يدعو إلى الله بأسلوب أهل الطريق، ولكن في استنارة وإشراق وعلى تواعد سليمة قويمة، فكانت دعوته مؤسسة على العلم والتعليم، والفقه والعبادة والطاعة والذكر
ومحاربة البدع والخرافات الفاشية بين أبناء هذه الطرق والانتصار للكتاب والسنة على أية حال والتحرز من التأويلات الفاسدة والشطحات الضارة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذل النصيحة على كل حال حتى إنه غير كثيرا من الأوضاع التي اعتقد أنها تخالف الكتاب والسنة، ومما كان عليه مشايخه أنفسهم. وكان أعظم ما أخذ بمجامع قطبي شدته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه كان لا يخشى في ذلك لومة لائم ولا يدع الأمر والنص مهما كان في حضرة كبير أو عظيم (7)

النموذج الخامس:

التاجر محمد أبو شوشة، ذلك الرجل الذي كان يربطهم بالله سبحانه والأخرة بطريقة عملية فيها تزكية للنفس وترقيقا للقلوب

حيث يقول البنا:

ويذكرني حديث المقبرة بما كان لأخينا في الله الشيخ محمد أبو شوشة التاجر بالمحمودية علينا من فضل في التربية الروحية، إذ كان يجمعنا عشرة أو نحوها ويذهب بنا إلى المقبرة حيث نزور القبور ونجلس بمسجد الشيخ النجيلى نقرأ الوظيفة ثم يقص علينا من حكايات الصالحين وأحوالهم ما يرقق القلوب ويسيل العبرات، ثم يعرض علينا القبور المفتوحة ويذكرنا بمصرنا إليها
وظلمة القبر ووحشته ويبكى فنبكي معه، ثم نجدد التوبة في خشوع وحرارة واستحضار عجيب وندم وعزم، ثم كثيرا ما كان يربط لكل واحد منا حول معصمه سوارا من الخيط الغليظ "الدوبارة" ليكون ذكرى التوبة، ويوصينا بأن أحدنا إذا حدثته نفسه بالمعصية أو غلبه الشيطان فليمسك بهذا السوار، وليتذكر أنه تاب إلى الله وعاهده على طاعته وترك معصيته، وكنا نستفيد من هذه النصيحة كثيراً وجزاه الله عنا خيرا (8)

النموذج السادس:

السيد عبد الوهاب الحصافي شيخ الطريقة الحصافية الذي التقى به في دمنهور وتعلم على يديه حيث يصفه بقوله:

وجزى الله عنا السيد عبد الوهاب خير الجزاء، فقد أفادتني صحبته أعظم الفائدة وما علمت عليه في دينه وطريقه إلا خيرا، وقد امتاز في شخصيته وإرشاده ومسلكه بكثير من الخصال الطيبة: من العفة الكاملة عما في أيدي الناس، ومن الجد في الأمور والتحرر من صرف الأوقات في غير العلم أو التعلم أو الذكر أو الطاعة أو التعبد سواء أكان وحده أم مع إخوانه ومريديه، ومن حسن التوجيه لهؤلاء الإخوان وصرفهم عمليا إلى الأخوة والفقه وطاعة الله.
وأذكر من أساليبه الحكيمة في التربية أنه لم يكن يسمح للإخوان المتعلمين أن يكثروا الجدل في الخلافيات أو المشتبهات من الأمور، أو يرددوا كلام الملاحدة أو الزنادقة أو المبشرين مثلا أمام العامة من الإخوان ويقول لهم اجعلوا هذا في مجالسكم الخاصة تتدارسونه فيما بينكم. أما هؤلاء فتحدثوا أمامهم بالمعاني المؤثرة العملية التي توجههم إلى طاعة الله، فقد تعلق بنفس أحدهم الشبهة ولا يفهم الرد فيتشوش اعتقاده بلا سبب، وتكونون أنتم السبب في ذلك. (9)

النموذج السابع:

المعلومين المخلصين، حيث كانت تزخر فترات كثيرة من الزمان بمعلمين على درجة عالية من الثقافة والإخلاص وهو ما عبر عنه حسن البنا حينما أثنى على بعض معلمي مدرسة المعلمين

حين قال:

جمعت مدرسة المعلمين – حينذاك - نخبة من فضلاء الأساتذة - مثل أستاذنا عبد العزيز عطية ناظر مدرسة المعلمين بالإسكندرية الآن ورئيس الإخوان بها، وأستاذنا الشيخ فرحات سليم رحمه الله، وأستاذنا الشيخ عبد الفتاح أبو علام، وأستاذنا الحاج على سليمان، وأستاذنا الشيخ البسيوني جزاهم الله خيرا - امتازوا بالصلاح والخير وتشجيع طلابهم على البحث والدرس وكانت لي بحضراتهم صلة روحية كنت أجد فيها الكثير من التشجيع.

النموذج الثامن:

الشيخ أحمد يوسف نجاتي إمام النحاة، والذي كان معلما للبنا في السنة الرابعة من دار العلوم، والذي ذكره البنا بقوله:

كان أستاذنا الشيخ أحمد يوسف نجاتي - جزاه الله خيراً- مغرماً بالموضوعات الدسمة بالإنشاء، وله معنا نكات وتعليقات ظريفة طريفة في هذه المعاني. ومن كلماته المأثورة، حين كان يمل تصحيح هذه المطولات، أن يقول، والكراسات على يده ينوء بحملها كما ناء طول ليله بتصحيحها: "خذوا يا مشايخ! وزعوا ما تزعمونه إنشاء. عليكم بالقصد يا قوم فالبلاغة الإيجاز. والله إني لا أشبر الإنشاء ولا أذرعه" ونضحك ونوزع الكراسات.

ومن الرسائل التي تدل على عظمة وعبقرية الشيخ نجاتي ما أرسلها للأستاذ أحمد حسن الزيات – صاحب مجلة الرسالة – في تصحيح خطأ وقع فيه أحد الأدباء حيث جاء في رسالته: حضرة سيدي المحترم رئيس تحرير الرسالة الغراء

أهدي إليكم سلاماً ذكياً عاطراً وتحيات مباركة طيبة...

وبعد،

فإني متتبع بعناية وإكبار تصحيح الأديب الفاضل الأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي لكتاب إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، وقد رأيت في العدد الأخير من الرسالة الغراء تصحيحه لبيت أبي تراب علي بن نصر الكاتب الوارد في ج 15ص 98 وهو:

حالي بحمد الله حال جيده ... لكنه من كل خير عاطل ولم يرتض الضبط (جَيّده) ورأى حضرته أن الأصل (حالٌ جيد) بحذف التاء، وقال: (قلت: حالي بحمد الله حال جيد)، والحال يذكر وإن كان التأنيث أكثر اهـ.

وأنا أرى أن البيت (حالي بحمد الله حالٍ جيدُه) على المجاز، وحال اسم فاعل من حلي ضد عطل، والجِيد العنق، ودليل ذلك مقابلة الحلي في صدر البيت بضده في عجزه وهو قوله (عاطل) فإن وافقكم رأيي هذا رجوت نشره في الرسالة الغراء مع شكوى لحضرتكم وحضرة الناقد الأديب الأستاذ النشاشيبي، وتقبلوا فائق التحية والسلام.

أحمد يوسف نجاتي

الأستاذ بكلية اللغة العربية. (10)

النموذج التاسع:

محمد الشرنوبي وهو صديق الإمام البنا في القاهرة ، وأحد الذين تعاونوا مع البنا في الخطابة في مقاهي القاهرة، كما كان زميله في الطريقة الحصافية، والذي كان لكلماته أثناء سفر للعمل بالإسماعيلية مفعول السحر

حيث يقول عنه الأستاذ البنا:

وأخذ الأصدقاء يتجاذبون أطراف الحديث، وكان فيهم محمد أفندي الشرنوبي، وهو رجل ذو تقوى وصلاح، فكان مما قال: "إن الرجل الصالح يترك أثرا صالحا في كل مكان ينزل فيه،؟ نحن نأمل أن يترك صديقنا أثرا صالحا في هذا البلد الجديد عليه" وأخذت هذه الكلمات مكانها من نفس الصديق المسافر.

النموذج العاشر:

الشيخ محمد حسين الزملوط المقاول الكبير بالإسماعيلية وخال المهندس عثمان أحمد عثمان، والذي ناصر الدعوة من اول يوم رغم مكانته ومدى انشغال، وكان بيته بمثابة مقر للإخوان المسلمين ومنتدى يجتمع فيه الإمام البنا مع العلماء وغيرهم؛ ليتشاور معهم في أمور الدين كما كان يعلم بسطاء الناس الذين يفدون إلى هذا المجلس ليتزودوا من علمه

حيث يذكر الشيخ البنا موقفه من بناء المسجد ودار الإخوان بقوله:

كما أني أذكر بالخير والتقدير الرجل الشهم الصالح الشيخ محمد حسين الزملوط الذي ناصر المشروع أكبر مناصرة بنفسه وماله، فتبرع بمبلغ 500 جنيه وقبل أن يكون أمين صندوق اللجنة، فبعث عمله هذا الثقة والطمأنينة في نفوس الآخرين، ووقف بجانب المشروع حتى أتمه بكل خير.

وعند وضع حجر الأساس سألني الإخوان ما رأيك إذن فيمن يضعه؟ فقلت وأين أنتم من الشيخ الزملوط - رحمه الله – ذلك الذي وقف إلى جانبكم من أول الأمر وأفادكم بجاهه وماله وهو رجل صلاح واستقامة وخير وثروة ترجى بركته وماله معاً، فقالوا: حسن جميل واستقر الأمر على ذلك.

وحينما وجه البعض فرية أن الإمام البنا يعمل ضد الحكومة كان للشيخ الزملوط موقف جميل سطره الإمام البنا بقوله:

ثم عمدوا إلى الذين يظنون أنهم دعائم في هذه الدعوة من أهل البلد يلقون إليهم بالأكاذيب ليصرفوهم عن الجماعة وقصدوا أول ما قصدوا إلى الشيخ محمد حسين الزملوط وألقوا إليه بفرية فقالوا: إن الإخوان قوم خطرون وعندهم من الأعمال السرية ما لو كشفته لفررت منهم ونجوت بنفسك ونحن سنبلغ عنهم الجهات المختصة ولكنا أردنا قبل ذلك أن نبلغك لتأخذ الحيطة لنفسك أولا وتستقيل منهم وتعلن استقالتك وبعدك عنهم
ومتى اطمأننا على ذلك بلغنا فلا يصيبك شيء فقال لهم: وهل أنتم واثقون مما تقولون؟ فقالوا نعم كل الثقة وقد اشتركنا فعلاً في هذه النواحي السرية، فقال الرجل وكان حصيفا عاقلاً فيه إيمان ودين وفيه صراحة وقوة أنتم الآن عندي أحد رجلين إما خائنون إذا كان الكلام صحيحاً،وإما كاذبون إذا كان باطلاً، فكيف تريدون مني أن أصدقكم وأحترمكم وأنتم خونة أو كذابون قوموا من عندي ولا أراكم بعد ذلك.
ولست أنسى تلك اللحظة التي جاءني فيها متغير الوجه عليه آثار الغضب والتأثر واستأذن من ناظر المدرسة وأخذني من الفصل وخرجنا نسير بظاهر البلد وحدنا ثم كاشفني بما سمع وقال: يا فلان عد إلى البلد الآن سريعاً ورتب نفسك إذا كان ما يقوله هؤلاء الناس صحيحاً واجتهد ألا يظهر شيء من أعمالكم هذه إذا كانت لكم أعمال وإذا ظهر شيء أو سئلت في شيء فقل إنني لا صلة لي بهذه الجماعة أبداً ورئيسها هو محمد حسين الزملوط
فأنت شاب لك مستقبل وأنت موظف تستطيع الحكومة أن تضايقك وأنت ضيف عندنا وقمت بهذه الدعوة لوجه الله فلا تستحق إلا كل جميل. لقد تأثرت أشد التأثر بشهامة هذا المؤمن رحمه الله، وقلت له يا سيدي اطمئن كل الإطمئنان فنحن نعمل في وضح النهار ولو كان هؤلاء الجماعة صادقين فيما يقولون لأبلغوا من زمن مضى فالخلاف بينهم وبين الجماعة ليس جديداً.
وكل ما في الأمر أنهم رأوك تساعد الجماعة بجاهك ومالك وأنت رجل خير طيب محترم فأرادوا أن يحرموا الجماعة صلتك بها ويظهروها للناس بهذا المظهر المخيف وإنى لشاكر لك أعظم الشكر هذا الاستعداد الكريم وجزاك الله عن الإيمان والوفاء خيراً.

أخيرا

كثير من الشخصيات الكرام – التي ربما لا نعرفها - والتي ورد ذكر اسمهم في مذكرات الإمام حسن البنا حيث حاول الرجل إعطائهم حقهم في الثناء لما لمسه فيهم من عظائم الأمور وحسن الأخلاق.

المراجع

  1. إحسان عبد القدوس: روزاليوسف، 13 سبتمبر 1945م.
  2. صالح عشماوي: سر البناء، الدعوة، السنة الرابعة – العدد (156) – الثلاثاء 5 جمادى الآخرة سنة 1373هـ - 9 فبراير 1954م.
  3. حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، صـ13
  4. المرجع السابق، صـ14
  5. المرجع السابق، صـ15
  6. المرجع السابق.
  7. المرجع السابق، صـ30.
  8. المرجع السابق، صـ33.
  9. المرجع السابق، صـ35.
  10. مجلة الرسالة: 2 يوليو 1945م.